الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد0%

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 320

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
تصنيف:

الصفحات: 320
المشاهدات: 82697
تحميل: 7427

توضيحات:

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82697 / تحميل: 7427
الحجم الحجم الحجم
الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

مؤلف:
العربية

فبعيد، لان لقائل أن يقول: ان العاقل اذا تحفظ وتيقظ حتى لا يقع في كلامه تناقض لم يقع، فمن أين انه خارق للعادة.

ولو جعل ذلك من فضائل القرآن ومراتبه لكان جيدا.

فأما معجزاته التي هي سوى القرآن(١) كمجئ الشجرة حين قال لها اقبلي فأقبلت تخد الارض خدا(٢) ثم قال لها ارجعي فرجعت، ومثل الميضاة وانه وضع يده في الاناء فغار الماء من بين أصابعه حتى شربوا ورووا، ومثل اطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير، ومنها حنين الجذع الذي كان يستند اليه اذا خطب لما تحول إلى المنبر فلما جاء اليه والتزمه سكن، ومنها تسبيح الحصى في كفه وكلام الذراع وقولها له لا تأكلني فاني مسمومة، ومنها انه لما استسقى فجاء المطر فشكوا اليه تهدم المنازل فقال حوالينا ولا علينا واشار إلى السحاب فصار كالاكليل حول المدينة والشمس طالعة في المدينة، [ ومنها انشقاق القمر وقد نطق القرآن به، ومنها شكوى البعير ](٣) ومنها قوله لامير المؤمنين عليه السلام « تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين » وقوله له « انك تقتل ذا الثدية » وقوله لعمار « تقتلك الفئة الباغية ».

وغير ذلك من الايات الباهرات التي هي معروفة مذكورة.

وليس يمكن أن يقال: هذه الاخبار آحاد لا يعول على مثلها.

لان المسلمين تواتروها وأجمعوا على صحتها، ونحن وان قلنا انها لا تعلم ضرورة فهي معلومة بالاستدلال بالتواتر على ما يذهب اليه.

ولا يمكن أيضا ادعاء الحيل في ذلك، لان كثيرا منها يستحيل ذلك فيه، كانشقاق القمر والاستسقاء واطعام الخلق الكثير من الطعام اليسير وخروج الماء من بين أصابعه واخباره بالغائبات ومجئ الشجرة اليه ورجوعها عنه،

___________________________________

(١) انظر تفاصيل هذه المعجزات في بحار الانوار.

(٢) تخد الارض: تشقها.

(٣) الزيادة من ر.

١٨١

لان جميع ذلك لا تتم فيه الحيلة، وانما يمكن الحيلة في الاجسام الخفيفة التي تحدث بالناقل ولا تتم في الشجرة العظيمة، وحنين الجذع لا يمكن أن يدعى كان لتجويف فيه دخله الريح، لان مثل ذلك لا يخفى وكان لا يستكن بمجئ النبى اليه ويحن اذا فارقه بل كان يكون ذلك بحسب الريح.

فأما كلام الذراع قيل فيه وجهان: أحدهما ان الله تعالى نبأها تنبيه الحي وجعل له آلة النطق فتكلم بما سمع وكان ذلك خارقا للعادة، والاخر ان الله تعالى فعل فيه الكلام وأضافه إلى الذراع مجازا.

ومن قال: لو انشق القمر لرآه جميع الخلق.

ليس بصحيح، لانه لا يمتنع أن يكون الناس في تلك الحال مشاغيل بالنوم وغيره، فانه كان بالليل فلم يتفق لهم مراعاته، فانه بقي ساعة ثم التأم.

وأيضا فلا يمتنع أن يكون هناك غيم حال بينه وبين جميع من لم يره ولا شاهده فلذلك لم يره الجميع.

والله أعلم بذلك.

(الكلام في الامامة)

الكلام في الامامة في خمس فصول: أولها - الكلام في وجوب الامامة.

والثاني - الكلام في صفات الامام.

والثالث - الكلام في أعيان الائمة.

والرابع - الكلام في أحكام البغاة.

والخامس - الكلام في الغيبة.

ونحن نبين فصلا فصلا من ذلك على وجه الايجاز انشاء الله.

١٨٢

فصل: (في الكلام في وجوب الامامة)

المخالف في وجوب الامامة طائفتان: احداهما تخالف في وجوبها عقلا، والاخرى تخالف في وجوبها سمعا.

فالمخالف في وجوبها سمعا شاذ لا يعتد به لشذوذه لانه لا يعرف قائلا به.

وعلماء الامة المعروفون مجموعون على وجوب الامامة سمعا، والخلاف القوي في وجوب الامامة عقلا، فانه لا يقول بوجوبها عقلا غير الامامية والبغداديين من المعتزلة وجماعة من المتأخرين، والباقون يخالفون في ذلك ويقولون المرجع فيه إلى السمع.

ولنا في الكلام في وجوب الامامة عقلا طريقان: احداهما أن نبين وجوبها عقلا سواء كان هناك سمع أو لم يكن، والثانية أن نبين أن مع وجود الشرع لابد من امام له صفة مخصوصة لحفظ الشرع باعتبار عقلي.

