الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98341 / تحميل: 5229
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الشيطان ومعاقبة العدو، عن جابر قال: سمع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) رجلاً يشتم قنبراً وقد رام قنبر أن يردّ عليه، فناداه أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ):( مهلاً يا قنبر، دع شاتمك مُهاناً ترضي الرّحمن وتسخط الشيطان وتعاقب عدوّك، فو الذّي فلق الحبّة وبرأ النّسمة! ما أرضى المؤمن ربّه بمثل الحِلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السّكوت عنه ) (١) .

فالمنع وطرح البديل اللائق، كفيلان بتحصين وحفظ الثقافة الإسلامية من الأهواء والثقافات الأخرى، وجدير بالذكر أنّ المنع يعتبر وسيلةً دفاعية محضة.

ب. التهذيب

تهذيب البلاغ الثقافي يبتدئ من تهذيب الإنسان لآلات التوصيل والارتباط الثقافي.

فاللسان يعبّر عن حقيقة الكلام وقوّته، والكلام من دون تدبير وتفكير يُفقد المرء الاتزان والتعادل، ويجنح بصاحبه نحو المزالق؛ لأجله في عملية التحصين وممارسة التهذيب على المؤمن أن يتدبّر كلامه؛( لأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ وَإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ ) (٢) .

____________________

(١) أمالي المفيد: ١١٨.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١٧٦.

٨١

فالمحلّ الأوّل للكلام في داخل النفس، والمؤمن يتفحص الكلام ويقلّب وجوهه، فإن أصاب الخير أظهره، وان كان فيه الشرّ أنكره؛ لأنّ هذا التهذيب الداخلي هو التأني والتدبّر لنتائج الكلام.

إنّ أمير المؤمنين يعمّق الوعي ويحدّ الرؤية في عملية التهذيب، بحيث إنّها تشمل قنوات وأعضاء أخرى في وجود الإنسان، مثل الخطأ الطفيف لحاسّة البصر الّتي ربّما جلبت مضرّةً، والتي عبّر عنها الإمام بـ ( رمزات الألحاظ ) حيث قد تعني تلك الألحاظ معاني سيئة، ومثل الألفاظ التي ينقلب المعنى فيها إلى غير القصد الصحيح والنافع، والتي ربّما بعثت على سخط الله تعالى أو تحبط الأعمال منها، أو شهوات القلب المترادفة والتي تضع أهداف الإنسان في أسر الأهواء.

قد ورد في الدعاء عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ):( اللّهمّ اغفر لي رمزات الألحاظ، وسقطات الألفاظ، وشهوات الجنان، وهفوات اللسان ) (١) .

وكما أنّ في جسم الإنسان هذه الأعضاء يطلب تهذيبها، كذلك في المجتمع؛ حيث إنّ مشاهدة العين وتدقيقها على ما يخرج أو ما يرد، ينبغي أن يكون عن معرفة وتقوى في قبول الأشياء الداخلة إلى المجتمع والخارجة منه.

أيضاً سقطات الألفاظ فإنّ بعض الألفاظ التي تصدر من بعض الأفراد قد تكون غير مسؤولة وبعيدة عن التروّي والتفكير. هذه الألفاظ قد تجرّ

____________________

(١) نفس المصدر: الخطبة ٧٨.

٨٢

إلى نتائج غير محمودة؛ لذا نجد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يدعوا إلى إجالة النظر ومعرفة هويّة الزّمان وأهله( يا بني، إنّه لابدّ للعاقل من أن ينظر في شأنه فليحفظ لسانه وليعرف زمانه ) (١) .

عندما تكون دائرة المسؤولية كبيرة، ينبغي على الإنسان أن يتصرف بحكمة( يا بنيّ، لا تقل مالا تعلم، بل لا تقل كلّ ما تعلم ) (٢) .

وليس معنى ذلك أن يبخل المرء في أن يقول ما يعلم، وإنّما على المرء أن يعرف في أيّ وعاء يضع علمه، وفي أيّ محلّ ينفقه، ففيه إشارة إلى مراعاة الحكمة في المواضع التي يرتادها الشخص وينشر علمه.

قد تحصل أنّ التحصين الثقافي، الّذي يتم من خلال التهذيب في تمييز ما يرد عليه من أشياء أو ما يصدر منه، لا بد من أن يكون منسجماً مع ثقافة الإسلام، وهو وسيلة دفاعية أكثر منه هجومية.

ج. التحفيز

هو وسيلة لترغيب الإنسان في أن يكون خلاّقاً ومنتجاً ومفيداً، وهو يعتبر وسيلة هجومية في التحصين الثقافي، وهو بعكس المنع الذي يعتبر وسيلة دفاعية محضة.

حثّ الإمام ( عليه السلام ) على العمل ومعرفة الهدف الذي ينتهي إليه، فكلّما كان العمل ذا هدف سامي، وذا طريقة سليمة من حيث الإحكام والإتقان و

____________________

(١) أمالي الطوسي: ١٤٦.

(٢) نهج البلاغة: الحكمة: ٢٨٣/٧٢٢، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: ١/٢٤٠.

٨٣

النّهج المتبع، فإنّ ذلك ينعكس إيجاباً في التأثير والتأثر به ولابدّ منه، بحيث إنّه يصبح نموذجاً يُحتذى به ومثالاً يُقتدى به( الْعَمَلَ الْعَمَلَ، ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ، وَالاسْتِقَامَةَ الاسْتِقَامَةَ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ، وَالْوَرَعَ الْوَرَعَ، إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ، وَإِنَّ لِلإِسْلامِ غَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى غَايَتِهِ ) (١) .

فالعمل مهما كان يحتاج إلى الجدّ أو المثابرة؛ لأنّه مع التهاون والغفلة لا يؤتي التحفيز أُكله،( الجدّ الجدّ أيّها الغافل! ) (٢) .

كيف يمكن مواجهة ومعالجة الغفلة والجمود؟ إنّ ذلك يكون بالعزم والتفكير والتشمير عن ساعد الجدّ والتزوّد من الاستقامة( فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ وَالاجْتِهَادِ، وَالتَّأَهُّبِ وَالاسْتِعْدَادِ، وَالتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ ) (٣) .

لقائل أن يقول: لا يمكن تحفيز الطاقة وتشغيلها عند الإنسان بالاعتماد على دوافعه الذاتية الخاصّة فقط!

نعم، نحن لا نقول إنّ تنشيط دوافع الإنسان يكون بالاعتماد والاتكاء على الذّات فقط، بل نقول إنّ نفس حث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو تحفيز من الخارج إلى الناس.

إنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يقتصر في هذا التحفيز على الوعظ والتنبيه والحثّ على العمل فقط، بل مضافاً إلى ذلك فرض محفّزات مالية لزيادة

____________________

(١) نفس المصدر: الخطبة ١٧٦.

(٢) نفس المصدر: الخطبة ١٥٣.

(٣) نفس المصدر: الخطبة ٢٣٠.

٨٤

النشاط والإنتاج والاستفادة، ( عن سالم بن أبي الجعد: فرض عليّ ( عليه السلام ) لمَن قرأ القرآن ألفين ألفين، قال وكان أبي ممّن قرأ القرآن )(١) .

كما أنّ الدوافع الذاتية منشأ التحريك فيها هو ما أعده الله تعالى للذين يعملون الصالحات أو الذين أحسنوا.

فممّا تقدم نلاحظ أنّ التحفيز وسيلة للإبداع وتشغيل القدرات الكامنة في داخل الإنسان، ممّا يجعله وسيلةً تحصينية للثقافة.

