المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية15%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210661 / تحميل: 9271
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

محمّد البدر، آخر أئمة الزيديّة، فليرجع إلى كتابنا (بحوث في الملل والنحل). (١)

فكما قامت للزيديّة دولة في المغرب واليمن، فهكذا قامت دولة زيديّة في طبرستان بين الأعوام (٢٥٠ - ٣٦٠هـ)؛ حيث ظهر الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين في طبرستان أيّام المستعين الله، وتمكّن من بسط نفوذه على طبرستان وجُرجان، وقام بعده أخوه محمّد بن زيد، ودخل بلاد الديلم عام ٢٧٧هـ، ثُمَّ ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحق الحسن بن عليّ المعروف بالأطروش، وجاء بعده الحسن بن القاسم، وبعده محمّد بن الحسن بن القاسم المتوفّى ٣٦٠هـ.

هذه إلمامة موجزة وضعتها أمام القارئ عن ثوّارهم ودولهم.

عقائد الزيديّة

لم يكن زيد الشهيد صاحب نهج كلامي ولا فقهي، فلو كان يقول بالعدل والتوحيد ويكافح الجبر والتشبيه، فلأجل أنّه ورثهما عن آبائه (عليهم السّلام)، وإن كان يفتي في مورد أو موارد، فهو يصدر عن الحديث الّذي يرويه عن آبائه.

نعم، جاء بعد زيد مفكّرون وعاة، وهم بين دعاة للمذهب، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيدي، متفتّحين في الأُصول والعقائد مع المعتزلة، وفي الفقه وكيفيّة الاستنباط مع الحنفيّة، ولكن الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الأُصول والفروع وما أرساه

____________________

(١) بحوث في الملل والنحل: ٧/٣٧١ - ٣٨٦.

٢٤١

هؤلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلاّ في القليل منهما.

ولا أُغالي إذا قلت: إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة، ساقتهم إلى ذلك الظروف السائدة عليهم، وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد، وإن لم يكن له صلة بزيد إلاّ في القسم القليل.

ومن ثَمَّ التقت الزيديّة في العدل والتوحيد مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ شعارهم في جميع الظروف والأدوار رفض الجبر والتشبيه، والجميع في التديّن بذينك الأصلين عيال على الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، كما أنّهم التقوا في الأُصول الثلاثة: ـ

١ - الوعد والوعيد.

٢ - المنزلة بين المنزلتين.

٣ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الأُصول في مذهبهم ورتّبوا عليه:

١ - خلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة؛ لأنّها للعدول دون الفسّاق.

٢ - الشفاعة؛ بمعنى ترفيع الدرجة، لا الحطّ من الذنوب.

٣ - الفاسق في منزلة بين المنزلتين؛ فهو عندهم لا مؤمن ولا كافر بل فاسق.

فاستنتجوا الأمرين الأوّلين من الأصل الأوّل، والثالث من الأصل الثاني.

٢٤٢

وأمّا الأصل الثالث، فهو ليس من خصائص الاعتزال، ولا الزيديّة، بل يشاركهم الإماميّة. هذه عقائدهم في الأُصول.

وأمّا الفروع فقد التفّت الزيديّة حول القياس والاستحسان والإجماع، وجعلوا الثالث بما هو هو حجّة، كما قالوا بحجيّة قول الصحابي وفعله، وبذلك صاروا أكثر فِرق الشيعة انفتاحاً على أهل السنّة.

ولكن العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة الّتي تميّز هذا المذاهب عمّا سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى الانفتاح على الإماميّة والإسماعيليّة، هو القول بإمامة عليّ والحسنين بالنصّ الجليّ أو الخفيّ عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والقول بأنّ تقدّم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلاً.

وها نحن نأتي برؤوس عقائدهم الّتي يلتقون في بعضها مع المعتزلة والإماميّة:

١ - صفاته سبحانه عين ذاته، خلافاً للأشاعرة.

٢ - إنّ الله سبحانه لا يُرى ولا تجوز عليه الرؤية.

٣ - العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها.

٤ - الله سبحانه مريد بإرادة حادثة.

٥ - إنّه سبحانه متكلّم بكلام، وكلامه سبحانه فعله: وهو الحروف والأصوات.

٦ - أفعال العباد ليست مخلوقة لله سبحانه.

٧ - تكليف ما يطاق قبيح، خلافاً للمجبّرة والأشاعرة.

٨ - المعاصي ليس بقضاء الله.

٢٤٣

٩ - الإمامة تجب شرعاً لا عقلاً، خلافاً للإمامية.

١٠ - النصّ على إمامة زيد والحسنين عند الأكثريّة.

١١ - القضاء في فدك صحيح، خلافاً للإماميّة.

١٢ - خطأ المتقدّمين على عليّ في الخلافة قطعيّ.

١٣ - خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعيّ.

١٤ - توبة الناكثين صحيحة.

١٥ - معاوية بن أبي سفيان فاسق لبغيه لم تثبت توبته.

هذه رؤوس عقائد الزيديّة استخرجناها من كتاب (القلائد في تصحيح الاعتقاد)، المطبوع في مقدّمة البحر الزخّار. (١)

فرق الزيديّة:

قد ذكر مؤرّخو العقائد للزيديّة فِرقاً، بين مقتصر على الثلاث، وإلى مفيض إلى ست، وإلى ثمان، منهم: الجاروديّة والسليمانيّة والبتريّة والنعيميّة، إلى غير ذلك من الفِرق، وبما أنّ هذه الفِرق كلّها قد بادت وذهبت أدراج الريح، مع بقاء الزيديّة في اليمن، ولا يوجد اليوم في اليمن بين الزيديّة من المفاهيم الكلاميّة المنسوبة إلى الفِرق كالجاروديّة أو السليمانيّة أو البتريّة أو الصالحيّة إلاّ مفهوم واحد، وهو المفهوم العام الّذي تعرفت عليه، وهو القول بإمامة زيد والخروج

____________________

(١) البحر الزخّار: ٥٢ - ٩٦.

٢٤٤

على الظلمة، واستحقاق الإمامة بالطلب والفضل، لا بالوراثة، مع القول بتفضيل عليّ - كرم الله وجهه - وأولويتّه بالإمامة، وقصرها من بعده في البطنين الحسن والحسين.

وأمّا أسماء تلك الفِرق والعقائد المنسوب إليهم، فلا توجد اليوم إلاّ في بطون الكتب والمؤلَّفات في الفِرق الإسلاميّة كالمِلل والنحل ونحوها، فإذا كان الحال في اليمن كما ذكره الفضيل شرف الدين، فالبحث عن هذه الفِرق من ناحية إيجابيّاتها وسلبيّاتها ليس مهمّاً بعد ما أبادهم الدهر، وإنّما اللاّزم دراسة المفهوم الجامع بين فِرقهم.

