الإمام الكاظم (ع) عند أهل السنة

الإمام الكاظم (ع) عند أهل السنة50%

الإمام الكاظم (ع) عند أهل السنة مؤلف:
تصنيف: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
الصفحات: 66

  • البداية
  • السابق
  • 66 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32172 / تحميل: 6383
الحجم الحجم الحجم
الإمام الكاظم (ع) عند أهل السنة

الإمام الكاظم (ع) عند أهل السنة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وقال أيضاً في كتاب موضح أوهام الجمع والتفريق، طبع مجلس دائرة المعارف بحيدرآباد سنة ١٣٧٩، ج٢ ص٤٠٣:

"ذكر موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

قد ذكرنا بعض حديثه فيما تقدّم.

وهو موسى بن أبي عبدالله الذي روى عنه محمد بن اسماعيل ابن أبي قديك.

اخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن اسماعيل الداوري، اخبرنا عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ، حدثنا عبدالله بن محمد البغوي حدثنا علي بن مسلم، حدثنا ابن أبي قديك، حدّثنا موسى بن أبي عبدالله(١) ، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، عن أمه أم جعفر ابنة محمد بن جعفر بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، عن أسماء ابنة عميس:

ان فاطمة رضي الله عنهما بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لما حضرتها الوفاة قالت يا أمه أني لاستحي مما يصنع بالنساء، فقالت لها: إني قد رأيت بأرض الحبشة شيئاً يصنع على النساء، فأمرتها أن تصنعه عليها ولا يلي غسلها إلاّ هي وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

قالت أسماء فعملت نعشاً وغسلتها عليه أنا وعلي.

قال ابن أبي فديك: ففاطمة أول من عمل عليها النعش".

ــــــــــــــــــــ

(١) أي: موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام .

٢١

قول عز الدين الشيباني (إبن أثير)

٧ ـ قال عزالدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبدالكريم بن عبدالواحد الشيباني المعروف بابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ، طبعة دار صادر بيروت لبنان عام ١٣٩٩هـ، ج٦ ص١٦٤:

"وفيهما (أي: سنة ١٨٣هـ) مات موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ببغداد في حبس الرشيد.

وكان سبب حبسه: ان الرشيد اعتمر في شهر رمضان من سنة ١٧٩هـ، فلما عاد إلى المدينة على ساكنها السلام دخل إلى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يزوره ومعه الناس، فلما انتهى إلى القبر وقف فقال السلام عليك يا رسول الله يا ابن العم ـ افتخاراً على من حوله ـ فدنا موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا ابه، فتغير وجه الرشيد وقال: هذا الفخر يا ابا الحسن جداً، ثم أخذه معه إلى العراق فحبسه عند السندي بن شاهك، وتولت حبسه اخت السندي بن شاهك، وكانت تتدين، فحكت عنه انه كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجّده ودعاه إلى أن يزول الليل، ثم يقوم فيصلي، حتى يصلي الصبح، ثم يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ـ ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى ـ ثم يرقد ويستيقظ قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي، حتى يصلي العصر، ثم يذكر الله حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة، فكان هذا دأبه إلى أن مات.

وكانت إذا رأته قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل الصالح.

وكان يلقّب بالكاظم، لانه كان يحسن إلى من يسيء إليه، كان هذا عادته ابداً.

ولما كان محبوساً بعث إلى الرشيد برسالة انه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ ينقضي عنك معه يوم من الرخاء، حتى ينقضيا جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء، يخسر فيه المبطلون".

٢٢

قول محمد بن عمر الزمخشري

٨ ـ قال محمد بن عمر الزمخشري، المتوفى سنة ٥٣٨، في كتابه ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، طبع منشورات الشريف الرضي ١٤١٠هـ، اوفست طبعة بغداد، ج١ ص٣١٥ ـ ٣١٦:

"كان الرشيد يقول لموسى الكاظم بن جعفر: يا ابا الحسن خذ فدك حتى أردها عليك، فيأبى، حتى الح عليه، فقال: لا أخذها إلاّ بحدودها، قال وما حدودها؟ قال: يا أمير المؤمنين أن حددتها لم تردها، قال: بحق جدك إلاّ فعلت، قال:

أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد وقال: هيه.

قال والحد الثاني: سمرقند، فأربد وجهه.

قال: والحد الثالث افريقيه، فاسود وجهه، وقال: هيه.

قال: والرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية.

قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحول في مجلسي.

قال موسى: قد اعلمتك أني إن حددتها لم تردها.

فعند ذلك عزم على قتله، واستكفى امره يحيى بن خالد، فاراه بثرة(١) فرجت في كفه وقال: هذه علامة أهل بيتنا قد ظهرت بي، وأنا أقضي عن

ــــــــــــــــــــ

(١) أي: فارى الإمام الكاظمعليه‌السلام يحيى بن خالد بثرة، وهذا المطلب تفرّد بنقله الزمخشري وهو مخالف لكتب التاريخ من استشهاد الإمام الكاظمعليه‌السلام بالسم، لا أن سبب وفاته بثرة فرجت في يده.

٢٣

قرب، فقد كفيت امري، فتركه يحيى ومات بعد أيام".

وقال أيضاً في ربيع الأبرار ج٢ ص٢١١:

"سمع موسى بن جعفر يقول في سجوده آخر الليل: يا رب عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك".

وقال أيضاً في ربيع الأبرار ج٣ ص٥٥٣:

"قال الرشيد لموسى بن جعفر: اني قاتلك، قال لا تفعل، فإني سمعت أبي يقول: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن العبد يكون واصلا لرحمه وقد بقى من أجله ثلاث سنين فيمدّها الله له حتى ثلاثين سنة، ويكون العبد قاطعاً لرحمه وقد بقي من أجله ثلاثون سنة فيعصرها الله حتى يجعلها ثلاث سنين".

قول جمال الدين إبن الجوزي

٩ ـ قال جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي، المتوفى سنة ٥٩٧هـ، في كتاب صفة الصفوة، الطبعة الثانية ١٣٩٩هـ، دار المعرفة بيروت لبنان، ج٢ ص١٨٤ ـ ١٨٧ رقم ١٩١:

"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن الهاشميعليهم‌السلام .

كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل، وكان كريماً حليماً إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال.

عن الفضل بن ربيع عن أبيه: انه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالبعليه‌السلام وهو يقول: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) ، قال الربيع: فأرسل إلي ليلا فراعني، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان أحسن الناس صوتاً فقال: علي بموسى بن جعفر، فجئته به، فعانقه واجلسه إلى جانبه وقال:

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٢٤

يا ابا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ علي كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي؟ فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني، قال: صدقت، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة.

قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلاّ وهو في الطريق خوف العوائق.

وعن شقيق بن ابراهيم البلخي قال: خرجت حاجاً في سنة ٢٤٩، فنزلت القادسية، فبينا أنا انظر في زينتهم وكثرتهم، فنظرت إلى فتى أحسن الوجه شديد السمرة يعلو فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة، في رجليه نعلان وقد جلس منفرداً، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم، والله لامضين له ولابخنه، فدنوت منه، فلما رآني مقبلا قال يا شقيق( اجتنوبا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ) (١) ، ثم تركني ومضى.

فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عظيم ـ قد تكلّم على ما في نفسي ونطق باسمي، وما هذا إلاّ عبد صالح لألحقنه ولاسألنه أن يحللني، فأسرعت في أثره فلم الحقه وغاب عن عيني، فلما نزلنا واقصة إذ به يصلي واعضاؤه تضطرب ودموعه تجري، فقلت هذا صاحبي أمضي إليه واستحله، فبصرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلمّا رآني مقبلا قال: يا شقيق إنك:( واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) (٢) ثم تركني ومضى.

فقلت ان هذا الفتى لمن الابدال وقد تكلّم على سري مرتين، فلما تزلنا رمالا إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوه يريد أن يستقي الماء، فسقطت

ــــــــــــــــــــ

(١) الحجرات ٤٩: ١٢.

(٢) طه ٢٠: ٨٢.

٢٥

الركوة من يده في البئر، وأنا انظر إليه، فرأيت قد رمق السماء وسمعته يقول:

وقوتي إذا أردت الطعاما أنت ربي إذا ظمئت من الماء

اللهم سيدي مالي سواها تعد منيها.

قال شقيق: فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها، فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء وتوضأ وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب.

فاقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام، فقلت اطعمني من فضل ما انعم الله به عليك.

فقال: يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فاحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت منها، فإذا سويق وسكر، فوالله ما شربت قط الذّ منه ولا أطيب ريحاً منه فشبعت، فاقمت أياماً لا اشتهي طعاماً ولا شراباً.

ثم لم أره حتى دخلنا مكة، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلما رأى جلس في مصلاه يسبّح الله، ثم قام فصلّى الغداة، وطاف بالبيت اسبوعاً ـ وخرج فتتبعته فإذا له حاشية وأموال، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه، فقلت لبعض رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

فقتل: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيد.

وعن أحمد بن اسماعيل قال: بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالته كانت: انه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون.

