المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية15%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210664 / تحميل: 9271
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

مريم متأخرة عن وحي المزامير بأكثر من ألف سنة؟! وأن ولادته النبوية متأخرة أيضاً عن ولادته من مريم بثلاثين سنة على ما تقوله الأناجيل؟! فمن أين يكون كلام المزمور الثاني مقولا في المسيح؟!!

وجاء في رسالة العبرانيين، في الإصحاح الخامس، في العدد الخامس، ما نصّه: ( كذلك المسيح لم يمجّد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذي قال له: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك ).

وإن كاتب الرسالة يريد بذلك ما ذكرناه عن المزمور الثاني لكي يحتجّ به على اليهود.. وقد عرفت الكذب في انتهاب ذلك من داود للمسيح!

ولم تكتف رسالة العبرانيّين بهذا الانتهاب، بل قالت في الإصحاح الأول، في العدد الخامس، في الاحتجاج على اليهود لمجد المسيح وتفضيله على الملائكة بما جاء في كتبهم في العهد القديم، وهذا نصّ ما قالته: ( لمن من الملائكة قال فيما مضى: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك؛ وأيضاً: أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً ).

فأما قول الرسالة إنّ قوله: (أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك ) قد قيل في المسيح، فقد عرفت أنه كذب وانتهاب وغصب لحقّ داود وما قيل فيه.

وأما دعوى الرسالة أنه قيل في المسيح أيضاً في العهد القديم:

٤١

( أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً ) فهو أيضاً كذب وانتهاب من سليمان!

فقد تكرّر في نقل العهد القديم أن الله قال هذا القول في شأن سليمان بن داود، وهذا نصّه في الإصحاح الثامن والعشرين من أخبار الأيّام الأول، في العدد السادس من قول داود عن وحي الله: ( وقال لي: إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري، لأني أخترته لي ابناً، وأنا أكون له أباً ).

وفي الإصحاح الثاني والعشرين من أخبار الأيام الأول أيضاً، من العدد السابع إلى الحادي عشر، في خطاب داود مع سليمان بكلام الله لداود في شأن سليمان، هكذا: (لأنّ اسمه يكون سليمان، فأجعل سلاماً وسكينة في إسرائيل في أيامه، هو يبني بيتاً لاسمي، وهو يكون لي ابناً، وأنا له أباً ).

ونحو هذا أيضاً جاء في الإصحاح السابع من سفر صموئيل الثاني، من العدد الثاني إلى الخامس عشر.

فراجع المقامات المذكورة تجد هذا الكلام صريحاً في شأن سليمان وبنائه لبيت المقدس.

ويا للعجب - مع هذه التصريحات - كيف يجترئ أحد من الناس وينتهب هذا الكلام من سليمان، ويجعله مقولا في المسيح عيسى بن مريم؟!

٤٢

فأين ومتى تكون الأمانة والاجتناب عن الكذب والانتهاب؟!!

٤٣

(ردّ مزعمة أن بولس وأهل كورنتوش لا يموتون)

في الإصحاح الخامس عشر من رسالة كورنتوش الأولى، في العدد الحادي والخمسين والثاني والخمسين، بعد ذكر قيامة الأموات، جاء عن قول بولس ووحيه ما هذا نصّه:

( هو ذا سرّ أقوله لكم، لا نرقد كلّنا (أو: كلّنا لا نرقد) في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير، فإنه سيبوّق ويقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغيّر ).

والمراد: لا نموت كلّنا، أو: كلّنا لا نموت، كما تشهد به التراجم بغير العربية.

ويا للعجب! أين صار هذا الوعد السرّي الغيبي الذي قاله بولس بالوحي لأهل كورنتوش؟!

أليس قد مات بولس وأهل كورنتوش ورقدوا في مضاجع الأموات، وطحنهم البلى، ومضى على موتهم أكثر من ألف وثمان مائة سنة؟!

فيا للأسف على هذا الوعد والسرّ الغيبي الصادر عن الوحي!!

٤٤

(ردّ مزعمة أن بولس وأهل تسالونيكي لا يموتون)

وفي الإصحاح الرابع من رسالة تسالونيكي الأولى، من أول العدد الخامس عشر إلى الثامن عشر، جاء ما هذا نصّه:

( فإنّا نقول لكم هذا بكلمة الربّ: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الربّ، لا نسبق الراقدين، لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الربّ في الهواء ).

ويا للأسف لأهل تسالونيكي وبولس! أي حيّ منهم بقي إلى مجيء المسيح وقيامة الأموات؟!

وأين الأحياء الباقون لكي يخطفون في السحب مع الأموات القائمين من الموت في القيامة؟!

نعم، ها هو بولس وأهل تسالونيكي، قد اختطفهم الموت بقبور البلا، فدُرِست رممهم؛ وها هم منذ ثمانية عشر قرناً إلى الآن يختطفهم الموت إلى البِلى والاندراس!

فيا للأسف على هذا القول المقول بكلمة الربّ، بل يا

٤٥

للأسف لكلمة الله وشرفها إذ تلوّث بهذه الأقوال التي يظهر حالها بعد قليل من الزمان!

٤٦

(الكشف عن أن بطرس يكذب ويرائي في دينه)

وفي الإصحاح الثاني من الرسالة إلى أهل غلاطية، من العدد الحادي عشر إلى نهاية الثالث عشر، عن قول بولس ما نصّه:

(ولمّا أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوماً، لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم(١) ولكن لمّا أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه(٢) ، وراءى معه اليهود أيضاً، حتى أن برنابا انقاد إلى ريائهم ) انتهى.