والذي يدل على الطريقة الاولى: انه قد ثبت أن الناس متى كانوا غير معصومين ويجوز منهم الخطأ وترك الواجب اذا كان لهم رئيس مطاع منبسط اليد يردع المعاند ويؤدب الجاني ويأخذ على يد السفيه والجاهل وينتصف للمظلوم من الظالم كانوا إلى وقوع الصلاح وقلة الفساد أقرب، ومتى خلوا من رئيس على ما وصفناه وقع الفساد وقل الصلاح ووقع الهرج والمرج وفسدت المعايش.

بهذا جرت العادة وحكم الاعتبار، ومن خالف في ذلك لا يحسن مكالمته لكونه مركوزا في أوائل العقول.

بل المعلوم أن مع وجود الرؤساء وانقباض أيديهم وضعف سلطانهم يكثر الفساد ويقل الصلاح، فكيف يمكن الخلاف فيه.

١٨٣

وليس لاحد أن يقول: انما يحصل من الصلاح عند الرؤساء أمور دنياوية ولا يجب اللطف لاجلها وليس فيها أمر ديني يجب اللطف لاجله، وذلك انما يحصل عند الروساء أمر ديني، وهو قلة الظلم ووقوع الفساد ومن تغلب القوي على الضعيف، وهذه أمور دينية يجب اللطف لاجلها وان حصل فيها أمر دنياوي فعلى وجه التبع.

ولا يبلغ الخوف من الرؤساء إلى حد الالجاء، لانه لو بلغ حد الالجاء لما وقع شئ من الفساد، لان مع الالجاء لا يقع فعل ما ألجئ اليه، وكان يجب أن لا يستحق [ تارك القبيح وفاعل الواجب مدحا لان ما يقع على وجه الالجاء لا يستحق به ](١) مدحا، والمعلوم أن العقلاء يستحقون المدح بفعل الواجب وترك القبيح مع وجود الرؤساء.

ولا يقدح فيما قلنا وقوع كثير من الفساد عند نصب رئيس بعينه، لانه انما يقع الفساد لكراهتهم رئيسا بعينه، ولو نصب لهم من يؤثرونه ويميلون اليه لرضوا به وانقادوا له، وذلك لا يقدح في وجوب جنس الرئاسة.

ولا يلزم أيضا نصب رؤساء جماعة، لان بهذه الطريقة انما يعلم وجوب جنس الرئاسة، فأما عددهم وصفاتهم فانا نرجع إلى طريقة أخرى غير اعتبار وجوب الرئاسة في الجملة.

والعقل كان يجوز نصب أئمة كثيرين في كل زمان، وانما منع السمع والاجماع من أنه لا ينصب من يسمى اماما في كل زمان الا واحدا ويكون باقي الرؤساء من قبله.

والذي يقطع به ان الرئاسة لطف في أفعال الجوارح التي يظهر قلتها بوجود الرؤساء وكثرتها بعدمهم، وأما أفعال القلوب فلا طريق لنا إلى كون الرئيس

___________________________________

(١) الزيادة من ر.

١٨٤

لطفا فيها، ولا يلزم اذا كان الامام لطفا في بعض التكاليف أن لا يكون لطفا أصلا لان احكام الالطاف تختلف فبعضها عام من كل وجه وبعضها خاص وبعضها عام من وجه وخاص من وجه آخر، فلا ينبغي أن يقاس بعضها على بعض.

ألا ترى أن المعرفة عامة في جميع التكاليف الا ما تقدمها في زمان مهلة النظر.

وأما العبادات الشرعية فليس يخفى الاختصاص فيها، لان الصلاة تجب على قوم دون قوم فان الحائض لا تجب عليها، والزكاة لا تجب على من لا يملك النصاب والصوم لا يجب الا على من يطيقه فأما من به عطاش أو قلة صبر عن الطعام لفساد مزاج فلا يجب عليه، وكذلك جميع العبادات فلا يجب قياس بعضها على بعض فأما خلق الاولاد والصحة والسقم والغنى والفقر فالامر في اختصاصه ظاهر.

ومن هو معصوم مأمون منه القبيح وترك الواجب لا يحتاج إلى امام يكون لطفا له في ذلك وان احتاج اليه من وجوه أخر، نحو أخذ معالم الدين عنه وغير ذلك.

واللطف في الحقيقة هو تصرف الامام وأمره ونهيه وتأديبه، فان حصل انزاحت به العلة.

وحسن التكليف وان لم يحصل بأمر يرجع إلى المكلفين لا يجب سقوط التكليف عنهم، لانهم يؤتون في ذلك.

من قبل نفوسهم لا من قبل خالقهم.

وانما يجب على الله تعالى خلق الامام وايجابه علينا طاعته ليتمكن من التصرف، فاذا لم يمكنه لم يجب سقوط التكليف عنا، لانا نكون أتينا من قبل نفوسنا.

فاذا ثبتت هذه الجملة فلا يلزم اذا كان الامام غائبا أن يسقط التكليف عنا لانا أتينا من قبل نفوسنا بأن أخفناه وأحوجناه إلى الاستتار، ولو أطعناه ومكناه لظهر وتصرف فحصل اللطف.

وكل من لم يظهر له الامام فلابد أن تكون العلة ترجع اليه، لانه لو رجع

١٨٥

إلى غيره لاسقط الله تكليفه، وفي بقاء التكليف عليه دليل على أن الله تعالى أزاح علته وبين له ما هو لطف له فعل هو أم لم يفعل، كما نقول: ان الصلاة لطف لكل مكلف فمن لم يصل لم يجب سقوط تكليفه لانه أتي من قبل نفسه، وكذلك ههنا.

