الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98083 / تحميل: 5198
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

والربح على المؤمن، إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فيربح عليه قوت اليوم، أو يشتري للتجارة فيرفق به، أو للضرورة.

وروى علي بن سالم عن أبيه عن الصادق عليه السلام(١) لا بأس في غيبة القائم عليه السلام بالربح على المؤمن، وفي حضوره يكون ربا.

والربح على الموعود بالاحسان، ودخول السوق أولا، وطلب الغاية في الثمن، ومدح المبيع وذمه من المتعاقدين، وكتمان العيب الضاهر، واليمين على المبيع، وروي(٢) كراهية الربح المأخوذ باليمين، والسوم(٣) ما بين طلع الفجر وطلوع الشمس، وإضهار(٤) جيد المتاع وإخفاء رديه إذا كان يضهر للحس.

والاستحطاط(٥) بعد العقد، ويتأكد بعد الخيار، والنهي من النبي صلى الله عليه وآله عنه للكراهة، لانه روي عن الصادق عليه السلام قولا وفعلا، كما روي عنه تركه قولا وفعلا، والبيع في(٦) موضع يخفى فيه العيب، الاستقصاء في الامور، لقول الصادق عليه السلام(٧) : من أستقصى فقد أساء.

والزيادة(٨) وقت النداء، بل حال السكوت، وقال بن إدريس(٩) : لا يكره، وقال الفاضل(١٠) : المراد السكوت مع عدم رضا البائع بالثمن.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١٠ من أبواب آداب التجارة ح ٤ ج ١٢ ص ٢٩٤ وفيه أختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٢٥ من أبواب آداب التجارة ج ١٢ ص ٣٠٩.

(٣) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب آداب التجارة ح ٢ ج ١٢ ص ٢٩٥.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب أحكام العيوب ج ١٢ ص ٤٢٠.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٤٤ من أبواب آداب التجارة ج ١٢ ص ٣٣٣.

(٦) وسائل الشيعة: ب ٥٨ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣٤٣.

(٧) تحف العقول: ص ٢٧٤.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٤٩ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣٣٧.

(٩) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٤.

(١٠) المختلف: ج ١ ص ٣٤٧.

١٨١

وسمسرة الحاضر للبادي، وفي المبسوط(١) لا يجوز فيما يضطر إليه الحاضر، وفي الوسيلة(٢) النهي عن بيع الحاضر للبادي في البدو لا في الحضر، وابن إدريس(٣) إنما يكره إذا تحكم عليه الحاضر فباع بدون رأيه، أو أكرهه على البيع بغلبة الرأي، وليس بشئ، ولا خلاف في جواز السمسرة في الامتعة المجلوبة من بلد إلى بلد.

فرع:

الاقرب تعدي النهي إلى بيع البلدي للقروي، للمشاركة(٤) في العلة المومأ إليها، وإنما يكون ذلك مع جهل البدوي والقروي بالسعر، ولو اشترى لهما فالاقرب الكراهة.

ومن المكروه الصرف والصياغة، وتولي الكيل والوزن لغير العارف بهما، وطلب الحاجة من حديث النعمة والمخالف والسلطان، وشراء الوكيل من نفسه وبيعه على نفسه، وروى هشام(٥) وإسحاق(٦) المنع من الشراء.

ولا بأس بالختان والخفض، ويكره الاستئصال في الخفض، فإن تركه أشرق للوجه.

وكذا يكره للماشطة غسل الوجه بالخرقة، لانه يذهب بمائه.

وفي مكاتبة الصفار(٧) لا بأس باجرة البدرقة وإجارة الانسان نفسه

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٧٧.

(٢) الوسيلة: ص ٢٦٠.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٣٧.

(٤) في (ق): للمشارك له.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٢٨٨.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب آداب التجارة ح ٢ ج ١٢ ص ٢٨٩.

(٧) وسائل الشيعة: ب ١٤ من أبواب الاجارة ح ١ ج ١٣ ص ٢٥٤.

١٨٢

للاعمال الدنية، وروى عمار(١) الكراهة مطلقا، وروى ابن سنان(٢) لابأس بها لفعل موسى عليه السلام، وجمع الشيخ(٣) بينهما بالكراهة لمن يخاف التقصير دون غيره.

وعن الرضا عليه السلام(٤) كل شئ يتقي فيه العبد ربه فلا بأس به، وكان السؤال عن بيع الرقيق.

وقال الباقر عليه السلام(٥) : كان أهل الكهف صيارفة.

ويكره(٦) الانزاء على الناقة وولدها طفل إلا أن ينحر أو يتصدق به، وإنزاء الحمار على العتيق، وانتهاب(٧) نثار العرس، وبيع(٨) الملك لغير ضرورة، إلا أن يشتري خيرا منه.

(٢٣٧) درس

في آداب التجارة وهي التفقه(٩) فيما يتولاه، وتقديم(١٠) الاستخارة والسهولة والحلم وإيفاء الكيل الوزن والاقتراب من المتبائعين بذلك أوصى علي عليه السلام.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٦٦ من أبواب مايكتسب به ح ٣ ج ١٢ ص ١٧٦.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٦٦ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١٧٦.

(٣) الاستبصار: كتاب المكاسب ٢٩ في كراهية أن يواجر الانسان لنفسه ج ٣ ص ٥٥.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٢٠ من أبواب ما يكتسب به ح ٥ ج ١٢ ص ٩٦.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٢٢ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ٩٩.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٦٣ من أبواب ما يكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١٧٣.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٣٦ من أبواب ما يكتسب به ج ١٢ ص ١٢١.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٢٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ٨ ج ١٢ ص ٤٥.

(٩) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٢٨٢.

(١٠) وسائل الشيعة: باب ٢ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٢٨٣.

١٨٣

والتسوية(١) بين المماكس وغيره، والاقالة(٢) والتسامح(٣) في البيع والشراء، والاقتضاء(٤) والقضاء، وروي(٥) في التقاضي من الغريم أطل الجلوس وألزم السكوت، وقبض(٦) الناقص، وإعطاء الراجح، والمباكرة(٧) في طلب الرزق، والتكبير(٨) ثلاثا، والشهادتان(٩) عند الشراء، وسؤال(١٠) البركة في الشراء، والخيرة(١١) في البيع، والانتقال مما يعسر من أنواع التجارة إلى غيره، وملازمة(١٢) ما بورك له فيه، وشراء العقار(١٣) وتفريقه في مواضع، ومعاملة(١٤) من نشأ في خير، والزراعة(١٥) والغرس.

قال الصادق عليه السلام(١٦) ما في الاعمال شئ أحب إلى الله تعالى من الزراعة وما بعث الله نبيا إلا زراعا إلا إدريس عليه السلام فإنه كان خياطا.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١١ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٢٩٥.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٣ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٢٨٦.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب آداب التجارة ج ١٢ ص ٢٨٧.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٤٢ من أبواب آداب التجارة ج ١٢ ص ٣٣١.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٦ من أبواب الدين والقرض ح ٢ ج ١٢ ص ١٠٠.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٧ من أبواب آداب التجارة ج ١٢ ص ٢٩٠.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ٨ ج ١٢ ص ١٢.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٢٠ من أبواب آداب التجارة ج ١٢ ص ٣٠٣.

(٩) وسائل الشيعة: باب ١٩ من أبواب آداب التجارة ح ٣ و ٤ ج ١٢ ص ٣٠٣.

(١٠) وسائل الشيعة: ب ١٧ من أبواب آداب التجارة ح ٢ و ٣ ج ١٣ ص ٣٠٤.

(١١) وسائل الشيعة: ب ١٧ من أبواب آداب التجارة ح ٦ و ٨ ج ١٢ ص ٣٠٥.

(١٢) وسائل الشيعة: باب ٣٥ من أبواب آداب التجارة ح ١ و ٢ ج ١٢ ص ٣٢٤.

(١٣) وسائل الشيعة: باب ٢٤ من أبواب مقدمات التجارة ج ١٢ ص ٤٤.

(١٤) وسائل الشيعة: باب ٢٧ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٤٩.

(١٥) وسائل الشيعة: باب ١٠ من أبواب مقدمات التجارة ج ١٢ ص ٢٤.

(١٦) وسائل الشيعة: باب ١٠ من أبواب مقدمات التجارة ح ٣ ج ١٢ ص ٢٥.

١٨٤

وتعلم(١) الصقل، والخروج(٢) من البلد عند الاعسار، وإعلام(٣) الاح بالعسر، والاقتصاد(٤) في المعيشة، والاحسان(٥) إلى الاخوان للمبتلى بعمل السلطان، والرفق(٦) في المعيشة، وإحراز(٧) قوت السنة، وبدار الصانع(٨) والتاجر إلى الصلاة، وإعطاء(٩) الصانع العين حظها من النوم، فروى مسمع(١٠) أن سهرة الليل كله سحت.

المكافأة(١١) على الهدية، ومشاركة(١٢) الجلساء فيها إذا كانت طعاما فاكهة أو غيرها، وتجنب التجارة(١٣) في بلد يوبق فيه الدين أو يصلى(١٤) فيه على الثلج.

ويستحب التعرض للرزق وإن لم يكن له بضاعة كثيرة، فيفتح بابه ويبسط بساطه.