د. التبادل الإيجابي

المقصود من التبادل الإيجابي هو ما عناه الحديث الشريف، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال:( قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ): لا عليك أن تصحب ذا العقل وإن لم تحمد كرمه، ولكن انتفع بعقله واحترس من سيء أخلاقه، ولا تدعنّ صحبة الكريم وإن لم تنتفع بعقله، ولكن انتفع بكرمه بعقلك، وافرر كل الفرار من اللئيم الأحمق ) (٢) .

فالتبادل الإيجابي هو مبادرة يقوم بها الإنسان المسلم لإثراء ثقافته من صاحب العقل أو من صاحب الأخلاق؛ لكي يصل إلى مقصوده ومنشوده.

يعتبر التبادل الإيجابي وسيلةً تحصينية متزنة ومعتدلة؛ لأنّها تدعو إلى صحبة ذي العقل وإن لم يحمد كرمه؛ للانتفاع بعقله أو صحبة ذي الكرم؛ للاستفادة من كرمه وإن لم يحمد عقله، أمّا مَن فقد الكرم المحمود والعقل

____________________

(١) كنز العمال: ٢/٣٣٩.

(٢) الأصول من الكافي: ٢/٦٣٨.

٨٥

النافع، فيجب الاحتراز والفرار منه وهو اللئيم الأحمق كما في الرواية الشريفة.

هذا التبادل الإيجابي كما أنّه من الممكن للفرد المسلم ممارسته، كذلك للولايات والأمصار أو الدول تطبيقه في علاقاتها وارتباطاتها، وأخذها ما هو نافع، ولفضها ما هو ضار.

فالملاك في هذا التبادل الثقافي الإيجابي هو أخذ النفع أنّى وجد، وتجنّب الضرر حيث وجد.

على صعيد العلاقات بين المؤمنين، أمر الإمام ( عليه السلام ) بالتفاعل والتواصل وتبادل المحبة والنصح، وتجنّب القطيعة والتدابر:

( عليكم يا بنيّ بالتواصل والتباذِل والتَّبار، وإيّاكم والنفاق والتدابر والتقاطع والتفرّق، وتعاونوا على البّر والتقوى ) (١) .

____________________

(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: ١/٧٥.

٨٦

الفصل الثامن: الإمام علي ( عليه السلام ) والوظائف الثقافية

الخليفة الذي وُضع للناس معلّماً ومرشداً، له وظائف ثقافية يُمليها عليه طبيعة تكليفه ومسؤوليته.

فالمرشد والزعيم يلاحظ ويراقب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثّقافية والسّياسية في دائرة مسؤوليته، أو الحدود الّتي له صلاحية متابعتها وتقويمها للتي هي أحسن.

لذا كان الإمام ( عليه السلام ) قد مارس وظائف ثقافية؛ لتجديد الحياة الثقافية في أوساط الكوفة، ولتعديل المسار الثقافي باتجاه الهداية الإلهية، سنبيّن تلك الوظائف بما يلي:

١. التشخيص

اعتماد الأُسس الصّحيحة في التشخيص، وإعمال النظر الدقيق فيه، من الأمور التي علّم الإمام ( عليه السلام ) الناس عليها.

٨٧

إنّ إدارة الفحص الحسن وتوطيد الصّحة والسلامة في أفعال الأشخاص وأقوالهم من المسائل المهمة، التي حرّك الإمام عقول وأحاسيس الناس إليها.

فالتشخيص قطبه التقوى ودليله الرؤية القطعية، وهدفه معرفة الحق واتخذ التشخيص طرقاً أربعة:

١. التشخيص عن طريق الرؤية الحسية: هذه الطرّيقة في التشخيص سهلة الممارسة؛ حيث يمارس الإنسان بصره ونظره في رؤية الأشياء ومن ثَمّ يقوم بإصدار الحكم عليها، قد بيّن الإمام ( عليه السلام )، الميزان العدل والموازين القسط في التشخيص السليم وفق هذه الطريقة:

( مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَسَدَادَ طَرِيقٍ فَلَا يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي وَتُخْطِئُ السِّهَامُ، وَيُحِيلُ الْكَلامُ وَبَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ، أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلاّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ ) ، ( فسئل ( عليه السلام ) عن معنى قوله هذا ) فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه ثمّ قال:( الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ ) (١) .

٢. التشخيص عن طريق العلامات الظاهرة: هذه الطريقة تحتاج إلى نوع من المتابعة والوعي، قد وضع الإمام بين يدي النّاس الطريقة العملية في تشخيص أصناف الناس وتحديد هويّاتهم بوضع العلامات المميزّة لهم( ثلاث علامات للمرائي: ينشط إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحبّ أن يُحمد في جميع أموره ) (٢) ( لِلظَّالِمِ مِنَ الرِّجَالِ ثَلاثُ عَلامَاتٍ: يَظْلِمُ مَنْ

____________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١٤١.

(٢) الأصول من الكافي: ٢/٢٣٦.

٨٨

فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَمَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ، وَيُظَاهِرُ الْقَوْمَ الظَّلَمَةَ ) (١) .

٣. التشخيص عن طريق الرموز الظاهرية والتغييرات النفسية : هذه الطّريقة أصعب تحديداً من سابقاتها وتكون بمتابعة التغييرات النفسية، وما يظهر منها على صفحات الوجوه، حيث إنّ الرّموز الظّاهرة على صفحات الوجه وتغيّر نظرات الإنسان وإيحائها، أو حركات اليد وتعبيراتها، تعبّر عن نوع الانفعال النّفسي المنبسط داخل وجود الإنسان.

هذه الطريقة تحتاج إلى التركيز والدقة، إضافة للفراسة الّتي يمتلكها الفرد عن طريق المعرفة أو الإيمان في تشخيص هذه الرموز( مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ ) (٢) ( الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ ) (٣) .

٤. التشخيص لِما في باطن الإنسان عن طريق التقوى العالية : هذه القدرة التشخيصية تحتاج إلى مرتبة معنوية رفيعة، وهي لا تتيسّر لكلّ أحد، إلا بالمراقبة القوية والعمل المستمرّ والجادّ في طاعة الله تعالى، الأصبغ بن نباتة قال: أتى رجل إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال: إنّي أحبّك في السّر كما أحبك في العلانية، قال: فنَكَت أمير المؤمنين بعود كان في يده في الأرض ساعة ثمّ رفع رأسه فقال:كذبت والله.

ثمّ أتاه رجل آخر فقال: إنّي أحبّك، فنَكَت بعود في الأرض طويلاً ثمّ رفع رأسه فقال:

____________________

(١) نهج البلاغة / الحكمة: ٣.

(٢) نفس المصدر: الحكمة: ٢٦.

(٣) نفس المصدر: الحكمة: ١٤٨.

٨٩

( صدقت، إنّ طينتا طينة مرحومة، أخذ الله ميثاقها يوم أخذ الميثاق، فلا يشذّ منها شاذّ، ولا يدخل فيها داخل إلى يوم القيامة ) (١) .

نعيد القول والإشارة إلى أنّ هدف الوظيفة التشخيصية هي معرفة الحق وتمييزه عن الباطل، وقد تجلّت هذه الوظيفة التشخيصية في قول أمير المؤمنين للخوارج لمّا سمع قولهم ( لا حكم إلاّ لله ) قال ( عليه السلام ):( كلمة حقٍّ يُراد بها باطل ) (٢) .

٢. الاستشارة

شاور أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أصحابه في أكثر من موطن ومناسبة؛ تأسّياً بالنّبي في سيرته وتجسيداً لقوله تعالى:( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى‏ اللّهِ ) (٣) الآية الكريمة كانت تأمر النبيّ الأكرم ( صلّى الله عليه وآله ) في مشاورة أصحابه، والقرار والعزم النهائي يبقى بيد النبي الكريم، ويتوكل على الله في تنزيل الأمر والموضوع إلى الواقع.

