الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد0%

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد مؤلف:
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 320

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
تصنيف:

الصفحات: 320
المشاهدات: 82684
تحميل: 7427

توضيحات:

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 82684 / تحميل: 7427
الحجم الحجم الحجم
الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد

مؤلف:
العربية

يعبر به عن واحد معظم له، ولذلك نظائر كقوله( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) وقوله( إِنَّا أَرْسَلْنَا ) (٢) و( لَقَدْ أَرْسَلْنَا ) (٣) وغير ذلك من الالفاظ.

وقال أهل التفسير: ان قوله تعالى( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ) (٤) المرادبه واحد معروف.

وأما لفظ « يؤتون » فمشترك بين الحال والاستقبال، وانما يختص بالاستقبال بدخول السين أو سوف عليه، وهي بالحال أشبه، لانهم يقولون « مررت برجل يقوم » كما يقولون « مررت برجل قائم »، ولو تساويا لكان الحمل على كل واحد منهما حقيقة ولم يكن مجازا.

على أن من مذهب من خالفنا من أهل العدل أن الله كان ولا شئ ثم أحدث الذكر، فعلى هذا حمل الاية على الاستقبال حقيقة.

على أن مجازنا له شاهد في الاستعمال ومجازهم لا شاهد له في عرف ولا لغة، يؤدي ايضا إلى ان لا نستفيد بالاية شيئا، لان الموالاة الدينية معلومة بغيرها.

على أن الخصوص في قوله تعالى( وَالَّذِينَ آمَنُوا ) لابد منه، لانه لو حمل على العموم لادى إلى أن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه، فاذا لابد أن يكون المراد بقوله( وَلِيُّكُمُ ) غير المراد بقوله( وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ليستقيم الكلام.

واذا وجب تخصيص الاية فكل من خصصها حملها على من قلناه دون غيره.

وليس لاحد أن يقول: المراد بالركوع في الاية الخشوع والخضوع

___________________________________

(١) سورة الحجر: ٩.

(٢) سورة المزمل: ١٥.

(٣) سورة الحديد: ٢٥.

(٤) سورة آل عمران: ١٧٣.

٢٠١

دون الركوع في الصلاة، وذلك أن المعروف في اللغة من معنى الركوع هو التطأطؤ المخصوص وشبه به الخضوع والخشوع، وقد نص على ذلك أهل اللغة، أنشد صاحب كتاب العين للبيد: أخبر أخبار القرون التي مضت * أدر كأني كلما قمت راكع وقال صاحب الجمهرة: الراكع الذي يكبو لوجهه، ومنه الركوع في الصلاة.

فاذا كانت الحقيقة ما قلناه فلا يجوز حملها على المجاز.

وليس اعطاء الخاتم في الصلاة فعلا يفسد الصلاة، لانه لا خلاف ان الفعل اليسير مباح.

وأيضا فقد مدح الله تعالى والنبي (ص) على ذلك، فلو كان نقصا لما مدحاه بذلك.

وقول من قال: أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يجب عليه زكاة لقلة ذات يده فكيف يحمل على ذلك.

باطل، لانه لا يمتنع أن يملك عليه السلام أول نصاب من المال نحو مائتي درهم، لان من ملك ذلك لا يسمى غنيا، فلا وجه لاستبعاد ذلك.

ويجوز أن يكون المراد زكاه التطوع، وليس في الاية انه زكاة فرض دون التطوع.

والنية بدفع الزكاة لابد منها، وهي لا تنافي الصلاة، لانها من أفعال القلوب لا تؤثر في الصلاة.

وليس لاحد أن يقول: لو اقتضت الاية الامامة لوجب أن يكون اماما في الحال.

وذلك أنا قد بينا أن المراد بالاية فرض الطاعة وقد كان له ذلك في الحال، [ فلا يمكن ادعاء الاجماع على خلافه.

ولو اقتضى الامامة في الحال ](١) لاقتضاها فيما بعد إلى حين وفاته، فاذا قام الدليل على أنه لم يكن اماما في الحال ثبت ما بعد النبي صلى الله عليه وآله.

___________________________________

(١) الزيادة من ج.

٢٠٢

وليس لاحد أن يقول: هل حملتموها على بعد عثمان.

وذلك أن هذا يسقط بالاجماع، لان أحدا لم يثبت له الامامة بعد عثمان من دون ما قبلها بالاية بل أثبتوا ألامامة بالاختيار، ومن أثبت امامته في تلك الحال بالنص في الاية وغيرها أثبتها له أيضا بعد النبي بلا فصل، فالفرق بين الامرين خلاف الاجماع.

دليل آخر على امامته (عليه السلام) ومما يدل على امامته عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل ما تواترت به الشيعة ونقلته مع كثرتها وانتشارها في البلاد واختلاف آرائها ومذاهبها وتباعد ديارها واختلاف هممها خلفا عن سلف إلى أن تصل بالنبي عليه السلام أنه قال: « على امامكم » و « خليفتي عليكم من بعدي »(١) و « سلموا عليه بأمرة المؤمنين »(٢) .