ولا يلزم على جواز الغيبة جواز عدمه، لانه لو كان معدوما لما أمكننا طاعته ولا تمكينه فلا تكون علتنا مزاحة واذا كان موجودا أمكن ذلك فاذا لم يظهر تكون الحجة علينا واذا كان معدوما تكون الحجة على الله تعالى، فبان الفرق بين وجوده غائبا وبين عدمه، فالوجود أصل لتمكيننا اياه ولا يمكن حصول الفرع بلا حصول الاصل.

وأولياء الامام ومن يعتقد طاعته فاللطف بمكانه حاصل لهم في كل وقت عند كثير من أصحابنا، لانهم يرتدعون بوجوده من كثير من القبائح، ولانهم لا يأمنون كل ساعة من ظهوره وتمكينه فيخافون تأديبه كما يخافونه وان لم يكن معهم في بلدهم بينهم وبينه بعد، بل ربما كانت الغيبة أبلغ، لان معها يجوز أن يكون حاضرا فيهم مشاهدا لهم وان لم يعرفوه بعينه.

وفيهم من قال: انه إذا لم يظهر لهم فالتقصير يرجع اليهم أو لما يعلم الله تعالى من حالهم أنه لو ظهر لهم لاشاعوا خبره أو شكوا في معجزه بشبهة تدخل عليهم فيكفرون به فلذلك لم يظهر لهم.

ولا يجوز أن تكون للامامة بدل يقوم مقامها في باب اللطف كما لا يجوز مثله في المعرفة، وان جاز كثير من الالطاف أن يكون له بدل.

وانما قلنا ذلك لانه لو كان بدل لم يمتنع أن يفعل الله ذلك البدل فيمن ليس بمعصوم، فيكون حاله مع فقد الرئيس كحاله مع وجوده في باب الانزجار عن القبيح والتوفر على فعل الواجب، والمعلوم ضرورة خلافه على ما بيناه.

والكلام في تفريع هذا الباب استوفيناه في تلخيص الشافى وشرح الجمل وفيما ذكرناه ههنا كفاية.

١٨٦

(وأما الطريقة الثانية) وهو أنه لابد من امام بعد ورود الشرع أنه اذا ثبت أن شريعة نبينا عليه السلام مؤبدة إلى يوم القيامة وان من يأتي فيما بعد يلزمه العمل بها كما لزم من كان في عصر النبي عليه السلام فلابد من أن تكون علتهم مزاحة [ كما كانت علة من شاهد النبى مزاحة في زمانه، ولا تكون العلة مزاحة ](١) الا بأن تكون الشريعة محفوظة، فلا تخلو من أن تكون محفوظة بالتواتر أو الاجماع أو الرجوع إلى أخبار الاحاد والقياس أو بوجود معصوم عالم بجميع الاحكام في كل عصر يجري قوله مثل قول النبى عليه السلام، فاذا أفسدنا الاقسام كلها الا وجود معصوم ثبت أنه لابد من وجوده في كل وقت ولا يجوز أن تكون محفوظة بالتواتر، لانه ليس جميع الشريعة متواتر بها بل التواتر موجود في مسائل قليلة نزرة، فكيف يعمل بها في باقي الشريعة.

على أن ما هو متواتر يجوز أن يصير غير متواتر، بأن يترك في كل وقت جماعة من الناقلين نقله إلى أن يصير آحادا، أما لشبهة تدخل عليهم أو اشتغال بمعاش وغير ذلك من القواطع ولا مانع من ذلك أو يعتمدوا تركه لانهم ليسوا معصومين لا يجوز عليهم ذلك.

ولا يجوز أن تكون محفوظة بالاجماع، لان الاجماع ليس بحاصل في أكثر الاحكام بل هو حاصل في مسائل قليلة والباقي كله فيه خلاف فكيف يعول عليه.

على أن الاجماع ان فرضنا أنه ليس فيهم معصوم - على ما يقولونه - فليس بحجة، لان حكم اجتماعهم حكم انفرادهم، فاذا كان كل واحد منهم ليس بمعصوم فكيف يصيرون باجتماعهم معصومين، ولو جاز ذلك جاز أن يكون كل واحد منهم لا يكون مؤمنا فاذا اجتمعوا صاروا مؤمنين، أو يكون كل واحد منهم يهوديا فاذا اجتمعوا صاروا مؤمنين، أو يكون كل واحد منهم يهوديا فاذا اجتمعوا صاروا مسلمين، وذلك باطل.

___________________________________

(١) الزيادة من ر.

١٨٧

ومتى قيل: في العقل وان كان الامر على ما قلتموه، فان أدلة الشرع لزمتنا من جواز اجتماعهم على خطاء من آيات وأخبار.

قلنا: لا دلالة في شئ من الايات والاخبار على ما تدعونه وبيننا وبينكم السير والاعتبار، وقد استوفينا الكلام في ذلك في أصول الفقه وتلخيص الشافي وشرح الجمل لا نطول بذكره ههنا.

فأما أخبار الاحاد والقياس فلا يجوز أن يعمل عليهما عندنا، وقد بينا ذلك في أصول الفقه وغيره من كتبنا، فلم يبق من الاقسام الا وجود معصوم يجري قوله كقول النبي عليه السلام.

فان قيل: يلزم على هذا أن يكون من لا يعرف الامام لا يعرف أحكام الشرع، والمعلوم خلافه.