هذه الاستشارة تعني إشراك الأمّة في القضايا الّتي تتعلّق بها، وتحريك فعالية المسلمين نحو الأمور المختلفة( فَأَعِينُونِي بِمُنَاصَحَةٍ، خَلِيَّةٍ مِنَ الْغِشِّ سَلِيمَةٍ مِنَ الرَّيْبِ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ ) (٤) .

____________________

(١) مناقب آل أبي طالب: ٢.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ٤٠.

(٣) آل عمران: ١٥٩.

(٤) نهج البلاغة: الخطبة ١١٨.

٩٠

وهي لا تعني قصور القيادة العليا للمسلمين عن نيل الرأي السديد؛ بل هي من أجل وضع المسلمين في دائرة المسؤولية المتبادلة، وتفعيل دورهم باتجاه القضايا المختلفة.

يبقى الاختيار والقرار بعد المشورة بيد مَن يتولّى أمور المسلمين.

( إنّي لأَولى النّاس بالنّاس، أضمم أراء الرّجال بعضها إلى بعضٍ، ثمّ اختر أقربها إلى الصّواب وأبعدها من الارتياب ) (١) .

للاستشارة بُعدين أو ظهيرين يمكن استشفافهما من الحكمة العلوية( وَلا ظَهِيرَ كَالْمُشَاوَرَةِ ) (٢) وهما:

١. الظّهير أو البعد العلمي: أي البعد العلمي بضمّ الآراء إلى بعضها، حيث يعطي ضفر الآراء القوّة والمتانة للرأي المستخلص منها.

٢. الظهير أو البعد الاجتماعي: يتمثل في اجتماع المسلمين بمكان واحد لمداولة أمورهم أو البحث عن رأي سليم، ففي ذلك الاجتماع قوة اجتماعية للمسلمين؛ حيث تشدّ النّفوس بعضها إلى بعض.

مارس أمير المؤمنين الاستشارة عملياً، فالمؤرّخون يذكرون أنّه بعد قتل أشرس بن حسّان البكري وأصحابه في الأنبار، عندما كانوا على مسلحتها على يد كتائب بقيادة سفيان بن عوف، وصل الخبر إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام )، وعندما دعا ( عليه السلام ) الناس وانتدبهم إلى لقاء الأعداء، إلاّ أنّهم لم يحسنوا السمع والإجابة وأكثروا الكلام، ولم يجب دعوته ( عليه السلام ) إلاّ ثلاثمِئة نفر.

____________________

(١) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: ١/٢٤٨.

(٢) نهج البلاغة: الحكمة: ٥٤.

٩١

حزن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وعلت وجهه الكآبة، وجاءه بعض الأصحاب يواسونه بالموالاة والنصرة، ( فقام حجر بن عديّ الكندي وسعيد بن قيس الهمداني، فقالا: لا يسوءك الله يا أمير المؤمنين، مرنا بأمرك نتبعه، فو الله! ما نعظم جزعاً على أموالنا إن نفدت، ولا على عشائرنا إن قُتلت في طاعتك.

فقال:تجهّزوا للمسير إلى عدوّنا ، فلمّا دخل منزله ودخل عليه وجوه أصحابه، قال لهم:أَشيروا عليّ برجلٍ صليب ناصح، يحشر النّاس من السواد .

فقال له: سعيد بن قيس: يا أمير المؤمنين! أشير عليك بالناصح الأَريب الشجاع الصليب، معقل بن قيس التميمي.

قال:نعم ، ثمّ دعاه فوجّهه، فسار فلم يقدم حتى أصيب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) )(١) .

ذكر ابن أعثم الكوفي أحداث تاريخية شاور فيها الإمام أصحابه، صرفنا القلم عنها خشية الإطالة(٢) .

٣. التصحيح

هو عبارة عن حذف وإقصاء الثّقافة الخاطئة عن مجتمع المسلمين، وإعادة الثقافة الصحيحة إلى مكانها.

الغاية من هذه الوظيفة التصحيحية هي تسريع الحركة الثقافية و

____________________

(١) الغارات: ٢/٤٨٢، شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد: ٢/٩٠.

(٢) الغارات: ٢/٣٥٢ - ٣٧٣ - ٤٤٢.

٩٢

تنشيطها داخل المجتمع، قد اتخذ التصحيح من جانب الإمام ( عليه السلام ) أشكالاً مختلفة بحسب نوع الخطأ الذي تمّ تحديده، الأشكال التصحيحية كما يلي:

١. تصحيح الدافع الثقافي: إنّ أيّ حركة ثقافية يُراد تصحيحها لابّد من تصحيح جذورها؛ لأنّها النقطة الأُولى التي خرجت منها الحركة، عنه ( عليه السلام ) لسائل سأله عن معضلة:( سَلْ تَفَقُّهاً وَلا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً ) (١) .

التصحيح سلّطه الإمام على دافع السؤال والمنطلق الأَوّل الذي خرج منه السؤال، فإذا كان دافع ونية السؤال خاطئةً، فحينئذٍ يكون صبّ العلم وإفراغه على محلّ ونية خاطئةً( وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ ) (٢) .

٢. تصحيح الضابط الثقافي: الإمام بيّن المعيار الصحيح لمعرفة الحق لأحد أصحابه، نهض الحارث بن حَوط الليثي إلى عليّ بن أبي طالب وهو على المنبر، فقال أتظنّ أنّا نظنّ أنّ طلحة والزبير كانا على ضلال؟ قال:( يا حارث، إنّه ملبوس عليك، إنّ الحق لا يُعرف بالرّجال، فاعرف الحق تعرف أهله ) (٣) .

إنّ الإمام ( عليه السلام ) أعطى ضابطاً مهّماً لمعرفة الحق وهو: اعرف الحق تعرف أهله، وشطب على المعيار الخاطئ الذي كان ينظر بن الحارث بن حوط.

٣. تصحيح المفهوم الثقافي: على الإنسان المسلم أن لا يقف عند قالب اللفظ، بل عليه أن يعبر إلى المفهوم الواسع للكلمة؛ للإشراف على حقيقتها، قال ( عليه السلام )، لقائل بحضرته ( أَستغفرُ الله ):( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي مَا الاسْتِغْفَارُ؟

____________________

(١) نهج البلاغة / الحكمة: ٣٢٠ / ٧٠٦؛ الغارات: ١/١٧٩.

(٢) نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر / الحكمة: ٢٦٢.

٩٣

الاسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ، أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى، وَالثَّانِي الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً، وَالثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ، وَالرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا، وَالْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ الْجِلْدَ بِالْعَظْمِ وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ، وَالسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ) (١) .

٤. تصحيح الاستعمال الثقافي: بعض الاستعمالات الثقافية ليس صحيحة، وقد لاحظ الإمام ( عليه السلام ) رجلاً يهنّئ آخر - بمولود وُلد له - باستعمال ثقافي خاطئ، فقال له: ليهنئك الفارس، فقال ( عليه السلام ):(لا تَقُلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ قُلْ، شَكَرْتَ الْوَاهِبَ وَبُورِكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَرُزِقْتَ بِرَّهُ ) (٢) .

هنّأ الإمام ( عليه السلام ) بعد أن نحّى الاستعمال الخاطئ طرح الاستعمال الصحيح.

٤. الترشيد

الترشيد في اللغة من ( رشد: والرّشد والرّشد خلاف الغيّ، يُستعمل استعمال الهداية )(٣) و( أَرشدَهُ: هداه ودَلَّه )(٤) .