وغير ذلك من الالفاظ الصريحة التي لا تحمل التأويل وانهم علموا من قصده ضرورة انه أراد استخلافه من بعده بلا فصل.

فلا يخلو أن يكونوا صادقين أو كاذبين، فان كانوا صادقين فقد ثبتت امامته على ما قلناه، وان كانوا كاذبين لم يخل كذبهم من أمور: اما أن يكون اتفق لهم الكذب فوضعوه أو تواطؤا عليه اما باجتماع وموافقة أو بمكاتبة ومراسلة، أو حصل فيه ما يجري مجرى التواطؤ، أو حصل أحد هذه الاسباب في الوسائط التي بيننا وبين النبي عليه السلام، او كان القائل به في الاصل واحدا ثم انتشر القول وكثر معتقدوه، فاذا ثبت جميع ذلك دل على أن الخبر متصل.

ولا يجوز أن يكون اتفق لهم الكذب فوضعوه، لان ما هم عليه من الكثرة

___________________________________

(١) تلخيص الشافى ٢ / ٥٧.

(٢) بحار الانوار ٣٥ / ٢٩٠.

٢٠٣

يمنع من جواز ذلك عليهم، لان العلم باستحالة خبر واحد عن شي ء واحد من الخلق الكثير على وجه احد من غير تواطئ مستحيل في العادة.

ألا ترى أنه يستحيل من جماعة من الشعراء ان يتواردوا في قصيدة واحدة في معنى واحد وغرض واحد وقافية واحدة وروي واحد، ويجري ذلك مجرى استحالة اجتماعهم على طعام واحد وزي واحد.

واذا كان ذلك مستحيلا في العادة وجب المنع منه.

وليس الكذب في هذا الباب يجري مجرى الصدق، لان الصدق يجوز أن يتفق من الخلق الكثير من غير تواطئ، لان العلم بكونه صدقا داع إلى نقله، وليس كذلك الكذب، لان العلم بكونه كذبا صارف عن نقله، فيحتاج إلى داع غير ذلك يحمل على نقله.

ولا يجوز أن يكونوا تواطؤا عليه، لان ذلك مستحيل منهم، لتباعد ديارهم وانتشارهم في الارض، ولو تواطؤا بالاجتماع لما خفي ولعلم في أوجز مدة.

وكذلك يستحيل منهم المراسلة والمكاتبة لان اكثرهم لا يتعارفون وصحة المراسلة فرع على التعارف، واذا كانوا لا يتعارفون فكيف يصح منهم المكاتبة ولو صح أيضا لكان يجب أن يظهر في اوجز مدة، بذلك قضت العادات وحكم الاعتبار ولو ظهر لعلم.

وأما ما يجري مجرى التواطؤ فهو اما رغبة في الدنيا أو رهبة، وكلاهما منفيان عمن ادعى له النصر، لانه لو لم يكن له دينا فيطمع فيها فيكذب له بالنص ولم يبسط يده فيخاف منه فيدعو ذلك إلى وضع النص، بل الدواعي كلها إلى كتمانه وجحده والصوارف عن نقله واظهاره، فكيف يكون هناك ما يجري مجرى التواطؤ.

ولو كان ذلك ممكنا لما دعاهم إلى وضع فضيلة بعينها، بل كان يدعو

٢٠٤

الناس إلى وضع فضيلة غير الذي يدعو عليها الاخر، لان الاتفاق في مثل ذلك مستحيل في العادة على ما بيناه.

ولو كان أحد هذه الاشياء حصل في الوسائط الذين بيننا وبين النبى عليه السلام لعلم ذلك، كما لو كان في الطرف الذي بيننا لعلم.

ولو كان الاصل فيهم واحدا ثم انتشر لعلم الوقت الذي حدث فيه ومن المحدث له وما الذي دعاه اليه، كما علم سائر المذاهب الحادثة بعد استقرار الشرع، كمذهب الخوارج والمعتزلة والجهمية والكلابية والنجارية وغير ذلك من الفرق، وكما علم فقه أبى حنيفة ومالك والشافعي وأنه لم يتقدمهم أحد قال به على ما ذهبوا اليه وجمعوه، فكان يجب أن يعلم النص مثل ذلك ومن القائل به، واذا لم يعلم ذلك دل على أنه متصل.

وقولهم: انه علم ذلك وانه وضعه في هشام بن الحكم وابن الراوندي.

باطل، لان القائلين بالنص كانوا قبل هشام وكتبهم معروفة في ذلك، وأما ابن الراوندي فهو متأخر كثيرا وشيوخ الامامية قبله معروفون، ولو كان الامر على ما قالوه لما حسن مكالمتهم كما لا يحسن مكالمة من يحدث مقالة فيقول بامامة ابن مسعود وأبى هريرة أو غير ذلك، لان الاجماع سبقهم فلا يلتفت اليه، وفي حسن مكالمتهم لنا ووضعهم الكتب علينا دليل على فساد قولهم هذا فان قيل: لو كان هذا النص صحيحا لعلم صحته ضرورة كما علمت هجرة النبى صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وكما علم أن في الدنيا مكة وبلد الروم وغير ذلك من أخبار البلدان.

