الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ١

الدروس الشرعية في فقه الامامية11%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 507

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 507 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131033 / تحميل: 8512
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

قالرحمه‌الله : وفي انعقاد قضاء الاعمى تردد ، أظهره أنه لا ينعقد ، لافتقاره الى التمييز بين الخصوم ، وتعذر ذلك مع العمى الا فيما يقل.

أقول : منشؤه : النظر الى قضاء الاصل بالجواز.

والالتفات الى ما ذكره المصنف من الاستدلال ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) ، محتجا بعين هذا الدليل.

وأما اشتراط الحرية ، ففيه تردد من حيث العمل بالاصل ، ويؤيده قول الصادقعليه‌السلام : من روى أحاديثنا وعرف أحكامنا فاجعلوه قاضيا(٢) . ولفظة « من » تتناول الحر والعبد ، وهو الاقوى عند المصنف. ومن حيث أن القضاء منصب جليل ومرتبة عالية ، والعبد ليس أهلا لهما ، وهو خيرته في المبسوط(٣) ، ونمنع المقدمة الثانية.

قالرحمه‌الله : اذا وجد اثنان متفاوتان(٤) في الفضيلة مع استكمال الشرائط المعتبرة فيهما ، فان قلد الافضل جاز ، وهل يجوز العدول الى المفضول؟ فيه تردد ، والوجه الجواز ، لان خطأه ينجبر بنظر الامام.

أقول : منشؤه : النظر الى أن تقليد المفضول قبيح عقلا ، فلا يجوز اعتماده. أما المقدمة الاولى ، فلما فيه من تقديم المفضول على الفاضل. وأما الثانية ، فلقولهعليه‌السلام « ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن »(٥) .

والالتفات الى أن القضاء نيابة ، فيتبع اختيار المنوب عنه ، ولان خلل المفضول

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٠١.

(٢) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٠٢.

(٣) المبسوط ٨ / ١٠١.

(٤) فى النسختين : متساويان.

(٥) عوالى اللئالى ١ / ٣٨١.

١٤١

ينجبر بنظر الامامعليه‌السلام .

قالرحمه‌الله : المقصد الثاني في مسائل متعلقة بالدعوى ، وهي خمس : الاولى ـ قال الشيخ : لا يسمع الدعوى اذا كانت مجهولة ، مثل أن يدعي ثوبا أو فرسا ، ويقبل الاقرار بالمجهول ويلزم تفسيره ، وفي الاول اشكال.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الدعوى لها جواب ، فربما كان بنعم فلا يمكن الحاكم أن يقتضي به عليه ، لانه مجهول ، وليس كذلك الاقرار بالمجهول.

أما أولا ، فلان الدعوى حق المدعي ، والاقرار حق على المقر ، وما كان عليه فهو أغلظ مما كان حقا له ، فلهذا سمعنا المجهول في الثاني ولم يسمع الا المعلوم في الاول ،

وأما ثانيا ، فلانا لو لم نقبل الاقرار المجهول لامكن أن يرجع عن اقراره فلهذا سمعنا مجهوله كما يسمع معلومه ، وليس كذلك الدعوى ، لانا اذا لم نسمعها أمكن أن يدعى دعوى معلومة ، ولان هناك داع بدعوة الى دعواه فافترقا ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) ، محتجا بعين هذا الدليل وأتبعه المتأخر محتجا به أيضا ، وهو قوي.

والالتفات الى أن الدعوى المجهولة دعوى جازمة ، فلا يسقط ، ولان الدعوى المجهولة يصدق على صاحبها أنه مدع وعلى المنسوبة إليه أنه مدعى عليه ، فيكون مسموعة ، عملا بقولهعليه‌السلام « البينة على المدعي واليمين على من أنكر »(٢) .

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٥٦.

(٢) عوالى اللئالى ١ / ٢٤٤ و ٤٥٣ و ٢ / ٢٥٨ و ٣٤٥.

أقول : هنا بياض بقدر ثلاث صفحات فى نسخة « م » وبقدر صفحتين فى نسخة « س » وقال فى هامش نسخة « س » : هكذا وجد بياضا من قوله « من أنكر » الى قوله « اد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك » فى نسخة بخط الشيخ أحمد بن فهد رحمه‌الله .

١٤٢

أد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك ، ثم أجاز أخذ الوديعة يحق له بعد ترك الخبر ، وهو خيرة الشيخ في الخلاف(١) ، محتجا بعين هذا الدليل.

والالتفات الى عموم الاخبار الدالة على جواز الاقتصاص من غير فرق بين الوديعة وغيرها ، وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(٢) ، واختاره المتأخر.

قالرحمه‌الله في المقصد الاول ، في الاختلاف في دعوى الاملاك ـ الى قوله : وفي الثاني يقضي بها للخارج دون المتشبث ، ان شهدتا لهما بالملك المطلق ، وفيه قول آخر ذكره في الخلاف بعيد.

أقول : أشار بذلك الى ما ذكره الشيخ في الخلاف من أن البينة بينة المتشبث فيقضى له بها دون الخارج ، واستدلاله بخبر جابر أن رجلين اختصما الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في دابة أو بعير ، فأقام كل واحد منهما البينة أنها له نتجها فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للذي هي في يده.

وفي معناه خبر غياث بن ابراهيم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن عليعليه‌السلام ، الا أنه زادعليه‌السلام بأن قال : لو لم تكن في يده جعلها بينهما نصفين(٣) .

غير مفيد لمدعاه ، فان الخبر يرد الآن على أن البينة بينة ذي اليد اذا شهدتا لهما بالسبب لا مطلقا فاعرفه ، على أن الشيخرحمه‌الله قال في هذه المسألة أيضا بعد أن نقل عن أبي حنيفة وأصحابه : ان التداعي ان كان ملكا مطلقا لا يتكرر سببه سمعنا بينة الداخل ، وهو الذي يقتضيه مذهبنا ، وقد ذكرناه في النهاية والمبسوط وفي كتابي الاخبار(٤) . وظاهر هذا الرجوع عما صدره في أول المسألة.

قالرحمه‌الله : الخامسة ـ لو ادعى دارا في يد انسان وأقام بينة أنها كانت

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٤٦.

(٢) المبسوط ٨ / ٣١١.

(٣) الخلاف ٢ / ٦٣٦ ، مسألة ٢ من كتاب الدعاوى.

(٤) الخلاف ٢ / ٦٣٥.

١٤٣

في يده أمس أو منذ شهر ، قيل : لا يسمع هذه البينة. وكذا لو شهدت له بالملك أمس ، لان ظاهر اليد الآن الملك ، فلا يدفع ، بالمحتمل ، وفيه اشكال ولعل الاقرب القبول.

أقول : القائل هو الشيخرحمه‌الله في الخلاف ، محتجا بأن المدعي يدعي الملك في الحال والبينة يشهد له بالامس فقد شهدت له بغير ما يدعيه فلم يقبل. ثم قال : فان قالوا : انها شهدت له بالملك أمس ، والملك مستدام الى أن يعلم زواله قلنا : لا نسلم أن الملك يثبت بها حتى يكون مستداما ، على أن زوال الاول موجود فلا يزال الثابت بأمر محتمل(١) . وهو أحد قولي الشافعي.

واعلم أن هذا البحث يبنى على مسألة يجب تحقيقها وبها يتضح وجه الاشكال وهي أن الشهادة بقديم الملك هل هي أولى من الشهادة لحديثه أم لا؟.

فنقول : اختلف قول(٢) الشيخرحمه‌الله في هذه المسألة ، فذهب في الخلاف(٣) الى أن الملك المتنازع فيه ان كان في يد من شهدت له البينة بقديم الملك قضي له به ، لان معه حجتين : بينة قديمة ويد. وان كان في يد من شهدت بحديث الملك فصاحب اليد أولى ، وهو مذهب أبي حنيفة.

وذهب في المبسوط الى أن الشهادة بقديم الملك أولى مطلقا ، سواء حصل معها يد أو لم يحصل ، قال : وهو الذي يدل عليه أخبارنا ، لان البينة أقوى من اليد ، وكذلك ما رجح بالبينة أقوى مما رجح باليد ، ولان صاحب اليد مدعى عليه والمدعي من له البينة بقديم الملك ، فكان أولى للخبر(٤) .

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٣٩.

(٢) فى « م » : قولا.

(٣) الخلاف ٢ / ٦٤١.

(٤) المبسوط ٨ / ٢٨٠.

١٤٤

وما ذكره في المبسوط أقوى ، فعلى هذا يسمع البينة في المسألة التي ذكرها المصنف ، لان البينة يشهد له بقديم الملك وبينة الاخرى بحديثه.

قالرحمه‌الله في المقصد الثاني ، في الاختلاف في العقود : اذا اتفقا على استئجار دار معينة شهرا معينا واختلفا في الاجرة ، وأقام كل واحد منهما بينة بما قدره ، فان تقدم تاريخ أحدهما عمل به ، لان الثاني يكون باطلا. وان كان التاريخ واحدا ، تحقق التعارض ، اذ لا يمكن في الوقت الواحد وقوع عقدين متنافيين وحينئذ يقرع بينهما ويحكم لمن خرج اسمه مع يمينه ، هذا اختيار شيخنا في المبسوط.

وقال آخر : يقضى بينة المؤخر ، لان القول قول المستأجر لو لم يكن بينة اذ هو يخالف على ما في ذمة المستأجر ، فيكون القول قوله. ومن كان القول قوله مع عدم البينة كانت البينة في طرف المدعي ، وحينئذ نقول : هو مدع زيادة وقد أقام البينة بها ، فيجب أن يثبت ، وفي القولين تردد.

أقول : القول الاول للشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) ، كما ذكره المصنف. والقول الثاني لبعض الجمهور ، وحكاه الشيخ في المبسوط.

وتردد المصنف في القولين معا ، ومنشأ تردده : النظر الى أن قول الشيخ ضعيف ، فلا يعتمد عليه. أما أولا ، فلان الشيخ حكم بالقرعة مع تحقق التعارض ولم يعتبر أسباب الترجيح من أرجحية العدالة وأكثرية العدد. وأما ثانيا ، فلان القرعة وردت على خلاف مقتضى الاصل ، فيقتصر بها على موردها.

والقول الثاني الذي حكاه الشيخرحمه‌الله عن بعض الجمهور ضعيف أيضا. أما أولا ، فلان كل واحد منها مدع ، فتخصيص أحدهما بسماع بينته دون الاخر ترجيح من غير مرجح ، وهو باطل. وأما ثانيا ، فلان القضاء ببينة الموجر انما

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٢٨١.

