المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية15%

المذاهب الإسلامية مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 377

المذاهب الإسلامية
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 210671 / تحميل: 9271
الحجم الحجم الحجم
المذاهب الإسلامية

المذاهب الإسلامية

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

قالت:فمَن قاتل الأقوام إذ نكثوا ؟

فقلت:تفسيره في وقعة الجملِ

قالت:فمَن حاربَ الأرجاس إذ قسطوا ؟

فقلت:صفِّين تُبدي صفحة العملِ

قالت:فمَن قارعَ الأنجاس إذ مَرقوا ؟

فقلت:معناه يوم النَّهروان جَلي

قالت:فمَن صاحب الحوض الشريف غداً؟

فقلت:مَن بيته في أشرف الحللِ

قالت:فمَن ذا لواء الحمد يحمله ؟

فقلت:مَن لم يكن في الرَّوع بالوجلِ

قالت:اُكلُّ الذي قد قلتَ في رجلٍ ؟

فقلت:كلُّ الذي قد قلتُ في رجلِ

قالت:فمَن هو هذا الفرد سِمهُ لنا ؟

فقلت:ذاك أمير المؤمنين علي

وله من قصيدة:

يا كفو بنت محمَّد لولاك ما

زُفَّت إلى بشر مدى الأحقابِ

يا أصل عترة أحمد لولاك لم

يك أحمد المبعوث ذا أعقابِ

كان النبيُّ مدينة العلم التي

حوت الكمال و كنتَ أفضل بابِ

رُدَّت عليك الشمس وهي فضيلةُ

بهرت فلم تُستر بلفِّ نقابِ

لم أحك إلّا ما روته نواصبٌ

عادتك فهي مباحة الأسلابِ

عوملت يا تلو النبيِّ وصنوه

بأوابد جاءت بكلّ عجابِ

قد لقَّبوك أبا ترابٍ بعد ما

باعوا شريعتهم بكفِّ تُرابِ

لم تعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي

آتي الزكاة وكان في المحرابِ

لم تعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي

حَكَم الغدير له على الأصحابِ

وله قوله:

وقالوا:عليُّ علا. قلت:لا

فإنَّ العُلا بعليٍّ عُلا

ولكن أقول كقول النبيِّ

وقد جمع الخلق كلّ الملا

: ألا إنَّ مَن كنت مولى له

يُوالي علياً و إلّا فلا

وله من قصيدة قوله:

وكم دعوةٍ للمصطفى فيه حُقِّقت

وآمال من عادى الوصيِّ خوائبُ

فمَن رَمَدٍ آذاه جَلّاه داعياً

لساعته والريح في الحرب عاصبُ

من سطوةٍ للحرِّ والبرد رفِّعت

بدعوته عنه وفيها عجائبُ

٤١

وفي أيِّ يوم لم يكن شمس يومه

إذا قيل هذا يوم تُقضى المآرب ؟

أفي خطبة الزَّهراء لمّا استخصَّه

كفاءاً لها والكلُّ من قبل طالبُ ؟

أفي الطير لمّا قد دعا فأجابه

وقد ردَّه عنه غبيُّ مواربُ ؟

أفي رفعه يوم التباهل قدره ؟

وذلك مجدٌ ما علمت مواظبُ

أفي يوم خمٍّ إذ أشاد بذكره ؟

وقد سمع الايصاء جاء وذاهبُ

أيعسوب دين الله صنو نبيَّه

ومن حبّه فرضٌ من الله واجبُ

مكانك من فوق الفراقد لائحٌ

ومجدك من أعلى السّماك مراقبُ

وسيفك في جيد الأعادي قلائدُ

قلائد لم يعكف عليهنَّ ثاقبُ

( ألشاعر )

ألصاحب كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عبّاد بن العبّاس بن عبّاد بن أحمد بن إدريس الطالقاني.

قد يرتج القول على صاحبه بالرغم من بلوغه الغاية القصوى من القدرة في تحليل شخصيّات كبيرة أتتهم الفضايل من شتى النواحي، واكتنفتهم المزايا الفاضلة من جهات متفرِّقة، ومن هاتيك النفسيّات الكبيرة التي أعيت البليغ حدودها نفسيَّة - الصاحب - فهي تستدعي الإفاضة في تحليلها من ناحية العلم طوراً، ومن ناحية الأدب تارةً، كما تسترسل القول من وجهة السياسة مرَّة، ومن وجهة العظمة اُخرى، إلى جودٍ هامرٍ، وفضلٍ وافرٍ، وشرفٍ صميم، ومذهبٍ قويم، وفضايل لا تحُصى ومهما هتف المعاجم بشيء من ذلك فإنَّه بعض الحقيقة، ولعلِّ في شهرته بهاتيك المآثر جمعاء غنىً عن الإطناب في وصفه، وإنَّك لا تجد شيئاً من كتب التراجم إلّا وفيه لمعُ من محامده، ومن أشهرها ( يتيمة الدهر ) للثعالبي وهو أبسط مَن كتب فيه من القدماء وقد استوعب فيه ٩١ صحيفة، وإنَّما ألفَّها له ولشعرائه، وأفرد غير واحد من رجال التأليف كتاباً في ترجمته منهم:

١ - مهذّب الدين محمَّد بن علي الحلّي المزبدي المعروف بأبي طالب الخيمي له كتاب [ الديوان المعمور في مدح الصاحب المذكور ].

٤٢

٢ - ألشيخ محمَّد علي بن الشيخ أبي طالب الزاهدي الجيلاني المولود ١١٠٣ و المتوفّى ١١٨١.

٣ - ألسيِّد أبو القاسم أحمد بن محمَّد الحسني الحسيني الإصبهاني، له كتاب [ رسالة الارشاد في أحوال الصاحب بن عباد ] ألفَّها سنة ١٢٥٩.

٤ - ألاُستاذ خليل مردم بك له كتاب في المترجَم طبع في مطبعة الترقّي ٢٥٢ صحيفة بدمشق وهو الجزء الرابع من أئَّمة الأدب الأربعة في أربعة أجزاء.

وبعد هذه الشهرة الطائلة فليس علينا إلّا سرد ترجمة بسيطة هي جُماع ما في هذه الكتب.

وُلد الصاحب في إحدى كور فارس باصطخر أو بطالقان في ١٦ ذي القعدة سنة ٣٢٦، وأخذ العلم والأدب عن والده وأبي الفضل إبن العميد. وأبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي، وأبي الفضل العبّاس بن محمّد النحوي الملقَّب بعرام، وأبي سعيد السيرافي وأبي بكر بن مقسم، والقاضي أبي بكر أحمد بن كامل بن شجرة، و عبد الله بن جعفر بن فارس ويروي عن الأخيرين.

قال السمعاني:إنَّه سمع الأحاديث من الإصبهانيِّين والبغداديِّين والرازيِّين وحدَّث، وكان يحثُّ على طلب الحديث وكتابته، وروى عن إبن مردويه انَّه سمع الصاحب يقول:من لم يكتب الحديث لم يجد حلاوة الإسلام.

وكان يُملي الحديث على خلقٍ كثير فكان المستملي الواحد ينضاف إليه الستَّة كلُّ يبلّغ صاحبه، فكتب عنه الناس الكثير الطيِّب منهم:القاضي عبد الجبّار. والشيخ عبد القاهر الجرجاني. وأبو بكر بن المقري. والقاضي أبو الطيِّب الطبري. وأبو بكر بن عليِّ الذكواني. وأبو الفضل محمَّد بن محمَّد بن إبراهيم النسوي الشافعي.

ثمَّ شاع نبوغه في العلوم وتضلّعه في فنون الأدب، واعترف به الشاهد والغائب حتّى عدَّه شيخنا بهاء الملّة والدين في رسالة غسل الرجلين ومسحهما من علماء الشيعة في عداد ثقة الإسلام الكليني. والصَّدوق. والشيخ المفيد. والشيخ الطوسي والشيخ الشهيد ونظرائهم. ووصفه العلّامة المجلسي الأوَّل في حواشي نقد الرجال بكونه من أفقه فقهاء أصحإبنا المتقدِّمين والمتأخِّرين، وعدَّه في مقام آخر:من

٤٣

رؤساء المحدِّثين والمتكلّمين. وأطراه شيخنا الحرُّ العاملي في ( أمل الآمل ) بأنَّه محقِّقُ متكلّمٌ عظيم الشأن جليل القدر في العلم.

كما أنَّ الثعالبي في ( فقه اللغة ) جعله أحد أئمَّتها الذين اعتمد عليهم في كتابه أمثال الليث. والخليل. وسيبويه. وخلف الأحمر. وثعلب الأحمثي. وابن الكلبي. وإبن دريد. وعدَّه الأنباري ايضاً من علماء اللغة فأفرد له ترجمته في كتابه:طبقات الاُدباء النّحاة، وكذلك السيوطي في ( بغية الوعاة ) في طبقات اللغويِّين والنّحاة، ورآه العلّامة المجلسي في مقدِّمة البحار علُماً في اللغة والعروض والعربّيَّة من الإماميّة.

م - وقال إبن الجوزي في ( المنتظم ) ٧ ص ١٨٠:كان يخالط العلماء والأدباء ويقول لهم:نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان، وسمع الحديث وأملى، وروى أبو الحسن علي بن محمّد الطبري المعروف بكيا قال:سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول:لما عزم الصاحب إسماعيل بن عباد على الإملاء وكان حينئذ في الوزارة خرج يوماً متطلساً متحنّكاً بزيِّ أهل العلم فقال:قد علمتمِ قدمي في العلم فأقروا له بذلك.

فقال:وأنا متلبِّسٌ بهذا الأمر وجميع ما أنفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدّي، ومع هذا فلا أخلو من تبعات، اُشهد الله و اُشهدكم أنِّي تائبٌ إلى الله من كلِّ ذنب أذنبته.

واتَّخذ لنفسه بيتاً وسمّاه بيت التوبة، ولبث اُسبوعاً على ذلك، ثمَّ أخذ خطوط الفقهاء بصحَّة توبته، ثمَّ خرج فقعد للإملاء وحضر الخلق الكثير وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستَّة كلٌّ يبلِّغ صاحبه، فكتب الناس حتّى القاضي عبد الجبّار، وكان الصاحب ينفذ كلَّ سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ].

وإخباتاً إلى علمه وأدبه ألّف له غير واحد من الأعلام الأفذاذ تآليف قيِّمة منهم.

١ - شيخنا الصّدوق أبو جعفر القمي ألَّف له كتابه [ عيون أخبار الرِّضا ].