٢٤٥

١٥

الإسماعيليّة

الإسماعيليّة فِرقة من الشيعة القائلة بأنّ الإمامة بالتنصيص من النبيّ أو الإمام القائم مقامه، غير أنّ هناك خلافاً بين الزيديّة والإماميّة والإسماعيليّة في عدد الأئمّة ومفهوم التنصيص.

فالأئمّة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبيّ عند الزيديّة لا يتجاوز عن الثلاثة: عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام)، والسبطين الكريمين: الحسن والحسين (عليهما السّلام)، وبشهادة الأخير أغلقت دائرة التنصيص وجاءت مرحلة الانتخاب بالبيعة كما تقدم.

وأمّا الأئمّة المنصوصون عند الإماميّة فاثنا عشر إماماً آخرهم غائبهم يظهره الله سبحانه عندما يشاء، وقد حوّل أمر الأُمّة - في زمان غيبته - إلى الفقيه العارف بالأحكام والسنن والواقف على مصالح المسلمين على النحو المقرّر في كتبهم وتآليفهم.

وأمّا الإمامة عند الإسماعيليّة فهي تنتقل عندهم من الآباء إلى الأبناء، ويكون انتقالها عن طريق الميلاد الطبيعي، فيكون ذلك بمثابة نصّ من الأب بتعيين الابن، وإذا كان للأب عدّة أبناء فهو بما أُوتي من معرفة خارقة للعادة يستطيع أن يعرف من هو الإمام الّذي وقع عليه النص، فالقول بأنّ الإمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصيص.

٢٤٦

وعلى كلّ حال فهذه الفِرقة منشقّة عن الشيعة، معتقدة بإمامة إسماعيل بن جعفر بن الإمام الصادق (عليه السّلام)، وإليك نبذة مختصرة عن سيرة إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (١١٠ - ١٤٥هـ).

الإمام الأوّل للدعوة الإسماعيليّة:

إنّ إسماعيل هو الإمام الأوّل والمؤسّس للمذهب، فوالده الإمام الصادق (عليه السّلام) غنيّ عن التعريف وفضله أشهر من أن يُذكر، وأُمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن الحسين الّتي أنجبت أولاداً ثلاثة هم:

١ - إسماعيل بن جعفر.

٢ - عبد الله بن جعفر.

٣ - أُم فروة.

وكان إسماعيل أكبرهم، وكان أبو عبد الله (عليه السّلام) شديد المحبّة له والبرَّ به والإشفاق عليه، مات في حياة أبيه (عليه السلام) (بالعريض) وحمل على رقاب الرّجال إلى أبيه بالمدينة حتّى دفنه بالبقيع. (١)

استشهاد الإمام الصادق (عليه السّلام) على موته:

كان الإمام الصادق حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الإمامة لم تُكتب لإسماعيل، فليس هو من خلفاء الرسول الاثني عشر الّذين كُتبت لهم الخلافة والإمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الأعظم.

____________________

(١) إرشاد المفيد: ٢٨٤.

٢٤٧

ومن الدواعي الّتي ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشكّ في نفوس الشيعة في ذلك اليوم؛ هو ما اشتهر من أنّ الإمامة للولد الأكبر، وكان إسماعيل أكبر أولاده، فكانت أماني الشيعة معقودة عليه، ولأجل ذلك تركّزت جهود الإمام الصادق (عليه السّلام) على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهة وأنّ الإمامة لغيره، فتراه تارة ينصّ على ذلك، بقوله وكلامه، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعيل وأنّه قد انتقل إلى رحمة الله ولن يصلح للقيادة والإمامة.

وإليك نموذجاً يؤيّد النهج الّذي انتهجه الإمام لتحقيق غرضه في إزالة تلك الشبهة.

روى النعماني عن زرارة بن أعين، أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السّلام) وعند يمينه سيّد ولده موسى (عليه السّلام) وقدّامه مرقد مغطّى، فقال لي: «يا زرارة جئني بداود بن كثير الرقي وحمران وأبي بصير» ودخل عليه المفضّل بن عمر، فخرجت فأحضرت من أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد حتّى صرنا في البيت ثلاثين رجلا.

فلمّا حشد المجلس قال: «يا داود اكشف لي عن وجه إسماعيل»، فكشف عن وجهه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا داود أحيٌّ هو أم ميّت؟» ، قال داود: يا مولاي هو ميّت، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل، حتّى أتى على آخر من في المجلس، وانتهى عليهم بأسرهم، وكل يقول: هو ميّت يا مولاي، فقال: «اللّهم اشهد» ثُمَّ أمر بغسله وحنوطه، وإدراجه في أثوابه.

فلمّا فرغ منه قال للمفضّل: (يا مفضّل أحسر عن وجهه)، فحسر عن وجهه، فقال: «أحيُّ هو أم ميّت؟» فقال له: ميّت، قال(عليه السّلام): «اللّهم اشهد عليهم» ، ثُمَّ

٢٤٨

حمل إلى قبره، فلمّا وضع في لحده، قال: «يا مفضّل اكشف عن وجهه»، وقال للجماعة: (أحيّ هو أم ميّت؟)، قلنا له: ميّت، فقال: «اللّهم اشهد، واشهدوا فانّه سيرتاب المبطلون، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم - ثُمَّ أومأ إلى موسى - والله متمّ نوره ولو كره المشركون»، ثُمَّ حثونا عليه التراب، ثُمَّ أعاد علينا القول، فقال: «الميّت، المحنّط، المكفّن المدفون في هذا اللحد من هو؟» قلنا: إسماعيل، قال: «اللّهم اشهد». ثُمَّ أخذ بيد موسى (عليه السّلام) وقال: «هو حقّ، والحقّ منه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». (١)

هل كان عمل الإمام تغطية لستره؟

إنّ الإسماعيليّة تدّعي أنّ ما قام به الإمام الصادق (عليه السّلام) كان تغطية؛ لستره عن أعين العباسيّين، الّذين كانوا يطاردونه بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم الّتي اعتبرتها الدولة العباسيّة منافية لقوانينها. والمعروف أنّه توجّه إلى سلمية ومنها إلى دمشق فعلم به عامل الخليفة، وهذا ما جعله يغادرها إلى البصرة ليعيش فيها متستّراً بقيّة حياته.

مات في البصرة سنة ١٤٣هـ، وكان أخوه موسى بن جعفر الكاظم حجاباً عليه، أمّا وليّ عهده محمّد فكان له من العمر أربع عشرة سنة عند موته. (٢)

ما ذكره أُسطورة حاكتها يدُ الخيال، ولم يكن الإمام الصادق (عليه السّلام) ولا أصحابه الأجلاّء، ممّن تتلمذوا في مدرسة الحركات السريّة، حتّى يفتعل موت ابنه بمرأى ومسمع من الناس وهو بعد حيّ يرزق، ولم يكن عامل الخليفة

____________________

(١) غيبة النعماني: ٣٢٧، الحديث ٨، ولاحظ؛ بحار الأنوار: ٤٨/٢١.

(٢) عارف تامر: الإمامة في الإسلام: ١٨٠.