ويستحب لطالب الرزق الرجوع بغير الطريق الذي خرج به، فإنه أرزق له.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٢٣ من أبواب مايكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١٠٠.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ١٣ ج ١٢ ص ١٣.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب مقدمات التجارة ح ١١ ج ١٢ ص ١٢.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٣ من أبواب مقدمات التجارة ج ١٢ ص ٣٠.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به ح ١١ ج ١٢ ص ١٤١.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٢٢ من أبواب مقدمات التجارة ح ٧ ج ١٢ ص ٤٢.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٣١ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣٢٠.

(٨) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب آداب التجارة ح ٢ ج ١٢ ص ٢٩٨.

(٩) وسائل الشيعة: باب ٣٤ من أبواب مايكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ١١٨.

(١٠) وسائل الشيعة: باب ٣٤ من أبواب مايكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١١٨.

(١١) وسائل الشيعة: باب ٨٨ من أبواب ما يكتسب به ح ٢ ج ١٢ ص ٢١٢.

(١٢) وسائل الشيعة: باب ٩٢ من أبواب مايكتسب به ح ١ و ٢ ج ١٢ ص ٢١٨.

(١٣) الكافي: كتاب المعيشة باب ركوب البحر للتجارة ح ٥ ج ٥ ص ٢٥٧.

(١٤) وسائل الشيعة: باب ٦٨ من أبواب مايكتسب به ح ١ ج ١٢ ص ١٧٩.

١٨٥

ويكره كثرة الفراغ والنوم والكسل والضجر والمنى ومباشرة دنيات الامور بنفسه، بل كبارها.

ومنها شراء العقار والرقيق والابل والدوران في الاسواق بغير فائدة، وتولي الصناعات للظلمة، والدخول في المريب، وإئتمان شارب الخمر، واشتراط النائحة أجرا، ولا بأس به مع عدم الشرط، وبيع المصحف، ويستحب شراؤه. وأجلب شئ للرزق الصدق وأداء الامانة.

وعن الصادق عليه السلام(١) من طلب التجارة استغنى إن تسعة أعشار الرزق في التجارة.

وروي(٢) أن التجارة تزيد في العقل، وتركها(٣) ينقصه.

وعن الكاظم عليه السلام(٤) أن الله أبي أن يجعل متجر المؤمن بمكة أو ربح المؤمن بمكة، وأمر بالبيع في الطريق قبل قدومها. ويكره للتاجر شكاية عدم الربح، واستقلال قليل الرزق فيحرم الكثير، وحمل المال في الكم، لانه مضياع. ويستحب كتمان المال ولو من الاخوان، وقال الصادق عليه السلام(٥) : اشتروا وإن كان غاليا، فإن الرزق ينزل مع الشراء. ويستحب بدأة صاحب السلعة بالسوم.

والدعاء عند دخول السوق ويقول(٦) : اللهم إني أسألك من خيرها وخير

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب مقدمات التجارة ح ٨ ج ١٢ ص ٤.

(٢) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب مقدمات التجارة ح ٩ ج ١٢ ص ٤.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٢ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٥.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٥٧ من أبواب آداب التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٣٤٣ وليس فيه (أو ربح مؤمن بمكة).

(٥) وسائل الشيعة: باب ٣ من أبواب مقدمات التجارة ح ١ ج ١٢ ص ٩.

(٦) في باقي النسخ: بقوله.

١٨٦

أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها، فإذا جلس تشهد الشهادتين وصلى على النبي وآله(١) ، وقال: اللهم إني أسألك من فضلك حلالا طيبا، وأعوذ بك من أن أظلم أو اظلم، وأعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين كاذبة.

فإذا اشترى شيئا قال: ثلاثا اللهم إني اشتريته ألتمس فيه فضلك فاجعل لي فيه فضلا، وثلاثا اللهم إني اشتريته ألتمس فيه رزقك فاجعل لي فيه رزقا.

وإذا طلب شراء دابة أو رأسا قال: اللهم قدر لي أطولها حياة وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة، وإن أراد جارية قال: ثلاثا اللهم إن كانت عظيمة البركة فاضلة المنفعة ميمونة الناصية فيسر لي شراؤها، وإن كانت غير ذلك فاصرفني عنها إلى الذي هو خير لي منها فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا اقدر وأنت علام الغيوب.

وقال الصادق عليه السلام(٢) : من غش غش في ماله، فإن لم يكن له مال غش في أهله.

وأمر الكاظم عليه السلام(٣) بطرح دينار مغشوش بعد قطعه بنصفين في البالوعة.

يستحب شراء الحنطة للقوت، ويكره شراء الدقيق، وأشد كراهية الخبز.

ويستحب كيل الطعام، والاقتصار على المعاش في بلده، فإنه من السعادة.

____________________

(١) في باقي النسخ: صلى الله عليه وآله.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٨٦ من أبواب مايكتسب به ح ٧ ج ١٢ ص ٢٠٩.

(٣) وسائل الشيعة: باب ٨٦ من أبواب ما يكتسب به ح ٥ ج ١٢ ص ٢٠٩.

١٨٧

١٨٨

كتاب البيع

١٨٩

١٩٠

قال الله جل جلاله(١) : (وأحل الله البيع وحرم الربا).

وهو الايجاب والقبول من الكاملين، الدالان على نقل العين بعوض مقدر مع التراضي، فالايجاب بعت(٢) وشريت وملكت، والقبول ابتعت واشتريت وتملكت وقبلت بصيغة الماضي، فلا يقع بالامر والمستقبل. ولا ترتيب بين الايجاب والقبول على الاقرب وفاقا للقاضي(٣) . ويشترط فيهما التطابق، فلو قال بعتك العبدين بألف فقال قبلت أحدهما بنصفه لم يصح، وإن تساويا قيمة.

وأولى بالبطلان ما لو قال بعتكما العبدين بألف فقبل أحدهما بخمسمائة، لان الايجاب لم يقع للقابل، إلا على نصف العبد قضية للاشاعة. ولا يقدح تخلل آن أو تنفس أو سعال.

ولا يكفي الكتابة بإجارة أو خلع كتابة، ولا الاحتساب المتبوع بالايجاب، مثل بعني أو تبيعني فيقول بعتك، خلافا للقاضي(٤) .

____________________

(١) البقرة: ٢٧٥.

(٢) في (ق): بعتك.

(٣) المهذب: ج ١ ص ٣٥٠.

(٤) المهذب: ج ١ ص ٣٥٠.

١٩١

وإشارة الاخرس المفهمة كاللفظ، ولا المعاطاة وإن كانت في المحقرات.

نعم يباح التصرف في وجوه الانتفاعات، ويلزم بذهاب أحدى العينين، ويظهر من المفيد الاكتفاء بها مطلقا، وهو متروك. ومن المعاطاة أن يدفع إليه سلعة بثمن يوافقه عليه من غير عقد، ثم تهلك عند القابض فيلزم الثمن المسمى وشبهها اقتضاء المدين العوض عند النقد أو عن عرض آخر فإن ساعره فذاك، وإلا فله سعر يوم القبض، ولا يحتاج إلى عقد. وليس لهما الرجوع بعد التراضي.

ولا الكتابة حاضرا كان أو غائبا. ويكفي لو تعذر النطق مع الاشارة. ويعني بكمال المتعاقدين بلوغهما وعقلهما، فعقد الصبي باطل وإن أذن له الولي أو أجازه أو بلغ عشرا في الاشهر، وكذا عقد المجنون.

ولا فرق بين عقدهما على مالهما أو غيره بإذن مالكه أو غيره.

وفي معناه السكران واختيارهما، فعقد المكره باطل، إلا أن يرضى بعد الاكراه.

والاقرب أن الرضا كاف فيمن قصد إلى اللفظ دون مدلوله، فلو أكره حتى أرتفع قصده لم يؤثر الرضا كالسكران. وقصدهما، فلا ينعقد من الغافل والنائم والساهي والهازل والغالط.

وتملكها أو حكمه، كالاب والجد والوصي والوكيل والحاكم وأمينه والمقاص، فبيع الفضولي غير لازم، إلا مع الاجازه فينتقل من حين العقد، وأبطله الشيخ في الخلاف(١) والمبسوط(٢) وبن إدريس(٣) ، لنهي النبي صلى الله عليه وآله(٤) عن بيع ما لا يملك، ويحمل على نفي اللزوم.

ولو ضمه(٥) إلى

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ٨.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ١٥٨.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٧٤.

(٤) عوالي اللئالي: من باب المتاجر ح ١٦ ج ٢ ص ٢٤٧.

(٥) في (ق): ولو ضم.

(*)

١٩٢

المملوك صح فيه، ووقف في الآخر.

ولو ترتبت العقود على العين والثمن فللمالك إجازة ماشاء، ومهما أجاز عقدا على المبيع صح، وما بعده خاصة، وفي الثمن ينعكس ولا يقدح في ذلك علم المشتري بالغصب.

ولو فسخ المالك أخذ العين وزوائدها ومنافعها، فإن هلكت رجع على من شاء، والقرار على المشتري مع العلم، وعلى الغاصب مع الجهل، أو دعواه الوكالة. ويرجع بالثمن مع وجوده على كل حال، وكذا مع تلفه جاهلا إذا رجع عليه المالك بالقيمة. ولو زادت القيمه فالاقرب رجوعه بالزيادة ايضا.

