الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية19%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97903 / تحميل: 5183
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

من ذلك وطاقتي ، لأن هذا يعجب عبدالرحمن. ثم قال لعثمان أن يقول نعم ، لأن ذلك سيجعله فيك أرغب.

ومع أنني لا أعتقد بصحة هذه الرواية لأن شخصية الإمام عليعليه‌السلام لم تكن بهذا الضعف ، كما لم تكن شخصية انتهازية ترضى بسلوك أي وسيلة لتصل الى غايتها ، وتجلس في السلطة ، وهو الزاهد الذي كان يرى الدنيا بأسرها أهون من عفطة عنز ، إلا أن الرواية ، بافتراض صحتها ، تشير الى أن الأمر لم يخل من خداع.

وسواء كانت لعبة الشورى ، أم مشورة عمرو ، فالقرار الذي أصدره الإمام عليعليه‌السلام بشأن كل ما حدث في تولية عثمان أنه ( خدعة وأيما خدعة )(١) أما معاوية فقال عن شورى عمر فيما بعد ( لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم ولا خالف بينهم إلا الشورى التي جعلها عمر الى ستة نفر )(٢) .

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٣٠٢.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٢٨١.

١٠١

ولأنها كانت كذلك ولم تكن صافية بلا شوائب ، أدت الى ما نعرفه من حوادث ، وكما ندم أبو بكررضي‌الله‌عنه على تقمصها ندم عبدالرحمن بن عوف على فعله حتى قال لعليعليه‌السلام ( إن شئت أخذت سيفك وآخذ سيفي فإنه خالف ما أعطاني وروي كذلك أنه قال لبعض الصحابة في المرض الذي مات فيه ( عاجلوه قبل أن يطغى ملكه )(١) وعاش عبدالرحمن بن عوف لم يكلم عثمان أبداً حتى مات(٢) .

تلك هي بيعة عثمان أو الشكل الثالث من أشكال تعيين القيادة في جيل حمل الرسالة ، فاقتدينا به. فإن جاء أحد ممن نطأطيء لهم فيركبوننا كالمطايا ، وتأسى بهذه الأسوة وأتى من الأفعال ما تشابه وأفعال قدوتنا ، فكيف نوقفه عند حده ، وكيف نمنعه ، ما دامت هذه الممارسات تتحكم فينا ، لأننا قدسنا فاعليها وقدسناها معهم ، ولا يجوز لنا الاعتراض عليها أو عليهم.

__________________

(١) الفتنة الكبرى : ص ١٧٢.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ٢٨٠.

١٠٢

٥ ـ معاوية والثورة المضادة

أدت سياسة عثمانرضي‌الله‌عنه التي ارتكزت على محاباة بني أمية ، وسوء توزيع الثروة في الدولة ، ورفع أسوأ الناس على رقاب المؤمنين ، وارتكاب المخالفات القانونية ، وتركيز السلطة في يد عائلة بعينها دون إعتبار للأهلية والكفاءة ـ كما هو مفصل في تاريخنا ـ الى تمرد عامة الشعب ، وتذمر كبار الصحابة ، حتى انتهى الأمر بمقتل الخليفة ، وسقوط الدولة الإسلامية الناشئة في دوامة صراع سياسي خطير. وأخذت الأخطاء التي بدأت قبل سنوات بدرجة واحدة ، تتسع على مر الأيام ، ويزداد انفراجها ، حتى وصلت الأمور الى تحول معاكس للخط الذي تأسست عليه الدولة.

ولأن الثورة على نظام الحكم ـ أي نظام ـ حرام لا تجوز في اعتقاد مؤرخينا الذين نشأوا وتربوا في ظل نظم غير شرعية ، كان لابد من البحث عن تبرير خارج عن العقل والمنطق ـ كالعادة ـ لإقناعنا بأنه ما أسقط الدولة وأشاع الفتنة إلا العناصر الخارجية فهم لم يربطوا بين المسببات وأسبابها ، ولم يرجعوا المعلولات الى عللها ، ولم يفتشوا عن أسباب ثورة أهل مصر على عثمانرضي‌الله‌عنه

١٠٣

لأن هذا المنهج ـ رغم علميته وإسلاميته ـ سيؤدي الى تخطئة بعض الشخصيات التي يريدون من كل مسلم تقديسها مهما فعلت.

من أجل هذا اخترعوا شخصية خيالية لم توجد في التاريخ أصلاً إلا في أوهامهم ، وسموها عبدالله بن سبأ أو ابن السوداء ، وأطلقوا لخيالهم العنان تحت تخدير العواطف ، فتخيلوا أنه لابد وأن يكون يهودياً ، ونسبوا إليه كل الفساد ، ووضعوا على رأسه مسؤولية الثورة والتذمر. فتعيين الخليفة مجلس شوراه من أقربائه وممن لعنهم أو نفاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كمروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، وعبدالله بن عامر ، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح ، مع وجود أجلة الصحابة ، ثم إطلاق يد العائلة المالكة وعلى رأسها هؤلاء في تغيير الدولة والتلاعب بشئونها ، وإشاعة الفوضي السياسية والقانونية وتعطيل أحكام الشرع ، ثم حماية الخليفة لهم. ووعده بإصلاح الأمور مرات ، واخلافه لهذا الوعد ، واصراره على صحة سياسته التي احتج عليها كل الصحابة إلا المستفيدين ، لم يكن من أسباب التذمر. كما أن تعيين الخليفة لمرتد أباح الرسول دمه في فتح مكة كعبدالله بن

١٠٤

سعد بن أبي سرح والياً على مصر في وجود أجلاء كعمار بن ياسر ، ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن أبي حذيفة ، وغيرهم ، ثم قيام هذا الوالي بتعطيل الشرع ونهب خزانة الدولة واضطهاد النصارى ، وإذلال الناس ، لم يكن سبباً كافياً لتذمر أهل مصر ، بل لابد وأن يكون السبب وراء ذلك عبدالله بن سبأ اليهودي ، ولابد وأن يكون الصحابة الذين ثاروا على فساد نظام الدولة من أتباع هذا اليهودي. تماماً كما تقول الأنظمة المعاصرة عمن ثار عليها ، لأن الثورة على النظم الفاسدة حرام وفتنة وإراقة دم.

ونظرية ابن سبأ التي ساقها مشايخنا في تبرير الكارثة ، يستحي منها كل طفل مسلم به مسكة من عقل ، لأنها تعني أن الخلافة الراشدة والدولة المحمدية كانت من الضعف بمكان بحيث أن يهودياً واحداً استطاع أن يقلبها بغير عناء.

كما أنها تعنى أن كبار الصحابة الذين لم يوافقوا على سياسة عثمان ، لم يكونوا يعرفون دينهم ، فانساقوا وراء مقولة يهودي ودمروا دولة الإسلام.

١٠٥

ثم ليت مؤرخينا استطاعوا أن يثبتوا دور ابن سبأ في الأحداث ، لأنك تراهم يذكرون اسمه في البداية فقط ، ثم تجري الأحداث مجراها الطبيعي محكومة بقوانين العمران والسياسة المنطقية ووفق عللها الطبيعية من تنافس بين الصحابة ، وسوء إدارة الدولة ، وفساد الشورى ، وضغائن القبائل ، وما اليها.

ولأن العلة التي ذكرها المؤرخون ـ أي ابن سبأ ـ علة وهمية ، تراهم على غير يقين منها ، فمرة قالوا وراءها عبدالله بن سبأ ، ومرات قالوا أن عمرو بن العاص هو محركها ، لأنه كان يؤلب الناس على عثمان حتى رعاة الغنم المتفرقين في الصحراء ، ومرة يعلقون المسؤولية في عنق محمد بن أبي بكر ، وأخرى يضغونها على رأس مروان بن الحكم(١) .

وكثير من المؤرخين يقولون أن الأسباب التي نقمها الناس على عثمان كثيرة وخطيرة ، وأنهم رأوا الإعراض عن ذكرها أفضل ، ولم يذكروا إلا ما سمحت به أنفسهم وجادت به وجهات نظرهم.