قلنا: ليس العلم بمجرد الاخبار عندنا ضرورة، بل هو مكتسب عند اكثر أصحابنا، وعند قوم انه مشكوك فيه.

فأما العلم بالنص فمستدل عليه قطعا ويجري العلم به كالعلم بمعجزات النبى عليه السلام التى هي سوى القرآن، وليس اذا

٢٠٥

اذا لم يعلم باقي المعجزات - كما علمنا البلدان والوقائع - وجب القطع على بطلانها لكونها معلومة بالاستدلال، وكذلك النص اذا لم يكن معلوما بالضرورة وكان معلوما بالاستدلال لم يجب القطع على بطلانه.

على أن العلم بالبلدان والوقائع لم يمتنع أن يكون حصل لما لم يقابل وأتوا به بالتكذيب ولم يعرض فيه ما عرض في النص، فسلم نقله فحصل العلم به.

والنص بخلاف ذلك، لانه عرض في نقله وانتهازه موانع ولقى راويه بالتكذيب واعتقد ضلالته وخطأوه ويدعى في روايته، فكيف يحصل العلم مع هذه الموانع.

وهكذا الجواب اذا قالوا: لم لا يعلم النص كما علمنا الصلوات الخمس والحج إلى الكعبة وصوم شهر رمضان وغير ذلك من أركان الشرائع.

لان الاسباب التي عرضت في الامامة لم تعرض في شئ من العبادات، فسلم نقله فحصل العلم به، ولما عرض ما قلناه في النص غمض طريق العلم به.

وليس لاحد أن يقول: قد ادعيتم حصول موانع من نقل النص فما دليلكم عليها؟.

قلنا: لا خلاف أن النص عقد الامر على خلاف متضمنه وان اعتقد في ناقله أنه ضال مبتدع ولقوا بالتكذيب، ويزيد المخالف على ذلك ويقول: هذا هو الواجب فكيف يمكن أن يدعى انه لم يكن هناك صارف.

على أن ههنا أمورا كثيرة في الشرع منصوصا عليها وليس العلم بها كالعلم بما ذكروه من العبادات.

ألا ترى أن صفات الامام وعدد العاقدين وكونه من قريش، كل ذلك طريقه النص ومع هذا العلم به كالعلم بما قالوه، وكذلك العلم بمعجزات النبى صلى الله عليه وآله التي هى سوى القرآن ليست مثل العلم بالقرآن وبأصول الشريعة، فكيف تسوى بين المنصوصات

٢٠٦

عليها في الشرع على اختلاف طرقها وغموض بعضها وظهور بعض، وهل يكون من سوى بين الكل في كيفية العلم الا غير منصف متحامل متعصب، وذلك لا يليق بالعلماء.

فان قيل: يلزم على هذه الطريقة قول البكرية والعباسية اذا ادعوا النص لاصحابهما وادعوا مثل ما ادعيتم بعينه، والا فما الفرق؟ قلنا: الفرق بيننا وبين هؤلاء: ان الشيعة معروفون وعلماء‌هم كثيرون ولهم كتب مصنفة ومقالات ظاهرة، وليس كذلك البكرية، لانا لم نشاهد قط بكريا ولا عباسيا، ولسنا نعني بالبكرية من ذهب إلى امامة ابى بكر بل نريد من ادعى النص عليه.

وأيضا هذا حكاية عن بعض من تقدم يعرف ببكر بن أخت عبدالواحد، فنسبوا اليه ولم ينسبوا إلى ابى بكر، والقائلون بامامة أبى بكر من علماء الامة يذهبون إلى امامته بالاختيار والاجماع الذي يدعونه، وليس منهم من يقول كان منصوصا عليه كما يقوله الشيعة في علي عليه السلام.

وأما القائلون بامامة العباس فلا يعرف واحد منهم أصلا، ولولا أن الجاحظ حكى هذه المقالة وصنف فيهم كتابا والا ما كان يعرف هذا القول لا قبله ولا بعده.

على أن ما دللنا به على أن من شرط الامام أن يكون مقطوعا على عصمته، يبطل هذين القولين، لانهما لا يدعيان ذلك لاصحابهما على ما بيناه.

على أنه قد ظهر منهما ومن غيرهما من الصحابة ما يدل على أنهما لم يكونا منصوصا عليهما، فروي عن أبى بكر لما احتج على الانصار يوم السقيفة قال « الائمة من قريش » ولو كان منصوصا عليه لقال أنا منصوص علي فأين يذهب بكم.

ولا يلزمنا مثله في أمير المؤمنين عليه السلام، لانه أولا لم يحضر الموضع فيحتج وثانيا ان الفريقين قصدوا إلى ان يدفعوا الامر عنه فكيف يحتج عليهم، وربما

٢٠٧

ادعوا نسخ الخبر أو جحدوه وكانت تكون البلية العظمى.

وليس يدعي المخالف مثل ذلك، لانهم يقولون كان الموضع موضع بحث واحتجاج.

فعلى قولهم كان يجب أن يذكر النص على نفسه.