ولا يمنع(١) من الرجوع انتفاعه بالخدمة واللبن والصوف، لمكان الغرور، خلافا للمبسوط(٢) .

والمعتبر بالقيمة يوم التلف على الاقرب. ولو اختلفا فيها حلف الغارم، وفي النهاية(٣) المالك.

ولا يشترط الاجازة في الحال، ولا كون المجيز حاصلا حين العقد، فتصح إجازة الصبي والمجنون بعد الكمال، وكذا لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجاز. ولو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ماليس عنده، وقد نهي(٤) عنه. نعم لو باعه موصوفا في الذمة يطابق ما عند الغير ثم ملكه ودفعه صح، وأطلق الحلبي(٥) صحة بيع ماليس عنده، ويحمل على ذلك.

____________________

(١) في (ق): فلا يمنع.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ١٥٨.

(٣) النهاية: ص ٤٠٢.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ٥ ح ١٢ ص ٢٥٠.

(٥) الكافي في الفقه: ص ٣٥٩.

١٩٣

ولا يكفي في الاجازة السكوت عند عرضها، ولا الفورية، فله الاجازة مالم يرد.

ولو قبض الفضولي الثمن وقع للماك(١) عند الاجازة قاله الشيخ(٢) ، واشترط الفاضل(٣) إجازة القبض، وهو حسن إن كان الثمن في الذمة. وحكم البيع الفاسد استرداد العوضين أو بدلهما، ولا يوجبه إيصال القبض، ويرجع صاحب العين مبنافعها المستوفاة. فلو(٤) فاتت بغير استيفاء فوجهان.

ولو زادت فاللمالك، إلا أن يكون بفعل المشتري جاهلا فالزياده له، عينا كانت كالصبغ أو صفة كالصنعة، وقال ابن إدريس(٥) : إنما يرجع بالعين، وقال ابن حمزة(٦) : ليس للبائع حق الرجوع بالمنافع المستوفاة، لان الخراج بالضمان ونقص بالغاصب، وقال الحلبي(٧) : إذا كان البيع فاسدا مما يصح التصرف فيه للتراضي وهلكت العين في يد أحدهما فلا رجوع، ولعله أراد المعاطاة.

ويجوز للواحد تولي طرفي العقد. نعم يشترط في الوكيل الاعلام إحتياطا.

(٢٣٨) درس

يشترط في العوضين أن يكونا معلومين، فلو باعه بحكم أحدهما أو ثالث فسد.

(١) في (ق): دفعه إلى المالك.

(٢) النهاية: ص ٤٠٦.

(٣) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٤٨٦.

(٤) في (م): ولو.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٢.

(٦) لم نعثر عليه.

(٧) الكافي في الفقه: ص ٣٥٥.

١٩٤

وإن هلك ضمنه القابض بقيمته يوم التلف، وفي المقنعة(١) والنهاية(٢) يوم البيع، إلا أن يحكم على نفسه بالاكثر فيجب، أو يكون البائع حاكما فيحكم بالاقل فيتبع، واختاره الشاميان(٣) ، وقال ابن إدريس(٤) : عليه الاعلى من يوم القبض إلى التلف.

وفي رواية رفاعة(٥) بجواز(٦) تحكيم المشتري فتلزمه القيمة.

ولا تكفي المشاهدة في الموزون، خلافا للمبسوط(٧) ، وإن كان مال السلم، خلافا للمرتضى(٨) .

ولا قوله بسعر ما بعت مع جهالة المشتري، خلافا لابن الجنيد(٩) حيث جوزه وجعل للمشتري الخيار.

وجوز ابن الجنيد(١٠) بيع الصبرة مع المشاهدة جزافا بثمن جزاف مع تغاير جنسين، ومال في المبسوط(١١) إلى صحة بيع الجزاف، وفي صحيحة الحلبي(١٢) كراهة بيع الجزاف.

ولو قال بعتكها كل قفيز بدرهم بطل مع الجهالة، وظاهر الشيخ(١٣) الصحة

____________________

(١) المقنعة: ص ٦٠٧.

(٢) النهاية: ص ٤٠٢.

(٣) الكافي في الفقه: ص ٣٥٥.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٩.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ١ ج ١٢ ص ٢٧١.

(٦) في باقي النسخ: جواز.

(٧) المبسوط: ج ٢ ص ٧٦.

(٨) الناصريات (ضمن الجوامع الفقهية): ص ٢٥٣.

(٩) المختلف: ج ١ ص ٣٨٥.

(١٠) المختلف: ج ١ ص ٣٨٦.

(١١) المبسوط: ج ٢ ص ١٥٢.

(١٢) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ١ و ٢ ج ١٢ ص ٢٥٤.

(١٣) المبسوط: ج ٢ ص ١٥٣.

١٩٥

مطلقا، أما لو قال بعتك قفيزا منها بدرهم فإنه يصح.

ولو استثنى من المبيع أو الثمن مجهولا بطل، ومنه أن يقول إلا ما يساوي واحدا بسعر اليوم، وهما جاهلان به أو أحدهما. ولو قال إلا ما يخص واحدا من هذا العقد صح، ونظر إلى ما تقرر عليه العقد، فلو كان الثمن أربعة صح في أربعة أخماسها به. ولو استثنى جزء من الثمن المقدر(١) صح واستخرج بالجبر، فلو قال بعشرة إلا نصفه فهو ستة وثلثان.

ولو عطف بالواو فهو عشرون، هذا إذا كانا عارفين حال العقد بذلك كله.

ولو باعه بدينار غير درهم أو غير قفيز حنطة صح مع علم النسبة لا بدونها.

ولو باعه بدراهم من صرف عشرة بدينار صح مع علمهما.

ولو باعه بنصف دينار لزمه شق دينار، إلا أن يشتر صحيحا أو يتعارف.

ولو باع عبده وعبد موكله في عقد واحد صح، وقسط الثمن عليهما بحسب القيمة يوم العقد، وأبطله الشيخ(٢) والقاضي(٣) . ولو كانا مثليين صح.

ولو ضم مالا يملك أو لا يصح(٤) بيعه فالتقسيط كذلك.

وتعتبر قيمة الخمر والخنزير عند مستحليه منضما إلى ما يصح بيعه.

والاقرب جواز بيع الصوف والشعر على الظهر إذا اريد جزه في الحال، أو شرط بقاؤه إلى أوان جزه، وشرط الشيخ(٥) والشاميان(٦) الضميمة فيه.

____________________

(١) في باقي النسخ: المقرر.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٨٦.

(٣) المهذب: ج ١ ص ٣٩٤.

(٤) في (ق): ولا يصح.

(٥) النهاية: ص ٤٠٠.

(٦) الكافي في الفقه: ص ٣٥٦، والمهذب: ج ١ ص ٣٨٢.

١٩٦

ولو باع الحمل منفردا لم يصح، ولو ضمه إلى الام صح، وإلى غيرها يبطل عند ابن إدريس(١) ، وجوزه الشيخ(٢) ، لرواية إبراهيم الكرخي(٣) في ضمه إلى الصرف.

ولو باع اللبن في الضرع منفردا بطل، ولو ضمه إلى المحلوب صح عند الشيخ(٤) وأتباعه، لرواية سماعة(٥) ، وجوز الشيخ(٦) ضم ما سيوجد إلى مدة معلومة.

ولو قاطعه على اللبن مدة معلومة بعوض فكذلك عند الشيخ(٧) ، إلا باللبن والسمن، وفي صحيح ابن سنان(٨) جواز ذلك بالسمن إذا كانت حوالب.

وفي لزوم هذه المعاوضة نظر، وقطع ابن إدريس(٩) بالمنع فيها، ولو قيل: بجواز الصلح عليها كان حسنا، ويلزم حينئذ، عليه يحمل الرواية.

ولو اشترى التبن كل كر بدرهم قيل: كيله جاز، لصحيحة زرارة(١٠) .

والمروي(١١) جواز بيع سمك الاجمة مع القصب، ومنع المسألتين ابن إدريس(١٢) .

____________________

(١) السرائر: ج ٢ ص ٣٢٢.

(٢) النهاية: ص ٤٠٠.

(٣) وسائل الشيعة: باب ١٠ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ١ ج ١٢ ص ٢٦١.

(٤) النهاية: ص ٤٠٠.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٨ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ٢ ج ١٢ ص ٢٥٩.

(٦) النهاية: ص ٤٠٠.

(٧) النهاية: ص ٤٠٠.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ٤ ج ١٢ ص ٢٦٠.

(٩) السرائر: ج ٢ ص ٣٢١ - ٣٢٢.

(١٠) وسائل الشيعة: باب ١٣ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ١ ج ١٢ ص ٢٦٧.

(١١) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب عقد البيع وشروطه ح ٢ ج ١٢ ص ٢٦٣.

(١٢) السرائر: ج ٢ ص ٣٢٤.

١٩٧

ولا يكفي المكيال المجهول، والوزن المجهول، والمعدود إذا عسر عده جاز كيله بمعدود.

ولو باع الارض والثوب المشاهدين ولما يمسحا جاز، ويظهر من الخلاف(١) المنع.