__________________

(١) أنظر تفصيل ذلك على سبيل المثال في الطبري : ٣ / ٣٧٨ حتى ٣٩٨.

١٠٦

فنحن إذن لا نقرأ إلا ما سمحوا لنا بقراءته والإطلاع عليه ، لا ما وقع كله ، وما يدريك لعل فيما لم يذكروه مفاتيح معضلات كثيرة ، أو ربما فيه من الحقائق التاريخية ما يكشف كثيراً مما لم يزل عندنا طلاسم غير مفهومة ؟

إن أحداث المأساة السياسية التي وقعت في عهد عثمانرضي‌الله‌عنه لم يكن وراءها يهودي ولا نصراني ، بل كانت لها أسبابها وعللها السياسية والإقتصادية والإدارية والإجتماعية والنفسية والفكرية التي اجتمعت وسارت وفق قوانين التاريخ وسنة الله في خلقه.

ومن الأدلة على ذلك أن الصحابة لم يذكروا ابن سبأ قط ، بل منهم من تنبأ بما وقع من الأحداث الجليلة ، فانقلاب معاوية على الخليفة الشرعي وتأمره على الناس بالسيف تنبأ به كعب وغيره من الصحابة(١) .

وإنعكاس حال الدولة استشفه عليعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٣٨١.

(٢) الطبري : ٣ / ٤٥٦.

١٠٧

كما تنبأ به عثمان نفسه حين ثار عليه أهل مصر فقال ( والله لئن فارقتهم ليتمنون أن عمري كان طال عليهم مكان كل يوم بسنة مما يرون من الدماء المسفوكة والإحن والأثرة الظاهرة والأحكام المغيرة )(١) .

ذلك أن أحوال الدولة وخط سيرها كان واضحاً أمامهم جميعاً ، ومن ثم استطاعوا أن يروا المصير قبل وقوعه ، لأنه كان أمراً مفهوماً ، إذ كيف يتوقع ذو عقل السلامة لدولة يديرها مجلس شورى من الملاعين والمطرودين ؟

لقد كانت الدولة في عهد عثمان دخلت مرحلة وسطاً بين الخلافة والملك ، وكانت تسير بخطى واضحة في طريقها الى نظام سياسي غير الذي أراده لها مؤسسها ، وكانت هذه حقيقة سياسية يعرفها الكثير. أنظر الى مروان بن الحكم ـ مثلاً ـ وقد حاصر الناس عثمان فخرج عليهم ليقول لهم ( جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا ؟ إرجعوا عنا )(٢) .

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٣٩٣ وانظر كذلك ٣ / ٤٢٥.

(٢) الطبري : ٣ / ٣٧٩.

١٠٨

إن طريقة تفكير الصحابة ومن عاش خلال تلك الأحداث كانت مختلفة عن طريقة تفكيرنا التي ورثناها عن مشايخنا ومؤرخينا ، ومن هنا لم يؤثر عن أحدهم أنه قال أن سياسة الدولة كانت مضبوطة وأن سبب الفساد كان هذا أو ذاك من اليهود أو النصارى.

وكيف كان من الممكن توقع غير ما آلت إليه الخلافة في الوقت الذي كان يعتبرها مروان بن الحكم ـ كما مر قبل سطور قليلة ـ ملكاً له وعائلته والخليفة حي بين الناس ؟

قتل الخليفة ، وأدرك الناس أن الدولة قد حلت بها كارثة ، فهرعوا الى الإمام عليعليه‌السلام يبايعونه وقالوا ( إن هذا الرجل قد قتل ولابد للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك ، لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً ، فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك ، قال : ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفياً ولا تكون إلا عن رضا المسلمين )(١) .

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٤٥٠.

١٠٩

وفي رواية أخرى أنه ( حين قتل عثمانرضي‌الله‌عنه واجتمع المهاجرون والأنصار وفيهم طلحة والزبير ، فأتوا علياً فقالوا يا أبا حسن هلم نبايعك ، فقال : لا حاجة لي في أمركم أنا معكم ، فمن اخترتم فقد رضيت به فاختاروا. فقالوا : والله ما نختار غيرك ، فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمانرضي‌الله‌عنه مراراً ، ثم أتوه في آخر ذلك فقالوا إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة ، وقد طال الأمر ، فقال لهم : إنكم قد اختلفتم اليَّ وأتيتم ، وإني قائل لكم قولاً إن قبلتموه قبلت أمركم ، وإلا فلا حاجة لي فيه. قالوا ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله. فجاء فصعد المنبر ، فاجتمع الناس إليه فقال : إني قد كنت كارهاً لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم. ألا وإنه ليس لي أمر دونكم ، إلا أن مفاتيح مالكم معي ، ألا وإنه ليس لي أن آخذ منه درهماً دونكم ، رضيتم ؟ قالوا نعم ، قال أللهم اشهد عليهم ثم بايعهم على ذلك(١) .

وهذه الروايات ـ إن صحت ـ دلت على أمور :

__________________

(١) نفس المصدر : ٣ / ٤٥٠ ـ ٤٥١.

١١٠

الأول : أن طريقة اختيار القيادة هذه المرة اختلفت عن المرات الثلاثة الماضية ، وهذه هي المرة الأولى التي ذهب الناس فيها مراراً يلحون على شخص أن يتولى قيادتهم ، دون أن يتم الأمر فلتة ، أو بالعهد دون مشورة ، أو بمجلس شورى منتقى.

الثاني : أن الإمام عليعليه‌السلام ظل يرفض هذا المنصب ، ربما لأنه كان يعلم أن الدولة قد سارت في طريق وعر ، وتغير حال الناس فيها ، وهو ما سيسبب له بالتأكيد مصاعب في إدارتها ورد الأمور الى مجراها الأصلي. وربما رفض مراراً ليثبت لكل ذي عينين أنه لم يختلس الأمر ، ولم يسارع اليه ، ولم يلفق له الطرق ويخترع الوسائل ، وإنما كان اختياره اختياراً حراً من قبل الناس الذين أصروا عليه ، فهي بيعة صافية رائقة لا يشوبها غبش.

الثالث : أن الإنحراف الذي سبب الكوارث الماضية كان في أساسه انحرافاً اقتصادياً مالياً بالدرجة الأولى ، وهو ما يظهر من عبارته ، ولو لم تكن لهذا الأمر علاقة بما جرى ما أفرده الإمام بالذكر في عهد البيعة الذي له منزلة الدستور.

١١١

الرابع : أن السياسة الإقتصادية والمالية التي سيتبعها الإمام علي ـ أو القيادة الجديدة ـ ستقوم على المساواة وإحقاق الحق والإنصاف وعدم المحاباة والإلتزام الدقيق بالشرع. وأعتقد أن هذا الإحساس الذي لابد وأن كل فرد آنذاك قد شعر به.

وتمت بيعة الإمام بعد أن كانت الدولة قد شهدت تغييرات هائلة في جميع جوانبها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والقانونية ، فغاصت في بحر تعالت أمواجه وهزت كيان الدولة هزاً عنيفاً.

وما أن تولى الأمر حتى بدأ يعيد عربة الدولة الى الخط الذي خرجت عنه ، فعزل العصابة التي استولت على مناصب الدولة العليا ، وولى مكانها أهل الصلاح والتقى ، وسوى بين الناس في الأنصبة ، وكانت بيعته فرصة عظيمة لإعادة الدولة من الطريق المنحرف الى الصراط المستقيم. غير أن السياسات الخاطئة ـ خصوصاً الإقتصادية ـ التي كانت الدولة قد سارت عليها ربع قرن بعد وفاة المؤسس ، أسفرت عن خلق خط سياسي معاد لأية

١١٢

إصلاحات اقتصادية ، لا سيما وأن كبار أهل الأثر والنفود ـ أو أغلبهم ـ كانوا ممن استفادوا من هذه السياسة الإقتصادية ، وتغير وضعهم الإجتماعي وأصبحت لهم مكاسب ومصالح مشتركة يدافعون عنها ، ويرون الحفاظ عليها بأي ثمن.