ولد موسى بن جعفرعليه‌السلام بالمدينة في سنة ١٢٨هـ، وقيل ١٢٩هـ، واقدمه المهدي بغداد، ثم رده إلى المدينة، فأقام بها إلى أن توفى بها لخمس بقين من رجب في سنة ١٨٣هـ ".

٢٦

قول أحمد بن محمد بن خلكان

١٠ ـ قال أبو العباس أحمد بن محمد بن خلكان، المتوفى سنة ٦٠٨، في كتابه وفيات الأعيان، طبع دار صادر بيروت، ج٥ ص٣٠٨ ـ ٣١٠ رقم ٧٤٦:

"موسى الكاظم:

أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، أحد الأئمة الاثني عشر رضي الله عنهم.

وقال الخطيب في تاريخ بغداد: كان موسى يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، وروى انه دخل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسجد سجدة في أول الليل وسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة، فجعل يردّدها حتى أصبح.

وكان سخياً كريماً، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثم يقسّمها بالمدينة.

وكان يسكن المدينة، فأقدمه المهدي بغداد وحبسه، فرأى في(١) النوم علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه وهو يقول: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (٢) .

قال الربيع: فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية،

ــــــــــــــــــــ

(١) أي: المهدي.

(٢) محمد ٤٧: ٢٢.

٢٧

وكان أحسن الناس صوتاً، وقال: علي بموسى بن جعفر، فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال: يا أبا الحسن أني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه في النوم يقرأ علي كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من أولادي؟ فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني، قال: صدقت، اعطه ثلاث آلاف دينار وردّه إلى أهله إلى المدينة، قال الربيع: فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلاّ وهو في الطريق فوق العوائق.

وأقام بالمدينة إلى أيام هارون الرشيد، فقدم هارون منصرفاً من عمرة شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة، فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفى في محبسه.

وذكر أيضاً أن هارون الرشيد حج فأتى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زائراً وحوله قريش ورؤساء القبائل، ومعه موسى بن جعفر، فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم، افتخاراً على من حوله، فقال موسى: السلام عليك يا ابت، فتغيّر وجه هارون الرشيد وقال: هذا هو الفخر يا ابا الحسن حقّاً، انتهى كلام الخطيب.

وقال أبو الحسن علي بن علي المسعودي في كتاب مروج الذهب في أخبار هارون الرشيد: ان عبدالله بن مالك الخزاعي كان على دار هارون الرشيد وشرطته، فقال: أتاني رسول الله الرشيد وقتاً ما جائني فيه قط، فانتزعني من موضعي، ومنعني من تغيير ثيابي فراعني ذلك، فلما صرت إلى الدار سبقني الخادم فعرف الرشيد خبري، فاذن لي في الدخول، فدخلت فوجدته قاعداً على فراشه فسلّمت عليه فسكت ساعة، فطار عقلي وتضاعف الجزع علي، ثم قال: يا عبدالله اتدري لم طلبتك في هذا الوقت، قلت: لا والله يا أمير المؤمنين، قال: اني رأيت الساعة في منامي كان حبشياً قد أتاني ومعه حربة، فقال ان خليت عن موسى بن جعفر الساعة وإلاّ نحرتك بهذه الحربة، فاذهب فخل عنه، قال: قلت: يا أمير المؤمنين اطلق موسى بن جعفر؟ ثلاثاً، قال: نعم امض الساعة حتى يطلق موسى ابن جعفر واعطه ثلاثين ألف درهم، وقل له: ان احببت المقام قبلنا فلك عندي ما تحب، وان احببت المضي إلى المدينة فالاذن في ذلك لك.

قال: فمضيت إلى الحبس لاخرجه، فلما رآني موسى وثب إلي وظن اني قد امرت فيه بمكروه، فقلت: لا تخف، فقد امرني باطلاقك وان ادفع لك ثلاثين ألف درهم، وهو يقول لك: ان احببت المقام قبلنا فلك كل ما تحب، وان احببت الانصراف إلى المدينة فالأمر في ذلك مطلق لك، واعطيته ثلاثين ألف درهم وخليت سبيله.

٢٨

وقلت له: لقد رأيت من أمرك عجباً، قال: فاني اخبرك: بينا أنا نائم إذ أتاني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: يا موسى حبست مظلوماً، فقل هذه الكلمات فانك لا تبيت هذه الليلة في الحبس، فقلت: بابي وأمي ما أقول؟ قال: قل يا سامع كل صوت، ويا سابق الفوت، ويا كاسي العظام لحماً ومنثرها بعد الموت أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين يا حليماً ذا اناة لا يقوى على اناته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع ابداً ولا يحصى عدداً فرج عني، فكان ما ترى.

وله اخبار ونوارد كثيرة.

وكانت ولادته يوم الثلاثاء قبل طلوع الفجر سنة تسع وعشرين ومائة.

وقال الخطيب: سنة ثمان وعشرين بالمدينة.

وتوفى لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل سنة ست وثمانين ببغداد، وقيل انه توفي مسموماً، وقال الخطيب توفي في الحبس ودفن في مقابر الشونيزيين خارج القبة، وقبره هناك مشهور يزال، وعليه مشهد عظيم فيه قناديل الذهب وافضة وأنواع الآلات والفرش ما لا يحد، وهو في الجانب الغربي، وقد سبق ذكر ابيه وأجداده وجماعة من أحفاده، رضي الله عنهم وارضاهم.

وكان الموكّل به مدة حبسه السندي بن شاهك جد كشاجم الشاعرة المشهور".

وقال أيضاً في وفيات الأعيان ج١ ص٤٣٤ ـ ٤٣٥:

"قال الهيثم: حدّثني بعض أصحاب جعفر الصادق قال: دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية، فكان مما حفظت منها ان قال:

يا بني واقبل وصيتي واحفظ مقالتي فانك وان حفظتها تعيش سعيداً وتمت حميداً.

يا بني انه من (قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يده غيره مات فقيراً، ومن لم يرض) بما قسم الله له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه.

يا بني من كشف حجاب غيره انكشف عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به ومن احتفر لأخيه بئراً سقط فيها، ومن داخل السفهاء حقره، ومن خالط العلماء وقّر، ومن دخل مداخل التهم اتهم.

٢٩

يا بني قل الحق لك وعليك وإياك والنميمة فانها تزرع الشحناء في قلوب الرجال، يا بني ان طلبت الجود فعليك بمعادنه".

قول سبط بن الجوزي

١١ ـ قال شمس الدين يوسف بن مرغلي المعروف بسبط بن الجوزي، المتوفى سنة ٦٥٤، في كتابه تذكرة الخواص، طبع مؤسسة أهل البيتعليهم‌السلام بيروت

١٤٠١هـ، ص٣١٢ ـ ٣١٥:

"فصل في ذكر ولده (أي جعفر) موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

ويلقّب بالكاظم والمأمون والطيب والسيد، وكنيته أبو الحسن، ويدعى بالعبد الصالح لعبادته واجتهاده وقيامه بالليل، وامه أم ولد اندلسيه، وقيل بربريه، اسمها حميدة.

وكان موسى جواداً حليماً، وانما سمي الكاظم لانه كان إذا بلغه عن أحد شيء بعث إليه بمال.

ومولده بالمدينة سنة ثمان وعشرين ومائة، وقيل سنة تسع وعشرين ومائة وهو من الطبقة السابعة من أهل المدينة من التابعين.

اخبرنا أبو محمد البزاز، أنبأنا أبو الفضل بن ناصر، أنبأنا محمد بن عبدالملك والمبارك بن عبدالجبار الصيرفي قالا: أنبأنا عبدالله بن أحمد بن عثمان أنبأنا محمد بن عبدالرحمن الشيباني: ان علي بن محمد بن الزبير البجلي حدّثهم قال: حدّثنا هشام بن حاتم الأصم عن أبيه قال: حدّثني شقيق البلخي قال: خرجت حاجاً في سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلت القادسية، وإذا بشاب حسن الوجه شديد السمرة عليه ثوب صوف مشتمل بشملة، في رجليه نعلان وقد منفرداً عن الناس.

فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس والله لأمضين إليه ولابخنه، فدنوت منه، فلمّا رآني مقبلا قال: يا شقيق( اجتنوبا كثيراً من الظن ) (١) الآية، فقتل في نفسي: هذا عبد صالح قد نطق على ما في خاطري، لالحقنه ولاسألنه أن يحالني، فخاب عن عيني.

فلما نزلنا واقصة إذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر، فقلت

ــــــــــــــــــــ

(١) الحجرات ٤٩: ١٢.

٣٠

امضي إليه واعتذر، فاوجز في صلاته وقال: يا شقيق:( واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) (١) ، فقلت: هذا من الأبدال قد تكلم على سري مرتين.