٢٤٩

بالمدينة المنوّرة بليداً، يكتفي بالتمويه، حتّى يتسلّم المحضر ويبعث به إلى دار الخلافة العبّاسيّة.

والظاهر أنّ إصرارهم بعدم موت إسماعيل في حياة أبيه جعفر الصادق (عليه السّلام)، لأجل تصحيح إمامة ابنه عبد الله بن إسماعيل؛ حتّى يتسنّى له أخذ الإمامة من أبيه الحيّ بعد حياة الإمام الصادق (عليه السّلام).

لكن الحقّ أنّه توفّي أيّام حياة أبيه، بشهادة الأخبار المتضافرة الّتي تعرّفت عليها، وهل يمكن إغفال أُمّة كبيرة وفيهم جواسيس الخليفة وعمّالها؟!، وستْر رحيل إسماعيل إلى البصرة بتمثيل جنازة بطريقة مسرحيّة يُعلن بها موته، فإنّه منهج وأُسلوب السياسيّين المخادعين، المعروفين بالتخطيط والمؤامرة، ومن يريد تفسير فعل الإمام عن هذا الطريق فهو من هؤلاء الجماعة (وكلّ إناء بالّذي فيه ينضح). وأين هذا من وضع الجنازة مرّات وكشف وجهه والاستشهاد على موته وكتابة الشهادة على كفنه؟!

والتاريخ يشهد على أنّه لم يكن لإسماعيل ولا لولَده الإمام الثاني، أيّة دعوة في زمان أبي جعفر المنصور ولا ولَده المهدي العبّاسي، بشهادة أنّ ابن المفضّل كتب كتاباً ذكر فيه صنوف الفِرق، ثُمَّ قرأ الكتاب على الناس، فلم يذكر فيه شيئاً من تلك الفِرقة مع أنّه ذكر سائر الفِرق الشيعيّة البائدة.

والحق إنّ إسماعيل كان رجلاً ثقة، محبوباً للوالد، وتوفّي في حياة والده وهو عنه راض، ولم تكن له أي دعوة للإمامة، ولم تظهر أي دعوة باسمه أيّام خلافة المهدي العبّاسي الّذي توفّي عام ١٦٩هـ، وقد مضى على وفاة الإمام الصادق (عليه السّلام) إحدى وعشرون سنة.

٢٥٠

الخطوط العريضة للمذهب الإسماعيلي

إنّ للمذهب الإسماعيلي آراء وعقائداً:

الأُولى: انتماؤهم إلى بيت الوحي والرسالة:

كانت الدعوة الإسماعيليّة يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى: إمامة المسلمين، وخلافة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) واستلام الحكم من العباسيّين بحجة ظلمهم وتعسّفهم، غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يُكتب لها البقاء إلاّ باستخدام عوامل تضمن لها البقاء، وتستقطب أهواء الناس وميولهم.

ومن تلك العوامل الّتي لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة وكونهم من ذريّة الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام)، وكان المسلمون منذ عهد الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ، وقد كانت محبّتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.

وممّا يشير إلى ذلك أنّ الثورات الّتي نشبت ضد الأُمويّين كانت تحمل شعار حبّ أهل البيت (عليهم السّلام) والاقتداء بهم والتفاني دونهم، ومن هذا المنطلق صارت الإسماعيليّة تفتخر بانتماء أئمّتهم إلى النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، حتّى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم اشتهروا بالفاطميّين، وكانت التسمية يومذاك تهزّ المشاعر وتجذب العواطف بحجّة أنّ الأبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر، وأنّ

٢٥١

تكريم ذريّة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تكريم له (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فشتّان ما بين بيت أُسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه وبيت أُسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.

الثانية: تأويل الظواهر:

إنّ تأويل الظواهر وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الإسماعيليّة، وهي إحدى الدعائم الأساسيّة؛ بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر لم تتميّز عن سائر الفِرق الشيعيّة إلاّ بصرف الإمامة عن الإمام الكاظم (عليه السّلام) إلى أخيه إسماعيل بن جعفر، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة، وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الإمامة وتصنيفها إلى أصناف.

إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالأهواء والميول جعل المذهب الإسماعيلي يتطوّر مع تطوّر الزمان، ويتكيّف بمكيّفاته، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشارع أو الضرورة الدينيّة.

الثالثة: تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفيّة:

إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد، كانت من أهم ميّزات العصر العبّاسي، هذه الظاهرة ولّدت رد فعل عند أئمّة الإسماعيليّة، فانجرفوا في تيّارات المسائل الفلسفيّة وجعلوها من صميم

٢٥٢

الدّين وجذوره، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلاميّة عيناً ولا أثراً.

يقول المؤرّخ الإسماعيلي المعاصر مصطفى غالب: إنّ كلمة (إسماعيليّة) كانت في بادئ الأمر تدلّ على أنّها من إحدى الفِرق الشيعيّة المعتدلة، لكنّها صارت مع تطوّر الزمن حركة عقليّة تدلّ على أصحاب مذاهب دينيّة مختلفة، وأحزاب سياسيّة واجتماعيّة متعدّدة، وآراء فلسفيّة وعلميّة متنوّعة. (١)

الرابعة: تنظيم الدعوة:

ظهرت الدعوة الإسماعيليّة في ظروف ساد فيها سلطان العبّاسيّين شرق الأرض وغربها، ونشروا في كلِّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الأخبار إلى مركز الخلافة الإسلاميّة، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يُكتب النجاح لكلّ دعوة تقوم ضدّ السلطة إلاّ إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارها، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.

وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف، وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم، وبلغوا فيه الذروة؛ بحيث لو قُورنت مع أحدث التنظيمات الحزبيّة العصريّة، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار، وقد ابتكروا أساليب دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.

____________________

(١) تاريخ الدعوة الإسماعيليّة: ١٤.

٢٥٣

الخامسة: تربية الفدائيّين للدفاع عن المذهب:

إنّ الأقلّية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيّين مضحّين بأنفسهم في سبيل الدعوة؛ لصيانة أئمتهم ودعاتهم من تعرّض الأعداء، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام، والشجاعة النادرة، والجرأة الخارقة ويكلّفون بالتضحيات الجسديّة، وتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه، وإليك هذا النموذج:

في سنة ٥٠٠ هـ فكّر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر، أن يُهاجم قلاع الإسماعيليّة، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائيّيه فقتله بطعنة خنجر، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيّين.

السادسة: كتمان الوثائق:

إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنيّة السرّيّة وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها الّتي تنير الدرب لاستجلاء كنهها، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها، ولكن للأسف الشديد أنّ الإسماعيليّة كتموا وثائقهم وكتاباتهم ومؤلّفاتهم وكلّ شيء يعود لهم، ولم يبذلوها لأحد سواهم، فصار البحث عن الإسماعيليّة بطوائفها أمراً مستعصياً، إلاّ أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم، ومن المعلوم أنّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم خارج عن أدب البحث النزيه.