ومن هنا كانت أزمة الإمام عليعليه‌السلام الحقيقية ، إذ تسلم السلطة والحمل ثقيل ، والمهمة صعبة ، أضف الى ذلك العناصر الأخرى كإزدهار بني أمية سياسياً ، وضعف أتباع خط الإمام عليعليه‌السلام نظراً لفقرهم وزهدهم ، واستفحال الضغائن القبلية ، والأحقاد الشخصية ، وتبني سياسة الإنتقام من الإمام الذي وتر بسيفه كل بيوتات الكفر التي تصدت للإسلام خلال الحروب الماضية.

تزعم حركة قلقلة الدولة فريقان :

الأول بزعامة معاوية وكان أقوى وأكبر كما كانت له مطامع قبلية معروفة ، وهو من البيت الذي ظل يحارب الإسلام ودعوته حتى فتحت عليه مكة واضطر للإسلام قبل أشهر قليلة من وفاة الرسول عليه وآله الصلاة والسلام.

١١٣

وهذا الفريق نجح في استقطاب الناس بالعطايا والوعود والهدايا ، واتخذ من دم عثمان حجة للثورة على الخليفة الشرعي ونشر الفوضى في الدولة الإسلامية.

والثاني بزعامة أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير ، وهذا الفريق أقل وأضعف ، لكنه أيضا استتر بالمطالبة بدم عثمان دون وجه حق ، وكانت الدوافع مختلفة ، فأم المؤمنين عائشة كانت بنفسها تحرض الناس على قتال عثمان وتقول لهم صراحة : اقتلوه ، وترميه بالكفر(١) .

وكذلك فعل طلحة وكان من أكبر المساعدين على قتله(٢) .

ثم بايع هو والزبير الإمام في البداية ، ثم انقلبا عليه لما رفض طلبهما بتولي إمرة البصرة والكوفة ، وادعيا أنهما بايعا مكرهين.(٣)

__________________

(١) الطبري : ٣ / ٤٧٧.

(٢) الفخري لابن طباطبا ، ص٦٠ قال وهذا تشهد به جميع التواريخ.

(٣) الطبري : ٣ / ٤٥١ ـ ٤٥٢. وانظر تفصيل وقائع هذا الدور في جميع كتب التاريخ المعتبرة.

١١٤

نعم ندمت عائشة على خروجها على الإمام علي كما ندم غيرها ، لكنهم ندموا بعد أن كان الخراب قد عم.

واضطر الإمام لأن يواجه ثلاث حروب طاحنة في أقل من خمسة أعوام هي مدة حكمه. فانهزم له الفريق الثاني في موقعة الجمل ، وأوشك الفريق الأول في صفين على الهزيمة ، فلجأ الى حيلة التحكيم ورفع المصاحف ، كما هو مشهور لدينا معروف ، وانتهى الأمر بالكذب والخداع.

وظهر الى الوجود من بعد فريق ثالث هم البغاة الخوارج ، الذين اضطر الإمام لقتالهم في النهروان.

وعاش الإمام ولا سلطان له على الشام مركز معاوية ، وأقام البغاة دولة داخل الدولة الى أن قتل الإمام على يد ابن ملجم المصري لعنه الله. ولأن الأمة لم تكن ترى أحداً من زعماء الفريقين المذكورين يستحق القيادة بايعوا الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام ، فرأى أن يهادن قليلاً لتستتب الأمور ، وتهدأ العاصفة ، لكن نفراً من أتباعه ثاروا عليه ، وهجموا عليه وجرحوه ونهبوا متاعه ، فاضطر في النهاية للتفاوض مع معسكر

١١٥

البغي ليحقن دماء أتباع أهل البيت ، الذين كادت السيوف الباغية أن تستأصلهم من جذورهم. وشرط له معاوية شروطاً لم يف بأي منها ، بعد أن تمكن من السلطة بحد السيف عام ٤١ ه‍ وهو ما قيل لنا عنه أنه عام الجماعة ، ولم يكن إلا عام الفرقة والاستسلام للبغي وإنقلاب خلافتنا ملكاً عضوضاً.

ثم دس معاوية للحسن السم وإنفرد بالأمر وهذا كله مفصل في كتب التاريخ كلها فليرجع اليه من شاء ، وقد أعرضنا عن تفصيله لما يقتضيه المقام من الإختصار.

ركب معاوية السلطة ، ووقف بعدها ليعلن فصل الدين عن الدولة صراحة ، ويقول ( يا أهل الكوفة أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج ، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وأَلي رقابكم ، وقد آتاني الله ذلك وأنتم له كارهون. ألا إن كل دم أصيب في هذه مطلول ، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين )(١) .

__________________

(١) الكامل لابن الأثير : ٦ / ٢٢٠ ، مصر ، ١٣٥٦ ه‍.

١١٦

وهذا منه إعلان صريح بما يلي :

١ ـ أن العبادات قد فصلت عن القيادة والسياسة ، فالأولى لكم فيها اتباع الشرع وما قال الله وقال الرسول ، والثانية لي وأنا حر فيها.

٢ ـ أنه قاتل الناس ليتأمر عليهم ، ويأخذ القيادة بحد السيف.

٣ ـ أن الناس كارهون له في ذلك ، إذ لم يكن ما فعله يحظى بذرة رضا.

٤ ـ التخلص من كل العهود والمواثيق والشروط التي قطعها على نفسه مع الإمام الحسن ومع الأشخاص والقبائل ، وأن الدماء التي أريقت في سبيل وصوله الى السلطة ، والمعارك التي قتل فيها عشرات الألوف من المسلمين لا حساب عليها ولا قود ولا عقاب ، وعلى الأمة إذن أن تنسى ماكان ، وتبدأ صفحة جديدة من تاريخها ، الذي ستبدأ أحداثه وفق تصور جديد ، وسياسة مغايرة.

ثم قاد معاوية الثورة المضادة بمعنى الكلمة ، فأسس جهازاً لتشويه أهل الحق ، وآخر لتصفية المعارضين جسدياً ، واخترع

١١٧

الأحاديث ، ولفق التفاسير ، وأنشأ الفرق الفكرية المعارضة ، ونشر بين المسلمين السكوت على الظلم والظالمين بل وتأييدهم ، وأن الأسلم لهم عند احتدام المعركة بين الحق والباطل الفرار الى رؤوس الجبال خشية الفتنة ، وأرهب الآمنين من الناس ، وصادر أموال المعارضين ظلماً وعدواناً ، وأغدق أموال الدولة على حزبه ومؤيديه ، وعطل الحدود وأوقف الشرع ، وابتدع في الدين على النحو المفصل في تاريخنا المقروء الذي يعرفه كل صبي.

غير أن خطورة ما فعله معاوية تكمن في أنه ما فعله باسم أية نظرية أخرى صراحةً بل باسم الإسلام ، فإذا الإسلام الذي قدمه للناس شيئاً آخر يعاكس تمام الإسلام المحمدي. فكان ثورة مضادة سارت في الإتجاه المعاكس كلية ، لكنها تحمل اسم الإسلام القديم.

وأخطر من هذا كله أن مشايخنا وعلماءنا ـ إن صح وصفهم بالعلماء ـ غلفوا هذا السم الزعاف بطبقة حلوة المنظر ، وقالوا لنا إنه لم يكن انقلاباً على الإسلام بأي معنى بل كان إجتهاداً ،

١١٨

وأخذنا نحن من أيديهم هذا السم المدسوس ، واعتقدنا أنه الدواء الناجع الفعال الذي يشفى ما بنا ـ بل وما بالأجيال المسلمة الى يوم القيامة ـ من كل الأسقام ، واشتركنا معهم في هذه الجريمة ، وضللنا معهم أنفسنا وأبناءنا والأجيال التالية ، ولم نفكر لحظة في أن ما قاله مشايخنا ينبغي فحصه والتروي في قبوله ، وأن الأخطاء المخالفة للإسلام لابد وأن نعترف بها ونتجنبها في كل مسيرة ، ليكون ما لدينا من إسلام صافياً رائقاً ، وتمادينا تحت تخدير العواطف فإذا بنا ليوم في مآزق وحفر عميقه حفرها لنا علماؤنا ، وقفزنا فيها بإرادتنا دون وعي ، ولا نستطيع اليوم أن نخرج منها.