فلما نزلنا زبالا إذا به قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستسقي الماء، فسقطت الركوة في البئر، فرفع طرفه إلى السماء وقال:

وقوتي إذا أردت الطعاما أنت ربي إذا ظمئت من الماء

يا سيدي مالي سواها

قال فوالله لقد رأيت البئر قد ارتفع ماؤها فأخذ الركوة وملأها وتوضأ وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل هناك فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويشرب، فقلت: اطعمني من فضل ما رزقك الله وما أنعم الله عليك، فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة، فاحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت منها، فإذا سويق وسكر ما شربت والله الذّ منه ولا أطيب ريحاً، فشبعت ورويت واقمت أياماً لا اشتهي طعاماً ولا شراباً.

ثم لم أره حتى دخلت مكة، فرأيته ليلة إلى جانب قبة الشراب نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلما طلع الفجر جلس في مصلاه يسبّح، ثم قام إلى صلاة الفجر وطاف بالبيت أُسبوعاً، وخرج فتبعته وإذا له غاشية وأموال وغلمان، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ودار به الناس يسلمون عليه ويتبرّكون به، فقلت لبعضهم: من هذا؟ فقال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلاّ لمثل هذا السيد.

ــــــــــــــــــــ

(١) طه ٢٠: ٨٢.

٣١

قال أهل السير: كان مقام موسى بالمدينة، لانه ولد بها، فأقدمه محمد المهدي بغداد فحبسه بها ثم ردّه إلى المدينة لمنام رآه، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد عن الفضل بن الربيع، عن أبيه قال: لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي علياًعليه‌السلام في المنام فقال له: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) الآية.

قال الربيع: فأرسل إليَّ المهدي ليلا، فراعني ذلك فجئته، فإذا هو يقرأ الآية ـ وكان أحسن الناس صوتاً ـ فقال: علي بموسى بن جعفر، قال فجئته به، فعانقه واجلسه إلى جنبه وقال: يا أبا الحسن رأيت الساعة أمير المؤمنين وهو يقرأ علي هذه الآية، افتؤمنني أن لا تخرج علي ولا على أحد من ولدي بعدي؟ فقال: والله لا فعلت ذلك أبداً ولا هو من شيمتي، فقال: صدقت، ثم قال: يا ربيع اعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله.

قال الربيع: فأحكمت امره ليلا، فما أصبح إلاّ وهو على الطريق مخافة العوائق.

قال المدائني: أقام موسى بالمدينة حتى توفي المهدي والهادي وحج هارون الرشيد، فاجتمع بموسى بن جعفر عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال هارون للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله السلام عليك يا ابن العم افتخاراً على من حوله، فدنى موسى من القبر وقال: السلام عليك يا ابة، فتغير وجه هارون ثم قال: والله يا أبا الحسن هذا هو الفخر والشرف حقاً، ثم حمله معه إلى بغداد فحبسه بها سنة سبع وسبعين ومائة، فأقام في حبسه إلى سنة ثمان وثمانين ومائة في رجب فتوفى بها.

وذكر الزمخشري في ربيع الأبرار: ان هارون كان يقول لموسى: خذ فدكاً

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٣٢

وهو يمتنع ـ فلما ألح عليه قال: ما أخذها إلاّ بحدودها، قال: وما حدودها قال:

الحد الأول عدن، فتغير وجه الرشيد. والحد الثاني؟

قال: سمرقند، فأربد وجهه. قال: والحد الثالث؟

قال افريقيه، فاسود وجهه، قال والحد الرابع؟

قال: سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينيه.

فقال هارون: فلم يبق لنا شيء فتحول في مجلسي.

فقال موسى: قد اعلمتك أني إن حددتها لم تردها، فعند ذلك عزم على قتله واستكفى أمره.

وذكر الخطيب في تاريخه قال: بعث موسى من الحبس رسالة إلى هارون يقول له: ان(١) ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون.

واختلفوا في سنه على أقوال:

أحدها: خمس وخمسون سنة.

والثاني: أربع وخمسون.

والثالث: سبع وخمسون.

والرابع: ثمان وخمسون.

والخامس: ستون.

ودفن بمقابر قريش وقبره ظاهر يزار.

وقيل: مات سنة ثلاث وثمانين ومائة.

ذكره أولاده:

قال علماء السيد: وله عشرون ذكراً وعشرون انثى: علي الإمام، وزيد.

ــــــــــــــــــــ

(١) كذا، والظاهر: لن.

٣٣

وهذا زيد كان قد خرج على المأمون، فظفر به فبعث به إلى أخيه علي بن موسى الرضا!، فوبّخه وجرى بينهما كلام ذكره القاضي المعافي في الجليس والأنيس، فيه: ان علياً قال له: سواه لك يا زيد، ما أنت قائل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ سفكت الدماء وأخفت السبل وأخذت المال من غير حله، غرك حمقاء أهل الكوفة، وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ان فاطمة احصنت فرجها فحرم الله ذريتهما على النار، وهذا لمن خرج من بطنها مثل الحسن والحسين فقط، لا لي ولا لك، والله ما نالوا بذلك إلاّ بطاعة الله، فان أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوه بطاعته انك اذن لاكرم الله منهم.

وابراهيم، وعقيل، وهارون، والحسن، وعبدالله، وعبيدالله، واسماعيل وعمر، واحمد، وجعفر، ويحيى، واسحاق، والعباس، وحمزة، عبدالرحمن، والقاسم وجعفر الاصغر وقيل محمد.

وخديجة، وام فروة، واسماء، وعليه، وفاطمة الكبرى، والصغرى، والوسطى وفاطمة اخرى ـ فالفواطم اربع ـ وام كلثوم، وامنة، وزينب، وأم عبدالله، وزينب الصغرى، وأم القاسم، وحكيمة، وأسماء الصغرى، ومحمودة، وإمامة، وميمونة لامهات شتى".

قول صفي الدين الخزرجي

١٢ ـ قال صفي الدين أحمد بن عبدالله الخزرجي، في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، طبع مكتبة القاهرة بالقاهرة، ج٣ ص٦٣ ـ ٦٤ رقم ٧٢٥٧:

"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو الحسن الكاظم المدني.

عن أبيه، وعنه ابنه علي الرضا وأخواه علي ومحمد ابنا جعفر بن محمد وطائفة.

قال أبو حاتم: ثقة امام من أئمة المسلمين.

قال يحيى بن الحسين العلوي: بلغه عن رجل انه يؤذيه فبعث إليه بصرة فيها ألف دينار.

حبسه المهدي ثم اطلقه.

ومات سنة ثلاث وثلاثين ومائة".

٣٤

قول شمس الدين الذهبي

١٣ ـ قال أبو عبدالله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨هـ، في كتابه ميزان الاعتدال في نقد الرجال، طبع دار المعرفة بيروت لبنان، ج٤ ص٢٠١ ـ ٢٠٢ رقم ٨٨٥٥:

"موسى بن جعفر بن محمد بن علي العلوي الملقّب بالكاظم، عن أبيه.

قال ابن أبي حاتم: صدوق امام من أئمة المسلمين.

وقال أبوه حاتم الرازي: ثقة إمام من أئمة المسلمين.

قلت: روى عنه بنوه: علي الرضا ـ وابراهيم، واسماعيل، وحسين، واخواه علي، ومحمد.

وانما أوردته لأن العقيلي ذكره في كتابه وقال: حديثه غير محفوظ يعني في الايمان.

قال: الحمل فيه على أبي الصلت الهروي.

قلت: فإذا كان الحمل فيه على أبي الصلت فما ذنب موسى تذكروه؟ وفي مسند الشهاب باسناد مظلم إلى سهل بن ابراهيم، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده ـ متصلا ـ قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر ـ وبعده ينفي الهم ويصح الصبر.

وجاء عن موسى، عن آبائه ـ مرفوعاً: نعم المال النخل الراسخات في الوحل المطعمات في المحل.

وقد كان موسى من أجود الحكماء ومن العباد الاتقياء، وله مشهد معروف

ببغداد.

مات سنة ١٨٣هـ، وله خمس وخمسون سنة، وحديثه قليل جداً".

وقال أيضاً في كتابه دول الإسلام، طبع منشورات الأعلمي بيروت ١٤٠٥ ص١٠٥:

"وفيها (أي: سنة ثلاث وثمانين ومائة) مات موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي من سادات أهل البيت".

٣٥

وقال أيضاً في كتابه سير أعلام النبلاء، طبع مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى سنة ١٤٠١هـ، ج٦ ص٢٧٠ ـ ٢٧٤:

"موسى الكاظم، الامام القدوة، السيد أبو الحسن العلوي، والد الإمام علي بن موسى الرضي، مدني نزل بغداد، وحدث بأحاديث عن أبيه، وقيل: انه روى عن عبدالله بن دينار وعبدالملك بن قدامة، حدث عنه أولاده: علي، وابراهيم واسماعيل، وحسين، وأخواه علي بن جعفر، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن صدقة العنبري، وصالح بن يزيد، وروايته يسيرة، لانه مات قبل أوان الرواية، رحمه الله.

ذكره ابو حاتم فقال: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين.

قلت: له عند الترمذي وابن ماجة حديثان.

قيل انه ولد سنة ١٢٨هـ بالمدنية.

قال الخطيب: اقدمه المهدي بغداد، ورده، ثم قدمها، وأقام بغداد في أيام الرشيد، قدم في صحبة الرشيد سنة ١٧٩هـ، وحبسه بها إلى أن توفى في محبسه.

