الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

الدروس الشرعية في فقه الامامية14%

الدروس الشرعية في فقه الامامية مؤلف:
تصنيف: متون فقهية ورسائل عملية
الصفحات: 416

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 416 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98200 / تحميل: 5210
الحجم الحجم الحجم
الدروس الشرعية في فقه الامامية

الدروس الشرعية في فقه الامامية الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

روى ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ، حيث قال : « وقد روي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه ، واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسنعليه‌السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب ، وصاحوا : وا عمراه »(١) .

وقال الإمام عليعليه‌السلام : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها إذاً لتفرّقوا عنّي ، والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر! ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري »(٢) .

( أحمد محمّد ـ البحرين ـ ٢٢ سنة ـ طالب جامعة )

وفرقها مع صلاة جعفر الطيّار :

س : إذا كانت صلاة التراويح بدعة ، فما هو اختلافها مع صلاة جعفر الطيّار؟

ج : لاشكّ أنّ كلا الصلاتين ـ صلاة التراويح وصلاة جعفر الطيّار ـ من الصلوات المستحبّة ، بمعنى ورد من الشارع المقدّس استحباب بإتيانهما ، كما ورد من الشارع المقدّس أنّ الصلوات المستحبّة لا تصلّى إلاّ فرادى ، ولو صلّيت جماعة تكون باطلة.

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٨٣.

٢ ـ الكافي ٨ / ٥٩.

٢٠١

وعليه ، باعتبار أنّ صلاة التراويح عند أهل السنّة تصلّى جماعة لا فرادى ، فتكون باطلة وغير صحيحة.

وكما هو معلوم : أنّ صلاة التراويح ـ التي هي صلاة ألف ركعة تصلّى في ليالي شهر رمضان ـ إنّما صلّيت جماعة بعدما كانت تصلّى فرادى ، بأمر من عمر بن الخطّاب ، لا بأمر من الشارع المقدّس ، وعمر ليس له حقّ التشريع ، فصار إتيانها جماعة بدعة.

وقد اعترف عمر بنفسه بأنّها بدعة ، ولكن عبّر عن هذه البدعة بـ : « نعمت البدعة » ، بينما صلاة جعفر الطيّار ليست كذلك ، فإنّها تؤدّى فرادى لا جماعة.

٢٠٢

الصلاة عند القبور :

( إبراهيم ـ السعودية ـ )

ليست محرّمة :

س : هل تجوز الصلاة عند القبور؟ وشكراً.

ج : قد جرت السيرة المطّردة من صدر الإسلام ـ منذ عصر الصحابة الأوّلين ، والتابعين لهم بإحسان ـ على زيارة قبور ، ضمّنت في كنفها نبيّاً مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو وليّاً صالحاً ، أو عظيماً من عظماء الدين ، وفي مقدّمها قبر النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكانت الصلاة لديها ، والدعاء عندها ، والتبرّك والتوسّل بها ، والتقرّب إلى الله ، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين ، من دون أيّ نكير من آحادهم ، وأيّ غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم ، حتّى ولد ابن تيمية الحرّاني ، فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي ، فأنكر تلكم السنّة الجارية ، وخالف هاتيك السيرة المتبعة ، فإذاً دليل جواز الصلاة عند القبور سيرة المسلمين.

وأمّا حديث ابن عبّاس : لعن رسولُ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زائرات القبور ، والمتّخذين عليها المساجد والسُرُج(١) ، فالظاهر والمتبادر من اتّخاذ المسجد على القبر هو السجود

____________

١ ـ مسند أحمد ١ / ٢٢٩ ، سنن أبي داود ٢ / ٨٧ ، الجامع الكبير ١ / ٢٠١ ، سنن النسائي ٤ / ٩٥.

٢٠٣

على نفس القبر ، وهذا غير الصلاة عند القبر ، هذا لو حملنا المساجد على المعنى اللغوي.

وأمّا لو حملناها على المعنى الاصطلاحي ، فالمذموم اتّخاذ المسجد عند القبور ، لا مجرّد إيقاع الصلاة ، كما هو المتعارف بين المسلمين ، فإنّهم لا يتّخذون المساجد على المراقد ، فإنّ اتّخاذ المسجد ينافي الغرض في إعداد ما حول القبر إعانة للزوّار على الجلوس لتلاوة القرآن وذِكر الله والدعاء والاستغفار ، بل يُصَلُّون عندها ، كما يأتون بسائر العبادات هنالك.

هذا ، مع أنّ اللعن غير دالٍّ على الحرمة ، بل يجامع الكراهةَ أيضاً.

( ـ البحرين ـ )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هو ردّكم على كلام ابن تيمية حيث قال : لم يقل أحد من أئمّة السلف أنّ الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبّة ، أو فيها فضيلة ، ولا أنّ الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء ، بل اتفقوا كُلّهم على أنّ الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور (١) .

ج : إنّ ما دلّ على جواز الصلاة والدعاء في كُلّ مكان يدلّ بإطلاقه على جواز الصلاة ، والدعاء عند قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وقبور سائر الأنبياء والصالحين أيضاً ، ولا يشكّ في الجواز من له أدنى إلمام بالكتاب والسنّة ، وإنّما الكلام هو في رجحانها عند قبورهم.

فنقول في هذا المجال : إنّ إقامة الصلاة عند تلك القبور لأجل التبرّك بمن دفن فيها ، وهذه الأمكنة مشرّفة بهم ، وقد تحقّق شرف المكان بالمكين ، وليست الصلاة ـ في الحقيقة ـ إلاّ لله تعالى لا للقبر ولا لصاحبه ، كما أنّ الصلاة في

____________

١ ـ رسالة القبور ١ / ٢٨.

٢٠٤

المسجد هي لله أيضاً ، وإنّما تكتسب الفضيلة بإقامتها هنا لشرف المكان ، لا أنّها عبادة للمسجد.

فالمسلمون يصلّون عند قبور من تشرّفت بمن دفن فيها لتنالهم بركة أصحابها الذين جعلهم الله مباركين ، كما يصلّون عند المقام الذي هو حجر شرف بملامسة قدمي إبراهيم الخليلعليه‌السلام لها.

قال الله تعالى :( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (١) ، فليس لاتخاذ المصلّى عند ذلك المقام الشريف سبب إلاّ التبرّك بقيام إبراهيمعليه‌السلام عليه ، وهم يدعون الله عند القبور لشرفها بمن دفن فيها ، فيكون دعاؤهم عندها أرجى للإجابة وأقرب للاستجابة ، كالدعاء في المسجد أو الكعبة أو أحد الأمكنة ، أو الأزمنة التي شرّفها الله تعالى.

والحاصل : أنّه يكفي في جواز الصلاة الاطلاقات والعمومات الدالّة على أنّ الأرض جعلت لأُمّة محمّد مسجداً وطهوراً.

وأمّا الرجحان فللتبرّك بالمكان المدفون فيه النبيّ أو الولي ذي الجاه عند الله ، كالتبرّك بمقام إبراهيم ، أفلا يكون المكان الذي بورك بضمّه لجسد النبيّ الطاهر مباركاً ، مستحقّاً لأن تستحبّ عنده الصلاة وتندب عبادة الله فيه.

والعجب أنّ ابن القيّم جاء في كتابه زاد المعاد بما يخالف عقيدته ، وعقيدة أُستاذه ابن تيمية إذ قال : « وأنّ عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة ، والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه ، من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين ، ومتعبّدات لهم إلى يوم القيامة ، وهذه سنّته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه» (٢) .

____________

١ ـ البقرة : ١٢٥.

٢ ـ زاد المعاد ١ / ٧٥.

٢٠٥

فإذا كانت آثار إسماعيل وهاجر لأجل ما مسّها من الأذى مستحقّة لجعلهما مناسك ومتعبّدات ، فآثار أفضل المرسلين الذي قال : « ما أوذي نبيّ قطّ كما أوذيت» لا تستحقّ أن يعبد الله فيها ، وتكون عبادة الله عندها ، والتبرّك بها شركاً وكفراً؟ كيف وقد كانت عائشة ساكنة في الحجرة التي دفن فيها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقيت ساكنة فيها بعد دفنه ودفن صاحبيه ، وكانت تصلّي فيها ، وهل كان عملها هذا عبادة لصاحب القبر يا ترى؟!

( ـ ـ )

لا ينافي قول : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد :

س : هناك أحاديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تنهى عن الصلاة عند القبور ، حيث ورد عنه : « قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (١) ، فأرجو الردّ.

ج : لا يخفى عليكم أنّ تاريخ اليهود لا يتّفق مع مضامين هذا الحديث ، لأنّ سيرتهم قد قامت على قتل الأنبياء وتشريدهم وإيذائهم إلى غير ذلك من أنواع البلايا التي كانوا يصبّونها على أنبيائهم.

ويكفي في ذلك قوله تعالى :( لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) (٢) .

وقوله تعالى :( قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٣) .

وقوله تعالى :( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ ) (٤) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ١ / ١١٣ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٧.

٢ ـ آل عمران : ١٨١.

٣ ـ آل عمران : ١٨٣.

٤ ـ النساء : ١٥٥.

