أضواء على ثورة الحسين

أضواء على ثورة الحسين0%

أضواء على ثورة الحسين مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 250

أضواء على ثورة الحسين

مؤلف: السيد محمد الصدر
تصنيف:

الصفحات: 250
المشاهدات: 111083
تحميل: 14273

توضيحات:

أضواء على ثورة الحسين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 250 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 111083 / تحميل: 14273
الحجم الحجم الحجم
أضواء على ثورة الحسين

أضواء على ثورة الحسين

مؤلف:
العربية

الأهداف المحتملة للحسينعليه‌السلام

ما يُحتمل أنْ يكون هدفاً للإمام الحسينعليه‌السلام في حدود تفكيرنا وإدراكنا، كما يلي. نذكرها جميعاً لنرى ما هو صحيح منها، وما هو قابل للمناقشة، بعد الالتفات إلى أنَّنا نفينا - خلال الحديث السابق عن الشروط - عدداً مِن الأهداف التي قد تخطر في الذهن، كالانتصار العسكري المباشر أو مُباشرة الحُكم فعلاً ونحو ذلك؛ لأنَّها لم تكن جامعة للشرائط؛ إذاً فهي ليست هدفاً للحسينعليه‌السلام في حركته.

إذاً؛ فينبغي أنْ نُعرض عنها الآن، ونذكر غيرها مِمَّا يدور في الحُسبان.

الهدف الأوَّل: أنْ لا يُبايع الحاكم الأُموي يومئذ كما طُلِب منه؛ فإنهعليه‌السلام رفض ذلك بكلِّ قوَّة وصمود، كما ورد عنه أنَّه قال:(... ومثلي لا يُبايع مثله...) (١) ، فقد تحمَّل القتل وهذه التضحيات الجِسام في سبيل ترك هذه البيعة الدنيئة.

وقد يُناقش هذا الهدف بعِدَّة مُناقشات، يحسن بنا أنْ نذكر المهمَّ منها، لكي يتكامل فهمنا لهذا الهدف في نفس الوقت مِن خلال الحديث:

المناقشة الأُولى: إنَّه كان يُمكنه (سلام الله عليه) تجنُّب كلا الأمرين: المبايعة والتضحية معاً، فلماذا اختار التضحية مع إمكانه تجنُّبها؟!

غير أنَّ هذه المناقشة بمُجرَّدها غير تامَّة؛ للوضوح التاريخي مِن أنَّهعليه‌السلام كان مُكرهاً على أحد أمرين: المبايعة أو الشهادة(٢) ، ولم يكن في

____________________

(١) اللهوف لابن طاووس ص ١١ ابن نما ص١٤ الخوارزمي ج١ص١٨٤

(٢) البحار للمجلسي ج٤٥ ص٩ - اللهوف ص ٤١ - الخوارزمي ج٢ص٦

٨١

مُستطاعه طبيعيَّاً أنْ يتجنَّبهما معاً؛ لمدى الضغط العظيم الذي وجَّهته الدولة يومئذ عليه - طبعاً - للمبايعة، وتهديداً بالموت إنْ تركها.

ويدلُّ على هذا الأمر مُضافاً إلى وضوحه التاريخي، الارتكاز العامِّ لفهم الدولة الأُمويَّة يومئذ، وكذلك ما فعل يزيد بن مُعاوية بسائر مُعارضيه مِن المحاربة والتنكيل، ولم يكن الحسينعليه‌السلام ببِدع مِن ذلك، كما يُعبِّرون.

ويدلُّ عليه - أيضاً - ما ورد عنهعليه‌السلام مٍن قوله:(ألا وإنَّ الدَّعيَّ... (١) بن الدَّعي قد رَكَزَ اثنتين: بين السلِّة (٢) والذِّلَّة، وهيهات مِنَّا الذِّلَّة يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون...) (٣) .

والدَّعي بن الدعي هو الحاكم الأُموي.

والسِّلَّة هو سلُّ السيف للقتل، والمراد به التهديد بالقتل.

والذِّلَّة هو المبايعة والدخول تحت السيطرة الأُمويَّة. وقوله: وهيهات منَّا الذِّلَّة، يعني هيهات منَّا المبايعة كما يُريد الحاكم الأُموي. كما قال في الخُطبة نفسها:(... أنْ نؤثر بيعة اللئام على مصارع الكرام) (٤) كما يدلُّ على ذلك ما ورد مِن أنَّ الحُكم القائم يومئذ دسَّ في مَكَّة أربعين مِن العُتاة وبثَّهم ما بين الناس، وأوصاهم أنْ يقتلوا الحسينعليه‌السلام حيث وجدوه، ولو كان مُتعلِّقاً بأستار الكعبة، وقد علم الحسينعليه‌السلام ذلك؛ ومِن هنا خرج مِن مَكَّة قاصداً كربلاء؛ لكي لا يكون مقتولاً داخل الحرم المكِّي، الذي جعله الله آمنا وحرَّم فيه كلَّ أشكال إهراق

____________________

(١) الدَّعيُّ: المتَّهم في نسبه، والذي يُدعى لغير أبيه - أقرب الموارد ج١ص٣٧٣ - مجمع البحرين ج١ ص١٤٤ - بتصرُّف

(٢) السِّلَّة: سلَّ الشيء مِن الشيء سلَّاً: انتزعه وأخرجه في رفق، كسلَّ السيف مِن الغِمد - أقرب الموارد ج١ص٥٣٥ - مجمع البحرين ج٥ص٣٩٨ - بتصرَّف.

(٣) اللهوف لابن طاووس ص ٤١ - مقتل الخوارزمي ج٢ص٦.

(٤) نفس المصدر، أسرار الشهادة للدربندي.

٨٢

الدم حتَّى الصيد(١) ؛ فكَرِهعليه‌السلام أنْ يكون سبباً لهتك هذا الحَرَم المقدَّس.

إذاً؛ فلم يكن مُستطيعاً أنْ يتجنَّب كلا الأمرين: البيعة والتضحية معاً، بلْ كان مُكرهاً على أنْ يقبل بأحدهما.وقد اختار لنفسه أعلاهما وأشرفهما وهو التضحية.

المناقشة الثانية: إنَّ هذا الهدف إنَّما هو هدفه الشخصي مِن حركته، ونحن نُريد التعرُّف على ما يكون مُحتملاً مِن أهداف الحكمة الإلهيَّة في ذلك.

وقد أشرنا في مُقدِّمات هذا البحث، إلى ثبوت كلا هذين النحوين مِن الأهداف، غير أنَّ هذه المناقشة أيضاً لا تتمُّ لعِدَّة وجوه، نذكر المهمَّ منها:

أوَّلاً: إنَّ انقسام الأهداف - كما ذكرنا - وإنْ كان صحيحاً، غير أنَّ الباحث أو المفكِّر، كما يطمح أنْ يتعرَّف على الهدف الثابت في الحكمة الإلهيَّة، يطمح أيضاً أنْ يتعرَّف على الهدف الشخصي سواء بسواء.

فالقول باختصاص الطموح بأحد النوعين مِن الأهداف، دون الثاني قول بلا موجب.

إذاً؛ فحتَّى لو كان عدم المبايعة هدفاً شخصيَّاً، فنحن يحسن بنا أنْ نلتفت إليه ونأخذه بنظر الاعتبار.