ثم قال الخطيب: أنبأنا الحسن بن أبي بكر، أنبأنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، حدّثني جدي يحيى بن الحسن بن عبيدالله ابن الحسين بن علي بن الحسين قال: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده روى اصحابنا انه دخل مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فسجد سجدة في أول الليل، فسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة، فجعل يردّدها حتى أصبح.

وكان سخياً كريماً، يبلغه عن الرجل انه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاث مائة دينار، وأربع مائة، ثم يقسمها بالمدينة فمن جائته صرة استغنى.

حكاية منقطعة، مع أن يحيى بن الحسن متهم.

٣٦

ثم ذكر يحيى هذا:

حدّثنا اسماعيل بن يعقوب، حدّثنا محمد بن عبدالله البكري، قال قدمت المدينة اطلب بها ديناً فقلت: لو أتيت موسى بن جعفر فشكوت إليه، فاتيته بنقمي في ضيعته، فخرج إلي، وأكلت معه، فذكرت له قصتي فأعطاني ثلاث مائة دينار.

ثم قال يحيى: وذكر لي غير واحد أن رجلا من آل عمر كان بالمدينة يؤذيه ويشتم علياً، وكان قد قال له بعض حاشيته: دعنا نقتله، فنهاهم وزجرهم.

وذكر له ان العمر يزدرع بأرض، فركب إليه في مزرعته، فوجده فدخل بحماره، فصاح العمري: لا توطىء زرعنا، فوطىء بالحمار حتى وصل إليه، فنزل عنده وضاحكه وقال: كم غرمت في زرعك هذا؟ قال مائة دينار، قال فكم ترجو؟ قال: لا أعلم بالغيب وأرجو أن يجيئني مائتا دينار، فأطاه ثلاث مائة دينار، وقال: هذا زرعك على حاله، فقام العمري فقبّل رأسه وقال:( الله اعلم حيث يجعل رسالته ) (١) وجعل يدعو له كل وقت، فقال أبو الحسن

ــــــــــــــــــــ

(١) الانعام ٦: ١٢٤.

٣٧

لخاصته الذين أرادوا قتل العمري: أينما هو خبير؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟

قلت: ان صحت فهذا غاية الحلم والسماحة.

قال أبو عبدالله المحاملي: حدّثنا عبدالله بن أبي سعد، حدّثني محمد بن الحسين الكتاني، حدّثني عيسى بن محمد بن مغيث القرشي وبلغ تسعين سنة، قال: زرعت بطيخا وقثاء وقرعاً بالجوانية، فلما قرب الخير بيتني الجراد فأتى على الزرع كله، وكنت غرمت عليه وفي ثمن جملين مائة وعشرين ديناراً، فبينما أنا جالس طلع موسى بن جعفر، فسلم ثم قال: أيش حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم قال وكم غرمت فيه؟ قلت: مائة وعشرين ديناراً مع ثمن الجملين، وقلت: يا مبارك ادخل وادع لي فيها، فدخل ودعا، وحدّثني عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: تمسّكوا ببقايا المصائب.

ثم علقت عليه الجملين وسقيته، فجعل الله فيها البركة زكت، فبعت منها بعشرة آلاف.

الصولي، حدّثنا عون بن محمد، سمعت اسحاق الموصلي غير مرة يقول: حدّثني الفضل بن الربيع، عن أبيه قال: لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى في النوم علياً يقول: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) قال الربيع: فأرسل إلي ليلا، فراعني، فجئته، فإذا هو يقرأ هذه الآية ـ وكان أحسن الناس صوتاً ـ وقال: علي بموسى بن جعفر، فجئته به، فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال: يا أبا الحسن أني رأيت أمير المؤمنين يقرأ على كذا، فتؤمني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي؟ فقال: لا والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني، قال: صدقت، يا ربيع

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٣٨

اعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى اهله إلى المدينة، فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلاّ وهو في الطريق خوف العوائق.

وقال الخطيب: أنبأنا أبو العلاء الواسطي، حدّثنا عمر بن شاهين حدّثنا الحسين بن القاسم، حدّثني أحمد بن وهب، أخبرني عبدالرحمن ابن صالح الازدي قال: حج الرشيد فأتى قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم، افتخاراً على من حوله، فدنا موسى وقال: السلام عليك يا ابه، فتغير وجه هارون وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقاً.

قال يحيى بن الحسن العلوي: حدّثني عمار بن أبان قال: وحبس موسى بن جعفر عند السندي بن شاهك، فسألته اخته أن تولى حبسه وكانت تدين(١) ففعل، فكانت على خدمته فحكى لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه، فلم يزل كذلك حتى يزول الليل، فإذا زال الليل قام يصلي حتى صلي الصبح، ثم يذكر حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يتهيأ ويستاك ويأكل، ثم يرقد إلى قبل الزوال ثم يتوضأ ويصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب إلى العتمة.

فكانت تقول: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل.

وكان عبداً صالحاً.

وقيل بعث موسى الكاظم إلى الرشيد برسالة من الحبس يقول: انه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون.

ــــــــــــــــــــ

(١) أي: تأخذ ديناً.

٣٩

وعن عبدالسلام بن السندي قال: كان موسى عندنا محبوساً، فلما مات بعثنا إلى جماعة من العدول من الكرخ فادخلناهم عليه فاشهدناهم على موته، ودفن في مقابر الشونيزيه.

قلت: له مشهد عظيم مشهور ببغداد، دفن معه حفيده الجواد ولولده علي بن موسى مشهد عظيم بطوس، وكانت وفاة موسى الكاظم في رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، عاش خمساً وخمسين سنة وخلف عدة أولاد، الجميع من من اماء: علي والعباس، واسماعيل، وجعفر، وهارون، وحسن، وأحمد، ومحمد، وعبيدالله، وحمزة وزيد، واسحاق، وعبدالله، والحسين، وفضل، وسليمان، سوى البنات، سمى الزبير في (النسب)".

وقال أيضاً في كتابه تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام طبع دار الكتاب العربي بيروت ١٤١٠هـ ١٩٩٠م، حوادث ووفيات ١٨١ ـ ١٩٠هـ، ص١٠ ـ ١١:

"سنة ثلاث وثمانين ومائة توفى فيها... وموسى الكاظم بن جعفر".

وقال أيضاً في تاريخ الإسلام، ص٤١٧ ـ ٤١٩.

"موسى الكاظم:

هو الإمام أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب العلوي الحسيني والد علي بن موسى الرضا.

وببغداد مشهد موسى والجواد.

روى عن أبيه وعن عبدالملك بن قدامة الجمحي.

روى عنه بنوه: علي، وابراهيم، واسماعيل، وحسين، وأخواه: محمد وعلي ابنا جعفر.

مولده كان في سنة ثمان وعشرين ومائة.

قال أبو حاتم: ثقة إمام.

وقال غيره: حج الرشيد فحمل معه موسى من المدينة إلى بغداد وحبسه إلى أن توفى غير مضيق عليه.

وكان صالحاً عالماً عابداً متالها.

بلغنا أنه بعث إلى الرشيد برسالة يقول: انه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ وانقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون.

٤٠

قال عبدالرحمن بن صالح الأزدي: زار الرشيد قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم يفتخر بذلك، فتقدّم موسى بن جعفر فقال السلام عليك يا ابة، فتغير وجه الرشيد وقال: الفخر حقاً يا أبا حسن.

وقال النسابة يحيى بن جعفر العلوي المدني، وكان موجوداً بعد الثلاثمائة كان موسى يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، وكان سخياً يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها الألف دينار، وكان يصرر الصرر مائتي دينار وأكثر ويرسل بها، فمن جاءته صرة استغنى.

قلت: هذا يدلّ على كثرة اعطاء الخلفاء العباسيين له، ولعل الرشيد ما حبسه إلاّ لقولته تلك: السلام عليك يا ابة، فان الخلفاء لا يحتملون مثل هذا.

روى الفضل بن الربيع، عن أبيه: ان المهدي حبس موسى بن جعفر، فرأى في المنام علياً وهو يقول:( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) قال: فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك، وقال: علي بموسى، فجئته به، فعانقه وقص عليه الرؤيا وقال تؤمنني أن تخرج علي وعلى ولدي؟ فقال: والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني، قال: صدقت، واعطاه ثلاثة آلاف دينار وجهزه إلى المدينة.

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٤١

عبدالله بن أبي سعد الوراق، حدّثني محمد بن الحسين الكناني، حدّثني عيسى بن مغيب القرطي قال: زرعت بطيخاً وقثاء في موضع بالجوانيه على بئر، فلما استوى بيته الجراد فأتى عليه كله، وكنت عرضت عليه مائة وعشرين ديناراً، فبينما أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر فسلم ثم قال: ايش حالك؟ فقلت: اصبحت كالعديم بيتني الجراد، فقال: يا عرفة ـ علامه ـ زن له مائة وخمسين ديناراً ثم دعا لي فيها، فبعث منها بعشرة آلاف درهم.