١٤٥

يسوغ اذا لم يتحقق التعارض بين الشيئين ، لكن التعارض هنا متحقق ، فيبطل القول بتقديم بينة المؤخر.

أما تحقق التعارض ، فلانه اذا كان التاريخ واحدا ، استحال وقوع عقدين متغايرين. وان كان العقد الذي ادعاه الموجر أقدم من تاريخ العقد الذي ادعاه المستأجر ، كان الاول صحيحا والثاني باطلا ، اذ الاجارة عقد لازم ، فمع تحققه يمتنع فسخه. وان كان تاريخ عقد المستأجر هو الاقدم كان صحيحا ، وكان عقد الموجر باطلا ، ولا اشكال في القسمين الآخرين ، اذ لا نزاع فيهما ولا تعارض. وانما النزاع في القسم الاول ، وقد بينا تحقق التعارض فيه.

وأما أن القضاء ببينة الموجر مشروط بعدم تحقق التعارض بين البينتين فلوجهين : الاول اتفاق الفقهاء على أن مع التعارض يجب الترجيح ، ومع انتفائه يحكم بالقرعة وأن الحكم بتقديم بينة الموجر مستلزم للمحال فيكون محالا. أما المقدمة الاولى فلاستلزامه الترجيح من غير مرجح ، ولا شك في استحالته. وأما المقدمة الثانية فظاهرة.

واذ قد بان ضعف هذين القولين وجب اطراحهما والرجوع الى غيرهما ، ومما ذاك(١) الاجود أنه الحكم بالقرعة مع انتفاء أسباب الترجيح ، وبعض القائلين بالتعارض حكم بالتهاتر مع تساوي البينتين ، وحينئذ الاليق به القول بالتحالف فيبطل عقد الاجارة وتجب أجرة المثل مع انقضاء المدة أو بعضها.

ومنهم من قال يوقف ، ومنهم من قال يقسم ، والوقف غير ممكن ، اذ فيه تفويت المنافع ، والقسمة غير ممكنة أما أولا ، فلان القعد لا ينقسم. وأما ثانيا ، فلان الزيادة يدعيها أحدهما وينفيها الاخر ولا يثبتها لنفسه ، فلم يبق الا القرعة ، وهو مذهب الغزالي. وانما طولنا الكلام فيهما لانها مهمة.

__________________

(١) كذا في النسختين مع علامة الاستفهام فيهما.

١٤٦

قالرحمه‌الله : ولو ادعى كل منهما أنه اشترى دارا معينة وأقبض الثمن ـ الى قوله : ولو نكلا عن اليمين قسمت بينهما ، ويرجع كل منهما بنصف الثمن وهل لهما أن يفسخا؟ الاقرب نعم ، لتبعض المبيع قبل قبضه. ولو فسخ أحدهما كان للآخر أخذ الجميع لعدم المزاحم وفي لزوم ذلك تردد ، أقربه اللزوم.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المقتضي اللزوم موجود ، والمعارض لا يصلح للمعارضة ، فيجب القول باللزوم. أما المقتضي ، فهو وجود عقد البيع الصادر عن أهله ، ولا شك في الحكم بثبوته هنا.

وأما انتفاء المعارض ، فلان المعارض المذكور ليس الا تبعض الصفقة المقتضي للفسخ لدفع ضرر الشركة ، وهو منتف هنا ، اذ التقدير أن أحدهما قد فسخ ، فانتفى التبعيض فينتفي معلوله ، وهو خيار الفسخ ، ولعله الاقوى.

واعلم أن الشيخرحمه‌الله فصل تفصيلا ، وهو أن الفسخ ان وقع من أحدهما قبل أن يختار الاخر امساك النصف ، توفر الكل عليه ، اذ لا مزاحم حينئذ. وان وقع بعد الاختيار لم يكن له أخذ النصف الاخر ، لان الحاكم قد قضى له بالنصف الذي أمسكه دون الاخر ، فعوده يحتاج الى دليل.

والالتفات الى أن الخيار ثبت له أولا قبل فسخ المشتري الاخر فكذا بعده ، عملا بالاستصحاب ، ولانه لو توقف ثبوت الفسخ لاحدهما على ثبوته للآخر ، فان انعكس دار ، والا لزم الترجيح من غير مرجح ، وهو ظاهر كلام الشيخ وصاحب الوجيز.

وهذان الدليلان ضعيفان ، أما الاول فلان خيار ثبت لمعنى ، وقد انتفى فينتفي بانتفائه ، عملا بالعلية. وأما الثاني فلجواز التلازم كالمضافين والعلة والمعلول المتساوي.

قالرحمه‌الله في كتاب الشهادات : الثانية ـ لا تقبل شهادة القاذف ، ولو تاب

١٤٧

قبلت. وحد التوبة أن يكذب نفسه وان كان صادقا ويوري باطنا ، وقيل : يكذبها ان كان كاذبا ، ويخطئها في الملأ ان كان صادقا ، والاول مروي.

وفي اشتراط اصلاح العمل زيادة عن التوبة تردد ، والاقرب الاكتفاء بالاستمرار لان بقاءه على التوبة اصلاح ولو ساعة.

أقول : لا خلاف في وجوب القبول مع التوبة ، وانما نشأ الخلاف في حدها فذهب الشيخرحمه‌الله في المبسوط(١) والخلاف(٢) الى الاول ، وبه روايات عن أهل البيتعليهم‌السلام ، وهو اختيار الاصطخري ، وذهب المتأخر الى الثاني.

وقواه الشيخرحمه‌الله في الكتابين أخيرا ، قال : لانه اذا أكذب نفسه ربما كان صادقا في الاول فيما بينه وبين الله تعالى ، فيكون هذا الا كذاب كذبا ، وذلك قبيح ، وهذا مذهب أبي اسحاق المروزي.

واعلم أن المتأخر أورد مع ضد القول في كتابه ، فتوهم صاحب كشف الرموز أنه قال من عنده. وأما اصلاح العمل ، وهو أن يعمل طاعة بعد التوبة ، ففي اعتباره خلاف ، فذهب الشيخرحمه‌الله في المبسوط والخلاف الى اعتباره ، نظرا الى قوله تعالى «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا »(٣) فاعتبر تعالى التوبة وصلاح العمل.

وذهب الشافعي في أحد قوليه الى أنه غير معتبر ، التفاتا الى أن البقاء على التوبة ولو ساعة طاعة واصلاح ، فلا يعتبر في غير ذلك ، لاصالة البراءة ، والمصنف تردد فيه ، ومنشأ تردده من النظر الى الوجهين.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٧٦.

(٢) الخلاف ٢ / ٦١٠ ـ ٦١١.

(٣) سورة البقرة : ١٦٠.

١٤٨

تذنيب :

القائلون باشتراط الاصلاح اختلفوا ، فذهب الشافعي في أحد قوليه الى أنه معتبر سنة ، واختاره الشيخ في المبسوط(١) ، وذهب في الخلاف(٢) الى أن ذلك غير معتبر ، بل الطاعة الواحدة كافية في قبول الشهادة ، وهو ظاهر كلام المتأخر.

قالرحمه‌الله : لبس الحرير للرجال في غير الحرب اختيارا محرم ، ترد به الشهادة ، وفي المتكأ عليه والافتراش له تردد ، والجواز مروي.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم النهي عن استعمال الحرير ، ولان العلة المقتضية لتحريم لبسه موجودة في التكأة عليه والافتراش له ، فيثبت التحريم عملا بالمقتضي.

والالتفات الى أصالة الجواز ، ترك العمل بها في تحريم الملبوس ، للنص والاجماع ، فيبقى معمولا بها فيما عداه ، ولان الجواز مروي عن أهل البيتعليهم‌السلام .

قالرحمه‌الله : قيل : لا تقبل شهادة المملوك أصلا ـ الى قوله : أما المكاتب المطلق اذا أدى من مكاتبته شيئا ، قال في النهاية : تقبل على مولاه بقدر ما تحرر منه ، وفيه تردد ، أقربه المنع.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المكاتب المطلق عبد ، فلا تقبل شهادته على مولاه ، عملا بظاهر الاخبار الدالة على المنع من ذلك ، وهو ظاهر كلام المتأخر.

والالتفات الى أن الحرية التي فيه تقتضي ثبوت المزية له على غيره من العبيد وليس الا قبول شهادته على مولاه بقدر ما تحرر منه ، وهو اختيار الشيخ في النهاية(٣) ، وهذا الدليل اقناعي.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ١٧٧.

(٢) الخلاف ٢ / ٦١١.

(٣) النهاية ص ٣٣١.

١٤٩

قالرحمه‌الله : التبرع بالشهادة قبل السؤال يطرق التهمة ، فيمنع القبول. أما في حقوق الله ، أو الشهادة للمصالح العامة فلا يمنع ، اذ لا مدعي لها ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن التهمة المانعة من قبول الشهادة موجودة في الصورتين ، فيمنع القبول عملا بالعلية ، وهو خيرة الشيخ في النهاية(١) ، حكاه عنه صاحب كشف الرموز.

والالتفات الى أن حقوق الله تعالى لا مدعي لها ، فيجوز التبرع بالشهادة فيها قبل السؤال ، لانتفاء التهمة هنا ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) ، على ما حكاه كشف الرموز ، وهو حسن حذرا من سقوط حدود الله الا نادرا.

قالرحمه‌الله في الطرف الثاني فيما يصير به الشاهد شاهدا : وما يكفي فيه السماع ، فالنسب والموت والملك المطلق ، لتعذر الوقوف عليه مشاهدة في الاغلب ويتحقق كل واحد من هذه بتوالي الاخبار من جماعة ، لا بضمهم قيد المواعدة ، أو يستفيض ذلك حتى يتآخم العلم ، وفي هذا عندي تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم النهي عن اتباع الظن ، ولا شك ان الاستفاضة ظن ، فيكون منهيا عن اتباعها ، وهو يقتضي عدم الاجتزاء بها.

لا يقال : ينتقض ذلك ، فان طرق أكثر أحكام الشريعة ظنية.

لانا نقول : الواجب العمل بالعموم حتى يظهر دليل الخصوص ، ولم يوجد هنا دليل دال على وجوب اتباع هذا النوع من الظن بخلاف ما ذكرتموه.

والالتفات الى أنه قول أكثر علمائنا فيكون راجحا ، فيجب اتباعه. أما الاولى فلان الكثرة أمارة الرجحان. وأما الثانية ، فلقضاء العقل بوجوب اتباع الراجح

__________________

(١) النهاية ص ٣٣٠.