قلنا: من لا يعرف الامام لا يجوز أن يعرف من الشريعة الا ما تواتر النقل به أو دل دليل قاطع عليه من ظاهر قرآن أو اجتمعت الامة عليه، فأما ما عدا ذلك فانه لا يعلمه وان اعتقده فانما يعتقده اعتمادا ليس بعلم، فلم يخرج من موجب الدلالة.

والشرع يصل إلى من هو في البلاد البعيدة وفي زمن النبي أو الامام بالنقل المتواتر الذي من ورائه حافظ معصوم، ومتى انقطع دونهم أو وقع فيه تفريط تلافاه حتى يصل اليهم وينقطع عذرهم.

فأما اذا فرضنا النقل بلا حافظ معصوم من وراء الناقلين فانا لا نثق بأنه وصل جميعه، وجوزنا أن يكون وقع فيه تقصير أو كتمان لشبهة أو تعمد، وانما نأمن وقوع شئ منه لعلمنا أن من ورائه معصوما متى وقع خلل تلافاه.

وهذه حالنا في زمن الغيبة، فانا متى علمنا بقاء التكليف وعلمنا استمرار الغيبة علمنا أن عذرنا منقطع ولطفنا حاصل.

لانه لو لم يكن حاصلا لسقط التكليف أو اظهر الله تعالى الامام ليبين لنا ما وقع فيه من الخلل فلا يمكن التسوية بين نقل من وراء‌ه معصوم وبين نقل ليس من وراء‌ه ذلك، فيسقط الاعتراض.

١٨٨

فصل: (في صفات الامام)

يجب أن يكون الامام معصوما من القبائح والاخلال بالواجبات، لانه لو لم يكن كذلك لكانت علة الحاجة قائمة فيه إلى امام آخر، لان الناس انما احتاجوا إلى امام لكونهم غير معصومين، ومحال أن تكون العلة حاصلة والحاجة مرتفعة، لان ذلك نقص العلة.

ولو احتاج إلى امام لكان الكلام فيه كالكلام في الامام الاول، وذلك يؤدي إلى وجود ائمة لا نهاية لهم أو الانتهاء إلى امام معصوم ليس من ورائه امام، وهو المطلوب.

وانما قلنا « ان علة الحاجة هي ارتفاع العصمة » لان الذي دلنا على الحاجة [ دلنا على جهة الحاجة.

ألا ترى أن دليلنا ](١) في وجوب الرئاسة هو أن الفساد تقل عند وجوده وانبساط سلطانه وتكثر الصلاح، وذلك لا يكون الا ممن ليس بمعصوم لانهم لو كانوا معصومين لكان الصلاح شاملا أبدا والفساد مرتفعا، فلم يحتج إلى رئيس يعلل ذلك.

فبان أن علة الحاجة هي ارتفاع العصمة ويجب أن تكون مرتفعة عن الامام والا أدى إلى ما بينا فساده.

وليس يلزم على ذلك عصمة الامراء والحكام وان كانوا رؤساء، لانهم اذا لم يكونوا معصومين فلهم رئيس معصوم، وقد أشرنا اليه فلم ينتقض علينا.

والامام لا امام له ولا رئيس فوق رياسته، فلذلك وجب أن يكون معصوما.

فان قالوا: الامة أيضا من وراء الامام متى أخطأ عزلته وأقامت غيره مقامه.

___________________________________

(١) الزيادة ليست في ر.

١٨٩

قلنا: هذا باطل، لان علة الحاجة إلى الرئيس ليست هي وقوع الخطأ بل هي جواز الخطأ عليهم، ولو كان العلة وقوع الخطأ لكان من لم يقع منه الخطأ لا يحتاج إلى امام، وذلك خلاف الاجماع.

ثم على ما قالوه كان يجب أن تكون الامة امام الامام، وذلك خلاف الاجماع.

ومع هذا فلا يجوز أن يكون الشئ يحتاج إلى غيره في وقت يحتاج ذلك الغير اليه بعينه، لان ذلك يؤدي إلى حاجة الشئ إلى نفسه، وذلك لا يجوز.

وكل علة تدعى في الحاجة إلى الامام من قيامه بأمر الامة وتولية الامراء والقضاة والجهاد وقبض الاخماس والزكوات وغير ذلك، فان جميع ذلك تابع للشرع وكان يجوز ان يخلو التكليف العقلي من جميع ذلك مع ثبوت الحاجة إلى امام، للعلة التي قدمناها.

فان قيل: لو كانت علة الحاجة ارتفاع العصمة وجب أن يكون من هو معصوم لا يحتاج إلى امام يكون لطفا له في ارتفاع القبيح من جهة وان احتاج اليه لعلة اخرى غيرها من أخذ معالم الدين عنه وغير ذلك، كما نقوله في من هو أهل للامامة في زمن امام قبله أنه يجب أن يكون معصوما وله امام، لما قلناه من العلة لا لتقليل القبيح او ارتفاعه من جهته.

ويجب أن يكون الامام أفضل من كل واحد من رعيته في كونه اكثر ثوابا عند الله وفي الفضل الظاهر، يدل على كونه اكثر ثوابا ما بيناه من وجوب عصمته واذا ثبتت عصمته فكل من أوجب العصمة له قطع على كونه اكثر ثوابا، لان أحدا لا يفرق بين المسلمين.