مات موسىرضي‌الله‌عنه في شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وقيل سنة ست، والأول أصح.

وعاش بعضاً وخمسين سنة كأبيه وجده وجد أبيه وجد جده، ما في الخمسة من بلغ الستين".

وقال أيضاً في كتابه العبر في خبر من غبر، طبع معهد المخطوطات في الكويت ١٩٦٠، ج١ ص٢٨٧:

"وفيها (أي سنة ثلاث وثمانين ومائة توفى) السيد أبو الحسن موسى الرضا، ولد سنة ثمان وعشرين ومائة، روى عن أبيه.

قال أبو حاتم: ثقة امام من أئمة المسلمين.

وقال غيره: اقدمه الرشيد معه من المدينة فحبسه ببغداد ومات في الحبس(رحمه الله).

وكان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر".

قول عماد الدين القرشي الدمشقي

١٤ ـ قال الحافظ عماد الدين أبي الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، المتوفى سنة ٧٧٤، في كتاب البداية والنهاية في التاريخ، مطبعة السعادة مصر، ج١٠ ص١٨٣:

"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو

الحسن الهاشمي، ويقال له الكاظم، ولد سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة.

وكان كثير العبادة والمروءة، إذا بلغه عن أحد انه يؤذيه ارسل إليه بالذهب والتحف، ولد له من الذكور والاناث أربعون نسمة.

٤٢

واهدى له مرة عبد عصيدة، فاشتراه واشترى المزرعة التي هو فيها بألف دينار واعتقه ووهب المزرعة له.

وقد استدعاه المهدي إلى بغداد فحبسه، فلما كان في بعض الليالي رأى المهدي علي بن أبي طالب وهو يقول له: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) ، فاستيقظ مذعوراً وأمر به خارج من السجن ليلا، فاجلسه معه وعانقه وأقبل عليه وأخذ عليه العهد أن لا يخرج عليه ولا على أحد من أولاده، فقال: والله ما هذا من شأني ولا حدثت فيه نفسي، فقال: صدقت، وأمر له بثلاثة آلاف دينار، وأمر به فرد إلى المدينة فما أصبح الصباح إلاّ وهو على الطريق.

فلم يزل بالمدينة حتى كانت خلافة الرشيد فحج، فلما دخل ليسلم على قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه موسى بن جعفر الكاظم، فقال الرشيد: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم، فقال موسى: السلام عليك يا ابت، فقال الرشيد: هذا هو الفخر يا ابا الحسن.

ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه في سنة تسع وستين وسجنه فأطال سجنه، فكتب إليه موسى رسالة يقول فيها: أما بعد يا أمير المؤمنين انه لم يقتص عني يوم البلاء إلاّ انقضى عنك يوم من الرخاء، حتى يقضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون.

توفى لخمس بقين من رجب من هذه السنة ببغداد، وقبره هناك مشهور".

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٤٣

قول محمد بن شاكر الكتبي

١٥ ـ قال محمد بن شاكر الكتبي المتوفى سنة ٧٦٤ في كتابه فوات الوفيات طبع دار صادر بيروت، ج١ ص٢٩٧ ـ ٢٩٨:

"جعيفران الموسوس بن علي بن اصفر بن السرى بن عبدالرحمن الانباري من ساكني سامراء، ومولده ببغداد، وكان أبوه من أبناء جند خراسان، وظهر لابيه انه يختلف إلى بعض سراريه، فطرده، وحج تلك السنة، وشكا ولده إلى موسى بن جعفر الكاظم، فقال له موسى: ان كنت صادقاً عليه فليس يموت حتى يفقد عقله، وان كنت قد تحققت ذلك عليه فلا تساكنه في منزلك ولا تطعمه شيئاً من مالك في حياتك وأخرجه عن ميراثك.

وسأل الفقهاء ممن حيله تخرجه عن ميراثه فدلوه على الطريق في ذلك، فاشهد عليه أبا يوسف القاضي.

فلما مات أبوه احضر القاضي الوصي وسأل جعيفران عن نسيه وتركه أبيه وأقام بينة عدولا، فاحضر الوصي بينة عدولا فشهد على أبيه بما كان احتال على منعه ميراثه، فلم ير أبو يوسف ذلك، وعزم على ان يورثه، فقال الوصي: أنا ادفع هذا عن الميراث بحجة واحدة، فأبى أبو يوسف أن يسمع منه، وجعيفران يقول قد ثبت عندك أمري فلا تدفعني، فاستمهل الوصي إلى غد، وكتب في رقعة خبره ما قاله موسى بن جعفر، ودفعها لمن دفعها إلى القاضي، فلما قراها دعا الوصي فاستحلفه على ذلك، فحلف باليمين الغموس، فقال: تعال غدا مع صاحبك فحضرا إليه، فحكم أبو يوسف للوصي، فلما امض الحكم وسوس جعيفران واختلط، وكان إذا تاب إليه عقله قال الشعر الجيد...".

٤٤

قول أبو محمد اليافعي اليمني المكي

١٦ ـ قال أبو محمد بن عبدالله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي اليمني المكي، المتوفى سنة ٧٦٧هـ، في كتابه مراة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، طبع منشورات الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان، الطبعة الثانية ١٣٩٠هـ، اوفست عن الطبعة الأولى بمطبعة دائرة المعارف النظامية الكائنة بمدينة حيدرآباد الركن سنة ١٣٣٧هـ، ج١ ص٣٩٤:

"وفيها (أي: سنة ١٨٣هـ) توفى السيد أبو الحسن موسى الكاظم ولد جعفر الصادق.

كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر، وهو أحد الائمة الاثني عشر المعصومين في اعتقاد الامامية.

وكان يدعى بالعبد الصالح من عبادته واجتهاده، وكان سخياً كريماً كان يبلغه عن الرجل انه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيما الف دينار، وكان يسكن المدينة، فاقدمه المهدي بغداد فحبسه، فرأى في النوم ـ اعني: المهدي ـ علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه وهو يقول: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) .

قال الربيع: وارسل الى المهدي ليلا، فراعني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية ـ وكان أحسن الناس صوتاً ـ وقال: علي بموسى بن جعفر فجئته به، فعانقه واجلسه إلى جانبه وقال: يا ابا الحسن أني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه في النوم يقرأ علي كذا، فتومنني ان تخرج علي أو على أحد من أولادي، فقال: والله لا فعلت ذلك وما هو من شأني قال: صدقت، اعطوه ثلاثة آلاف دينار، وردوه إلى أهله إلى المدينة، قال الربيع فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلاّ وهو في الطريق خوف العوائق.

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

٤٥

ثم ان هارون الرشيد حبسه في خلافته إلى أن توفى في حبسه.

وروى ان هارون كان زار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: السلام عليك يا ابن العم مفتخراً بذلك، فقال موسى الكاظم: السلام عليك يا ابة، فتغير وجه هارون.

وروى ان هارون الرشيد قال: رأيت في المنام كان حسيناً(١) قد أتاني ومعه حربة وقال: ان خليت عن موسى بن جعفر الساعة وإلاّ نحرتك بهذه الحربة، فاذهب فخل عنه واعطه ثلاثين الف درهم، وقل له: ان احببت المقام قبلنا فلك ما تحب وان احببت المضي إلى المدينة فالاذن في ذلك لك، فلمّا اتاه واعطاه ما أمره به قال له موسى الكاظم: رأيت في منامي ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أتاني فقال: يا موسى حبست مظلوماً فقل هذه الكلمات فانك لا تبيت هذه الليلة في الحبس فقلت: بأبي وأمي ما أقول؟ قال لي: قل يا سامع كل صوت، ويا سابق الفوت، وياكسي العظام لحماً، ويا منشرها بعد الموت أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليماً ذا اناءة لا يقوى على اناءته، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع ابداً ولا يحصى عدداً، فرج عني.

وله اخبار شهيرة ونوارد كثيرة".

قول شهاب الدين التويري

١٧ ـ قال شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب التويري، المتوفى سنة ٧٣٣، في كتابه نهاية الأرب في فنون الأدب، طبع المجلس الاعلى للثقافة القاهرة ١٤٠٤هـ، ج٢٢ ص١٣٣ ـ ١٣٤:

"وفيها (أي: سنة ثلاث وثمانين ومائة) توفى موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ببغداد في حبس الرشيد، وكان سبب حبسه: ان الرشيد اعتمر في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة، فلما عاد إلى المدينة دخل قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الناس، فلما انتهى إلى القبر الشريف وقف فقال: السلام عليك يا رسول الله يا ابن عم ـ قال ذلك افتخاراً على من

ــــــــــــــــــــ

(١) في المصدر الناقلة لهذه القصة: حبشياً.

٤٦

حوله ـ فدنا موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا ابت، فتغير وجه الرشيد وقال: هذا الفخر يا ابا الحسن جداً، ثم أخذه معه إلى العراق فحبسه عند السندي بن شاهك حتى مات.

وكان رجلا صالحاً خيراً ديناً يقوم الليل كله، وهو الملقّب بالكاظم، لقب بذلك لاحسانه لمن أساء إليه".