ومنها أنه قال للانصار « بايعوا » أي أحد هذين شئتم يعني أبا عبيدة الجراح وعمر، ولو كان منصوصا عليه لما جاز ذلك.

ومنها قوله « أقيلوني » ولو كان منصوصا عليه لما جاز منه استقالتهم.

ومنها ما روي أنه قال عند موته: ليتني كنت سألت رسول الله هل للانصار في هذا الامر نصيب فكنا لا ننازعهم.

ولا يتمنى مثل هذا من يعلم أنه منصوص عليه.

ومنها قول عمر لابى عبيدة « أمدد يدك أبايعك »، ولو كان ابو بكر منصوصا عليه لما قال ذلك.

ومنها قوله « كانت بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ».

ومنها قوله حين قيل له: استخلف، قال: ان استخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني ابا بكر - وان أترك فقد ترك من هو خير مني - يعني رسول الله.

ومنها ان جميع ما يدعى من النص عليه لا دلالة فيه لكونه خبر واحد وانه ليس في تصريحه ولا فحواه دلالة النص، وقد ذكرنا الوجه في جميع ذلك في تلخيص الشافي وشرح الجمل لا نطول بذكره ههنا.

وكذلك ما تتعلق به العباسية قد بينا الوجه فيه.

على أن العباس دعا أمير المؤمنين عليه السلام إلى مبايعته وقال له: أمدد يدك أبايعك فيقول الناس بايع عم رسول الله ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان.

ولو كان منصوصا عليه لما قال ذلك.

٢٠٨

فان قيل: اذا كان هو عالما بأن عليا منصوص عليه فلم أراد مبايعته؟ قلنا: أراد أن يحتج عليهم من الطريق الذي سلكوه، لانهم طلبوا الامامة من جهة الاختيار والبيعة دون النص فأراد أن يحتج عليهم بما أقروا به وعلموه دون ما لم يذكروه.

ومتى قال: انه أولى بالمقام لانه عمه والعم وارث.

باطل، لان الامامة ليست مورثة بلا خلاف لانها تابعة للمصالح كما أن البيعة مثل ذلك.

فان قيل: لو كان أمير المؤمنين منصوصا عليه لوجب أن يحتج به وينكر على من دفعه بيده ولسانه، ولما جاز أن يصلي معهم ولا أن ينكح سبيهم ولا يأخذ فيئهم ولا يجاهد معهم، وفي ثبوت جميع ذلك دليل على بطلان ما قلتموه.

قلنا: المانع لامير المؤمنين عليه السلام من الاحتجاج بالنص عليه الخوف بما ظهر له من الامارات التي بانت له من اقدام القوم على طلب الامر والاستبداد به واطراح عهد الرسول مع قرب عهدهم به وعزمهم على اخراج الامر عن مستحقه، فأيسه ذلك من الانتفاع بالحجة وخاف أن يدعو النسخ لوقوع النص، فتكون البلية به أعظم والمحنة به أشد، ولا يتبين لكل أحد أن نسخ الشئ قبل فعله لا يجوز.

وربما ادعوا أيضا أن ما ذكروا من النص لا أصل له فتعظم البلية، لان النص الجلي لم يكن بمحضر الجمهور بل كان بمحضر جماعة لو نقلوه لانقطع بنقلهم الحجة، فلو جحدوه لدخلت الشبهة على الباقين.

وأما ترك النكير عليهم باليد فلانه لم يجد ناصرا ولا معينا، ولو تولاه بنفسه وخواصه لربما أدى إلى قتله وقتل أهله وخاصته، فلذلك عدل عنه، وقد بين عليه السلام ذلك بقوله: أما والله لو وجدت أعوانا لقاتلتهم.

وقوله بعد بيعة

٢٠٩

الناس له ونكث أهل البصرة بيعته: والله لولا حضور الناصر ولزوم الحجة وما أخذ الله على أوليائه أن لا يقروا على كظة ظالم أو شغب مظلوم لا لقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولا لفيتم دنياكم عندي أهون على من عفطة عنز.

فبين أصحابه عليه السلام قابل من قابل أهل البصرة وغيرهم لقيام الحجة عليه بحضور الناصر، وكان في ذلك بيان أنه لم يقاتل الاولين لعدم الناصر، فلو قاتلهم لربما ادى إلى ارتداد اكثرهم وفي ذلك بوار الاسلام، وقد بين ذلك في خطبته بقوله: لولا قرب عهد الناس بالكفر لقاتلتهم.

فأما الانكار باللسان فقد أنكره في مقام بعد مقام بحسب الحال من القوة والضعف، نحو قوله عليه السلام: لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله « ص ».

وقوله: اللهم اني أستعديك على قريش فانهم ظلموني حقي ومنعوني ارثي.

وقوله: اللهم اني أستعديك على قريش فانهم ظلموني في الحجر والمدر.

وقوله: والله لقد تقمصها ابن ابى قحافة وانه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى الي الطير - إلى آخر الخطبة.

وذلك صريح بالانكار والتظلم على من منعه حقه.

فأما الصلاة خلفهم فانه عليه السلام كان يصلي معهم في مسجد رسول الله لا مقتديا بهم بل لنفسه وان كان يركع بركوعهم ويسجد بسجودهم، وذلك ليس بدليل الاقتداء بلا خلاف.