٢٥٤

السابعة: الأئمّة المستورون والظاهرون:

إنّ الإسماعيليّة أعطت للإمامة مركزاً شامخاً، وصنّفوا الإمامة إلى رُتب ودرجات، وزوّدوها بصلاحيّات واختصاصات واسعة، غير أنّ المهمَّ هنا الإشارة إلى تصنيفهم الإمام إلى مستور دخل كهف الاستتار، وظاهر يملك جاهاً وسلطاناً في المجتمع، فالأئمّة المستورون هم الّذين نشروا الدعوة سرّاً وكتماناً، وهم:

١ - إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (١١٠ - ١٤٥هـ).

٢ - محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الحبيب) (١٣٢ - ١٩٣هـ)، ولد في المدينة المنوّرة وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء. ولقّب بالإمام المكتوم لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية.

٣ - عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الوافي) (١٧٩ - ٢١٢هـ)، ولد في مدينة محمّد آباد، وتولّى الإمامة عام ١٩٣هـ بعد وفاة أبيه، وسكن السلمية عام ١٩٤هـ مصطَحباً بعدد من أتباعه؛ وهو الّذي نظّم الدعوة تنظيماً دقيقاً.

٤ - أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (التقي) (١٩٨ - ٢٦٥هـ)، وتولّى الإمامة عام ٢١٢هـ، سكن السلمية سرّاً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة.

٥ - الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الرضي) (٢١٢ - ٢٨٩هـ) تولّى الإمامة عام ٢٦٥هـ، ويقال أنّه اتّخذ عبد الله بن ميمون القدّاح حجّة له وحجاباً عليه.

٢٥٥

الأئمّة الظاهرون:

٦ - عبيد الله المهدي (٢٦٠ - ٣٢٢هـ) والمعروف بين الإسماعيليّة أنّ عبيد الله المهدي الّذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطميّة كان ابتداءً لعهد الأئمّة الظاهرين الّذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار.

٧ - محمّد بن عبيد الله القائم بأمر الله (٢٨٠ - ٣٣٤هـ)، ولد بالسلمية، ارتحل مع أبيه عبيد الله المهدي إلى المغرب وعهد إليه بالإمامة من بعده.

٨ - إسماعيل المنصور بالله (٣٠٣ - ٣٤٦هـ)، ولد بالقيروان، تسلّم شؤون الإمامة بعد وفاة أبيه سنة ٣٣٤هـ.

٩ - معد بن إسماعيل المعزّ لدين الله (٣١٩ - ٣٦٥هـ)، مؤسس الدولة الفاطميّة في مصر.

١٠ - نزار بن معد العزيز بالله (٣٤٤ - ٣٨٦هـ)، ولي العهد بمصر سنة ٣٦٥هـ، واستقلّ بالأمر بعد وفاة أبيه، وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفاً.

١١ - منصور بن نزار الحاكم بأمر الله (٣٧٥ - ٤١١هـ)، بويع بالخلافة سنة ٣٨٦هـ وكان عمره أحد عشر عاماً ونصف العام، وهو من الشخصيّات القليلة الّتي لم تتجلّ شخصيّته بوضوح، وقام بأعمال إصلاحيّة زعم مناوئوه أنّها من البدع.

وأمّا عن مصير الحاكم، فمجمل القول فيه أنّه فُقد في سنة ٤١١هـ، ولم يُعلم مصيره، وحامت حول كيفيّة اغتياله أساطير لا تتلاءم مع الحاكم المقتدر.

٢٥٦

وبعد اختفائه انشقّت فِرقة من الإسماعيليّة ذهبت إلى إلوهيّة الحاكم وغيبته، وهم المعروفون اليوم بـ (الدروز) يقطنون لبنان.

١٢ - عليّ بن منصور الظاهر لإعزاز دين الله (٣٩٥ - ٤٢٧هـ)، بويع بالخلافة وعمره ستة عشر عاماً، وشنّ حرباً على الدروز محاولاً إرجاعهم إلى العقيدة الفاطميّة الأصيلة.

١٣ - معد بن عليّ المستنصر بالله (٤٢٠ - ٤٨٧هـ)، بويع بالخلافة عام ٤٢٧هـ، وكان له من العمر سبعة أعوام، وقد ظلّ في الحكم ستّين عاماً، وهي أطول مدّة في تاريخ الخلافة الإسلاميّة.

إلى هنا تمّت ترجمة الأئمّة الثلاثة عشر الّذين اتّفقت كلمة الإسماعيليّة على إمامتهم وخلافتهم، ولم يشذّ منهم سوى الدروز الّذين انشقوا عن الإسماعيليّة في عهد خلافة الحاكم بأمر الله، وصار وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق آخر وظهور طائفتين من الإسماعيليّة، بين مستعلية تقول بإمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ونزاريّة تقول بإمامة نزار بن المستنصر.

وسنأتي بالحديث عن الإسماعيليّة المستعلية والنزاريّة فيما يلي.

٢٥٧

الإسماعيليّة المستعلية

صارت وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق الإسماعيليّة مرّة ثانية - بعد انشقاق الدروز في المرّة الأُولى - فمنهم من ذهب إلى إمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ومنهم من ذهب إلى إمامة نزار من المستنصر بالله، وإليك الكلام في أئمّة المستعلية في هذا الفصل مقتصرين على أسمائهم وتاريخ ولادتهم ووفاتهم:

١ - الإمام أحمد بن معد بن عليّ المستعلي بالله (٤٦٧ - ٤٩٥هـ).

٢ - الإمام منصور بن أحمد الآمر بأحكام الله (٤٩٠ - ٥٢٤هـ).

قال ابن خلّكان: مات الآمر بأحكام الله ولم يعقب، وربّما يقال: أنّ الآمر مات وامرأته حامل بالطيّب. فلأجل ذلك عهد الآمر بأحكام الله الخلافة إلى الحافظ، الظافر، الفائز، ثُمَّ إلى العاضد، وبما أنّ هؤلاء لم يكونوا من صلب الإمام السابق، بل كانوا من أبناء عمّه صاروا دعاة؛ حيث لم يكن في الساحة إمام، ودخلت الدعوة المستعلية بعد اختفاء الطيّب بالستر، وما تزال تنتظر عودته، وتوقّفت عن السير وراء الركب الإمامي واتّبعت نظام الدعاة المطلقين.

٣ - الداعي عبد المجيد بن أبي القاسم محمّد بن المستنصر الحافظ لدين الله (٤٦٧ - ٥٤٤هـ).

٤ - الداعي إسماعيل بن عبد المجيد الظافر بأمر الله (٥٢٧ - ٥٤٩ هـ).

٢٥٨

٥ - الداعي عيسى بن إسماعيل الفائز بنصر الله (٥٤٤ - ٥٥٥هـ).

٦ - عبد الله بن يوسف العاضد لدين الله (٥٤٦ - ٥٦٧هـ).