وأيضا فالامام يستحق من التعظيم والتبجيل وعلو المنزلة في الدين مالا يستحقه أحد من رعيته، وهذا الضرب من التعظيم والتبجيل لا يجوز أن تفضلا، بدلالة أنه لا يجوز فعله بالبهائم والاطفال، واذا وجب أن يكون مستحقا دل على أنه اكثر

١٩٠

ثوابا لان التعظيم ينبي عنه.

فاذا ثبتت عصمته على ما قدمناه قطعنا على حصول هذه المنزلة عند الله من غير شرط، بخلاف ما شرطه في تعظيم بعضنا لبعض.

وأيضا فقد دللنا على أن الامام حجة في الشرع، فوجب أن يكون اكثر رعيته ثوابا كالنبي صلى الله عليه وآله، فانه انما وجب ذلك فيه لكونه حجة في الشرع.

وأما الذي يدل على أنه يجب أن يكون أفضل في الظاهر ما نعلمه ضرورة من قبح تقديم المفضول على الفاضل.

ألا ترى أنه يقبح من ملك حكيم أن يجعل رئيسا في الخط على مثل ابن مقلة ونظرائه من يكتب خطوط الصبيان والبقالين ويجعل رئيسا في الفقه على مثل أبى حنيفة والشافعي وغيرهما.

والعلم بقبح ذلك ضروري لا يختلف العقلاء فيه، ولا علة لذلك الا أنه تقديم المفضول على الفاضل فيما كان أفضل منه فيه.

واذا كان الله تعالى هو الناصب للامام يجب أن لا ينصب الا من هو أفضل في ظننا وعلمنا.

وانما قلنا « انه يجب أن يكون أفضل فيما هو امام فيه » لانه يجوز أن يكون في رعيته من هو أفضل منه فيما ليس هو امام فيه ككثير من الصنائع والمهن وغير ذلك، والمعتبر كونه أفضل فيما هو امام فيه.

وبذلك نجيب من قال: ان النبي صلى الله عليه وآله قدم عمرو بن العاص على فضلاء الصحابة وقدم زيدا على جعفر [ وهو أفضل منه وقدم خالدا أيضا على جعفر ](١) .

وذلك أن كل هؤلاء انما قدموا في سياسة الحرب وتدبير الجيوش وهم أفضل في ذلك ممن قدموا عليه، وان كانوا أولئك أفضل في خصال دينية أو دنياوية، فسقط الاعتراض.

ولا يجوز تقديم المفضول على الفاضل لعلة وعارض، لان تقديمه عليه وجه قبح، ومع حصول وجه القبح لا يحسن ذلك كما لا يحسن الظلم، وان عرض فيه وجه من وجوه الحسن - ككونه نفعا للغير - لان مع كونه ظلما - وهو

___________________________________

(١) الزيادة ليست في ر.

١٩١

وجه القبح - لا يحسن على حال.

ولو جاز أن يحسن ذلك لعلة لجاز أن يحسن تقديم الفاسق المتهتك على أهل الستر والصلاح، وتقديم الكافر على المؤمن لمثل ما قالوه، وذلك باطل.

ويجب أن يكون الامام عالما بتدبير ما هو امام فيه من سياسة رعيته والنظر في مصالحهم وغير ذلك بحكم العقل.

ويجب أن يكون أيضا بعد الشرع عالما بجميع الشريعة، لكونه حاكما في جميعها.

يدل على ذلك أنه لا يحسن من حكيم من حكماء الملوك أن يولي وزارته والنظر في مملكته من لا يحسنها أو لا يحسن اكثر من ذلك، ومتى فعل ذلك كان مضيعا لمملكته واستحق الذم من العقلاء.

وكذلك لا يحسن من أحدنا أن يوكل انسانا على النظر في أمر ضيعته وأهله وولده وتدبير أموره من لا يعرف شيئا منها أو اكثرها، ومتى فعل ذلك ذموه العقلاء وقالوا له: ضيعت امر أهلك وضيعتك والتولية في هذا الباب.

بخلاف التكليف، لان أحدا يحسن منه أن يعرض ولده ليعلم العلوم وان لم يحسنها ولا يحسن منه أن يجعله رئيسا فيها وهو لا يحسنها.

فبان الفرق بينهما.

ولا يلزم اذا قلنا انه يجب أن يكون عالما بما أسند اليه، أن يكون عالما بما ليس هو اماما فيه كالصنائع وغير ذلك، لانه ليس هو رئيسا فيها.

ومتى وقع فيها تنازع من أهلها ففرضه الرجوع إلى أهل الخبرة والحكم بما يقولونه.

وكل من ولي ولاية صغرت أو كبرت كالقضاء والامارة والجباية وغير ذلك فانه يجب أن يكون عالما فيما أسند اليه ولا يجب أن يكون عالما بما ليس بمستند اليه، لان من ولي القضاء لا يلزم أن يكون عالما بسياسة الجند، ومن ولي الامارة لا يلزم أن يكون عالما بالاحكام، وهكذا جميع الولايات، ولا يلزم أيضا أن يكون عالما بصدق الشهود والمقرين على أنفسهم، لانه انما جعل اماما

١٩٢

في الحكم بالظاهر دون الباطن.

وانما يجب أن يكون الامام عالما بما أسند اليه في حال كونه اماما، فأما قبل ذلك فلا يجب أن يكون عالما.

ولا يلزم أن يكون امير المؤمنين عليه السلام عالما بجميع الشرع في حياة النبي صلى الله عليه وآله، أو الحسن والحسين عليهما السلام عالمين بجميع ذلك في حياة أبيهما، بل انما يأخذ المؤهل للامامة العلم ممن قبله شيئا بعد شئ ليتكامل عند آخر نفس من الامام المتقدم عليه بما أسند اليه.