ثانياً: إنَّ عدم المبايعة هنا - كما هو هدف شخصيٌّ للحسينعليه‌السلام - هو هدف للحكمة الإلهيَّة أيضاً. وأوضح سبيل إلى إيضاحه، أنْ نقيس الأمر بحصول المبايعة، فكم سوف يحصل مِن المفاسد بوجودها؟ وكيف يتغيَّر الدين الخالص؟ ويبقى مُتغيِّراً فاسداً - وحاشاه - إلى يوم القيامة، وهذا بكلِّ تأكيد خلاف الحكمة الإلهيَّة؛ إذاً فوجود البيعة مُخالفاً للحكمة الإلهيَّة؛ فيكون

____________________

(١١٢) سورة الأعراف آية (٩٤-٩٦)

٨٣

عدمها موافقاً لها لا مُحالة

المناقشة الثالثة لهذا الهدف: إنَّه هدف وقتي منوط لا محالة بحياة الإمام الحسين (عليه‌السلام ). كما هو منوط بحياة الحاكم الأُموي؛ لوضوح أنَّه لا معنى للمبايعة لدى موت أحدهما، ونحن إنَّما نُريد الاطِّلاع على الأهداف الدائميَّة لا الأهداف الوقتيَّة. غير أنَّ هذه المناقشة غير صحيحة، ونورد عليها ما يُشبه الوجهين اللذين أوردناهما على المناقشة السابقة.

أوَّلاً: إنَّ هذا الهدف وإنْ سلَّمنا أنَّه هدف وقتيٌّ، إلاَّ أنَّ اختصاص تعرُّف الباحث أو المفكِّر بالأهداف الدائمة وغير الوقتيَّة بلا موجب، بلْ نحن نُريد التعرُّف على كلا الشكلين مِن الأهداف.

ثانياً: إنَّ هذا الهدف وإنْ كان منوطاً بحياة هذين الشخصين، إلاَّ أنَّه - مع ذلك - ليس وقتيَّاً بلْ مُستمرَّ، ولنا أنْ نقيس ذلك إلى صورة حصول المبايعة، فكما أنَّ المفاسد مع حصول المبايعة سوف لن تكون وقتيَّة بكلِّ تأكيد، كذلك المصالح والأهداف الناتجة عن ترك المبايعة سوف لن تكون وقتيَّة، ويكفي بها أنْ تكون تخلُّصاً ودفعاً لتلك المفاسد المستمرَّة؛ إذاً فهي أهداف مُستمرَّة.

المناقشة الرابعة لهذا الهدف: إنَّ الإمام الحسينعليه‌السلام لم يكن مُضطرَّاً أو مُكرهاً على هذين الأمرين: البيعة أو التضحية. بلْ كان يُمكنه أنْ يتجنَّبهما معاً - كما قلنا في المناقشة الأُولى - ولكنَّنا قلنا هناك: إنَّه يُمكنه أنْ يتجنَّبهما وهو مُرتاح في بلده، ولم يكن هذا صحيح كما عرفناه.

أما هنا فنقول: إنَّه كان يُمكنه أنْ يخرج إلى بلاد بعيدة لا تنالها يد الأُمويِّين، كاليمن أو الهند أو الأفغان أو غيرها؛ لينجو مِن القتل والبيعة معاً.

خاصَّة، وإنَّ الدول في ذلك الحين لم تكن تملك إمكانيَّات الدول الحاضرة، ولم

٨٤

يكن في استطاعتها الحرب في الأماكن البعيدة، وقد ورد عن بعض ناصحيه - والمشفقين عليه مِن الخروج -(١) هذا المعنى، فلماذا لم يفعل؟!

وجواب ذلك يتمُّ في وجوه نذكر أهمَّها:

أوَّلاً: إنَّ ما قاله المستشكل مِن ضعف الدول القديمة وإنْ كان صحيحاً إجمالاً، إلاَّ أنَّه ليس صحيحاً تماماً؛ إذ يكفي أنْ نتصوَّر كيف سار الفتح الإسلامي في ذلك القَرن الأوَّل نفسه، بلْ قبل مقتل الحسينعليه‌السلام إلى العراق وإيران، وسوريا وفلسطين ومصر، وأذلَّ الجبابرة والقياصرة والأكاسرة، فكيف حصل ذلك إلاَّ باستعداد تامٍّ ومعنويَّات عالية؟!

كما يكفي أنْ نتذكَّر كيف خاض الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام قبل مقتل الحسين بمُدَّة طويلة حروباً مُروِّعة كصِفِّين والنهروان. أمَّا عن الحديث عن حروب الجاهليَّة السابقة على الإسلام فحدِّث و لا حرج.

إذاً؛ فالناس في ذلك الحين، كانوا مُقاتلين شجعاناً، ومُتدرِّبين على تحمُّل أنواع المصاعب في سبيل ما يطمحون إليه مِن الأهداف، أو ما يُؤمَرون به مِن الأغراض.

إذاً؛ فمِن المحتمل جِدَّاً، بلْ السائغ تماماً، أنْ نتصوَّر أنَّ الحسينعليه‌السلام أينما ذهب فسوف يُرسل الحاكم الأُموي خلفه جيشاً عرمرماً(٢) للقضاء عليه وقتله، أو أنْ يدسَّ إليه مَن يقتله غيلة أينما وجده، وليس كلُّ ذلك على المفسدين ببعيد.

إذاً؛ فهذا التخيير بين (السِّلَّة والذلَّة) أو البيعة والتضحية، كانعليه‌السلام مُكرهاً عليه في كلِّ وجه الأرض المنظور يومئذ بكلِّ تأكيد، ولم يُمكن النجاة منه على أيِّ حال.

____________________

(١) ومنهم (محمد بن الحنفيَّة وعبد الله بن عباس) تاريخ الطبري ص٢١٩ - الكامل في التاريخ ج٤ ص٧ وص١٦

(٢) عرمرماً: الشديد والجيش الكبير (أقرب الموارد ج٢ ص٧٧٣)

٨٥

ثانياً: إنَّ الأمام الحسينعليه‌السلام لو ذهب بعيداً، لأرجف عنه أعداؤه أنَّه ذهب مُنهزماً عن المواجهة وفارَّاً مِن الملاقاة، ولوصفوه بكلِّ عظيمة، والأعلام يومئذ وفي كلِّ يوم على استعداد لذلك على أيِّ حال، وهذا ما لا يُريده لنفسه بعد أنْ كان يعيش مِن نقطة قوَّة وبروز في المجتمع بصفته سِبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وابنه، وسيِّد شباب أهل الجنَّة، والإمام المفترض الطاعة لطائفة مِن المسلمين.

كيف، ونحن نجد أعداءه قد أرجفوا ضدَّه، بالرغم مِن تضحيته وصبره وصموده؛ فكيف كان عليه الحال لو اختار الاحتمال الآخر. وإنْ كان يُدرك أنَّ فيه بعض المصالح.

على أيِّ حال، يكفي أنَّ هذا الإرجاف عندئذ يستطيع أنْ يُسيطر في المجتمع الجاهل، وأنْ يسلب بعض نقاط القوَّة، التي كان يعيشها الحسينعليه‌السلام فقد لا يكون عندئذ ناجحاً في عمله، حتَّى لو ذهب إلى مكان بعيد.