م ٢ - ألحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي كتابه [ نفي التشبيه ] كذا في لسان الميزان ٢ ص ٣٠٦ نقلاً عن فهرست النجاشي، ويظهر من النجاشي ص ٥ انَّه غيره ولم يسمِّه.

٣ - ألشيخ الحسن بن محمَّد القمي ألّف له كتابه [ تاريخ قم ]

٤٤

٤ - أبو الحسن أحمد بن فارس الرازي اللغوي كتابه [ الصاحبيّ ].

٥ - ألقاضي علّي بن عبد العزيز الجرجاني كتابه [ ألتهذيب ].

م ٦ - أبو جعفر أحمد بن أبي سليمان داود الصّواف المالكي، ألَّف للصاحب كتابه [ الحجر ] ووجَّهه إليه فقال الصاحب:رُدّوا الحجر من حيث جاء. ثمَّ قبله ووصله عليه، ذكره إبن فرحون في ( الديباج المذهَّب ) ص ٣٦ ] وللصاحب آثارٌ خالدةُ في العلم والأدب منها:

١ - كتاب أسماء الله وصفاته.

٢ - كتاب نهج السبيل في الاُصول.

٣ - كتاب ألإمامة في تفضيل أمير المؤمنين.

٤ - كتاب ألوقف والأبتداء.

٥ - كتاب ألمحيط في اللغة في عشر مجلّدات(١)

٦ - كتاب ألزيديَّة.

٧ - كتاب ألمعارف في التاريخ.

٨ - كتاب ألوزراء.

٩ - كتاب ألقضاء والقدر.

١٠ - كتاب ألروزنامجه. ينقل عنه الثعالبي في ( يتيمة الدهر ).

١١ - كتاب أخبار أبي العيناء.

١٢ - كتاب تاريخ الملك واختلاف الدُّول.

١٣ - كتاب الزيديِّين.

١٤ - كتاب جوهرة الجمهرة لإبن درُيد.

١٥ - كتاب الإقناع في العروض.

١٦ - كتاب نقض العروض.

١٧ - كتاب ديوان رسائله في عشر مجلّدات.

١٨ - كتاب ألكافي في الرَّسائل وفنون الكتابة.

____________________

١ - كذا في معجم الأدباء، وفي كشف الظنون:في سبع مجلدات.

٤٥

١٩ - كتاب ألأعياد وفضايل النيروز.

٢٠ - كتاب ديوان شعره.

٢١ - كتاب ألشواهد.

٢٢ - كتاب ألتذكرة.

٢٣ - كتاب ألتعليل.

٢٤ - كتاب الأنوار.

٢٥ - كتاب ألفصول المهذِّبة للعقول.

٢٦ - كتاب رسالة الأبانة عن مذهب أهل العدل.

٢٧ - كتاب في الطبّ.

٢٨ - كتاب في الطبِّ أيضاً.

٢٩ - كتاب الكشف عن مساوي شعر المتنبّي طبعت بمصر في ٢٦ صحيفة قال الثعالبي في ( اليتيمة ):ولَمّا عمل الصاحب هذه الرِّسالة عمل القاضي أبو الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجاني كتابه ( الوساطة ) بين المتنبّي وخصومه في شعره، وقال فيه بعض اُدباء نيسابور:

أيا قاضياً قد دنت كتبه

وإن أصبحت داره شاحطه

كتاب ( الوساطة ) في حسنه

لعقد معاليك كالواسطه

٣٠ - رسالةٌ في فضل سيِّدنا عبد العظيم الحسني المدفون بالري.

٣١ - كتاب السفينة نسبها إليه الثعالبي في تتمَّة اليتيمة.

م ٣٢ - كتابٌ مفرد في ترجمة الشافعي محمَّد بن ادريس إمام الشافعيَّة كما في ( الكواكب الدريَّة ) ص ٢٦٣ ].

م - وشافهني الاستاذ حسين محفوظ الكاظمي بانَّه رأى من تآليف الصاحب ما يلي:

١ - الفصول الأدبيَّة والمراسلات العباديَّة، مرتَّبة على خمسة عشر باباً في كلِّ باب خمسة عشر فصلاً، والنسخة مؤرِّخةٌ بسنة ٦٢٨.

٢ - رسالة في الهداية والضَّلالة، مخطوطةٌ بالخطّ الكوفي، نسخت من نسخة المؤِّلف وعليها خّطه.

٤٦

٣ - الأمثال السائرة من شعر أبي الطيِّب المتنبيّ، وهي ٣٧٢ بيتاً، والنسخة بخّط الباخرزي مؤرّخة بسنة ٤٣٤ ].

والقارئ جِدُّ عليم بأنَّ مؤلِّف هذه الكتب المتنوِّعة أحد أفذاذ العلم الذين لم يعدهم أيُّ مقام منيع من الفنون، فهو فيلسوفٌ متكلّمٌ فقيهٌ محدِّثٌ مؤرِّخٌ لغويُّ نحويٌ أديبٌ كاتبٌ شاعرٌ، فما ظنّك بمثله من نابغة جمع الشوارد، وألَّف بين متفرِّقات العلوم، وهل تجده إلّا في الذروة والسنام من الفضل الظاهر، فحقِّ له هذا الصيت الطاير. والذكر السائر مع الفلك الدائر.

كانت للصاحب مكتبةٌ عامرةٌ وقد نوَّه بها لمّا أرسل إليه صاحب خراسان الملك نوح بن منصور الساماني في السير يستدعيه إلى حضرته، ويرغِّبه في خدمته وبذل البذول السنيَّة، فكان من جملة أعذاره قوله:ثمَّ كيف لي بحمل أموالي مع كثرةً أثقالي ؟ وعندي من كتب العلم خاصَّة ما يُحمل على أربعمائة حمل أو أكثر.

في ( معجم الاُدباء ) قال أبو الحسن البيهقي:وأنا أقول:بيت الكتب الذي بالري دليلٌ على ذلك بعد ما أحرقه السلطان محمود بن سبكتكين فإنِّي طالعت هذا البيت فوجدت فهرست تلك الكتب عشر مجلّدات، فإنَّ السلطان محمودَ لمّا ورد إلى الري قيل له:إنَّ هذه الكتب كتب الروافض وأهل البدع فاستخرج منها كلَّ ما كان في علم الكلام وأمر بحرقه.

يظهر من كلام البيهقي هذا أنَّ عمدة الكتب التي اُحرقت هي خزانة كتب الصاحب، وهكذا كانت تعبث يد الجور بآثار الشيعة وكتبهم ومآثرهم.

وكان خازن تلك المكتبة ومتولّيها أبو بكر محمَّد بن إبراهيم بن عليّ المقري المتوفّى ٣٨١(١) وأبو محمّد عبد الله الخازن بن الحسن الأصبهاني.

وزارته صِلاته مادحوه

قال أبو بكر الخوارزمي:ألصاحب نشأ من الوزارة في حجرها، ودبِّ ودرج من وكرها، ورضع أفاويق درّها، وورثها عن آبائه كما قال أبو سعيد الرستمي في حقِّه:

ورث الوزارة كابراً عن كابر

موصولة الأسناد بالأسنادِ

____________________

١ - توجد ترجمته في الوافي بالوفيات للصفدي ١ ص ٣٤١.

٤٧

يروي عن العبّاس عبّاد وزا

ـرته وإسماعيل عن عبّاد

وهو أوَّل من لُقِّب بالصاحب من الوزراء لأنَّه كان يصحب أبا الفضل بن العميد فقيل له:صاحب إبن العميد، ثمَّ اُطلق عليه هذا اللقب لمّا تولى الوزارة وبقي عَلَما عليه، وذكر الصّابي في كتاب التّاجي:انَّه إنَّما قيل له الصاحب لأنَّه صحب مؤيّد الدولة إبن بويه منذ الصبى وسمّاه الصاحب فأستمرِّ عليه هذا اللقب واشتهر به ثمَّ سُمّي به كلُّ من ولي الوزارة بعده.

إستكتبه مؤيِّد الدولة من ٣٤٧ تقريباً إلى سنة ٣٦٦ وسافر معه إلى بغداد سنة ٣٤٧ حتّى استوزره من سنة ٣٦٦، إلى وفاة مؤيّد الدولة سنة ٣٧٣ ثمَّ استوزره أخوه فخر الدولة، وسافر معه إلى الري عاصمة مملكته، ولم يؤل الصاحب جُهداً في خدمة أميره وتوسيع مملكته قال الحموي:فتح الصاحب خمسين قلعة سلّمها إلى فخر الدولة لم يجتمع عشرٌ منها لأبيه ولا لأخيه.

وله أيّام وزارته عطائه الجزل، وسيب يده المتدفِّق، وبرُّء المتواصل إلى العلماء والشعراء، قال الثعالبي:حدَّثني عون بن الحسين قال:كنت يوماً في خزانة الخلع للصاحب فرأيت في ثبت حسابات كاتبها - وكان صديقي - مبلغ عمائم الخزّ التي صارت تلك الشتوة للعلويِّين والفقهاء والشعراء خاصَّة غير الخدم والحاشية ثمانمائة وعشرين، وكان ينفذ الى بغداد في السنة خمسة آلاف دينار تفرَّق على الفقهاء والاُدباء، وكانت صِلاته وصدقاته وقرباته في شهر رمضان تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة، فكان لا يدخل عليه في شهر رمضان أحدٌ كائناً من كان فيخرج من داره إلّا بعد الإفطار عنده، وكانت داره لا تخلو في كلِّ ليلة من لياليه من ألف نفس مفطرة فيها [ يتيمة الدهر ٣ ص ١٧٤ ].

كان عهده أخصب عهد للعلم والأدب بتقريبه رجالات الفضيلة وتشويقه إيّاهم وتنشيطهم لنشر بضائعهم الثمينة حتّى نفق سوقها، ورايج أمرها، وكثرت طلّابها، و نبغت روّادها، فكانت قلائد الدرر منها تُقابل بالبدر والصرر فمدحه على فضله المتوِّفر.

وجوده المديد الوافر خمسمائة شاعر، تجد مدايحهم مبثوثةً في الدواوين والمعاجم،

____________________

(١) توجد ترجمه في الوافى بالوفيات للصفدى ١ ص ٣٤٢.