٢٠٦

أفتزعم أنّ أُمّة قتلت أنبياءها في مواطن مختلفة تتحوّل إلى أُمّة تشيّد المساجد على قبور أنبيائها تكريماً وتبجيلاً لهم؟ وعلى فرض صدور هذا العمل عن بعضهم ، فللحديث محتملات أُخرى غير الصلاة فيها والتبرّك بصاحب القبر ، وهي :

١ ـ اتخاذ القبور قبلة.

٢ ـ السجود على القبور تعظيماً لها ، بحيث يكون القبر مسجوداً عليه.

٣ ـ السجود لصاحب القبر بحيث يكون هو المسجود له ، فالقدر المتيقّن هو هذه الصور الثلاث لا بناء المسجد على القبور تبرّكاً بها.

والشاهد على ذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حسب بعض الروايات يصف هؤلاء بكونهم شرار الناس.

أخرج مسلم : إنّ أُمّ حبيبة وأُمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة ، فيها تصاوير لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ أُولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً ، وصوّروا فيه تلك الصور ، أُولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة »(١) ، إنّ وصفهم بشرار الخلق يميط اللثام عن حقيقة عملهم ، إذ لا يوصف الإنسان بالشرّ المطلق إلاّ إذا كان مشركاً ـ وإن كان في الظاهر من أهل الكتاب ـ قال تعالى :( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) (٢) .

وقال :( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (٣) ، وهذا يعرب عن أنّ عملهم لم يكن صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه ، أو مجرد إقامة الصلاة عند القبور ، بل كان عملاً مقروناً بالشرك بألوانه ، وهذا كما في اتخاذ القبر مسجوداً له ، أو مسجوداً عليه ، أو قبلة يصلّي عليه.

____________

١ ـ صحيح مسلم ٢ / ٦٦.

٢ ـ الأنفال : ٢٢.

٣ ـ الأنفال : ٥٥.

٢٠٧

قال القرطبي : « وروى الأئمّة عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «لا تصلّوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها » ، أي لا تتخذوها قبلة فتصلّوا عليها أو إليها ، كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدّي إلى عبادة من فيها »(١) .

إنّ الصلاة عند قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو لأجل التبرّك بمن دفن ، ولا غرو فيه وقد أمر سبحانه الحجيج باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى ، قال تعالى :( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (٢) .

إنّ الصلاة عند قبور الأنبياء كالصلاة عند مقام إبراهيمعليه‌السلام ، غير أنّ جسد النبيّ إبراهيمعليه‌السلام لامس هذا المكان مرّة أو مرّات عديدة ، ولكن مقام الأنبياء احتضن أجسادهم التي لا تبلى أبداً.

هذا وأنّ علماء الإسلام فسّروا الروايات الناهية بمثل ما قلناه ، قال البيضاوي : « لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم ، ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها ، واتخذوها أوثاناً ، لعنهم ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك.

فأمّا من اتخذ مسجداً في جوار صالح ، وقصد التبرّك بالقرب منه لا للتعظيم له ، ولا للتوجّه ونحوه ، فلا يدخل في ذلك الوعيد »(٣) .

وقال السندي شارح سنن النسائي : « ومراده بذلك أن يحذّرصلى‌الله‌عليه‌وآله أُمّته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتخاذ تلك القبور مساجد ، إمّا بالسجود إليها تعظيماً لها ، أو بجعلها قبلة يتوجّهون في الصلاة إليها »(٤) .

____________

١ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٢٨٠.

٢ ـ البقرة : ١٢٥.

٣ ـ فتح الباري ١ / ٤٣٨ ، فيض القدير ٥ / ٣٢٠.

٤ ـ حاشية السندي على النسائي ٢ / ٤١.

٢٠٨

الصوم :

( حسن ـ عمان ـ )

الإفطار في السفر واجب :

س : كيف يمكن الردّ على من يقول : أنّ الإفطار في السفر ليس واجباً بل هو اختياري ، وهو يعتمد على قوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (١) ، أرجو أن يكون الردّ مفصّلاً.

ج : اتّفقت كلمة الفقهاء من الفريقين على مشروعية الإفطار في السفر تبعاً للذكر الحكيم ، والسنّة المتواترة ، إلاّ أنَّهم اختلفوا في كونه عزيمة أو رخصة ، نظير الخلاف في كون القصر فيه جائزاً أو واجباً.

ذهبت الإمامية ـ تبعاً لأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ والظاهرية إلى كون الإفطار عزيمة ، واختاره من الصحابة : عبد الرحمن بن عوف ، وعمر وابنه عبد الله ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، ومن التابعين : سعيد بن المسيّب ، وعطاء ، وعروة بن الزبير ، وشعبة ، والزهري ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، ويونس ابن عبيد وأصحابه(٢) .

وذهب جمهور أهل السنّة ـ وفيهم فقهاء المذاهب الأربعة ـ إلى كون الإفطار رخصة ، وإن اختلفوا في أفضلية الإفطار والصوم.

____________

١ ـ البقرة : ١٨٤.

٢ ـ أُنظر : المحلّى ٦ / ٢٥٨ ، المصنّف للصنعاني ٢ / ٥٦٧.

٢٠٩

ويدلّ على كون الإفطار في السفر عزيمة : الكتاب والسنّة ثمّ إجماع الإمامية والظاهرية ، أمّا الكتاب فيدلّ عليه قوله سبحانه :( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (١) .

استثنى سبحانه صنفين : المريض والمسافر ، والفاء للتفريع ، والجملة متفرّعة على قوله :( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) وعلى قوله :( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) فنبّه بالاستثناء على أنّه لو عرض عارض ـ من مرض أو سفر ـ فهو يوجب ارتفاع حكم الصوم ، وقضاءه بعد شهر رمضان( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .

وعلى هذا المعنى فالآية بدلالتها المطابقية تفرض عليهما القضاء الذي هو يلازم عدم فرض الصيام عليهما ، وهذا يدلّ على أنّ الإفطار عزيمة ، إذ المكتوب عليهما من أوّل الأمر هو القضاء.

هذا وتظافرت السنّة المتواترة الواردة من طرق الشيعة والسنّة على أنّ الإفطار في السفر عزيمة ، ونذكر من كُلّ من الفريقين حديثين للاختصار ، وإذا أردت المزيد فعليك بكتاب البدعة للشيخ السبحاني :

١ ـ عن الزهري عن علي بن الحسينعليهما‌السلام قال : « وأمّا صوم السفر والمرض ، فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك ، فقال : يصوم ، وقال آخرون : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ، وأمّا نحن فنقول : يُفطر في الحالين جميعاً ، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء ، فإنّ الله تعالى يقول :( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) فهذا تفسير الصيام »(٢) .

٢ ـ عن زرارة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « سمّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوماً صاموا حين أفطر وقصّر : عُصاة ، وقال : هُم العصاة إلى يوم القيامة ، وإنّا لنعرف أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا »(٣) .

____________

١ ـ البقرة : ١٨٤.

٢ ـ وسائل الشيعة ١٠ / ١٧٤.

٣ ـ الكافي ٤ / ١٢٨ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٣٥ و ٢ / ١٤١ ، تهذيب الأحكام ٤ / ٢١٧.

٢١٠

وأمّا ما رواه أهل السنّة في مجال الإفطار :

١ ـ عن جابر بن عبد الله : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان ، فصام حتّى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ثمّ شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال : «أُولئك العصاة ، أُولئك العصاة »(١) .

وهذا الحديث صريح في أنّ الصوم في السفر معصية لا يجوز.

٢ ـ عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر »(٢) .

هذا وإن استدلّ القائلون بكون الإفطار في السفر رخصة لا عزيمة بقوله تعالى :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فالآية راجعة إلى المسافر ، فهو يدلّ مضافاً إلى جواز الصيام في السفر ، يدلّ على أفضليته فيه ، وينتج أنّ الإفطار رخصة والصيام أفضل.

ولكن يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاستدلال إنّما يتمّ لو لم نقل بأنّ الآية الثانية( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) (٣) ناسخة للآية المتقدّمة برمّتها ، ومنها قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ، وإلاّ فعلى القول بالنسخ ـ كما رواه البخاري ـ يسقط الاستدلال ، وإليك ما روى : قال : باب( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) (٤) قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع : نسختها( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٥) .

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٤١ ، مسند أبي يعلى ٣ / ٤٠٠ ، صحيح ابن خزيمة ٣ / ٢٥٥ ، صحيح ابن حبّان ٦ / ٤٢٣.

٢ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٥٣٢ ، الجامع الصغير ٢ / ٩١ ، كنز العمّال ٨ / ٥٠٣ ، الدرّ المنثور ١ / ١٩١.

٣ ـ البقرة : ١٨٥.

٤ ـ البقرة : ١٨٤.

٥ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٣٨.

٢١١

وثانياً : إنّ الاستدلال مبنيّ على أن لا يكون قوله سبحانه :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ناسخاً لقوله :( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ له ) كما رواه البخاري عن ابن أبي ليلى ، أنّه حدّثه أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : نزل رمضان فشقّ عليهم ، فكان من أطعم كُلّ يوم مسكيناً ترك الصوم ممّن يطيقه ورخّص لهم في ذلك ، فنسختها :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فأمروا بالصوم(١) .