فأما الجهاد مع القوم فلا يمكن أحد يدعي أنه جاهد معهم أو سار تحت رايتهم وانما روي أنه قاتل أهل الردة دفاعا عن المدينة وعن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله لما دنوا منها، وان كان ذلك أيضا شاذا لا يعرف في السير، ولو صح لكان ذلك واجبا عليه وعلى كل أحد بحكم العقل والشرع وان لم يكن هناك من يقتدى به.

٢١٠

فأما أخذه من فيئهم فانما كان يأخذ بعض حقه، ومن له حق له أن يتوصل إلى أخذه بجميع الوجوه، ولم يكن يأخذ من أموالهم ولا من أموال المسلمين.

وأما نكاح سبيهم فقد اختلف في ذلك، فروى قوم أن النبى عليه السلام كان وهب له الحنفية فاستحل فرجها بقوله، وقال آخرون أسلمت فتزوجها أمير المؤمنين « ع » وقال قوم اشتراها فأعتقها ثم تزوجها.

فكل ذلك ممكن.

على أن سبي أهل الضلال يجوز أن يشترى ويحل وطؤ الفرج بذلك، لان المراعى استحقاق المسبي بالسبى ولا اعتبار بالسابى، ولذلك يجوز شراء ما يسبيه الكفار من دار الحرب وان أغار بعضهم على بعض أو يسرقونه، وهذا يسقط السؤال.

فان قيل: لو كان النص عليه صحيحا لما جاز له الدخول في الشورى ولا الرضا به، لانها باطلة على مذهبكم.

قيل: لاصحابنا على ذلك أجوبة: أحدها: انه انما دخل فيها تقية وخوفا، ولو لم يدخلها لقتل، انما يمتنع ذلك لتوهم أن الحق لك فحمله على الدخول فيها ما حمله على البيعة للمتقدمين.

والثاني: انه انما دخلها ليتمكن من ايراد حججه وفضائله ونصوصه، لانه أورد في ذلك اليوم جل مناقبه، ولو لم يدخلها لما أمكنه ذلك، فدخلها ليؤكد الحجة عليهم.

والثالث: انه انما دخلها تجويزا لان يختارونه فيتمكن من القيام بالامر، ومن له حق له أن يتوصل اليه بجميع الوجوه.

فان قيل: لو كان منصوصا عليه لكان دافعه ضالا مخطئا، وفي ذلك تضليل اكثر الامة ونسبتهم إلى معاندة الرسول واطراح أمره، وذلك منفي عن الصحابة

٢١١

قلنا: لا نقول ان جميع الصحابة دفعوا النص مع علمهم بذلك، وانما كانوا بين طبقات: منهم من دفعه حسدا وطلبا للامر، ومنهم من دخلت عليه الشبهة فظن أن الذي دفعوه لم يدفعوه الا بعهد عهد الرسول (ع) وأمر عرفوه ومنها أنه لما روي لهم قوله « الائمة من قريش » ظنوا أن الاخذ باللفظ العام أولى من الخاص فتركوا الخاص وعملوا بالعام، وبقي قوم على الحق متمسكين بما هم عليه [ فلم يمكنهم مخاصمة الجمهور ولا مخالفة الكل فبقوا متمسكين بما هم عليه ](١) ، قصاراهم أن ينقلوا ما علموه إلى أخلاقهم، فلا يجب من ذلك نسبة الاكثر إلى الضلال.

على أن الله تعالى أخبر عن أمة موسى وهم أضعاف امة النبي عليه السلام انهم ارتدوا حتى مضى موسى إلى ميقات ربه وعبدوا العجل مع مشاهدتهم لفلق البحر وقلب العصاحية واليد البيضاء وغير ذلك من المعجزات الباهرات، وما غاب عنهم موسى الا أياما قلائل، فكيف يتعجب من طائفة قليلة تدخل عليهم الشبهة ويندفع قوم منهم لدفع الحق، وقد قال الله تعالى( وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) (٢) وقال( وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) (٣) ،( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) (٤) ، وقال( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (٥) ، فلم يذكر الكثير الا ذمه ولم يذكر القليل الا مدحه.

فأين التعجب من ذلك وقد قال الله تعالى( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ

___________________________________

(١) الزيادة من ج.

(٢) سورة هود: ٤٠.

(٣) سورة الانعام: ٣٧.

(٤) سورة المؤمنون: ٧٠.

(٥) سورة سبأ: ١٣.

٢١٢

انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ) (١) وقال النبى (ص): لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، حتى أنه لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه.

فقالو: يا رسول الله اليهود والنصارى، فقال عليه السلام: فمن اذا.

وقال صلى الله عليه وآله بينا أنا على الحوض عرضه ما بين بصرى إلى العدن اذ يجاء بقوم من أصحابى فيجلسون دوني، فأقول: يا رب أصحابى.

فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك، انهم لا يزالوا على أعقابهم القهقرى.

والاخبار في ذلك اكثر من أن تحصى، فأين التعجب من وقوع الخطأ من القوم، وقال: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار.