_٣_

٤٨

قال الحموي، حدَّث إبن بابك قال:سمعت الصاحب يقول:مُدحت والعلم عند الله بمائة ألف قصيدة شعراً عربيَّة وفارسيَّة. وقد خلّدت تلك القصائد له على صفحة الدهر ذكراً لا يبلى، وعظمةً لا يخلقها مرُّ الجديدين ومن أولئك الشعراء:

١ - أبو القاسم الزعفراني عمر بن إبراهيم العراقي له قصائد في الصاحب منها نونيَّة مطلعها:

سواك يعدُّ الغنى واقتنى

ويأمره الحرص أن يخزنا

وأنت إبن عبّادٍ نِ المرتجى

تعدُّ نوالك نيل المنى

٢ - أبو القاسم عبد الصمد بن بابك يمدح الصاحب بقصيدة أوَّلها:

خلعت قلايدها عن الجوزاءِ

عذراء رقَّصها لعاب الماءِ

٣ - أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف الوزير من آل بويه له قصيدة منها:

أقول وقلبي في ذراك مخيَّمٌ

وجسمي جنيبٌ للصبا والجنائب

يُجاذب نحو الصاحب الشوق مقودي

وقد جاذبتني عنه أيدي الشواذبِ

٤ - ألوزير أبو العبّاس الضبّي المتوفّى ٣٩٨ [ أحد شعراء الغدير الآتي شعره وترجمته ] له قصايد في مدح المترجَم.

٥ - ألكاتب أبو القاسم علي بن القاسم القاشاني كتب إلى الصاحب بقصيدةٍ أوّلها:

إذا الغيوم أرجفنَّ باسقها

وحفِّ أرجاءها بوارقها

٦ - أبو الحسن محمَّد بن عبد الله السلامي العراقي المتوفّى سنة ٣٩٤ له في الصاحب قصيدة أوّلها:

رقى العذَّال أم خدع الرقيبِ

سقت ورد الخدود من القلوبِ

وله فيه اُرجوزةٌ منها:

فما تحلُّ الوزراء ما عقدْ

بجهدهم ما قاله وما اجتهدْ

شتّان ما بين الأسود والنقدْ

هل يستوي البحر الخضَّم والثمدْ

أمنيَّتي من كلِّ خير مُستعدْ

أن يسلم الصاحب لي طول الأبدْ

٧ - ألقاضي أبو الحسن عليّ بن العزيز الجرجاني المتوفّى سنة ٣٩٢ له من قصيدة في الصاحب قوله:

٤٩

أوَ ما أنثنيت عن الوداع بلوعة

ملأت حشاك صبابةً وغليلا؟!

ومدامع تجري فيحسب انَّ في

آما قهنَّ بنان إسماعيلا؟!

يا أيّها القرم الذي بعلوِّه

نال العلاء من الزَّمان السولا

قسمت يداك على الورى أرزاقها

فكنوك قاسم رزقها المسئولا

وله فيه قصايد كثيرة اُخرى.

٨ - أبو الحسن عليّ بن أحمد الجوهري الجرجاني [ أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته ] له قصايد كثيرة في الصاحب همزيَّة. رائيَّة. فائية. بائيَّة و غيرها.

٩ - أبو الفياض سعد بن أحمد الطبري، له في الصاحب قصايد منها ميميَّة أوَّلها:

ألدمع يُعرب ما لا يُعرب الكلمُ

والدمع عدلٌ وبعض القول متَّهمُ

١٠ - أبو هاشم محمَّد بن داود بن أحمد بن داود بن أبي تراب علي بن عيسى بن محمَّد البطحائي بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . المعروف بالعلوي الطبري له شعرٌ كثير في الصاحب وللصاحب فيه كذلك.

١١ - أبو بكر محمَّد بن العبّاس الخوارزمي له قصايد في الصاحب ومن قصيدة يمدحه:

ومَن نصر التوحيد والعدل فعله

وأيقظ نوّام المعالي شمائله

و من ترك الأخيار ينشد أهله

أحل أيّها الربّع الذي خفَّ آهله

١٢ - أبو سعد نصر بن يعقوب له قصيدة في الصاحب مطلعها:

أبي لي أن اُبالي بالليالي

وأخشى صرفها فيمن يُبالي

١٣ - ألسيَّد أبو الحسين عليّ بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن القاسم بن محمَّد بن القاسم بن الحسن بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام صهر الصاحب له قصيدة تربو على الستِّين بيتاً يمدح بها الصاحب خالية من حرف الواو، ذكر الثعالبي في يتيمة الدهر منها ٢٠ بيتاً، ومؤلِّف ( الدرجات الرفيعة ) ١٤ بيتاً أوَّلها.

برقٌ ذكرت به الحبائبْ

لَمّا بدى فالدَّمع ساكبْ

١٤ - أبو عبد الله الحسين بن أحمد الشهير بإبن الحجّاج البغدادي المتوفّى ٣٩١ [ أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته ] له فائيَّة يمدح بها الصاحب أوِّلها:

٥٠

أيّها السائل عنّي

أنا في حالٍ طريفه

و اُخرى مطلعها:

ساق على حسن وجهها تَلفي

وسرّها ما رأته العين من دَنفي

وله نونيَّة في مدحه أوَّلها:

يا عذولي أما أنا

فسبيلي إلى العنا

وحديثي من حقِّه

في الزمان أن يُدوَّنا

١٥ - أبو الحسن عليّ بن هارون بن المنجِّم له قصيدةُ في الصاحب يصف بها داره بقوله:

و أبوابها أثوابها من نقوشها

فلا ظلم إلا حين تُرخى ستورها

١٦ - ألشيخ أبو الحسن بن أبي الحسن صاحب البريد ابن عمة الصاحب له قصيدةُ يصف بها داراً بناها المترجم بإصبهان وانتقل إليها:

دارٌ على العزِّ والتأييد مبناها

وللمكارم والعلياء مغناها

١٧ - أبو الطيِّب الكاتب له في وصف دار الصاحب بإصبهان قصيدةٌ مطلعها:

و دار ترى الدنيا عليها مدارها

تحوز السماء أرضها وديارها

١٨ - أبو محمَّد إبن المنجِّم له رائيِّةٌ يصف بها دار الصاحب مستهلّها:

هجرت ولم أنو الصدود ولا الهجرا

ولا أضمرت نفسي الصروف ولا الغدرا

١٩ - أبو عيسى إبن المنجِّم يمدح الصاحب بقصيدة يصف داره ويقول:

هي الدار قد عمَّ الأقاليم نورها

ولو قدرت بغداد كانت تزورها

٢٠ - أبو القاسم عبيد الله بن محمَّد بن المعلّى يصف دار الصاحب بقصيدة أوَّلها:

بي من هواها وإن أظهرت لي جلدا

وجدٌ يُذيب وشوقٌ يصدع الكبدا

٢١ - أبو العلاء الأسدي يمدحه بقصيدة ويصف داره مطلعها:

و أسعد بدارك انَّها الخلدُ

والعيش فيها ناعمٌ رغدُ

٢٢ - أبو الحسن الغويري له قصايد في الصاحب منها قصيدةٌ يصف بها داره بإصبهان أوَّلها:

دارٌ غدت للفضل داره

أفلاك أسعده مداره

٥١

٢٣ - أبو سعيد الرستمي محمَّد بن محمَّد بن الحسن الأصبهاني مدح الصاحب بقصائد منها بائيَّة مستهلّها:

عقَّني بالعقيق ذاك الحبيب

فالحشى حشوه الجوى والنحيب

وله من قصيدة لاميَّة يمدح بها الصاحب قوله:

أفي الحقِّ أن يُعطى ثلاثون شاعراً

ويحرم ما دون الرضى شاعرٌ مثلي؟!

كما اُلحقت واو بعمر وزيادةً

وضويق باسم الله في ألف الوصلِ

٢٤ - أبو محمَّد عبد الله بن أحمد الخازن الإصبهاني له قصايد يمدح بها الصاحب أجودها قصيدةٌ مطلعها:

هذا فؤادك نهبى بين أهواءِ

وذاك رأيك شورى بين آراءِ

٢٥ - أبو الحسن عليّ بن محمَّد البديهي وهو الذي قال فيه صاحبنا المترجَم:

تقول البيت في خمسين عاماً

فلمْ لقَّبت نفسك بالبديهي

له قصايد يمدح بها الصاحب منها لاميَّة أوَّلها:

قد أطعت الغرام فاعص العذولا

ما عسى عائب الهوى أن يقولا

٢٦ - أبو إبراهيم إسمعيل بن أحمد الشاشي العامريُّ، له قصايد صاحبيَّة منها بائيَّةٌ أوَّلها:

سرينا إلى العليا فقيل كواكبُ

وثرنا إلى الجلّي فقيل قواضبُ

٢٧ - أبو طاهر بن أبي الربيع عمرو بن ثابت له صاحبيّات منها جيميَّة أوَّلها:

أما لصحابي بالعذيب معرَّجُ

على دمنٍ أكنافها تتأرَّجُ

٢٨ - أبو الفرج الحسين بن محمَّد بن هند وله صاحبيّات منها قصيدةٌ أوَّلها:

لها من ضلوعي أن يشبّ وقودها

ومن عبراتي أن تفضَّ عقودها

٢٩ - ألعميري قاضي قزوين، أهدى إلى الصاحب كتباً وكتب معها:

ألعميريُّ عبد كافي الكفاة

وإن اعتدَّ في وجوه القضاةِ

خدم المجلس الرفيع بكتبٍ

مفعماتٍ من حسنها مترعاتِ

فوقَّع الصاحب بقوله:

قد قبلنا من الجميع كتاباً

ورددنا لوقتها الباقياتِ

٥٢

لست أستغنم الكثير فطبعي

قول خذ ليس مذهبي قول هاتِ

٣٠ - أبو الرَّجاء الأهوازي مدح الصاحب لمّا ورد الصاحب الأهواز ومن قصيدته:

إلى ابن عبّاد أبي القاسم

ألصاحب إسماعيل كافي الكفاةْ

وتشرب الجند هنيئاً بها

من بعد ماء الريّ ماء الفراتْ(١)

٣١ - أبو منصور أحمد بن محمَّد اللجيمي الدينوري له شعر يمدح به الصاحب.

٣٢ - أبو النجم أحمد الدامغاني المعروف ب‍ ( شصت كلّه ) المتوفّى سنة ٤٣٢ له قصيدةٌ بالفارسيَّة مدح بها الصاحب.

٣٣ - ألشريف الرضي [ أحد شعراء الغدير يأتي شعره وترجمته ] مدح الصاحب بداليَّة سنة ٣٧٥ ولم ينفذها إليه، واُخرى سنة ٣٨٥ قيل وفاة الصاحب بشهر وأنفذها إليه.