ويا للأسف إذا كان بطرس - خليفة المسيح عندهم - يكذب ويرائي في دينه!! وحاشاه.

____________________

١- أي: على خلاف شريعة التوراة. لأن الأمم كانوا وثنيّين.

٢- أي: يرائي ويظهر أنه يتنجس من الأمم ولا يأكل معهم.

٤٧

(ردّ مزعمة أن يعقوب وجميع المشايخ أمروا بولس أن يرائي)

وفي الإصحاح الحادي والعشرين من كتاب أعمال الرسل، من العدد الثامن عشر إلى السابع والعشرين، ما حاصله:

إن يعقوب وجميع المشايخ(١) أمروا بولس أن يرائي ويعمل بأحكام التوراة رياءً لليهود وتمويهاً، لإبطال المشايخ والتلاميذ لشريعة التوراة.

فانظر هذا المقام من كتاب أعمال الرسل، ويا للأسف!!

____________________

١- يعني تلاميذ المسيح ورؤساء الديانة المسيحية.

٤٨

(الكشف عن أن بولس استعمل الرياء وختن تيموثاوس)

وفي الإصحاح السادس عشر من كتاب أعمال الرسل، من العدد الأول إلى الرابع ما حاصله:

إن بولس استعمل الرياء وختن تيموثاوس على خلاف تعليمه، لكي يرائي ويظهر كذباً أنه يعمل بأحكام التوراة وخصوص الختان!

٤٩

(الكشف عن أن بولس كذب وخالف وعده للمسيح)

تذكر الأناجيل أنه لما قبض اليهود على المسيح وأخذوه إلى رئيس الكهنة، تبعه بطرس، فقال بعض اليهود: إنّ هذا(١) من أصحاب المسيح؛ فأنكر بطرس بقسم قائلا: لست أعرف الرجل(٢) ...

ثم قيل له ثانياً، فابتدأ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجل..

وتقول الأناجيل: إن المسيح أنذره في تلك الليلة وأخبره بأنه ينكره ثلاث مرات، فقال له بطرس: ولو اضطررت إلى أن أموت معك لا أنكرك..

فانظر إلى ذلك في الإصحاح السادس والعشرين من إنجيل متّى في العدد ٣٤ و ٣٥ و٦٩ إلى آخر الإصحاح المذكور، وانظر إلى الإصحاح الرابع عشر من مرقس.

وليت كاتب الإنجيل يخبرنا صريحاً أنه لمن صار

____________________

١- يعني بطرس.

٢- يعني المسيح.

٥٠

بطرس يلعن؟! ويا للعجب كيف صار بطرس هذا الرجل الكبير يحلف كذباً؟! وكيف خالف وعده للمسيح؟! أفلا تحاشى بطرس من ذلك؟!

دع هذا، ولكن هلّم الخطب فيما تنسبه الأناجيل من الكذب والتحريف إلى قدس المسيح!

٥١

(الردّ على مزعمة أن المسيح من المتنبّئين الكذبة)

في الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متّى، في العدد الثامن والثلاثين إلى الحادي والأربعين، عن قول المسيح ما هذا نصّه:

( وقال(١) لهم: جيل شرير يطلب آية ولا تعطي له آية، إلاّ آية يونان النبيّ(٢) لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان(٣) في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال ).

والمراد: أن معجزته أن يموت ويدفن في القبر، ويبقى فيه ميتاً ثلاثة أيّام وثلاث ليال، ثم بعدها يحيا ويقوم من الموت ويخرج من القبر...

هذا، ولكن الأناجيل تكذّب هذا الخبر، وتصرّح بأنه عند المساء من يوم الجمعة - الذي يسمّيه اليهود يوم الاستعداد للسبت - جاء رجل وطلب جثّة المسيح من الحاكم، ودفنه ليلة السبت.

____________________

١- يعني المسيح.

٢- أي: يونس بن متّى.

٣- يعني نفسه.

٥٢

وفي يوم الأحد قبل الفجر، جاءت مريم المجدليّة ومريم الأخرى، فوجدتا المسيح قد قام من الأموات وخرج من القبر!

فانظر إلى أواخر الإصحاح السابع والعشرين، وأوائل الثامن والعشرين من إنجيل متّى.

وإلى أواخر الإصحاح الخامس عشر، وأوائل السادس عشر من إنجيل مرقس.

وإلى أواخر الإصحاح الثالث والعشرين، وأوائل الرابع والعشرين من إنجيل لوقا.

وإلى آخر الإصحاح التاسع عشر، وأوّل العشرين من إنجيل يوحنا.

وحاصل الأمر: أنّ الأناجيل قد اتفقت على أنّ المسيح لم يبق في قلب الأرض إلاّ سواء ليلتين: ليلة السبت وليلة الأحد، مع بياض يوم واحد وهو يوم السبت.. فأين تكون الثلاثة أيام والثلاث ليالي؟!

وهل تدري ماذا فعلت الأناجيل في هذا المقام في قدس المسيح؟!

فإنها جعلت المسيح - وحاشاه - بحكم التوراة وعلامتها، وصيّرته من المتنبّئين الكذبة، الذي يقتلون لأجل كذبهم بطغيانهم على الله.

٥٣

فإنّ التوراة تقوم عن كلام الله لموسى في الإصحاح الثامن عشر من سفر التثنية، من العدد العشرين إلى آخر الإصحاح، وتصرّح بما نصه: ( وأما النبيّ الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلّم باسم آلهة أخرى، فذلك النبي يقتل، وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الله؛ فما تكلم به النبي باسم الله ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الله، بل بطغيان تكلم به النبيّ )!