ثالثاً: إنَّنا لا ينبغي أنْ نتوقَّع أنْ يذهب الحسينعليه‌السلام إلى أيِّ نقطة مِن العالم كيف كانت؛ ولذا لم يذكر له الذين ناقشوه على الخروج إلاَّ منطقة واحدة هي اليمن، وقالو له: (إنَّ فيها شيعة لأبيك)(١) ؛ لأنَّ أباه أمير المؤمنينعليه‌السلام ذهب إلى اليمن بأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ردحاً مِن الزمن ورآه اليمنيُّون وأحبُّوه.

أمَّا ذهابه إلى مناطق أُخرى، فغير معقول إطلاقاً، إمَّا لكونهم ضدَّ الحسينعليه‌السلام كما حصل في الكوفة وكربلاء، وإمَّا لأنَّهم غير مُسلمين أساساً، وإمَّا لأنَّهم غير عرب أساساً، يتعذَّر العيش معهم لاختلاف لُغتهم، وإمَّا لأنَّهم مُتخلفون حضاريَّاً، بحيث يضيع وجوده بينهم وينقطع خبره عن الآخرين، وكلُّ

____________________

(١) الخوارزمي ج١ص١٨٨ - مناقب بن شهر آشوب ج٢ص٢٤٠ ط نجف

٨٦

ذلك غير معقول ولا يُريده الحسين لنفسه.

وأُكرِّر الآن: أنَّ المكان الوحيد البعيد الذي كان مُناسباً نسبياً، لم يكن إلاَّ اليمن، وهو الوحيد الذي ذكروه له، إلاَّ أنَّه رفضه، وكان رفضه بحسب فهمنا مُعتمداً على الوجهين الأوَّلين، اللذين قلناهما قبل قليل لهذه المناقشة فراجع وفكِّر، مُضافاً إلى أُمور أُخرى تعرفها مِن أجوبة المناقشات السابقة.

وحيث لم تتمَّ مُناقشة واحدة لهذا الهدف الحسيني الجليل؛ إذاً يتعيَّن الأخذ به، وهو ترك البيعة ليزيد بن مُعاوية، واختيار التضحية عليه، فإذا تمَّ هدف آخر فيما يلي، كان نوراً على نور، وإلاَّ ففي هذا الهدف الكفاية.

الهدف الثاني: الممكن لحركة الحسينعليه‌السلام الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى إيَّاه بها، ذلك الأمر المعروف لديه - إمَّا بالإلهام أو بالرواية عن جَدِّه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) - وكان يطلب ثواب الله وجزاءه الأُخروي على ذلك تماماً، كما يفعل أيُّ مؤمن حين يؤدِّي أيَّ واجب دينيٍّ، كالصلاة أو الصوم أو الحجِّ.

ويدلُّ على ذلك: ما ورد عن جَدِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنَّه قال له في المنام:(يا بني، إنَّه لا بُدَّ لك مِن الشهادة، وإنَّ لك درجات عند الله عزَّ وجلَّ لن تنالها إلاَّ بالشهادة) (٢) ، كما يدلُّ عليه ما ورد: أنَّه بعد مقتلهعليه‌السلام وضعت أُخته الحوراء زينب (سلام الله عليها) يديها تحت جسده الطاهر وقالت: (اللَّهمَّ، تقبَّل منَّا هذا القُربان)(٣) ؛ لوضوح أنَّ القَبول إنَّما يكون لعمل مِن أعمال الامتثال والطاعة.

وهذا الهدف صحيح بكلِّ تأكيد، كما أنَّه بكل تأكيد هدف شخصيٌّ

____________________

(١) البحار للمجلسي ج٤٤ ص٣٢٨ أسرار الشهادة للدربندي ص٢٢٤

(٢) أمالي الصدوق، مجلس ٣٠ص١٣٥ الخوارزمي ج١ص١٨٧ البحار ج٤٤ص٣٢٨

(٣) الكبريت الأحمر ج٣ص١٣ عن الطراز المذهَّب.

٨٧

له، وليس مِن أهداف الحكمة الإلهيَّة في حركته؛ فإنَّ الحكمة الإلهيَّة وإنْ كانت تُريد امتثاله وطاعته (سلام الله عليه)، إلاَّ أنَّ هذا مِمَّا يعود إليه لا أنَّه يعود على غيره، والأهداف التي نتحدَّث عنها إنَّما هي الأهداف التي تعود إلى غيره بالنفع. مِمَّا قلنا: إنَّه مِن أهداف الحكمة الإلهيَّة مِن حركته - في حدود ما نستطيع تعقُّله - إلاَّ أنَّنا قلنا - في نفس الوقت -: إنَّ الطموح غير خاصٍّ بالأهداف العامَّة، بلْ تشمل الأهداف الخاصَّة أيضاً. مُضافاً إلى إمكان أنْ يُقال بكلِّ تأكيد - أيضاً -: إنَّ عدم انتفاع الآخرين مِن هذا الهدف غير صحيح إطلاقاً، لا في الدنيا ولا في الآخرة. أمَّا في الدنيا؛ فلما سنذكره مِن الأهداف الآتية: مِن أنَّ حركته أوجبت هداية الناس، وتعريفهم أهميَّة الدين، ولزوم التضحية له عند الحاجة بالنفس والأهل والمال والوُلِد، وأنَّ طاعة الله سبحانه لازمة على كلِّ حال. وأمَّا في الآخرة؛ فلأنَّهعليه‌السلام أصبح واسع الشفاعة يوم القيامة، أكثر مِن أيِّ واحد مِن المعصومين الآخرين (سلام الله عليهم). كما ثبت في محلِّه، ووردت عليه بعض النصوص(١) ، ولم يكن لينال هذه المنزلة لولا تلك المقامات والدرجات التي حصلت له بالشهادة نفسها.

إذاً؛ فالأمر كما يعود إليه يعود إلى غيره، والرحمة الإلهيَّة عامَّة للجميع.

الهدف الثالث: الذي قد يخطر في بعض الأذهان لحركة الحسينعليه‌السلام هو الانتصار العسكري المباشر، أو قلْ: إزالة الحُكم الأُموي فوريَّاً.

وهذا مِمَّا سبق أنْ أشرنا إلى نفيه خلال حديثنا عن الشروط السابقة(٢) ، ولكنَّنا نذكره الآن لأنَّ عدداً مِن الناس بما فيهم بعض المفكِّرين قد يتصوَّرونه.

وقد يُستدلُّ عليه بما ورد مِن أنَّه قيل لمسلم بن عقيل (سلام الله عليه) حين تألَّب عليه الأعداء في الكوفة:إنَّ الذي يطلب ما تطلب لا يبكي إذا نزل به ما

____________________

(١) الخصائص الحسينيَّة للتُّستري ص١٤ (ط) - والبحار للمجسي ج٩٨ص١٦ (ط)

(٢) الشرط الثالث مِن باب حدود أهداف الحسين فراجع.

٨٨

نزل بك (١) .

إذاً؛ فهو يطلب السيطرة على الحُكم - أعني: من الناحية الدينيَّة - ويُدافع عن هذا الهدف ضمن دفاع الحسينعليه‌السلام لأنَّه رسوله إلى الكوفة.