ولو أخبره بالقدر فنقص أو زاد تخير، فيأخذ بالحصة مع النقص إن شاء، وقيل: في الارض يأخذها بجميع الثمن، وروي(٢) التوفيه من الارض المجاورة لها إن كانت للبائع.

وما يفسد طعمه وريحه فالاولى(٣) اعتباره أو وصفه، ولو خلا عنهما صح ويتخير مع العيب، وكذا مايفسد بالاختبار كالجوز والبيض والبطيخ.

ويثبت الارش في التصرف بماله(٤) بقية، ولو لم يكن له بقية بطل البيع من حينه، ويحتمل من أصله فمؤنة نقله على المشتري على الاول وعلى البائع على الثاني، ويسترد الثمن على التقديرين، وظاهر الجماعة بطلان البيع من أصله.

ولا فرق بين المبصر وغيره، وقال سلار(٥) : للمكفوف الرد وإن تصرف.

ولو تبرأ البائع من العيب في مالا قيمة لمكسوره المعيب صح عند الشيخ(٦) وأتباعه، ويشكل بأنه أكل مال بالباطل، إذ لا عوض هنا. ويجوز شراء المسك في فاره، وإن لم يفتق بإدخال خيط فيه، وفتقه أحوط، ثم يتخير المشتري إن ظهر فيه عيب.

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ٢.

(٢) وسائل الشيعة: باب ١٤ من أبواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٦١.

(٣) في باقي النسخ: الاولى.

(٤) في باقي النسخ: مع التصرف في ماله.

(٥) المراسم: ص ١٨٠.

(٦) النهاية: ص ٣٩٢.

١٩٨

ولو باع المشاهد بعد مدة صح ويراعى البقاء على العهد، فإن اختلفا حلف المشتري، لاصالة بقاء يده على الثمن، وقيل: البائع للاستصحاب. ويجوز بيع العين الموصوفة، فيتخير من وصف له. ولو وصفها أجنبي تخيرا مع عدم المطابقة. ويكفي رؤية البعض فيما يدل على الباقي، وينبغي إدخاله في العقد، فيبطل بدونه على الاقرب.

ولو رأى بعضا ووصف الباقي صح وتخير(١) في الجميع لو ظهر بخلافه، وخيار الرؤية فوري.

ويجوز الانذار للظروف بحسب العادة، ولو زاد أو نقص جاز برضاهما ولو باعه السمن الموزون بظرفه كل رطل بدرهم فالاقرب الجواز.

(٢٣٩) درس

يشترط في المشتري الاسلام في شراء المصحف والرقيق المسلم، إلا أن يكون ممن ينعتق عليه، أو شرط عليه العتق على الاقرب.

ولو أسلم عبد الكافر بيع عليه قهرا بثمن المثل، فلو لم يوجد راغب حيل بينهما بمسلم حتى يوجد الراغب، ونفقته عليه، وكسبه له، ويجري فيه أحكام العقد من الخيار والرد بالعيب فيه أو في ثمنه المعين، فيقهر على بيعه ثانيا.

والاقرب أنه لا يجوز إجارة العبد المسلم للكافر، سواء كانت في الذمة أو معينة، وجوزها الفاضل(٢) في الذمة، والظاهر أنه أراد إجارة الحر المسلم.

ويشترط في المبيع القدرة على تسليمه، فلو باع الطير في الهواء لم يصح، إلا

____________________

(١) في باقي النسخ: ووصف الباقي تخير.

(٢) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٤٦٣.

١٩٩

مع اعتياد الرجوع، وكذا السمك في الماء، ولو كان يمكن تسليمه بعد مدة بالاصطياد جاز، إذا كان معلوما محصورا. ولو باع بعيرا شاردا أو ضالا بطل. ولو باع الآبق منفردا لم يصح، إلا على من هو في يده. ولو باعه منضما إلى ما يصح بيعه منفردا صح، ويكون الثمن بأزائه لو لم يجده، وجوز المرتضى(١) بيعه منفردا لمن يقدر على تحصيله، وهو حسن. ولا يجوز بيع الرهن، إلا برضا المرتهن. ويجوز بيع الجاني خطأ أو شبيها، ويضمن المولى أقل الامرين من قيمته وأرش الجناية، ولو امتنع فللمجنى عليه أو وليه انتزاع العبد فيبطل البيع، وكذا لو كان معسرا، وللمشتري الفسخ مع الجهالة، لتزلزل ملكه، مالم يفده المولى.

ولو كانت الجناية عمدا فالاقرب الصحة، ويكون مراعي، فإن قتل بطل البيع، وكذا لو استرق.

ولو كانت طرفا واستوفى فباقيه مبيع، وللمشتري الخيار مع جهله، ومنع الشيخ(٢) من بيع الجاني عمدا. ولو وجب قتل العبد برده عن فطرة أو محاربة فالاقرب المنع من صحة بيعه.

نعم لو تاب في المحاربة قبل القدرة عليه صح، وكذا يصح بيع المرتد لا عن فطرة، ويكون مراعى بالتوبة. وفي بيع بيوت مكة خلاف مبني على أنها فتحت عنوة أو صلحا، وعلى أن حكمها حكم المسجد أم لا، ونقل في الخلاف(٣) الاجماع على المنع من بيعها وإجارتها، وهو مروي(٤) عن النبي صلى الله عليه وآله.

____________________

(١) الانتصار: ص ٢٠٩.

(٢) الخلاف: ج ٢ ص ٥١.

(٣) الخلاف: ج ٢ ص ٨٣.

(٤) سنن البيهقي ج ٥ ص ج ٣٤.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

( أبو جعفر ـ ـ )

الإمام معصوم منذ الولادة :

س : هل المعصوم يكون معصوماً من أوّل ولادته ، أم يكون معصوماً عندما يستلم إمامة المسلمين؟ وشكراً.

ج : إنّ الأئمّةعليهم‌السلام معصومون منذ الولادة ، ولا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً ، فالعصمة إذاً تحقّق موضوع الإمامة.

ثمّ إنّ معنى العصمة هو الانكشاف التامّ واليقين القطعي بملاكات الأحكام ، وبالمصالح والمفاسد وراء الأحكام الشرعية ، فإذا علم الإنسان علماً قطعياً بالضرر الكبير المترتّب على الفعل المعيّن فلا يمكن أن يقدم عليه ، وهذا هو معنى العصمة.

إذاً ، فأهل البيتعليهم‌السلام لمّا كانوا يعلمون حقائق الأُمور ، وملاكات الأحكام من قبل تسلّم الإمامة ومن بعدها ، فهم معصومون منذ الولادة.

هذا مضافاً إلى آية التطهير :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) الدالّة على العصمة ، مع عدم اشتراط سنّ معيّن ، أو حالة معيّنة كالإمامة مثلاً ، فهي عامّة شاملة لجميع الأعمار ، وسواء حصلت الإمامة أم لم تحصل ، كما في فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكما في أمير المؤمنين والحسن والحسينعليهم‌السلام ، حيث كانوا معصومين بنصّ آية التطهير قبل تسلّم الإمامة.

( أبو العياط نور الدين ـ الجزائر ـ )

النبيّ والأئمّة خلّص عباد الله فعصمهم :

س : هل عصمة النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام بأمر من الله؟ أي أنّ الله خلقهم من غير أن يخطأوا ، أم أن تكوينهم الذاتي والنفسي وارتباطهم الدائم بالله جعلهم رساليين ، فعصمتهم من عمق رسالتهم؟ والسلام على محمّد وآل محمّد.

____________

١ ـ الأحزاب : ٣٣.

٣٢١

ج : العصمة تارة تكون من الذنب ، فهي من مجاهدتهمعليهم‌السلام ، إذ بإرادتهم لم يذنبوا مع مقدرتهم على الذنب ، ويكون حال الذنب وابتعادهم عنه ، كحال ابتعاد أحدنا عن أكل العذرة مع قدرته على الأكل.

وتارة تكون العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فهي عصمة إلهية بأمر من الله تعالى ، أي : أنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله بأنّ هؤلاء خلّص عباده فعصمهم ، فمقدّمات العصمة في هذا القسم كسبية ، وكانت النتيجة إلهية وهبها لعباده المخلصين.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : معنى كلامكم : أنّ الله تعالى اختارهم أئمّة لعلمه المسبق بأنّهم لا يعصونه بإرادتهم ، وهنا أطرح سؤالين :

الأوّل : كيف نفسّر بأنّ أهل البيتعليهم‌السلام قد وجدوا أنواراً حول العرش قبل خلق آدم؟

الثاني : كيف نفسّر قول الإمام عليعليه‌السلام للمسلمين : « ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد »؟(١) .

هل يمكنكم إعطاء توضيح أكثر في التوفيق بين العصمة وبين الاختيار؟

ج : قلنا أنّ العصمة عن الذنب هي عن مجاهدةٍ منهم ، وأنّهم يستطيعون أن يذنبوا ، ولكن لا يذنبون بإرادة منهم ، وأمّا العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فإنّ الله خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم الله ، ومقصودنا من سبق علم الله قبل أن يوجدهم أنواراً حول العرش ، إذ لم يقل أحد بقدم هذه الأنوار.