فالأناجيل تقول: إن المسيح أخبرنا باسم الله - في إعطائه للآية - أنه يبقى في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالي؛ وتقول أيضاً: إنه لم يبق في بطن الأرض إلاّ بياض يوم واحد وسواد ليلتين!

وحاصل ذلك: أنه لم يقع ما أخبر به باسم الله، بل وقع خلافه، فيجري عليه ما أعطته التوراة من العلامة الموافقة لحكم العقل لكذب المتنبّئ!

٥٤

(الردّ على افتراء تعدد الآلهة في الإنجيل)

جاء في المزمور الثاني والثمانين في توبيخ قضاة الجور، الذين يراعون وجوه الأشرار ما نصّه:

( حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار؟! إقضوا للذليل ولليتيم، أنصفوا المسكين والفقير، نجّوا الذليل والمسكين من يد الأشرار، لا يعلمون ولا يفهمون، في الظلمة يتمشون، تتزعزع كل أُسس الأرض؛ أنا قلت: إنّكم آلهة وبنو العليّ كلكم؟! لكن مثل الناس تموتون، وكأحد الرؤساء تهلكون، قم يا الله فاقض على الأرض ).

ومعناه: أيها القضاة الجائرون، الذين لا يعلمون ولا يفهمون، وفي الظلمة يتمشّون، ماذا غرّكم؟! وبماذا أمنتم بطش الله؟! هل أنا قلت: إنكم آلهة وبنو العلي كلّكم، فأمنتم بذلك من سخطي وزوال النعمة وحسرة الموت؟! لكن لا تغترّوا بالحياة، فإنكم مثل الناس تموتون، ولا تغرّنكم الرئاسة، فإنكم كأحد الرؤساء تهلكون..

ولا يخفى أن كل من يفهم الكلام يفهم ما ذكرناه من المزمور المذكور.

٥٥

لكن جاء في الإصحاح العاشر من إنجيل يوحنا، في العدد الثالث والثلاثين إلى السادس والثلاثين، في مكالمة اليهود مع المسيح أنهم قالوا له: ( فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً؟! أجابهم يسوع: أليس مكتوب في ناموسكم أنا قلت: إنكم آلهة. إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب، فالذي قدّسه الأب وأرسله إلى العام أتقولون له: إنك تكفر، لأنّي قلت: إنّي ابن الله؟! ).

ولا يخفى أن الكلام المذكور في إنجيل يوحنا قد افترى على الحقيقة بدعوى تعدد الآلهة: وافترى على المزمور المتقدّم بحمل كلامه على الإخبار بأن قضاة الجور آلهة، مع أنه مسوق للإنكار والتوبيخ؛ وافترى أيضاً بوصف قضاة الجور بأنهم صارت إليهم كلمة الله، أي نزل عليهم الوحي، مع أن المزمور المذكور يصفهم بقضاة الجور، وأنهم لا يفهمون ولا يعلمون، وفي الظلمة يتمشون.

ويا للعجب من كلام هذا الإنجيل! فإنّه في افترائه بتعدد الآلهة يقول: لا يمكن أن ينقض المكتوب، أي لا يمكن أن يخالف؛ فإذن فلماذا خالف ما هو مكتوب مكرّراً في التوراة، وباقي كتب العهدين، من توحيد الإله، والنهي عن الشرك، وذكر اسم آلهة غير الله؟!!

أفلا تنظر إلى هذا الكلام كم حوى في الافتراء والشرك والغلط؟!

٥٦

(الردّ على افتراء أنّ المسيح قال: قال الربّ لربّي)

في الإصحاح الثاني والعشرين من إنجيل متّى، من العدد الثاني والأربعين إلى السادس والأربعين؛ وفي الإصحاح الثاني عشر من إنجيل مرقس، من العدد الخامس والثلاثين إلى الثامن والثلاثين؛ وفي الإصحاح العشرين من لوقا، من العدد الحادي والأربعين إلى الخامس والأربعين، ما نصه من الأناجيل الثلاثة:

( قال يسوع: كيف يقولون: إنّ المسيح ابن داود، وداود نفسه يقول: بالروح القدس في كتاب المزامير قال الربّ لربّي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك، فإذا كان داود يدعوه ربّا فكيف يكون ابنه؟! ).

وهذه الأناجيل الثلاثة تنسب إلى المسيح الكذب على المزامير والتحريف لها، فإنه ليس في الأصل العبراني ما معناه: ( قال الرب لربّي ) وليس فيه تكرار لفظ (الربّ) وإنما الموجود في المزمور العاشر بعد المائة ما تعريبه: ( وحي الله لسيّدي ) ولفظه في الأصل العبراني هكذا: ( نأم يهوه لأدناي )... فإنّ (أدناي) بمعنى (سيدي).

٥٧

فيا للأسف لوقوع هذا الكذب وهذا التحريف، وأشنع من ذلك أنه وقع هذا الكذب وهذا التحريف لأجل غرض فاسد إشراكىّ وثنيّ، وهو القول بتعدّد الأرباب وجعل البشر ربّاً!!

٥٨

(الردّ على افتراء أنّ داود قال: قال الربّ لربّي)

ولم يكتف العهد الجديد بنسبة الأناجيل لقدس المسيح هذا الكذب وهذا التحريف الوثنيّ، بل جاء مثل ذلك في كتاب أعمال الرسل، ونسب مثل هذا الكذب والتحريف لبطرس، فذكر في الإصحاح الثاني، في العدد الرابع والثلاثين عن قول بطرس ما هذا نصّه:

( لأن داود لم يصعد إلى السماوات وهو يقول: قال الربّ لربّي: اجلس عن يميني )!