غير أنَّ صحَّة هذا الهدف تتوقَّف على أُمور، لو تمَّ أيُّ واحد منها أمكن قبوله، وإلاَّ فلا.

الأمر الأوَّل: أنْ نتصوَّر الإمام الحسين قائداً دنيويَّاً، قد تخفى عليه بعض النتائج، وأنَّ عدم سيطرته الفعليَّة على الحُكم أمر لم يكن يتوقَّعها أوَّل الأمر، ثمَّ أصبح مغلوباً على أمره مُتورِّطاً في فعله.

وقد سبق أنْ ناقشنا ذلك مُفصَّلاً، وعلمنا أنَّهعليه‌السلام عالم بالنتائج قبل حدوثها - أمَّا بالإلهام أو بالرواية عن جَدِّهصلى‌الله‌عليه‌وآله - ومِن هنا؛ فمِن غير المعقول أنْ نُجرِّد منه قائداً دنيويَّاً مَهما كان عبقريَّاً.

الأمر الثاني: أنْ يكون هذا الهدف الذي يُقال أو أيُّ هدف يُقال، جامعاً للشرائط؛ لأنَّه ينقص منه شرط واحد وهو التحقُّق فعلاً، فإنَّ هذا الهدف لم يتحقَّق أصلاً قطعاً، فلا ينبغي أنْ نعتبره هدفاً كما سبق أنْ برهنَّا عليه هناك.

الأمر الثالث: أنْ نفهم مِن التاريخ أنَّ انتصار الحسين وفوزه المباشر على أعدائه أمر مُحتمل، وأنَّ احتماله وارد ومعقول، بحيث يكون استهدافه أمراً معقولاً، وأمَّا إذا كان في نفسه أمراً غير مُحتمل، كما يعرفه جماعة مِن حُذَّاق المجتمع ومُفكِّريه - بما فيهم الذين ناقشوه في الخروج إلى الجهاد(٢) - إذاً، فلا يكون استهداف مثل هذا الهدف معقولاً عُرفاً وعقلائيَّاً وسياسيَّاً، فضلاً عن الالتفات إلى العلم الإلهي والحكمة الإلهيَّة.

الهدف الرابع: المحتمل لحركة الإمام الحسينعليه‌السلام

____________________

(١) مقتل الخوارزمي ج١ص٢١١ - الطبري ج٦ص٢١١ - الإرشاد للمفيد ص٢١٤

(٢) مَرَّ ذكرهم سابقاً فراجع.

٨٩

فضح بني أُميَّة ومَن كان على شاكلتهم مِن يومه إلى يوم القيامة، بأنَّهم ليسوا فقط ظالمين لأنفسهم بينهم وبين الله سبحانه، بلْ ولا ظالمين للناس في حُكمهم غير العادل فحسب، وإنَّما الأمر أكثر مِن ذلك، فإنَّهم على استعداد أنْ يقتلوا الرجال والأطفال وأنْ يسبوا النساء وأنْ يقتلوا خير الخلق الموجودين على وجه الأرض؛ مِن أجل التمسُّك بالحُكم أو الكرسي، وهذا معناه أنَّهم مُستعدُّون أنْ يقتلوا أيَّ إنسان أو أيَّ عدد مِن الناس - مهما كثر عدده أو كثرت أهميَّته في سبيل، ذلك كما أنَّ معناه عدم وجود عاطفة الإنسانيَّة في قلوبهم على الإطلاق، كما أنَّ معناه أنَّهم على استعداد أنْ يفعلوا أيَّ مُنكر آخر مِمَّا يرتبط بالملك أو لا يرتبط، بعد أنْ انسلخوا تماماً عن الإنسانيَّة وعن الورع وعن المحارم.

وهذا الهدف صحيح وواقعي، وقد حصل فعلاً على إثْرِ واقعة كربلاء مُباشرة، ولا زال ساري المفعول وسيبقى إلى يوم القيامة ضِدَّ بني أُميَّة الحُكَّام السابقين، وضِدَّ أضرابهم مِن الظالمين مِن البشر إلى قيام يوم الدين.

ومِن هنا؛ فإنِّي أعتقد أنَّ هذا الحاكم الأُموي قد أخطأ خطأً كبيراً، حين سوَّد صحيفة أعماله بأُمور كثيرة و مُنكرات فضيعة جِدَّاً، وأوجب سوء ظنِّ الناس والتاريخ به وبعشيرته وأمثاله باستمرار، مُضافاً إلى غضب الله سبحانه؛ وذلك أنَّه فعل ثلاثة أُمور مُهمَّة مُضافاً إلى مُنكراته الشخصيَّة، أهمُّها قتل الحسينعليه‌السلام وجيشه في كربلاء والتنكيل تنكيلاً فضيعاً(١) ، مُضافاً إلى رمي الكعبة بالمجانيق، وكان بمنزلة القصف المدفعي في زماننا؛ إذ يُشعلون النار في بعض المواد ويقذفونها بعيداً على العدوِّ بواسطة الآلة القاذفة، التي تُسمَّى بالمِنجنيق، وقد بقيت الكعبة المشرفَّة تحت هذا القصف المركز أيَّاماً بلياليها(٢) .

____________________

(١) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج٢ص٥.

(٢) نفس المصدر ج٢ص١٠.

٩٠

هذا مُضافاً إلى واقعة الحَرَّة، بقيادة مسلم بن عقبة، الذي أباح المدينة المنوَّرة ثلاثة أيَّام كاملة، قتلاً ونهباً وسلباً واعتداءً على الأموال والنساء والأطفال، بشكل لم يسبق له مَثيلاً(١) .

____________________

(١) نفس المصدر ج١ص١٧٩

ويحسن أنْ نُشير إلى خلافة يزيد، وما أرتكب فيها مِن جرائيم، حيث بدأت خلافة يزيد بن مُعاوية في أواخر سنة ٦١هـ وانتهت بوفاته في النصف الأوَّل مِن سنة ٦٤هـ، وبذلك تكون مُدَّة حكمه ثلاث سنوات تقريباً، ارتكب فيها أبشع وأقبح جرائم في التاريخ البشري بشكل عامٍّ والإسلامي بشكل خاصٍّ، ففي السنة الأُولى قَتل سبط الرسول وسيِّد شباب أهل الجنَّة، وسبى نساءه وقتل عياله وشرَّدهم وروَّعهم ومثَّل بالأجساد الطاهرة، فأبان الرؤوس عن الأجساد، فحُملت فوق الرماح يُطاف بها مِن بلد إلى بلد، وبذلك صنع مع آل الرسول مالا يُصنع مع الترك أو اليهود أن القوم الكافرين. وفي السنة الثانية أقدم على جريمة بشعة لم يُروَ لها مثيل في التاريخ، وهي واقعة الحَرَّة، وسُمِّيت بهذا الاسم نسبة إلى منطقة الحَرَّة، والتي هي قُرب المدينة المنوَّرة؛ وذلك أنَّه لما أنكر أهل المدينة أفعال يزيد وموبقاته، وكيفيَّة قتل الحسين وأهل بيته وأسر نساءه، وفعله للمحرَّمات حتَّى وصل به الحال إلى الزنى بالمحارم، فيقول ابن سعد في الطبقات الكُبرى وابن الأثير في الكامل: إنَّ عبد الله بن حنظلة - غسيل الملائكة - خطب في أهل المدينة خُطبة قال فيها: (فو الله، ما خرجنا على يزيد حتَّى خفنا أنْ نُرمى بالحجارة مِن السماء. إنَّ رجلاً ينكح الأُمَّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة. والله، لو لم يكن معي أحد مِن الناس لأبليت لله فيه بلاء حسناً). فغضب يزيد مِن ذلك؛ فأرسل جيشاً مؤلَّفاً مِن ثلاثين ألفاً مِن أهل الشام، وعليهم مسلم بن عقبة، وقد قال له: السيف السيف، أجهز على جريحهم، وأقبل على مُدبرهم، وإيَّاك أنْ تُبقي عليهم. فيقع ثلاثون ألفاً مِن أهل الشام - مُدجَّجون بالأسحلة الكاملة - في أهل المدينة قتلاً وذبحاً ثلاثة أيَّام. وخطب مسلم بن عقبة قائلاً: هذه المدينة لكم مُباحة ثلاثة أيَّام دمائها ونسائها وأموالها.