____________________

(١) نفس المصدر: الحكمة: ٤١٧.

(٢) نفس المصدر: الحكمة: ٣٥٤.

(٣) معجم مفردات ألفاظ القرآن: ٢٢١.

(٤) المعجم الوسيط: ٢/ ٣٤٦.

٩٤

ورد معنى الرشد في كلمات أمير المؤمنين بمعنى أنّ أداء الطاعة يترشّح منها الأمن والهداية( مَن يُطع الله يأمن ويرشد، ومَن يعصه يخب ويندم ) (١) .

كما أنّ الرّشد والهداية الّتي يعرفها النّاس عن أمير المؤمنين، هي هداية النّاس والأخذ بأيديهم إلى الصراط المستقيم، عن حذيفة بن اليمان أنّه قال: ( إن يولّوها علياً - في كلام وقد مرّ - تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق المستقيم )(٢) .

في رواية الزبير بن بكار التي ينقلها عن قبيصة بن جابر الأسدي، أنّ رجلاً سأل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن الإيمان، فخطب في النّاس وبيّن صفة الإيمان ودعائمه والشُعب التي يقوم عليها، حتى أنّ الرّجل السائل قام شاكراً لأمير المؤمنين ترشيده وهدايته وبيانه.

قام رجل إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فسأله عن الإيمان، فقام ( عليه السلام ) خطيباً فقال:( الحمد الله الذي شرع الإسلام فسهل شرائعه لمَن وردهُ ...

فبالإيمان يُستدل على الصالحات، وبالصالحات يعمر الفقه، وبالفقه يرهب الموت، وبالموت تُختم الدّنيا، وبالقيامة تزلف الجنة للمتقين وتبرز الجحيم للغاوين.

والإيمان على أربع دعائم: الصبر واليقين والعدل والجهاد.

____________________

(١) أمالي المفيد: ٢١٢.

(٢) مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ): ٢/٥٨٨.

٩٥

فالصبر على أربع شُعب: الشوق والشفق والزهادة والترقّب، أَلا مَن اشتاق إلى الجنة سلى عن الشهوات، ومَن أشفق من النّار رجع عن المحرّمات، ومَن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات، ومَن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات، واليقين على أربع شعب فهذه صفة الإيمان ودعائمه.

فقال له السائل: لقد هديت يا أمير المؤمنين وأرشدت، فجزاك الله عن الدين خيراً(١) .

في بيان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للإيمان تجلى الطريق العلمي والعملي للترشيد، قد وصل البلاغ العذر - من قبل الإمام - إلى الناس وأدخلهم إلى الطريق الواضح المستقيم،( لقد حملتكم على الطرّيق الواضح، الّتي لا يهلك عليها إلاّ هالكٌ، مَن استقام فإلى الجنّة، ومَن زلّ فإلى النار ) (٢) .

في طريق آخر لمعرفة الرّشد، أوضح الإمام أنّ تلك المعرفة تنبثق من معرفة الذي ترك الرّشد( واعلموا أنّكم لن تعرفوا الرّشد حتى تعرفوا الّذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذّي نقضه ) (٣) .

إنّ طريق الهداية إذا لم يتضّمن معرفة عدوّ هذا الطريق، فسوف لن يكون هناك وصول إلى الرّشد؛ إذ من الممكن أن يُقطع الطريق على سالك طريق الرشد، ولن يكون هناك بلوغ إلى أقصاه إذا لم يطّلع على عدو هذا

____________________

(١) نهج البلاغة: الحكمة: ٣١، الأصول الكافي: ٢/٥٠، أمالي الطوسي: ٣٧.

(٢) نهج البلاغة: الخطبة ١١٩.

(٣) نفس المصدر: الخطبة ١٤٧.

٩٦

الطريق، ونقاط الضعف التي يستغلها للتسلّل والقعود على الصراط.

فالمسلّم عليه أن لا يكتفي وظيفياً بالاطلاع على الثقافة الإيجابية الّتي هي ثقافة الهداية والترشيد، بل عليه أيضاً أن يطّلع على الثقافة الأخرى التاركة للثقافة الإسلامية حتى يتكامل الترشيد.

قد أمر ( عليه السلام ) بالأخذ بنهج الخير ومعرفته والإعراض عن نهج الشر بمعرفته( فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدفوا عن سمت الشّرِّ تقصدوا ) (١) .

____________________

(١) نفس المصدر: الخطبة ١٦٧.

٩٧

٩٨

الفصل التاسع: الإمام علي ( عليه السلام ) والأساليب الثقافية

تعددت الأساليب الثقافية وتنوّعت عناوينها بحسب الشؤون والأحداث الّتي عالجها الإمام، وقد اقتضى كلّ موقف أُسلوباً وغايةً يختصان به، هذه الأساليب هي كما يلي:

١. الأسلوب الوعظي

استخدم الإمام هذا الأسلوب كثيراً والغاية منه هي الوصول إلى ثمرة التقوى.

في هذا الأسلوب نثر الإمام (عليه السلام) لآليء مواعظه، والتي هي جامعة للعِظة والحكمة، حسب رأى ابن أبي الحديد( فإنّ الغاية أمامكم، وإنّ وراءكم الساعة تحدوكم، تخفّفوا تلحقوا، فإنّما ينتظر بأَوّلكم آخركم ) .

قال الرضي رحمه الله: ( أقول إنّ هذا الكلام لو وُزن بعد كلام الله سبحانه

٩٩

وبعد كلام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بكلّ كلام، لمال به راجحاً وبرّز عليه سابقاً )(١) .

إنّ علة جامعية هذه الموعظة المليئة معنىً، هي أنّ الإمام ذكر الغاية والمحرك والمسير والمصير في عبارة واحدة جامعة للعظة.

مرّة أخرى طُلب من أمير المؤمنين موعظة مختصرة، فوعظ بذكر الدار ودقة الإقامة فيها، وذكر السبق في العمل والإعراض عن التأسي بالنبي ( صلّى الله عليه وآله ) إلى الرّغبات؛ قيل لأمير المؤمنين ( عليه السلام ): عظنا وأوجز، فقال:

( الدنيا في حلالها حساب وحرامها عقاب، وأنّى لكم بالرَّوح ولمّا تأسَّوا بسنة نبيكم، تطلبون ما يطغيكم ولا ترضون ما يكفيكم ) (٢) .

هناك خطب كثيرة تضمنت الحكمة والموعظة الحسنة، وقد آثرنا الاختصار وتجنّبنا الإكثار؛ لأنّها فوق التعريف لشهرتها.

٢. الأسلوب التذكيري

الغاية من هذا الأسلوب هي النظر في العواقب واستلهام العبرة، قد ورد في التنزيل الحكيم:( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) (٣) و( أَوَلَمْ نُعَمّرْكُم مّا يَتَذَكّرُ فِيهِ مَن تَذَكّرَ ) (٤) جاء في كلام له ( عليه السلام ):( وليكن نظركم عبراً ) (٥) .

____________________

(١) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ١/٣٠١.

(٢) الأصول من الكافي: ٢/٤٥٩.

(٣) الروم: ٩.

(٤) فاطر: ٣٧.

(٥) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: ١/٧٥.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ولا يجوز بيعه قبل حلوله ولو كان تولية. ولوصالح عليه قبل الحلول فالاقرب(١) الاجزاء.

ولو وجد المشتري بالمقبوض عيبا فلا أرش، وله الرد والمطالبة بالسليم.

____________________

(١) في باقي النسخ: فالاقوى.