وأمّا عن السؤال الثاني فنقول : ما هو مقصود أمير المؤمنينعليه‌السلام بقوله : « لا تقدرون على ذلك » ؟ فإذا كان قصده لا تقدرون على ما يقدر عليه أهل

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٠٥.

٣٢٢

البيتعليهم‌السلام المعصومون بالعصمة الإلهية ، والعصمة التي هي بإرادتهم ، فإنّه لا يرد عليه أيّ إشكال.

( أنيس مهدي ـ الجزائر ـ )

الجبر والاختيار فيها :

س : هل الأئمّة المعصومون عليهم‌السلام مجبرين في عصمتهم؟ أم وارد احتمال الخطأ منهم ، وهم يمتنعون لسموّ أرواحهم الطاهرة؟

ج : العصمة تارة تكون من الذنب فهي باختيار المعصوم ، يتجنّبها المعصوم بإرادته ، ويكون الذنب أمام المعصوم واجتنابه عنه ، كما ينظر أحدنا للعذرة ويتجنّب عن أكلها ، مع قدرته على أكلها.

وتارة تكون عن السهو والنسيان فإنّها جبرية ، متعلّقة بعلم الله بأنّ هؤلاء سيكونون من أفضل البشر ، فاصطفاهم وطهّرهم تطهيراً.

( ابتسام ـ البحرين ـ )

آية ابتلاء إبراهيم :

س : السادة الأفاضل الرجاء التكرّم بالإجابة على سؤالي : من الأدلّة العقلية الدالّة على عصمة الإمام : آية ابتلاء إبراهيمعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) .

١ ـ إنّ الإمامة في الآية غير النبوّة ، لماذا؟

٢ ـ ما المراد من الظالمين؟

٣ ـ هناك شبهة تقول : إنّ الآية تشمل من كان مقيماً على الظلم ، وأمّا التائب فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة وزالت الصفة زال الحكم ، فكيف نردّ على هذه الشبهة؟

____________

١ ـ البقرة : ١٢٤.

٣٢٣

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل فنقول :

الإمامة أعلى شأناً من النبوّة ، إذ النبوّة هي مقام تلقّي الوحي فقط ، ولكن الإمامة رتبة التصدّي لقيادة الأُمّة على ضوء تعاليم الوحي ، فالإمام هو خليفة الله على الأرض لعظم المسؤولية التي تقع على عاتقه.

ومن هنا نعلم أنّ المناسب للرتبة التي منحت لإبراهيمعليه‌السلام بعد ابتلائه هو الإمامة ، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة :( إِمَامًا ) في الآية تدلّ بالصراحة على منصب الإمامة لا النبوّة ، فصرفها إلى النبوّة تكلّف بلا حجّة ولا دليل.

على أنّ المعنى واضح من خلال الآية ، فإبراهيمعليه‌السلام في أوان نبوّته كان لا يعلم بحصول ذرّية له في المستقبل ، بل وفي قصّة تبشير الملائكة بإسماعيل وإسحاق ما يلوح منه آثار اليأس والقنوط من الحصول على الأولاد ، فكيف والحال هذه يستدعي إبراهيمعليه‌السلام من الله تبارك وتعالى إعطاء رتبة الإمامة لذرّيته؟

فيظهر لنا أنّ هذا الدعاء كان بعد ولادة بعض ذرّيته على الأقل ، أي بعد حصوله على رتبة النبوّة.

ثمّ إنّ هنا أيضاً نقطة هامّة لابأس بالإشارة إليها ، وهي أنّ( جَاعِلُكَ ) اسم فاعل ، ولا يعمل إلاّ في الحال أو الاستقبال ، أي قوله تعالى :( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يدلّ على إعطاء الإمامة فيما بعد ، مع أنّ هذا القول هو وحي ، فلا يمكن وصوله إلاّ مع نبوّة ، فثبت أنّهعليه‌السلام كان نبيّاً قبل تقلّده الإمامة.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني فنقول :

المقصود من الظالمين ، مطلق من صدر منه ظلم ، ولو في مقطع من الزمن ، وحتّى ولو تاب فيما بعد ، والآية بهذه الصراحة تريد أن تركّز على صفة العصمة في الإمام ، فمن لم تكن فيه هذه الميزة ـ ولو في برهة من عمره ـ لا يليق بهذا المقام.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث فنقول :

٣٢٤

بداهة العقل تردّ هذه الشبهة ، فهل يعقل أنّ إبراهيمعليه‌السلام الذي عرف منزلة الإمامة وشأنها ـ بعد الابتلاءات العصيبة التي مرّ بها ـ يسأل هذه الرتبة للمقيم على الظلم؟! ألا يعلم هوعليه‌السلام أنّ هذه المكانة السامية لا تجتمع مع الشرك أو المعاصي؟! فمنه يظهر أنّ استدعائهعليه‌السلام الإمامة كان لمن لم يعص أبداً من ذرّيته أو عصى ثمّ تاب ، ونفى الله تعالى إعطائها لغير المعصوم من نسله ، فبقي المعصوم هو الذي يكون مشمولاً للآية.

ثمّ حتّى على فرض الأخذ بظهور الآية ، فإن كلمة :( الظَّالِمِينَ ) مطلقة ، وتشمل جميع من صدر منهم الظلم ـ سواء تابوا بعد أم لا ـ ولا دليل لتخصيصها بقسم دون آخر.

( محمّد أنور اللواتي ـ أمريكا ـ )

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته :

س : يقول علماؤنا الإجلاّء : إنّ النبيّ آدم عليه‌السلام ترك الأولى ولم يقترف ذنباً ، لعدم إمكانية ذلك في المعصوم ، ولكن القرآن الكريم يبيّن أنّ آدم عليه‌السلام تاب ، والتوبة لا تكون إلاّ من المذنب ، كيف نتمكّن من التوفيق بين الأمرين؟

ج : نلفت انتباهكم إلى الأُمور التالية :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على العصمة أدلّة عقلية ونقلية قطعية ومسلّمة ، وقد ثبت في محلّه أنّ هذه الأدلّة هي مستقلّة عن الأمثلة ، أي أنّها لا يعتمد في إثباتها على الأمثلة ، وعليه فلا تقاس صحّة هذه الأدلّة بالأمثلة النقضية ، إذ أنّ النقوض تأتي فقط على الأدلّة التي تثبت عن طريق الاستقراء والتمثيل ، وبما أنّ المقام ليس كذلك ، فلا يرد عليه أيّ نقض تمثيلي ، بل يجب أن يفسّر كُلّ مورد ومثال على ضوء تلك القاعدة العامّة.

٢ ـ التوبة في اللغة هي في الأصل الرجوع عن الشيء والإقلاع عنه ، ولم يؤخذ في معنى الكلمة الرجوع عن المعصية بالذات ، ويؤيّد ما قلنا استعمال مادّة التوبة

٣٢٥

لله تعالى في القرآن الكريم ، نعم ، كثرة استعمالها في الرجوع عن المعاصي في العباد صرفت الكلمة إلى هذا المعنى.

ثمّ بناءً على ما ذكرناه آنفاً ، يتحتّم علينا أن نفسّر توبة آدمعليه‌السلام بما لا ينافي قاعدة العصمة ، فإنّ توبته كانت إقلاعاً ورجوعاً عن علمه السابق ، وإظهار الندم عليه ، ولكن لا دليل على أنّ ذلك العمل كان معصيةً ، بل نلتزم بأنّه كان تركاً للأولى ، حفظاً لقاعدة العصمة ، مع عدم منافاته لظهور الكلمة.

( حفيظ بلخيرية ـ تونس ـ )

مسألة خروج آدم من الجنّة :

س : إنّني من المعتقدين بعصمة الأنبياءعليهم‌السلام ، ولكن المرء يجد في القرآن الكريم عدّة آيات لا يجد لها تفسيراً واضحاً للردّ على الشبهات ، ومن بينها مسألة خروج آدمعليه‌السلام من الجنّة ، فإن كان غير مكلّف في الجنّة ـ كما جاء في تفسيركم ـ فالحال يشمل إبليس عليه اللعنة ، إذ أنّه خالف الله في مسألة السجود لآدم فلعنه الله.

أمّا فيما يخصّ اصطفاء آدم ، فما هو تفسير الآية :( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) (١) .

ج : إنّ موضوع عصمة الأنبياءعليهم‌السلام يعتمد على أدلّة عقلية ونقلية ثابتة ومسلّمة ـ كما ذكر في محلّه ـ ومع النظر إلى هذه الأدلّة نعرف أنّها لا تعتمد في إثباتها على أمثلة وشواهد ، أي أنّها مستقلّة عنها ، وبعبارة أُخرى : لا يستفاد في إثبات أدلّة العصمة من القياس التمثيلي.

وعليه ، فلا ترد عليها ـ أي العصمة ـ نقوض من باب الموارد والأمثلة ، بل وبحسب القواعد العلمية يجب تفسير تلك الموارد غير الواضحة على ضوء أدلّة

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٦

العصمة ، فإنّه من تفسير وتوضيح المشكوك بالقطعي ، وهذا ممّا يدلّ عليه الوجدان بالضرورة.