وذكر المؤرِّخون أنَّه بلغ عدد قتلى الحَرَّة يومئذ - مِن قريش والأنصار والمهاجرين وأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - ألفاً وسبعمئة، ومِن سائر الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، وقد نقل المؤرِّخون صور مُروِّعة عن هذه الفاجعة، فمثلاً ما نُقل عن أبي معشر حين قال: إنَّ رجلاً مِن أهل الشام دخل على امرأة نُفساء مِن نساء الأنصار ومعها صبي لها، فقال لها: هل مِن مال؟ قالت: لا والله، ما تركوا لي شيئاً فقال: والله، لتُخرجين إليَّ شيئاً أو لأقتلنَّك وصبيَّك هذا! فقالت: ويحك! إنَّه ولد ابن أبي كبش الأنصاري صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بايعت يوم بيعة الشجرة على أنْ لا أزني ولا أسرق ولا أقتل ولدي... فما أتيت شيئاً، فاتَّق الله. ثمَّ قالت لابنها: يا بُني - والله - لو كان عندي شيء لافتديتك به. (قال:) فأخذ الشاميُّ برُجْل الصبيِّ والثديُ في فمه =

٩١

الهدف الخامس: المحتمل لثورة الحسينعليه‌السلام ، هو طلب الإصلاح أو مُحاولة الإصلاح في الأُمَّة المسلمة، أُمَّة جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا هو الذي روي عنهعليه‌السلام حين يقول:(... لم أخرج أشِراً ولا بطِراً ولا ظالماً، وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمَّة جَدِّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أُريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) (١) ، وذلك حين رأى سلام الله عليه أنَّ الدين قد تغيَّر عن القلوب وأنَّ المعروف لا يُعمل به وأنْ المنكر لا يُتناهى عنه، وأنَّه لم يبقَ منه صُبابة إلاَّ كصُبابة الإناء، أو خساسة عيش

____________________

= فجذبه مِن حِجرها، وضرب به الحائط فانتثر دماغه على الأرض أمام أُمِّه).

ويدخل القوم المدينة وتجول خيولهم فيها، فيقتلون وينهبون فما تركوا في المنازل مِن أثاث ولا حُليٍّ، ولم يتركوا فراشاً إلاَّ نفضوا صوفه ولم يتركوا حتَّى الحمامة والدجاج إلاَّ كانوا يذبحونها. فهذا أبو سعيد الخدري صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يدخلون عليه، فينتفون لحيته ويضربونه ضربات ثمَّ يأخذون كلَّ ما يجدون في بيته حتَّى الصوف، وحتَّى زوج حمام كان له، بالرغم مِن أنَّه عرَّف لهم نفسه.

والأفظع والأدهى مِن ذلك كلِّه إباحة مسلم بن عقبة - بأمر مِن يزيد - نساء المدينة المنوَّرة لجيش الشام ثلاثة أيَّام، وكأنَّهنَّ لسن مُسلمات، أو أنَّهنَّ أُسارى حرب غير المسلمين، وهذه الجريمة النكراء ارتُكبت عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي حرم النبي وحِمى النبي، فنادى مُنادٍ (مسلم) في أهل الشام: يا أهل الشام، إنَّ أميركم مسلم بن عقبة - بأمر مِن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية - أباح لكم هذه المدينة كلَّها ثلاثة أيَّام، ومَن زنى بامرأة فذاك له. فوقع جيش الشام في الزنا بالمسلمات، وفيهن بنات المهاجرين والأنصار، وفيهن ذوات الأزواج، وفيهن الأبكار...

وأمَّا في السنة الثالثة، فإنَّ خليفة المسلمين يبعث بجيش جرَّار إلى مكَّة المكَّرمة؛ لحصار عبد الله بن الزبير، فرموا الكعبة المقدَّسة بأحجار صخام ونار مِن المِنجنيق، حتَّى حطَّموها وأحرقوها، ولم يبقَ منها سوى المدر، فهذه ثلاث سنوات حكمها الطاغية، فعمل بها تلك الجرائم الكُبرى، وليت شِعري، لو كان عاش أكثر مِن ذلك ماذا كان يفعل؟!

راجع دائرة معارف القرن العشرين ج٤ - الإمامة والسياسة لابن قتيبة السفينة ج١ - ناسخ التواريخ (مُجلَّد زين العابدين) - شواهد التنزيل ج١ ص٣٤٥ - تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير (وقائع سنة ٦١....٦٤هـ) - تاريخ الفتوح لابن أعثم ج٥.

(١) مقتل الخوارزمي ج١ص١٨٨ مناقب بن شهرآشوب ج٣ص٢٤١ط نجف - أسرار الشهادة للدربندي ص١٩١.

٩٢

كالمرعى الوبيل، كما يُستفاد مِن الكلام المروي(١) عنه (سلام الله عليه).

وهذا هدف مُحترم جِدَّاً، وكان الحسين (عليه‌السلام ) أهلاً له، إلاَّ أنَّني أعتقد أنَّ الإصلاح المقصود على قسمين: إصلاح يحصل منه مُباشرة قبل مقتله، وإصلاح يحصل مِن المجتمع بعد مقتله وبسبب شهادته. وهو أيضاً إصلاح منسوب إليه، ويُمكن أنْ يكون قد تعمَّده واستهدفه.

أمَّا الإصلاح المباشر في حياته، فهو لا يُحتمل أنْ يكون هدفاً؛ لأنَّه فاقد لأحد الشرائط السابقة - وهو عدم التحقُّق في المجتمع - وقد كرَّرنا أنَّ الأمر الذي لم يتحقَّق لا يُمكن أنْ يكون هدفاً.

وقد يخطر في البال: أنَّ الإصلاح المباشر قد حصل خلال الخُطب والأقوال، التي قيلت مِن قِبَل الحسين نفسه وأصحابه وأهل بيته قبل مقتله، وهذه تكفي للمشاركة بالإصلاح مُشاركة فعليَّة وفعَّالة.