(٢) المبسوط ٨ / ١٨٦.

١٥٠

وبقولهعليه‌السلام « دع ما يريبك الى ما لا يريبك »(١) ولان الاقتصار على ما ذكره المصنف مشقة عظيمة وحرجا ظاهرا ، فيكون منفيا عملا بالآية والرواية ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(٢) .

قالرحمه‌الله : أما شهادته على المقبوض فماضية قطعا.

أقول : أشار بذلك الى ما ذكره الشيخرحمه‌الله في المبسوط(٣) من القطع بجواز شهادته ، وذلك في صورتين :

الاولى : اذا كانت يده في يد رجل وهو بصير ، فعمي ويده في يده وهو عارف باسمه ونسبه ، صح أن يحتمل الشهادة عليه وهو أعمى.

الثانية : شهادة المضبوط ، وهو أن يمسك برأس رجل ويقرب فاه الى أذنه فيقر بحق ، فلا يفارقه حتى يأتي به الحاكم ، فيقول : هذا أقر لفلان بكذا وكذا.

قالرحمه‌الله في الطرف الثالث في أقسام الحقوق : وأما حقوق الادمي فثلاثة الى قوله : وفي العتق والنكاح والقصاص تردد ، أظهره ثبوته بالشاهد والمرأتين.

أقول : قد سبق ما يضاهي هذا البحث في الحكم بالشاهد واليمين مستوفى ، فلا وجه لاعادته.

قالرحمه‌الله في الطرف الرابع في الشهادة على الشهادة : وللتحمل مراتب الى قوله : ويليه أن يسمعه يقول : أنا أشهد لفلان بن فلان على فلان بن فلان بكذا ويذكر السبب ، مثل أن يقول : من ثمن ثوب أو عقار ، اذ هي صورة جزم ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى قبول الشهادة على الشهادة على خلاف مقتضى

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٣٩٤ و ٣ / ٣٣٠.

(٢) المبسوط ٨ / ١٨٠.

(٣) المبسوط ٨ / ١٨٤.

١٥١

الاصالة ، ترك العمل بها في الصورتين : صورة الاسترعاء ، وصورة سماعه ، يشهد بذلك عند الحاكم ، للاجماع فيبقى معمولا بهما فيما عداهما.

والالتفات الى أن الاصل قاص بجوازه ، ولان العلة المقتضية لقبول الشهادة على الشهادة ـ وهي تعذر اثبات الحقوق لو لا شرع ذلك ـ موجودة هنا ، ولان حضور شاهد الاصل عند الحاكم لاداء الشهادة مما يقل غالبا ، فلو كان القبول مشروطا به لزم الحرج والمشقة المنفيين بالآية والرواية. وكذا لو كان مشروطا بالاسترعاء ، لانه مما يقل أيضا الا نادرا ، فمست الحاجة الى شرع مرتبة ثالثة للتحمل ، وليست الا هذه ، اذ هي صورة جزم بثبوت الحق للمشهود عليه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

واعلم أن المتأخر ذكر أن مراتب التحمل هي هذه الثلاث في كتابه كما ذكر الشيخ في المبسوط ، الا أنه قال بعد ذلك : وهذا جميعه أورده شيخنا في مبسوطه وأوردناه على ما أورده ، ولم يرد في أخبارنا من هذا شي‌ء. وهذا الكلام يدل على تردده فيه.

قالرحمه‌الله : أما لو لم يذكر سبب الحق ، بل اقتصر على قوله : أنا أشهد لفلان على فلان بكذا لم يصر متحملا ، لاعتياد التسامح بمثله ، وفي الفرق بين هذه وبين ذكر السبب اشكال.

أقول : اعلم أن الشيخرحمه‌الله فرق في المبسوط(٢) بين هاتين المسألتين ، بأن قوله في هذه الصورة أشهد بذلك ينقسم الى الشهادة بالحق ، ويحمل العلم به على وجه لا يشهد به ، وهو أن يسمع الناس يقولون لفلان على فلان كذا وكذا واذا احتمل ذلك وقف التحمل بهذا الاحتمال ، وليست كذلك الصورة الاولى ، لانتفاء هذا الاحتمال بذكر السبب ، وعروة الحق إليه.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٢٣١.

(٢) المبسوط ٨ / ٢٣٢.

١٥٢

والمنصف استشكل الفرق ، ومنشؤه تساويهما في الجزم بثبوت الحق ، بقبول أحدهما والغاء الاخرى تخصيص من غير مرجح ، وهو باطل.

قالرحمه‌الله : وتقبل شهادة النساء على الشهادة فيما تقبل فيه منفردات ، كالعيوب الباطنة والاستهلال والوصية ، وفيه تردد ، أشبهه المنع.

أقول : منشؤه : النظر الى الاصل الدال على الجواز ، ولان قبول شهادتهن في هذه الاشياء أصلا يستلزم أولوية قبولها فرعا ، اذ هي أضعف ، لاستنادها الى شهادة الاصل ، وهو مذهب أبي حنيفة ، الا أنه قبل شهادتهن على الشهادة فيما لهن فيه مدخل أيضا ، وان لم تثبت بهن منفردات ، كالاموال والديون.

ونحن قصرنا الجواز على ما تقبل فيه شهادتهن منفردات ، عملا بالمتفق عليه والشيخ قصر الجواز في الخلاف(١) على شهادتهن على الشهادة في الاملاك والديون والعقود ، محتجا باجماع الفرقة وأخبارهم.

والالتفات الى أن تجويز ذلك حكم شرعي ، فيقف على الدلالة الشرعية وحيث لا دلالة فلا حكم ، وهو اختيار المتأخر.

وقال الشيخرحمه‌الله في المبسوط : الاول قوي لكن الثاني أحوط(٢) .

واعلم أن في كلام الشيخ في هذه المسألة في النافع اجمالا ومقصوده ما ذكرناه.

قالرحمه‌الله في القسم الثاني في الطوارئ : لو شهدا ثم فسقا قبل الحكم حكم بهما ـ الى قوله : وفي الحكم بحد القذف والقصاص تردد ، أشبهه الحكم لتعلق حق الا دمي به.

أقول : منشؤه النظر الى أن حدوث الفسق قبل الحكم شبهة ، فيسقط القذف

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٣٠.

(٢) المبسوط ٨ / ٢٣٣.

١٥٣

والقصاص بهما ، عملا بظاهر قولهعليه‌السلام « ادرءوا الحدود بالشبهات »(١) وهو قوى وحكاه الشيخ عن بعض الفقهاء ، قالوا : لانه كحد الربا.

والالتفات الى أن فيها حقا لآدميّ فيحكم بهما ، وإلا لزم الاضرار به ، وتضييع حقه بعد ثبوته شرعا ، ولانهما كالمال ، وهو اختيار الشيخ محتجا بالدليل الاخر.

قالرحمه‌الله : لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم ـ الى قوله : ولو رجعا بعد الحكم وقبل الاستيفاء ، فان كان حدا لله نقض الحكم ، لتحقق الشبهة الموجبة للسقوط. وكذا لو كان الادمي كحد القذف ، أو مشتركا كحد السرقة ، وفي نقض الحكم لما عدا ذلك تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن المحكوم به مقطوع بصحته شرعا ، ورجوعهما يحتمل الصدق والكذب ، فلو نقض به ما قد قطع عليه ترك العمل بهذا الدليل في بعض الصور لوجود دليل أقوى ، فيبقى معمولا به فيما عداه ، وهو ظاهر كلام الشيخ في كتابي الفروع وأتبعهما المتأخر.

والالتفات الى ان الرواية المتضمنة رد الزوجة المشهود بطلاقها على زوجها الاول مع رجوع الشهود عن ذلك يستلزم نقض الحكم في غير الصور الثلاث مع الرجوع قبل الاستيفاء ، وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية(٢) (٣) .

[ قالرحمه‌الله : اذا قتل المرتد مسلما عمدا ، فللولي قتله قودا ويسقط قتل الردة. ولو عفا الولي قتل بالردة. ولو قتل ](٤) خطا كانت الدية في ماله مخففة

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٢٣٦ و ٢ / ٣٤٩ و ٣ / ٥٤٥.

(٢) النهاية ص ٣٣٦.

(٣) أقول : هنا بياض فى النسختين ، وقال فى هامش « س » : هكذا وجد هذا البياض الّذي هو من « النهاية » الى « الخطأ » فى نسخة بخط الشيخ أحمد بن فهدرحمه‌الله .

(٤) ما بين المعقوفتين أثبته من الشرائع المطبوع.

١٥٤

مؤجلة ، لانه لا عاقلة له على تردد. ولو قتل أو مات حلت ، كما تحل الاموال المؤجلة

أقول : منشؤه : النظر الى أن المرتد كافر ، فلا تحمل العاقلة عنه شيئا من الدية كغيره.

والالتفات الى أنه متحرم يحرمه الاسلام ، فيعقل عنه ورثته المسلمون لان ميراثه لهم ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط(١) .

قالرحمه‌الله تعالى : اذا مات المرتد ، فقتله من يعتقد بقاءه على الردة ، قال الشيخ : يثبت القود ، لتحقق قتل المسلم ظلما ، ولان الظاهر أنه لا يطلق الارتداد الا بعد توبته ، وفي القصاص تردد ، لعدم القصد الى قتل المسلم.

أقول : منشؤه : النظر الى ظاهر الآيات الدالة على ثبوت القود مع حصول القتل العمد العدوان ، ولان الظاهر من حال المرتد اذا أطلق أنه أطلق بعد توبة واسلام وهو خيرة الشيخ في المبسوط(٢) ، محتجا بهذين الدليلين.

والالتفات الى أن اعتقاد البقاء على الردة شبهة مبيحة للقتل ، فيسقط القصاص معها ، عملا بظاهر قولهعليه‌السلام « ادرءوا الحدود بالشبهات »(٣) .

ولا شك أن القصاص حد. أما أولا فللاستعمال. وأما ثانيا فلان الحد هو المنع وهذا المعنى متحقق في القصاص ، فيدخل تحته عملا(٤) بالاشتقاق ، ولانه لم يقصد قتل المسلم ، وهو خيرة المصنفرحمه‌الله ومذهب بعض الفقهاء.

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٧٢.

(٢) المبسوط ٨ / ٧٢.

(٣) عوالى اللئالى ١ / ٢٣٦ و ٢ / ٣٤٩ و ٣ / ٥٤٥.