٢٦١

٢٦٢

كتاب الخيار

٢٦٣

٢٦٤

وأنواعه تسعة: أحدها: خيار المجلس، لقوله صلى الله عليه وآله(١) : البيعان بالخيار مالم يفترقا، إلا بيع الخيار أي خيار الشرط فإنه باق وإن تفرقا، أو بيع شرط فيه تعجيل ثمرة الخيار، وهو التطابق على الالتزام في العقد.

وما روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام(٢) إذا صفق الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا، مأول بما ذكر أو بأن الوجوب بمعنى سببية الملك.

ويختص بالبيع بأنواعه، ويثبت لهما ما داما في المجلس أو فارقاه مصطحبين، ولا عبرة بالحائل.

ويكفي في المفارقة المبطلة خطوة لصدقها بها، ويسقط باشتراط سقوطه في العقد لا قبله، خلافا للخلاف(٣) وبإيجابهما العقد، وإيجاب أحدهما ورضا الآخر، وبقولهما أسقطنا خيار المجلس أو الخيار.

والعاقد عن إثنين له الخيار، ويبطل بما يبطل به خيار المتعاقدين،.

ولو قال

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٤٥.

(٢) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب الخيار ح ٧ ج ١٢ ص ٣٤٧.

(٣) الخلاف: ج ٢ ص ٣.

٢٦٥

له اختر الامضاء فقال اخترته بطل خيارهما، وإن اختار الفسخ انفسخ، وإن سكت فخياره باق وخيار القائل على الاقوى، لعموم الخبر، وقد ثبت لاحدهما الخيار، لان المفهوم ضعيف، ولو قال له اختر الفسخ فالحكم ماتقدم وبقاء خيار القائل هنا بسكوت المخاطب أولى، ولو قال اختر فالحكم كذلك. ولو تصرف المشتري سقط خياره وحده، ولو تصرفا أو تعارض فسخ أحدهما وإيجاب الآخر قدم جانب الفسخ. ولو مات أحدهما أو ماتا فللوارث أو المولى، ولو جن أو اغمي عليه فللولي، ولو خرس اعتمد على الاشارة أو الكتابة المفهمة، وإن تعذر الاستعلام فالاقرب تخير الحاكم مافيه المصلحة، وعبارة الشيخ(١) تخير الولي ولو تخير الولي ثم زال العذر فلا نقض.

ولا عبرة بالتفرق كرها مع منعهما من التخاير، فإذا زال الاكراه فلهما الخيار في مجلس الزوال بطوله عند الشيخ(٢) ، ولو لم يمنعا من التخاير بطل الخيار ولزم العقد.

فروع:

أسقط الفاضل(٣) الخيار في شراء القريب، أما المشتري فلعتقه عليه، ولانه وطن نفسه على الغبن، إذ المراد به العتق، أما البائع فلما ذكر، ولتغليب العتق، ويحتمل ثبوت الخيار لهما، بناء على أن الملك بإنقضاء الخيار وثبوته للبائع، لان نفوذ العتق لا يزيل حقه السابق.

وحينئذ يمكن وقوف العتق ونفوذه، فيغرم المشتري القيمة لو فسخ البائع،

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٨٤.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٨٤.

(٣) قواعد الاحكام: ج ١ ص ١٤٢.

٢٦٦

ويجري مجرى التلف الذي لا يمنع من الخيار.

الثاني: لو اشترى العبد نفسه فكالاول عنده إن قلنا بجوازه كالكتابة.

الثالث: لو باع أو اشترى من ولده الصغير فالاقرب ثبوت الخيار، للعموم وهو في قوة اثنين، ولو التزم به من جانب الطفل أو من جانبه فالطرف الآخر باق.

الرابع: لا خيار في الاجارة والاقالة، لانهما ليسا بيعا عندنا، وكذا الحوالة والصلح على الاصح، والهبة بشرط الثواب واقتضاء العين عن الدين والقسمة والشفعة.

الخامس: يثبت في بيع خيار الرؤية، ولا يمنعه اجتماع الخيارين، وكذا بيع خيار الشرط والحيوان.

السادس: يثبت في الصرف تقابضا أولا، فإن التزما به قبل القبض وجب التقابض، فلو هرب أحدهما عصى وانفسخ العقد، ولو هرب قبل الالتزام فلا معصية، ويحتمل قويا عدم العصيان مطلقا، لان للقبض مدخلا في اللزوم فله تركه.

السابع: لو تناديا بالعقد على بعد مفرط صح العقد، ولهما الخيار على الاقوى، وإن تقاربا بالتنقل، ووجه عدم الخيار أنه لا يجمعهما مجلس عرفا.

الثامن: لو تنازعا في التفرق حلف المنكر، ولو تنازعا في الفسخ وكانا قد تفرقا قدم منكره.

ولو قال أحدهما تفرقنا قبل الفسخ وقال الآخر فسخنا قبل التفرق احتمل تقديم الاول، لاصالة بقاء العقد، وتقديم الثاني، لانه يوافقه عليه ويدعي فساده، والاصل صحته، ولان الفسخ فعله.

(٢٥٦) درس

وثانيها: خيار الشرط، وهو جائز لهما ولاحدهما ولا يتقدر بالثلاثة.

نعم

٢٦٧

يشترط ضبطه بما لا يحتمل التفاوت.

ويجوز اشتراطه لاجنبي منفردا، فلا اعتراض عليه ومعهما أو مع أحدهما، فلو خولف أمكن اعتبار فعله، وإلا لم يكن لذكره فائدة، وقال ابن حمزة(١) إن رضي الاجنبي لزم وإن لم يرض تخير المشتري، ولم يشترط كونه عن المشتري. ولو شرط الخيار لاحدهما أو في إحدى العينين بهما بطل، ويصح في جميع العقود، إلا النكاح، ولا يصح في الابراء والوقف والعتق على خلاف فيهما، ولا في الطلاق، وقطع الشيخ(٢) وابن إدريس(٣) بمنعه في الصرف ناقلين الاجماع، ومنع الفاضل(٤) الاجماع واختلف قولاه في الضمان، ولم نعلم وجه المنع، مع صحيحة ابن سنان(٥) المسلمون عند شروطهم. وجوز في المبسوط(٦) والقاضي(٧) وابن إدريس(٨) دخوله، ودخول خيار المجلس في الوكالة والعارية والوديعة والجعالة والقراض، وفي الخلاف(٩) يدخل فيها خيار الشرط ولا يدخل خيار المجلس إجماعا، والفاضل(١٠) لايرى للخيارين معنى، لانهما عقود جائزة على الاطلاق، ويدفع باحتمال إرادتهم منع التصرف مع الخيار.

ومنع في الخلاف(١١) من دخول خيار الشرط في الصلح، وهو بعيد، وجوز اشتراطه في القسمة(١٢) والكتابة(١٣) والسبق(١٤) .

____________________

(١) الوسيلة: ص ٢٣٨.

(٢) المبسوط: ج ٢ ص ٧٩.

(٣) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٤.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٣٥١.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٦ من أبواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٣.

(٦) المبسوط: ج ٢ ص ٨٢.

(٧) المهذب: ج ١ ص ٣٥٦.

(٨) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٦.

(٩) الخلاف: ج ٢ ص ٥.

(١٠) المختلف: ج ١ ص ٣٥١.

(١١) الخلاف: ج ٢ ص ٥.

(١٢) الخلاف: ج ٢ ص ٨.

(١٣) الخلاف: ج ٢ ص ٨.

(١٤) الخلاف: ج ٢ ص ٨.

٢٦٨

فروع:

لو شرطا الخيار ولم يعينا مدة ففي فساد العقد أو الحمل على الثلاثة قولان، ونقل في الخلاف(١) الاجماع على انصرافه إلى الثلاثة.