وجواب ذلك: أنَّ الخُطب والأقوال قد حصلت فعلاً، إلاَّ أنَّها كانت مُكرَّسة كلَّها لأجل الحديث عن حركة الحسين وشرح أبعادها والدفاع عنها؛ ومعه فلا تكون هي الإصلاح المعهود والموعود، وإنَّما المتوقَّع هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جوانب الدين عامَّة وفي فروعه كافَّة. وهو مِمَّا لم يحصل على الإطلاق؛ لأنَّ الأجل لم يُمهلهعليه‌السلام وأصحابه للقيام بهذه المهمَّة الشريفة الموعودة.

وإنَّما الذي حصل هو الهداية والرعاية للبشر - دينيَّاً ومعنويَّاً وإنسانيَّاً وأُخرويَّاً - بمقتله وشهادته (سلام الله عليه)؛ إذ أعطى المثال الأعظم للتضحية الضخمة بهذا الصدد، فكان النبراس الأفضل الذي يُضيء للأجيال طريقهم باستمرار، وإلى يوم القيامة.

____________________

(١) اللهوف لابن طاووس ص٣٤، الطبري ج٦ص٢٢٩، البحار للمجلسي ج٤٤ص٣٨١

٩٣

ونستطيع أنْ نؤكِّد أنَّ هذا الإصلاح هو الذي كان مقصوداً للحسينعليه‌السلام ومُستهدفاً له، وإنْ لم يُصرِّح به تماماً آخذاً بقانون:(كَلِّم الناس على قدر عقولهم) (١) ، وهو هدف جليل وصحيح ولا غُبار عليه.

الهدف السادس: المحتمل للحسينعليه‌السلام في حركته، هو الاستجابة لأهل الكوفة، حين طلبوا منه القدوم عليهم، وأخذْ البيعة منهم ومُمارسة الحُكم بينهم، وقالوا:(وإنَّما تُقدِم على جُند لك مُجنَّدة) (٢) . فأجابهم بالموافقة وعزم على المسير إليهم، إلاَّ أنَّه لم يوفَّق للوصول إلى الكوفة، حيث اجتمع عليه الجيش المعادي في كربلاء وتمَّ الإجهاز على حركته هناك.

وهذه الاستجابة وإنْ كانت صحيحة بحسب الحُكم الظاهري في الشريعة.

إذ يجب (سلام الله عليه) أنْ يستجيب لمثل هذا الطلب الجليل، ولكنَّنا مع ذلك لا نعتبره هدفاً حقيقاً للحركة، وإنَّما هي استجابة لا بُدَّ منها لسدِّ الألسنة وقطع المعاذير مِن ناحية، والتكلُّم مع الناس على قدر عقولهم، وأمَّا لو لاحظنا الأمر أعمق مِن ذلك بقليل لوجدنا عِدَّة إشكالات ترد على هذا الهدف.

أوَّلاً: لأنَّنا نعلم أنَّهعليه‌السلام يعلم أنَّ أهل الكوفة يومئذ كاذبون عن الإعراب عن موالاتهم ومُبايعتهم، وإنَّما هُمْ فسقة ومُنافقون.

ولا يتوقَّف الاطِّلاع على هذا الأمر على الإلهام أو التسديد الإلهي، وإنْ كان هذا صحيحاً في نفسه، إلاَّ أنَّه أيضاً كان واضحاً لكثير مِن الناس - يومئذ - بما فيهم الذين ناقشوه في خروجه، وقالوا - له في ما قالوا -: (إنَّ أهل الكوفة قد غدروا بأبيك وأخيك؛ فمِن الحريِّ أنْ يغدروا بك، وإنَّما الأفضل أنْ تذهب إلى

____________________

(١) أصول الكافي ج١ص٦٧ حديث ١٥

(٢) الخوارزمي ج١ص١٩٥ - الطبري ج٦ص١٩٧.

٩٤

اليمن، فإنَّ فيها شيعة لأبيك)(١) ، ويُمكن أنْ يكون هناك حصيناً ضِدَّ الأعداء آمناً مِن شرور الزمان، فمِن هذه الناحية لا يُحتمل في حقِّه أنَّه كان موافقاً حقيقة على الأمر، أو أنْ يكون مُصدِّقاً لهذا الخبر، بالرغم مِن أهمِّيَّته

ثانياً: إنَّه بشَّر بمقتله قبل خروجه أكثر مِن مرَّة، وقد سبق أنْ ذكرنا ما يدلُّ على ذلك مِمَّا روي عنه (سلام الله عليه).

إذاً؛ فقد كان يعلم بالنتيجة قبل حصولها، بمعنى أنَّه يعلم بعدم وصوله إلى الكوفة، ولا مُبايعتهم له ولا نصرتهم إيَّاه، بلْ يعلم مُحاربتهم له ومقتله على أيديهم، فإنَّهم قالوا له: (... قلوبنا معك وسيوفنا عليك)(٢) .

ثالثاً: إنَّه هدف لم يحصل، وقد سبق - أنْ تحدَّثنا في الشرائط - أنَّ كلَّ هدف لم يحصل فهو ليس هدفاً حقيقيَّاً.

رابعاً: إنَّهعليه‌السلام علم وهو في الطريق إلى العراق بغدر أهل الكوفة، وقتلهم لمسلم بن عقيل وارتدادهم عن بيعته، وهذا يستلزم بوضوح سقوط تكليفه الشرعي عن الاستمرار بالذهاب إليهم، والهِمَّة في الوصول لهم.

فإنْ قيل: إنَّ الأمر كذلك، غير أنَّ الحُرَّ الرياحي جَعْجَع به، ومنعه عن المسير إلى حيث يُريد، وعن الرجوع إلى المدينة المنوَّرة؛ وذلك سبَّب إلى وقوع الكارثة المروِّعة في كربلاء، ولولا ذلك لأمكنهعليه‌السلام الرجوع إلى المدينة أو الذهاب إلى أيِّ مكان آخر، بعد أنْ سقط تكليفه الشرعي بالذهاب إلى الكوفة، كما عرفنا.

إلاَّ أنَّ جواب ذلك: إنَّ في مثل هذا التفكير جَهلاً بالتاريخ الإسلامي كما وصل إلينا؛ فإنَّ الحسينعليه‌السلام علم بمقتل مسلم بن عقيل وغدر أهل

____________________

(١) الخوارزمي ج١ص١٨٨ - مناقب بن شهرآشوب ج٣ص٢٤٠ - إسرار الشهادة ص٢٢٤.

(٢) الإرشاد للمفيد ص٢١٨ - العِقد الفريد ج٤ص٣٨٤.

٩٥

الكوفة، حين كان ركبهُ في منطقة تُسمَّى(زَرود) (١) ولم يُفكِّر بالرجوع يومئذٍ، بلْ استمرَّ في المسير، وهذا معناه أنَّه استمرَّ بالمسير رغم سقوط تكليفه الشرعي المشار إليه في هذا الهدف؛ وذلك مِن أجل هدفٍ آخر أعمق وأهمّ منه، ولم يكن قد التقى بالحُرِّ الرياحي(٢) يومئذٍ، وإنَّما التقى به بعد ذلك في منطقة تُسمَّى(شَراف) (٣) ، وعندئذٍ عَرض عليه العودة إلى المدينة المنوّرة، آنذاك كان أهل الكوفة قد بدّلوا رأيهم به وأعرَضوا عنه، فَمنعهُ الحرّ الرياحي عن الرجوع، وذَكرَ لهُ أنّه مأمور بمصاحبتهِ حتّى يُدخله على عُبيد الله بن زياد في الكوفة(٤) .