(٤) فى « م » : عموما.

١٥٥

فرع :

قال الشيخ في المبسوط : وكذا البحث لو قتل من يعتقد بقاءه على العبودية فبان حرا أو رأى ذميا فقتله يعتقد أنه على الكفر ، فبان مسلما(١) .

فرع آخر :

ان قلنا بثبوت القود ، فالولي بالخياران شاء قتل وان شاء أخذ الدية. وان قلنا بالعدم ، فالدية عليه مغلطة حالة في ماله ، لانه قتل عمدا ، وانما أسقطنا القود للشبهة.

قالرحمه‌الله في الباب الثالث في الدفاع : من به سلعة اذا أمر بقطعها فمات فلا دية له على القاطع ، ولو كان مولى عليه ، فالدية على القاطع ان كان وليا ، كالاب والجد للاب. وان كان أجنبيا ، ففي القود تردد ، والاشبه الدية في ماله لا القود لانه لم يقصد القتل.

أقول : منشؤه : النظر الى أن قطع السلعة(٢) مما يقتل غالبا ، فيكون القصد الى قطعها قصدا الى القتل وان لم يقصده ، فيجب به القود. وانما أسقطناه عن الأب والجد له ، لانهما لا يقادان به.

والالتفات الى أن القاطع لم يقصد الفعل ، فلا يقاد به ، بل يجب عليه دية العمد ، عملا بأصالة براءة الذمة وحقن الدماء ، الا مع وجود الاسباب المبيحة لها.

قالرحمه‌الله في كتاب القصاص : أما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل مثله غالبا ثم أرسله فمات ، ففي القصاص تردد ، والاشبه القصاص ان قصد القتل ، والدية ان لم يقصد أو اشتبه القصد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن شرط جواز القصاص يحقق القتل العمد ،

__________________

(١) المبسوط ٨ / ٧٢.

(٢) السلعة : عقدة تكون فى الرأس أو البدن.

١٥٦

وهو غير موجود هنا ، للشك في كون العمل حاصلا بهذا النوع من القتل.

والالتفات الى أنه فعل فعلا حصل به الموت ، فيثبت به القصاص. أما الصغرى ففرضية. وأما الكبرى ، فللرواية الدالة على ذلك ، وهي رواية علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لو أن رجلا ضرب رجلا بخزفة أو آجرة أو بعود فمات كان عمدا(١) . ولما كان هذا القول ضعيفا لا جرم كان القول الاول أجود.

وأعلم أن هذا البحث انما يتمشى مع جهل قصد الفاعل ، أو العلم بأنه لم يقصد القتل. أما لو علم منه قصد القتل بهذا الفعل ، فالاصح ثبوت القصاص ، وان كان ظاهر كلام الشيخ في المبسوط(٢) يأباه.

قالرحمه‌الله : ولو جعل السم في طعام صاحب المنزل ، فوجده صاحبه فأكله فمات ، قال في الخلاف والمبسوط : عليه القود ، وفيه اشكال.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ في الخلاف(٣) ، وأفتى فيها بتحتم القود على الجاعل ، وقواه في المبسوط(٤) لا غير ، محتجا بأنه كالقاتل وبأنه عرضه لاكل الطعام وألجأه إليه بالإباحة لاكله ولم يعلمه ، ألا ترى لو علم أن فيه السم لم يختر شربه ولا أكله.

وهذان الدليلان ذكرهمارحمه‌الله في مسألة من جعل السم في طعام نفسه وقدمه الى الغير ولم يعلم أنه مسموم ، ثم قال في مسألتنا : هذه دليلنا ما قلناه في المسألة الاولى سواء.

والمصنفرحمه‌الله استشكل القول بايجاب القود ، ومنشؤه : النظر الى أن

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١٠ / ١٥٦ ، ح ٥.

(٢) المبسوط ٧ / ١٧.

(٣) الخلاف ٢ / ٣٥٣ مسألة ٣١ من كتاب الجنايات

(٤) المبسوط ٧ / ٤٥.

١٥٧

الا كل مستقل باتلاف نفسه بمباشرة الا كل العاري عن اذن الجاعل ، فيسقط القود عن الجاعل ، لانه كالسبب. ولا خلاف في سقوط الضمان عن ذي السبب مع مجامعته المباشر ، وهو أحد قولي الشافعي.

والالتفات الى الدليل الذي ذكره الشيخرحمه‌الله . وفيه نظر ، لاقتران السبب في المسألة الاولى بالالجاء ، وتجرده عنه في الثانية.

فرع :

ظاهر كلام الشيخ المصنفرحمه‌الله يقتضي سقوط الدية أيضا ، وهو مذهب الشافعي ، ومنهم من أوجب الدية ، وهو قول الشافعي أيضا ، وايجاب القود عندي الاقوى.

قالرحمه‌الله : الثاني ـ لو قال : اقتل نفسك ، فان كان مميزا فلا شي‌ء على الملزم ، وإلا فعلى الملزم القود ، وفي تحقق اكراه العاقل هنا اشكال.

أقول : منشؤه : النظر الى أن حقيقة الاكراه الاجبار على الشي‌ء والالجاء إليه ولا شك في تحقق هذا المعنى في العاقل مع الزامه قتل نفسه.

والالتفات الى أن الاكراه على الفعل انما يتحقق اذا كان الاتيان بالفعل المكره عليه مسقطا للضرر الحاصل من جهة المكره ، بتقدير عدم ايقاع الفعل المكره عليه ، ولا شك في انتفاء هذا هنا ، لان قتل هذا المكره لا بدّ منه ، أما في صورة قتل نفسه فظاهر ، وأما في صورة عدم قتله نفسه ، فلان التقدير أن المكره يقتله ثم ان لم يقتل نفسه ، فالقتل حاصل على التقديرين ، فلا اكراه حينئذ ، وفائدة هذا البحث قليلة جدا.

قالرحمه‌الله : لو قطع يده من الكوع وآخر ذراعه ، فهلك قتلا به ، لان سراية الاول لم تنقطع بالثاني ، لشياع ألمه قبل الثانية. وليس كذا لو قطع يده

١٥٨

وقتله الاخر ، لان السراية انقطعت بالتعجيل ، وفي الاول اشكال.

أقول : ينشأ : من النظر الى أن الثاني قطع سراية الاول ، بدلالة أنه لا يتجدد معه الالم بعد قطع الثاني ، فيكون الاول قاطعا والثاني قاتلا ، فيقطع الاول ولا يقتل ويقتل الثاني ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ولعله قوي.

والالتفات الى أن الهلاك حصل وألم القطعين باق ، فليس استناد القتل الى أحدهما أولى من الاخر ، فاما أن لا يستند الى واحد منهما ، أو الى واحد معين أو غير معين أو إليهما ، والاقسام الثلاثة باطلة ، فتعين الرابع.

أما بطلان الاول فبالاجماع ، لاستلزامه اهدار دم المرء المسلم.

وأما الثاني ، فلانه ترجيح من غير مرجح ، وهو محال.

وأما الثالث ، فهو باطل ، وبتقدير صحته فالمقصود حاصل. أما أنه باطل ، فلان ما ليس بمعين معدوم ، والمعدوم يستحيل أن يكون مؤثرا. وأما حصول المقصود على تقدير صحته ، فلاستلزامها وجوب القود على القاتل والقاطع معا ، وهر المطلوب ، فتعين الرابع وهو مذهب الشيخ في الخلاف(١) ، محتجا بعين هذا الدليل ، وبه قال الشافعي.

قالرحمه‌الله : الرابعة ـ اذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا ، قال في النهاية : للاولياء أن يقتلوهما ويؤدوا الى سيد العبد ثمنه ، أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد الى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم ، أو يسلم العبد إليهم ، أو يقتلوا العبد ، وليس لمولاه على الحر سبيل ، والاشبه أن مع قتلهما يؤدون الى الحر نصف ديته ، ولا يرد على مولى العبد شي‌ء ما لم تكن قيمته أزيد من نصف دية الحر ، فيرد عليه الزائد.

وان قتلوا العبد وكانت قيمته زائدة عن نصف دية المقتول ، أدى الى مولاه

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٣٦١.

١٥٩

الزائد ، فان استوعب الدية والا كان تمام الدية لاولياء الاول ، وفي هذه اختلاف للاصحاب ، وما ذكرناه أنسب بالمذهب.

أقول : في هذه المسألة أقوال :

الاول : ما حكاه المصنف عن الشيخ في النهاية(١) ، والاعتراض عليه من وجوه :

الاول ـ قوله « وان قتلوهما ردوا على سيد العبد ثمنه » والصواب أنهم يردون على الحر نصف ديته وعلى سيد العبد ما زاد من قيمته على جنايته. ولو كانت مساوية للجناية أو ناقصة عنها ، فلا ردّ.

الثاني : قوله « أو يقتلوا العبد خاصة وليس لسيد العبد على الحر سبيل » وهو على الاطلاق غير مستقيم ، بل هو حق ان كانت قيمته تساوي خمسمائة دينار أو ينقص عنها. أما لو كانت قيمته تزيد عن جنايته رد الحر على مولاه ما فضل عن جنايته ، فان بقي شي‌ء كان لاولياء المقتول أولا.

الثالث : قوله « أو يقتلوا الحر ويؤدي سيد العبد الى ورثة المقتول خمسة آلاف درهم ، أو يسلم العبد إليهم فيكون رقا لهم » والصواب أن يقدر استرقاقه بأن يكون قيمته مساوية لجنايته ، أو ناقصة عنها. أما لو كانت قيمته زائدة عن قدر جنايته ـ وهي خمسمائة دينار ـ استرق منه بقدر الجناية وكان الباقي للمولى. وأما ايجاب أداء خمسة آلاف ، فيتأتى على القول بفكه بأرش الجناية ، لا على القول الاخر.

الثاني : قال أبو الصلاح الحلبي : اذا قتل الحر والعبد حرا ، فاختار وليه الدية ، فعلى الحر النصف ، وعلى سيد العبد النصف الاخر. وان اختاروا قتلهما رد قيمة العبد على سيده وورثة الحر. وان اختاروا قتل الحر ، فعلى سيد العبد نصف

__________________

(١) النهاية ص ٧٤٥.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

عن علي عليه السلام.

ولو كان أيام التشريق بمكة ففي جواز الصوم تردد، وقطع الشيخ(١) بالمنع.

الخامسة: يجب التتالي في الثلاثة، ولا يضر فصل العيد إذا كان قبله يومان، ولو أفطر عرفة لضعفه عن الدعاء وقد صام يومين قبله استأنف خلافا لابن حمزة(٢) .