فان قيل: لو كان الامر على ما ذكرتموه من النص لما زوج أمير المؤمنين عليه السلام بنته من عمر، وفي تزويجه اياها دليل على أن الحال بينهم كانت عامرة بخلاف ما تدعونه ويدعي كثير منكم أن دافعه كافر.

قلنا: في أصحابنا من أنكر هذا التزويج، وفيهم من أجازه وقال فعل ذلك لعلمه بأنه يقتل دونها، والصحيح غير ذلك وأنه زوجها منه تقية، لانه جرت ممانعة إلى أن لقي عمر العباس وقال له ما هو معروف، فجاء العباس إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: ترد أمرها الي.

ففعل فزوجها منه حين ظهر له أن الامر يؤول إلى الوحشة.

وروي عن الصادق (ع) في ذلك ما هو معروف على أن من أظهر الشهادتين وتمسك بظاهر الاسلام يجوز مناكحته، و ههنا أمور متعلقة في الشرع باظهار كلمة الاسلام كالمناكحة والموارثة والمدافنة والصلاة على الاموات وغير ذلك من أحكام أخر، فعلى هذا يسقط السؤال.

فان قيل: كيف يكون النص صحيحا ويقول العباس له: تعال حتى نسال

___________________________________

(١) سورة آل عمران: ١٤٤.

٢١٣

النبى عليه السلام عن هذا الامر، فان كان فينا عرفناه وان كان في غيره أو صاه بنا.

ويقول له في دفعة أخرى: أمدد يدك أبايعك فيقول الناس عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف علين اثنان ولو كان منصوصا عليه لما احتاج إلى ذلك وكان لا يخفى على العباس.

قلنا: أما رغبته إلى سؤال النبى لم يكن لشك في مستحق الامر، وانما قال ذلك ليعلم هل يثبت ذلك فيهم ويسلم لهم أم لا، فلذلك أراد مسألته لا عن موضع الاستحقاق.

وأما مبايعته فقد بينا أنه انما طلب ذلك رأى أن القوم يتحادثون الامر من جهة الاختيار وتركوا النص ودخلت اليه شبهة بين الاكثر أراد أن يحتج عليهم بمثل ما هم يطلبون، فلم يجبه أمير المؤمنين عليه السلام لما علمه من جهة النبى وما يؤول الامر اليه فلذلك لم يجب العباس إلى ما دعاه اليه.

فان قالوا: كيف يكون منصوصا عليه وهو يعينهم في كثير من الاحكام مستفهما ومستفتيا، فكان يجب أن ينقض أحكامهم لما أفضى اليه الامر وكان ينبغي أن يسترد فدكا إلى أربابها، وفي عدوله عن ذلك دليل على بطلان ما تدعونه.

قلنا: أما فتياه لهم فمما لا يسوغ له الامتناع منه، لان عليه اظهار الحق والفتوى اذا لم يخف وآمن الضرر، ولا سؤال على من أظهر الحق وانما السؤال فيمن أبطن.

وأما اقراره أحكام القوم فانه لم يمكن خلاف ذلك وانما أفضي الامر اليه بالاسم دون المعنى، واكثر من بايعه كان معتقدا لامامة القوم، فكيف يتمكن من نقض أحكامهم، ولذلك قال لقضاته وقد سألوه: بم نحكم؟ فقال: أقضوا بما كنتم تقضون حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابى - يعني من مات من شيعته - وخالف في مسائل علم شاهد الحال بأن الخلاف فيها لا يوحش وامسك عما يورث الوحشة.

وأما فدك فانما لم يردها لما قلناه من التقية وان ردها يؤدي إلى تظلم القوم

٢١٤

وتخطئتهم فعدل عن ذلك.

على أن فدكا كانت حقا له ولمن له عليه ولاية، ومن له حق له أن يترك المطالبة به لبعض الاغراض.

وفي أصحابنا من قال: الخصم في فدك كانت فاطمة عليها السلام وأوصت اليه بأن لا يتكلم فيها لتكون هي المخاصمة يوم القيامة لما جرى بينها وبين من دفعها من الكلام المعروف حتى قالت له: ستجمعني واياك يوم يكون فيه فصل الخطاب.

فأما الكلام في استحقاق فاطمة عليها السلام فدك بالنحلة أو الميراث فقد استوفيناه في تلخيص الشافي وطرف منه في شرح الجمل لا نطول بذكره ههنا.

وأما ما يعارضون به ويذكرونه من الايات نحو قوله تعالى( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ ) (١) وقوله( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) (٢) وغير ذلك من الايات، وان ذلك يمنع من وقوع خطأ منهم يدفع النص.

فقد بينا الوجه فيها مستوفى في تلخيص الشافي وطرفا منه في شرح الجمل والمفصح في الامامة وغير ذلك من كتبنا لا نطول بذكره ههنا، وفيما ذكرناه كفاية انشاء الله.