والأغبى من هذا التصرف ، أننا نبصق في وجه كل من ألقى لنا حبلاً من عقل لنستمسك به ، ونخرج من هذه الحفر الى حيث الهواء النقي ، والفكر الإسلامي الحر ، الذي لا يقدس الأوراق ولا الأشخاص ، إلا ما ومن كان منها مقدساً يستحق التقديس حقاً.

هكذا رأينا كيف اختارت الأمة قيادة باختيارها الحر في النور ، كما حدث مع الإمام عليعليه‌السلام بعد أن كان الوقت المناسب قد

١١٩

مضى ، وهو ما يعتبر شكلاً آخر من أشكال تعيين القيادة يختلف عما سبقه من أشكال.

ثم ما إن تولت القيادة الجديدة حتى بدأت الطوابير الخفية في العمل لإقصائها ، فرأينا شكلاً وأسلوباً آخر للقيادة هو ما فعله معاوية ، وهو ما يقودنا الى نتائج تستحق إمعان الفكر :

أولاً : إن بيعة عليعليه‌السلام إذا كانت هي الصواب أو الطريق الطبيعي لاختيار القيادة ، لأنها تمت برضا المسلمين ومشورتهم ، فما حكم ما فعله معاوية ؟ وإن كان ما فعله معاوية لا غبار عليه ، فكيف يمكن الدفاع عن بيعة عليعليه‌السلام ونحن أهل السنة نؤمن بخلافته الراشدة وبيعته السليمة ؟

ثانياً : أن الطريقة التي وصل بها معاوية الى الحكم وتصدر القيادة إن كانت صحيحة وفق الإسلام ـ ولا أعتقد بصحتها أبداً ـ فكيف يمكن إغلاق باب البغي والإنقلابات العسكرية ضد النظام الإسلامي ، إن شاء له الله أن يقوم هنا أو هناك ؟ لأن هذا يمكن أن يقع في أي وقت بعد اللحظة الأولى التي تتأسس فيها دولة إسلام.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

صلى الله عليه وآله: عمل بيده وأمير المؤمنين عليه السلام، وهو من عمل النبيين والمرسلين والصالحين.

وقال الصادق عليه السلام(١) : إني أشتهي أن يراني الله عزوجل أعمل بيدي وأطلب الحلال.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام(٢) : من أتاه الله برزق ولم يحط إليه برجله ولم يمد إليه يده ولم يتكلم فيه بلسانه ولم يتعرض له كان ممن ذكره الله عزوجل(٣) (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب).

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله(٤) : أنه من طلب العلم تكفل الله برزقه، وفسر بأن يعطف عليه قلوب أهل الصلاح.

وقال الصدق عليه السلام(٥) : إن الله تبارك وتعالى جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون، وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه.

وقال عليه السلام(٦) : أبى الله عزوجل إلا أن يجعل رزق المؤمن من حيث لايحتسب.

وكان أمير المؤمنين(٧) عليه السلام كثيرا ما يقول: اعلموا علما يقينا أن الله عزوجل لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت مكائدته أن يسبق ماسمى له في الذكر الحكيم ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته لن

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب مقدمات التجارة ح ١١ ج ١٢ ص ٢٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه: باب المعايش والمكاسب والفوائد والصناعات ح ٣٦١٢ ج ٣ ص ١٦٦.

(٣) الطلاق: ٦٥.

(٤) كنز العمال: كتاب العلم ح ٢٨٧٠٠ ج ١٠ ص ١٣٩.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣٢.

(٦) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ٥ ج ١٢ ص ٣٣، وفيه اختلاف يسير.

(٧) وسائل الشيعة: باب ١٣ من أبواب مقدمات التجارة ح ٤ ج ١٢ ص ٣٠.

١٦١

يبلغ ما سمي له في الذكر الحكيم، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرة.

وقال على السلام(١) : كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج يقتبس نارا لاهله فكلمه الله ورجع نبيا، وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان عليه السلام، وخرج سحرة فرعون يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين.

وقال الصادق عليه السلام(٢) : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مامن نفقة أحب إلى الله عزوجل من نفقة قصد، ويبغض الاسراف، إلا في الحج والعمرة، فرحم الله مؤمنا كسب طيبا وأنفق قصدا وقدم فضلا.

(٢٣١) درس

قد يجب التكسب إذا توقف تحصيل قوته وقوت عياله الواجبي النفقة عليه، وقد يستحب إذا قص به المستحب، وقد يحرم إذا اشتمل على وجه قبيح، وهو أقسام: أحدها: ماحرم لعينه كالغناء فيحرم فعله وتعلمه وتعليمه واستماعه والتكسب به، إلا غناء العرس إذا لم يدخل الرجال على المرأة ولم يتكلم بالباطل، ولم تلعب بالملاهي، وكرهه القاضي(٣) ، وحرمه ابن إدريس(٤) والفاضل في التذكرة(٥) ، الاباحة أصح طريقا وأخص دلالة، والنياحة

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ٣ ج ١٢ ص ٣٣.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٥٥ من أبوب وجوب الحج وشرائطه ح ١ ج ٨ ص ١٠٦.

(٣) المهذب: ج ١ ص ٣٤٦.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٢.

(٥) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٨٢.

١٦٢

بالباطل وعمل الصور المجسمة قاله الشيخان(١) ، وطرد القاضي(٢) التحريم في غير المجسمة، ولحلبي(٣) حرم التماثيل وأطلق.

وروي أبوبصير عن الصادق عليه السلام(٤) لابأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ، إنما يكره منها مانصب على الحائط وعلى السرير، وسأله عن الوسائد فيها التماثيل والقمار.

وما يؤخذ به حرام حتى القمار بالجوز والبيض والخاتم والاربعة عشر والطير وأحاديث القصاص والسمار المشتملة على الكذب والحضور في مجالس المنكر لغير الانكار أو الضرورة، وتزيين كل من الرجل والمرأة بزينة الآخر، والغش الخفي كشوب اللبن بالماء وتدليس الماشطة لتزين الخد وتحميره والنقش في اليد والرجل قاله ابن إدريس(٥) .

ووصل شعرها بشعر غيرها، وإعانة الظالم في الظلم لا في غيره من مهامة، كالبناء والغرس والغسل والطبخ، والغيبة والكذب والسب لغير مستحقه والنميمة والهجاء والذم لغير أهله والمدح في غير موضعه. والغزل مع الاجنبية أي محادثتها ومراودتها والتشبيب بها معينة، وبالغلمان مطلقا.

ويجوز التشبيب بنساء أهل الحرب. ويحرم نسخ الكتب المنسوخة وتعلمها وتعليمها وكتب أهل الضلال والبدع، إلا لحاجة من نقض أو حجة أو تقية.

وترحم الكهانة والسحر بالكلام والكتابة والرقبة ولدخنة بعقاقير الكواكب

____________________

(١) النهاية: ص ٣٦٣ ولمقنعة: ص ٥٨٧.

(٢) المهذب: ج ١ ص ٣٤٤.

(٣) الكافي في الفقه: ص ٢٨١.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٩٤ من أبواب مايكتسب به ح ٤ ج ١٢ ص ٢٢٠.

(٥) السرائر: ح ٢ ص ٢١٦.