السادسة: لو مات قبل الصوم مع تمكنه صام الولي عنه العشرة لرواية معاوية(٣) ، وخص الشيخ(٤) الوجوب بالثلاثة.

السابعة: لورجع إلى بلده ولم يصم الثلاثة وتمكن من الهدي وجب بعثه لعامه إن كان يدرك ذي الحجة وإلا ففي القابل، وقال الشيخ(٥) : يتخير بين البعث وهو أفضل وبين الصوم وأطلق.

الثامنة: المعتبر بالقدرة على الثمن في موضعه لا في بلده، نعم لو تمكن من الاستدانة على ما في بلده، فالاشبه الوجوب.

التاسعة: لو ذبح الهدي ليالي التشريق، فالاشبه الجواز، ولو منعناه فهو مقيد بالاختيار فيجوز مع الاضطرار، نعم يكره اختيارا، وكذا الاضحية، بل يجوز مع الضرورة الذبح ليلة النحر كالخائف، رواه زرارة ومحمد بن ملسم(٦) عن الصادق عليه السلام.

العاشرة: يجوز اشتراك جماعة في الهدي المستحب إجماعا ولو سبعين، وليس المراد به هدي الحج المندوب، لان الشروع في الاحرام بحج أو عمرة يوجب

٤٤١

إتمامه فيجب الهدي في التمتع، بل الاضحية أو هدي السياق.

الحادي عشرة: لا يجوز إخراج لحم الهدي عن منى بل يجب صرفه بها، ولا يعطى الجزار منه، ولو كان فقيرا جاز لا اجرة، والاقرب وجوب الصدقة بجلده، لامر النبي صلى الله عليه وآله(١) بذلك، وفي رواية معاوية(٢) يتصدق به أو يجعله مصلى.

الثاني عشرة: المستحق الفقير المؤمن، فالقانع السائل والمعتر غير السائل، وفي رواية معاوية(٣) القانع الذي يقنع بما أعطيته والمعتر الذي يعتريك، وروى هارون بن خارجة(٤) عن علي بن الحسين عليهما السلام كان يطعم من ذبيحته الحرورية عالما بهم.

الثالثة عشرة: روى الحارث بن مغيرة(٥) عن الصادق عليه السلام في رجل تمتع عن امه وأهل بحجه عن أبيه، قال: إن ذبح فهو خير له وإن لم يذبح فليس عليه شئ.

الرابعة عشرة: لو ضل هدي التمتع فذبح عن صاحبه، قيل: لا يجزئ لعدم تعيينه، وكذا لو عطب، سواء كان في الحل أو الحرم، بلغ محله أو لا، والاصح الاجزاء، لرواية جماعة(٦) إذا تلفت شاة المتعة أو سرقت أجزأت ما لم يفرط، وفي رواية منصور بن حازم(٧) لو ضل فذبحه غيره أجزأ، ولو تعيب بعد شرائه أجزأ في رواية معاوية(٨) .

٤٤٢

الخامسة عشرة: يخرج الهدي الواجب من أصل المال كالدين، ويقدم على الوصايا، ويزاحم الديون بالحصص.

(١١٢) درس

الدماء الواجبة بالنص أربعة: دم المتعة وهو مضيق، ودم الاحصار والمشهور فيه التضيق، ودم الحلق وهو مخير إجماعا، ودم الجزاء وفيه قولان سبقا.

وأما باقي الدماء فتجب بالنذر وشبهه وإلا فهي مستحبة، فمنها: هدي القران، ويستحب بأصل الشرع في العمرة بنوعيها وفي الحج فيصير قرانا، ولو ساقه في عمرة التمتع فهو قران على قول مر، ويفيد تأخير التحلل حتى يتحلل من إحرام حجه، كما قاله الشيخ في الخلاف(١) وإن لم يكن قرانا عنده، وعلى كل تقدير لا يخرج عن ملكه، نعم له إبداله ما لم يشعره أو يقلده فلا يجوز حينئذ إبداله.

ويتعين ذبحه أو نحره بمنى إن قرنه بالحج وإلا فبمكة، والافضل الحزورة بين الصفا والمروة، ولا تجب الصدقة به، ومن الاصحاب من جعله كهدي التمتع، وهو قريب، فيقسم في الجهات الثلاث وجوبا، وعلى القول الآخر يستحب قسمته فيها.

وأوجب الحلبي(٢) سوق جزاء الصيد منذ قتل الصيد إن امكن، وإلا فمن حيث أمكن، ولم يوجب سياق باقي الكفارات.

ولو تلف لم يجب بدله، نعم لو ساق مضمونا كالكفارة ضمنه، ويتأدى السياق المستحب بها وبالمنذور.

ويستحب إشعار هدي التمتع وتقليده كهدي القران، ويتعين بهما كهدي القران.

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ٢٨٢.

(٢) الكافي في الفقه: ص ١٩٩.

٤٤٣

ولو عطب الهدي نحره مكانه وغمس نعله في دمه وضرب بها صفحة سنامه، وكتب عنده أنه هدي، والغمس والكتابة مرويان(١) في مطلق الهدي مع العجز عن الصدقة حينئذ وعدم من يعلم بأنه هدي، ويباح الاكل منه حينئذ للمستحق، وتكون النية عند ذبحه وإعلامه كافية عن المقارنة للتناول، ولا تجب الاقامة عنده ولو أمكنت، ولا يجب بدله إلا إذا كان مضمونا كالمتعة (على قول ضعيف)(٢) والجزاء، وفي مرسلة حريز(٣) عن الصادق عليه السلام كل هدي دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره، وحمله الشيخ(٤) على العجز عن البدل، أو على عطب غير الموت كالكسر فينحره على ما به ويجزئه، وفي النهاية(٥) أطلق أن الهدي إذا عطب ذبح واعلم، فظاهره دخول هدي المتعة.

ولو كسر جاز بيعه فيتصدق بثمنه أو يقيم بدله ندبا، ولو كان الهدي واجبا وجب البدل، وفي رواية الحلبي(٦) يتصدق بثمنه ويهدي بدله.

ولو ضل فأقام بدله ثم وجده ذبحه وسقط وجوب ذبح البدل، ولو كان قد ذبح البدل استحب ذبح الاول، وأوجبه الشيخ(٧) إذا كان قد أشعره أو قلده لصحيح الحلبي(٨) ، وحكم هدي التمتع كذلك.

ولو ضل فذبحه الغير ناويا عن صاحبه أجزأ إذا كان في محله.

ويستحب لواجده تعريفه ثلاثا يوم النحر ويومين

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٢٥ من أبواب الذبح ح ٦ ج ١٠ ص ١٢٤، وب ٣١ من أبواب الذبح ح ١ ج ١٠ ص ٣٠.

(٢) ضرب عليها في " م ".

(٣) وسائل الشيعة: ب ٣١ من أبواب الذبح ح ٥ ج ١٠ ص ١٣١.

(٤) التهذيب: ج ٥ ص ٢١٦.

(٥) النهاية: ص ٢٦٠.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٢٧ من أبواب الذبح ح ١ ج ١٠ ص ١٢٦.

(٧) النهاية: ص ٢٦٠، المبسوط: ج ١ ص ٣٧٤.

(٨) وسائل الشيعة: ب ٣١ من أبواب الذبح ح ١ ج ١٠ ص ١٣ ٠.

٤٤٤

بعده ثم يذبحه عشية الثالث عن صاحبه ويجزئ، ولو ذبح هديا فاستحق ببينة فللمستحق لحمه، ولا يجزئ عن أحدهما.

وحكم الشيخ(١) بأن الهدي المضمون كالكفارة وهدي التمتع يتعين بالتعيين كقوله: هذا هدي مع نيته ويزول عنه الملك، وظاهر الشيخ(٢) أن النية كافية في التعيين، وكذا الاشعار أو التقليد، وظاهر المحقق(٣) أنهما غير مخرجين وإن وجب ذبحه بعينه، وتظهر الفائدة في النتاج بعد التعيين، فإن قلنا بقول الشيخ وجب ذبحه معه وهو المروي(٤) ، أما ركوبه وشرب لبنه إذا لم يضرا به وبنتاجه فإنهما جائزان، وقال ابن الجنيد(٥) : لا يختار شربه في المضمون فإن فعل غرم قيمته لمساكين الحرم، وفي رواية السكوني(٦) إذا أشعرها حرم ظهرها على صاحبها، وتعارضها رواية أبي الصباح(٧) بركوبها من غير عنف.

وأما الهدي المتعين بالنذر ابتداء، مثل قوله: لله علي أن أهدي هذه الشاة، فلا ريب في تعينه، ويصير أمانة في يده، وحكم الشيخ(٨) في المطلق بخروجه عن ملكه بالقول، فإن عطب نحر مكانه واعلم، ولو نتج فهو هدي، فلو ضعف عن المشي حمله على امه أو غيرها، ولا يجوز شرب لبنه إذا لم يفضل عنه فيضمن، ولو فضل فالافضل الصدقة به، ويجوز شربه عند الشيخ(٩) ولو تلف الهدي أو

____________________

(١) المبسوط: ج ١ ص ٣٩٠.

(٣) شرائع الاسلام: ج ١ ص ٢٦٣.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٣٤ من أبواب الذبح ح ١ ج ١٠ ص ١٣٣.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٣٠٧.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٣٤ من أبواب الذبح ح ٨ ج ١٠ ص ١٣٤.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٣٤ من أبواب الذبح ح ٥ ج ١٠ ص ١٣٣.

(٨) المبسوط: ج ١ ص ٣٧٥.

(٩) نفس المصدر.

٤٤٥

الولد أو اللبن بغير تفريط فلا ضمان، ولو ضاع لم يجب إقامة بدله، ولو أقام كان كالمسوق تبرعا.

ولا يجوز الاكل من الواجب غير المتعة، فإن أكل ضمن القيمة، وجوز الشيخ(١) الاكل منه للضرورة ولا قيمة عليه، وروى عبدالملك القمي(٢) عن الصادق عليه السلام يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء، وروى عبدالله الكاهلي(٣) يؤكل من الهدي كله مضمونا أو غيره، وفي رواية جعفر بن بشير(٤) يؤكل من الجزاء، وحملها الشيخ(٥) على الضرورة أو على الصدقة بالقيمة، لتصريح الباقر عليه السلام(٦) إذا كان واجبا فعليه قيمة ما أكل.