٣٤ - ألقاضي أبو بكر عبد الله بن محمّد بن جعفر الأسكي، له شعرٌ في الصاحب ومنه قوله:

كلُّ برٍّ ونوالٍ وصله

واصل منك إلى معتزله

يا بن عبّاد ستلقى ندماً

لفراق الجيرة المرتحله

٣٥ - أبو القاسم غانم بن محمَّد بن أبي العلا الأصبهاني، له صاحبيّات مدحاً ورثاءً قال الثعالبي في تتميم يتيمته:كان يُساير الصاحب يوماً فرسم له وصف فرس كان تحته فقال مرتجلاً:

طرفٌ تحاول شأوه ريح الصَّبا

سفهاً فتعجز أن تشقَّ غباره

بارى بشمس قميصه شمس الضحى

صبغاً ورضَّ حجاره بحجاره

٣٦ - أبو بكر محمّد بن أحمد اليوسفي الزوزني له صاحبيَّة أوَّلها:

أطلع الله للمعالي سعودا

وأعاد الزمان غضّاً جديدا

____________________

١ - أعجب ما رأيت من تعاليق معجم الادباء الطبعة الثانية تعليق هذا البيت في ج ٦ ص ٢٥٤ جعل الاستاذ الرفاعي الشطر الثاني في المتن ( من بعد ماء الري ماء الصراة ) وقال في التعليق:الصراة:نهر بالعراق.

٥٣

ومنها:

بعث الدهر جنده وبعثنا

نحوه دعوة الإ~له جنودا

يا عميد الزَّمان إنَّ الليالي

كدن يتركن كلَّ قلب عميدا

حادثات أردن إحداث هدم

لعلاه فأحدثت تشييدا

وله من اُخرى قوله:

سلامٌ عليها إنَّ عيني عِندما

أشارت بلحظ الطرف تخضبَ عندما

٣٧ - أبو بكر يوسف بن محمّد بن أحمد الجلودي الرازي له قصيدةٌ صاحبيَّةٌ منها قوله:

رياضٌ كأنَّ الصاحب القرم جادها

بأنوائه أو صاغها من طباعه

يجلّي غيابات الخطوب برأيه

كما صدع الصبح الدُّجى بشعائه

ومنها:

سحابٌ كيمناهُ وليلٌ كبأسه

وبرقٌ كماضية وخرقٌ كباعه

٣٨ - أبو طالب عبد السَّلام بن الحسين المأموني، قال فريد وجدي في ( دائرة المعارف ) ٦ ص ٢٠:مدح الصاحب بقصايد فأعجبه نظمه توفّي سنة ٣٨٣.

٣٩ - أبو منصور الجرجاني، كتب إلى الصاحب قوله:

قل للوزير المرتجى

كافي الكفاة الملتجى

إني رزُقت ولداً

كالصبح إذ تبلّجا

لا زال في ظلّك ظ

ـلّ المكرمات والحجى

فسمَّه وكنِّه

مشرَّفا متوَّجا

فوقَّع الصاحب تحتها بقوله:

هنّئته هنّئته

شمس الضحى بدر الدجا

فسمِّه محسِّناً

وكنِّه أبا الرجا

٤٠ - ألأوسي مدح الصاحب ببائيَّة أنشدها بين يديه فلمّا بلغ إلى قوله:

لمَّا ركبت إليك مُهري أنعلت

بدر السماء وسمّرت بكواكب

قال له الصاحب. لِمَ أنّثت المُهر ؟ ولِم شبَّهت النعل بالبدر ولا يشبهه ؟ ولو

٥٤

شبَّهته بالهلال لكان أحسن فإنَّه علي هيئته فقال:الأوسي:أمّا تأنيث المهر فلأنِّي عنيت المهرة ؟ وأمّا تشبيهي النعل ببدر السماء فلأنِّي أردت النعل المطبقة.

٤١ - إبراهيم بن عبد الرَّحمن المعرّي مدح الصاحب بقصيدة منها:

قد ظهر الحقُّ وبان الهُدى

لمن له عينان أو قلبُ

مثل ظهور الشمس في حجبها

إذ رفعت عن نورها الحجبُ

بالمَلك الأعظم مستبشرٌ

شرق بلاد الله والغربُ

٤٢ - محمَّد بن يعقوب أحد أئمَّة النحو كتب إلى الصاحب كما في ( دمية القصر ) ١ ص ٣٠١:

قل للوزير أدام الله نعمته

مُستخدماً لمجاري الدَّهر والقدرِ

أردت عبداً وقد أعطيته ولداً

فسمِّه بأسم مَن بالعرب مفتخرِ

وإن وصلت له تشريف كنيته

جمعت بالطَول بين الروض والمطرِ

لا زال ظلّك ممدوداً ومنتشراً

فإنَّه خير ممدودٍ ومنتشرِ

هنَّيته ابناً يشيع الاُنس في البشر

هنَّيت مَقدم هذا الصارم الذكرِ

٤٣ - محمَّد بن علي بن عمر أحد أعيان الري قرأ على الصاحب ومدحه برائيَّة.

والاُدباء يعبِّرون عن المترجَم وأبي إسحاق الصّابي بالصادين كما وقع في قول الشيخ أحمد البربير المتوفّى سنة ١٢٢٦ في كتابه ( الشرح الجلي ) ص ٢٨٣ يمدح كاتباً مليحاً.

لله كاتباً الذي أنا رقّه

وهو الذي لا زال قرَّة عيني

في ميم مبسمه ولام عذاره

ما بات ينسخ بهجة الصّادين

شعره في المذهب

وللصاحب مراجعات ومراسلات مع مادحيه تجدها في الكتب والمعاجم، وشعره كما سمعت كثيرٌ مدوَّنٌ ونحن نقتصر من نظمه الذهبيِّ بما عقد سمط جمانه في المذهب ذكر له الثعالبي في [ يتيمة الدهر ] ج ٣ ص ٢٤٧:

حبُّ عليّ بن أبي طالب

هو الذي يهدي إلى الجنَّةِ

إن كان تفضيلي له بدعةً

فلعنة الله على السنَّةِ

٥٥

وذكر له في الكتاب:

ناصبٌ قال لي:معاوية خا

لك خير الأعمام والأخوالِ

فهو خالٌ للمؤمنين جميعاً

قلت:خالٌ لكن من الخير خالي

وذكر له فقيه الحرمين الكنجي الشافعي المتوفّى سنة ٦٥٨ في ( كفاية الطالب ) ص ٨١، والخوارزمي في ( المناقب ) ص ٦٩:

يا أمير المؤمنين المرتضى

إنَّ قلبي عندكم قد وقفا

كلّما جدِّدت مدحي فيكمُ

قال ذو النصب:نسيت السلفا(١)

مَن كمولاي عليّ زاهد

طلّق الدنيا ثلاثاً ووفى؟!

مَن دُعي للطير أن يأكله ؟

ولنا في بعض هذا مكتفى

من وصيُّ المصطفى عندكُم ؟

ووصيّ المصطفى من يُصطفى

وذكر الفقيه الكنجي في الكتاب ص ١٩٢، وسبط إبن الجوزي في ( تذكرة خواصّ الاُمَّة ) ص ٨٨، والخوارزمي في ( المناقب ) ص ٦١:

حبُّ النبيِّ وأهل البيت معتمدي(٢)

إنَّ الخطوب أساءت رأيها فينا

أيا إبن عمّ رسول الله أفضل مَن

ساس الأنام وساد الهاشميِّينا

يا نُدرة الدين يا فرد الزمان أصخ

لمدح مولى يرى تفضيلكم دينا

هل مثل سيفك في الإسلام لو عرفوا ؟

وهذه الخصلة الغرّاء تكفينا

هل مثل علمك إذ زالوا وإذ وهنوا

وقد هديت كما أصبحت تهدينا ؟

هل مثل جمعك للقرآن نعرفه

لفظاً ومعنىً وتأويلاً وتبيينا ؟

هل مثل حالك عند الطير تحضره

بدعوةٍ نلتَها دون المصلّينا ؟

هل مثل بذلك للعاني الأسير وللـ

ـطفل الصغير وقد أعطيت مسكينا ؟

هل مثل صبرك إذ خانوا وإذ ختروا

حتّى جرى ما جرى في يوم صفِّينا ؟

هل مثل فتواك إذ قالوا مجاهرةً

: لولا عليٌّ هلكنا في فتاوينا ؟

يا ربّ سهِّل زياراتي مشاهدهم

فإنَّ روحي تهوى ذلك الطينا

____________________

١ - تسب السلفا. الخوارزمي

٢ - هذه الابيات المحكية عن الكتب الثلاث لم توجد في ( أعيان الشيعة ) سوى ثلاثة منها.

٥٦

يا ربّ صيِّر حياتي في محبَّتهم

ومحشري معهم آمين آمينا

وذكر إبن شهر آشوب من هذه القصيدة بعد البيت الثاني من أوَّلها:

أنت الإمام ومنظور الأنام فمن

يردّ ما قلته يقمع براهينا

هل مثل فعلك في ليل الفراش وقد

فديت بالروح ختّام النبيِّينا ؟

هل مثل فاطمة الزَّهراء سيِّدةٌ

زوَّجتها يا جمال الفاطميِّينا ؟

هل مثل برِّك في حال الركوع وما

برُّ كبرِّك برّاً للمزكَينا ؟

هل مثل فعلك عند النعل تخصفها

لو لم يكن جاحدوا التفضيل لاهينا ؟

هل مثل نجليك في مجدٍ وفي كرم

إذ كوّنا من سلال المجد تكوينا ؟

وله في مناقب الخطيب الخوارزمي ص ١٠٥، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٤٣، وتذكرة خواصِّ الاُمَّة ص ٣١، ومناقب إبن شهر آشوب، وغيرها قصيدةٌ ولوقوع الإختلاف فيها نجمع بين رواياتها ونشير إلى ما روته رجال العامَّة ب‍ ( ع ):

بلغت نفسي مناها

بالموالي آل طه

برسول الله مَن

حاز المعالي وحواها

وببنت المصطفى مَن

أشبهت فضلاً أباها

ع مَن كمولاي عليٍّ

والوغى تحمي لظاها ؟

ع مَن يصيد الصَّيد فيها

بالظبى حتّى انتظاها ؟

يوم أمضاها عليهم

ثمَّ أمضاها عليهم فارتضاها

ع مَن له في كلِّ يومٍ

وقعاتٌ لا تُضاهي ؟

ع كم وكم حرب ضروس

سدِّ بالمرهف فاها ؟

ع اُذكروا أفعال بدرِ

لستُ أبغي ما سواها

ع اُذكروا غزوة اُحدٍ

إنَّه شمس ضُحاها

ع اذكروا حرب حنينٍ

إنَّه بدر دُجاها

ع اُذكروا الأحزاب قِدماً

إنَّه ليث شراها

ع اُذكروا مهجة عمرو

كيف أفناها شجاها ؟

ع اُذكروا أمر براءه

واخبروني مَن تلاها ؟

٥٧

ع اُذكروا مَن زوّج الـ

ـزهراء قد طاب ثراها(١)

ع اذكروا بكرة طيرٍ

فلقد طار ثناها ؟

ع اُذكروا لي قلل العلم

ومن حلِّ ذراها

ع حاله حالة ها

رون لموسى فافهماها

ع أعلى حبِّ عليٍّ

لامني القوم سفاها ؟!