٥٩

( الردّ على مزعمة الأناجيل أنّ المسيح أنكر كونه ابن داود)

جاء في الإصحاح الأول من إنجيل لوقا، في العدد الحادي والثلاثين والثاني والثلاثين، عن قول جبرئيل لمريم أُمّ المسيح:

( وها أنت ستسحبلين وتلدين ابناً وتسمّينه يسوع(١) هكذا يكون عظيماً، وابن العليّ يدعى، ويعطيه الله الإله كرسيّ داود أبيه )..

وذكر إنجيل متّى نسب المسيح في الإصحاح الأول وقال: ( كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ) ثم ذكر داود في سلسلة النسب!!..

وجاء في الإصحاح الثاني من كتاب أعمال الرسل، في العدد التاسع والعشرين والثلاثين، عن قول بطرس ما حاصله: أن الله حلف بقسم لداود أنه من ثمرة صلبه يقيم المسيح ليجلس على كرسيّه...

وفي الإصحاح الثالث عشر، في العدد الثاني والعشرين والثالث والعشرين، عن قول بولس ما حاصله: أنه من نسل

____________________

١- أي: عيسى.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

والّذي يدلّ على ذلك أنّ الفقيه عمارة اليمني كتب إلى صلاح الدين الأيّوبي قصيدة سمّاها: (شكاية المتظلّم ونكاية المتألّم) وهي بديعة رثى فيها أصحاب القصر الفاطمي عند زوال ملْكهم.

الإسماعيليّة النزاريّة

قد عرفت أنّ الإسماعيليّة افترقت فِرقتين بين مستعلية ونزاريّة، أمّا الأُولى فقد مضى الكلام فيها، وأمّا الثانية فقد قالوا بإمامة نزار بن معد، وبذلك استمرّ الركب الإمامي بعد وفاة المستنصر بالله، واتفقت النزاريّة قبل الانشقاق على إمامة الأئمّة التالية:

١ - المصطفى بالله نزار بن معد المستنصر.

٢ - الإمام جلال الدين حسن بن أعلى محمّد.

٣ - الإمام علاء الدين بن الإمام جلال الدين.

٤ - الإمام ركن الدين فورشاه بن الإمام علاء الدين.

٥ - الإمام شمس الدين بن ركن الدين.

وبعد وفاة الإمام شمس الدين بن ركن الدين ظهر اختلاف من نوع جديد، فالمعلوم أنّه كان للإمام محمّد شمس الدين ثلاثة أولاد، هم: مؤمن شاه، وقاسم شاه، وكياشاه.

فالمؤمنيّة اعترفت بإمامة مؤمن شاه وسارت وراءه وولْده من بعدهن حتّى آخرهم أمير محمد باقر سنة ١٢١٠هـ، والقاسميّة سارت وراء قاسم شاه وولْده الذين هم أُسرة آغا خان.

٢٦١

النزاريّة المؤمنيّة:

النزاريّة المؤمنيّة الّتي ذهبت إلى إمامة مؤمن بن محمّد ثُمَّ توالت الإمامة في نسله عبر العصور إلى أن انتقلت إلى الإمام محمّد بن حيدر (الأمير الباقر) (١١٧٩ - ١٢١٠هـ)؛ وهو آخر إمام من أُسرة مؤمن يَحتفظ الإسماعيليّون في سوريا بفرمان مُرسل منه، من بلدة اورنك آباد بالهند إلى الإسماعيليّين في سوريا، وفي عهده توقّف الفرع المؤمني النزاري عن الركب الإمامي، ودخلت الإمامة في الستر خلافاً للفرع الأخر النزاريّة القاسميّة الّتي ذهب إلى استمرار الإمامة إلى يومنا هذا، وبلغت قائمة الأئمّة النزاريّة المؤمنيّة إلى محمّد بن حيدر ٢٢ إماماً.

النزارية القاسمية:

ذهبت النزاريّة القاسميّة إلى إمامة قاسم شاه، وتوالت الإمامة من عصره إلى يومنا هذا إلى أن وصلت النوبة إلى أُسرة آغا خان.

بلغ عدد الأئمّة النزاريّة القاسميّة من عصر نزار بن معد إلى يومنا هذا ٣١ إماماً.

وأمّا أئمّة الأُسرة الآغاخانيّة الّذين تحملوا عبء الإمامة، فهم:

١ - حسن علي شاه (١٢١٩ - ١٢٩٨هـ)؛ وهو أوّل من لقّب بآغا خان.

٢ - علي شاه (١٢٤٦ - ١٣٠٢هـ)، ولد في بلدة محلاّت.

٢٦٢

٣ - سلطان بن محمّد شاه (١٢٩٤ - ١٣٨٠هـ)، المعروف بآغا خان الثالث، ولد في محلّة شهر العسل بكراتشي.

٤ - كريم بن عليّ بن محمّد (١٩٣٨ ـ...) المعروف بآغا خان الرابع.

هؤلاء أئمّة النزاريّة القاسميّة الآغاخانيّة، وهم الفِرقة المنحصرة باستمرار الإمامة في أولاد إسماعيل، وفق المذهب الإسماعيلي، فالله سبحانه يعلم هل تستمر الإمامة بعد رحيله أو تدخل في كهف الغيبة؟!