ثُمَّ إنّ العاضد فوّض الوزارة إلى صلاح الدين الأيّوبي الّذي بذل الأموال على أصحابه وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال، فلم يزل أمره في ازدياد وأمر العاضد في نقصان، حتّى تلاشى العاضد وانحلّ أمره، ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة، وتتبّع صلاح الدين جُند العاضد، وأخذ دور الأمراء وإقطاعاتهم فوهبها لأصحابه، وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله، فقدموا من الشام عليه، وعزل قُضاة مصر الشيعة، واختفى مذهب الشيعة إلى أنّ نُسي من مصر، وقد زادت المضايقات على العاضد وأهل بيته، حتّى مرض ومات وعمره إحدى وعشرون سنة إلاّ عشرة أيام، وهو آخر الخلفاء الفاطميّين بمصر، وكانت مدّتهم بالمغرب ومصر منذ قام عبيد الله المهدي إلى أن مات العاضد ٢٧٢ سنة، منها بالقاهرة ٢٠٨ سنين.(١)

تتابع الدعاة عند المستعلية:

قد عرفت أنّ ركب الإمامة قد توقّف عند المستعلية وانتهى الأمر إلى الدعاة الّذين تتابعوا إلى زمان ٩٩٩هـ، وعند ذلك افترقت المستعلية إلى فِرقتين: داوديّة، وسليمانيّة، وذلك بعد وفاة الداعي المطلق داود بن عجب شاه، انتخبت مستعلية كجرات داود بن قطب شاه خلفاً له، ولكن اليمانيّين عارضوا ذلك وانتخبوا داعياً آخر، يُدعى سليمان بن

____________________

(١) انظر الخطط المقريزيّة: ١/٣٥٨ - ٣٥٩.

٢٥٩

الحسن، ويقولون: إنّ داود قد أوصى له بموجب وثيقة ما تزال محفوظة.

إنّ الداعي المطلق للفِرقة الإسماعيليّة المستعلية الداوديّة اليوم هو طاهر سيف الدّين، ويُقيم في بومباي الهند، أمّا الداعي المطلق للفِرقة المستعلية السليمانيّة فهو عليّ بن الحسين، ويقيم في مقاطعة نجران بالحجاز. (١)

جناية التاريخ على الفاطميّين:

لاشكّ أنّ كلّ دولة يرأسها غير معصوم لا تخلو من أخطاء وهفوات، وربّما تنتابها بين آونة وأُخرى حوادث وفتن تضعضع كيانها وتشرفها على الانهيار.

والدولة الفاطميّة غير مستثناة عن هذا الخط السائد؛ فقد كانت لديها زلاّت وعثرات، إلاّ أنّها قامت بأعمال ومشاريع كبيرة لا تقوم بها إلاّ الدولة المؤمنة بالله سبحانه وشريعته، كالجامع الأزهر الّذي ظلّ عبر الدهور يُنير الدرب لأكثر من ألف سنة، كما أنّهم أنشأوا جوامع كبيرة ومدارس عظيمة مذكورة في تاريخهم، وبذلك رفعوا الثقافة الإسلاميّة إلى مرتبة عالية، وتلك الأعمال جعلت لهم في قلوب الناس مكانة عالية.

غير أنّا نرى أنّ أكثر المؤرّخين يصوّرها بأنّها من أكثر العصور ظلاماً في التاريخ؛ شأنها في ذلك شأن سائر الفراعنة، وليس هذا إلاّ حدسيّات وتخمينات أخذها أصحاب أقلام السِّير والتاريخ من رُماة القول على عواهنه دون أن يُمعنوا فيه.

____________________

(١) عارف تامر: الإمامة في الإسلام: ١٦٢.

٢٦٠

والّذي يدلّ على ذلك أنّ الفقيه عمارة اليمني كتب إلى صلاح الدين الأيّوبي قصيدة سمّاها: (شكاية المتظلّم ونكاية المتألّم) وهي بديعة رثى فيها أصحاب القصر الفاطمي عند زوال ملْكهم.

الإسماعيليّة النزاريّة

قد عرفت أنّ الإسماعيليّة افترقت فِرقتين بين مستعلية ونزاريّة، أمّا الأُولى فقد مضى الكلام فيها، وأمّا الثانية فقد قالوا بإمامة نزار بن معد، وبذلك استمرّ الركب الإمامي بعد وفاة المستنصر بالله، واتفقت النزاريّة قبل الانشقاق على إمامة الأئمّة التالية:

1 - المصطفى بالله نزار بن معد المستنصر.

2 - الإمام جلال الدين حسن بن أعلى محمّد.

3 - الإمام علاء الدين بن الإمام جلال الدين.

4 - الإمام ركن الدين فورشاه بن الإمام علاء الدين.

5 - الإمام شمس الدين بن ركن الدين.

وبعد وفاة الإمام شمس الدين بن ركن الدين ظهر اختلاف من نوع جديد، فالمعلوم أنّه كان للإمام محمّد شمس الدين ثلاثة أولاد، هم: مؤمن شاه، وقاسم شاه، وكياشاه.

فالمؤمنيّة اعترفت بإمامة مؤمن شاه وسارت وراءه وولْده من بعدهن حتّى آخرهم أمير محمد باقر سنة 1210هـ، والقاسميّة سارت وراء قاسم شاه وولْده الذين هم أُسرة آغا خان.

٢٦١

النزاريّة المؤمنيّة:

النزاريّة المؤمنيّة الّتي ذهبت إلى إمامة مؤمن بن محمّد ثُمَّ توالت الإمامة في نسله عبر العصور إلى أن انتقلت إلى الإمام محمّد بن حيدر (الأمير الباقر) (1179 - 1210هـ)؛ وهو آخر إمام من أُسرة مؤمن يَحتفظ الإسماعيليّون في سوريا بفرمان مُرسل منه، من بلدة اورنك آباد بالهند إلى الإسماعيليّين في سوريا، وفي عهده توقّف الفرع المؤمني النزاري عن الركب الإمامي، ودخلت الإمامة في الستر خلافاً للفرع الأخر النزاريّة القاسميّة الّتي ذهب إلى استمرار الإمامة إلى يومنا هذا، وبلغت قائمة الأئمّة النزاريّة المؤمنيّة إلى محمّد بن حيدر 22 إماماً.

النزارية القاسمية:

ذهبت النزاريّة القاسميّة إلى إمامة قاسم شاه، وتوالت الإمامة من عصره إلى يومنا هذا إلى أن وصلت النوبة إلى أُسرة آغا خان.

بلغ عدد الأئمّة النزاريّة القاسميّة من عصر نزار بن معد إلى يومنا هذا 31 إماماً.

وأمّا أئمّة الأُسرة الآغاخانيّة الّذين تحملوا عبء الإمامة، فهم:

1 - حسن علي شاه (1219 - 1298هـ)؛ وهو أوّل من لقّب بآغا خان.