الثاني: لو شرط الاستيمار صح، ولم يحتج إلى مدة عند الشيخ(٢) ، ويشكل بالغرر.

الثالث: مبدؤه من العقد عند الفاضلين(٣) ، لانه قضية اللفظ، ولئلا يلزم الغرر، ومن التفرق عند الشيخ(٤) وابن إدريس(٥) حملا على التأسيسى، وتفاديا من اجتماع المثلين.

الرابع: يجوز اشتراط مدة متأخرة عن العقد، فيلزم بينهما.ولو شرط اللزوم وقتا والخيار وقتا متعاقبين في مدة معينة احتمل الجواز.

وهنا مسائل: يجوز اشتراط إرتجاع المبيع عند رد الثمن مع تعيين المدة، فليس للبائع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله اشتراط(٦) ، ولا يحمل الاطلاق على العين.

ولو شرطا رد العين احتمل الجواز، والنماء للمشتري كما أن التلف منه، لرواية إسحاق بن عمار(٧) .

فرع:

لو شرطا إرتجاع بعضه ببعض الثمن أو الخيار في بعضه ففي الجواز نظر، وكذا

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ٩.

(٢) الخلاف: ج ٢ ص ١٦.

(٣) شرائع الاسلام: ج ٢ ص ٢٢. وارشاد الاذهان: ج ١ ص ٣٧٤.

(٤) المبسوط: ج ٢ ص ٨٥.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٧.

(٦) هذه الكلمة غير موجودة في باقي النسخ.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٨ من أبواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٥.

٢٦٩

لو وزعا الثمن نجوما ليرد في كل نجم بقسطه أو لا بقسطه.

ولو شرط المشتري إرتجاع الثمن إذا رد المبيع جاز، ويكون الفسخ مشروطا برد المبيع، فلو فسخ قبله لغا. ولو شرط الارتجاعين واتحد الوقت صحا قطعا، وإن تغاير الوقت احتمل صحتهما فالسابق يرتجع، فإن ترك إرتجع الآخر.

الثانية: في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار، بمعنى الكشف أو النقل خلاف، مأخذه أن الناقل العقد، والغرض بالخيار الاستدراك وهو لا ينافيه، أو أن غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار، وربما قطع الشيخ(١) بملك المشتري إذا اختص بالخيار، وظاهر ابن الجنيد(٢) توقف الملك على انقضاء الخيار، فالنماء على النقل للبائع وعلى الآخرين للمشتري.

الثالثة: لو شرط الخيار فيمن ينعتق عليه فهو كما مر في خيار المجلس.

الرابعة: لصاحبه الفسخ والامضاء في حضور الآخر وغيبته بحكم الحاكم(٣) وعدمه. نعم ثبوته يتوقف على الاشهاد مع النزاع، وقال ابن الجنيد(٤) . يشترط في الخيار المختص في الفسخ والامضاء الحضور أو الحاكم أو الاشهاد، قال: وفي المشترك لا ينفذ الفسخ والامضاء إلا بحضورهما، وقال ابن حمزة(٥) : لابد في المشترك من اجتماعهما على الفسخ أو الامضاء، وفي المبسوط(٦) لا خلاف في جواز الامضاء بغير حضور الآخر.

الخامسة: التصرف في مدة الخيار إيجاب من المشتري وفسخ من البائع، ولا

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ١٠.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٥٢.

(٣) في (ق): في حكم الحاكم.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٣٥٢.

(٥) الوسيلة: ص ٢٣٨.

(٦) المبسوط: ج ٢ ص ٨٥.

٢٧٠

يحتاج البائع إلى فسخ ولا المشتري إلى إيجاب، إلا في رواية السكوني(١) وفيها إن أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب عليه، وفي صحة عقد البائع وجهان، ولو تعارضا قدم الفسخ. وليس للبائع التصرف في مدة الخيار المختص بالمشتري، وفي جواز العكس وتصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهان.

نعم يترتب عليه أثره، وفي الخلاف(٢) لا يأثم المشتري بالوطئ في زمن الخيار، ويمكن حمله على المختص به. ولو وطئ في المشترك أو المختص بالبائع لم يمنع البائع من الفسخ، فإن فسخ قال الشيخ(٣) والقاضي(٤) : يرجع بقيمة الولد، والعقر على المشتري، بناء على عدم الانتقال، وأنكراه ابن إدريس(٥) والفاضل(٦) ، وزاد أن الامة تصير مستولدة فتدفع قيمتها، ومنع الشيخ(٧) الاستيلاد إلا أن تعود إليه.

السادسة: لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع والخيار، وبعده لا يبطل الخيار وإن كان التلف من البائع، كما إذا اختص المشتري بالخيار، فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه، ولو فسخ المشتري رجع بالثمن وغرم البدل في صورة ضمانه، ولو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثر في تضمين البائع القيمة أو المثل، وفي انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٩.

(٢) الخلاف: ج ٢ ص ١١.

(٣) الخلاف: ج ٢ ص ١١.

(٤) المهذب: ج ١ ص ٣٥٨.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٢٤٨.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٣٥٢.

(٧) الخلاف: ج ٢ ص ١١.

٢٧١

السابعة:يجوز نقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار بغير كراهة، والتعرض للفسخ لا ينافيهما.

الثامنة: لا فرق في التصرف بين إتلاف العين أو نقلها عن الملك أو فعل آثار الملك، كالاستخدام والمباشرة حتى القبلة واللمس بشهوة، بل النظر إلى مايحرم لغيره، لرواية علي بن رئاب(١) ، ولو قبلت المشتري بإذنه فهو تصرف، وكذا لو رضي به.

التاسعة: استثنى بعضهم من التصرف ركوب الدابة والطحن عليها وحلبها إذ بها يعرف حالها للمختبر، وليس ببعيد، ولا إشكال في جواز اشتراطه مع بقاء الخيار.

العاشرة: لو أعتق المشتري في خياره نفد العتق في الحال، لزوال الخيار، وقال الشيخ(٢) : ينفد بعد مدة الخيار.

(٢٥٧) درس

وثالثها: خيار الحيوان، وهو وثلاثة أيام من حين العقد أو التفرق للمشتري خاصة، وقال المرتضى(٣) : لهما، والرواية صحيحة(٤) ، إلا أن الشهرة رواية(٥) وفتوى، بل الاجماع يعارضها، ويحمل ذكر البائع فيها على التزامه بما يفعله المشتري في الخيار، وربما حملت على ما إذا كان العوضان حيوانين ويسقط بما تقدم، ولا فرق بين الامة وغيرها، وقال الحلبي(٦) : الخيار في الامة مدتة الاستبراء.

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٠.

(٢) الخلاف: ج ٢ ص ١٠.

(٣) الانتصار: ص ٢٠٧.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٣ من أبواب الخيار ح ٣ ج ١٢ ص ٣٤٩.

(٥) وسائل الشيعة: باب ٣ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٤٨.

(٦) الكافي في الفقه: ص ٣٥٣.

٢٧٢

ورابعها: خيار التأخير، فمن باع من غير تقابض لكمال العوضين ولا اشتراط أجل فللبائع الخيار بعد ثلاثة في فسخ البيع.

فروع:

قيده في المبسوط(١) بشراء معين، فعلى هذا لو اشترى في الذمة لم يطرد الحكم، سواء كان سلما أم غيره.