قول شهاب الدين العسقلاني

١٨ ـ قال شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، في كتابه تهذيب التهذيب(١) ، الطبعة الأولى سنة ١٣٢٧ بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند بمحروسة حيدرآباد الدكن ج١٠ ص٣٣٩ ـ ٣٤٠ قم ٥٩٧:
"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي أبو الحسن المدني الكاظم، روى عن أبيه وعبدالله بن دينار وعبدالملك بن قدامة الجمحي، وعنه أخواه علي ومحمد، وأولاده: ابراهيم وحسين واسماعيل وعلي الرضي، وصالح بن يزيد، ومحمد بن صدقة العنبري.

قال أبو حاتم: ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين.

قال يحيى بن الحسن بن جعفر النسابة: كان موسى بن جعفر يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده.

وقال الخطيب: يقال: انه ولد بالمدينة في سنة ١٢٨هـ واقدمه المهدي إلى بغداد ثم رده إلى المدينة، وأقام بها إلى أيام الرشيد، فقدم هارون منصرفاً من عمرة رمضان سنة ٧٩، فحمله معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفى في محبسه.

وقال محمد بن صدقة العنبري: توفى سنة ١٨٣، وقال غيره: في رجب

ــــــــــــــــــــ

(١) هذا الكتاب مختصر لكتاب تهذيب الكمال، وتهذيب الكمال مختصر لكتاب الكمال في أسماء الرجال.

٤٧

ومناقبه كثيرة.

قلت: ان ثبت ان مولده سنة ٨ فروايته عن عبدالله بن دينار منقطعة عبدالله بن دينار توفى سنة ٢٧".

وقال ايضاً في كتابه تقريب التهذيب(١) ، طبع المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ج٢ ص٢٨٠ رقم ١٤٤٤:

"موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن الهاشمي، المعروف بالكاظم، صدوق عابد، من السابعة، مات سنة ثلاث وثمانين"(٢) .

قول جمال الدين الأتابكي

١٩ ـ قال جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الاتابكي المتوفى سنة ٨٧٤هـ، في كتابه النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب في مصر، ج٢ ص١١٢:

"وفيها (أي في سنة ١٨٣هـ) توفى الامام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن السيد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.

كان موسى المذكور يدعى العبد الصالح لعبادته، وبالكاظم لعلمه ولد بالمدينة سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائة، وكان سيداً عالماً فاضلا سنياً جواداً ممدوحاً مجاب الدعوة".

قول الداعي إدريس عماد الدين

٢٠ ـ قال الداعي ادريس عماد الدين المتوفى سنة ٨٧٢، في كتابه تاريخ الخلفاء الفاطميين بالمغرب (القسم الخاص من كتاب عيون الأخبار) طبعة دار المغرب الاسلامي بيروت ١٩٨٥م ص٤٦ ـ ٤٧:

ــــــــــــــــــــ

(١) هذا الكتاب هو مختصر لكتاب تهذيب التهذيب للمؤلف، فيه زيادات في رجاب مصنفات أصحاب الكتب الستة غير الاصول.

(٢) ومائة.

٤٨

"روى عن عبدالرحمن بن بكار انه قال: حججت فدخلت المدينة فأتيت مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرأيت الناس مجتمعين على مالك بن أنس يسألونه ويفتيهم، فقصدت نحوه، فإذا أنا برجل وسيم حاضر في المسجد وحوله حفدته يدفعون الناس عنه، فقلت لبعض من حوله: من هذا؟ قالوا موسى بن جعفر فتركت مالكاً وتبعته، ولم ازل اتطلف حتى لصقت به، فقلت: يا ابن رسول الله، اني رجل من المغرب من شيعتكم وممن يدين الله بولايتكم قال لي: اليك عني يا رجل فانه قد وكل بنا حفظة اخافهم عليك.

قلت: يسلم الله وانما أردت أن أسألك، فقال: سل عما تريد، قلت: انا قد روينا عن(١) المهدي منكم، فمتى يكون قيامه؟

قال: ان مثل من سألت عنه كمثل عمود سقط من السماء رأسه في المغرب واصله في المشرق، فمن أين ترى العمود يقوم إذا أقيم؟ قلتد من قبل رأسه، قال: فحشبك من المغرب يقوم واصله من المشرق، وهناك يستوي قيامه ويتم أمره".

قول أبو الفلاح الحنبلي

٢١ ـ قال أبو الفلاح عبدالحي بن العماد الحنبلي، المتوفى سنة ١٠٨٩هـ في كتابه شذرات الذهب في أخبار من ذهب، منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت لبنان، ج١ ص٣٠٤ ـ ٣٠٥:

"وفيها (أي: في سنة ١٨٣هـ) توفى السيد الجليل أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ووالد علي بن موسى الرضا، ولد سنة ١٢٨هـ، روى عن أبيه.

قال أبو حامد: ثقة إمام من أئمة المسلمين.

وقال غيره: كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر، بلغه عن رجل

ــــــــــــــــــــ

(١) كذا، الظاهر: ان.

٤٩

الاذى له فبعث بألف دينار، وهو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين على اعتقاد الامامية.

سكن المدينة، فأقدمه المهدي بغداد وحبسه، فرأى المهدي في نومه علياً كرم الله وجهه وهو يقول له: يا محمد( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (١) فاطلقه على ان لا يخرج عليه ولا على أحد من بنيه واعطاه ثلاث آلاف ورده إلى المدينة.

ثم حبسه هارون الرشيد في دولته، ومات في حبسه.

وقيل: ان هارون قال: رأيت حسيناً في النوم قد اتى بالحربة وقال: ان خليت عن موسى هذه الليلة وإلاّ نحرتك بها فخلاه واعطاه ثلاثين ألف درهم.

وقال موسى: رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال لي: يا موسى حبست ظلماً، فقل هذه الكلمات لا تبت هذه الليلة في الحبس:

يا سامع كل صوت، يا سائق(٢) الفوت، ياكسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت، أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين، يا حليماً ذا أناة، يا ذا المعروف الذي لا ينقطع ابداً فرج عني.

واخباره كثيرة شهيرةرضي‌الله‌عنه ".

قول الشيخ سيد الشبلنجي

٢٢ ـ قال الشيخ سيد الشبلنجي المدعو بمومن، في كتابه نور الأبصار في مناقب آل البيت المختار، طبع مكتبة الجمهورية العربية مصر، ص١٤٨ ـ ١٥٢:

"فصل: في ذكر مناقب سيدنا موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله

ــــــــــــــــــــ

(١) محمد ٤٧: ٢٢.

(٢) كذا، وفي بعض المصادر: يا سابق.

٥٠

عنهم:

أمه أم ولد يقال لها حميدة البربرية.

ولد موسى الكاظم بالابواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة.

وكنيته أبو الحسن.

والقابه كثيرة، اشهرها الكاظم، ثم الصابر، والصالح، والامين.

صفته: اسمر عقيق.

شاعره: السيد الحميري.

بوابه محمد بن الفضل.

نقش خاتمه: الملك لله وحده.

قال بعض أهل العلم: الكاظم هو الإمام الكبير القدر، الأوحد الحجة الساهر ليله قائماً، القاطع نهاره صائماً، المسمى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك لنجح حوائج المتوسلين به، ومناقبهرضي‌الله‌عنه كثيرة شهيرة.

يحكى ان الرشيد سأله يوماً فقال: كيف قلتم نحن ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتم بنو علي، وانما ينسب الرجل إلى جده لابيه دون جده لامه؟

فقال الكاظم: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم( ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك يجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى ) (١) ، وليس لعيسى اب، وانما الحق بذرية الأنبياء من قبل أمه وكذلك الحقنا بذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل امنا فاطمة.

وزيادة اخرى يا امير المؤمنين: قال الله عزوجل( فمن حاجك فيه من

ــــــــــــــــــــ

(١) الانعام ٦: ٨٤ ـ ٨٥.

٥١

بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعوا ابناءنا وابنائكم ونساءنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم نبتهل... ) (١) ، ولم يدعصلى‌الله‌عليه‌وآله عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وهم الابناء.

روى موسى الكاظم ـ صاحب الترجمة ـ عن آبائه مرفوعاً قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نظر الولد إلى والديه عبادة.

وعن اسحاق بن جعفر قال: سألت أخي موسى الكاظم بن جعفر قلت: أصلحك الله أيكون المؤمن بخيلا قال: نعم، فقلت: أيكون خائناً قال: ولا يكون كذّاباً، ثم قال: حدثني أبي جعفر الصادق عن آبائه رضي الله عنهم قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: كل خلة يطوى المؤمن عليها ليس الكذب والخيانة.

كراماته :

الاولى: قال حسان بن حاتم الاصم: قال لي شقيق البلخي: خرجت حاجاً سنة ست وأربعين ومائة، فنزلت بالقادسية فبينما أنا انظر في مخرجهم إلى الحج وزينتهم وكثرتهم، إذ نظرت إلى شاب حسن الوجه شديد السمرة نحيف فوق ثيابه ثوب صوف مشتمل بشملة وفي رجليه نعلان وقد جلس منفرداً.

فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفية ويريد أن يخرج مع الناس فيكون كلا عليهم في طريقهم، والله لامضين إليه ولاوبخنه، فدنوت منه، فلما رآني مقبلا نحوه قال: يا شقيق( اجتنوبا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ) (٢) ثم تركني وولى.

ــــــــــــــــــــ

(١) آل عمران ٣: ٦١.

(٢) الحجرات ٤٩: ١٢.

٥٢

فقلت في نفسي ان هذا الأمر عجيب، تكلم بما في خاطري ونطق باسمي، هذا عبد صالح لالحقنه وأسألنه الدعاء واتحلله بما ظننت فيه فغاب عني ولم أره فلما نزلنا وادي فضة، فإذا هو قائم يصلي، فقلت: هذا صاحبي أمضي اليه واستحله فصبرت حتى فرغ من صلاتاه، فالتفت الي وقال: يا شقيق اتل( واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحاً ثم اهتدى ) (١) ، ثم قام وتركني.

فقلت: هذا فتى من الابدال قد تكلم على سري مرتين.

فلما نزلنا بالابواء إذا انا بالفتى على البئر وأنا انظر اليه وبيده ركوة فيها ماء، فسقطت من يده في البئر، فرمق إلى السماء بطرفه، وسمعته يقول:

وقوتي إذا أردت طعاما انت شرابي إذا ظمئت من الماء

ثم قال: الهي وسيدي مالي سواك فلا تعدمنيها.

فوالله لقد رأيت الماء قد ارتفع إلى رأس البئر والركوة طائفة عليه، فمد يده فأخذها، فتوضأ منها وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيديه ويجعل في الركوة ويحركها ويشرب، فأقبلت نحوه وسلمت عليه، فردّ علي السلام. فقلت: اطعمني من فضل ما انعم الله به عليك، فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علي ظاهرة وباطنة فاحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا فيها سويق بسكر، فوالله ما شربت قط الذّ منه ولا أطيب، فشربت روويت حتى شبعت، فأقمت أياماً لا اشتهي طعاماً ولا شراباً.

ثم لم أره حتى نزلنا بمكة، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب نصف الليل وهو قائم يصلي بخشوع وانين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر، ثم قام إلى حاشية المطاف فركع ركعتي الفجر هناك، ثم صلّى الصبح مع الناس،

ــــــــــــــــــــ

(١) طه ٢٠: ٨٢.

٥٣

ثم دخل المطاف فطاف إلى بعد شروق الشمس، ثم صلى خلف المقام، ثم خرج يريد الذهاب فخرجت خلفه أريد السلام عليه، وإذا بجماعة أحاطوا به يميناً وشمالا ومن خلفه ومن أمامه وخدم وحشم وأتباع خرجوا معه، فقلت لأحدهم: من هذا الفتى يا سيدي؟ فقال: هذا موسى الكاظم بن جعفر بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وهذه الكرامة رواها جماعة من أهل التأليف، ورواها ابن الجوزي في كتابه مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن، ورواها الجنابذي في معالم العترة النبوية، والرامهرمزي في كتابه كرامات الأولياء، وهي كرامة اشتملت على كرامات.

الثانية: من كتاب الدلائل للحميري:

روى أحمد بن محمد، عن أبي قتادة، عن أبي خالد الزبالي قال: قدم علينا أبو الحسن موسى الكاظم زبالة ومعه جماعة من أصحاب المهدي بعثهم لاحضاره لديه إلى العراق من المدينة، وذلك في مسكنه الأول، فأتيته فسلّمت عليه، فسرّ برؤيتي وأوصاني بشراء الحوائج وتبقيتها عندي له، فراني غير منبسط، فقال: مالي أراك منقبضاً؟ فقلت: كيف لا انقبض وأنت سائر إلى هذه الفرقة الطاغية ولا أمن عليك.

فقال: يا أبا خالد، ليس علي بأس، فإذا كان في شهر كذا في اليوم الفلاني منه فانتظرني آخر النهار مع دخول الليل، فإني أوافيك ان شاء الله تعالى.

قال أبو خالد: فما كان لي هم إلاّ احصاء تلك الشهور والأيام إلى ذلك اليوم الذي وعدني المجيء فيه، فخرجت غروب الشمس فلم أر أحداً، فلما كان دخول الليل إذا بسواد قد أقبل من ناحية العراق، فقصدته فإذا هو على بغلة أمام القطار، فسلمت عليه وسررت بمقدمه وتخلّصه.

فقال لي: اداخلك الشك يا ابا خالد؟ فقلت: الحمد لله الذي خلصك من هذه الطاغية.

فقال: يا ابا خالد ان لهم إلي دعوة لا اتخلص منها.

٥٤

الثالثة: عن عيسى المدائني قال: خرجت سنة إلى مكة فأقمت بها مجاوراً ثم قلت اذهب إلى المدينة فأقيم بها سنة مثل ما اقمت بمكة فهو اعظم لثوابي فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلى إلى جنب دار ابي ذر وجعلت اختلف إلى سيدنا موسى الكاظم، فبينا انا عنده في ليلة ممطرة إذ قال: يا عيسى قم فقد انهدم البيت على متاعك، فقمت فإذا البيت قد انهدم على المتاع، فاكتريت قوماً كشفوا عن متاعي واستخرجت جميعه، ولم يذهب لي غير صطل للوضوء، فلما اتيته من الغد قال: هل فقدت شيئاً من متاعك فندعو الله لك بالخلف، فقلت: ما فقدت غير صطل كان لي أتوضأ منه.

فأطرق رأسه ملياً ثم رفعه فقال: قد ظننت انك نسيته قبل ذلك، فات جارية رب الدار فاسألها عنه وقل لها: انسيت الصطل في بيت الخلاء فرديه، قال فسألتها عنه فردته.

الرابعة: عن عبدالله بن ادريس عن ابن سنان قال: حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثياباً فاخرة أكرمه بها ومن جملتها دراعة منسوجة بالذهب سوداء من لباس الخلفاء فانفذها علي بن يقطين لموسى الكاظم، فردها وكتب إليه: تحتفظ عليها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج معه إليها.

فارتاب علي بن يقطين لردها عليه ولم يدر ما سبب كلامه ذلك، ثم انه احتفظ بالدراعة وجعلها في سفط وختم عليها.

فلما كان بعد مدة يسيرة تغير علي بن يقطين على بعض غلمانه ممن كان يختص بأموره ويطلع عليها، فصرفه عن خدمته وطرده لأمر أوجب ذلك منه، فسعى الغلام بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقال له: ان علي بن يقطين يقول بامامة موسى الكاظم وانه يحمل إليه في كل سنة زكاة ماله والهدايا والتحف، وقد حمل إليه في هذه السنة ذلك وصحبته الدراعة السوداء التي اكرمته بها يا أمير المؤمنين في وقت كذا.

فاستشاط الرشد لذلك غيظاً وقال: لاكشفن عن ذلك، فان كان الأمر على ما ذكرت ازهقت روحه، وذلك من بعض جزائه، فانفذ في الوقت والحين من احضر علي بن يقطين، فلما مثل بين يديه قال: ما فعلت بالدراعة السوداء التي كسوتكها واختصصتك بها مدة من بين سائر خواصي.

قال: هي عندي يا أمير المؤمنين في سفط فيه طيب مختوم عليها.

٥٥

فقال احضرها الساعة.

قال نعم يا أمير المؤمنين، السمع والطاعة، واستدعى بعض خدمه، فقال: امض وخذ مفتاح البيت الفلاني من داري وافتح الصندوق الفلاني واتني السفط الذي فيه على حالته بختمه، فلم يلبث الخادم إلاّ قليلا حتى عاد وصحبته السفط مختوماً، فوضع بين يدي الرشيد فأمر بفك ختمه، ففك وفتح السفط، وإذا بالدراعة فيه م طوية على حالها لم تلبس ولن تدنس ولم يصبها شيء من الأشياء، فقال لعلي بن يقطين ردّها إلى مكانها وخذها وانصرف راشداً، فلن نصدق بعدك عليك ساعياً، وأمر أن يتبع بجائزة سنية وتقدّم بأن يضرب الساعي ألف سوط، فضرب فلما بلغوا به الخمسمائة سوط مات تحت الضرب قبل الالف.

الخامسة: روى اسحاق بن عمار قال: لما حبس هارون الرشيد موسى الكاظم دخل الحبس ليلا أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة، فسلّما عليه وجلسا عنده وأرادا أن يختبراه بالسؤال لينظرا مكانه من العلم، فجاء بعض الموكلين به فقال له: ان نوبتي قد فرغت وأريد الانصراف من غد أن شاء الله تعالى فان كان لك حاجة تأمرني ان اتيك به غدا إذا جئت، فقال مالي حاجة به انصرف.