وممّا ذكرنا يظهر وجه الدلالة على عصمة آدمعليه‌السلام ، فيجب علينا أن نفسّر الأحداث والقضايا التي مرّت بهعليه‌السلام بعد الفراغ والتسليم لعصمته ، فلا معنى لورود النقض عليها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : عدم تكليف آدمعليه‌السلام في الجنّة هو أحد الآراء في المسألة ، وهناك أقوال أُخرى ، وعلى سبيل المثال يرى بعضهم : أنّ النهي المتوجّه لآدمعليه‌السلام من قبل الله تعالى كان نهياً إرشادياً لا مولوياً ، ومعناه عدم صدور معصية منهعليه‌السلام في صورة ارتكابه للمنهي ، بل مجرد تعرّضه لبعض المتاعب والمصاعب تكويناً ، وهذا ما قد حدث ، فإنّهعليه‌السلام قد هبط إلى الأرض ومارس هو وولده الحياة الصعبة على وجهها إلى يوم القيامة ، بعدما كان قد تنعّم في الجنّة بدون تعب ومشقّة.

وأمّا إبليس ، فإنّه كان مكلّفاً بالأوامر والنواهي التكليفية ، كما يظهر من الأمر بالسجود المتوجّه إليه ، ومؤاخذته من قبل الله تعالى على عدم انصياعه لذلك الأمر.

فبالنتيجة : كان إبليس في عالم التكليف ، بخلاف آدمعليه‌السلام الذي لم يتوجّه إليه التكليف ـ عموماً أو في خصوص التناول من الشجرة المعينة ـ أو كان الأمر المتوجّه إليه إرشادياً ، أو أنّهعليه‌السلام كان قد ترك الأولى والأفضل.

وبالجملة : فصدور المعصية من إبليس أمر مسلّم ، لمخالفته الصريحة في مسألة السجود ، لكن الذي صدر من آدمعليه‌السلام لم تكن مخالفة مولوية ، بقرينة عدم مؤاخذته من قبل الله تعالى.

وأمّا بالنسبة لتفسير آية :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) (١) فملخّص القول فيه :

____________

١ ـ فاطر : ٣٢.

٣٢٧

أوّلاً : إنّ الكتاب المذكور هو القرآن ، بدليل أنّ الآية السابقة تصرّح بهذا المطلب :( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) (١) ، فبدلالة السياق نعرف أنّ المقصود هو القرآن ، فاللام في( الْكِتَابِ ) للعهد دون الجنس.

ثانياً : اصطفاء آدمعليه‌السلام ثابت بحسب النصّ القرآني :( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ) (٢) .

ثالثاً : هذا الاصطفاء كان بعد هبوط آدمعليه‌السلام وتوبته ، وجعله خليفة الله في الأرض ، لا عند إسكانه في تلك الجنّة المعيّنة ، أو عند أكله للشجرة الممنوعة.

رابعاً : الضمير في( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ ) فيه احتمالان :

الأوّل : أن يرجع إلى( عِبَادِنَا ) باعتبار قاعدة رجوع الضمير إلى الأقرب ، وعليه فالمعنى يكون واضحاً بلا شكّ وريب ، إذ لا يكون الظالم ـ حينئذٍ ـ مشمولاً للاصطفاء.

الثاني : أن يرجع إلى( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) ، ولا مانع منه وتصحّ هذه النسبة ـ نسبة الوراثة ـ إلى الكلّ مع قيام البعض بها حقيقةً ، كما جاء في القرآن( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) (٣) ، والحال نعلم أنّ المؤدّين لحقّ الكتاب والقائمين بأمره آنذاك بعض بني إسرائيل لا جميعهم.

خامساً : كما ذكرنا في مقدّمة الجواب ، فإنّ ظلم آدمعليه‌السلام لنفسه لم يكن ظلماً تشريعياً ، أي لم يخالف الله تعالى في أمر تكليفي مولوي يستحقّ العقاب والمؤاخذة ، بل ظلم نفسه بإلقائها في المتاعب والمشاكل الدنيوية ، وإن استدركه بالتوبة والاستغفار والإنابة.

سادساً : الظاهر من الآية المذكورة :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) أنّها بصدد تعريف المصطفين بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدلالة سبقها بآية( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ

____________

١ ـ فاطر : ٣١.

٢ ـ آل عمران : ٣٣.

٣ ـ غافر : ٥٣.

٣٢٨

الْكِتَابِ ) ، وبقرينة الروايات الواردة عن المعصومينعليهم‌السلام ، فلا تشمل المصطفين من الأُمم السابقة ، وإن سلّمنا باصطفائهم بأدلّة عقلية ونقلية أُخرى.

( أبو أحمد البحراني ـ البحرين ـ ٣١ سنة ـ طالب علم )

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي :

س : أرجو منكم توضيح الفارق : بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي ، وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي؟

وببيان آخر : إنّ المعصوم في ذاته يمكن أن يصدر منه الخطأ ، فعدم ارتكابه للمعصية هو عن اختيار ، وذلك يرجع لانكشاف الواقع له كما هو ، أمّا بالإمكان الوقوعي فهو لا يمكن أن يعصي ، وذلك للزوم المحال في صدور المعصية منه خارجاً.

أرجو من سماحتكم بيان وجه المحالية بالشرح والتوضيح مع ضرب الأمثلة ، وهل يلزم من القول بمحالية وقوع المعصية منه خارجاً على نحو الإمكان الوقوعي كون الإمام مجبوراً وغير قادر على فعل المعصية خارجاً؟

هذا هو سؤالي ، أرجو التوضيح التامّ للمسألة يخرج منه اللبس والإيهام ، ودمتم مسدّدين.

ج : العصمة هي مناعة وصيانة عن الوقوع في الخطأ والمعصية ، ولكن ليست هذه الحصانة تنفي قدرة واختيار المعصومعليه‌السلام ، بل صدور الخطأ ممكن منهعليه‌السلام من حيث الفرض ، ولكن لا يقع عملاً ، وهذا ما يسمّى بالإمكان الوقوعي ، أي أنّ الزلل ممكن منهعليه‌السلام وقوعاً ـ وليس ممتنع ذاتاً ـ ولكن لا يرتكب المعصية ، وذلك وفقاً لأدلّة العصمة.

والمقصود من الاستحالة في المقام هي الاستحالة الوقوعية لا الذاتية ، وهذه الاستحالة الوقوعية هي نتيجة الاعتماد على أدلّة العصمة.

٣٢٩

فالترتيب المنطقي للموضوع هكذا : إنّ صدور السلبيات من المعصومعليه‌السلام ممكن نظرياً بالإمكان الوقوعي ، ولكن نظراً إلى أدلّة العصمة نلتزم باستحالة ذلك بالاستحالة الوقوعية.

فترى أنّ هذه الاستحالة لا تفرض حالة جبرية على المعصومعليه‌السلام ، بل هي نتيجة الأخذ بأدلّة العصمة.

وإن شئت عبّرت عن الموضوع : بأنّ المعصومعليه‌السلام لا يصدر منه الخطأ والمعصية في الخارج ، وإن كان صدورها منهعليه‌السلام ممكن الوقوع عقلاً.

( كميل ـ عمان ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت :

س : يشكّك البعض في آية التطهير ، قائلين بأن لو كان بالفعل تدلّ على العصمة ، فلم حكم شريح القاضي على أمير المؤمنين لصالح ذاك اليهودي؟ ولم يفعل مثل ذو الشهادتين؟ فإن كان الإمام عليه‌السلام معصوماً وجب على شريح تصديقه.

ج : إنّ القواعد العلمية في كُلّ مجال تقتضي أن يفسّر المردّد أو المشكوك على ضوء المقطوع والمتيقّن ؛ وفي المقام : فإنّ دلالة آية التطهير لا يشوبها شكّ ولا ريب في إفادتها العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام ، وأمّا ما توهّم كنقض في هذا المجال فجوابه من وجوه :

١ ـ إنّ الأدلّة القائمة على لزوم العصمة في الأنبياء والأئمّةعليهم‌السلام ليست منحصرة في آية التطهير فحسب ، بل وإنّ لها دلائل كثيرة عقلية ونقلية من الكتاب والسنّة ـ كما هو مقرّر في علم الكلام ـ.

٢ ـ إنّ في مسألة خزيمة ، كان طرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أعرابياً مسلماً ، وبحسب الظاهر كان يجب على هذا الأعرابي الإيمان بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعصمته وأقواله ، فلا يحقّ له أن يعارض قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أن يحاججه ، وشهادة خزيمة كانت من

٣٣٠

باب حفظ الظواهر والموازين ، وإلاّ لم تكن هناك حاجة إلى شهادة شاهد أساساً.

وأمّا في موضوع حكم شريح ، كانت الدعوى بين أمير المؤمنينعليه‌السلام ويهودي ، فحينئذ لا مجال لفرض قبول عصمة أمير المؤمنينعليه‌السلام في أقواله وأفعاله من جانب ذلك اليهودي ، وعليه فلابدّ وأن تكون الحكومة والقضاء بينهما بالطريقة المألوفة من الأيمان والبيّنات ، فنفذّ شريح الأسلوب القضائي المتعارف بين الناس ، مع غضّ النظر عن مقام الإمامة ، حتّى لا يتوجّه إشكال مبنائي بينهعليه‌السلام وبين اليهودي.