١٦٣

وتصفية النفس والتصوير والعقد والنفث والاقسام والغرائم بما لا يفهم معناه ويضر بالغير فعله، ومن السحر الاستخدام للملائكة والجن والاستنزال للشياطين في كشف الغائب وعلاج المصاب.

ومنه الاستحضار بتلبس الروح ببدن متفعل، كالصبي والمرأة وكشف الغائب عن لسانه، ومنه النيرنجيات، وهي إظهار غرائب خواص الامتزاجات وأسرار النيرين.

ويلحق بذلك الطلسمات، وهي تمزيج القوى العالية الفاعلة بالقوى السافلة المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب، فعمل هذا كله والتكسب به حرام، أما علمه(١) ليتوقى أو لئلا يعتريه فلا، وربما وجب على الكفاية ليدفع(٢) المتنبئ بالسحر.

ويقتل مستحله، ويجوز حله بالقرآن والذكر والاقتسام لابه، وعليه يحمل رواية العلا(٣) بحله.

والاكثر على أنه لا حقيقة له بل هو تخيل، وقيل: أكثره تخائيل وبعضه حقيقي، لانه تعالى وصفه بالعظمة في سحرة فرعون. ومن التخيل السيميا، وهي إحداث خيالات لاوجود لها في الحس للتأثير في شئ آخر، وربما ظهر إلى الحس. ويلحق به الشعبذة، وهي الافعال العجيبة المترتبة(٤) على سرعة اليد بالحركة فيلتبس على الحس، وقيل: الطلسمات كانت معجزات لبعض الانبياء.

____________________

(١) في (م) و (ق): أما عمله.

(٢) في (م) و (ق): لدفع.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٢٥ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١٠٥، وفيه (عن عيسى بن شقفي)(٤) في (م): المرتبة.

١٦٤

أما الكيميا، فيحرم المسمى بالتكليس بالزئبق والكبريت والزاج والتصدية والشعر والبيض والمرارة والادهان، كما يفعله متحشفو الجهال.

أما سلب الجواهر خواصها وإفادتها خواص اخرى بالدواء المسمى بالاكسير، أو بالنار اللينة الموقدة على أصل الفلزات، أو لمراعاة نسبتها في الحجم والوزن، فهذا مما لا يعلم صحته، وتجنب ذلك كله أولى وأحرى.ويحرم القيافة والتكسب بها، سواء استعمل في إلحاق الانساب، أو في قفو الآثار إذا ترتب عليها حرام.وتحرم بيع خط المصحف دون الآلة.ولا يحرم بيع كتب الحديث والعلم المباح.

ويحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلة أو بالشركة، والاخبار عن الكائنات بسببها، أما لو أخبر بجريان العادة أن الله تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم، وإن كره على أن العادة فيها لا يطرد، إلا فيما قل.

أما علم النجوم فقد حرمه بعض الاصحاب، ولعله لما فيه من التعرض(١) للمحظور من اعتقاد التأثير، أو لان أحكامه تخمينية.

وأما علم هيئة الافلاك فليس حراما، بل ربما كان مستحبا، لما فيه من الاطلاع على حكمة الله تعالى وعظم قدرته.وأما الرمل والفال ونحوهما فيحرم مع اعتقاد المطابقة لما دل عليه، لاستيثار الله تعالى بعلم الغيب.ولا يحرم إذا جعل فالا، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله(٢) كان يحب الفال.

ويكره الطيرة - يفتح الياء - وهو التشاؤم بالشئ.

____________________

(١) في (ق): لتعريض.

(٢) مسند احمد ابن حنبل: ج ٢ ص ٣٣٢.

١٦٥

(٢٣٢) درس

وثانيها: ما حرم لغايته، كالعود والملاهي من الدف والمزمار والقصب والرقص والتصفيق وآلات القمار، وهياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم.

وعمل السلاح وبيعه مساعدة لاعداء الدين، سواء كانوا كفارا أو بغاة، وقيده ابن إدريس(١) بحال الحرب، وهو ظاهر الاخبار(٢) ، ويكره لامعها.

وكذا يكره بيع مايكن، كالدرع والبيضة والخف والتجفاف - بكسر التاء - وهو الذي يلبس الخيل.

ولو علم أن المخالف يستعين بالسلاح على قتال أهل الحب لم يكره، وهو مروي عن أبي جعفر(٣) عليه السلام في بيع السلاح على أهل الشام، لان الله يدفع بهم الروم.

والاقرب تحريم بيعه على قطاع الطريق وشبههم، وحيث حرمنا بيعه فهو باطل.

وبيع العنب وما يتخذ منه المسكر ليعمل مسكرا، والخشب والحجر ليعمل صنما أو وثنا أو صليبا أو آلة لهو، وفي رواية ابن حريث(٤) المنع ممن يعمله، وليس فيها ذكرالغاية، واختاره ابن إدريس(٥) والفاضل(٦) ، لان النبي صلى

____________________

(١) السرائر: ج ٢ ص ٢١٦.

(٢) واسئل الشيعة: باب ٨ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ٦٩.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٨ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ٦٩.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٤١ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١٢٧.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٢١٨.

(٦) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٨٠.

١٦٦

الله عليه وآله(١) لعن عاصر الخمر.

وهكذا(٢) يحرم بيع الثوب ليغطى به الصنم والصليب، وإجارة المساكن والحمولات للمحرمات، إلا أن يقصد إراقة الخمر أو إتلاف الخنزير.

وثالثها: ما لا نفع مقصود منه للعقلاء، كالحشار وفضلات الانسان.

ويجوز بيع دود القز وبزره والنحل مع انحصارها، وماشهدة مايرفع الجهالة منها.

ولا يجوز بيع المسوخ إن قلنا بعدم وقوع الذكاة عليها، إلا الفيل لعظم الانتفاع بعظمه.

أما السباع فما يصلح للصيد يجوز بيعه، كالفهد والهر والبازي.

وقول القاضي(٣) بالصدقة بثمن الهرة ولا يتصرف فيه بغير الصدقة، متروك، والرواية(٤) مصرحة بإباحته(٥) .

وأما غيره كالاسد والنمر والنسر فالشيخان(٦) على تحريم البيع والتكسب بها، ونقل في المبسوط(٧) الاجماع على ذلك في مثل الاسد والذئب، وقال ابن الجنيد(٨) : لا يصرف ثمن ما لا يؤكل لحمه من السباع والمسوخ في مطعم ولا مشرب، وابن إدريس(٩) جوز ذلك تبعا للانتفاع بجلدها، بناء على وقوع

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٥٥ من أبواب ما يكتسب به ح ٣ ج ١٢ ص ١٦٤.

(٢) في باقي النسخ: وكذا.

(٣) لم نعثر عليه في المصادر المتوفره لدينا، ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٣٤١.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب ما يكتسب به ح ٣ ج ١٢ ص ٨٣.

(٥) في (م) و (ق): بالاباحة.

(٦) المقنعة: ص ٥٨٩ والنهاية: ص ٣٦٤ وفي المبسوط: ج ٢ ص ١٦٦.

(٧) المبسوط: ج ٢ ص ١٦٦.

(٨) المختلف: ج ١ ص ٣٤٠.

(٩) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٠.

١٦٧

الذكاة عليها.

وأما الكلاب فاتفقوا على جواز بيع الصائد، وقيده الشيخ(١) بالسلوقي - بفتح السين وضم اللام - منسوب إلى قرية باليمن.

وعلى منع بيع كلب الهراش، واختلفوا في كلب الحائط والزرع والماشية، فمنع من بيعه في الخلاف(٢) وتبعه القاضي(٣) ، والوجه الجواز وفاقا لابن إدريس(٤) وابن حمزة(٥) ، ولو قلنا بالمنع من بيعها ففيها ديات على القاتل، سيأتي إن شاء الله تعالى. ويجوز اقتناء الجرو للتعليم، ولو قبل الهراش التعليم جاز.

ولا يلحق كلب الماء بالبري، خلافا لابن إدريس(٦) .