إذ على هذا التفسير لا صلة بالمنسوخ والناسخ بالمسافر ، بل كلاهما ناظران إلى الحاضر ، فقد كان من يطيقه تاركاً للصوم مقدّماً للفدية ، فنزل الوحي وأمرهم بالصوم ، فأيّ صلة له بالموضوع.

وثالثاً : مع غضّ النظر عمّا سبق من الأمرين ، وتسليم أنّ الآية ليس فيها نسخ ـ كما هو الحقّ ـ نقول : إنّ قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) حضّ على الصيام ودعوة إلى تلك العبادة ، من غير نظر إلى المريض والمسافر والمطيق ، وإنّما هو خروج عن الآية بإعطاء بيان حكم كُلّي ، وهو أنّ الصيام خير للمؤمنين ، وليس عليهم أن يتخلّوا عنه لأجل تعبه ، ولأجل ذلك يقول :( إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .

قال العلاّمة الطباطبائي : « قوله تعالى :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) جملة متمّمة لسابقتها ، والمعنى بحسب التقدير : تطوّعوا بالصوم المكتوب عليكم ، فإنّ التطوّع بالخير خير ، والصوم خير لكم ، فالتطوّع به خير على خير.

وربما يقال : إنّ قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض والكتابة ، فإنّ ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك ، فيناسب الاستحباب دون الوجوب ، ويحمل على رجحان الصوم واستحبابه على أصحاب الرخصة من المريض والمسافر ، فيستحبّ عليهم اختيار الصوم على الإفطار والقضاء.

____________

١ ـ المصدر السابق ٢ / ٢٣٩.

٢١٢

ويرد عليه : عدم الدليل عليه أوّلاً ، واختلاف الجملتين ، أعني قوله :( فَمَن كَانَ مِنكُم ) ، وقوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بالغيبة والخطاب ثانياً ، وأنّ الجملة الأُولى ليست مسوقة لبيان الترخيص والتخيير ، بل ظاهر قوله :( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) تعيّن الصوم في أيّام أُخر كما مرّ ثالثاً.

وأنّ الجملة الأُولى على تقدير ورودها لبيان الترخيص في حقّ المعذور لم يذكر الصوم والإفطار حتّى يكون قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بياناً لأحد طرفي التخيير ، بل إنّما ذكرت صوم شهر رمضان ، وصوم عدّة من أيّام أُخر ، وحينئذ لا سبيل إلى استفادة ترجيح صوم شهر رمضان على صوم غيره ، من مجرد قوله :( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) من غير قرينة ظاهرة رابعاً.

وأنّ المقام ليس مقام بيان الحكم حتّى ينافي ظهور الرجحان كون الحكم وجوبياً ، بل المقام ـ كما مرّ سابقاً ـ مقام بيان ملاك التشريع ، وإنّ الحكم المشرّع لا يخلو عن المصلحة والخير والحسن ، كما في قوله تعالى :( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (١) ، وقوله تعالى :( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (٢) ، وقوله تعالى :( تُؤْمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٣) ، والآيات من ذلك كثيرة »(٤) .

( محمّد ـ ـ ٢٤ سنة )

انغماس الرأس بالماء مبطل له :

س : المعروف أنّ من مبطلات الصوم هي : الأكل والشرب والجماع لا انغماس الرأس في الماء ، مع أنّي شاهدت أنّكم توجبون بالإضافة إلى بطلان الصوم القضاء والكفّارة.

____________

١ ـ البقرة : ٥٤.

٢ ـ الجمعة : ٩.

٣ ـ الصف : ١١.

٤ ـ الميزان في تفسير القرآن ٢ / ١٤.

٢١٣

ج : من الأُمور الفقهية التي نختلف فيها مع أهل السنّة هي هذه المسألة ، حيث يرى أهل السنّة عدم بطلان الصوم بانغماس الرأس بالماء ، بينما يرى أكثر علماء الشيعة بأنّ انغماس الرأس بالماء موجب لبطلانه ، وإنّ كان عند عمد فيجب فيه بالإضافة إلى القضاء الكفّارة.

والدليل عليه روايات وردت عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، فعن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء »(١) .

وعن الإمام عليعليه‌السلام قال : « وأمّا حدود الصوم فأربعة حدود : أوّلها : اجتناب الأكل والشرب ، والثاني : اجتناب النكاح ، والثالث : اجتناب القيء متعمّداً ، والرابع : الاغتماس في الماء وما يتّصل بها »(٢) .

( عبد الله ـ السعودية ـ )

أكل ما لا يعتاد أكله يفسده :

س : هل صحيح أنّ أكل جلد الحيوان أو أوراق الأشجار لا يفسد الصوم؟

ج : هذه شبهة طرحها الدهلوي في كتابه « التحفة الاثني عشرية »(٣) ، كباقي الشبهة التي يطرحها ضدّ مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ولكن لو رجعنا إلى الرسائل العملية لمراجعنا العظام وكتبهم الفقهية نجد الحكم خلاف ذلك.

فقد أوردوا من المفطّرات للصوم الأكل والشرب المعتاد وغيره ، وهو حكم إجماعي للكتاب والسنّة.

____________

١ ـ وسائل الشيعة ١٠ / ٣١.

٢ ـ المصدر السابق ١٠ / ٣٢.

٣ ـ مختصر التحفة الاثنى عشرية : ٢١٩.

٢١٤

صوم يوم عاشوراء :

( أبو نصر الله ـ ـ )

صومه في مصادر أهل السنّة :

س : أُريد أن أعرف الأحاديث عن صيام عاشوراء؟ وأنا أعلم بحرمته ، وإنّما أُريد الأحاديث المعتبرة عند أهل السنّة لإيضاح الصورة لهم.

الله يوفّقكم لخدمة مذهب آل محمّد الأطهارعليهم‌السلام .

ج : قال علقمة : دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم(١) .

وإن الأحاديث الواردة في صوم يوم عاشوراء في الصحاح والمسانيد عند أهل السنّة في غاية الاضطراب والتناقض ، ممّا يقوّي الظنّ بأنّ كُلّ هذه الأحاديث مختلقة من قبل أُجراء بني أُمية :

ففي بعضها : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء ، فصامه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ، ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً(٢) .

____________

١ ـ صحيح البخاري ٥ / ١٥٥ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٩.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٢٦ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٧ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٢٩٥.

٢١٥

وفي بعضها : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن ملتفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيته من اليهود بموسى(١) .

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وتشاهد في رواية مسلم وأبي داود أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عندما صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فما علم بهصلى‌الله‌عليه‌وآله عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله توفّي قبل حلول العام المقبل(٢) .

فلا يعقل أن يغفل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طيلة تسعة أعوام عن تعظيم أهل الكتاب لليوم المذكور ، فإنّ الأحاديث الأُخرى تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله صام يوم عاشوراء من أوائل دخول المدينة.

وكذلك تجد التناقض بين حديث مسلم وأبي داود هذا ، وبين حديث مسلم وأبي داود الآخر عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يصومه؟ قال : نعم(٣) .

فالمتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة ، يفهم أنّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُمية ، ويزيد في وضوح كذبها أنّه لا أثر لهذا الصوم فيما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه!!.

( أُمّ حسين ـ إمارات ـ )

صيامه من مبتدعات الأُمويين :

س : أودّ أن أكتب رسالة إلى إحدى الأخوات حيث أرسلت مجلّة إسلامية ، وذكرت مواضيع تمسّ بالعقيدة الشيعية ، وأُريد أن أردّ عليها بالتي هي

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ١٢٩ ، مجمع الزوائد ٣ / ١٨٤ ، فتح الباري ٤ / ٢١٥ ، المعجم الكبير ١٢ / ٤٠.

٢ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٥١ ، سنن أبي داود ١ / ٥٤٦.

٣ ـ نفس المصدرين السابقين.

٢١٦

أحسن ، مع بيان المواضيع التي ذكرتها بأسلوب مقنع ، وأتمنّى من سماحتكم أن تفيدوني في ذلك.

بالنسبة للمواضيع التي أشارت إليها هي ثواب صيام عاشوراء ، وأنّه من أفضل الصوم بعد صيام شهر رمضان ، وذكرت مواضيع أُخرى تحت عنوان بدعة مثل : الطواف بالأضرحة ، بناء المساجد والقباب على القبور ورفعها ، إقامة الموالد للأنبياء والصالحين ، التوسّل بالنبيّ والصالحين ، التمسّح بقبر النبيّ.

ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : ما ذكرتيه من مطالب ، فنجيب عليها باختصار :

١ ـ أمّا صوم يوم عاشوراء ، فإنّ أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام نهوا عنه نهياً شديداً ، ولمّا سئل الإمام الرضاعليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء قال : «عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه‌السلام ، وهو يوم يتشأم به آل محمّد »(١) .

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام في حديث آخر عن صوم يوم عاشوراء : « كلاّ وربّ البيت الحرام ، ما هو يوم صوم ، وما هو إلاّ يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام »(٢) .

فصيام يوم عاشوراء من مبتدعات الأُمويين ، أدخلوه في السنّة ووضعوا عليه أحاديث باطلة ، وفي مقام الاحتجاج يمكن أن يحتجّ عليهم بما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن علقمة ، حيث قال : « دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم »(٣) .

____________

١ ـ الكافي ٤ / ١٤٦ ، الاستبصار ٢ / ١٣٥.