دليل آخر على امامته (عليه السلام) ومما يدل على امامته عليه السلام الخبر المعروف الذي لم يدفعه أحد من أهل العلم يعتد بقوله، ان النبى (ص) حين انصرف من حجة الوداع وبلغ الموضع المعروف بغدير خم نزل ونادى في الناس الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فلما رآهم رقى الرحال وخطب خطبة معروفة ثم أقبل على الناس فقال: ألست

___________________________________

(١) سورة التوبة: ١٠٠.

(٢) سورة الفتح: ١٨.

٢١٥

أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

فقال عاطفا على ذلك: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله(١) .

فأتى بلفظ « أولى » وقررهم بها على فرض طاعته ثم عطف بجملة أخرى عليها محتملة لها ولغيرها، فوجب حملها على مقدميها بموجب استعمال أهل اللغة، فوجب بذلك أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام مفترض الطاعة كما كان النبى « ص » كذلك، وفرض الطاعة يفيد الامامة فوجب أن يكون اماما.

وهذه الجملة تحتاج إلى بيان أشياء: أحدها أن نبين صحة الخبر، والثاني أن نبين أن لفظة « المولى » تفيد أولى في اللغة، ثم نبين انها أرادت ذلك في الخبر دون غيره من الاقسام.

والذي يدل على صحة الخبر تواتر الشيعة به خلفا عن سلف على ما بيناه في التواتر بالنص الجلي، وكلما يسأل عليه من الاسئلة فالجواب عنه ما تقدم.

وأيضا فقد رواه أصحاب الحديث من طرق كثيرة لم يرد في الشريعة خبر متواتر اكثر طرقا منه، فانه روى الطبري من نيف وسبعين طريقا وابن عقدة من ماء‌ة وخمس وعشرين طريقا.

فان لم يثبت بذلك صحته فليس في الشرع خبر صحيح.

[وايضا فأمير المؤمنين عليه السلام احتج به يوم الشورى فلم ينكره احد ولا دفعه، فدل على صحته](٢) .

وأيضا أجمعت الامة على صحته وان اختلفوا في معناه، وما يحكى عن ابن ابى داود من جحده له ليس بصحيح، لانه انما أنكر المسجد المعروف

___________________________________

(١) انظر تفصيل قصة الغدير ورواتها كتاب الغدير الجزء الاول.

(٢) الزيادة ليست في ر.

٢١٦

بغدير خم ولم يجحد نفس الخبر، وخلافه أيضا لا يعتد به لانه سبقه الاجماع وتأخر عنه.

وأيضا اذا ثبت ان مقتضاه الامامة على ما ثبت ثبتت صحته، لان الامة بين قائلين: قائل يقول مقتضاه الامامة فهو يقطع على صحته، وقائل يقول ليس مقتضاه الامامة فيقول هو خبر واحد.

وأما الذي يدل على أن « مولى » يفيد الاولى قول أهل اللغة: قال ابوعبيدة معمر بن المثنى في قوله تعالى « النار مولاهم »(١) قال: معناه أولى بهم، واستشهد ببيت لبيد:

قعدت كلى الفرجين يحسب أنه مولى المخافة خلفها وامامها

وقول ابى عبيدة حجة في اللغة، وقال الاخطل يمدح عبدالملك بن مروان:

فأصبحت مولاهم من الناس كلهم وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا

أي أولى الناس بها.

وروي عن النبى (ص) أنه قال « ايما امرأة نكحت بغير اذن مولاها فنكاحها باطل »(٢) وفي خبر آخر « بغير اذن وليها »، وأراد بذلك من هو أولى بالعقد عليها.

وقد حكينا عن المبرد أنه قال: مولى وولي وأولى وأحق بمعنى واحد فمن عرف عادة أهل اللغة عرف صحة ما قلناه.

واذا ثبت ذلك فالذي يدل على أن المراد به في الخبر الاولى ما قلناه من أن النبي عليه السلام قدم جملة ثم عطف عليها بأخرى محتملة لها ولغيرها فوجب حملها على مقدمتها والا أدى إلى أن يكون عليه السلام ملغوا في كلامه واضعا له في غير موضعه، وذلك لا يليق به عليه السلام.

___________________________________

(١) الحديد: ١٥، والاية صحيحها( مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ ) .

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٦ / ٤٤.

٢١٧

ألا ترى أن القائل اذا أقبل على جماعة فقال: ألستم تعرفون عبدي سالما، فاذا قالوا بلى، قال فاشهدوا أن عبدي حر.

لم يفهم من كلامه الا عتق العبد الذي تقدم تقريرهم على معرفته، ولو أراد غيره لكان ملغوا، واذا قال لهم: ألستم تعرفون ضيعتى الفلانية، فاذا قالوا بلى قال لهم فاشهدوا أن ضيعتى وقف لم يحمل ذلك الا على الضيعة التى قررهم على معرفتها.

هذا هو المعهود من الكلام الفصيح.

وليس لاحد أن يقول: أليس لو قال مصرحا بعد تقريرهم على فرض طاعته « فمن يجب عليه طاعتي فيحب عليا » كان جائزا، فهلا جاز ذلك في غير المصرح، وذلك أنه ليس كلما حسن في التصريح حسن في الاحتمال.