ع أهملوا قرباه جهلاً

وتخطّوا مُقتضاها

ع أوَّل النَّاس صلاةً

جعل التقوى حُلاها

ع رُدَّت الشَّمس عليه

بعد ما غاب سناها

ع حجَّة الله على الخلق

شقى مَن قد قلاها

وبحبّي الحسن الـ

ـبالغ في العليا مداها

والحسين المرتضى

يوم المساعي إذ حواها

ليس فيهم غير نجم

قد تعالى وتناهى

عترةٌ أصبحت الدُّ

نيا جميعاً في حماها

ما تحدِّث عصب الـ

ـبغي بأنواع عماها

أردت الأكبر بالسـ

ـمِّ وما كان كفاها

وانبرت تبغي حسيناً

وعرته وعراها

منعته شربةً والطَّيـ

ر قد أروت صداها

فأفاتت نفسه

يا ليت روحي قد فداها

بنته تدعوا أباها

اُخته تبكي أخاها

لو رأى أحمدُ ما

كان دهاه ودهاها

لشكا الحال إلى الله

وقد كان شكاها(٢)

وله في مناقبي إبن شهر اشوب والخطيب الخوارزمي ص ٢٣٣ قصيدةٌ نجمع بينهما

____________________

١ - في لفظ أهل السنة:

اذكروا من زوّج

الزهراء كيما تتباهى

٢ - غير واحد من الأبيات لا يوجد في ( أعيان الشيعة ).

٥٨

لاختلافهما في عدد الأبيات ألا وهي:

ما لعليِّ العُلى أشباهُ

لا والّذي لا إ~له إلّا هو

مبناه مبنى النبيِّ تعرفه

وابناه عند التفاخر إبناهُ

إنَّ عليّاً علا إلى شرفٍ

لو رامه الوهم ذلَّ مرقاهُ(١)

أيا غداة الكساء لا تهني

عن شرح علياه إذ تكسّاهُ

يا ضحوة الطير تنبئي شرفاً

فاز به لا يُنال أقصاهُ

براءة استعملي بلاغك مَن

أقعد عنه ومَن توّلاهُ؟!

يا مرحب الكفر قد أذاقك مَن

مِن حدِّ ما قد كرهت ملقاهُ ؟!

يا عمرو مَن ذا الذي أنالك من

حارة الحتف حين تلقاهُ ؟!

لو طلب النجم ذات أخمصه

علاه والفرقدان نعلاهُ

أما عرفتم سموَّ منزله ؟!

أما عرفتم علوَّ مثواهُ ؟!

أما رأيتم محمَّداً حدباً

عليه قد حاطه ورّباهُ ؟!

واختصَّه يافعاً وآثره

واعتامه مخلصاً وآخاهُ

زوَّجه بضعة النبوَّة إذ

رآه خير امرئٍ وأتقاهُ

يا بأبي السيِّد الحسين وقد

جاهد في الدين يوم بلواهُ

يا بأبي أهله وقد قُتلوا

من حوله والعيون ترعاهُ

يا قبَّح الله اُمَّةً خذلت

سيَدها لا تريد مرضاهُ

يا لعن الله جيفةً نجساً

يقرع من بغضه ثناياهُ

وله داليَّة ذكرها الخوارزمي في ( المناقب ) ص ٢٢٣، وإبن شهر آشوب في مناقبه ونجمع بين الرِّوايتين وهي:

هو البدر في هيجاء بدر وغيرهُ

فرايصه من ذكره السيف ترعدُ

عليٌّ له في الطير ما طار ذكره

وقامت به أعداؤه وهي تشهدُ

عليٌّ له في هل أتى ما تلوتمُ

على الرَّغم من آنافكم فتفرّدوا

____________________

١ - هذا البيت وما بعده الى أربعة أبيات لا توجد في مناقب ابن شهر آشوب بل رواها الخوارزمي.

٥٩

وكم خبر في خيبر قد رويتمُ

ولكنَّكم مثل النعام تشرَّدوا

وفي اُحدٍ ولّى رجالٌ وسيفه

يسوِّد وجه الكفر وهو مسوِّدُ

ويوم حنينٍ حنَّ للغلِّ بعضكم

وصارمه عضب الغرار مهنَّدُ

تولىّ اُمور النّاس لم يستغلّهم

ألا ربما يرتاب مَن يتقلّدُ

ولم يك محتاجاً إلى علم غيره

إذا احتاج قومٌ في قضايا تبلّدوا

ولا سدَّ عن خير المساجد بابه

وأبوابهم إذ ذاك عنه تُسدَّدُ

وزوجته الزَّهراء خير كريمةٍ

لخير كريم فضلها ليس يُجحدُ(١)

وبالحسنين المجد مدّ رواقه

ولولاهما لم يبقِ للمجد مشهدُ

تفرّغت الأنوار للأرض منهما

فِللّه أنوارٌ بدت تتجدّدُ

هم الحجج الغرُّ التي قد توضَّحت

وهم سرج الله التي ليس تخمدُ

اُو إليكُم يا آل بيت محمَّدٍ

فكلّكمُ للعلم والدين فرقدُ

وأترك من ناواكمُ وهو هتكه

يُنادى عليه مولدٌ ليس يُحمدُ

وذكر له الحمّوئي صاحب ( فرايد السمطين ) في السمط الثاني في الباب الأوَّل:

منايح الله جاوزت أملي

فليس يدركها شكري ولا عملي

لكنَّ أفضلها عندي وأكملها

محبَّتي لأمير المؤمنين علي

وذكر العلّامة المجلسي في ( البحار ) ج ١٠ ص ٢٦٤ نقلاً عن بعض الكتب القديمة من قصيدةٍ طويلةٍ له:

أجروا دماء أخي النبيِّ محمَّد

فلتجر غزر دموعنا ولتهملِ

ولتصدر اللَّعنات غير مزالة

لعِداه من ماضٍ ومن مُستقبلِ

و تجرَّدوا لبنيه ثمَّ بناته

بعظايم فاسمع حديث المقتلِ

منعوا الحسين الماء وهو مجاهدٌ

في كربلاء فنُح كنوح المعولِ

منعوه أعذب منهلٍ وكذا غداً

يردون في النيران أوخم منهلِ

أيجزُّ رأس إبن النبيِّ وفي الورى

حيُّ أمام ركابه لم يُقتلِ ؟

وبنو السفاح تحكّموا في أهل حيّ

على الفلاح بفرصةٍ وتعجّلِ

____________________

١ - هذا البيت رواه الخوارزمي ولا يوجد فيما جمع له السيد في ( أعيان الشيعة )

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٥. الإمام المستودَع:

هو الذي يتسلّم شؤون الإمامة في الظروف والأدوار الاستثنائيّة؛ وهو الّذي يقوم بمهمَّاتها نيابة عن الإمام المستقِر بنفس الصلاحيّات المستقِرّة للإمام المستقر، ومن الواضح أنّه لا يستطيع أن يورّث الإمامة لأحد من ولْده، كما أنّهم يطلقون عليه (نائب غيبة). (١)

والعجب أنّهم عندما بحثوا موضوع الإمامة لم يجعلوا تسلسلها من إسماعيل بن جعفر الصادق فحسب، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك؛ وحجتهم أنّ الإمامة إذا كانت قد بدأت من هذا العهد المبكّر فإنها ستكون محدَثة ولا يقوم وجودها على أساس، فذهبوا إلى عهد بدء الخليقة المعروف بعهد آدم وسلسلة الإمامة من عصر آدم إلى يومنا هذا، ثُمَّ أضافوا إلى ذلك قولهم بالأدوار والأكوار؛ فقد جعلوا كلّ دور يتألف من إمام مقِيم ورسول ناطق أو أساس له؛ ومن سبعة أئمّة يكون سابعهم متِم الدور، ويمكن أن يزيد عدد الأئمّة عن سبعة في ظروف أُخرى؛ وفي فترات استثنائيّة، وهذه الزيادة تحصل في عداد الأئمّة المستودَعين دون الأئمّة المستقِرّين، أمّا الدور فيكون عادة صغيراً وكبيراً؛ فالدور الصغير هو الفترة الّتي تقع بين كلّ ناطق وناطق، ويقوم فيها سبعة أئمّة. أمّا الدور الكبير فيبتدئ من عهد آدم إلى القائم المنتظر الّذي يسمّى دوره الدور السابع، ويكون بالوقت ذاته متمّاً لعدد النطقاء الستة.

يقول عارف تامر: إنّ هذا الموضوع من أدقِّ المواضيع وأصعبها، بل هو

____________________

(١) الإمامة في الإسلام: ١٤٣ - ١٤٤.

٢٨١

بالحقيقة من الدعائم المتينة في عقائد الإسماعيليّة، وقد يبدو لكلّ باحث فيها أنّ دعاتها حافظوا على سرّيّته التامّة طيلة العصور الماضية، وجعلوا معرفته مقتصرة على طبقة خاصّة من العلماء والدعاة. (١)

وها نحن نأتي في المقام بجدولين؛ أحدهما يرجع إلى الدور الأوّل، والآخر إلى الدور السادس الّذي لم يتم بعدُ.

____________________

(١) الإمامة في الإسلام: ١٤١.

٢٨٢

شجرة الإمامة الإسماعيليّة

منذ أَقدم العصور

الدور الأوّل:

(ويبتدئ من وقت هبوط آدم حتّى ابتداء الطوفان، ومدّته ألفان وثمانون عاماً وأربعة أشهر وخمسة عشر يوماً).