ولو جاز أن يعلم الامام كثيرا من الاحكام ويستفتي العلماء لجاز أن لا يعلم شيئا منها ويستفتيهم، والا فما الفرق.

والمخالف يعتبر أن يكون من أهل الاجتهاد.

ويدل أيضا على كونه عالما بجيمع الشرع، أنا قد دللنا على كونه حافظا للشرع، فلو لم يكن عالما بجميعه لجوزنا أن يكون وقع فيه خلل من الناقلين أو تركوا بعض ما ليس الامام عالما به، فيؤدي إلى ان لا يتصل بنا ما هو مصلحة، ولا تنزاح علتنا في التكليف لذلك، وذلك باطل بالاتفاق.

ويجب أن يكون الامام أشجع رعيته، لانه فيهم والمنظور اليه، فلو لم يكن أشجع لجاز أن ينهزم فينهزم بانهزامه المسلمون، فيكون فيه بوار المسلمين والاسلام، فاذا يجب أن يكون أشجعهم وأربطهم جأشا وأثبتهم قلبا.

غير أن هذا يجب مع فرض العباد بالجهاد، فأما ان لم يكن متعبدا بالجهاد فلا يجب مع فرض ذلك.

ويجب أن يكون الامام أعقل رعيته، والمراد بالاعقل أجودهم رأيا و أعلمهم بالسياسة.

ويجب أن يكون على صورة غير منهرة ولا مشينة، ولا يلزم أن يكون أحسن الناس وجها.

١٩٣

ويجب أن يكون منصوصا عليه، لما قدمناه من وجوب عصمته.

ولما كانت العصمة لا تدرك حسا ولا مشاهدة ولا استدلالا ولا تجربة ولا يعلمها الا الله تعالى، وجب أن ينص عليه ويبينه من غيره على لسان نبي، ان المعجز لابد أن يظهر على يده علما معجزا عليه بينة من غيره.

غير أن المعجز لابد أن يستند إلى نص متقدم، لان الامام لا يعلم أنه امام الا ينص عليه نبي، فاذا نص عليه النبى أو ادعى هو الامامة جاز أن يظهر الله تعالى على يده علما معجزا، كما نقوله في صاحب الزمان اذا ظهر، فصار النص هو الاصل.

فان قيل: هلا جاز أن يكلف الله تعالى الامه أختيار الامام اذا علم الله تعالى أن اختيارهم لا يقع الا على معصوم، فيحسن تكليفهم ذلك.

قلنا: لا يعتبر بالعلم في ذلك، لان علمه تعالى بأنهم لا يختارون الا المعصوم لا يكفي في حسن هذا التكليف، لانه اذا لم يكن طريقا إلى الفرق بين المعصوم وغيره وكلفوا اختيار المعصوم كان في ذلك تكليف لما لا دليل عليه، وهو تكليف ما لا يطاق الذي بينا قبحه.

ويلزم على ذلك اختيار الانبياء واختيار الشرائع اذا علم الله تعالى أنه لا يقع اختيارهم الا على نبي وعلى ما وهو مصلحة لهم، ويلزم حسن تكليف الاخبار عن الغائبات اذا علم أنهم يخبرون بالصدق، وذلك باطل.

ومن ارتكب حسن ذلك كموسى بن عمران عليه السلام، قيل له: لم لا يكلف الله تعالى اعتقاد معرفته ولم ينصب عليه دليلا اذا علم أنه يتفق لهم معرفته من غير دليل.

ويلزم حسن تكليف الاخبار عن المستقبل وان لم يتعلق بالشرائع، ومعلوم قبح ذلك ضرورة.

فان قيل: لونص الله تعالى على صفة وقال من كان عليها فاعلموا أنه معصوم لكان يجوز أن يكلف الاختيار لمن تلك صفته.

قلنا:يجوز ذلك اذا كان هناك طريق إلى معرفة تلك الصفة، لان هذا نص

١٩٤

على الجملة، والنص على الصفة يجري مجرى النص على الغير، ولاجل هذا نص الله تعالى في الشرعيات على صفات الافعال دون أعيان الافعال، وكان ذلك جائزا لان العلة تنزاح به.

فعلى هذا لو كلف الله تعالى الامة أن يختاروا من ظاهره العدالة ثم قال لهم ان كان كذلك كان معصوما، والامارات على العدالة ظاهرة منصوبة معلومة بالعادة، فان ذلك جائز، كما جاز تكليفنا تنفيذ الحكم عند شهادة الشهادتين اذا ظننا عدالتهم ويكون تنفيذ الحكم معلوما وان كانت العدالة مظنونة، وكذلك كون المختار معصوما يكون معلوما اذا اخترنا من ظاهره العدالة، وذلك لا ينافي النص والمعجز.

ويمكن مثل هذا الترتيب في اعتبار كثرة الثواب وكونه أفضل عند الله تعالى، لانه لا يعلم ذلك الا الله كالعصمة فلابد أن ينص عليه أو يظهر معجزا.

ويمكن أن يعرف أعيان الائمة بضرب من التقسيم، بأن يقول اذا ثبت وجوب الامامة والامة في ذلك بين أقوال ثلاثة مثلا فيفسد القسمين منها فيعلم صحة القسم الاخر على ما سنبينه في أمير المؤمنين عليه السلام والائمة من بعده، ولا يحتاج مع ذلك إلى نص ولا معجز.