وإذا كان معه هدي واجب وتبرع وبلغا المحل استحب البدأة بذبح الواجب، وتستحب تفرقة اللحم بنفسه ويجوز بنائبه، ولو خلى بينه وبين المساكين جاز.

فائدة: من نذر ذبح بدنة في مكان بعينه وجب، وإن أطلق نحرها بمكة، ومكان نحر الجزاء سبق، ومكان هدي الاحصار مكة أو منى بحسب النسك، وزمانه يوم النحر إن كان بمنى، قيل: وأيام التشريق، ومكان هدي الصيد مكانه، وزمانه إلى فوات الحج فتتعين العمرة، وأوجب الحلبي(٧) بعثه كالمحصر، فإن كان

____________________

(١) المبسوط: ج ١ ص ٣٧٤.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٤٠ من أبواب الذبح ح ١٠ ج ١٠ ص ١٤٤.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٤٠ من أبواب الذبح ح ٦ ج ١٠ ص ١٤٣.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٤٠ من أبواب الذبح ح ٧ ج ١٠ ص ١٤٣.

(٥) الاستبصار: ج ٢ ص ٢٧٣.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٤٠ من أبواب الذبح ح ٥ ج ١٠ ص ١٤٣.

(٧) الكافي في الفقه: ص ٢١٨.

٤٤٦

مسوقا بعثه وإلا بعث ثمنه، وخير الشيخ(١) بين ذبحه مكانه وبعثه إلى منى أو مكة وجعل البعث أفضل، وقال ابن الجنيد(٢) : يبعثه السائق إلا أن يصد هديه أيضا فيذبحه مكانه.

ومنها: ما يبعثه المحل ويواعد أصحابه يوما فيقلدونه، ويتجنب في وقت المواعدة ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر إلا أنه لا يلبي، ثم يحل إذا بلغ محله في ظنه على ما تواعدوا عليه، وإن أخطأ ظنه فلا بأس، ولو أتى بما يحرم على المحرم كفر مستحبا، وفي رواية هارون بن خارجة(٣) يكفر ببقرة عن لبسه الثياب، وعن الصادق عليه السلام(٤) أنه إذا فعل ذلك وطاف عنه نائبه اسبوعا وذبح عنه وعرف بمسجده إلى غروب الشمس فقد حج، وإنكار ابن ادريس(٥) لا وجه له.

(١١٣) درس

ومنها: الاضحية، وهي سنة مؤكدة، ويجزئ الهدي الواجب عنها والجمع أفضل، وهي مختصة بالنعم، والافضل الثني من الابل، ثم الثني من البقر، ثم الجذع من الضأن أو الجذعة، ثم الثني من المعز، ولا يجزئ غير الثني والجذع، ويستحب التضحية بالاناث من الابل والبقر والذكران من الغنم، وتكره التضحية بالثور والجاموس والموجوء، وروى الصدوق(٦) تحريم التضحية بالبخاتي.

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ٤٢٤.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣١٨.

(٣) وسائل الشيعة: ب ١٠ من أبواب الاحصار والصد ح ١ ج ٩ ص ٣١٤.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٩ من أبواب الاحصار والصد ح ٦ ج ٩ ص ٣١٣.

(٥) السرائر: ج ١ ص ٦٣٩.

(٦) من لا يحضره الفقيه: باب الاضاحي ح ٣٠٤٩ ج ٢ ص ٤٩ ٠.

٤٤٧

ويستحب أن يكون أملح سمينا ينظر ويمشي ويبرك في سواد كالهدي، ولا يجزئ ذات عوار، ومنع في المبسوط(١) من التضحية بالثور والجمل بمنى لا بالامصار، وقال: أفضل ألوانها الملحاء وهي ما فيها بياض وسواد والبياض أكثر، ثم العفراء وهي البيضاء، ثم السوداء.

وفي مقطوع الحلبي(٢) ضح بكبش أسود أقرن فإن لم تجد ففحل أقرن ينظر ويأكل ويشرب في سواد.

وروي(٣) أن عليا عليه السلام كان يكره التشريم في الاذن بأن يشقها وتبقى مدلاة من غير انفصال ويكره الخرم. وأيامها بمنى يوم النحر وثلاثة بعده، وبغيرها يوم النحر ويومان بعده، ولو فاتت لم تقض إلا أن تكون واجبة بنذر وشبهه، ووقتها بعد طلوع الشمس إذا مضى قدر صلاة العيد والخطبتين، ويكره ليلا وتجزئ. ولا تجب بالاصالة، نعم كانت من خصائص النبي صلى الله عليه وآله، وروي(٤) أنه ضحى بكبش عن نفسه وعمن لم يضح من أهل بيته، وبكبش عن نفسه ومن لم يضح من أمته، وضحت فاطمة عليها السلام بالمدينة بسبعة أكبش(٥) ، وضحى أمير المؤمنين عليه السلام بكبش عن النبي صلى الله عليه وآله وبكبش عن نفسه(٦) : وقال: لا يضحى عما في البطن(٧) ، وفيه إشعار بأن الاضحية عن الغير مستحبة وإن كان ميتا، وأنه ينبغي أن ينوي بها عن العيال أجمعين.

____________________

(١) المبسوط: ج ١ ص ٣٨٨.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١٣ من أبواب الذبح ح ٥ ج ١٠ ص ١٠٨.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٢٣ من أبواب الذبح ح ٣ ج ١٠ ص ١٢١.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٦٠ من أبواب الذبح ح ٦ ج ١٠ ص ١٤٧.

(٥) لم نعثر عليه.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٦٠ من أبواب الذبح ح ٧ ج ١٠ ص ١٤٧.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٦٠ من أبواب الذبح ح ٨ ج ١٠ ص ١٤٧ .

٤٤٨

وقد روى الصدوق(١) خبرين بوجوبها على الواجد، وأخذ ابن الجنيد(٢) بهما، ويحملان على تأكد الاستحباب. ولا يكره قص الاظفار وحلق الرأس في العشر لمريد التضحية، ويأتي في رواية(٣) كراهته. ويكره التضحية بما يربيه، ويستحب بما يشتريه وبما عرف به.

ولو تعذرت تصدق بثمنها، فإن اختلفت فقيمة منسوبة إلى القيم بالسوية، فمن الثلاث الثلث ومن الاربع الربع، واقتصار الاصحاب على الثلث تبعا للرواية(٤) التابعة لواقعة هشام.

ويجوز اشتراك جماعة فيها وإن لم يكونوا أهل بيت واحد، وروى السكوني(٥) إجزاء البقرة والجذعة عن ثلاثة من أهل بيت واحد والمسنة عن سبعة متفرقين والجزور ويجزئ عن عشرة متفرقين، وفي مكاتبة الهادي عليه السلام(٦) يجزئ الجاموس الذكر عن واحد والانثى عن سبعة.

وكذا يصح الاشتراك لو أراد بعضهم اللحم، وشاة أفضل من سبعة بدنة أو سبع بقرة.

ويستحب الاقتراض للاضحية فإنه دين مقضي، ويجوز تضحية العبد بإذن مولاه، والمبعض لو ملك بجزئه الحر جاز من غير إذن.

وتتعين بالنية حال الشراء عند الشيخ(٧) وإن لم يتلفظ ولم يشعر ولم يقلد، ولو كانت في ملكه تعينت بقوله: جعلتها أضحية، فيزول ملكه عنها وليس له

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٦٠ من أبواب الذبح ح ٣ و ٥ ج ١٠ ص ١٧٣.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٠٧.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٦١ من أبواب الذبح ح ١ ج ١٠ ص ١٧٥.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٥٨ من أبواب الذبح ح ١ ج ١٠ ص ١٧٢.

(٥) وسائل الشيعة: ب ١٨ من أبواب الذبح ح ٧ ج ١٠ ص ١١٤.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١٨ من أبواب الذبح ح ٨ ج ١٠ ص ١١٤.

(٧) المبسوط: ج ١ ص ٣٩٠.

٤٤٩

إبدالها، فإن أتلفها أو فرط فيها فتلفت فعليه قيمتها يوم التلف، وإن أتلفها غيره فعليه أرفع القيم عند الشيخ(١) فيتشري به غيرها. ولو أمكن شراء أكثر من واحدة بقيمتها فعل ولو كان جزء من أخرى، ولو قصر عن واحدة كفاه شقص، ولو عجز عن شقص تصدق به.

ولو وجد بها عيبا سابقا بعد التعيين فله أرشه لا ردها، ويصنع بالارش ما ذكرناه، ولو عابت بعد القبض نحرها على ما بها، ولو تلفت أو ضلت بغير تفريط لم يضمن، فإن عادت ذبحها أداء، وإن كان بعد الايام ذبحها قضاء، ولو ذبحها غيره عنه أجزأ، وفي وجوب الارش هنا بعد، فإن قلنا به تصدق به إن لم يمكن الشراء به.

وإذا ذبحها استحب الاكل منها تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله، ويستحب أن يهدي قسما ويتصدق بقسم، قال الشيخ(٢) : والصدقة بالجميع أفضل، والمشهور الصدقة بأكثرها، ولو استوعب الاكل ضمن للفقراء نصيبهم(٣) وجوبا أو استحبابا بحسب حال الاضحية، ويجزئ اليسير والثلث أفضل.

ولا يجوز بيع لحمها، ويستحب الصدقة بجلودها وجلالها وقلائدها تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله(٤) ، ويكره بيع الجلود وإعطاؤها الجزار أجرة لا صدقة، ويكره إطعام المشرك من الاضحية، ويجوز ادخار لحمها بعد ثلاث، وكان محرما فنسخ.

ويكره أن يخرج بشئ منها عن منى، ولو أهدي له جاز، وكذا لو اشتراه من المسكين، ويجوز إخراج السنام.

____________________

(١) المبسوط: ج ١ ص ٣٩١.

(٢) المبسوط: ج ١ ص ٣٩٣.

(٣) في " ز ": حصتهم.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٤٣ من أبواب الذبح ح ٢ ج ١٠ ص ١٥١ .

٤٥٠

فائدة:

الايام المعدودات أيام التشريق، وآخرها غروب الشمس من الثالث، والايام المعلومات عشر ذي الحجة، وهو المروي في الصحيح(١) عن علي عليه السلام، وفي النهاية(٢) بالعكس، وقال الجعفي(٣) : أيام التشريق هي المعلومات والمعدودات، وتظهر الفائدة في نذر الصدقة والصيام.