٢ ـ الكافي ٤ / ١٤٧.

٣ ـ صحيح البخاري ٥ / ١٥٥ ، صحيح مسلم ٣ / ١٤٩.

٢١٧

٢ ـ البدعة ، وهي إدخال شيء ليس من الدين في الدين ، فعلينا أوّلاً أن نعرف ما هو الدين؟ ومن أين يُؤخذ؟ ثمّ نبحث عن الأُمور التي ليست من الدين ودخلت في الدين ، حيث روى جميع المسلمين متواتراً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، فالدين ما كان في الكتاب وما روته العترة.

ولو قيل : بأنّ الحديث روي أيضاً بلفظ « كتاب الله وسنّتي » ، فالجواب : أنّه ضعيف ، هذا أوّلاً ، وثانياً أنّه حتّى لو قلنا بصحّته ، فإنّ معنى السنّة يعود إلى العترة وهذا هو معنى الجمع بين الحديثين ، حيث حديث العترة يفسّر حديث السنّة.

فهنا نسأل ونقول أوّلاً : من قال بأنّ هذه الأُمور ليست من السنّة حتّى تكون بدعة؟ ومن له أدنى معرفة بالأدلّة يعلم أنّ الكثير من المسائل التي لم ترد بخصوصها سنّة تشملها العمومات ، وإذا شملتها العمومات فستكون سنّة ، ولا تسمّى بدعة.

هذا ، وما ورد من ذكر هذه الأُمور ، فإنّه متّفق على العمل به بين جميع المذاهب الإسلامية ، ولهم عليها أدلّتهم ، والمخالف في هذه الأُمور هم الوهّابيون ـ أتباع محمّد بن عبد الوهاب وابن تيمية ـ الذين خالفوا جميع المذاهب الإسلامية ، بل وحتّى كفّروا أتباع المذاهب الإسلامية.

ولو أردنا أن ندخل في تفاصيل كُلّ موضوع وذكر الأدلّة عليه لطال بنا المقام ، ونكتفي بالإشارة إلى أنّها مسائل قبلتها المذاهب الإسلامية ، وخالفت فيه الوهّابية العمياء.

( عبد الله ـ الكويت ـ ٢٨ سنة ـ خرّيج ثانوية )

تعقيب على الجواب السابق :

تحية طيّبة وبعد.

المعروف أنّ بني أُمية بعد اغتصابهم للخلافة وجعلها ملكاً عضوضاً ، قاموا بوضع أحاديث تسيء لأهل البيتعليهم‌السلام ، وتنال من شخصيّتهم ، وتزوير

٢١٨

مناسباتهم ، وما جاء في صيام عاشوراء هو أمر مستهجن لمن أنصف وتأمّل وفكّر.

وأذكر بعض الأحاديث التي تمسّك بها أهل السنّة على وجوب صيام العاشر من المحرّم.

عن عائشة : إنّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ، ثمّ أمر رسول الله بصيامه حتّى فرض رمضان ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شاء فليصمه ، ومن شاء أفطر » (١) .

وعن الربيع : أرسل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : « مَن أصبح مفطراً فليتمّ بقية يومه ، ومن أصبح صائماً فليصم » (٢) .

وعن ابن عباس : قدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : « ما هذا »؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى ، قال : « فأنا أحقّ بموسى منكم » ، فصامه وأمر بصيامه (٣) .

وعن أبي موسى : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فصوموه أنتم » (٤) .

وعن ابن عباس : ما رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره ، إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني شهر رمضان (٥) .

أقول : المستفاد من رواية عائشة : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء فصامه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً ، ولكن المستفاد من خبر ابن عباس ،

____________

١ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٢٦ ، السنن الكبرى للنسائي ٦ / ٢٩٥.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٤٢ ، صحيح مسلم ٣ / ١٥٢.

٣ ـ صحيح البخاري ٢ / ٢٥١.

٤ ـ نفس المصدر السابق.

٥ ـ نفس المصدر السابق.

٢١٩

وأبي موسى : أنّ النبيّ لم يكن متلفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيّته من اليهود بموسىعليه‌السلام .

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وهذا مع الأسف حينما يؤخذ على علاّته يثير الاستغراب والعجب ، وهل أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يأخذ دينه من اليهود؟ وهل أنّ النبيّ هو المشرّع؟ أم الله المشرّع؟ هذا فضلاً عن أنّ اليهود لا يصومون يوم عاشوراء ، ولم يسبق لهم أن صاموه.

وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن عبد الله بن عباس ، وإليك نصّه : « حين صام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول الله إنّه يوم تعظّمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع » قال : فلم يأت العام المقبل حتّى توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١) .

فترى الحديث يقول : أنّ النبيّ لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فلمّا علم به عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّه توفّي قبل حلول العام المقبل ، وفي هذا الحديث أُمور أُخر ، منها : أنّ أمره بصوم يوم عاشوراء كان باقياً إلى قبل سنة من موته لا أنّه نسخه وجوب صوم رمضان.

وأنّ النبيّ لم يصم اليوم التاسع أصلاً ، لكن هنا حديثاً آخر يقول : أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصوم اليوم التاسع! وإليك نصّه : « عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصومه؟ قال : نعم » (٢) .

وأقول : أيعقل أن يقلّد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اليهود ، ويصوم عاشوراء ويأمر أصحابه بصيامه ، وهو اليوم الذي صامه اليهود حسب الادعاء ، بينما ينهانا عن اتباع سنن أهل الكتاب!

____________

١ ـ صحيح مسلم ٣ / ١٥١.

٢ ـ نفس المصدر السابق.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

فروع:

الولي لاثنين لو باع نصيبا لاحدهما في شركة الآخر فله الاخذ للآخر، ولو باع الولي نصيب المشترك بينه وبين المولى عليه فله الاخذ له، ولو باع نصيب المولى عليه فله الاخذ لنفسه، وفي المختلف(١) نفي أخذ الولي لنفسه الشفعة، وكذا الوكيل، لرضاهما بالبيع، ويضعف بأنه تمهيد طريق الشفعة.

ومنع الشيخ(٢) من أخذ الوصي الشفعة، لكونه متهما بتقليل الثمن ليأخذه لنفسه، ويضعف بأنه نسبة إلى الخيانة والاصل الامانة.

قال(٣) : وليس للوصي الشراء لنفسه، وفيه منع، وجوز ذلك كله في الاب والجد، لان شفقتهما كاملة.

ومنع الشيخ(٤) أيضا من أخذ الوكيل، لاتهامه في تقليل الثمن، ولانه لا يجوز شراؤه من نفسه.

الثاني: لاشفعة للحمل، لانه لايملك ابتداء في غير الارث والوصية، ولو انفصل حيا فهل لوليه الاخذ أو له بعد كماله؟ نظر.

الثالث: المغمى عليه كالغائب وإن تطاول الاغماء، ولا ولاية عليه لاحد، فلو أخذ له آخذ لغا الاخذ، وإن أفاق وأجاز ملك من حين الاجازة لا قبلها فالنماء للمشتري قبلها.

الرابع: لو باع المكاتب شقصا على المولى ببعض مال الكتابة تثبت الشفعة لشريكه، وإن كان مشروطا وفسخت كتابته فالاولى بقاء الشفعة اعتبارا بحال البيع، ووجه زوالها خروجه عن كونه مبيعا.

الخامس: لو اشتمل البيع على خيار للبائع أو لهما قال الشيخ(٥) : لاشفعة،

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٤٠٩.

(٢) و(٣) و(٤) المبسوط: ج ٣ ص ١٥٨.

(٥) المبسوط: ج ٣ ص ١٢٣.

٣٦١

بناء على عدم انتقال المبيع، وهو قول ابن الجنيد(١) ، وقال ابن إدريس(٢) : تثبت، بناء على الانتقال فظاهره بطلان خيار البائع بالاخذ، وقال الفاضل(٣) : أخذه مراعى، فإن فسخ البائع بطل الاخذ، وإلا صح، ولا أعلم به قائلا، قال الشيخ(٤) : وإن اختص به المشتري ثبتت الشفعة.

وله المطالبة بها قبل انقضاء الخيار، ويلزم(٥) على قول الفاضل أن تكون المطالبة مراعاة.

ويمكن القول بأن الاخذ يبطل خيار المشتري، كما لو أراد الرد بالعيب فأخذ الشفيع، ولان الغرض الثمن وقد حصل من الشفيع، إلا أن يجاب بأن المشتري يريد دفع الدرك عنه.

فرع:

لو كان الخيار للمشتري فباع الشفيع نصيبه فالشفعة للمشتري الاول.

وفي بقاء شفعة البائع لو باع قبل العلم وجهان، يأتيان إن شاء الله تعالى.

ولو كان الخيار للبائع أو لهما فالشفعة للبائع الاول عند الشيخ(٦) وابن الجنيد(٧) ، لان المبيع لم ينتقل عنه، ومن قال بالانتقال فالشفعة للمشتري الاول.

السادس: إنما يأخذ المشتري بالثمن الذي وقع عليه العقد، ولا يلزمه الدلالة، ولا اجرة الناقد والوزان، ولا مايزيده المشتري للبائع وإن كان في مدة

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٤٠٥.

(٢) السرائر: ج ٢ ص ٣٨٦.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٤٠٥.