غير أن هذا انما اذا كانت الاحوال على ما هى عليه في شرعنا، ويمكن أن يقال قول من قال بامامة من ثبتت امامته لا بد أن يستند إلى دليل، لانه لابد أن يكون صادرا عن دليل، فهو اما أن يكون نصا أو معجزا، فقد عاد الامر إلى ما قلناه.

فان قيل: كيف تدعون وجوب النص أو المعجز، ومعلوم أن الصحابة لما حاجوا في الامامة فكل طلبه من جهة الاختيار ولم يقل أحد أنه لا تبثت الامامة الا بالنص أو المعجز.

١٩٥

قيل: لم نسلم ذلك بل نحن نبين أنهم اختلفوا في نفس الاختيار أيضا فيما بعد، ولو سلمنا لكان انكارهم واختلافهم في غير المختار، ويحتمل أن يكون انكارا لنفس الاختيار ويحتمل أن يكون لغيره، واذا احتمل أمرين سقط السؤال.

الكلام في ذكر أعيان الائمة (عليهم السلام) الامام بعد النبى صلى الله عليه وآله بلا فصل أمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه السلام.

يدل على ذلك أنه اذا ثبت بما قدمناه من الدلالة أن من شرط الامام أن يكون مقطوعا على عصمته فالامة بين قائلين: فكل من قال شرط الامام العصمة قطع على أن الامام بعد النبي علي عليهما السلام، ومن خالف في امامته خالف في أن من شرط الامام أن يكون معصوما، وليس فيهم من قال الامام يجب أن يكون معصوما وقال الامام غيره، فالقول بذلك خروج عن الاجماع، ومتى نازعوا في أن من شرط الامام العصمة كلموا بما تقدم.

فان قيل: ومن أين تعلمون أن عليا عليه السلام معصوم.

قلنا: اذا ثبت أنه الامام بالاعتبار الذي ذكرناه قطعنا على عصمته، لما ثبت من أن الامام يجب أن يكون معصوما.

فان قيل: فقد صرتم لا تعلمون عصمته الا بعد أن تعلموا امامته، ولا تعلموا امامته الا بعد أن تعلموا عصمته، فقد بنيتم كل واحد منهما على صاحبه، فلا يصح أن تعلموا واحدا منهما.

قلنا: ليس الامر على ذلك، لانا انما علمنا امامته بطريقة القسمة، اذ بنينا على أن من شرط الامام أن يكون معصوما على الجملة - أي امام كان ولم نعينه - فاذا علمنا بذلك امامته علمنا عصمته على التعيين، والكلام في الجملة

١٩٦

غير الكلام في التعيين.

ومثل ذلك اذا علمنا أن من شرط النبى أن يكون معصوما في الجملة ثم علمنا نبوة نبي بعينه قطعنا على عصمته.

ولك أن ترتب على وجه آخر فنقول: اذا ثبت أن من شرط الامام أن يكون معصوما ووجدنا الامة بعد النبى صلى الله عليه وآله بين ثلاثة أقوال: [ قائل يقول بامامة أبى بكر ](١) ، وقائل يقول بامامة العباس، وقائل يقول بامامة على عليه السلام.

ولا قول رابع يعرف، وكل من قال بامامة أبى بكر أو بامامة العباس لم يجعل من شرط الامامة العصمة، فينبغى أن نسقط قول الفريقين ويبقي قول القائلين بامامة علي، والا خرج الحق عن الامة وذلك لا يجوز.

ولك أن ترتب مثل هذا في كونه اكثر ثوابا عند الله، ولا أحد من الامة يقطع على أن أبا بكر أو العباس اكثر ثوابا عند الله، لان القائلين بكون ابى بكر أفضل يقولون انه أفضل في الظاهر وعلى غالب الظن، فأما على القطع والثبات عند الله فليس بقول لاحد، ومتى نازع فيه منازغ دللنا على أن عليا عليه السلام أفضل الصحابة ليسقط خلافه.

ولك أن ترتب مثل ذلك في كونه أعلم الامة بالشرع وتقول: اذا ثبت أن من شرط الامام العلم بجميع أحكام الشريعة فليس في الامة من يذهب إلى امامة من هو أعم الامة وأنه عالم بجميع أحكام الشرع الا القائلون بامامة علي عليه السلام، لان القائلين بامامة ابى بكر لا يدعون فيه ذلك وانما يقولون هو من أهل الاجتهاد، وكذلك القائلون بامامة العباس، بل ليس عندهم من شرط الامام أن يكون أعلم الامة.

وهذه طرق عقلية اعتبارية لا يمكن افسادها الا بالمنازعة في الاصل الذي بني عليه، والخلاف في ذلك يكون كلاما في مسألة أخرى.

___________________________________

(١) الزيادة من ج.

١٩٧

دليل من القرآن على امامته (عليه السلام) ويدل أيضا على الامام بعد النبى عليه السلام قوله تعالى( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) .

ووجه الاستدلال من الاية أن معنى( وَلِيُّكُمُ ) في الاية من كان مستحقا للامر وأولى القيام به وتجب طاعته، وثبت أيضا أن المراد ب‍( الَّذِينَ آمَنُوا ) أمير المؤمنين عليه السلام، واذا ثبت الامران ثبتت امامته عليه السلام.