الثاني: لو تلف المبيع بعد الثلاثة فمن البائع إجماعا، وفي الثلاثة قولان، فعند المفيد(٢) وسلار(٣) من المشتري، وعند الشيخ(٤) والاكثر أنه من البائع، وهو الاقوى، لرواية عقبة بن خالد(٥) ، وقال ابن حمزة(٦) : وهو ظاهر كلام الحلبي(٧) أنه من مال المشتري إن عرض عليه التسليم، وارتضاه الفاضل(٨) .

الثالث: لا خيار للمشتري بعد الثلاثة ولا فيها في ظاهر كلامهم، مع أنه يلوح منه جواز تأخير الثمن إذ لم يحكموا بإجباره على النقد.

الرابع: لو قبضه المشتري بغير إذن البائع لم يتغير الحكم، ولو أذن له فعند الشيخ(٩) الحكم باق، وحكم بأنه لو تلف بعد الثلاثة هنا يكون من مال البائع.

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٧٨.

(٢) المراسم: ص ١٧٦.

(٣) المقنعة: ص ٥٩٩.

(٤) النهاية: ص ٣٨٦.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١٠ من أبواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٨.

(٦) الوسيلة: ص ٢٤٨.

(٧) الكافي في الفقه: ص ٣٥٣.

(٨) المختلف: ج ١ ص ٢٥٠.

(٩) المبسوط: ج ٢ ص ٧٨.

٢٧٣

الخامس: قال الصدوق(١) في شراء الامة: إن جاء بالثمن إلى شهر، وإلا فلا بيع له، لرواية علي بن يقطين(٢) ، وهي نادرة.

السادس: ظاهر الاكثر أن البائع يملك الفسخ والمطالبة بالثمن بعد الثلاثة، وظاهر ابن الجنيد(٣) والشيخ في المبسوط(٤) بطلانه، والذي في الرواية لا بيع بعد الثلاثة، وحمل على نفي اللزوم.

السابع: لو احضر المشتري الثمن قبل الفسخ بعد الثلاثة، حكم الفاضل(٥) بعدم جواز الفسخ، لزوال سببه، ويحتمل جوازه، لوجود مقتضيه فيستصحب.

الثامن: لو شرطا الخيار أو أحدهما تغيرت الصورة عند الفاضل(٦) ، يحتمل إطرادها، فلو اشترطه المشتري فسخ البائع بعد الثلاثة، ولو شرطاه وخرج الخيار فكذلك.

التاسع: لو قبض الثمن ثم ظهر مستحقا أو بعضه فكلا قبض، ولو قبض المبيع فلا خيار، وفي بعض كلام الشيخ(٧) أن للبائع الفسخ متى تعذر الثمن، وفيه قوة.

وخامسها: خيار ما يفسده المبيت، وهو ثابت للبائع عند انقضاء النهار، ويتفرع عليه كثير مما سلف، والاقرب إطراد الحكم في كل مايتسارع إليه الفساد عند خوف ذلك، ولا يتقيد بالليل.

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه: ج ٣ ص ٢٠٣.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٩ من أبواب الخيار ح ٦ ج ١٢ ص ٣٥٧.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٥١.

(٤) المبسوط: ج ١ ص ٧٨.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٣٥١.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٣٥١.

(٧) المبسوط: ج ٢ ص ١٤٨.

٢٧٤

ويكفي في الفساد نقص الوصف وقلة الرغبة، كما في الخضروات والرطب واللحم والعنب وكثير من الفواكه. وهل ينزل خوف فوات السوق منزلة الفساد؟ فيه نظر، من لزوم الضرر بنقص السعر، ومن اقتضاء العقد اللزوم، والتفريط من البائع حيث لم يشترط النقد.

(٢٥٨) درس

وسادسها: خيار الغبن، وهو ثابت في قول الشيخ(١) وأتباعه لكل من المشتري والبائع، إذا غبن بما لا يتفاوت به الثمن غالبا وقت العقد، مع جهله بالقيمة. ولا يتقدر الغبن بغير العرف. ولو دفع الغابن التفاوت، أو بذل للمغبون من الزبون، أو تصرف فيه بما لا يخرجه عن الملك، أو بما يخرجه إذا كان المغبون البائع لم يزل الخيار، وحينئذ يلزمه قيمة الغبن لو فسخ، وليس للبائع فسخ البيع الثاني، مع احتماله كالشفيع.

وربما قال المحقق في الدرس: بعدم خيار الغبن، ويظهر من كلام ابن الجنيد(٢) ، لان البيع مبني على المكايسة والمغالبة، ولم نقف فيه على رواية سوى خبر الضرار(٣) وتلقي الركبان(٤) ، وفي الخلاف(٥) لم يستند إلى الاجماع ولا إلى أخبار الاصحاب، وأكثر القدماء لم يذكروه، والاصح ثبوته وفوريته متى علم به

____________________

(١) المبسوط: ج ٢ ص ٨٧.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٤٦.

(٣) وسائل الشيعة: باب ١٧ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٦٤.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٣٦ من أبواب الخيار ج ١٢ ص ٣٢٦.

(٥) الخلاف: ج ٢ ص ١٩.

٢٧٥

وبحكمه، ويعذر مع الجهل بأحدهما.

وسابعها: خيار الرؤية، وهو ثابت في بيع الاعيان الشخصية مع عدم المطابقة، فيتخير من وصف له، ولو وصف لهما وزاد ونقص تخير، أو تقدم الفاسخ منهما، وهو فوري على الاصح، وكذا خيار الغبن.

ولو شرطا رفعه فالظاهر بطلان العقد للغرر، وكذا خيار الغبن.

ويحتمل الفرق بينهما، لان الغرر في الغبن سهل الازالة، بخلاف الرؤية فيصح اشتراط رفع خيار الغبن، ولو شرطا رفع خيار التأخير جاز، ولو شرط البائع إبداله إن لم يظهر على الوصف فالاقرب الفساد.

وثامنها: خيار التدليس، وفوات الشرط، سواء كان من البائع أو المشتري، فيتخير عند فواته بين الفسخ والامضاء بغير أرش، إلا في اشتراط(١) البكارة فيظهر سبق الثيوبة فإن الارش مشهور، وإن كانت رواية يونس(٢) به مقطوعة.

ولو جعلنا الثيوبة عيبا كما يشعر به مهذب(٣) القاضي(٤) حيث أثبت الارش مع عدم شرط البكارة، وابن إدريس(٥) اعترف بأنه تدليس وخير بين الارش والرد، وتبعه في المختلف(٦) .

ولو لم يعلم سبق الثيوبة فلا خيار، لانها قد تذهب بالتعنيس والعلة والنزوة، نعم لو ظهر ذلك في زمان خيار الحيوان أو خيار الشرط ترتب الحكم.

ومن التدليس التصرية في الشاة والناقة والبقرة على الاصح، ونقل فيه

____________________

(١) في (م): اشتراطه.

(٢) وسائل الشيعة: باب ٦ من أبواب أحكام العقود ح ١ ج ١٢ ص ٤١٨.

(٣) في (ق): مذهب.

(٤) المهذب: ج ١ ص ٣٩٣.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٣٠٤.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٣٧٢.

٢٧٦

الشيخ(١) الاجماع، وطرد ابن الجنيد(٢) الحكم في الحيوان الآدمي وغيره، وليس بذلك البعيد للتدليس، ويثبت باعتراف البائع أو نقص حلبها في الثلاثة عن الحلب الاول، فلو تساوت الحلبات في الثلاثة أو زادت اللاحقة فلا خيار، ولو زادت بعد النقص في الثلاثة لم يزل الخيار.

وللشيخ(٣) وجه بثبوت الخيار بالتصرية وإن لم ينقص اللبن، لظاهر الخبر(٤) ، وإذا ردها رد اللبن إن كان باقيا، ومثله أو قيمته إن كان تالفا، وأرشه إن تعيب.