ألا ترى أنه لو قال: ألستم تعرفون ضيعتي الفلانية، فاذا قالوا بلى، قال بعد ذلك فاشهدوا أن ضيعتي التي تحتها وقف.

مصرحا بها كان ذلك جائزا مفيدا، أولا يجوز ذلك مثل ذلك اذا قال كلاما محتملا على ما مضى بيانه، والفرق بين المصرح به والمكنى عنه واضح.

والذي يدل على أن لفظة « أولى » تفيد الامامة وفرض الطاعة استعمال أهل اللغة، لانهم يقولون « السلطان أولى بتدبير رعيته من غيره » و « ولد الميت أولى بميراثه من غيره ممن ليس بولد » و « المولى أولى بعبده من غيره » يعني بفرض طاعته عليه، ولا خلاف بين المفسرين أن قول النبى صلى الله عليه وآله( أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (١) المراد به ومعناه أولى بتدبيرهم وفرض طاعتهم ولا يكون أحد أولى بتدبير الامة الا من كان نبيا أو اماما، واذا لم يكن نبيا وجب أن يكون اماما.

وأيضا فلا خاف أن النبى عليه السلام كان أولى بنا من حيث فرض الطاعة،

___________________________________

(١) سورة الاحزاب: ٦.

٢١٨

وإذا حصل له هذه المنزلة وجب أن يكون مفترض الطاعة علينا، وانما يعلم وجوب فرض طاعته على جميع الامة في جميع الاشياء من حيث أن النبى عليه السلام كان كذلك وقد جعله بمنزلته فوجب أن يثبت له ذلك.

وأيضا فكل من أوجب لامير المؤمنين عليه السلام بهذا الخبر فرض الطاعة في شئ من ألاشياء أثبته في جميع الاشياء، والتفرقة بينهما خلاف الاجماع.

وليس لاحد أن يقول: كيف يكون المراد به الامامة وهي لم تثبت في الحال، والخبر يوجب ثبوت المنزلة في الحال، فلا دلالة لكم في الخبر.

وذلك انا اذا قلنا المراد به فرض الطاعة واستحقاق لها فذلك كان حاصلا له في الحال، فسقط السؤال.

فاذا قلنا المراد به الامامة فانه وان اقتضاها في الحال فهو يقتضيها في الحال وفيما بعده إلى وقت خروجه من الدنيا، فاذا علمنا أنه لم يكن مع النبى عليه السلام في حال حياته امام بالاجماع بقي ما بعده على جملته.

ولا يمكن حمله على بعد عثمان، لان أحدا لم يثبت له الامامة بعد عثمان بهذا الخبر الا وأثبتها قبله بعد النبى، ومن خصصه ببعد عثمان أثبت امامته بالاختيار لا بهذا الخبر، واستحقاقه عليه السلام، الامامة بهذا الخبر مثل استحقاق الوصي الوصية بقول الموصي « فلان وصيي »، فانه تثبت له الوصية في الحال وانا كان التصرف ليس له الا بعد الوفاة.

وكذلك استحقاق الامامة كان حاصلا في الحال وان وقف التصرف على بعد الوفاة، لان وجود النبي (ص) كالمانع من التصرف في حال وجوده، مثل قول المستخلف « فلان ولى عهدي » فانه يثبت استحقاقه في الحال وان كان التصرف واقعا على بعد الوفاة.

٢١٩

(طريقة اخرى)

وهي أن نقول: اذا بينا أقسام المولى كلها وأفسدناها عدا الاول دل على أنه المراد والا بطلت فائدة الخبر وذلك لا يجوز.

من أقسامه المعتق والمعتق والحليف والجار والصهر والامام والخلف، وهذا كله معلوم بطلانه، فلا يحتاج إلى افساده.

ومن أقسامه ابن العم، ولا يجوز أن يكون ذلك مرادا، لانه معلوم ضرورة أنه ابن عمه ولا فائدة في ذلك.

ومن أقسامه الموالاة في الدين، ولا يجوز أن يكون ذلك مرادا، لانه ليس فيه تخصيص له، لانها واجبة لجميع المؤمنين بالاجماع وبقوله تعالى( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) (١) .

ومن أقسامه ولاء العتق، فلا يجوز أن يكون مرادا، لان ذلك معلوم من دينه، وكان قبل الشرع أيضا معلوما أن ولاء العتق يستحقه ابن العم، وبذلك ورد الشرع.

ولا يليق ذلك لمثل ذلك الوقت والمكان، وقول عمر « بخ بخ يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة » ولا يليق شئ من ذلك.

وليس لاحد أن يقول: احملوه على الموالاة ظاهرا وباطنا.

وذلك أن هذا ليس بمستعمل في اللغة ولا يفهم من كلامهم، ولا يجوز أن يحمل اللفظ على مالم يوضع له في اللغة.

ومتى قيل: يحمل على ذلك، لانه أثبت الموالاة كما أثبتها لنفسه.

قيل: انما وجب الموالاة للنبى عليه السلام ظاهرا وباطنا من حيث كان نبيا، واذا كانت

___________________________________

(١) سورة التوبة: ٧١.

٢٢٠