2 - علي شاه (1246 - 1302هـ)، ولد في بلدة محلاّت.

٢٦٢

3 - سلطان بن محمّد شاه (1294 - 1380هـ)، المعروف بآغا خان الثالث، ولد في محلّة شهر العسل بكراتشي.

4 - كريم بن عليّ بن محمّد (1938 ـ...) المعروف بآغا خان الرابع.

هؤلاء أئمّة النزاريّة القاسميّة الآغاخانيّة، وهم الفِرقة المنحصرة باستمرار الإمامة في أولاد إسماعيل، وفق المذهب الإسماعيلي، فالله سبحانه يعلم هل تستمر الإمامة بعد رحيله أو تدخل في كهف الغيبة؟!

٢٦٣

الإسماعيلية والأُصول الخمسة

الإسلام عقيدة وشريعة، والإسماعيليّة كغيرها من المذاهب لها أُصول وفروع.

أمّا الفروع فلا يختلفون مع المسلمين في أُمّهاتها، وكفى في الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي (المتوفّى 363هـ) باسم (دعائم الإسلام).

نعم، انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلّ حكم فرعي ظاهراً وباطناً، وقد ألّف القاضي المذكور كتاباً باسم (تأويل الدعائم) وسيمرّ عليك شيئاً من تأويلاته.

إنّما الكلام في عقائدهم وأُصولهم، لأنّ العثور عليها أمر صعب للغاية، وذلك لوجوه:

1 - الظنّة بكتبهم والتستّر عليها وإخفاؤها وعدم جعلها تحت متناول أيدي الآخرين.

2 - اتّخاذ الفلسفة اليونانيّة عماداً وسنداً للمذهب؛ فأدخلوا فيه أشياء كثيرة ممّا لا صلة لها بباب العقائد والأُصول، كالقول بالعقول العشرة والأفلاك التسعة ونفوسها، وأنّ الصادر الأوّل هو العقل، إلى أن ينتهي الصدور إلى العقل العاشر.

3 - إنّ المذهب الإسماعيلي لم يكن في بدء ظهوره مذهباً متكاملاً، وإنّما تكامل عبر الزمان، نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانيّة.

٢٦٤

واعتمدنا في عرض عقائدهم على كتابين:

1 - (راحة العقل)، تأليف: الداعي في عهد الحاكم، أعني: أحمد بن عبد الله الكرماني (352 - كان حياً سنة 411هـ)، الملقّب بحجّة العراقين، وكبير دعاة الإسماعيليّة في عصر الحاكم بالله.

2 - (تاج العقائد ومعدن الفرائد)، تأليف: الداعي الإسماعيلي اليمني المطلق عليّ بن محمّد الوليد (522 - 612هـ). وهذا الكتاب أسهل فهماً من (راحة العقل)؛ يتضمّن مائة مسألة في معتقدات مذهب الإسماعيليّة.

٢٦٥

1

عقيدتهم في التوحيد

1 - عقيدتهم في توحيده سبحانه أنّه واحد لا مثل له ولا ضد:

يقول الكرماني في المشرع الخامس: إنّه تعالى لا ضدّ له ولا مثل. (1)

وفي تاج العقائد: إنّه تعالى واحد لا من عدد، ولا يعتقد فيه كثرة، أو ازدواج أشكال المخلوقات، واختلاف البسائط والمركّبات. (2)

2 - إنّه سبحانه ليس أيساً:

إنّ الأيس بمعنى الوجود، ولعلّ أوّل من استعمله هو الفيلسوف الكندي.

وتستنكر الإسماعيليّة وصفه سبحانه بالأيس، وجاء الدليل عليه في كتاب (راحة العقل) وحاصله: إنّه لو كان موصوفاً بالوجود، فبما أنّ الصفة غير الموصوف يحتاج في وصفه به إلى الغير، وهو تعالى غنيّ عمّا سواه.

____________________

(1) راحة العقل: 47.

(2) تاج العقائد ومعدن الفرائد: 21.

٢٦٦

يُلاحظ عليه: أنّ ما جاء به الكرماني يُعرب عن عدم نضوج الفلسفة اليونانيّة في أوساطهم، فهم يتصوّرون أنّ الوجود أمر عارض على الواجب، فيبحثون عن مسبِّب العروض، مع أنّه إذا كانت ماهيّته انّيّته، وكان تقدّست أسماؤه عين الوجود، فالاستدلال ساقط من رأسه.

3 - في نفي التسمية عنه:

والمُراد من نفي التسمية عنه هو نفي الماهيّة عنه، وقد استدلّوا على ذلك بقولهم: إنّه تعالى ليس له صورة نفسانيّة ولا عقليّة ولا طبيعيّة ولا صناعيّة، بل يتعالى بعظيم شأنه، وقوّة سُلطانه عن أن يوسم بما يوسم به أسباب خلقته وفنون بريّته، وقد اتّفقت فحول العلماء على أنّه تعالى لم يزل ولا شيء معه، لا جوهراً ولا عرضاً. (1)

4 - نفي الصفات عنه:

ذهبت الإسماعيليّة إلى نفي الصفات عنه على الإطلاق، واكتفت في مقام معرفته سبحانه بالقول بهويّته وذاته دون وصفه بصفات حتّى الصفات الجماليّة والكماليّة. مع أنّه سبحانه يوصف نفسه في غير سورة من السور، بصفاته.

____________________

(1) تاج العقائد ومعدن الفوائد: 26، ولكن الجمع بين نفي الأيس عنه سبحانه ونفي التسمية (الماهيّة) أمر محال؛ لأنّ الواقع لا يخلو عن أحد الأمرين: فهو وجود محض، أو وجود ذو ماهيّة، فلاحظ.

٢٦٧

5 - الصادر الأوّل هو الموصوف بالصفات العليا:

لمّا ذهبت الإسماعيليّة إلى نفي الصفات عنه سبحانه، لم يكن لهم بدّ من إرجاع تلك الصفات إلى المبدع الأوّل، الّذي هو الموجود الأوّل، وإليه تنتهي الموجودات، وهو الصادر عنه سبحانه بالإبداع، لا بالفيض والإشراق، كما عليه إخوان الصفا. (1)

قال الداعي الكرماني في هذا الصدد: فالإبداع هو الحقّ والحقيقة، وهو الوجود الأوّل، وهو الموجود الأوّل، وهو الوحدة، وهو الواحد، وهو الأزل، وهو الأزلي، وهو العقل الأوّل، وهو المعقول الأوّل، وهو العلم، وهو العالم الأوّل، وهو القدرة، وهو القادر الأوّل، وهو الحياة، وهو الحيّ الأول، ذات واحدة، تلحقها هذه الصفات، يستحقّ بعضها لذاته، وبعضها بإضافة إلى غيره، من غير أن تكون هناك كثرة بالذّات. (2)

____________________

(1) رسائل إخوان الصفا: 3/189.

(2) راحة العقل: 83.