٣ ـ ليس لنا علم ويقين بأنّ أشخاصاً ـ كشريح ـ كانت لهم تلك المعرفة الحقيقية بمقام الإمامعليه‌السلام وعصمته ، حتّى تكون تصرّفاتهم على ضوء تلك العقيدة الصحيحة ؛ بل وإنّ البعض منهم كانوا يرون الإمامعليه‌السلام كخليفة ليس إلاّ ، وعليه فيمكن أن يكون أسلوب شريح في هذا الموضوع على ضوء هذا الاحتمال.

بقي أن نعلم بأنّ الإمامعليه‌السلام خوفاً من إثارة الفتن ، وحفظاً لمصالح عليا ، رجّح إبقاء أمثال شريح ـ مع ما كانوا عليه ـ في منصبه القضائي ، ريثما تتهيّأ الأرضية المناسبة لتبديله أو إقصائه.

( عبد الكريم ـ المغرب ـ ٤٥ سنة ـ دكتوراه في الطبّ )

غير واجبة في حقّ العلماء :

س : لدّي إشكال في قضية انتفاء عصمة المرجعية عند الشيعة في عصرنا ؛ إذ أنّ تقليد غير المعصوم يفضي إلى إمكانية الخطأ ؛ والله تعالى يقول : ( وَلاَ

٣٣١

تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (١) ، وقوله : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ) (٢) .

ج : إنّ عقيدة الإمامية هي عصمة الإمامعليه‌السلام لا غيره ـ كما هو واضح ومبرهن بالأدلّة العقلية والنقلية ـ لأنّ العصمة في كُلّ شخص على خلاف الأصل ، إذ القاعدة الأوّلية في كُلّ إنسان السهو والغفلة والخطأ والنسيان ، إلاّ ما أخرجه دليل العصمة من شمول هذه القاعدة.

ومن جانب آخر نعلم بأنّ دليل العصمة لا يتولّى إثبات عصمة ما عدا المعصومين المعنيينعليهم‌السلام .

بقيت هنا نقطة فيها من الإبهام وهي : أنّه قد يتساءل البعض كيف نفرّق بين مقام الإمامعليه‌السلام والمجتهد؟ ونلتزم بالعصمة في الأوّل دون الثاني ، إذ أنّهما كليهما يتولّيان زعامة الدين والطائفة ، فلماذا هذا التمييز؟

والجواب يكمن في نحوية الزعامة والمسؤولية ، فالإمام المعصومعليه‌السلام يلقى على عاتقه بيان الأحكام الواقعية المتلقّاة من مصادر الوحي والنبوّة ، وعليه فالعصمة شرط لازم في نطاق وظيفته ؛ وإلاّ فلا يمكن الاعتماد على أيّ حكم صادر منهمعليهم‌السلام بأنّه حكم إلهي.

وأمّا المجتهد فحوزة مسؤوليّته تقع في مجال السعي لحصول تلك الأحكام الواقعية ، فربّما يظفر على الحكم الواقعي ، وأحياناً يطبّق الحكم الظاهري ، وعلى أيّ حال فهو معرّض للخطأ في اجتهاده.

ثمّ إنّ الحكمة في هذا الاختلاف هي أنّ طروّ الخطأ والسهو في مجال وظيفة المجتهد ، لا يؤثّر في أركان العقيدة ، والمباني الأساسية للدين والمذهب ، إذ أنّ نطاق الاجتهاد هو بنفسه مضيّق ومحدود ، فمثلاً لا يجتهد المجتهد في أُصول الدين والمذهب ، والضروريات والموضوعات ، فلا تمسّ أخطاؤه المبدأ والعقيدة ،

____________

١ ـ الأنعام : ١٦٤.

٢ ـ البقرة : ١٦٦.

٣٣٢

بخلاف احتمال خطأ الإمامعليه‌السلام ، فإنّه يضعضع أوامر السماء من الأساس ، فيتحتّم على المولى الحكيم أن يعصمه من الخطأ والزلل حذراً من تضييع الدين ؛ وهذا هو الفارق بين المقامين.

وأمّا مسألة اختلاف الأنظار والفتاوى ، فإنّه ممّا لابدّ منه بعد قبول أصل الاجتهاد ، ولكن هذا لا يصطدم مع أصل الدين والمذهب ، فإنّ الدين يبقى في كماله ، ولو أنّ فهم المجتهدين قد يختلف في تلقّيهم داخل ذلك النطاق المعترف به.

( السعودية ـ سنّي ـ ٢٥ سنة ـ طالب )

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما :

س : يزعم الرافضة أنّ الأئمّة معصومون ، فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية؟ أم أنّ الحسن أخطأ؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي كما تزعمون؟

ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل ، فأيّهما كان مصيباً ، وأيّهما كان مخطئاً؟

ج : إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية ، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية ، ولا تخشى أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول ، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام.

وأمّا ما طرحته من مسألة العصمة ، فإنّها مورد اتفاق الشيعة ، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وبعبارة أُخرى : إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً ، بل هو دليل منتج من العقل والنقل.

٣٣٣

وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه ، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي ، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي ، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة ، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي :

١ ـ إنّ صلح الإمام الحسنعليه‌السلام لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية ، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي ، فهو شبه مهادنة ، أو مصالحة مؤقّتة ، لأجل مصالح عامّة ـ قد ذكرت في مظانّها ـ ومعاوية لا يستحقّ الإمارة ، فكيف يستحقّ الخلافة؟

ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومينعليهم‌السلام ، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية؟ أليس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل ـ والعياذ بالله ـ من مرتبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصومعليه‌السلام ، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم.

٢ ـ إنّ موقف الحسينعليه‌السلام يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسنعليه‌السلام في الظروف التي واجهها ، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته ، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه ، لتغطية أفعاله الشرّيرة ، وهذا كان يسبّب ـ إلى حدّ كبير ـ التمويه على المسلمين ، فهم كانوا لا يعرفونه حقّ المعرفة ، إلى أن عرّفه الإمام الحسنعليه‌السلام بتخليه الساحة له مؤقّتاً ، حتّى يراه المسلمون كما هو ، ويتّضح لهم ما كان وما يريد.

وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان ، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية ، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين ، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسينعليه‌السلام أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله من التلاعب بيد الطغمة الظالمة ، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك.

٣٣٤

وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخرعليهما‌السلام .

( علي ـ المغرب ـ سنّي ـ ٢٨ سنة ـ طالب جامعة )

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ :

س : تعتقد الشيعة على خلاف أهل السنّة العصمة التامّة والكاملة للرسول محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّى في الشؤون المتعلّقة بالحياة المعيشية ، فما قولكم في المسألة؟

خاصّة وأنّ الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية تثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشكّ ـ ما يذهب إليه أهل السنّة ، فما قولكم في واقعة أسرى بدر؟ وترخيصه لبعض من تخلّف من المقاتلين في عدم المشاركة في الجهاد ، أو النزول عند الموقع المحدّد في واقعة بدر الكبرى ، وكذلك تأبير النخل في الحديث المشهور عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنتم أعلم بشؤون دنياكم » حين بدا له عدم صواب رأيه؟

المرجو إيفادنا بالشرح المستفيض والدقيق ، معزّزاً بالأدلّة الشرعية من مصادر أهل السنّة ، وكذلك الشيعة ما أمكن ، لكُلّ حادثة من الحوادث المذكورة أعلاه ، ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : إنّ الأدلّة القائمة على العصمة التامّة ـ للأنبياءعليهم‌السلام عموماً ، ولنبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصاً ـ أدلّة عقلية ونقلية لا يعتريها الشكّ والريب ـ كما قرّر في محلّه ـ وعليه فلابدّ من تأويل ما جاء خلافه ـ إن صحّ سنده ـ فإنّ ما يوهم خلاف تلك القاعدة مردود ، إذ أنّ القاعدة المذكورة لم تبتن على الأمثلة حتّى يرد عليها النقض ، بل يجب أن يفسّر كُلّ حادث على ضوء تلك القاعدة.

ثمّ إنّ ما ذكرتموه في المقام ، لا يصلح لأن يكون مورداً للنقض لما يلي :

أوّلاً : إنّ ما ذكر في بعض كتب السير والتاريخ ـ من أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قد نزل أدنى ماء ببدر أوّلاً ، وثمّ بعد ما أشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء

٣٣٥

من القوم ، ويصنع أحواضاً ويمنع المشركين من الماء ، صوّب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رأيه وأمر بتنفيذه ـ لم يصحّ لوجوه :

منها : إنّ المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر ، ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم من المسلمين.

ومنها : إنّ العدوة القصوى التي نزلها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لابأس بها ، على العكس ممّا نزلها المسلمون ، وهي العدوة الدنيا ، إذ كانت غبار تسوخ فيها الأرجل ، ولم يوجد فيها الماء(١) .

ومنها : إنّ ابن الأثير ـ من أصحاب السير ـ ينصّ على أنّ المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يعترضوهم(٢) .

ومنها : إنّ المنع من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيّه الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإذاً ، الصحيح هو الرواية التي تقول بأنّ المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتّى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض كما جاء في الذكر الحكيم :( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (٣) ، وهذا هو سرّ بناء الأحواض لا ما ذكروه.