(٤) و(٦) المبسوط: ج ٣ ص ١٢٣.

(٥) في (م): ويلزمه.

(٧) الخلاف: ج ٢ ص ١٨٨.

٣٦٢

الخيار، ولا ماينقصه البائع عن المشتري، وقال الشيخ(١) : يلحق الزيادة والنقيصة بالعقد في الخيار، بناء على مذهبه في الانتقال.

السابع: لو باع شقصا في المرض وحابى من وارث أو غيره، فإن خرج من الثلث قدر المحاباة أخذ الشفيع بذلك الثمن، وكذا لو أجاز الوارث، ولو زاد ولم يجز أخذ ما استقر عليه العقد بحصته من الثمن، ولو أراد المشتري الفسخ لتبعيض الصفقة فللشفيع منعه.

الثامن: لو أخبر المشتري بقدر المبيع أو الثمن أو جنسه، وحلوله أو تأجيله، أو أنه اشترى لنفسه أو لغيره أو بشركة غيره فترك الشفيع ثم تبين خلاف الخبر فله الاخذ، إلا أن يكون في الاخبار بثمن من جنس فيظهر الثمن أكثر، فإنه إذا لم يرغب بالاقل فبالاكثر أولى، وكذا لو تبين أن المبيع أكثر مع اتحاد الثمن.

(٢٧١) درس

حق طلب الشفعة على الفور عند الشيخ(٢) وأتباعه، فمتى علم وأهمل مع القدرة بطلت، ونقل فيه الاجماع، وقال ابن بابويه(٣) وابن الجنيد(٤) والمرتضى(٥) - ناقلا للاجماع - وابن إدريس(٦) : لايبطل بالتراخي. ولم نظفر بنص قاطع من الجانبين، ولكن في رواية علي بن مهزيار(٧) دلالة ما على الفور، مع اعتضادها بنفي الضرار عن المشتري، لانه إن تصرف كان

____________________

(١) و(٢) المبسوط: ج ٣ ص ١٠٨.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٤٠٥.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٤٠٥.

(٥) الانتصار: ص ٢١٩.

(٦) السرائر: ج ٢ ص ٣٨٨.

(٧) وسائل الشيعة: باب ١٠ من أبواب الشفعة ح ١ ج ١٧ ص ٣٢٤.

٣٦٣

معرضا للنقص، وإن أهمل انتفت فائدة الملك، قال المرتضى(١) : يزول الضرر بعرضه على الشفيع وبذله له فأما أن يتسلم أو يترك الشفعة، وفي هذا إلمام بالفور، لان له عرضه في الحال فإذا ترك بطلت، والوجه الاول، لما اشتهر من قوله صلى الله عليه وآله(٢) : الشفعة كحل عقال، أي إن لم يبتدر فأت كالبعير يحال عقاله. ولا يمنع الفورية كون الثمن مؤجلا فيأخذ به في الحال ويؤديه عند الاجل.

ثم إن لم يكن مليا الزم ضامنا للمال، وقال الشيخ(٣) في أحد قوليه - وهو خيرة ابن الجنيد -(٤) : بل يأخذ الثمن(٥) حالا أو يؤخر الآخذ إلى الاجل، ويكون هذا عذرا، فلا تبطل شفعته بسكوته عن الطلب، إذ لا فائدة فيه، ولا بترك الاشهاد. ولو مات المشتري حل ما عليه دون الشفيع، ولو مات الشفيع لم يحل. ولو قلنا بالقول الاول بطلت بإهمال الطلب وحل بموت المشتري والشفيع، إلا أنه لو مات المشتري لم يحل ما على الشفيع.

ولو زرع المشتري الارض لغيبة الشفيع أو اشتراها مزروعة، قال الشيخ(٦) : للشفيع التأخير إلى الحصاد، لئلا يبذل ثمنا ينفعه بإزاء ما لا ينفعه، وقيل: بل يأخذ في الحال أو يترك محافظة على الفور، والتأخير في المسألتين قوي.

ومن العذر التأخير إلى الصبح، أوالطهارة والصلاة، والاكل والشرب،

____________________

(١) الانتصار: ص ٢٢٠.

(٢) سنن البيهقي: ج ٦ ص ١٠٨.

(٣) المبسوط: ج ٣ ص ١١٢، والخلاف: ج ٢ ص ١٨٣.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) في (م): يأخذ الثمن.

(٦) المبسوط: ج ٣ ص ١٥٩.

٣٦٤

والخروج من الحمام، وإغلاق الباب، وله الاذان والاقامة، وشهادة الجماعة والمشي مناديا، ولو كان المشتري عنده، ولم يمنعه اشتغاله عن مطالبته وترك بطلت.

ولو أخبره مخبر لا يعمل بقوله فهو عذر، بخلاف المعصوم والعدلين أو مع القرينة بالعدل، بل لو صدق الصبي والمرأة والفاسق لقرينة أو لا لها ولم يطالب بطلت. والاقرب أن النسيان وجهالة الشفعة وجهالة الفورية إعذار فيمن يمكن ذلك في حقه، وإذا حضر بدأ بالسلام والدعاء المعتاد به. وله السؤال عن كمية الثمن والشقص. ولو قال اشتريت رخيصا أو غاليا وأنا مطالب بالشفعة بطلت، لانه فضول. وعدم العلم بالبيع عذر قطعا، فلو نازعه المشتري حلف الشفيع.

وليحرر الدعوى بتعيين الشقص وحدوده وقدر الثمن، فلو أنكر المشتري ملكية الشفيع فالاولى القضاء للشفيع باليد، لانها دلالة الملك ومسلطة على البيع والتصرف، وللفاضل(١) قول بإلزامه بالبينة على الملك، لان اليد المعلومة لا تزال بالمحتمل، قلنا: معارض بمثله.

ولو قال المدعى عليه بالشفعة لم اشتره وإنما ورثته أو اتهبته حلف، إلا أن يقيم الشفيع بينة بالابتياع، ويكفيه اليمين على نفي استحقاق الشفعة وإن أجاب بعدم الشراء.

ولو أقامها فأقام الشريك بينة بالارث، حكم الشيخ(٢) بالقرعة، ويمكن تقديم الابتياع إن شهدا بتملك البائع أو ثبوت يده، لانه قد يخفى على بينة الارث.

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٤٠٦.

(٢) المبسوط: ج ٣ ص ١٢٩.

٣٦٥

ولو ادعى الشريك الايداع منه وقامت بينة الشفيع بالابتياع، فإن كانتا مطلقتين، أو بينة الابتياع متأخرة التاريخ، أو مقيدة بأن البائع باع ماهو ملكه ولم يقيد بينة الايداع، قدمت بينة الشفيع.

ولو تأخرت بينة الايداع، وشهدت بأن المودع أودع ملكه وأطلقت بينة الابتياع قدمت بينة الايداع، لتفردها بالملك، فإن حضر المودع وكذب المتشبث ثبتت الشفعة، وإلا بطلت، ولو اتحد التأريخان وقيدنا بالملك فالوجه القرعة.

ولو قال المطالب بالشفعة اشتريته لزيد وصدقه زيد فالشفعة عليه، وإن كذبه حكم بالشراء للمقر وأخذه الشفيع. ولو قال زيد هو لي لم اشتره خاصمه الشفيع، ولو كان زيد غائبا فالاقرب أخذ الشفيع والغائب على حجته. ولو قال اشتريته لمن لي عليه ولاية فالظاهر ثبوت الشفعة، لان من ملك الشراء ملك الاقرار، وهو منقوض بالوكيل، فالاولى الاعتماد على أصالة صحة أخبار المسلم، ولانه يقبل إقراره بدين على المولى عليه، كما نص عليه في قوله تعالى(١) : (فليملل وليه بالعدل).

نعم لو قال أو لا هو للطفل ثم قال اشتريته له أمكن هنا عدم الشفعة، لثبوت الملك بالاول فلا يقبل الآن ما يعارضه.

ولو كان شقص بيد حاضر فادعى شراء‌ه من مالكه وصدقه الشريك ففي أخذه نظر، من أنه إقرار من ذي اليد، وأنه إقرار على الغير، وكذا لو باع ذو اليد مدعيا للوكالة وصدقه الشفيع.

وحيث قلنا: بجواز الآخذ فالغائب على حجته فإذا حضر وأنكر حلف وانتزعه واجرته ممن شاء منهما، ولا يرجع الشفيع على الوكيل ولو رجع عليه،

____________________

(١) البقرة: ٢٨٢.

٣٦٦

بخلاف ما لو رجع على الوكيل. والفرق استقرار التلف في يد الشفيع. ولو أخذ الشفيع اعتمادا على دعوى الوكيل رجع عليه، لانه غره. والوجه في الاولى عدم رجوع أحدهما على الآخر، لاعتراف المرجوع عليه بظلم الراجع.

(٢٧٢) درس

لو عفى الشريك عن شفعته بطلت، وكذا لو صالح على(١) تركها على مال. ويبطل أيضا بجهالة الثمن بأن يشتريه الوكيل ويتعذر علمه به، أو قال المشتري أنسيته وحلف. ويتلف الثمن المعين قبل قبضه على قول الشيخ(٢) ، وقوى بعضهم بقاء‌ها، وفصل بكون التلف قبل أخذ الشفيع أو بعده فيبطل في الاول دون الثاني، أو ظهور استحقاقه ولم يجز مالكه، بخلاف الثمن غير المعين، وبخلاف مالو دفع الشفيع الثمن فظهر متسحقا فإنها لا تبطل به، إلا مع علمه باستحقاقه إذا جعلناها فورية.