ولا يجوز اقتناء الحيات والعقارب والسباع الضارية، والترياق المشتمل على محرم، والسموم الخالية عن المنفعة. ويجوز بيع لبن الاتن والمرأة لا الرجل والخنثى.

وليس الملك فاقد الطريق من قبيل ما لا ينتفع به فيجوز بيعه، ويكون حكمه حكم المعيب، ولا القرد الحافظ من قبيل المنتفع به لندوره وعدم الوثوق.

ورابعها: الاعيان النجسة والتنجسة غير القابلة للطهارة، وفي الفضلات الطاهرة خلاف، فحرم المفيد(٧) بيعها إلا بول الابل، وجوزه الشيخ في الخلاف(٨) والمبسوط(٩) ، وهو الاقرب لطهارتها ونفعها.

____________________

(١) النهاية: ص ٣٦٤.

(٢) الخلاف: ج ٢ ص ٨٠ المسألة ٣٠٢.

(٣) كما نقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٣٤١، ولكن صرح بالجواز في إجارة مهذبه: ج ١ص٥٠٢.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٠.

(٥) الوسيلة: ص ٢٤٨.

(٦) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٠.

(٧) المقنعة: ص ٥٨٧.

(٨) المبسوط: ج ٢ ص ١٦٧.

(٩) الخلاف: ج ٢ ص ٨٢ مسألة ٣١٠.

١٦٨

(٢٣٣) درس

وخامسها: تعلق حق غير البائع به كما الغير، وما يختص به من الاشياء وإن لم يملك، والوقوفات المطلقة. ومن وجد عنده سرقة أو غصب فأقام بينه بالشراء اندفع عنه قرار الضمان إن كان جاهلا، وتخير(١) مالكها في الرجوع على من شاء مع تلفها.

ويجوز للولي تقويم أمته المولى عليه وشراؤها، ولا يجوز مباشرتها قبل ذلك، وقال الصدوق(٢) : يجوز للاب مباشرة جارية الابن مالم يكن مسها، لخبر إسحاق بن عمار(٣) ، ويحمل على فعل ذلك بطريقه الشرعي. ويجوز التناول من مال الولد الصغير حيث تجب نفقة الاب، ومن مال الكبير حيث يمتنع من الانفاق الواجب. ولا يجوز تناول الام من مال الولد شيئا، إلا بإذن الولي أو مقاصة.

وليس لها الاقتراض من مال الصغير، وجوزه علي بن بابويه(٤) الشيخ(٥) والقاضي(٦) ، وربما حمل على الوصية. ولو صالح الولي غريم اليتيم بدون حقه روعي الصلاح، ويبرأ المدعى عليه إذا كان مقرا معسرا، ولو كان منكرا أو موسرا لم يبرأ.

ويجوز شراء ما يأخذ الجائر بإسم الخراج والزكاة والمقاسمة، وإن لم يكن

____________________

(١) في باقي النسخ: ويتخير.

(٢) علل الشرائع: ص ٥٢٥.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٧٩ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١٩٨.

(٤) المختلف: ج ٢ ص ٣٤٥.

(٥) النهاية: ص ٣٦٠.

(٦) المهذب: ج ١ ص ٣٤٩.

١٦٩

مستحقا له.

وتناول الجائزة منه إذا لم يعلم غصبيتها(١) ، وإن علم ردت على المالك، فإن جهله تصدق بها عنه، واحتاط ابن إدريس(٢) بحفظها ولوصية بها، وروي أنها كاللقطة، قال: وينبغي إخراج خمسها والصدقة على إخوانه منها، والظاهر أنه أراد الاستحباب في الصدقة.

وترك أخذ ذلك من الظالم مع الاختيار أفضل، ولا يعارضه أخذ الحسنين عليهما السلام(٣) جوائز معاوية، لان ذلك من حقوقهم بالاصالة.ولا يجب رد المقاسمة وشبهها على المالك.ولا يعتبر رضاه.ولا يمنع تظلمه من الشراء.وكذا لو علم أن العامل يظلم، إلا أن يعلم الظلم بعينه.

نعم يكره معاملة الظلمة، فلا تحرم(٤) ، لقول الصادق عليه السلام(٥) : كل شئ فيه حرام وحلال فهو حلال حتى يعرف الحرام بعينه.

ولا فرق بين قبض الجائر إياها أو وكيله، وبين عدم القبض، فلو أحاله بها وقبل الثلاثة أو وكله في قبضها أو باعها، وهي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول، ويحرم على المالك المنع.

وكما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات والهبة والصدقة والوقف، ولا يحل تنوالها بغير ذلك.

والاجير الخاص ليس له العمل لغير المستأجر في زمان الاجارة، بخلاف المطلق.

____________________

(١) في باقي النسخ: غصبها.

(٢) السرائر: ج ٢ ص ٢٠٣.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ٤ ج ١٢ ص ١٥٧.

(٤) في باقي النسخ: ولا تحرم.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ٥٩، وفيه اختلاف.

١٧٠

وللزوجة التصدق بالمادوم من مال الزوج، إلا مع نهيه أو إضراره، وليس لغيرها ذلك، ولا لها تناول غير ذلك، والمادوم مايؤتدم به كالملح واللحم، وفي تعديته إلى الخبز والفاكهة نظر.والزوج يحرم عليه تنال شئ من مالها، إلا برضاها.ولو ملكته مالا كره له التسري به.ويحتمل كراهة جعله صداقا لضرة إلا بإذنها.ويجوز للوكيل أو الوصي في الدفع إلى قبيل إعطاء عياله إذا كانوا منهم، والتفصيل إذا كانوا غير محصورين.وفي جواز أخذه لنفسه رواية صحيحة(١) ، وعليها الاكثر، وربما جعله الشيخ(٢) مكروها، لرواية اخرى صحيحة(٣) بالمنع.

والفضلات عند الصائغ كتراب الصياغة يجب دفعها إلى مالكها، فإن جهل تصدق بها عينا أو قيمة.

ولا يجوز تملكها ولو كان الصائغ مستحقا للصدقة.

وفي رواية علي الصائغ(٤) تصدق بالتراب أما لك أو لاهلك أو قريبك، وأنه لو خاف من استحلال صاحبه التهمة جازت الصدقة.

ولا يجوز بيع الوقف، سواء كان على جهة عامة أو خاصة، وفي الحبس والسكنى نظر، إذا لم يقترن بمدة، ومع اقترانها بالمدة المعلومة يجوز البيع.وكذا لا تباع ام الولد، إلا فيما سلف.

ولا يجوز شراء المشتبه إذا كان أصله التحريم، كالذبيحة المطروحة أو التي في يد الكافر، وكذا الجلد.

ويجوز شراؤهما من المسلم، ومن المجهول حاله إذا كان في بلد الاسلام.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٨٤ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ٢٠٦.

(٢) الاستبصار: ب ٢٨١ في الرجل يعطي شيئا ليفرقه في المحتاجين و..ج ٣ ص ٥٤.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٨٤ من أبواب مايكتسب به ح ٣ ج ١٢ ص ٢٠٦.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٦ من أبواب الصدف ح ١ ج ١٢ ص ٤٨٥.

١٧١

وأما المشتبه الذي أصله الاباحة فيجوز شراؤه، كالماء المتغير المشتبه استناد تغيره إلى النجاسة، والمشتبه الذي لا يعرف له أصل كما في يد الظالم، والمعروف بالخيانة والسرقة فيجوز شراؤه، وتركه أولى.

(٢٣٤) درس

وسادسها: ما يجب على المكلف فعله إما عينا كالصلاة اليومية، أو كفاية كتغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وفي فتاوي المرتضى(١) هذا واجب على الولي فإذا استأجر عليه جاز، والوجه التحريم. أما ثمن الكفن والماء ولكافور فليس بحرام.

ولو استؤجر على مازاد على الواجب من هذه جاز كالغسلات المندوبة، والزيادة في الكفن وتعميق القبر والحمل إلى المشاهد الشريفة، فلو بذل له اجرة تزيد عليه لم ترحم إذا كان هو المقصود.