ثانياً : إنّ البعض قد ذكروا : أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وعثمان في عدم المشاركة في بدر ، ثمّ ضرب لهم سهامهم من الغنائم.

____________

١ ـ فتح القدير ٢ / ٣١١ ، شرح نهج البلاغة ١٤ / ١١٨ ، جامع البيان ١٠ / ١٤ ، زاد المسير ٣ / ٢٤٦ ، الجامع لأحكام القرآن ٨ / ٢١ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٢٦ ، الدرّ المنثور ٣ / ١٦٦ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٧.

٢ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٢٣.

٣ ـ الأنفال : ١١.

٣٣٦

وهذا أيضاً من الموضوعات ، إذ جاء في بعض الكتب : أنّ العلّة للتخلّف في الأوّليين ـ طلحة وسعيد ـ هو التجسّس لخبر العير بأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وجاء في بعضها الآخر : أنّهما كانا في تجارة إلى الشام(٢) ؛ فإذا كانت العلّة هذه ، هل يعقل أن يضرب لهما سهامهما من الغنائم؟! خصوصاً أنّ السيوطي وغيره ينكران هذه الفضيلة لغير عثمان(٣) .

وأمّا في مورد عثمان ، فإنّ الرواية التي تذكر علّة تخلّفه ـ أنّها لتمريض زوجته رقية بأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ متعارضة مع الرواية التي تصرّح بأنّ العلّة هي إصابة عثمان نفسه بالجدري(٤) .

وأيضاً كان بعض المسلمين يعيّرون عثمان بعدم حضوره في بدر ، وهذا لا ينسجم مع رخصته فيه ، إذ كيف خفي هذا العذر على مثل عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود(٥) .

وأخيراً : لقد جاء في حديث مناشدة عليعليه‌السلام لأصحاب الشورى ـ وفيهم طلحة وعثمان ـ قوله : « أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب »؟ قالوا : لا(٦) ، وهذا يفنّد كلام القوم من الأساس!!

ثالثاً : إنّ ما يذكر من خطأ اجتهاد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والعياذ بالله ـ في موضوع أُسرى بدر لا أساس له من الصحّة ، فالآية التي يشير إليها البعض في المقام( مَا

____________

١ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٠٣ ، أُسد الغابة ٢ / ٣٠٧ ، تاريخ المدينة ١ / ٢١٩ ، سبل الهدى والرشاد ٤ / ١٩.

٢ ـ التنبيه والإشراف : ٢٠٥ ، المستدرك ٣ / ٣٦٨ ، الاستيعاب لابن عبد البر ٢ / ٧٦٥ ، المعجم الكبير ١ / ١١٠.

٣ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٥٤.

٤ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٥٣.

٥ ـ مسند أحمد ١ / ٦٨ و ٧٥ ، مجمع الزوائد ٧ / ٢٢٦ ، الدرّ المنثور ٢ / ٨٩ ، تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٣٩ / ٢٥٨ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٣١.

٦ ـ كنز العمّال ٥ / ٧٢٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٣٥.

٣٣٧

كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ له أَسْرَى ) (١) في وزان إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فالمقصود من الآية المسلمون لا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ أنّ الالتزام به يكون بمعنى مخالفة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأوامر الوحي ، وهذا محالّ.

ولكنّ المعنى أنّ الصحيح في المقام هو الحكم الأوّلي في شأن الأسرى ببدرٍ كان القتل ، وهو حكم خاصّ بهم ، لا أنّ الفداء لا يحلّ أبداً في الأسرى ، إذ قد عمل به ـ الفداء ـ في واقعة عبد الله بن جحش قبل بدر بأزيد من عام ، ولم ينكره الله تعالى(٢) ، وبعدما أصرّ المسلمون على مخالفة ذلك الحكم الأوّلي ، عاتبهم الله تعالى فاستحقّوا العذاب ثمّ عفا عنهم.

ويدلّ عليه أنّه جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيلعليه‌السلام أخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بكراهة ما صنعه قومه من أخذ الفداء ، وأخبره بأنّ الله أمره أن يخيّرهم بين قتل الأسرى وأخذ الفداء ، على أن يقتل منهم في المستقبل بعددهم ، فرضوا بالفداء والشهادة(٣) ، وعلى الأخصّ فقد نصّ البعض على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مال إلى القتل(٤) .

رابعاً : إنّ حديث تأبير النخل ـ بالشكل الذي نقلوه ـ لا يوافق العقل والنقل ، لوجوه :

منها : إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعيش في منطقة تغصّ بالنخل ، فهل يعقل أنّه لم يكن يعرف تأثير تأبير النخل وفائدته؟ وأنّ النخل لا ينتج بدونه؟! والحال نرى أنّ الرواية المزعومة تقول : بأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله نفى لزوم التأبير فتركوه.

ومنها : كيف نصدّق بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يرضى بإدخال ذلك الضرر الجسيم عليهم ـ عدم نتاج نخلهم ـ بتصرّفه فيما ليس من اختصاصه؟!

____________

١ ـ الأنفال : ٦٧.

٢ ـ السيرة الحلبية ٢ / ٢٦٣.

٣ ـ المصنّف للصنعاني ٥ / ٢٠٩ ، الطبقات الكبرى ٢ / ٢٢ ، عيون الأثر ١ / ٣٧٣ ، الدرّ المنثور ٣ / ٢٠٢.

٤ ـ الكامل في التاريخ ٢ / ١٣٦.

٣٣٨

ومنها : إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كيف يقول لهم ـ حسب الرواية المذكورة ـ أنّ العملية كانت من ظنونه ـ والعياذ بالله ـ وليس لهم أن يؤاخذوه بالظنّ ، في الوقت الذي كان يحثّ الناس على كتابة ورواية ما يصدر عنه(١) .

وصفوة القول : أنّ العصمة لها أدلّتها القيّمة من العقل والنقل ، فلا تنثلم بما نقل بخلافها مع وهن السند والدلالة.

( أحمد الأسدي ـ اندونيسيا ـ ٢٦ سنة ـ خرّيج ثانوية )

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ) :

س : قال تعالى :( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللهُ ) (٢) .

كيف يخاطب القرآن النبيّ هكذا؟ ونحن نعرف عصمة النبيّ عن الخطأ ، هل النبيّ نسي أن يقول أن شاء الله؟ أجيبوا جزاكم الله.

ج : الآية الكريمة لا تنافي العصمة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ الخطاب موجّه للمكلّفين ، والقرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، وليس هو خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ على قول من قال أنّه خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليس فيه ما يسيء إلى عصمتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ذلك من الله تعالى تذكير لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأنّ كُلّ أمر موقوف على إرادته واشائته ، فإن شاء كان ، وإن لم يشأ لم يكن ، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله غيرُ غافلٍ عن ذلك ، وقد شهد الله تعالى له بذلك ، فقال :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أدّبني ربّي فأحسن تأديبي »(٤) .

____________

١ ـ مجمع الزوائد ١ / ١٣٩ ، ١٥١ ، الجامع الصغير ١ / ٤٠٤ ، كنز العمّال ١٠ / ٢٢٤ و ٢٢٩.

٢ ـ الكهف : ٢٣ ـ ٢٤.

٣ ـ القلم : ٤.

٤ ـ شرح نهج البلاغة ١١ / ٢٣٣ ، الجامع الصغير ١ / ٥١ ، كشف الخفاء ١ / ٧٠.

٣٣٩

وقد كانت سنّة الأنبياء تعليق كُلّ شيء على إرادته تعالى ، فقال تعالى حكاية عن موسى :( قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (١) ، وقال حكاية عن شعيب :( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٢) ، وقال حكاية عن إسماعيل :( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (٣) .

وهكذا هي سنّة الأنبياء في مخاطباتهم ، بل تعليق الفعل على إرادته سيرة الصالحين ، فكيف بخيرة الصالحين وخاتم الأنبياء والمرسلين يصدر منه خلاف إرادته تعالى ، ومن ثمّ يعاتب عليه؟ فثبت أنّ ذلك خطاب للمكلّفين دونهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

( حبيب ـ الدانمارك ـ سنّي حنفي ـ ٢٠ سنة )

معالجة الآيات الواردة خلافها :

س : قال العلاّمة الحلّي : « إنّه لو جاز عليه ـ أي الإمام ـ السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع أفعاله ، ولم يبق وثوق بإخباراته عن الله تعالى ، ولا بالشرائع والأديان ، جواز أن يزيد فيها وينقص سهواً ، فتنتفي فائدة البعثة.

ومن المعلوم بالضرورة : أنّ وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بالعصمة ، أكمل وأحسن من وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ، لما فيه من الاحتراز عن الضرر المظنون ؛ بل المعلوم »(٤) .

كُلّ ما سبق من كلامه يردّه كتاب الله ، الذي أشار إلى وقوع بعض الأنبياء في المعاصي والتوبة ، منها : قوله تعالى عن موسىعليه‌السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (٥) ، لماذا يعتذر موسى عليه‌السلام كُلّما سأل

____________

١ ـ الكهف : ٦٩.

٢ ـ القصص : ٢٧.

٣ ـ الصافات : ١٠٢.

٤ ـ الرسالة السعدية : ٧٥.

٥ ـ الكهف : ٧٣.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416