ولو أقر المتبائعان باستحقاق الثمن وأنكر الشفيع فله الاخذ، وعليه اليمين إن ادعيا علمه.

ولو كان الثمن قيميا كالعبد والجوهر ففي استحقاق الشفعة قولان مشهوران، وقال ابن الجيند(٣) : يكلف الشفيع رد العين التي وقع عليها العقد إن شاء، وإلا فلا شفعة له، ورواية هارون بن حمزة(٤) فيها إلمام به، ورواية ابن رئاب(٥)

____________________

(١) في باقي النسخ: وكذا لو صولح عن.

(٢) المبسوط: ج ٣ ص ١٥٣.

(٣) المختلف: ج ١ ص ٤٠٤.

(٤) وسائل الشيعة: باب ٢ من أبواب الشفعة ح ١ ج ١٧ ص ٣١٦.

(٥) وسائل الشيعة: باب ١ من أبواب الشفعة ح ١١ ج ١٧ ص ٣٢٤.

٣٦٧

فيها المام بالبطلان حتى يكون الثمن مثليا، وهو خيرة المختلف(١) .

والاقرب إنه يؤخذ بقيمته يوم العقد، عملا بالعموم السالم عن معارض صريح، فلو وجد البائع به عيبا فرده، فإن كان بعد أخذ الشفيع رجع بقيمة الشقص على المشتري زادت عن الثمن أو لا، والاقرب إنه ليس للمشتري الرجوع بالزيادة على الشفيع، لانه أمر حدث بعد استقرار الملك بالمثن المعين.

وإن كان رده قبل أخذ الشفيع فقد تعارض حق الشفيع بالسبق وحق البائع بعود الملك إلى أصله، وبإدخال الضرر عليه في فوات الشقص، والشفعة وضعت لازالة الضرر فلا تكون سببا في الضرر، وربما قيل: حق البائع أسبق لاستناده إلى العيب المقارن للعقد، والشفعة ثبتت بعده فيكون أولى من الشفيع، وعندي فيه نظر.

ولو أخذ البائع أرش الثمن رجع به المشتري على الشفيع إن كان أخذه بقيمة الثمن معيبا، وإلا فلا، ولو ترك البائع الرد والارش فلا رجوع للشفيع بشئ، لانه كإسقاط بعض الثمن.

ولو عاد الشقص إلى ملك المشتري بعد أخذ الشفيع لم يكن له رده على البائع، ولا للبائع أخذه قهرا.

ومن مبطلاتها بيع الشفيع نصيبه بعد علمه ببيع شريكه، ولو كان قبل علمه لم يبطل عند الشيخ(٢) اعتبارا بسبق الاستحقاق، وإبطلها الفاضلان(٣) ، لزوال سبب الاستحقاق، ولان الشفعة لازالة الضرر ولا ضرر هنا، بل بالاخذ يحصل الضرر على المشتري لا في مقابلة دفع الضرر عن الشفيع.

ومنها أن ينزل عن الشفعة قبل العقد، أو يأذن للبائع في البيع، أو يشهد

____________________

(١) المختلف: ج ١ ص ٤٠٤.

(٢) المبسوط: ج ٣ ص ١٤٢.

(٣) مختلف الشيعة: ج ١ ص ٤٠٩، وشرائع الاسلام: ج ٣ ص ٢٦٣.

٣٦٨

على البيع عند الشيخ(١) أو يبارك للمشتري فيه قاله في النهاية(٢) ، خلافا للمبسوط(٣) ، لان الدعاء له بالبركة يرجع إلى نفسه.

وقال الشيخان(٤) : لو عرض البائع الشقصعلى الشريك بثمن معلوم فأبى، ثم باعه به أو بأزيد فلا شفعة له، لايذانه بنفي الضرار عنه، ورواية جابر عن النبي صلى الله عليه وآله(٥) لايحل له أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه، تؤذن بذلك، وخالف ابن الجنيد(٦) وابن إدريس(٧) ، لانه يزول عما لم يجب، وتوقف في المختلف(٨) . ولو ضمن العهدة للبائع أو المشتري أمكن بقاء حقه، لانه تقرير للسبب، ولانه ليس أبلغ من النزول قبل العقد والوكالة لاحدهما. وتجوز الحيلة على إسقاطها بإيقاع الهبة مع التعويض وبزيادة الثمن، ويبرئه من الاكثر أو يعتاض عنه بالاقل أو يبيعه المشتري سلعة بأضعاف ثمنها، ثم يشتري الشقص بذلك الثمن.

فروع:

لو قال للمشتري بعني الشقص أو هبني أو قاسمني فهو رضا مبطل للشفعة، بخلاف صالحني على إسقاطها فإنه لا يبطلها، فإن صالحه وإلا فله المطالبة.

____________________

(١) النهاية: ص ٤٢٤.

(٢) النهاية: ص ٤٢٤.

(٣) المبسوط: ج ٣ ص ١٤٢.

(٤) المقنعة: ص ٦١٩ والنهاية: ص ٤٢٥.

(٥) سنن البيهقي: ج ٦ ص ١٠٤.

(٦) المختلف: ج ١ ص ٤٠٧.

(٧) السرائر: ج ٢ ص ٣٩٣.

(٨) المختلف: ج ١ ص ٤٠٧.

٣٦٩

الثاني: لو قال أخذت نصف الشقص خاصة بطلت، لان العفو عن البعض يبطلها، لانها لا تتجزأ كالقصاص، وللضرر على المشتري، ويحتمل أن يكون ذلك أخذا للجميع، لان أخذ الجزء لايتم إلا بأخذ الكل. ولو اقتصر على قوله أخذت نصفه فوجهان مرتبان، وأولى بالبقاء، لان أخذ البعض لاينافي أخذ الكل، إلا أن يؤدي إلى التراخي.

الثالث: لو جعل المتبائعان للشفيع الخيار فاختار اللزوم لم يبطل على الاقرب، لانه تمهيد الطريق، ويحتمل البطلان إن أبطلنا شفعة الوكيل في البيع أو الشراء، لان أختياره من تتمة العقد.

الرابع: لو كان الثمن عرضا قيميا وقلنا بثبوت الشفعة واختلفا في قيمته عرض على المقومين، فإن تعذر لهلاكه وشبهه قدم قول المشتري في القيمة على الاقرب، لان الاصل بقاء ملكه إلا بقوله، ولو قال لا أعلم قيمته حلف ولا شفعة.

الخامس: لو اختلف المتبائعان في الثمن فقد مر حلف البائع ويأخذ بما ادعاه المشتري، ولو رجع المشتري إلى قول البائع لم ينفعه، إلا أن يصدقه الشفيع.

ولو اختلف المشتري والشفيع في قدره حلف المشتري، لانه أعرف بالعقد، وقال ابن الجنيد(١) : يحلف الشفيع، لاصالة البراء‌ة، ولو أقاما بينة قال الشيخ: تقدم بينة المشتري، أما لانه الداخل، وأما لان بينته تشهد بزيادة، وقال ابن إدريس(٢) : بينة الشفيع، لانه الخارج، واحتمل الفاضل القرعة.

السادس: لو باعه بمائة رطل حنطة فهل على الشفيع زنتها أو يكال فيوفى

____________________

(١) مختلف الشيعة: ج ١ ص ٤٠٦.

(٢) السرائر: ج ٢ ص ٣٩١.

٣٧٠

مثل كيلها؟ يبنى على أن دفع الحنطة من الشفيع بأزاء حنطة المشتري أو بأزاء الشقص، وعلى أن بيع الحنطة بها بالوزن هل يجوز أم لا؟ فإن قلنا بأزاء الشقص أو جوزنا بيعها الوزن فعليه مائة رطل - وهو الاقوى - وإلا وجب الكيل.

(٢٧٣) درس

لا يملك الشفيع بالمطالبة، ولا يدفع الثمن مجردا عن قول حتى يقول أخذت الشقص أو تملكته بالثمن وشبهه، ولا يحتاج إلى عقد جديد بينه وبين المشتري، ولا إلى رضا المشتري، ولا يكفي قضاء القاضي من دون التسليم، وأولى منه بالعدم إشهاد الشاهدين.

وليس في الاخذ خيار المجلس ولا غيره، ولو دفع الثمن وتلفظ بالاخذ ولما يقبض المبيع ملك وله التصرف، ولا ينزل على الخلاف في بيع المشتري قبل القبض لو قلنا بعموم الشفعة للمكيل والموزون.

ولو رضي المشتري بتأخير الثمن ملك بالاخذ وله التصرف أيضا.

ولابد من معرفة قدر المبيع والثمن، ومشاهدة المبيع أو وصفه فيكون له خيار الفسخ لو لم يطابق.

وهل للمشتري المنع من تسليم الثمن حتى يراه الشفيع؟ يحتمل ذلك، لانه لايثق بالثمن قبل الرؤية.

ويجب على المشتري تمكينه من الرؤية بدخول العقار، ولو لم يعلم كميتها بطل الاخذ، ولو قال أخذت مهما كان بمهما كان للغرر، ولا يبطل بذلك شفعته.