٢٦٣

الإسماعيلية والأُصول الخمسة

الإسلام عقيدة وشريعة، والإسماعيليّة كغيرها من المذاهب لها أُصول وفروع.

أمّا الفروع فلا يختلفون مع المسلمين في أُمّهاتها، وكفى في الوقوف عليها ما كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي (المتوفّى ٣٦٣هـ) باسم (دعائم الإسلام).

نعم، انفردوا في الاعتقاد بأنّ لكلّ حكم فرعي ظاهراً وباطناً، وقد ألّف القاضي المذكور كتاباً باسم (تأويل الدعائم) وسيمرّ عليك شيئاً من تأويلاته.

إنّما الكلام في عقائدهم وأُصولهم، لأنّ العثور عليها أمر صعب للغاية، وذلك لوجوه:

١ - الظنّة بكتبهم والتستّر عليها وإخفاؤها وعدم جعلها تحت متناول أيدي الآخرين.

٢ - اتّخاذ الفلسفة اليونانيّة عماداً وسنداً للمذهب؛ فأدخلوا فيه أشياء كثيرة ممّا لا صلة لها بباب العقائد والأُصول، كالقول بالعقول العشرة والأفلاك التسعة ونفوسها، وأنّ الصادر الأوّل هو العقل، إلى أن ينتهي الصدور إلى العقل العاشر.

٣ - إنّ المذهب الإسماعيلي لم يكن في بدء ظهوره مذهباً متكاملاً، وإنّما تكامل عبر الزمان، نتيجة احتكاك الدعاة مع أصحاب الفلسفة اليونانيّة.

٢٦٤

واعتمدنا في عرض عقائدهم على كتابين:

١ - (راحة العقل)، تأليف: الداعي في عهد الحاكم، أعني: أحمد بن عبد الله الكرماني (٣٥٢ - كان حياً سنة ٤١١هـ)، الملقّب بحجّة العراقين، وكبير دعاة الإسماعيليّة في عصر الحاكم بالله.

٢ - (تاج العقائد ومعدن الفرائد)، تأليف: الداعي الإسماعيلي اليمني المطلق عليّ بن محمّد الوليد (٥٢٢ - ٦١٢هـ). وهذا الكتاب أسهل فهماً من (راحة العقل)؛ يتضمّن مائة مسألة في معتقدات مذهب الإسماعيليّة.

٢٦٥

١

عقيدتهم في التوحيد

١ - عقيدتهم في توحيده سبحانه أنّه واحد لا مثل له ولا ضد:

يقول الكرماني في المشرع الخامس: إنّه تعالى لا ضدّ له ولا مثل. (١)

وفي تاج العقائد: إنّه تعالى واحد لا من عدد، ولا يعتقد فيه كثرة، أو ازدواج أشكال المخلوقات، واختلاف البسائط والمركّبات. (٢)

٢ - إنّه سبحانه ليس أيساً:

إنّ الأيس بمعنى الوجود، ولعلّ أوّل من استعمله هو الفيلسوف الكندي.

وتستنكر الإسماعيليّة وصفه سبحانه بالأيس، وجاء الدليل عليه في كتاب (راحة العقل) وحاصله: إنّه لو كان موصوفاً بالوجود، فبما أنّ الصفة غير الموصوف يحتاج في وصفه به إلى الغير، وهو تعالى غنيّ عمّا سواه.

____________________

(١) راحة العقل: ٤٧.

(٢) تاج العقائد ومعدن الفرائد: ٢١.

٢٦٦

يُلاحظ عليه: أنّ ما جاء به الكرماني يُعرب عن عدم نضوج الفلسفة اليونانيّة في أوساطهم، فهم يتصوّرون أنّ الوجود أمر عارض على الواجب، فيبحثون عن مسبِّب العروض، مع أنّه إذا كانت ماهيّته انّيّته، وكان تقدّست أسماؤه عين الوجود، فالاستدلال ساقط من رأسه.

٣ - في نفي التسمية عنه:

والمُراد من نفي التسمية عنه هو نفي الماهيّة عنه، وقد استدلّوا على ذلك بقولهم: إنّه تعالى ليس له صورة نفسانيّة ولا عقليّة ولا طبيعيّة ولا صناعيّة، بل يتعالى بعظيم شأنه، وقوّة سُلطانه عن أن يوسم بما يوسم به أسباب خلقته وفنون بريّته، وقد اتّفقت فحول العلماء على أنّه تعالى لم يزل ولا شيء معه، لا جوهراً ولا عرضاً. (١)

٤ - نفي الصفات عنه:

ذهبت الإسماعيليّة إلى نفي الصفات عنه على الإطلاق، واكتفت في مقام معرفته سبحانه بالقول بهويّته وذاته دون وصفه بصفات حتّى الصفات الجماليّة والكماليّة. مع أنّه سبحانه يوصف نفسه في غير سورة من السور، بصفاته.

____________________

(١) تاج العقائد ومعدن الفوائد: ٢٦، ولكن الجمع بين نفي الأيس عنه سبحانه ونفي التسمية (الماهيّة) أمر محال؛ لأنّ الواقع لا يخلو عن أحد الأمرين: فهو وجود محض، أو وجود ذو ماهيّة، فلاحظ.