وهذه الجملة تحتاج إلى بيان أشياء: أولها ان لفظة « ولي » تفيد الاولى في اللغة.

وثانيها أن المراد بها في الاية ذلك.

وثالثها أن المراد ب‍( الَّذِينَ آمَنُوا ) أمير المؤمنين دون غيره.

والدليل على الاول - استعمال هذه اللفظة في اللغة، لانهم يقولون « فلان ولي المرأة » اذا كان أولى بالعقد عليها، و « فلان ولي الدم » اذا كان له المطالبة بالقود والدية أو العفو ويقولون « فلان ولي عهد المسلمين » للمرشح للخلافة.

وقال الكميت: ونعم ولي الامر بعد وليه * ومنتج التقوى ونعم المؤدب ويعني بالولي الاولى بالقيام بالامر وتدبيره.

وقال المبرد: الولي هو الاحق، والمولى والاولى عبارة عن شئ واحد.

والدليل على أن المراد في الاية ذلك أنه اذا ثبت أن المراد ب‍( الَّذِينَ آمَنُوا ) من كان مؤتيا للزكاة في حال الركوع، لانه تعالى لما وصفه بالايمان وصفه بايتاء الزكاة في حال الركوع، فيجب أن يراعى ثبوت الصفتين، وقد علمنا أن أحدا لم يعط الزكاة في حال الركوع غير علي عليه السلام، فوجب

___________________________________

(١) سورة المائدة: ٥٥.

١٩٨

أن يكون هو المعني بها دون غيره.

وأيضا فانه تعالى نفى أن يكون وليا غير الله ورسوله والذين آمنوا بلفظة « انما »، وهي تفيد تحقيق ما ذكر ونفي الصفة عمن لم يذكر، بدلالة قولهم.

« انما لك عندي درهم » يريدون ليس لك عندي الا درهم، ويقولون « انما النحويون المدققون البصريون » يريدون نفي التدقيق عن غيرهم، ويقولون « انما الفصاحة في الجاهلية » يريدون نفي الفصاحة عن غيرهم.

وقال الاعشى: ولست بالاكثر منهم حصى * وانما العبرة للاكاثر وانما أراد نفي العبرة عمن ليس بكاثر.

واذا ثبت [ أن المراد بالولاية التخصيص ثبت ](١) ما أردناه من معنى الامامة والتحقيق بالامر، لان ولاية المحبة والموالاة الدينية عامة في جميع الامة للاجماع عليه، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.

والذي يدل على أن المراد ب‍( الَّذِينَ آمَنُوا ) علي عليه السلام أمران: أحدهما - أنه اذا ثبت أن المراد بالولي الاولى والاحق، فكل من قال بذلك قال هي متوجهة اليه عليه السلام، لان من خالف في ذلك حملها على الموالاة في الدين لجميع المؤمنين.

والثاني - أنه قد ورد الخبر من طريق العام والخاص بنزول الاية فيه عليه السلام عند تصدقه بخاتمه في حال الركوع، والقصة في ذلك مشهورة(٢) .

فاذا ثبت أنه المختص بالاية ثبتت امامته دون غيره، [ لان كل من قال ان الاية تفيد الامامة قال هو المخصوص دون غيره ](٣) ، ومن قال الاية نزلت في

___________________________________

(١) الزيادة ليست في ر.

(٢) راجع تلخيص الشافى ٢ / ١١.

(٣) الزيادة من ج.

١٩٩

عبادة بن الصامت فالكلام عليه من وجهين: أحدهما: ان هذه رواية شاذة أكثر الامة يدفعها، وما قلناه في نزولها فيه مجمع عليه.

والثاني: انه روي أن عبادة كان محالفا لليهود، فلما أسلم قطعت اليهود محالفته، فاشتد ذلك عليه فأنزل الله تعالى فيه الاية تسلية له وتقوية لقلبه.

ومن قال: ان الاية نزلت في أقوام كانوا في الصلاه في الركوع وأرادوهم راكعون في الحال لا أنهم آتوا الزكاة في حلال الركوع وانما أراد أن ذلك طريقتهم وهم في الحال راكعون.

فقوله باطل، لانه ذلك يخالف العربية ووجه الكلام، لان المفهوم من قول القائل « يستحق المدح من جاد بماله وهو ضاحك » و « فلان يغشى لاخوانه وهو راكب » معنى الحال، وكذلك لو قال « لقيت فلانا وهو يأكل » لم يعقل منه الا لقاؤه في حال الاكل.

على أنه لو حمل على ما قالوه لكان ذلك تكرارا، لان قوله( وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ) دخل فيه الركوع فلا معنى لتكرير قوله( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، لانه عبث.

على أن هذا القول لم يقله أحد غير الجبائي ولا ذكره أحد من أصحاب الاخبار، لان الاية لو كانت في قوم معينين لنقل وسطر، وفي تعري الاخبار من ذلك دليل على أن ذلك لا أصل له.

فان قيل: حمل لفظ( الَّذِينَ ) على الواحد مجاز، وحمل قوله( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) في الحال مجاز آخر لان حقيقتها الاستقبال، فلم لا يجوز أن يحمل على مجاز واحد.

فنقول: المراد من صفتهم ايتاء الزكاة ومن صفتهم أنهم راكعون، ولا يجعل احدى الصفتين حالا للاخرى.

قلنا: أما لفظ( الَّذِينَ ) وان كان لفظ جمع فقد صار بعرف الاستعمال

٢٠٠