ولا يجب على المشتري دفع الشقص، إلا بعد قبض جميع الثمن. ولو ضم المشفوع إلى غيره اختص المشفوع بالحكم ولا خيار للمشتري، لان تبعض الصفقة تجدد في ملكه. نعم لو كان قبل القبض أو في مدة خيار وقلنا بعدم منعه الآخذ أمكن القول بالخيار، لان هذا العيب مضمون على البائع.

٣٧١

وزوائد الشقص المنفصلة للمشتري والمتصلة للشفيع. ولو باع شقصين من دارين وكان الشريك واحدا فلهه أخذهما وأخذ أحدهما. ولا تبطل الشفعة بالاقالة، ولا بالرد بالعيب، ولا بالتصرف، فإن تصرف بنقل الملك فللشفيع إبطاله حتى الوقف، ولو كان بالبيع فله الاخذ بماشاء من العقود، وكل عقد أخذ به صح ماقبله وبطل مابعده. والدرك على المأخوذ منه، فيرجع عليه الشفيع بالثمن لو ظهر استحقاق الشقص. ولو تبين كون الشقص معيبا بعد أخذ الشفيع فله رده، وليس له المطالبة بالارش، إلا أن يكون المشتري قد أخذه من البائع، ولو كان الشفيع عالما بالعيب فلا رد.

ولو أخذه الشفيع بجميع الثمن فالاقرب أن للمشتري الارش مع جهله، فيرجع به الشفيع. ولو اشتراه المشتري بالتبري من العيوب ولم يعلم الشفيع فله الفسخ. ولا يكلف المشتري أخذ الشقص من البائع وتسليمه إلا الشفيع، بل يخلى بينه وبينه، ويكون قبضه كقبض المشتري، فالدرك عليه. ولا يملك الشفيع فسخ البيع والاخذ من البائع.

ولو تلف المبيع في يد المشتري سقطت الشفعة، ولو أتلفه بعد المطالبة لم يسقط فيطالبه بقيمته، ولو تلف بعضه أخذ الباقي ان شاء بحصته من الثمن، ولو أتلفه المشتري بعد المطالبة ضمن النقص.

ولو كان الفائت مما لا يتقسط عليه الثمن كالعيب أخذ الشفيع بالجميع أو ترك إذا لم يكن مضمونا على المشتري. ولو انهدمت الدار فالنقص للشفيع، لانها كانت مشفوعة كثباتها، فلا يخرج الاستحقاق بنقلها.

٣٧٢

والزوائد قبل الاخذ للمشتري وإن كان طلعا لم يؤبر، وقال الشيخ(١) : هو للشفيع لدخوله في البيع.

والزرع قبل المطالبة يقر بغير آجرة، لانه ليس عرقا ظالما. أما الغرس والبناء فلا يقران إلا برضاهما. ولا فرق بين أن يغرس أو يبني في المشاع أو فيما تخير له بالقسمة. وتتصور القسمة بأن لا يعلمه المشتري بالبيع، أو يكون الشفيع غائبا فيقاسم وكيله أو الحاكم أو صبيا أو مجنونا فيقاسم وليه، فإن قلعه المشتري فليس عليه أرش.

ولا تسوية الارض عند الشيخ(٢) ، والفاضل في المختلف(٣) أوجب الارش، لانه نقص أدخله على ملك غيره لتخليص ملكه، لانه تصرف في ملكه. ويأخذ الشفيع بجميع الثمن إن شاء أو يدع، ولو لم يقلعه فللشفيع قلعه، ويضمن ماينقص من الغرس والبناء، ونفى الضمان في المختلف(٤) وإذا أراد الشفيع تملكه لم يقوم مستحقا للبقاء ولا مقلوعا، بل يقوم الارض مشغولة وخالية فالتفاوت قيمته، أويقوم الغرس والبناء مقيدا باستحقاق الترك باجرة والاخذ بقيمته، وهذا لا يتم إلا على قول الشيخ(٥) بأن الشفيع لا يملك قلعه مجانا، وإنه يجاب إلى القيمة لو طلب تملكه، وهو مشكل.

(٢٧٤) درس في اللواحق

وهي مسائل:

____________________

(١) و(٢) و(٥) المبسوط: ج ٣ ص ١١٨.

(٣) مختلف الشيعة: ج ١ ص ٤٠٨.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٤٠٨.

٣٧٣

المروي(١) أن الشفعة لا تورث، إلا أن الطريق ضعيف بطلحة بن زيد، ولم ينعقد عليه الاجماع، ولا قول الاكثر، فإن المفيد(٢) والمرتضى(٣) وابن الجنيد(٤) أثبتوا أنها تورث، والشيخ القائل بالرواية(٥) موافق لهم في الخلاف(٦) ، وآي الارث(٧) عامة لا تنهض الرواية بتخصيصها.

الثانية: إرثها على حد المال، فلو عفوا إلا واحدا فله الجميع، وليس هذا مبنيا على الكثرة، لان مصدرها واحد، فيحنئذ يقسم على السهام لا على الرؤوس فللزوجة مع الولد الثمن.

ويظهر من الشيخ(٨) أنه مبني على الخلاف في القسمة مع الكثرة، ورده في المختلف(٩) بأن استحقاقهم عن مورثهم المستحق للجميع، ونسبته إليهم بالارث المقتضي للتوزيع بحسبه، ولك أن تقول هل الوارث أخذ بسبب أنه شريك أم أخذه للمورث تقديرا ثم يخلفه فيه؟ فعلى الاول يتجه القول بالرؤوس وعلى الثاني لا.

الثالثة: لو ادعى الشريك بيع نصيبه من آخر فأنكر حلف وتثبت الشفعة للشريك على البائع مؤاخذة له بإقراره، وإنكره ابن إدريس(١٠) ، لانها تبع لثبوت البيع والاخذ من المشتري.

وهل للبائع إحلاف المشتري؟ يحتمل المنع لوصول

____________________

(١) وسائل الشيعة: باب ١٢ من أبواب الشفعة ح ١ ج ١٧ ص ٣٢٥.

(٢) المقنعة: ص ٦١٩.

(٣) الانتصار: ص ٢١٧.

(٤) المختلف: ج ١ ص ٤٠٦.

(٥) تهذيب الاحكام: ب ١٤ في الشفعة ح ١٨ ج ٧ ص ١٦٧.

(٦) الخلاف: ج ٣ ص ٤٣٧.

(٧) النساء: ٧ وغيرها من نفس السورة.

(٨) المبسوط: ج ٣ ص ١١٣.

(٩) المختلف: ج ١ ص ٤٠٨.

(١٠) السرائر: ج ٢ ص ٣٩٤.

٣٧٤

الثمن إليه والثبوت ليجعل الدرك عليه، وهل للشفيع إحلاف المشتري أيضا؟ فيه الوجهان: من وصول الشقص إليه، ومن فائدة الدرك.

فرع:

لو أقر هذا البائع بقبض الثمن من المشتري بقي ثمن الشفيع لايدعيه أخذ فيحفظه الحاكم، فإن رجع المشتري إلى الاقرار بالبيع فهو له، وإلا فإن رجع البائع عن قبض الثمن من المشتري فهو له.

الرابعة: لو بيع بعض دار الميت في دينه فلا شفعة لوراثة، إما لان التركة ملكه فالزائد ملكه، وإما لان مجموع التركة على حكم مال المورث، وإنما ملك بعد قضاء الدين فيكون ملك الوارث متأخرا، ولو قلنا بملك الوارث الزائد عن قدر الدين احتمل الشفعة، لانه شريك، كما لو كان شريكا قبل الموت وقلنا بعدم ملكه للشقص مع الدين.

الخامسة: لو أوصى المشتري بالشقص لا يمنع حق الشفيع، فإذا أخذه فالثمن للوارث، لزوال متعلق الوصية، ولو أوصى بشقص فباع شريكه بعد موت الموصي وقبل قبول الموصى له ففي استحقاقه أو استحقاق الوارث وجهان، مبنيان على أن القبول هل هو كاشف أو ناقل؟ وعلى الاستحقاق ليس له المطالبة قبل القبول، وهل يكون ذلك عذرا في التأخير؟ الاقرب لا، وللوارث المطالبة على الوجهين، لاصالة عدم القبول، فإن قبل الموصى له طالب حينئذ.

السادسة: لو تنازع المشتري والشفيع في الثمن فشهد البائع للمشتري لم يقبل، لانه يشهد على فعل نفسه، وإن شهد للشفيع احتمل القبول قبل القبض، لانه يقلل استحقاقه، ولا يقبل بعده، لانه يقلل العهدة على نفسه.

السابعة: لوأنكر المشتري الشراء حلف، فإن نكل حلف الشفيع وأخذ بالشفعة وسلم الثمن إلى المشتري إن رجع عن إنكاره، وإن أصر احتمل إقراره

٣٧٥

في يد الشفيع وإجبار المشتري على قبوله، أو إبراء ذمة الشفيع أو صرفه(١) إلى الحاكم فيجعله مع الاموال الضائعة، وهو الذي قواه الشيخ(٢) ، فإذا يئس من صاحبه فلا نص لنا فيه، والمناسب للاصل الصدقة به، ويحتمل كونه لبيت المال كقول العامة.