الإمام المستقر

الإمام المتم

أساس الدور

الرسول الناطق

الإمام المقيم

العدد

أنوش بن (٢) شيث ٤٣٥ -١٣٨٥

 

هابيل١٣٠ـ

٢٢٥

آدم

هُنيد (١)

١

قينان بن أنوش ٦٢٥ - ١٥٣٥

 

شيث

١١٤٤ -٢٣٠

 

 

٢

مهليئل بن قينان ٧٩٥ - ١٦٩٠

 

 

 

 

٣

يارد بن مهليئل ٩٦٠ - ١٩٢٢

 

 

 

 

٤

أخنوخ بن يارد ١١٢٢ - ١٤٨٧

 

 

 

 

٥

متوشالح بن اخنوخ ١٢٨٧ - ٢٢٤٢

 

 

 

 

٦

لامك بن متوشالح ١٤٥٤ - ٢٣٤٦

لامك بن متوشالح

 

 

 

٧

____________________

(١) إنّ هُنيد مربي آدم، وهو الإمام المقيم، فهل هو من جنس آدم أو ملَك أو جنّ أو غيرهما؟!، والعجب أنّه لم يأت اسمه في الذكر الحكيم، ولو كان له ذلك المقام الشامخ فأولى أن يكون معلم الملائكة لا آدم!! فتدبّر.

(٢) وفي المصدر بنت، ولعلّ الصحيح ما أثبتناه .

٢٨٣

الدور السادس:

(يبتدئ من تاريخ الهجرة المحمّديّة وينتهي بظهور القائم المنتظر، ولا يمكن تحديد مدّته. إنّ الدور الكبير قد أصبح مقسّماً إلى أدوار صغيرة).

الإمام المستقر

الإمام المتم

أساس الدور

الرسول الناطق

الإمام المقيم

العدد

علي بن أبي طالب

 

علي بن أبي طالب

محمد م٥٧١ - ٦٣٤

عمران أبو طالب

١

الحسين بن علي

 

 

 

 

٢

علي بن الحسين (زين العابدين)

 

 

 

 

٣

محمد بن علي (الباقر)

 

 

 

 

٤

جعفر بن محمد (الصادق)

 

 

 

 

٥

إسماعيل بن جعفر

 

 

 

 

٦

محمد بن إسماعيل

محمد بن إسماعيل

 

 

 

٧

التعليقات:

في هذا الدور يظهر أنّ عمران أبا طالب، هو الإمام المقِيم في عهد الرسول الناطق محمّد، وأنّ الإمام محمّد بن إسماعيل هو الإمام السابع المتِم. ويلاحظ أنّ الإمام الحسن بن عليّ لم يذكر في شجرة النسب، لأنّه يعتبر إماماً مستودعاً لدى الإسماعيليّين، وهكذا محمّد بن الحنفية، وموسى بن جعفر (الكاظم).

ولهم جداول للدور الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس أعرضنا

٢٨٤

عن ذكرها روماً للاختصار، كما أعرضنا عن ذكر تتمّات الدور السادس الّتي تبتدأ من الإمام محمّد ابن إسماعيل وتنتهي إلى كريم علي خان (آغا خان الرابع).

المقام الثاني: الإمامة الخاصّة:

قد تعرّفت على نظام الإمامة في مذهب الإسماعيليّة، والمهم هو الوقوف على ملامح الإمامة الخاصّة الّتي تصدّى لذكرها الداعي اليمني علي بن محمد الوليد في كتابه (تاج العقائد)، ونحن ننقل منه ما يبيّن عقيدتهم في ذلك.

١ - صاحب الوصيّة أفضل العالم بعد النبيّ في الدور:

إنّ صاحب الوصيّة هو من توجد عنده رموز شريعة النبيّ وأسرار ملّته وحقائق دينه ولا تتعداه ولا تؤخذ إلاّ منه، وإنّه المبرهِن عن أغراضه، والمفصح لأقواله، المبيّن لأفعاله، القائم بالهداية بعده، والحافظ لشريعته من الآراء المختلفة، وبذلك كان وصيّاً ولا يوجد في الأصحاب من يقوم مقامه.

٢. في أنّ الإمامة في آل بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):

يَعتقد أنّ الإمامة في آل بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من نسل عليّ وفاطمة فرض من الله سبحانه أكمل به الدين، فلا يتمّ الدين إلاّ به، ولا يصحّ الإيمان بالله والرسول إلاّ بالإيمان بالإمام والحجّة، ويدلّ على فرض الإمامة إجماع الأُمّة على أنّ الدين والشريعة لا يقومان ولا يُصانان إلاّ بالإمام، وهذا حقّ؛ لأنّه سبحانه لا يترك الخلق سدى.

٢٨٥

وإنّ الرسول نصّ على ذلك نصّاً تشهد به الأُمّة كافة بقوله: «الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا، وأبوهما خير منهما» ، ولم يحوج الأُمّة إلى اختيارها في تنصيب الإمام، بل نصّ عليها بهذا؛ لأنّ بالإمامة كمال الدين.

٣ - في أنّ الإمامة وارثة النبوّة والوِصاية:

الإمام يرث من النبوّة الظواهر والأحكام وجري الأُمور على ما علمه من النظام، ويرث من صاحب الوِصاية المعاني الّتي ورثها عن النبوّة؛ ليكون الكمال موجوداً لقاصده، ومُسَلَّماً في شريعته الّتي جعلها عصمة لمن التجأ إليها، وطهارة لمن التزم قوانينها، وسار على محجّتها، فتسلم له دنياه ويفوز في عقباه بالتجائه إلى من عنده علم النجاة وحقيقة الشريعة.

أقول: ولا يذهب عليك أنّ الإمام على هذا أفضل من النبيّ كما هو أفضل من الوحي؛ لأنّ الإمام جامع لظاهر الشريعة وباطنها، إلاّ إذا كان النبيّ رسولاً، ولا أدري من أين لهم هذه الضوابط والقواعد، وما هوالدليل على هذا التقسيم؟!

٤ - في انقطاع الوصاية بعد ذهاب الوصي:

يَعتقد أنّ الوصيّ إنّما يوصيه الرسول على معالم شريعته، وأسرار ملّته، وعيون هدايته، وحقيقة أقواله، وحفظ أسراره، فإذا قام بها ومضى إلى دار كرامته استحال قيام وصيٍّ ثانٍ بعده؛ لأنّ الشريعة لم تتغيّر ولا تذهبت فتأتي أوامر جديدة تحتاج إلى من يوصّى بحفظها.

٢٨٦

٥ - في استمرار الإمامة في العالم دون النبوّة والوِصاية:

يَعتقد أنّ الإمامة مستمرّة الوجود في الأدوار جميعها؛ من أوّلها إلى آخرها؛ لأنّ الإمام هو الوارث لما جاء به النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من الشرع والوصيّ على البيان؛ لكونه حافظاً في الأُمّة على الهداية الّتي ورثها منهما، ولمّا كان أمر الرسول والوصيّ جارياً على أهل الدور من أوّله إلى آخره كان من ذلك حفظ درجة الإمامة على الدور بالاستمرار والتوالي؛ إذ لم يبق زيادة تستجد فتحتاج إلى منزلة مستجدَّة، فكانت هداية موروثة منسوبة إلى أصل الدور، ومعلم الشريعة والبيان، فلا تزال هذه الحالة مستمرّة إلى حين تأذن الحكمة الإلهيّة بتجديد شريعة ثانية، ولمّا كانت شريعة محمّد لا تُنسخ ولا يفقد حكمها حتّى قيام الساعة، بقيت الإمامة فيها موجودة ومحفوظة إلى حين قيام الساعة؛ فلهذا استمرّت الإمامة في العالم دون النبوّة والوِصاية.

٦ - في أنّ الإمام لا تجوز غيبته من الأرض:

إنّ الإمام لا تجوز غيبته عن الأُمّة بوجه، ولا بسبب، وإن حدثت فترة فتكون خواص شيعته على اتّصال به ويعرفون مقامه، ويدلّون من خلصت نيّته إلى مقره.

٧ - في الوصيّة بعد الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى الوصيّ:

يَعتقد بوصيّة الرسول إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) من اثني عشر وجهاً، منها:

٢٨٧

١ - قول النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «لا يحلّ لامرئ مسلم أن يبيت ليلتين إلاّ ووصيّته مكتوبة عند رأسه».

٢ - إجماعنا على أنّ الرسول استخلف عليّاً في المدينة في غزوة تبوك مقتدياً باستخلاف موسى لأخيه هارون عند مُضيِّه لميقات ربِّه، وفي هذا الاستخلاف، قال له: «يا عليّ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى؛ إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».

٣ - حديث الدار والإنذار، وقد ذكره المفسّرون في تفسير قوله سبحانه: ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (١) . (٢)

أقول: والعجب أنّه لم يذكر حديث الغدير الّذي اتّفقت الأُمّة على نقله!!

٨ - في قعود عليّ عن الخلافة:

ويَعتقد أنّ قعود الوصيّ بعد الوصيّة لم يكن عن عجز ولا تفريط؛ وذلك لأنّ الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد أعلمه عن دولة المتغلّبين، وعقوبة الله عزَّ وجلَّ لهم في ذلك بقوله: «إنّ لك يا عليّ في أُمّتي من بعدي أمر، فإن ولّوك في عافية، وأجمعوا عليك في رضى، فقم بأُمورهم، وإن اختلفوا واتّبعوا غيرك، فدعهم وما هم فيه، فإنّ الله سيجعل لك مخرجاً».

____________________

(١) الشعراء: ٢١٤.

(٢) تاج العقائد: ٦٠ - ٦٤.

٢٨٨

٩ - في فساد إمامة المفضول:

يَعتقد بفساد إمامة المفضول وإبطال المُشرِك الناقض؛ لقوله عزَّ وجلَّ: ( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١) .

فجلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه بيّن أنّ عهد الإمامة وخلافة الله تعالى لا تلحق من أشرك بالله طرفة عين، وإنّما يكون ميراثها في الطاهرين المصطفين؛ لقوله تعالى: ( ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) (٢) .

وقد ثبت أنّ كلّ من دخل في الإسلام من الجاهليّة فقد عبد الأصنام وتدنّس بالشرك، مع ما كانوا يفعلون برسول الله أيام حياته ممّا هو مشهور غير خفيّ.

وتوقّف كلّ واحد منهم بعده وحاجتهم إلى علم عليّ مع طهارته واصطفائه عليهم في حالتي العلم والجسم، وكونه لم يسجد لصنم، ولا توقّف عن أمر محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، ولا كانت له سابقة في الجاهليّة، ولا أشرك في الله طرفة عين، ولا تحمّل، ولا كذب، ولا داهن، ولا مال إلى مفضول بالرغم من ميل الغير عنه إلى كلّ مفضول، مع إقرار المفضول على نفسه، بقوله: (ولّيت عليكم ولست بخيركم)، وغير ذلك من قوله: (فإن غلطت فردّوني وإن اعوججت فقوّموني، فإنّ لي شيطاناً يغريني). (٣)

____________________

(١) البقرة: ١٢٤.