ومن وجب عليه بدنة في كفارة أو نذر وعجز كان عليه سبع شياه، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما، وفي رواية داود الرقي(٤) عن الصادق عليه السلام في بدنة الفداء ذلك، وخير بين الصوم في مكة(٥) أو في منزله، وبه أفتى الشيخ في التهذيب(٦) ، وقال سلار(٧) : لا بدل لما عدا النعامة.

(١١٤) درس

يجب الحلق بعد الذبح، واكتفى في المبسوط(٨) والنهاية(٩) وابن ادريس(١٠) بحصول الهدي في رحله، وهو مروي(١١)، وفي الخلاف(١٢): ترتيب مناسك منى

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٨ من أبواب العود إلى منى ح ٩ ج ١٠ ص ٢٢٠.

(٢) النهاية: ص ٢٨٦.

(٣) لا يوجد لدينا كتابه.

(٤) وسائل الشيعة: ب ٥٦ من أبواب الذبح ح ١ ج ١٠ ص ١٧١.

(٥) في باقي النسخ: بمكة.

(٦) التهذيب: ج ٥ ص ٢٣٧.

(٧) المراسم: ص ١١٩.

(٨) المبسوط: ج ١ ص ٣٧٤.

(٩) النهاية: ص ٢٦١.

(١٠) السرائر: ج ١ ص ٥٩٩.

(١١) وسائل الشيعة: ب ٣ من أبواب الحلق والتقصير ح ٢ ج ١٠ ص ١٨١.

(١٢) الخلاف: ج ٢ ص ٣٤٥.

٤٥١

مستحب، وهو مشهور، وفي التبيان(١) : الحلق أو التقصير مستحب، وهو نادر، والترتيب ليس بشرط في الصحة وإن قلنا بوجوبه، نعم يستحب لمن حلق قبل الذبح أن يعيد الموسى على رأسه بعد الذبح لرواية عمار(٢) ، وقال ابن الجنيد(٣) : كل سائق هديا واجبا أو غيره يحرم عليه الحلق قبل ذبحه، فلو حلق وجب دم آخر.

ولا يتعين الحلق على الضرورة والملبد عند الاكثر بل يجزئ التقصير، وللشيخ(٤) قول بتعينه عليهما، وهو قول ابن الجنيد(٥) ، وزاد المعقوص شعره والمضفور، ووافق الحسن(٦) على الاخيرين ولم يذكر الصرورة، وقال يونس بن عبدالرحمن(٧) : إن عقص شعره أي ظفره أو لبده أي ألزقه بصمغ أو ربط بعضه إلى بعض بسير أو كان صرورة تعين الحلق في الحج وعمرة الافراد، وفي رواية أبي بصير(٨) الصرورة يحلق ولا يقصر إنماالتقصير لمن حج حجة الاسلام، وفي رواية معاوية(٩) إذا لبد أو عقص فليس له التقصير، ويظهر من رواية العيص(١٠) أنه إذا قصر ولم يحلق فعليه دم، وفي التهذيب(١١) وكذا يلزم الملبد

____________________

(١) التبيان: ج ٢ ص ١٥٤.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١١ من أبواب الحلق والتقصير ح ٢ ج ١٠ ص ١٩١.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٠٧.

(٤) النهاية: ص ٢٦٢ ٢٦٣.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٣٠٧.

(٦) نفس المصدر.

(٧) لا يوجد لدينا كتابه.

(٨) وسائل الشيعة: ب ٧ من أبواب الحلق والتقصير ح ٥ ج ١٠ ص ١٨٦.

(٩) وسائل الشيعة: ب ٧ من أبواب الحلق والتقصير ح ٨ ج ١٠ ص ١٨٦.

(١٠) وسائل الشيعة: ب ٧ من أبواب الحلق والتقصير ح ٩ ج ١٠ ص ١٨٧.

(١١) التهذيب: ج ٥ ص ٢٤٤.

٤٥٢

إن(١) لم يحلق، وصحيحة حريز(٢) مطلقة فيحمل غيرها على الندب.

والحلق أفضل الواجبين وهو معنى استحبابه.

وليس على النساء حلق، ويجزئهن من التقصير قدر الانملة، وقال ابن الجنيد(٣) : مقدار القبضة، وهو على الندب.

فرع:

لو نذر الرجل الحلق في نسكه وجب إلا في عمرة التمتع، ولا يجزئ عنه التقصير، ولا إزالته بنتف أو نورة وشبههما، نعم يجزئ التقصير في التحلل على الاقوى، ويكفر إن تعذر حلق محل التقصير، ولو نذرته المرأة فهو لغو. ويجب فيه النية وتحصيل مسماه.

ويستحب استقبال القبلة، والبدأة بالقرن الايمن من ناصيته، وتسمية المحلوق، والدعاء مثل قوله: اللهم اعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة، والاستيعاب إلى العظمين الذين عند منتهى الصدغين قبالة وتد الاذنين، ودفن الشعر في فسطاطه أو منزله بمنى، وقلم الاظفار، وأخذ الشارب بعده.

ولو رحل قبله حلق أو قصر مكانه وجوبا إن تعذر عليه العود، وبعث شعره(٤) إلى منى ليدفن بها مستحبا، وأوجب الحلبي(٥) دفنه بها، وفي رواية معاوية(٦) كان الصادق عليه السلام يكره إخراج الشعر من منى ويقول: من

____________________

(١) في " ز " و " ق ": لو.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٧ من أبواب الحلق والتقصير ح ٦ ج ١٠ ص ١٨٦.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٠٨.

(٤) في باقى النسخ: بشعره.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٢٠١.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٦ من أبواب الحلق والتقصير ح ٥ ج ١٠ ص ١٨٤.

٤٥٣

أخرجه فعليه رده، وظاهر الروايات(١) وجوبه، وفي المختلف(٢) : يجب رده لو حلق بعد خروجه عمدا لا سهوا، والاصح الاستحباب لقول زين العابدين عليه السلام(٣) : كانوا يستحبون ذلك يعني دفنه بمنى، ومع العجز لا شئ عليه على القولين.

ومن لا شعر على رأسه يمر الموسى، وفي وجوبه مطلقا أو لمن حلق في إحرام العمرة وجهان أو قولان، ونقل في الخلاف(٤) الاجماع على استحبابه.

ولو أراد غسل رأسه بالخطمي أو غيره أخره عن التقصير.

ولا يجوز تقديم الحلق على يوم النحر ولا تأخيره عن الطواف، فلو قدمه لم يجزئ وفدى إن تعمد ذلك عالما، ولو أخره عن الطواف جهلا فظاهر الرواية(٥) الاجزاء فيه وفي الطواف، وإن كان عالما وتعمد فعليه شاة، قاله الشيخ(٦) وأتباعه، وظاهرهم أنه لا يعيد الطواف، وإن نسي فلا كفارة، ويعيد الطواف بعد الحلق، وصحيحة علي بن يقطين(٧) بإعادة الطواف والسعي قبل التقصير مطلقة ليس فيها عمد ولا نسيان، وفي صحيح جميل بن دراج(٨) لا ينبغي زيارة البيت قبل أن يحلق إلا أن يكون ناسيا، وظاهره عدم إعادة الطواف لو فعل.

والكلام في الطواف قبل الذبح كذلك، وقيل: يكفي وضع الهدي في رحله بمنى، وهو ظاهر المبسوط(٩) ، وفي صحيحة معاوية(١٠) من نسي أن يذبح بمنى

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٦ من أبواب الحلق والتقصير ح ١ و ٢ ج ١٠ ص ١٨٤.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٨ ٣٠.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٦ من أبواب الحلق والتقصير ح ٥ ج ١٠ ص ١٨٤.

(٤) الخلاف: ج ١ ص ٣٣١.

(٥) وسائل الشيعة: ب ٢ من أبواب الحلق والتقصير ح ١ ج ١٠ ص ١٨٠.

(٦) النهاية: ص ٢٦٣.

(٧) وسائل الشيعة: ب ٤ من أبواب الحلق والتقصير ح ١ ج ١٠ ص ١٨٢.

(٨) وسائل الشيعة: ب ٣٩ من أبواب الذبح ح ٤ ج ١٠ ص ١٤٠.

(٩) المبسوط: ج ١ ص ٣٧٤.

(١٠) وسائل الشيعة: ب ٣٩ من أبواب الذبح ح ٥ ج ١٠ ص ١٤٠ .

٤٥٤

حتى زار البيت فنحر بمكة يجزئ عنه، ويشكل بأنه في غير محل الذبح، وكذا لو قدم الطواف على الرمي أو على جميع مناسك منى يجزئ مع الجهل، وفي التعمد والنسيان الاشكال.

ويجوز لخائفة الحيض الافاضة ليلا والرمي والتقصير ثم تمضي للطواف وتستنيب في الذبح.

وإذا حلق أو قصر بعد الرمي والذبح تحلل مما عدا الطيب والنساء، وهو التحلل الاول للمتمتع، وأما القارن والمفرد فيحل لهما الطيب إذا كانا قد قدما الطواف والسعي، وأطلق الاكثر أنهما يحل لهما الطيب، وابن ادريس(١) قائل بذلك مع عدم تجويزه تقديم الطواف والسعي، وسوى الجعفي(٢) بينهما وبين المتمتع.

ولو أتى بالحلق قبل الرمي والذبح أو بينهما، فالاشبه عدم التحلل إلا بكمال الثلاثة، وقال علي بن بابويه(٣) وابنه(٤) : يتحلل بالرمي إلا من الطيب والنساء، وقال الحسن(٥) به وبالحلق، وجعل الطيب مكروها للمتمتع حتى يطوف ويسعى، وظاهره حل النساء بالطواف والسعي، وأن طواف النساء غير واجب إذ جعله رواية شاذة.

التحلل الثاني: إذا طاف للزيارة وسعى حل له الطيب، ولا يكفي الطواف خاصة على الاقوى، لرواية منصور بن حازم(٦) ، ورواية سعيد بن يسار(٧) ، عن الصادق عليه السلام يحل الطيب بالحلق للمتمتع، متروكة، وتطيب رسول الله

____________________

(١) السرائر: ج ١ ص ٦٠١.

(٢) لا يوجد لدينا كتابه.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٠٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه: ج ٢ ص ٥٤٩.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٣٠٨.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١٣ من أبواب الحلق والتقصير ح ٢ ج ١٠ ص ١٩٣.

(٧) وسائل الشيعة: ب ١٣ من أبواب الحلق والتقصير ح ٧ ج ١٠ ص ١٩٤.

٤٥٥

صلى الله عليه وآله(١) بعد الحلق لانه ليس بمتمتع.