إذاً، فهناك فترة زمنيّة كافية لم يُحدِّد التاريخ مقدارها، لعلّها أسبوع أو أكثر أو أقل، كان يمكن للإمام الحسينعليه‌السلام أن يعود بركبهِ إلى المدينة، وعندئذٍ لم يكن يلتقي بالحرّ ولا يُجعجع به؛ وإنّما كان سلام الله عليه طالباً للشهادة على كلّ حال.

____________________

(١) زرود في المعجم: ممّا استُعجِم ج٢، ص٦٩٦ بفتح أوّلهِ وبالدال المهملة في أخره، ومُعجم البلدان: ج٤، ص٣٢٧ وهي: رمالٌ بين الثعلبيّة والخزيميّة بطريق الحاجّ من الكوفة وهي دون الخزيميّة بمِيل، وفيها بُركة وحوض وفيها وقعة يُقال لها: (يوم زرود).

(٢) الحرّ بن يزيد بن ناجية بن تعلب بن عتاب بن هرمي بن رياح بن بربوع بن حنظلة التميمي....... من الشخصيّات الاجتماعيّة البارزة في الكوفة، وأحد قوّاد الجيش الأموي الخارج لحرب الحسينعليه‌السلام ، وكان يقومُ فيه ربع تميم وهندان كما يقول الطبري وغيره.

وقد ذَكرَ الخوارزمي في مقتله أنّه لحقَ بالحسينعليه‌السلام مع غلامه التُركي، ولعلّ اسمهُ (عروة) على ما نصّ عليه بعض المقاتل، كمقتل الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء، ففيه إضافة إلى ذلك استشهاد وَلَد الحرّ (علي) وأخيه (مصعب) كل هؤلاء لثلاثة بني يدي الحر.

وفي اللهوف والخوارزمي: أنّ قصة توبة الحرّ كانت بعد الحَملة الأولى من أصحاب الحسينعليه‌السلام التي قُتل فيها زهاء خمسين رجلاً (واقعةُ الطف لآل بحر العلوم: ص٥٠٨).

(٣) شَراف: في معجم البلدان بفتح أوّله وآخره فاء ثانية محققة، سُمّي باسم رجلٍ يقال له شَرَاف، استخرجَ عيناً حَدثت آباراً كبار كثيرة ماؤها عذب من شَرَاف إلى واقعة ميلان.

(٤) مقتلُ الخوارزمي: ج١، ص٢٣٣، الفتوح لابن أعثم: ج ٥، ص١٣٨، أسرار الشهادة: ص٢٣٢.

٩٦

اللهمّ إلاّ أن يُقال: إنّهعليه‌السلام أدركَ بوضوح بعد أن أُخبرَ بغدر الكوفة ببيعته أنّهُ لا يستطيع أن ينجو وهو في هذه المنطقة بالذات من بلاد الله، وبهذا يختلف حاله عن حاله وهو في مكّة أو المدينة، فإنّه كان يستطيع أن يذهب من هناك إلى اليمن مثلاً، في حين لا يستطيع الآن أن يفعل شيئاً بحسب القانون الطبيعي؛ لأنّه أصبحَ بمنزلة المحاصَر بجيوش بني أُميّة، وإن لم يكن كذلك فعلاً، إلاّ أنّ الرجوع يحتاج إلى زمنٍ طويل نسبيّاً، الأمرُ الذي يستلزم أنّهم يُدركونه أينما وجدوه.

وهنا ينتج: أنّه سلام الله عليه كان يائساً من الحياة، وتحدّثنا فيما سبقَ أنّ اليائس من الحياة يختلف تكليفه الشرعي عن غيره، ويستطيع أن يختار الموتة التي يتمنّاها لنفسه إن كان في مقدوره ذلك، وكان في مقدوره سلام الله عليه ذلك، فاختار لنفسه.

الهدفُ السابع: المحتمل لحركة الحسينعليه‌السلام ، إعطاء الأمثولة للدين الحنيف القويم، وأنّه يستحقّ هذا المقدار العظيم من التضحية والفداء في سبيل الله وفي سبيل إقامة الأحكام الإسلاميّة والشعائر الدينيّة.

وينبغي هنا أن نُلاحظ أنّ الأمر إنّما هو مربوط بالله سبحانه قبل أن يكون مربوطاً بشيء آخر؛ لأنّ الدين على عَظمته إنّما اكتسبَ الأهميّة لأنّه أمر الله ونهيه، والرسول إنّما اكتسبَ الأهميّة لأنّه رسول الله، والمعصومون إنّما حَصَلوا عليها؛ لأنّهم أولياء الله، إذاً فالأمر مربوط بالله مباشرة وليس بغيره من قريبٍ ولا بعيد، وهو الذي يستحقّ الفداء في الحقيقة، وإن كان هو في غِنى عن العالَمين، ولذا وردَ في تفسير قوله تعالى:( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) (١) ، يعني الحسينعليه‌السلام ، وهو لم يفدِ إسماعيل الذبيح سلام الله عليه، كما هو ظاهر السياق، بل وقعَ السياق في سبيل الله وفي طريق توحيد الله وطاعته،

____________________

(١) سورة الصافات: آية ١٠٧.

٩٧

وهو نفس الطريق الذي ضحّى من أجله إسماعيلعليه‌السلام ، وبُعث فيه الأنبياء وأُرسلت الكتب السماويّة وحَصَل ما حصل.

وفي هذا السبيل، قال الحسينعليه‌السلام :(هوّنَ ما نزلَ بي أنّه بعين الله) (١) .

كما قيل إنّه حين سقط جريحاً لا يستطيع أن يواصل القتال، كان يُردِّد قول رابعة العدويّة:

تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا

وأيتمتُ العيال لكي أراكا

ولو قطّعتَني في الحُبّ إرباً

لما مَالَ الفؤاد إلى سواكا(٢)

____________________

(١) اللهوف لابن طاووس: ص٤٩، البحار للمجلسي: ج٤٥، ص٤٦.

(٢) شاعَ على لسان الخطباء الحسينيّين هذه الأبيات، وأنّها لرابعة العدويّة وقد قالها الحسينعليه‌السلام عند مصرعه، ولا أعلم على أيّ مصدرٍ قد اعتمدَ هؤلاء الخُطباء، أو من أين أتى هذا الشياع؟ فقد تتبّعتُ أغلب المصادر المعتَمدة التي تَذكر مقتل الحسينعليه‌السلام ، فلم أجد أحداً يَذكر أنّ الحسينعليه‌السلام قال هذه الأبيات، أو حتّى أنّها نُسبت إليه، ونفس الشيء بالنسبة إلى رابعة العدويّة، فأغلب المصادر التاريخيّة التي ذَكرَتها لم تَذكر أو تَنسبها لها.

ولقد ذَكرَ الأبيات: أبي فرج عبد الرحمان بن رجب الحَنبلي في كتابه (كشفُ الكُربة في وصف حال أهل الغربة، ص٢٧) إلاّ أنّه نَسبها إلى إبراهيم بن أدهم، وهو أحد الزُهّاد المشهورين.