٢٦٧

٥ - الصادر الأوّل هو الموصوف بالصفات العليا:

لمّا ذهبت الإسماعيليّة إلى نفي الصفات عنه سبحانه، لم يكن لهم بدّ من إرجاع تلك الصفات إلى المبدع الأوّل، الّذي هو الموجود الأوّل، وإليه تنتهي الموجودات، وهو الصادر عنه سبحانه بالإبداع، لا بالفيض والإشراق، كما عليه إخوان الصفا. (١)

قال الداعي الكرماني في هذا الصدد: فالإبداع هو الحقّ والحقيقة، وهو الوجود الأوّل، وهو الموجود الأوّل، وهو الوحدة، وهو الواحد، وهو الأزل، وهو الأزلي، وهو العقل الأوّل، وهو المعقول الأوّل، وهو العلم، وهو العالم الأوّل، وهو القدرة، وهو القادر الأوّل، وهو الحياة، وهو الحيّ الأول، ذات واحدة، تلحقها هذه الصفات، يستحقّ بعضها لذاته، وبعضها بإضافة إلى غيره، من غير أن تكون هناك كثرة بالذّات. (٢)

____________________

(١) رسائل إخوان الصفا: ٣/١٨٩.

(٢) راحة العقل: ٨٣.

٢٦٨

٢

عقيدتهم في العدل

قد تعرّفت في البحث السابق على أنّهم لا يصفونه سبحانه بوصف، ويعتقدون أنّه فوق الوصف، وأنّ غاية التوحيد نفي الوصف، وإثبات الهويّة، ولهذا لا تجد عنواناً لهذا الفصل في كتبهم حسب ما وصل بأيدينا، ولكن يمكن استكشاف عقيدتهم في عدله سبحانه من خلال دراستهم لفعل الإنسان، وهل هو إنسان مسيّر أو مخيّر؟

١ - الإنسان مخيّر لا مسيّر:

يقول الداعي عليّ بن محمّد الوليد: الإنسان مخيّر، غير مجبور فيما يعتقد لنفسه من علومه وصناعته، ومذاهبه ومعتقداته.

إلى أن قال: ولولا ذلك لَما كانت لها منفعة بإرسال الرُّسل وقبول العلم، وتلقّي الفوائد والانصياع لأوامر الله تعالى؛ إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلّ شيء تستفيده، ثُمَّ استدلّ بآيات. (١)

____________________

(١) تاج العقائد: ١٦٦ - ١٦٨.

٢٦٩

٢ - القضاء والقدر لا يسلبان الاختيار:

الإسماعيليّة تُثبت القضاء والقدر حقيقة لا مجازاً، ولكنّها تنفي كونهما سالبين للاختيار.

يقول الداعي عليّ بن محمّد الوليد: القضاء والقدر حقيقة لا مجاز، ولهما في الخلق أحوال على ما رتّب الفاعل سبحانه، من غير جبر يُلزم النفوس الآدميّة الدخول إلى النّار أو الجنّة.

إلى أن قال: إذ لو كان كذلك لذهبت النبوّات والأوامر المسطورات في الكتب المنزلة، في ذم قوم على ما اقترفوه ومدح قوم على ما فعلوه. (١) .

____________________

(١) تاج العقائد: ١٧٩.

٢٧٠

٣

عقيدتهم في النّبوّة

١ - النبوّة أعلى مراتب البشر:

النبوّة عبارة عن ارتقاء النفس إلى مرتبة تصلح لأن يتحمّل الوحي.

يقول الداعي عليّ بن محمّد الوليد: إنّ الرسول الحائز لرتبة الرسالة، لا ينبغي أن يكون كمالاً يفوق كماله، ولا علماً يخرج عن علمه، وإنّه الّذي به تكون سعادة أهل الدور من أوّله إلى آخره، وإنّ السعادة الفلكيّة والأشخاص العالية والمؤثّرات خدم له في زمانه. (١)

٣ - الرسالة الخاصّة والعامّة:

ثُمَّ إنّهم يقسّمون الرسالة إلى ضربين: عامّة وخاصّة.

والمراد من الرسالة العامّة هنا هو العقل الغريزي، وهو الرسول الأوّل المعدّ لقبول أمر الرسول الثاني.

وأمّا المراد من الرسالة الخاصّة فهو عبارة عن الرسول المبعوث إلى الناس.

____________________

(١) تاج العقائد: ٥٧ - ٥٨.

٢٧١

أقول: إنّ تسمية العقل الإنساني بالرسول لا يخلو من شيء، والأولى تسميته بالحجّة الباطنة، في مقابل الحجة الظاهرة الّذي هو النبيّ.

٤ - في أنّ الأنبياء لا يُولدون من سِفاح:

يقول عليّ بن محمّد الوليد: إنّ الأنبياء والأئمة (عليهم السّلام) لا يلدهم الكفّار، ولا يُولدون من سِفاح. ثُمَّ استدلّ ببعض الآيات. (١)

٥ - في صفات الأنبياء:

يقول الداعي الكرماني: المؤيّد المبعوث مجمع الفضائل الطبيعيّة؛ الّتي هي أسباب في نيل السعادة الأبديّة، وهو فيها على أمر يكون به على النهاية في جميعها من جودة الفهم والتصور لِما يشار إليه ويومأ، إلى أن قال: ويكون عظيم النفس، كريماً، محبّاً للعدل، مبغضاً للظلم والجور، مؤثِراً لِما يعود على النفس منفعته من العبادة، مِقداماً في الأُمور، جسوراً عليها، لا يروعه أمر في جنب ما يراه صواباً بجوهره. (٢)

٦ - في المعجزات الّتي يأتي بها الرُّسل:

إنّ المعجزة عند الإسماعيليّة عبارة عن خرق العادة في تكوين العالم بظهور ما يعجز العقل عن وجوده من الأُمور الطبيعيّة، من ردّ ما في الطبيعة عن

____________________

(١) تاج العقائد: ٥١.