التحلل الثالث: إذا طاف للنساء حللن له.

والقارن والمفرد لهما تحللان: أحدهما عقيب الحلق، والثاني عقيب طواف النساء، وكذا المعتمر إفرادا، والمتعة فيها تحلل واحد، وأما الصيد الذي حرم بالاحرام فبطواف النساء، قاله الفاضل(٢) ، وذكر أنه مذهب علمائنا، لقوله تعالى: " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم "(٣) ، وروى الصدوق(٤) تحريم الصيد بعد طواف النساء، ولعله لمكان الحرم، وصرح ابن الجنيد(٥) بتحريم لحم الصيد أيام منى ولو أحل، ويستحب ترك المخيط وتغطية الرأس حتى يطوف ويسعى، وترك الطيب حتى يطوف للنساء.

فرع:

لو طاف المتمتع الطوافين وسعى قبل الوقوفين لضرورة فتحلله واحد عقيب الحلق بمنى، ولو قدم طواف الحج والسعي خاصة كان له تحللان، ولو قدم الطوافين والسعي قبل مناسك منى لضرورة أو ناسيا واجتزأنا بها أو متعمدا على ما سلف، فالاشبه أنه لا يحل له شئ من محرمات الاحرام حتى يأتي بمناسك منى، وإنما يحصل التحلل بكمال الطوافين والسعي، فلو بقي منها ولو خطوة فهو باق على ما كان.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ١٤ من أبواب الحلق والتقصير ح ٢ ج ١٠ ص ١٩٦.

(٢) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٣٩٠ وراجع مختلف الشيعة: ج ١ ص ٣٠٩.

(٣) سورة المائدة: الآية ٩٥.

(٤) من لا يحضره الفقيه: باب ما يحل المتمتع قبل أن يزور البيت ح ٣٠٩٥ ج ٢ ص ٥٠٧.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٢٨١.

٤٥٦

(١١٥) درس

إذا قضى الحاج مناسكه بمنى وجب عليه العود إلى مكة، ويستحب ليومه، فإن تأخر فمن غده، وفي جواز تأخره عن الغد اختيارا قولان، أقربهما الجواز على كراهية، وقد روي(١) في الصحيح عن الصادق والكاظم عليهما السلام، ورواية منصور بن حازم(٢) ومحمد بن مسلم(٣) الصحيحة بالزيارة يوم النحر تحمل على الندب توفيقا، وعلى القول بتحريم التأخير لا يقدح في الصحة وإن أثم.

نعم لا يجز تأخير الطواف والسعي عن ذي الحجة فيبطل الحج كما قاله ابن ادريس(٤) إن تعمد ذلك، هذا حكم المتمتع، وأما القارن والمفرد فيؤخران طول ذي الحجة لا عنه.

ويستحب أمام دخول مكة ما سلف في دخولها لطواف العمرة وسعيها من الغسل، وتقليم الاظفار وأخذ الشارب هنا والدعاء وغير ذلك، ويجزئ الغسل بمنى بل غسل النهار ليومه والليل لليلته ما لم يحدث فيعيده، وإنكار ابن ادريس(٥) إعادته مع الحدث ضعيف، وجعله الاظهر عدم الاعادة غريب.

ثم يأتي بطواف الحج وركعتيه وسعيه بعده، ثم بطواف النساء وركعتيه على هذا الترتيب، وكيفيتها في الواجب والمستحب كما تقدم، غير أنه ينوي مميزاتها عن غيرها.

وليس طواف النساء مخصوصا بمن يغشى النساء إجماعا، فيجب على الخصي والمرأة والهم ومن لا إربة له في النساء.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب زيارة البيت ح ٩ ج ١٠ ص ٢٠٢.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب زيارة البيت ح ٦ ج ١٠ ص ٢٠١.

(٣) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب زيارة البيت ح ٥ ج ١٠ ص ٢٠١.

(٤) السرائر: ج ١ ص ٦٠٢.

(٥) نفس المصدر.

٤٥٧

ويحرم بتركه النساء وطئ وتقبيلا وملاعبة ونظرا بشهوة وعقدا وشهادة وكل من كان قد حرمه الاحرام منهن، ولا يكفي في حل النساء تجاوز النصف إلا في رواية أبي بصير(١) رواها الصدوق.

ويلزم به الصبي المميز، ويطوف الولي بغير المميز، فلو تركاه وجب قضاؤه كما يجب على غيرهما، ويحرم عليهما النساء بعد البلوغ، ويمنعان من الاستمتاع بالحلائل قبل البلوغ. وإذا استناب فيه من تركه ففعله النائب حلت له النساء، ولو واعده في وقت بعينه، فالاقرب حلهن بحضوره عملا بالظاهر، فلو تبين عدمه اجتنب. ولا يكفي عنه طواف النساء الذي يفعله داخل مكة بنسك واجب أو ندب، بل يأتي بهما سواء كان هو التارك أو نائبه. ولو مات قضاه الولي، قاله الاصحاب ورواه معاوية(٢) عن الصادق عليه السلام، وفيها لو قضاه غير وليه أجزأ، وقال: ما دام حيا فلا يصح أن يقضى عنه، وهو معارض برواية(٣) القضاء عنه في حياته.

(١١٦) درس

إذا قضى مناسكه بمكة وجب العود إلى منى للرمي، وقد تقدم حكمه(٤) ، للمبيت بها وجوبا ليالي التشريق الثلاث، ويجوز لمن اتقى الصيد والنساء في إحرامه ترك مبيت الثالثة، إلا أن تغرب الشمس وهو بمنى فيتعين، والافضل مبيت الثالثة للمتقي لينفر في النفر الثاني، إذ هو أفضل على ما نص عليه الاصحاب.

____________________

(١) وسائل الشيعة: ب ٥٨ من أبواب الطواف ح ١٠ ج ٩ ص ٤٦٩.

(٢) وسائل الشيعة: ب ٥٨ من أبواب الطواف ح ٦ و ٢ ج ٩ ص ٤٦٧ و ٤٦٨.

(٣) وسائل الشيعة: ب ٥٨ من أبواب الطواف ح ٣ ج ٩ ص ٤٦٨.

(٤) في " م ": كيفيته.

٤٥٨

ولو بات بغيرها فعليه عن كل ليلة شاة، إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة الواجبة أو المستحبة فلا شئ، سوى كان خروجه للعبادة من منى قبل غروب الشمس أو بعده، ويجب استيعاب الليلة بالعبادة إلا ما يضطر إليه من غذاء أو شراب أو نوم يغلب عليه، ويحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى وهو أن يتجاوز نصف الليل.

وقال الشيخ(١) : ليس له دخول مكة حتى يطلع الفجر مع تجويزه الخروج بعد نصف الليل من منى ومبيته بغير منى ومكة، ولم نقف له على مأخذ، إذ الروايات(٢) مطلقة في جواز الخروج بعد نصف الليل.

ولو فرغ من العبادة قبل الانتصاف ولم يرد العبادة بعده وجب عليه الرجوع إلى منى، ولو علم أنه لا يدركها قبل انتصاف الليل على إشكال، وأولى بعدم الوجوب إذا علم أنه لا يدركها حتى يطلع الفجر.

وروى الحسن(٣) فيمن زار وقضى نسكه ثم رجع إلى منى فنام في الطريق حتى يصبح إن كان قد خرج من مكة وجاز عقبة المدنيين فلا شئ عليه، وإن لم يجز العقبة فعليه دم، ونحوه رواه هشام بن الحكم(٤) عن الصادق عليه السلام، إلا أنه لم يذكر حكم الذي لم يتجاوز مكة، وفي رواية جميل(٥) من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دم، وإن كان قد خرج منها فلا شئ، وفي رواية محمد بن اسماعيل(٦) إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام.

____________________

(١) المبسوط: ج ١ ص ٣٧٨.

(٢) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب العود إلى منى ح ١ ج ١٠ ص ٢٠٦.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب العود إلى منى ح ١٧ ج ١٠ ص ٢٠٩.

(٥) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب العود إلى منى ح ١٦ ج ١٠ ص ٢٠٩.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب العود إلى منى ح ١٥ ج ١٠ ص ٢٠٩.

٤٥٩

واختار ابن الجنيد(١) ما رواه الحسن، وفيها دلالة على قول الشيخ، وعلى وجوب الخروج من مكة لغير المتعبد مطلقا. ولا يجب في المبيت بمنى سوى النية.

وأوجب ابن ادريس(٢) على من بات بمكة وإن كان مشتغلا بالعبادة الدم، وجعله غير متق بمبيته فيحرم عليه النفر في الاول، وأوجب الشيخ في النهاية(٣) ثلاثة دماء لو بات بغيرها، وفي المبسوط(٤) حمله على غير المتقي أو على الندب، ويضعف منع ابن ادريس المبيت بمكة للعبادة بالروايات الصحيحة كرواية معاوية(٥) وصفوان(٦) ، وجعله الاتقاء شاملا لجميع المحرمات غير مشهور، بل هو مقصور على الصيد والنساء، إلا ما رواه الصدوق عن سلام(٧) عن الباقر عليه السلام لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم عليه في إحرامه، وأشد منه طرده الاتقاء في غير الاحرام.

ورخص في ترك المبيت لثلاثة: الرعاة ما لم تغرب عليهم الشمس بمنى، وأهل سقاية العباس وإن غربت الشمس عليهم بمنى، وكذا من له ضرورة بمكة، كمريض يراعيه أو مال يخاف ضياعه بمكة، وكذا لو منع من المبيت منعا خاصا أو عاما كنفير الحجيج ليلا، ولا إثم في هذه المواضع، وتسقط الفدية عن أهل السقاية والرعاة، وفي سقوطها عن الباقين نظر.

وأما نهار أيام التشريق فلا بحث فيه سوى الرمي، فإذا رمى جاز له مفارقة منى لزيارة البيت وغيره، وإن كان المقام بمنى نهارا أفضل، كما رواه ليث

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٣٠٠.

(٢) السرائر: ج ١ ص ٦٠٤.

(٣) النهاية: ص ٢٦٦.

(٤) المبسوط: ج ١ ص ٣٧٨.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب العود إلى منى ح ٨ ج ١٠ ص ٢٠٧.

(٦) وسائل الشيعة: ب ١ من أبواب العود إلى منى ح ٩ ج ١٠ ص ٢٠٨.

(٧) من لا يحضره الفقيه: باب النفر الاول والاخير ح ٣٠١٧ ج ٢ ص ٤٨٠.

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507