(٢) فاطر: ٣٢.

(٣) تاج العقائد: ٧٥ - ٧٦.

٢٨٩

١٠ - في إبطال اختيار الأُمّة للإمام:

ويَعتقد أنّ اختيار الأُمّة لنفسها الإمام غير جائز؛ لأنّ إقامة الحدود على الأُمّة هي للإمام، ففيها بعض رسوم الشريعة المبسوطة إلى الإمام، من دون الأُمّة، فإقامة الإمام الّذي تتعلّق به كلّ أُمور الشريعة؛ لأنّه صاحب المقام العظيم، والمستخلَف أولى أن يكون بأمر الله، وإذا كان إقامة الإمام بأمر الله كان من ذلك الإيجاب بأنّ الاختيار من الأُمّة باطل. (١)

١١ - في أنّ كلّ متوثّب على مرتبة الإمام فهو طاغوت:

ويَعتقد أنّ كلّ من دفع الإمام عن مقامه ومنزلته وعانده بعد وصيّة النبيّ له في كلِّ عصر وزمان، إنّما هو المشار إليه باسم الطاغوت، وهو رئيس الجائرين الحائدين عن أمر الرسول؛ المعني بالظالم، الّذي توجهت إليه الإشارة وإلى أمثاله في كلّ دور: ( وَيَوْمَ يَعَضّ الظّالِمُ عَلَى‏ يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ الرّسُولِ سَبِيلاً ) (٢) . (٣)

١٢ - في أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله فيها:

يَعتقد أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله فيها: من نبيّ، أو وصيّ، أو إمام يقوِّم المسائل، ويقيم الحدود، ويحفظ المراسيم، ويمنع الفساد في الشرع، ويقبل الأعمال، ويزكّي الصّفحة، وتقام به الحجّة على الطالب،

____________________

(١) تاج العقائد: ٧٦.

(٢) الفرقان: ٢٧.

(٣) تاج العقائد: ٧٨ - ٧٩.

٢٩٠

ويزيل المشكلات إذا جلّت على المتعلمين، ويَرْكِز الأُمّة بعد غيبة نبيها. (١)

أقول: إنّ ما ذكره من أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله حقّ، ولكن السبب ليس ما جاء في كلامه من إقامة الحدود، وحفظ المراسم، ومنع الفساد، فإن ذلك يقوم به سائر الولاة أيضاً، وإنّما الوجه أنّه الإنسان الكامل، وهو الغاية القصوى في الخِلقة، ويترتّب على وجود ذلك الإنسان الكامل بقاء العالم بإذن الله سبحانه وآخره لحصول الغاية.

١٣ - منع المبتدي عن الكلام:

ويَعتقد أنّ منع المبتدي عن الكلام في الدين، صفات، واقتداء بأفعال الله؛ وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الطفل يتكلّم عند خروجه وولادته، وإنّما تأخّر عن الكلام لحكمة أوجبها، لتكون لأبويه عنده فضيلة التنطيق والتعليم، وكذلك المبتدي يُمنع من المجادلة والنطق بما يشقُّ على غيره، ومتى تعلّم من شيخه أو معلّمه القائم له مقام الصورة فيعلّمه الأُصول الّتي يجب الاحتياط بها. (٢)

١٤ - في أنّ القرآن لا ينسخه إلاّ قرآن مثله:

ويَعتقد أنّ القرآن لا ينسخه إلاّ قرآن مثله, والدلالة على ذلك موافقة السنّة للكتاب، قال الله تعالى: ( وَإِذَا بَدّلْنَا آيَةً مّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ قَالُوا إِنّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٣) .

____________________

(١) تاج العقائد: ١٨١.

(٢) تاج العقائد: ١٨١.

(٣) النحل: ١٠١.

٢٩١

وقال النبيّ في خطبة الوداع: «لا يقولنّ عليَّ أحد منكم ما لم أقله، فإنّي لم أُحلّل إلاّ ما أحلّه الله في كتابه، وكيف أُخالف كتاب الله و به هداني؟، و كيف أُخالف كتاب الله و به هداني وعليَّ أُنزل؟». (١)

١٥ - في تخطئة القياس والاستحسان:

اتّفقت الإسماعيليّة قاطبة على منع العمل بالقياس والاستحسان، والرأي غير المستنبط من الكتاب والسنّة.

قال الداعي علي بن محمد الوليد: أصل الشريعة ليس بقياس؛ لأنّه أخْذ عن الله تعالى بتعليم الملَك، وأخْذ من الرسول بتعليم دون قياس، وأخذ من الوصيّ بتعليم النبيّ، وأخذ من الإمام بتعليم الوصيّ، وأخذ الرجال بتعليم الإمام دون رأي من يرى، وقياس من قاس، واجتهاد من اجتهد، بالظنون الكاذبة، والرأي، والآراء المتناقضة. (٢)

تأويلات الإسماعيليّة (نظرية المثل والممثول):

إنّ نظريّة المثل والممثول تعدّ الحجر الأساس لعامّة عقائد الإسماعيليّة الّتي جعلت لكلّ ظاهر باطناً، وسمّوا الأوّل مثلاً، والثاني ممثولاً، وعليها تبتني نظريّة التأويل الدينيّة الفلسفيّة؛ فتذهب إلى أنّ الله تعالى جعل كلّ معاني الدين في الموجودات؛ لذا يجب أن يُستدلّ بما في الطبيعة على إدراك حقيقة الدين،

____________________

(١) تاج العقائد: ٩٨.

(٢) تاج العقائد: ٨٢ - ٨٤.

٢٩٢

فما ظهر من أُمور الدين من العبادة العمليّة، الّتي بيّنها القرآن معاني يفهمها العامّة، ولكن لكلّ فريضة من فرائض الدين تأويلاً باطناً، لا يعلمه إلاّ الأئمّة، وكبار حججهم وأبوابهم ودُعاتهم.

ولنذكر في المقام بعض تأويلاتهم في الشريعة:

١ - قال صاحب تأويل الدعائم في كتاب الطهارة: لا يُجزي في الظاهر صلاة بغير طهارة، ومن صلّى بغير طهارة لم تجزه صلاته، وعليه أن يتطهّر، وكذلك في الباطن لا تُجزي ولا تنفع دعوة مستجيب يدعى، ويؤخذ عليه عهد أولياء الله حتّى يتطهّر من الذنوب ويتبرّأ من الباطل كلّه ومن جميع أهله، وإن تبرّأ من الباطل بلسانه، مقيم على ذلك، لم تنفعه الدعوة، ولم يكن من أهلها، حتّى يتوب ويتبرّأ ممّا تجب البراءة منه، فيكون طاهراً من ذلك، كما قال تعالى: ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ) (١) . (٢)

٢ - وحول التيمّم يقول صاحب تأويل الدعائم: التيمّم وضوء الضرورة، هذا من ظاهر الدين، وأمّا باطن التيمّم لمن عُدِم الماء وأنّه في التأويل طهارة من أحدث حدثاً في الدين من المستضعفين من المؤمنين الّذين لا يجدون مُفيداً للعلم؛ ممّا يحدّثونه عند ذوي العدالة من المؤمنين من ظاهر علم الأئمّة الصادقين إلى أن يجد مُفيداً من المطلِقين.

٣ - وحول الصلاة يقول صاحب تأويل الدعائم: الصلاة في الظاهر ما تعبّد الله عباده المؤمنين به؛ ليثيبهم عليه، وذلك ممّا أنعم الله عزّ وجلّ به عليهم، وقد

____________________

(١) الأنعام: ١٢٠.

(٢) تأويل الدعائم: ١/٧٦.

٢٩٣

أخبر تعالى أنّه ( أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) ؛ فظاهر النعمة في الصلاة إقامتها في الظاهر بتمام ركوعها وسجودها وفروضها ومسنونها، وباطن النعمة كذلك؛ في إقامة دعوة الحقّ في كلّ عصر، كما هو في ظاهر الصلاة. (١)

٤ - ويقول حول صلاة العيدين: ليس في العيدين أذان ولا إقامة، ولا نافلة، ويُبدأ فيهما بالصلاة قبل الخطبة، خلاف الجمعة، وصلاة العيدين ركعتان يجهر فيهما بالقراءة.

تأويل ذلك: إنّ مثَل الخروج إلى العيدين مثَل الخروج إلى جهاد الأعداء، وإنّ مثَل الأذان مثَل الدعوة والخروج إلى العدو، وليست تقام له دعوة؛ إذ تقدّم في دعوة الحقّ الأمر به، وإنّما يلزم الناس أن ينفروا ويخرجوا إليه، كما أوجب الله ذلك عليهم في كتابه.

هذه نماذج من تأويلات الإسماعيليّة في مجال الأحكام الشرعيّة، ومن أراد الاستقصاء فعليه بالرجوع - مضافاً إلى كتاب (تأويل الدعائم) - إلى كتاب (وجه دين) للرّحالة ناصر خسرو، فقد قام بتأويل ما جاء من الأحكام في غير واحد من الأبواب حتّى الحدود والديَّات والنكاح والسفاح.

____________________

(١) تأويل الدعائم: ١/١٧٧.

٢٩٤

١٦

الوهّابيّة

لمحة إلى حياة مؤسّس الوهّابيّة:

تُنسب الطريقة الوهّابيّة إلى الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب النجدي، وتُسمّى طريقته باسم أبيه (عبد الوهّاب). أمّا السبب في عدم تسميتها بـ (المحمّدية) نسبة إلى مؤسّسها محمّد؛ فهو - كما يقول البعض - للحذر من وقوع التشابه بينها و بين المسلمين أتباع رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والحيلولة دون استغلاله. (١)

وُلد الشيخ محمّد عام ١١١٥ هـ، في قرية (عُيينة) إحدى القرى التابعة لـ (نجد)، وكان والده قاضياً فيها.

كان محمّد بن عبد الوهّاب - منذ طفولته - ذا علاقة شديدة بمطالعة كتب التفسير والحديث والعقائد، وقد درس الفقه الحنبلي عند أبيه الَّذي كان من علماء الحنابلة. وكان - منذ شبابه - يستقبح كثيراً من الشعائر الدينيّة الّتي كان يمارسها أهالي نجد. ولم يقتصر ذلك على (نجد)؛ بل تعدّاه إلى المدينة المنوَّرة بعد ما انصرف من مناسك الحج، فقد كان يستنكر على الّذين يتوسّلون برسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عند مرقده المقدّس.