ثم قال لابي يوسف ومحمد بن الحسن: اني لاعجب من هذا الرجل يسألني ان اكلفه حاجة يأتيني بها معه غدا إذا جاء وهو ميت في هذه الليلة، فامسكا عن سؤاله وقاما ولم يسألاه عن شيء، وقالا: أردنا ان نسأله عن الفرض والسنة فأخذ يتكلم معنا بالغيب، والله لنرسلن خلف الرجل من يبيت على باب داره وينظر ماذا يكون من أمره، فأرسلا شخصاً من جهتهما جلس على باب ذلك الرجل، فلما كان اثناء الليل وإذا بالصراخ والناعية، فقيل لهم: ما الخبر؟ فقالوا مات صاحب البيت فجاة فعاد إليهما الرسول واخبرهما، فتعجبا من ذلك غاية العجب انتهى من الفصول المهمة.

كان موسى الكاظم رضي الله عنه اعبد أهل زمانه وأعلمهم واسخاهم كفاً وأكرمهم نفساً، وكان يتفقد فقراء المدينة فيحمل إليهم الدراهم والدنانير إلى بيوتهم ليك وكذلك النفقات ولا يعلمون من أي جهة وصلهم ذلك، ولم يعلموا بذلك إلاّ بعد موته.

وكان كثيراً ما يدعوا بـ: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب.

تتمة: في الكلام على وفاته وأولاده رضي الله عنه.

٥٦

روى أحمد بن عبدالله بن عمار، عن محمد بن علي النوفلي قال: كان السبب في أخذ الرشيد لموسى بن جعفر وحبسه اياه انه سعى به إليه جماعة وقالوا: ان الاموال تحمل اليه من جميع الجهات والزكاة والاخماس، وانه اشترى ضيعة وسماها السيديه بثلاث آلاف دينار، فخرج الرشيد في تلك السنة يريد الحج، وبدأ بدخوله المدينة، فلما أتاها استقبله موسى الكاظم في جماعة من الاشراف فلما دخلها واستقر ومضى كل واحد إلى سبيله ذهب موسى على جاري عادته إلى المسجد، وأقام الرشيد الليل وسار إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله، اني اعتذر إليك من أمر أريد فعله، وهو: ان امسك موسى الكاظم فانه يريد التشغيب بين امتك وسفك دمائهم، واني أريد حقنها.

ثم خرج فأمر به فأخذ من المسجد، فدخل به إليه، فقيده في تلك الساعة واستدعى بقبتين... وسترهما بالفلاط، وجعله في احدى القبتين، وجعل مع كل واحدة منهما خيلا وأرسل بواحدة منهما على طريق البصرة وبواحدة على طريق الكوفة، وانما فعل ذلك الرشيد ليعمى على الناس أمره.

وكان موسى الكاظم بالقبة التي أرسلها بطريق البصرة، وأوصى القوم الذين كانوا معه أن يسلمون إلى عيسى بن جعفر المنصور، وكان على البصرة يومئذ ولياً فسلّموه وحبسه عنده سنة، فبعد السنة كتب إليه الرشيد في سفك دمه واراحته منه، فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خواصه وثقاته الناصحين، فاستشارهم بعد ان اراهم ما كتبه له الرشيد، فقالوا نشير عليك بالاستغفار من ذلك وان لا تقع فيه، فكتب عيسى بن جعفر للرشيد يقول:

يا أمير المؤمنين كتبت إلي في هذا الرجل وقد اختبرته طول مقامه في حبسي فلم يكن منه سوء قط، ولم يذكر أمير المؤمنين إلاّ بخير، ولم يكن عنده تطلع للولاية ولا خروج ولا شيء من أمر الدنيا، ولا دعا قط على أمير المؤمنين ولا على أحد الناس، ولا يدعو إلاّ بالمغفرة والرحمة لجميع المسلمين، مع ملازمته للصيام والصلاة والعبادة، فان رأى أمير المؤمنين يعفيني من أمره ويأمر بتسلمه مني وإلاّ سرحت سبيله، فاني منه في غاية الحرج.

فلما بلغ الرشيد كتاب عيسى بن جعفر كتب إلى السندي بن شاهك ان يتسلّم موسى الكاظم بن جعفر من عيسى بن جعفر وأمره فيه، فكان الذي تولى به السندي قتله: ان جعل له سماً في طعام وقدمه له، وقيل في رطب، فأكل منه موسى الكاظم.

٥٧

ثم انه أقام موعوكاً ثلاثة أيام، ومات رحمه الله تعالى.

ولما مات ادخل السندي الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ينظرون إليه ليس به أثر من جرح أو قتل أو خنق وانه مات حتف انفه.

روى انه لما حضرته الوفاة سأل ابن السندي أن يحضر مولى له مدنياً ينزل عند دار العباس بن محمد ليتولى غسله ودفنه وتكفينه.

فقال له السندي: أنا اقوم لك بذلك على احسن شيء واتمه.

فقال: أنا أهل بيت مهور نسائنا وحج مبرورنا وكفن موتانا وجهازنا من خالص أموالنا، وأريد أن يتولى ذلك مولاي، فأجابه إلى ذلك واحضره له فوصاه بجميع ما يفعل.

فلما مات تولى ذلك مولاه المذكور، كذا في الفصول المهمة.

ومن كتاب الصفوة لابن الجوزي قال: بعث موسى بن جعفر الكاظم إلى الرشيد من الحبس رسالة كتب فيها: بأنه لم ينقص عني يوم من البلاء إلاّ انقضى معه يوم عنك من الرخاء حتى نمضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء، هنالك يخسر المبطلون.

وقد كان قوم من الشيعة زعموا ان موسى الكاظم هو القائم المنتظر، وجعلوا حبسه هو الغيبة المذ زورة للقائم، فأمر هارون الرشيد يحيى بن خالد أن يضعه على الجسر ببغداد، وان ينادي: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة انه لا يموت، فانضروا إليه يمتاً، ففعل ونظر إليه.

ثم حمل ودفن موسى الكاظم في مقابر قريش بباب التين ببغداد، كذا في الانساب وغيره.

وكانت وفاته لخمس بقين من شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة، وله من العمر خمس وخمسون سنة.

٥٨

وأما أولاده ففي الفصول المهمة: كان له سبعة وثلاثين ولداً ما بين ذكر وانثى، وهم:

علي، والرضا(١) ، وابراهيم، والعباس، والقاسم، واسماعيل، وجعفر، وهارون والحسن، وعبدالله، واسحاق، وعبدالله(٢) ، وزيد، والحسن، وأحمد، ومحمد والفضل، وسليمان، وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى، ورقية، وحليمة، وأم اسماء ورقيه الصغرى، وأم كلثوم، وميمونة، انتهى.

ولكنه لم يستوف العدد المذكور من أولاد الكاظم كما في بغية الطالب عون...".

قول الشيخ محمد الصبان

٢٣ ـ قال الشيخ محمد الصبان، في كتابه اسعاف الراغبين، مطبوع بهامش نور الأبصار المطبوع في مصر مكتبة الجمهورية العربية صفحة ٢٢٥ ـ ٢٢٧:

"ولنذكر طرفاً من مناقب اخيها (أي: السيدة عائشة) الامام موسى الكاظم وأبيها الإمام جعفر الصادق، وجدها الإمام محمد الباقر على سبيل الاستطراد:

فنقول: أما موسى الكاظم فكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان من أعبد أهل زمانه، ومن أكابر العلماء الاسخياء.

سأله الرشيد كيف تعقولن: نحن ابناء المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتم ابناء علي؟ فقرأ:

ــــــــــــــــــــ

(١) كذا، والظاهر: علي الرضا.

(٢) كذا، والظاهر عبيد الله.

٥٩

( ومن ذريته داود وسليمان ) إلى أن قال:( وعيسى ) (١) وليس له أب.

ولقب بالكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه.

ومن بديع كراماته ما حكاه بن الجوزي والرامهرمزي عن شقيق البلخي انه خرج حاجاً فراء بالقادسية منفرداً عن الناس، فقال في نفسه: هذا فتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس، لاوبخنه.

فمضى إليه فقال: يا شقيق( اجتنبوا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ) (٢) فأراد أن يعانقه فغاب عن عينه.

ثم رآه بعد على بئر سقطت ركوته فيها، فدعا فطف الماء حتى أخذها فتوضأ وصلى، ثم مال إلى كثيب من الرمل فطرح منه ايها وشرب، قال: فقلت له: اطعمني مما رزقك الله، فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك، فناولنيها فشربت فإذا هو سويق وسكر، فأقمت اياماً لا اشتهي شراباً.

ولا طعاماً، ثم لم أره إلاّ بمكة.

ولما بلغ حج الرشيد سعى به اليه وقيل: ان الأموال تحمل إليه من كل جانب حتى اشترى له ضيعة بثلاثين الف دينار.

فقال الرشيد حين رآه جالساً عند الكعبة: أنت الذي يبايعك الناس سراً؟

قال: أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم.

ولما اجتمعا أمام الوجه الشريف قال الرشيد: سلام عليك يا ابن عم، وقال موسى: السلام عليك يا ابه. فلم يحتملها الرشيد، فحمله إلى بغداد مقيّداً وحبسه فلم يخرج من حبسه إلاّ مقيّداً ميتاً مسموماً".

ــــــــــــــــــــ

(١) الأنعام ٦: ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) الحجرات ٤٩: ١٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66