ومن الواجب الذي يحرم أخذ الاجرة عليه تعليم الواجب عينا أو كفاية، من القرآن العزيز والفقه والارشاد، إلى المعارف الالهية بطريق التنبيه. ولا تحرم الاجرة على العلوم الادبية والطب والحكمة.

وأما القضاء وتوابعه فمن الارتزاق من بيت المال.

ويحرم عليه(٢) الاجرة والجعالة من المتحاكمين وغيرهما، وقال الباقر عليه السلام(٣) : الرشا في الحكم كفر بالله وبرسوله.

وكذا تحرم الاجرة على وظيفة الامامة، وإقامة الشهادة، وتحملها وإن قام

____________________

(١) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة ليدنا، ونسبه إلى المرتضى أيضا في المسالك: ج ١ ص ١٦٦.

(٢) في باقي النسخ: وليحرم فيه.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب مايكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ٦١.

١٧٢

غيره مقامه.

ولو أخذ الاجرة على مازاد على الواجب من الفقه والقرآن جاز على كراهية.

ويتأكد مع الشرط ولا يحرم، لقول الصادق عليه السلام(١) : لو أن المعلم أعطاه رجل دية ولده كان مباحا، فلو استأجره لقراء‌ة مايهدي إلى ميت أو حي لم يحرم، وإن كان تركه أولى.

ولو دفع إليه بغير شرط فلا كراهية، والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله(٢) ، وعن علي عليه السلام(٣) يمنع الاجرة على تعليم القرآن يحمل على الواجب، أو على الكراهية.

وكذا الرواية عن الباقر عليه السلام(٤) أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن من احتاج الناس إليه لتفقههم فسألهم(٥) الرشوة. ويجوز الاستئجار على عقد النكاح وغيره من العقود، وأما على تعليم الصيغة وإلقائها على المتعاقدين فلا.

وكذا تجوز الاجرة على الخطبة والخطبة في الاملاك.

ويجوز الاستئجار على نسخ القرآن والفقه وتعليمه وإن تعين(٦) ، ونقل ابن إدريس(٧) إجماعنا على جواز أخذ الاجرة على نسخ القرآن وتعليمه، ورحمهما في الاستبصار(٨) مع الشرط، والرواية(٩) بالنهي ضعيفة السند، والاجماع على جعله

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١١٢.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب مايكتسب به ح ٧ ج ١٢ ص ١١٣.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٣٠ من أبواب مايكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١١٣.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٨ من أبواب آداب القاضي ح ٥ ج ١٨ ص ١٦٣.

(٥) في باقي النسخ: فيسألهم.

(٦) في باقي النسخ: وإن تعين تعليمه.

(٧) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٣.

(٨) الاستبصار: باب الاجر على تعليم القرآن ج ٣ ص ٦٥.

(٩) وسائل الشيعة: ب ٢٩ من أبواب ما يكتسب به ح ٤ ج ١٢ ص ١١٢.

١٧٣

مهرا يلزم منه حل الاجرة، ولو سلمت الرواية حملت على الكراهية. والولاية عن العادل جائزة، بل مستحبة. وتجب مع الالزام، أو عدم وجود غيره. ويحرم عن الجائر، إلا مع الاكراه فينفذ ماأكره عليه، إلا الدماء المحرمة.

قال الصادق عليه السلام(١) : من سود أسمه في ديوان ولد سابع حشره الله يوم القيامة خنزيرا. ولو ظن القيام بالحق والاحتساب المشروع لم يحرم. ويجوز له إذا كان مجتهدا إقامة الحدود، معتقدا أنه عن العادل. ويستحب له تحمل الضرر اليسير في ترك الولاية. ولايجوز تحمل الضرر الكثير في نفسه أو بدونه أو من يجري مجراه من قريب ومؤمن، وجوز تحمله في المال ولا يجب.

وهنا مسائل: تجوز المقاصة المشروعة من الوديعة على كراهية. وينبغي له أن يقول اللهم إني لن آخذه ظلما ولا خيانة، وإنما أخذته مكان مالي الذي اخذ مني، لم أزدد عليه شيئا، لرواية(٢) أبي بكر الحضرمي.

وكذا يكره لاحد الشريكين إذا خانه الشريك مقابلته بفعله، ألا بإذنه للرواية(٣) .

الثانية: لا يجوز بيع المشتركات قبل الحيازة، كالكلا والماء والنار والحجاره والتراب، ويجوز بعده وإن كثر وجودها.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٤٢ من أبواب مايكتسب به ح ٩ ج ١٢ ص ١٣٠.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ح ٤ ج ١٢ ص ٢٠٣.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٨٣ من أبواب مايكتسب به ح ٩ ج ١٢ ص ٢٠٤.

١٧٤

ولا يجوز بيع الارض المفتوحة عنوة، ولا بيع مابها من بناء وشجر وقت الفتح.

نعم لو جدد فيها شيئا من ذلك جاز بيعه، وربما قيل: يبيعها تبعا لآثاره.

وروى(١) أبوبردة جواز بيع أرض الخراج من صاحب اليد، والخراج على المشتري، وفي رواية إسماعيل(٢) بن الفضل إيماء إليه.

الثالثة: يجوز أخذ الاجرة على كتابة العلوم المباحة، ويكره على كتابة القرآن مع الشرط، لفحوى الرواية(٣) .

ويكره كتابته بالذهب وتعشيره به، لرواية محمد الوراق(٤) ، قال الصادق(٥) عليه السلام: لا يعجبني أن يكتب إلا بالسواد، ولا يحرم ذلك على الاقوى.

الرابعة: يحرم بيع الحر وشراؤه، ولا عبرة بإذنه ولو كان حربيا. نعم لو أثبت يده عليه وباعه جاز، لحصول الرق حينئذ. ويجوز إجارته واجارة الحر نفسه للعمل المباح.

الخامسة: لو باع المصحف على كافر بطل على الاصح، وقيل، تصح وتزال يده قهرا، ببيعة على مسلم. ويجوز بيع كتب السنن على الاقوى.

السادسة: يحرم التطفيف في الكيل والوزن، قل أم كثر. والاقرب أنه من الكبائر لتوعد الله تعالى عليه.

السابعة: يحرم بيع بيض لا يحل أكله ولا ينتفع به، كبيض الرخم والحداء. ويجوز بيع مايؤكل أو ينتفع بفرخه، كبيض جوارح الطير على القول بجواز بيعها.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٧١ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح ١ ج ١١ ص ١١٨.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٧٢ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه ح ٤ ج ١١ ص ١٢٠.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ح ٣٠ ج ١٢ ص ١١٦.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٣٢ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١١٧.

(٥) نفس المصدر السابق

١٧٥

الثامنة: تحرم أخذ الاجرة على الاذان والاقامة، ولا يحرم فعلهما لو أخذ الاجرة، خلافا للقاضي(١) .

ويجوز الارتزاق من بيت المال.

التاسعة: الاقرب أنه لا يحرم خصي الحيوان غير الآدمي إذا كان فيه نفع وفاقا لابن الجنيد(٢) وابن إدريس(٣) وخلافا للشامين(٤) .

العاشرة: حرم الحلبي(٥) الرمي عن قوس الجلاهق، ولا يعلم دليله، إلا ما روى(٦)(٧) العامة، وقيده الفاضل(٨) بطلب اللهو والبطر.

الحادية عشرة: لا يجوز سلوك طريق يغلب فيها تلف النفس مطلقا أو المال المضر به، ولا أخذ الاجره على تزويق المساجد وزخرفتها. ويجوز بيع جلد غير المأكول إذا ذكي وكان مما يقع عليه الذكاة قبل دبغه إجماعا، وإن حرمنا استعماله قبل دبغه.

الثانية عشرة: لا يجوز للاجير على عمل التقصير عما استؤجر له، ولو زاد عن ذلك في الجودة كان أفضل، ولو خص بالزيادة بعض المستأجرين كره.