____________________

(١) دائرة معارف القرن العشرين، فريد وجدي: ١٠/٨٧١، نقلاً عن مجلة المُقتطف: ٢٧/٨٩٣.

٢٩٥

ثُمَّ عاد إلى نجد، وبعدها ارتحل إلى البصرة - وهو في طريقه إلى الشام، وهناك في البصرة طفق يستنكر على الناس شعائرهم الدينيّة وينهاهم عنها، فثار عليه أبناء البصرة الغيارى وأخرجوه مدحوراً من ديارهم، فتوجَّه إلى مدينة الزبير.

وفي الطريق - بين البصرة والزبير - تعب من المشي ونال منه الحرُّ والعطش نيلاً شديداً بحيث كاد أن يهلك، فأدركه رجل من الزبير، فعطف عليه عندما رآه مرتدياً زيَّ رجال الدين، وسقاه الماء وأركبه وأوصله إلى المدينة.

كان محمّد بن عبد الوهّاب عازماً على السفر إلى الشام، لكنّه لم يكن يملك ما يكفيه من المال والزاد، فسافر إلى الأحساء ومنها إلى حريملة التابعة لـ (نجد).

في تلك السنة - وكانت سنة ١١٣٩هـ - انتقل والده عبد الوهّاب من عُيينة إلى حريملة فلازَم الولَد والده وتتلمذ على يده، وواصل حملاته المسعورة ضدّ الشعائر الدينيّة في نجد، ممّا أدّى إلى نشوب النزاع والخلاف بينه وبين أبيه من جهة، وبينه وبين أهالي نجد من جهة أُخرى، واستمرّت الحالة على هذه حتّى عام ١١٥٣هـ حيث توفّي والده. (١)

عند ذلك خلا الجوّ لمحمّد بن عبد الوهّاب، فراح يُعلن عن عقائده الشاذّة، ويستنكر على الناس ما يمارسونه من الشعائر الدينيّة، ويدعوهم إلى الانخراط في حزبه وتحت لوائه، فانخدع بعضٌ ورَفض آخرون، واشتهر أمره في المدينة.

____________________

(١) اقتطفناه من تاريخ نجد للآلوسي: ١١١ - ١١٣.

٢٩٦

عندها قَفل راجعاً إلى (عُيينة)، وكان يحكم عليها عثمان بن حمد، فاستقبله وأكرمه، ووقع القرار بينهما على أن يُدافع كلٌّ عن صاحبه؛ باعتبار أنّ لأحدهما السلطة التشريعيّة وللآخر السلطة التنفيذيّة، فحاكم عيينة يمدّه بالقوّة ومحمّد بن عبد الوهّاب يدعو الناس إلى طاعة الحاكم واتّباعه.

ووصل الخبر إلى حاكم الأحساء بأنّ محمّد بن عبد الوهّاب يدعو إلى آرائه ومبتدعاته، ويعضده حاكم عُيينة فأرسل حاكم الأحساء رسالة تحذيريّة إلى حاكم عُيينة، فاستدعى الحاكم محمّد بن عبد الوهّاب واعتذر من تأييده، فقال له ابن عبد الوهّاب: لو ساعدتني في هذه الدعوة لملكت نجد كلَّها، فرفضه الحاكم وأمره بمغادرة عُيينة مذموماً مدحوراً.

كان ذلك في عام ١١٦٠هـ عندما خرج ابن عبد الوهّاب من عيينة وتوجَّه إلى الدرعيّة الّتي كانت من أشهر المدن التابعة لنجد، وكان حاكمها - يومذاك - محمّد بن سعود - الجدّ الأعلى لآل سعود - فزاره الحاكم وأكرمه ووعده بالخير.

وبالمقابل بشَّره ابن عبد الوهّاب بالهيمنة على بلاد نجد كلّها، وهكذا وقع الاتّفاق المشؤوم. (١)

والجدير بالذكر: أنّ أهالي الدرعيّة كانوا يعانون من فقر مُدقع وحرمان فظيع، حتّى وصول ابن عبد الوهّاب وعقد الاتفاقيّة بينه وبين محمّد بن سعود.

يقول ابن بشر النجدي - فيما يرويه عنه الآلوسي ـ:

____________________

(١) لقد ذكر أحد المؤلّفين العثمانيّين - في كتابه تاريخ بغداد، ص١٥٢ - بداية العلاقة بين محمّد بن عبد الوهّاب وآل سعود بصورة أُخرى، ولكن الظاهر صحّة القول الَّذي ذكرناه في المتن.

٢٩٧

... وكان أهل الدرعيّة - يومئذٍ - في غاية الضيق والحاجة، وكانوا يحترفون لأجل معاشهم...

ولقد شاهدتُ ضيقهم في أوّل الأمر، ثُمَّ رأيتُ الدرعيّة بعد ذلك - في زمن سعود - وما عند أهلها من الأموال الكثيرة والأسلحة المحلاّة بالذهب والفضَّة والخيل الجياد والنجائب العُمانيّات والملابس الفاخرة، وغير ذلك من أسباب الثروة التامَّة؛ بحيث يعجز عن عدّه اللسان ويكلُّ عن تفصيله البيان.

ونظرتُ إلى موسمها يوماً - في الموضع المعروف بالباطن - فرأيتُ موسم الرجال في جانب، وموسم النساء في جانب آخر، فرأيت من الذهب والفضّة والأسلحة والإبل والغنم والخيل والألبسة الفاخرة وسائر المآكل ما لا يمكن وصفه، والموسم ممتدٌّ مَدَّ البصَر، وكنت أسمع أصوات البائعين والمشترين وقولهم: بعت واشتريت كدويِّ النحل.... (١)

ولكن من أين كلّ هذه الثروات الهائلة؟!

إنّ (ابن بشر النجدي) لم يتعرّض لذكر مصدر هذه الثروات الهائلة، لكن المستفاد من التاريخ هو أنّ ابن عبد الوهّاب كان يحصل عليها من خلال الهجمات الّتي كان يشنّها - مع أتباعه - على القبائل والمدن الّتي ترفض الانجراف إليه، وكان يسلب أموالها وينهب ثرواتها ويوزّعها على أهل الدرعيَّة.

وكان محمّد بن عبد الوهّاب ينتهج أُسلوباً خاصّاً في تقسيم الغنائم - المسلوبة من المسلمين الرافضين للانحراف ـ؛ فقد كان يتصرّف فيها حسب

____________________

(١) تاريخ نجد: ١١٧ - ١١٨.

٢٩٨

رغبته الشخصيَّة، فمرَّة كان يُقسّمها - رغم كثرتها - بين اثنين أو ثلاثة من أتباعه، وكان أمير نجد يأخذ نصيبه من الغنائم، بموافقة ابن عبد الوهّاب نفسه.

ومن أهمّ نقاط الانحراف في ابن عبد الوهّاب هو هذه المعاملة السيّئة مع المسلمين الّذين ما كانوا يخضعون لأهوائه وآرائه، فقد كان يُعاملهم معاملة الكافر المحارب، يُبيح أموالهم وأعراضهم.

وخلاصة القول: إنّ محمّد بن عبد الوهّاب كان يدعو إلى التوحيد، ولكن لتوحيد خاطئ من صُنع نفسه، لا التوحيد الَّذي يُنادي به القرآن الكريم، فَمن خضع له ولـ(توحيده) سلمتْ نفسه وأمواله، ومن أبى فهو كافر حربي، ودمه وماله هَدَر!!

وعلى هذا الأساس كان الوهّابيّون يشنَّون المعارك في نجد وخارجها - كاليمن والحجاز ونواحي سوريا والعراق ـ، وكانوا يبيحون التصرّف بالمُدن الّتي يسيطرون عليهاّ كيفما يشاءُون، فإن أمكنهم ضَمّ تلك الأراضي إلى ممتلكاتهم وعقاراتهم فعلوا ذلك، وإلاّ اكتفوا بنهب الغنائم منها. (١)

وكان قد أمر كلّ من ينخدع بدعوته أن يتقدَّم إليه بالبيعة، ومَن رفض البيعة وجب قتله وتوزيع أمواله!!

ولهذا عند ما رفض أهالي قرية الفصول - من ضواحي الأحساء - بيعةَ هذا الرجل الشاذّ هَجم عليهم وقتل ثلاثمائة رجل ونَهب أموالهم وثرواتهم! (٢)

____________________

(١) جزيرة العرب في القرن العشرين: ٣٤١.

(٢) تاريخ المملكة العربيّة السعوديّة: ١/٥١.

٢٩٩

وأخيراً... مات محمّد بن عبد الوهّاب عام ١٢٠٦هـ (١) ، ولكنّ أتباعه واصلوا طريقه وأحيوا بدعه وضلاله.

ففي عام ١٢١٦هـ أعدَّ الأمير سعود - الوهّابي - جيشاً ضخماً يتألّف من عشرين ألفاً وشنّوا هجوماً عنيفاً على مدينة كربلاء المقدّسة بالعراق. وكانت كربلاء - ولا زالت - مدينة مقدّسة، تتمتّع بشهرة بالغة ومحبَّة في قلوب المؤمنين، ويقصدها الزوّار بمختلف جنسيّاتهم من إيرانيين وأتراك وعرب وغيرهم، فحاصر الجيش الوهّابي هذه المدينة المقدّسة، ثُمَّ اقتحمها ودخلها وأكثر فيها القتل والنهب والخراب والفساد.

وقد ارتكب الوهّابيّون - في مدينة كربلاء المقدّسة - جرائم وفجائع لا يمكن وصفها؛ فقد قتلوا خمسة آلاف مسلم أو أكثر.

وعندما انتهى الأمير سعود من العمليّات الحربيّة هناك، عَمد إلى خزانة حرم الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السّلام)؛ والّتي كانت مليئة بالذخائر النفيسة والهدايا القيّمة الّتي أهداها الملوك والأُمراء وغيرهم إلى الروضة المقدّسة، فابتزَّها نهباً.

وبعد هذه الفاجعة الأليمة اتّخذت مدينة كربلاء لنفسها طابع الحزن والكآبة، حتّى نظم الشعراء قصائد في رثائها. (٢)

وكان الوهّابيّون يشنّون بين فترة وأُخرى - وخلال مدّة تتراوح بين اثني عشر عاماً - هجماتهم وغاراتهم الحاقدة على كربلاء المقدّسة وضواحيها،

____________________

(١) الأقوال متعدّدة في سنة ولادة محمّد بن عبد الوهّاب ومماته.

(٢) تاريخ كربلاء، الدكتور عبد الجواد الكليدار.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377