(٢) راحة العقل: ٤٢١ - ٤٢٢.

٢٧٢

قانونه المعهود لقهر العقول، ودخولها تحت أمر المعقولات، ومن أجله يُعلم أنّه متّصل بالفاعل، الّذي لا يتعذر عليه متى أراد؛ إذ كلّما في العالم لا يتحرّك إلاّ بمادّته وتدبيره. (١)

٧ - في أنّ الرسول الخاتم أفضل الرُّسل:

يفضّل رسول الله على سائر الرُّسل والأنبياء في وجوه؛ أفضلها الوجه التالي: هو أنّه سبحانه جعل شريعته مؤبّدة لا تُنسخ أبداً، وجعل الإمامة في ذريّته إلى قيام الساعة، ولم يُقدَّر ذلك لغيره. (٢)

٨ - في أنّ الشريعة موافقة للحكمة:

إنّ الحكمة والفلسفة العقليّة، هي والحكمة الشرعيّة سواء؛ لأنّ الله سبحانه خلق في عباده حكماء وعقلاء، ومحال أن يشرّع لهم شرعاً غير محكم وغير معقول، ولا يبعث برسالته وشرعه إلاّ حكيماً عاقلاً مدركاً مبيّناً لما تحتاجه العقول، ويكلّف لها بما يُسعدها ويقوّي نورها ويعظّم خطَرها. (٣)

٩ - في أنّ الشريعة لها ظاهر وباطن:

يقول عليّ بن محمّد الوليد: إنّ الشارع قد وضع أحكام شريعته وعباداتها

____________________

(١) تاج العقائد: ٩٧.

(٢) تاج العقائد: ٥٩ - ٦٠.

(٣) تاج العقائد: ١٠١.

٢٧٣

من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحجّ وغير ذلك، مضمّنة للأُمور العقليّة والأحكام والمعاني الإلهيّة، وما يتخصّص منها من الأُمور الظاهرة المشاكلة لظاهر الجسم، والأُمور الباطنة المشاكلة للعقل والنفس، وكلّ من حقّق ذلك كانت معتقداته سالمة. (١)

أقول: هذا المقام هو المزلقة الكبرى للإسماعيليّة المؤوَّلة؛ إذ كلُّ إمام وداع يسرح بخياله، فيضع لكلّ ظاهر باطناً ولكلّ واجب حقيقة، يسمّي أحدهما بالشريعة الظاهريّة والآخر بالباطنيّة، من دون أن يدلّ عليه بدليل من عقل أو نقل، فكلّ ما يذكرونه من البواطن للشريعة ذوقيّات، أشبه بذوقيّات العرفاء في تأويل الأسماء والصفات وغير ذلك، وكأنّ الجميع فروع من شجرة واحدة.

____________________

(١) تاج العقائد: ١٠١.

٢٧٤

٤

عقيدتهم في المعاد وما يرتبط به

المعاد - بمعنى عود الإنسان إلى الحياة الجديدة، من أُسس الشرائع السماويّة، وهي لا تنفصل عن الإيمان بالله، ولذا نرى أنّ أصحاب الشرائع اتّفقوا على المعاد بعد الموت، ولولا القول به لَما قام للدين عمود ولا اخضرّ له عود.

١ - في أنّ المعاد روحاني لا جسماني:

نعم، اختلفوا في كونه جسمانيّاً أو روحانيّاً، وعلى فرض كونه جسمانيّاً، فهل الجسم المُعاد جسم لطيف برزخي أو جسم عنصري؟، فالإسماعيليّة على أنّ المعاد روحاني.

قال الكرماني، بعد بيان النشأة الأُولى في الدنيا: ثُمَّ الله ينشأ النشأة الآخرة بقوله تعالى: ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشْأَةَ الْأُولَى‏ فَلَوْلاَ تَذَكّرُونَ ) (١) ، فهلاّ تتفكّرون وتوازنون وتعلمون أنّ النظام في الخلق والبعث واحد، وأنّ النشأة الآخرة هي خلق الأرواح وإحياؤها بروح القدس على مثال النشأة الأُولى.

____________________

(١) الواقعة: ٦٢.

٢٧٥

وقال الداعي عليّ بن محمّد الوليد: يُعتقد أنّ الله تعالى دعانا على ألسنة وسائطه بقبول أمره، إلى دار غير هذه الدار، فهذه الدار صوريّة وتلك ماديّة، وما بينهما صوري ومادي. (١)

٢ - في التناسخ:

وهو عود الروح - بعد مفارقة البدن - إلى الدنيا عن طريق تعلّقها ببدن آخر، كتعلّقها بالجنين عند استعدادها لإفاضة الروح، وله أقسام.

وربّما يُنسب القول بالتناسخ إلى الإسماعيليّة، ولكن النسبة في غير محلّها.

٣ - في الحساب:

الحساب تابع للبعث، وهو فعل يحدث عنه من النفس للنفس الثواب الّذي هو الملاذ والمسار، والعقاب الّذي هو الألم والعذاب والغم. وينقسم هذا الفعل إلى ما يكون وجوده في الدنيا، وإلى ما يكون وجوده في الآخرة.

٤ - في الجنّة:

يقول الكرماني: إنّها موصوفة بالسرمد والأبد ووجود الملاذ فيها أجمع، وإنّها لا تستحيل ولا تتغيّر، ولا يطرأ عليها حال ولا تتبدّل. (٢)

____________________

(١) تاج العقائد: ١٦٥.