ومن ثم ينبغي للمعلم التسوية بين الصبيان، ويكره تفضيل بعضهم على بعض في التعليم والاجرة، إلا مع الشرط، وقال ابن إدريس(٩) : إذا آجر نفسه لتعليم مخصوص جاز التفضيل بحسبه، وأن استوجر لتعليمهم مطلقا حرم

____________________

(١) المهذب: ج ١ ص ٣٤٥.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٤١.

(٣) السرئر: ج ٢ ص ٢١٥.

(٤) الكافي في الفقه: ص ٢٨١، والمهذب: ج ١ ص ٣٤٥.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٢٨٢.

(٦) كنز العمال: ح ٤٠٦٧٥ ج ١٥ ص ٢٢٢.

(٧) في (ق): ما رواه.

(٨) المختلف: ج ١ ص ٣٤٢.

(٩) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٤.

١٧٦

التفضيل، وإن كان اجرة بعضهم أكثر، ورواية حسان(١) المعلم عن الصادق عليه السلام تشعر بالكراهية.

الثالثة عشرة: يجوز بيع عظام الفيل، واتخاذ الامشاط منها، فقد كان للصادق(٢) عليه السلام منه مشط، ولا كراهة فيه وفاقا لابن إدريس(٣) والفاضل(٤) ، وقال القاضي(٥) : يكره بيعها وعملها.

(٢٣٥) درس في المناهي

وهي أقسام ثلاثة: أحدها: ما نهي عنه لعينه فيفسد بيعه، كبيع حبل الحبلة أي نتاج النتاج، أو البيع بأجل إلى نتاج النتاج.

والملاقيح، وهي ما في الارحام، والمضامين وهي ما في الاصلاب.

والملامسة كالبيع في الظلمة من غير وصف، أو تعليق البيع على اللمس.

والمنابذة على تفسيري الملامسة، وقد تفسر بالمعاطاة، وهو ضعيف.

وبيع الحصاة، مثل بعتك ماتقع عليه حصاتك، أو ما بلغته حصاتك من الارض، أو يجعل نفس رمي الحصاة بيعا.

وبيعين(٦) في بيعه، أما البيع بشرط الابتياع، وأما بثمنين نقدا أو

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢٩ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١١٢.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٣٧ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١٢٣.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٢٠.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٣٤٢.

(٥) المهذب: ج ١ ص ٣٤٦.

(٦) في باقي النسخ: وبيعتين.

١٧٧

نسيئة(١) ، فالاقرب في الاول الصحة: ويحمل النهي على الكراهية.

والقرض يجر نفعا، كشرط رد الصحاح عن المكسرة.

وبيع المكره باطل، إلا أن يرضى بعد الاكراه.

ولو خاف من ظالم فأقر ببيعه كأن تلجئه فيحرم تملكه على المقر له.

ومن المناهي الربا، سواء كان في البيع، أو القرض، أو باقي المعاوضات على الاصح.

وثانيها: ما نهي عنه لعارض فلا يفسد بيعه، كالنهي عن البيع على بيع آخر وفسر بالزيادة على المشتري بعد تقدير(٢) الثمن وإرادة العقد، ويأمر البائع بالفسخ في زمن الخيار ليشتري منه بأزيد، وأمر المشستري به ليبيعه بأنقص أو خيرا منه، وقال بتحريم الامرين الشيخ(٣) وابن إدريس(٤) ، وتوقف الفاضل(٥) . وقطع الفاضلان(٦) بكراهية الدخول في السوم، ومنه البيع بعد نداء الجمعة، وبيع المعتكف. ومنه النجش، وهو رفع السعر ممن لا يريد الشراء للحض عليه، وكرهه قوم، والاقرب التحريم، لانه خديعة، ولا يبطل العقد، وقال ابن الجنيد(٧) : إذا كان من البائع أبطله، وقال القاضي(٨) : يتخير المشتري، لانه تدليس، وقطع في

____________________

(١) في باقي النسخ: ونسيئة.

(٢) في باقي النسخ: بعد تقرر.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ١٦٠.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٥.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٣٤٧.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٣٤٧ والشرائع: ج ٢ ص ٢٠.

(٧) المختلف: ج ١ ص ٣٤٦.

(٨) لم نعثر عليه في كتبه المتوفرة لدينا ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٣٤٦.

١٧٨

المبسوط(١) بأنه لا خيار إذا لم تكن بمواطاة للبائع(٢) ، وقوى عدم الخيار أيضا مع مواطاته، وقيد الفاضلان(٣) الخيار بالغبن كغيره من العقود.

ومنه تلقي الركبان لاربعة فراسخ فناقصا للبيع، أو الشراء عليهم، مع جهلهم بسعر البلد.

ولو زاد على الاربعة أو اتفق من غير قصد، أو تقدم بعض الركب إلى البلد، أو السوق فلا تحريم.

وفي رواية منهال(٤) لا تلق ولا تشتر مما يتلقى ولا تأكل منه، وهي حجة التحريم، كقول الشاميين(٥) وابن إدريس(٦) وظاهر المبسوط(٧) ، وفي النهاية(٨) والمقنعة(٩) يكره، حملا للنهي على الكراهية.

ثم البيع صحيح على التقديرين، خلافا لابن الجنيد(١٠) .

ويتخير الركب، وفاقا لابن إدريس(١١) ، لما روي عن(١٢) النبي صلى الله عليه وآله فيمن تلقى، فصاحب السلعة بالخيار، ومع الغبن يقوى ثبوته.

والخيار فوري.

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٨٣.

(٢) في (م) و (ق): لمواطاة البيع.

(٣) الشرائع: ج ٢ ص ٢٢ وتذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٢.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٣٦ من أبواب آداب التجارة ح ٢ ج ١٢ ص ٣٢٦.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٣٦٠، وفيه: يكره، ولم نعثر على قول ابن البراج، ونقله عنه في المختلف: ج ١ ص ٣٤٦.

(٦) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٧.

(٧) المبسوط: ج ٢ ص ١٦٠.

(٨) النهاية: ص ٣٧٥.

(٩) المقنعة: ص ٦١٦.

(١٠) المختلف: ج ١ ص ٣٤٦.

(١١) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٧.

(١٢) مستدرك الوسائل: باب ٢٩ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ٤ ج ١٣ ص ٢٨١. ونقله عنه في الغنية.

١٧٩

ومنه الاحتكار، وهو حبس الغلات الاربع والسمن والزيت والملح على الاقرب فيهما، توقعا للغلاء، والاضهر تحريمه مع حاجة الناس إليه، ومظنتها الزيادة على ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص، للرواية(١) ، فيجبر على البيع حينئذ.

ولا يسعر عليه إلا مع التشدد، لقول البني صلى الله عليه وآله(٢) : إنما السعر إلى الله.

لا يسعر في الرخص قطعا، فيحرم فعله.

ومنه الغش بما يخفى كما سلف، وإخفاء العيب الباطن، والتدليس.

(٢٣٦) درس

وثالثها: ما نهي عنه نهي تنزيه فلا يحرم، كبيع الاكفان والرقيق والذباحة والنحر صنعة والقصابة الحياكة والنساجة والحجامة بشرط، وأمر النبي صلى الله عليه واله(٣) بصرف كسبها في علف الناضح.

وكذا كسب القابلة مع الشرط، واجرة ضراب الفحل، وكسب الاماء إلا مع الامانة، كسب الصبيان، ومن لا ورع له، وركوب البحر للتجارة للتغرير بالدين والنفس، ومعاملة الظلمة إلا لضرورة(٤) ، والسلفة والادنين والمحارفين، وذوي العاهات.

ومعاملة الاكراد ومجالستهم ومناكحتهم، وعلل ابن إدريس(٥) بأنهم لا بصيرة لهم لتركهم مخالطة الناس وذوي البصائر، ومعاملة أهل الذمة.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢٧ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣١٢.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٣٠ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣١٧.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ٧١.

(٤) في باقي النسخ: للضرورة.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٣.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416