٢٦٨

2

عقيدتهم في العدل

قد تعرّفت في البحث السابق على أنّهم لا يصفونه سبحانه بوصف، ويعتقدون أنّه فوق الوصف، وأنّ غاية التوحيد نفي الوصف، وإثبات الهويّة، ولهذا لا تجد عنواناً لهذا الفصل في كتبهم حسب ما وصل بأيدينا، ولكن يمكن استكشاف عقيدتهم في عدله سبحانه من خلال دراستهم لفعل الإنسان، وهل هو إنسان مسيّر أو مخيّر؟

1 - الإنسان مخيّر لا مسيّر:

يقول الداعي عليّ بن محمّد الوليد: الإنسان مخيّر، غير مجبور فيما يعتقد لنفسه من علومه وصناعته، ومذاهبه ومعتقداته.

إلى أن قال: ولولا ذلك لَما كانت لها منفعة بإرسال الرُّسل وقبول العلم، وتلقّي الفوائد والانصياع لأوامر الله تعالى؛ إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلّ شيء تستفيده، ثُمَّ استدلّ بآيات. (1)

____________________

(1) تاج العقائد: 166 - 168.

٢٦٩

2 - القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار:

الإسماعيليّة تُثبت القضاء والقدر حقيقة لا مجازاً، ولكنّها تنفي كونهما سالبين للاختيار.

يقول الداعي عليّ بن محمّد الوليد: القضاء والقدر حقيقة لا مجاز، ولهما في الخلق أحوال على ما رتّب الفاعل سبحانه، من غير جبر يُلزم النفوس الآدميّة الدخول إلى النّار أو الجنّة.

إلى أن قال: إذ لو كان كذلك لذهبت النبوّات والأوامر المسطورات في الكتب المنزلة، في ذم قوم على ما اقترفوه ومدح قوم على ما فعلوه. (1) .

____________________

(1) تاج العقائد: 179.

٢٧٠

3

عقيدتهم في النّبوّة

1 - النبوّة أعلى مراتب البشر:

النبوّة عبارة عن ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لأن يتحمّل الوحي.

يقول الداعي عليّ بن محمّد الوليد: إنّ الرسول الحائز لرتبة الرسالة، لا ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله، ولا علماً يخرج عن علمه، وإنّه الّذي به تكون سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره، وإنّ السعادة الفلكيّة والأشخاص العالية والمؤثّرات خدم له في زمانه. (1)

3 - الرسالة الخاصّة والعامّة:

ثُمَّ إنّهم يقسّمون الرسالة إلى ضربين: عامّة وخاصّة.

والمراد من الرسالة العامّة هنا هو العقل الغريزي، وهو الرسول الأوّل المعدّ لقبول أمر الرسول الثاني.

وأمّا المراد من الرسالة الخاصّة فهو عبارة عن الرسول المبعوث إلى الناس.

____________________

(1) تاج العقائد: 57 - 58.

٢٧١

أقول: إنّ تسمية العقل الإنساني بالرسول لا يخلو من شيء، والأولى تسميته بالحجّة الباطنة، في مقابل الحجة الظاهرة الّذي هو النبيّ.

4 - في أنّ الأنبياء لا يُولدون من سِفاح:

يقول عليّ بن محمّد الوليد: إنّ الأنبياء والأئمة (عليهم السّلام) لا يلدهم الكفّار، ولا يُولدون من سِفاح. ثُمَّ استدلّ ببعض الآيات. (1)

5 - في صفات الأنبياء:

يقول الداعي الكرماني: المؤيّد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعيّة؛ الّتي هي أسباب في نيل السعادة الأبديّة، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في جميعها من جودة الفهم والتصور لِما يشار إليه ويومأ، إلى أن قال: ويكون عظيم النفس، كريماً، محبّاً للعدل، مبغضاً للظلم والجور، مؤثِراً لِما يعود على النفس منفعته من العبادة، مِقداماً في الأُمور، جسوراً عليها، لا يروعه أمر في جنب ما يراه صواباً بجوهره. (2)

6 - في المعجزات الّتي يأتي بها الرُّسل:

إنّ المعجزة عند الإسماعيليّة عبارة عن خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من الأُمور الطبيعيّة، من ردّ ما في الطبيعة عن

____________________

(1) تاج العقائد: 51.

(2) راحة العقل: 421 - 422.

٢٧٢

قانونه المعهود لقهر العقول، ودخولها تحت أمر المعقولات، ومن أجله يُعلم أنّه متّصل بالفاعل، الّذي لا يتعذر عليه متى أراد؛ إذ كلّما في العالم لا يتحرّك إلاّ بمادّته وتدبيره. (1)

7 - في أنّ الرسول الخاتم أفضل الرُّسل:

يفضّل رسول الله على سائر الرُّسل والأنبياء في وجوه؛ أفضلها الوجه التالي: هو أنّه سبحانه جعل شريعته مؤبّدة لا تُنسخ أبداً، وجعل الإمامة في ذريّته إلى قيام الساعة، ولم يُقدَّر ذلك لغيره. (2)

8 - في أنّ الشريعة موافقة للحكمة:

إنّ الحكمة والفلسفة العقليّة، هي والحكمة الشرعيّة سواء؛ لأنّ الله سبحانه خلق في عباده حكماء وعقلاء، ومحال أن يشرّع لهم شرعاً غير محكم وغير معقول، ولا يبعث برسالته وشرعه إلاّ حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لما تحتاجه العقول، ويكلّف لها بما يُسعدها ويقوّي نورها ويعظّم خطَرها. (3)

9 - في أنّ الشريعة لها ظاهر وباطن:

يقول عليّ بن محمّد الوليد: إنّ الشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها

____________________

(1) تاج العقائد: 97.

(2) تاج العقائد: 59 - 60.

(3) تاج العقائد: 101.

٢٧٣

من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك، مضمّنة للأُمور العقليّة والأحكام والمعاني الإلهيّة، وما يتخصّص منها من الأُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر الجسم، والأُمور الباطنة المشاكلة للعقل والنفس، وكلّ من حقّق ذلك كانت معتقداته سالمة. (1)

أقول: هذا المقام هو المزلقة الكبرى للإسماعيليّة المؤوَّلة؛ إذ كلُّ إمام وداع يسرح بخياله، فيضع لكلّ ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقة، يسمّي أحدهما بالشريعة الظاهريّة والآخر بالباطنيّة، من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل، فكلّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيّات، أشبه بذوقيّات العرفاء في تأويل الأسماء والصفات وغير ذلك، وكأنّ الجميع فروع من شجرة واحدة.

____________________

(1) تاج العقائد: 101.

٢٧٤

4

عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به

المعاد - بمعنى عود الإنسان إلى الحياة الجديدة، من أُسس الشرائع السماويّة، وهي لا تنفصل عن الإيمان بالله، ولذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على المعاد بعد الموت، ولولا القول به لَما قام للدين عمود ولا اخضرّ له عود.