وأغلبُ الظنّ أنّ الخُطباء استعملوها مجازاً كلسانِ حالٍ عن الحسينعليه‌السلام ، وإلاّ بحسب القول الأوّل يَبعد أن تكون للإمام الحسينعليه‌السلام وذلك لسببين:

الأوّل: إنّ الحسينعليه‌السلام أسبق زمناً من رابعة، فواقعة الطف حَدَثت في ٦١هـ، ورابعة العدويّة وِلدَت في القرن الثاني الهجري، حيث ذَكرَ المؤرِّخون أنّ وفاتها كانت في سنة ١٨٠ هـ، وبهذا لا يمكن أن يكون الحُسين رآها أو سمعها فضلاً عن أن يتمثّل بأبياتها، وكذا هو الحال بالنسبة إلى إبراهيم بن أدهم الذي هو متأخِّر زمناً قد يصل لعدّة قرون عن الحسينعليه‌السلام .

الثاني: عدمُ وجود مصدر مُعتَمد يَذكر أنّ الحسينعليه‌السلام قال هذه الأبيات.

وفي نفس الوقت نستبعد أن تكون هذه الأبيات لرابعة العدويّة؛ وذلك لوجهين:

الأوّل: عدمُ وجود مصدر يَنسب هذه الأبيات لرابعة، بل إنّ بعض المصادر نَسَبتها إلى غيرها، كإبراهيم بن أدهم كما في (كشف الكُربة).

الثاني: مضمونُ هذه الأبيات يجعلنا نستبعد أن تكون لرابعة، فالبيتُ يقول: (وأيتمتُ العيال لكي أراكا) بينما يَذكر لنا التاريخ أنّ رابعة لم تتزوّج قط، وأنّها تُوفيت بدون زوج ولا أطفال، فكيف أيتَمَت العيال؟

٩٨

____________________

فإن قيل: إنّه لربّما أُريدَ بالعيال المعنى الآخر، وهو الإعالة أي: كلّ ما تعيلهُ رابعة وتُنفق عليه؟

قلنا: إنّ رابعة لم تكن ميسورة الحال أو غنيّة لكي تُعيل غيرها، بل بالعكس فإنّ المؤرِّخين يذكرون أنّها كانت فقيرة، وكان الذين يعرفونها هم الذين يُعيلونها ويساعدونها على المعيشة، وبهذا يُنفى هذا المعنى أيضاً عن رابعة العدويّة.

فإن قيل: إنّ هذه الأبيات يمكن أن تكون لرابعة الشاميّة *، وقد توهِّم أنّها لرابعة العدويّة، والأُولى كانت متزوّجة وميسورة الحال، فيمكن أن ينطبق معنى البيت الشِعري عليها.

قلنا: إنّ هذا لا يتمّ؛ لأنّ البيت الذي يقول:

تركـتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا

وأيتمــتُ العيال لكي أراكا

يوحي لمعنيين: الأوّل: هو تركُ الدنيا والخَلق عن طريق الموت، فهي ذاهبة إلى جوار الله في العالَم الأُخروي، والموت بصورة شرعيّة أكيداً كالجهاد في سبيل الله، ولم يُنقل ذلك عن رابعة الشاميّة، ولا حتّى عن رابعة العدويّة.

والثاني: تركُ الخَلق عن طريق الغيبة عنهم والانعزال لمناجاة الله وعبادته بدون أن ترى أحداً أو أنّ أحداً يراها، وهذا أيضاً لم يُنقل عن رابعة الشاميّة، بل بالعكس فلقد عاشت حياتها مع زوجها مطيعة لهُ حريصة على خدمته، حتّى أنّها زوّجتهُ ثلاث نساء غيرها، خوفاً أن تكون قد ألهَتها العبادة عن بعض واجبات زوجها فيجد ذلك عند الباقيات.

ويمكن أن يسأل أحدهم: إذا كان كذلك فمن أين شاعَ إسناد هذه الأبيات لرابعة؟

قلتُ: إنّ أغلب الظنّ أنّ الذين ذكروا هذه الأبيات - من خطباء وغيرهم - لم يركِّزوا على ذِكر الناظم لها، فعندَ التناقل جُهلَ اسمهُ وخصوصاً مع قلّة المصادر (والتي تكاد أن تكون نادرة)، والتي تَنسب هذه الأبيات لناظمها.

وقد نُسبت عُرفاً لرابعة؛ لوجود أبيات شعريّة شبيهة بالأبيات المذكورة معناً ووزناً وقافيةً، قد قالتها رابعة العدويّة وقد نَقَلتها أغلب المصادر التي ذَكرت رابعة وهو قولها:

أحُـبّك حُـبّين حُبّ الهوى

وحُـبّ  لأنّـك أهـلٌ لِذاكا

فـأمّا  الذي هو حُبّ الهوى

فـانشغالي بـكَ عمّن سِواكا

وأمّـا الـذي أنـتَ أهلٌ له

فكشفكَ لي الحُجبَ لكي أراكا

فـلا الحمد في ذي وذاك لي

وإنّما لك الحمد في ذي وذاكا

٩٩

____________________

ويمكن أن نقول أيضاً: إنّها قيلت على لسان الحسينعليه‌السلام كلسان حالٍ لا أكثر، كما هو المشهور في كثيرٍ من الأبيات كقولهم:(إن كان دينُ محمّد لم يستقم إلاّ بقتلي فيا سيوف خُذيني) . وكقولهم:(شيعتي ما إن شَربتم عذبّ ماء فاذكروني). وغيرها كثير. وقد راجعتُ سماحة المؤلِّف في هذه الأبيات فقال لي: إنّه قد سَمعها شخصيّاً من أحد الخطباء الكبار ولم يقرأها في كتاب، ولذلك لم يَسندها وإنّما عبّر عنها بـ(قيل)، ولمن أراد التوسّع في رابعة فليراجع: كتاب شهيدة العشق الإلهي لعبد الرحمان بدوي، وكتاب رابعة العدويّة لطه عبد الباقي سرور، فإنّهما قد ذَكرا جميع المصادر التي ذَكرت رابعة، والتي لا مجال لذكرها هنا.

* وهي رابعة بنت إسماعيل الشاميّة، توفيت سنة ٢٣٥ هـ ودُفنت برأس زينا ببيت المقدس، وزوجها أحمد بن أبي الحواري، وأبوهُ أبو الحواري ميمون من أهل دمشق، وقد كان من العارفين الورعين وقد كان أحمد له نصيب منه، توفي سنة ٢٣٠ هـ، وكان قد تزوّج ثلاث غيرها.

وهذه رابعة كانت أيضاً من العابدات الورعات، فيُنقل عن زوجها عندما سُئل عنها؟ قال: إذا أتيتها في النهار قالت: بالله عليك، لا تُفسد عليّ صومي، وإذا أتيتُها في الليل قالت: لا تُفسد عليّ عبادتي (كتاب سَيرُ السالكات المؤمنات الخيّرات لأبي بكر الحصني)، وكثيرٌ ما كان يشتبه المؤرِّخون بينها وبين رابعة العدويّة التي كانت أسبق زماناً منها.

١٠٠