الثامنة: لا شفعة للمرتد عند العقد على المسلم، وفي ثبوتها على الكافر إذا كان عن ملة نظر، من بقاء ملكه، ومن الحجر عليه، ولو ارتد بعد العقد فكذلك، فلو عاد احتمل البطلان، لمنافاته البدار، واحتمل البقاء، لتوهم كون الشبهة عذرا.

التاسعة: لو أقام المشتري بينة بالعفو وأقام الشفيع بينة بالاخذ قدم السابق، فإن تعارضتا احتمل ترجيح المشتري، لانه الخارج والمتشبث، وقد تشهد بينته بما تخفى على بينة الآخذ، واحتمل ترجيح الشفيع، بناء على ترجيح ذي اليد عند التعارض.

العاشرة: لا تقبل شهادة البائع بالعفو، أما قبل قبض الثمن فلان له علقة الرجوع بالافلاس، وأما بعده فلتوقع التراد بأسبابه، ويحتمل القبول هنا لانقطاع العلاقة. ولو ادعى على أحد وارثي الشفعة العفو فشهد إثنان به قبل عفوهما لم تقبل للتهمة، ولو كان بعده قبلت، ولو أعاد الشهادة المردودة بعد عفوهما لم يقبل للتهمة السابقة.

الحادية عشرة: لو ادعى على شريكين في الشفعة العفو فحلف أحدهما ونكل الآخر لايرد اليمين على المشتري، إذ لا يستفيد به شيئا، ولو نكل الحاضر

____________________

(١) في باقي النسخ: وصرفه.

(٢) المبسوط: ج ٣ ص ١٢٠.

٣٧٦

منهما ففي حلف المشتري وجهان: من توقع حلف الغائب إذا قدم فلا فائدة، ومن اعتبار الحال، فلعل الآخر ينكل إذا حضر أو تصدق، وهذا أقوى.

الثانية عشرة: إذا أخذ الحالف من الشريك جميع الشقص، فإن صدق صاحبه على عدم العفو قاسمه، وإن ادعى عليه العفو خاصمه، ولا يكون نكوله الاول مسقطا.

(٢٧٥) درس

في فروع الكثرة عند من أثبتها من الاصحاب وكثير منها يتأتى في وراث(١) الشريك الواحد فلنشر إلى اثني عشر فرعا: لو كان ملك بين أخوين ثم مات أحدهما عن إبنين فباع أحدهما نصيبه فالشفعة بين العم وابن أخيه، لتحقق الشركة، ولا يختص بها ابن الاخ، من حيث اختصاصهما بوراثة الاب دون العم، لان اختلاف أسباب الملك لا أثرلها.

الثاني: لو باع أحد الشريكين بعض نصيبه من رجل ثم باع الباقي من آخر، فعلى المشهور للشريك الاخذ منهما أو يترك، وعلى الكثرة له أخذ نصيب الاول والثاني، وفي مشاركة الاول له أوجه المشاركة، لانه كان شريكا عند العقد، وعدمها، لان ملكه مستحق للشفعة فلا يكون سببا في استحقاقها.

والتفصيل إن عفا عنه شارك لقرار ملكه. ويشكل بأن القرار إنما حصل بعد استحقاق الشريك الشفعة فلا يكون مقاوما للقار أولا، ويضعف بأن حقيقة الملك سابقة.

____________________

(١) في باقي النسخ: في وارث.

٣٧٧

الثالث: لو عفا بعض الشركاء فللباقين الاخذ للجميع أو الترك ولو كان الباقي واحدا، وربما أمكن سقوط حقه لا غير، أو يقال: لا يصح عفوه، لان الشفعة لا تتبعض، وهو بعيد، وعفو ورثة الواحد مترتب على ذلك، ويحتمل بطلان حقهم، لانهم بمثابة المورث إذا عفا عن بعض حقه، وصرح في المبسوط(١) بأن للآخرين الاخذ(٢) ، ولو قلنا: إنهم يأخذون لانفسهم لا بخلافه المورث فهم كالشركاء المتعددين.

الرابع: لو كان الشفعاء غيبا فحضر واحد أخذ الجميع أو ترك، فإذا حضر آخر شاطر الاول، لانه لا وثوق بأخذ الغائب، فإذا حضر ثالث أخذ من كل منهما ثلث ما في يده، ويحتمل أن يقال: لمن بعد الاول الاقتصار على نصيبه، لزوال تضرر المشتري.

الخامس: لو حضر أحد الشركاء وطلب التأخير إلى حضور الباقين احتمل إجابته، لظهور عذره بتزلزل ملكه، وبذل كل الثمن في مقابلة ما لا يثق ببقائه وعدمه، لانه متمكن من أخذ الكل فكان مقصرا، وفي الاول قوة واختاره في المبسوط(٣) .

السادس: لو حضر الثالث فلم يظفر إلا بأحد الآخذين فالاقرب أنه يطالبه بثلث ما في يده خاصة، لانه القدر الذي يستحقه، ويحتمل مشاطرته، لانه يقول أنا وأنت سواء في الاستحقاق ولم أظفر إلا بك.

السابع: لا مشاركة للثاني في غلة السابق، لان ملكه متأخر عنها، وليس للسابق الاخذ(٤) بالنيابة عن الثاني، إذ لا وكالة ولا حكم له عليه.

نعم لو

____________________

(١) المبسوط: ج ٣ ص ١١٤.

(٢) في باقي النسخ: بأن الآخر له الاخذ.

(٣) المبسوط: ج ٣ ص ١١٥.

(٤) في باقي النسخ: أخذا.

٣٧٨

كان وكيلا وأخذ بحق الوكالة له تحققت المشاركة.

الثامن: إذا جوزنا للثاني أخذ نصيبه، فحضر الثالث أخذ الثلث مما في يد الثاني وضمه إلى ما في يد الاول وتشاطراه، فيقسم المشفوع على تسعة بيد الاول ستة والثاني ثلاثة، فإذا اضيف سهم إلى الستة صارت سبعة لانصف لها، فتصير إلى ثمانية عشر.

ووجهه أن الثاني ترك سدسا كان له أخذه فقصر في حق نفسه، وحق الثالث مشاع في الجميع وهو والاول لم يعفوا عن شئ فتساويا.

ويحتمل أن لا يأخذ الثالث من الثاني شيئا، بل يأخذ نصف ما في يد الاول فيقسم المشفوع أثلاثا، بناء على أن فعل الثاني لا يعد عفوا عن السدس، وإلا لا تجه بطلان حقه، لان العفو عن البعض عفو عن الكل على الاحتمال السابق وإنما أخذ كمال حقه.

وبالجملة إذا جعلناه مخيرا بين النصف والثلث وتخير الثلث لا يكون ذلك عفوا عن السدس.

التاسع: لو حضر أحد الشركاء فأخذ وقاسم وكلاء الغائبين ثم حضر آخر فله فسخ القسمة والمشاركة، ولا عبرة برد الحاضر فلمن جاء بعده الاخذ، ودرك الجميع على المشتري وإن أخذ بعضهم من بعض.

العاشر: لو باع بعض الشركاء نصيبه من آخر فالشفعة بأجمعها للباقين ولا شئ للمشتري، لانه لا يستحق الانسان على نفسه حقا، وفي المبسوط(١) له لقيام السبب، بمعنى أنه يمنع الغير من أخذ نصيبه لا بمعنى الاستحقاق، ومال إليه الفاضلان(٢) ، وتردد في الخلاف(٣) .

____________________

(١) المبسوط: ج ٣ ص ١١٣.

(٢) شرائع الاسلام: ج ٣ ص ٢٥٧، وقواعد الاحكام: ج ١ ص ٢١١.

(٣) الخلاف: ج ٣ ص ٤٥٢.

٣٧٩

الحادي عشر: لو باع واحد من اثنين فصاعدا في عقد واحد فللشفيع الاخذ من الجميع ومن البعض، ولا يشاركه بعضهم، لعدم قديم الملك. ولو تعاقبت العقود ففي الشركة الاوجه المتقدمة، واختار المحقق(١) الشركة مع العفو، وعلى القول بعدم الكثرة للشفيع الاخذ من الجميع أو الترك، وللفاضل(٢) قول بأن له أخذهما وأخذ أحدهما، ويشكل بأنه يؤدي إلى كثرة الشركاء. ولو باع إثنان من إثنين فهي بمثابة عقود أربعة، لتعدد العقد بالنسبة إلى العاقد والمعقود له.

الثاني عشر: لو كانوا ثلاثة أحدهم غائب أخذ الحاضران الشقص، فلو غاب أحدهما فحضر الغائب فله ثلث ما بيد الحاضر، ويقضي على الغائب بثلث ما أخذ، ولا فرق عندنا بين حضوره وغيبته، ولو تعذر الاخذ من أحدهما فكذلك.

ويحتمل أن يشاطر الباذل، لانه لا مبيع الآن غير ما في يده، فلو بذل بعد ذلك الممتنع أخذ منه الباذل سدس ما معه والآخر كذلك، فيكمل لكل واحد منهم ثلث الشقص، وتصح من ثمانية وأربعين، ثم تطوى إلى ثلاثة.

____________________

(١) شرائع الاسلام: ج ٣ ص ٢٥٧.

(٢) قواعد الاحكام: ج ١ ص ٢١١.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416