1 - في أنّ المعاد روحاني لا جسماني:

نعم، اختلفوا في كونه جسمانيّاً أو روحانيّاً، وعلى فرض كونه جسمانيّاً، فهل الجسم المُعاد جسم لطيف برزخي أو جسم عنصري؟، فالإسماعيليّة على أنّ المعاد روحاني.

قال الكرماني، بعد بيان النشأة الأُولى في الدنيا: ثُمَّ الله ينشأ النشأة الآخرة بقوله تعالى: ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشْأَةَ الْأُولَى‏ فَلَوْلاَ تَذَكّرُونَ ) (1) ، فهلاّ تتفكّرون وتوازنون وتعلمون أنّ النظام في الخلق والبعث واحد، وأنّ النشأة الآخرة هي خلق الأرواح وإحياؤها بروح القدس على مثال النشأة الأُولى.

____________________

(1) الواقعة: 62.

٢٧٥

وقال الداعي عليّ بن محمّد الوليد: يُعتقد أنّ الله تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره، إلى دار غير هذه الدار، فهذه الدار صوريّة وتلك ماديّة، وما بينهما صوري ومادي. (1)

2 - في التناسخ:

وهو عود الروح - بعد مفارقة البدن - إلى الدنيا عن طريق تعلّقها ببدن آخر، كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لإفاضة الروح، وله أقسام.

وربّما يُنسب القول بالتناسخ إلى الإسماعيليّة، ولكن النسبة في غير محلّها.

3 - في الحساب:

الحساب تابع للبعث، وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الّذي هو الملاذ والمسار، والعقاب الّذي هو الألم والعذاب والغم. وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا، وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.

4 - في الجنّة:

يقول الكرماني: إنّها موصوفة بالسرمد والأبد ووجود الملاذ فيها أجمع، وإنّها لا تستحيل ولا تتغيّر، ولا يطرأ عليها حال ولا تتبدّل. (2)

____________________

(1) تاج العقائد: 165.

(2) راحة العقل: 379.

٢٧٦

5 - في الملائكة:

إنّ الملائكة على ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة؛ فلا يتعدّى أحد منهم بغير ما وكّل به، وإنّما اختلفت أسماؤهم لأجل ما وكّلوا به؛ فمنهم من هو في العالم العقلي، ومنهم من هو في العالم الفلكي، ومنهم من هو في العالم الطبيعي.

وقد أخفى الله سبحانه ذوات الملائكة عن النظر، وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم، لا يراهم حتّى يصير إمّا في منزلة النبيّ أو يخلص القبول من النبيّ بقرب الدرجة منه.

6 - في الجنِّ:

وتعتقد الإسماعيليّة أنّ الجنّ ذوات أرواح ناريّة وهوائيّة ومائيّة وترابيّة، وتعتقد أنّ الجنَّ صحيح لا ريب فيه، وهم على ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر.

ومنهم من هو في أرجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم. (1)

____________________

(1) تاج العقائد: 46.

٢٧٧

5

عقيدتهم في الإمامة

تحتلّ الإمامة عند الإسماعيليّة مركزاً مرموقاً؛ حيث جعلوها على درجات ومقامات، وزوّدوا الأئمّة بصلاحيّات واختصاصات، ولتسليط الضوء على عقيدتهم فيها نبحث في مقامين:

المقام الأوّل: الإمامة المطلقة

إنّ درجات الأئمّة ورتبهم لا تتجاوز عن الخمسة، من دون أن تختص بالشريعة الإسلاميّة، بل تعمّ الشرائع السماويّة كلّها، وبما أنّ مذهب الإسماعيليّة أُحيط بهالة من لغموض عبر القرون، لم يكن من الممكن أن يقف أحد عليها إلاّ طبقة خاصّة من علمائهم، وكانوا يبخلون بآرائهم وكتبهم على الغير، غير أنّ الأحوال الحاضرة رفعت الستر عن كتبهم ومنشوراتهم، فقام المستشرقون وفي مقدّمتهم (ايفانوف) الروسي وتبعه عدد آخر من المحقّقين بنشر آثارهم، وعند ذلك تجلّت الحقيقة بوجهها الناصع، كما قام الكاتبان الإسماعيليّان عارف تامر ومصطفى غالب ببذل الجهود الحثيثة في نشر آثار تلك الطائفة، فكشفا النقاب عن وجه العقيدة الإسماعيليّة وبيّناها بوجه واضح خالياً من

الغموض والتعقيد الموجودين في عامّة كتب الإسماعيليّة، وإن كان بين الكاتبين اختلاف في بعض

٢٧٨

الموارد، ونحن نعتمد في تفسير درجات الإمامة على كتاب (الإمامة في الإسلام) للكاتب عارف تامر، وإليك بيانه:

درجات الإمامة خمس؛ وهي:

1. الإمام المقِيم.

2. الإمام الأساس.

3. الإمام المتِم.

4. الإمام المستقِر.

5. الإمام المستودَع.

وربّما يضاف إليها رتبتان:الإمام القائم بالقوّة، والإمام القائم بالفعل.

فالمهمّ هو الوقوف على هذه الدرجات.

يعتقد عارف تامر في كتابه (الإمامة في الإسلام) أنّ هذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين، إلاّ طبقة خاصّة من العلماء، أو لا أقلّ في التقيّة والاستتار والكتمان.

1. الإمام المقِيم:

هو الّذي يُقِيْم الرسول الناطق ويعلّمه ويربّيه ويدْرِجه في مراتب رسالة النطق، وينعم عليه بالإمدادات، وأحياناً يُطلقون عليه اسم (ربّ الوقت) و(صاحب العصر)، وتُعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الإمامة وأرفعها وأكثرها دقّة وسرّيّة.

٢٧٩

2. الإمام الأساس:

هو الّذي يرافق الناطق في كافّة مراحل حياته، ويكون ساعده الأيمن، وأمين سرّه، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى، والمنفِّذ للأوامر العليا، فمنه تتسلسل الأئمّة المستقرون في الأدوار الزمنيّة، وهو المسؤول عن شؤون الدعوة الباطنيّة القائمة على الطبقة الخاصّة ممّن عَرفوا (التأويل) ووصلوا إلى العلوم الإلهيّة العليا.

3. الإمام المتِم:

هو الّذي يتم أداء الرسالة في نهاية الدور؛ والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الأئمّة، فالإمام المتم يكون سابعاً ومتمّاً لرسالة الدور، وأنّ قوته تكون معادلة لقوّة الأئمّة الستة الّذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يُطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً؛ أي أنّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للأدوار. أمّا الإمام الّذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد، ومؤسِّساً لبنيان حديث.

4. الإمام المستقِر:

هو الّذي يملك صلاحيّة توريث الإمامة لوِلْده، كما أنّه صاحب النصّ على الإمام الّذي يأتي بعده، ويسمّونه أيضاً الإمام بالجوهر والمتسلّم شؤون الإمامة بعد الناطق مباشرة، والقائم بأعباء الإمامة أصالة.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377