ولو اتخذ(٥) منه جبنا أو سمنا فالظاهر أنه كالتالف(٦) ، وإن قلنا برده فله مازاد بالعمل.

وفي استرجاع اللبن المتجدد إشكال، يبني على أن الفسخ يرفع العقد من أصله، أو من حينه، وقطع الشيخ(٧) بعدم استرجاعه، لانه حدث في ملكه وقال: يرد عوض اللبن صاع من بر أو تمر، فإن تعذر فقيمته وإن أتت على قيمة الشاة.

وتردد في وجوب قبول اللبن على البائع، وقطع ابن البراج(٨) بعدم الوجوب بل يتعين الصاع، وصوبه الفاضل(٩) مع تغيير اللبن، مع اعترافه بعدم وقوفه على

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ٤٧.

(٢) المختلف: ج ١ ص ٣٧٢.

(٣) المبسوط: ج ٢ ص ١٢٥.

(٤) وسائل الشيعة: باب ١٣ من أبواب الخيار ١٢ ص ٣٦٠.

(٥) في (م): وإن اتخذ.

(٦) في باقي النسخ: كالتلف.

(٧) المبسوط: ج ١ ص ١٢٥.

(٨) المهذب: ج ١ ص ٣٩٢.

(٩) المختلف: ج ١ ص ٣٧٢.

٢٧٧

حديث من طرقنا، (وظاهر الشيخ وجود الاخبار بذلك)(١) .

وفي التهذيب(٢) روى الحلبي فيمن اشترى شاة فأمسكها ثلاثا ثم ردها، يرد معها ثلاثة أمداد من طعام إن كان شرب لبنها، ولم يذكر المصراة، وكذا في النهاية(٣) ، وأن كره ابن إدريس(٤) إلا أن تكون مصراة.

فروع:

لو قلنا بقول ابن الجنيد(٥) في تصرية الآدمية والاتان وفقد اللبن لم يجب البر أو التمر، ولو أوجبناه في الشاة أو البقرة، لعدم النص وعدم الانتفاع به فيما ينتفع بلبن المنصوص.

الثاني: الاقرب أن جنس ماء القناة والرحى وإرساله عند رؤية المشرتي كالتصرية في ثبوت الخيار.

الثالث: لو رضي بالتصرية فوجد بها عيبا بعد الحلب فله ردها عند الشيخ(٦) مع الصاع، مع اعترافه بعدم وقوفه على حديث من طرقنا.

ولو حلبها غير مصراة ثم اطلع على العيب فله ردها عند الشيخ(٧) إن كان اللبن باقيا، وإلا فلا لتلف بعض المبيع، أما اللبن الحادث فله، ولا يمنع حلبه من الرد، ومنع الفاضل(٨) من الرد في الصورة الاخيرة لمكان التصرف، ويحتمل

____________________

(١) ما بين القوسين غير موجودة في باقي النسخ.

(٢) تهذيب الاحكام: ج ٧ ص ٢٥.

(٣) النهاية: ص ٣٩٤.

(٤) السرائر: ج ٢ ص ٣٠٠.

(٥) المختلف: ج ١ ص ٣٧٢.

(٦) المبسوط: ج ٢ ص ١٢٥.

(٧) المبسوط: ج ٢ ص ١٢٥.

(٨) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٧.

٢٧٨

المنع في الاول أيضا، لان الحلب إنما يغتفر في الرد بالتصرية.

الرابع: لو علم المشتري بالتصرية فلا خيار، ولو علم بها بعد العقد قبل الحلب تخير قاله الفاضل(١) ، مع توقفه في ثبوت الخيار قبل الثلاثة لو حلبها.

الخامس: لو تصرف بغير الحلب فلا رد، ولا يثبت بالتصرية أرش.

السادس: تقييد الخيار بالثلاثة لمكان خيار الحيوان صرح به الشيخ(٢) ، وروى(٣) العامة الثلاثة لمكان التصرية، وتظهر الفائدة لو أسقط خيار الحيوان.

السابع: هذا الخيار على الفور إذا علم به، والظاهر أمتداده بامتداد الثلاثة إن كانت ثابتة، وإلا فمن حين العلم. وتشبه التصرية في الرد مع التصرف بالوطئ ما لو ظهر حبل الامة، ويرد معها نصف عشر قيمتها، وقال الحلبي(٤) : العشر، وفصل ابن إدريس(٥) بالبكارة والثيوبة، وفي رواية جميل(٦) يرد العشر، وفي اخرى(٧) يرد شيئا، وفي اخرى(٨) يكسوها، وتأولهما الشيخ(٩) بمطابقة نصف العشر، وربما حمل على حبلها من السحق وشبهه.

ولو وطئ بعد العلم بالحبل تعين الارش، ويظهر من التهذيب(١٠) جواز

____________________

(١) تذكرة الفقهاء: ج ١ ص ٥٢٦.

(٢) الخلاف: ج ٢ ص ٤٥.

(٣) السنن الكبرى: كتاب البيوع ج ٥ ص ٣١٩.

(٤) الكافي في الفقه: ص ٣٥٨.

(٥) السرائر: ج ٢ ص ٢٩٨.

(٦) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب أحكام العيوب ح ٣ ج ١٢ ص ٤١٦.

(٧) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب أحكام العيوب ح ٥ ج ١٢ ص ٤١٦.

(٨) وسائل الشيعة: باب ٥ من أبواب أحكام العيوب ح ٦ ج ١٢ ص ٤١٧.

(٩) المبسوط: ج ٢ ص ١٢٧.

(١٠) تهذيب الاحكام: ج ٧ ص ٦٢.

٢٧٩

الرد، ويلزمه العشر عقوبة، وجعله محملا للرواية، وأكثر الاخبار مقيدة بعدم العلم، وجوز الشيخ(١) في رواية النشر السهو من الكاتب.

قلت: والصدوق(٢) ذكر رجالها وفيها نصف العشر، وقيد ابن الجنيد(٣) بكون الحمل من المولى، ويلوح من كلام النهاية(٤) . وحينئذ يتوجه لزوم الرد للحكم ببطلان البيع، ويتوجه وجوب العقر.

ولو حمل على حمل لا يلزم منه بطلان البيع لم يلزم الرد، وأشكل وجوب العقر، لانها ملكه حال الوطئ، إلا أن نقول الرد يفسخ العقد من أصله، أو يكون المهر جبرا لجانب البائع، كما في لبن الشاة المصراة وغيرها عند الشيخ(٥) ، والاخبار مطلقة في الحمل، وهو الاصح.

ولو كان العيب غير حبل ووطئ تعين الارش (إجماعا إلا من الجعفي)(٦)(٧) .

وكذا لو تصرف بغير الوطئ، وفي مقدماته نظر، من التنبيه، ومن النص(٨) على إسقاطها خيار الحيوان، ولان الوطئ مجبور بالمهر، بخلاف المقدمات.

ومن التدليس جعل الشعر الجعد سبطا، والوجه الاصفر أحمر والاسمر أبيض، فإن شرط المشتري ذلك فله الخيار، وإلا ففيه للشيخ(٩) تردد.

____________________

(١) الخلاف: ج ٢ ص ٤٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه: ج ٣ ص ١٠٧.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٣٧٣.

(٤) النهاية: ص ٣٩٣.

(٥) المبسوط: ج ٢ ص ١٢٥.

(٦) لم نعثر عليه.

(٧) ما بين القوسين غير موجودة في (ق).

(٨) وسائل الشيعة: باب ٤ من أبواب الخيار ح ١ ج ١٢ ص ٣٥٠.

(٩) المبسوط: ج ٢ ص ١٢٩.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416