(٢) راحة العقل: ٣٧٩.

٢٧٦

٥ - في الملائكة:

إنّ الملائكة على ضروب وكلّهم قد أُهّلوا لمنافع الخليقة؛ فلا يتعدّى أحد منهم بغير ما وكّل به، وإنّما اختلفت أسماؤهم لأجل ما وكّلوا به؛ فمنهم من هو في العالم العقلي، ومنهم من هو في العالم الفلكي، ومنهم من هو في العالم الطبيعي.

وقد أخفى الله سبحانه ذوات الملائكة عن النظر، وجعل المخلوق عن الطبائع محجوباً عنهم، لا يراهم حتّى يصير إمّا في منزلة النبيّ أو يخلص القبول من النبيّ بقرب الدرجة منه.

٦ - في الجنِّ:

وتعتقد الإسماعيليّة أنّ الجنّ ذوات أرواح ناريّة وهوائيّة ومائيّة وترابيّة، وتعتقد أنّ الجنَّ صحيح لا ريب فيه، وهم على ضروب في البقاع والمصالح والمنافع والفساد والضرر.

ومنهم من هو في أرجاء العالم ممنوع عن مخالطة بني آدم، ومنهم من هو مخالط لبني آدم في أماكنهم. (١)

____________________

(١) تاج العقائد: ٤٦.

٢٧٧

٥

عقيدتهم في الإمامة

تحتلّ الإمامة عند الإسماعيليّة مركزاً مرموقاً؛ حيث جعلوها على درجات ومقامات، وزوّدوا الأئمّة بصلاحيّات واختصاصات، ولتسليط الضوء على عقيدتهم فيها نبحث في مقامين:

المقام الأوّل: الإمامة المطلقة

إنّ درجات الأئمّة ورتبهم لا تتجاوز عن الخمسة، من دون أن تختص بالشريعة الإسلاميّة، بل تعمّ الشرائع السماويّة كلّها، وبما أنّ مذهب الإسماعيليّة أُحيط بهالة من لغموض عبر القرون، لم يكن من الممكن أن يقف أحد عليها إلاّ طبقة خاصّة من علمائهم، وكانوا يبخلون بآرائهم وكتبهم على الغير، غير أنّ الأحوال الحاضرة رفعت الستر عن كتبهم ومنشوراتهم، فقام المستشرقون وفي مقدّمتهم (ايفانوف) الروسي وتبعه عدد آخر من المحقّقين بنشر آثارهم، وعند ذلك تجلّت الحقيقة بوجهها الناصع، كما قام الكاتبان الإسماعيليّان عارف تامر ومصطفى غالب ببذل الجهود الحثيثة في نشر آثار تلك الطائفة، فكشفا النقاب عن وجه العقيدة الإسماعيليّة وبيّناها بوجه واضح خالياً من

الغموض والتعقيد الموجودين في عامّة كتب الإسماعيليّة، وإن كان بين الكاتبين اختلاف في بعض

٢٧٨

الموارد، ونحن نعتمد في تفسير درجات الإمامة على كتاب (الإمامة في الإسلام) للكاتب عارف تامر، وإليك بيانه:

درجات الإمامة خمس؛ وهي:

١. الإمام المقِيم.

٢. الإمام الأساس.

٣. الإمام المتِم.

٤. الإمام المستقِر.

٥. الإمام المستودَع.

وربّما يضاف إليها رتبتان:الإمام القائم بالقوّة، والإمام القائم بالفعل.

فالمهمّ هو الوقوف على هذه الدرجات.

يعتقد عارف تامر في كتابه (الإمامة في الإسلام) أنّ هذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين، إلاّ طبقة خاصّة من العلماء، أو لا أقلّ في التقيّة والاستتار والكتمان.

١. الإمام المقِيم:

هو الّذي يُقِيْم الرسول الناطق ويعلّمه ويربّيه ويدْرِجه في مراتب رسالة النطق، وينعم عليه بالإمدادات، وأحياناً يُطلقون عليه اسم (ربّ الوقت) و(صاحب العصر)، وتُعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الإمامة وأرفعها وأكثرها دقّة وسرّيّة.

٢٧٩

٢. الإمام الأساس:

هو الّذي يرافق الناطق في كافّة مراحل حياته، ويكون ساعده الأيمن، وأمين سرّه، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى، والمنفِّذ للأوامر العليا، فمنه تتسلسل الأئمّة المستقرون في الأدوار الزمنيّة، وهو المسؤول عن شؤون الدعوة الباطنيّة القائمة على الطبقة الخاصّة ممّن عَرفوا (التأويل) ووصلوا إلى العلوم الإلهيّة العليا.

٣. الإمام المتِم:

هو الّذي يتم أداء الرسالة في نهاية الدور؛ والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الأئمّة، فالإمام المتم يكون سابعاً ومتمّاً لرسالة الدور، وأنّ قوته تكون معادلة لقوّة الأئمّة الستة الّذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية يُطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً؛ أي أنّ وجوده يشبه وجود الناطق بالنسبة للأدوار. أمّا الإمام الّذي يأتي بعده فيكون قائماً بدور جديد، ومؤسِّساً لبنيان حديث.

٤. الإمام المستقِر:

هو الّذي يملك صلاحيّة توريث الإمامة لوِلْده، كما أنّه صاحب النصّ على الإمام الّذي يأتي بعده، ويسمّونه أيضاً الإمام بالجوهر والمتسلّم شؤون الإمامة بعد الناطق مباشرة، والقائم بأعباء الإمامة أصالة.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377