الحسين نبراس الإصلاح العالمي

الحسين نبراس الإصلاح العالمي50%

الحسين نبراس الإصلاح العالمي مؤلف:
المحقق: السيد علي جلال الشرخات
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 114

الحسين نبراس الإصلاح العالمي
  • البداية
  • السابق
  • 114 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53811 / تحميل: 6367
الحجم الحجم الحجم
الحسين نبراس الإصلاح العالمي

الحسين نبراس الإصلاح العالمي

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

ويقول فيما يقول:(إنَّنا لا يُمكن أنْ نواجه مذهب التشيُّع عِبر الفلسفات الغربيَّة، وعِبر الإنتاج الحداثوي - الهيرمونطيقي - الغربي؛ لأنَّ هذا المذهب يجمع بين ثوابت الدين وبين استيعاب كلِّ مُتغيِّر و اعتماد الوحي في الفهم والعقل، ونبذ ما هو طالح فيه ورسم وإقامة ما هو صالح، ومِن ثَمَّ فإنَّ عُمق فكر المذهب الشيعي ليس على النحو الذي نتصوُّر أنْ نُهاجمه مِن خلال فلسفة أو فكر مُعيَّن؛ لأنَّ فيه قابليَّة استيعاب كبيرة للمتغيِّرات، فهو يجمع بين هذه الثوابت الدينيَّة وبين تحكيم العقل في قراءة كلِّ المستجَّدات والمتغيِّرات، لنبذ كلِّ ما هو سيِّء منها وإقامة ما هو صالح).

فمذهب أهل البيتعليهم‌السلام آخذ في الانتشار، وإنَّ الله (عَزَّ وجلَّ) حتَّم أنَّ هذا المنهج الصائب هو الذي يسود البشريَّة، تمهيداً للحُجَّة (عجَّل الله فرجه)، لكنَّ الكلام في ما هي مسؤوليَّتنا ودورنا في هذا الموقع.

٦١

علينا تجسيد أخلاق أهل البيتعليهم‌السلام في عاشوراء:

إذا كان الموسم عاشوراء، فلابُدَّ أنْ نُجسِّد البطولة في الأخلاق؛ لأنَّ أعضاء ملحمة كربلاء، كانت لهم بطولة في الأخلاق، قبل أنْ تكون لهم بطولة في الفروسيَّة والشجاعة. هل نُقيم نحن مراسم عاشوراء بهذه النموذجيَّة؟ يجب أنْ نكون قُدوة(... دُعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإنَّ ذلك داعية) (١) ؛ لأنَّ هذا الدين، دين عملاق وقَيِّم وعظيم، فمَن الذي يَحمله للبشريَّة؟

____________________

١ - الكافي ج ٢ ص٧٨.

٦٢

نحن نعيش الآن في عصر الإغراءات الشديدة، وإنْ كنَّا نُريد أنْ نكون بمُستوى المسؤوليَّة، وبمُستوى العصر، بمُستوى هذه الحِقبة البشريَّة، بمُستوى هذه الرسالة العظيمة في هذه الحِقبة، التي هي أصعب الحِقب، الموطِّئة للإصلاح الشامل، إنْ كنَّا نُريد أنْ نكون فائزين، علينا خلق إرادة قويَّة لدينا، مُقابل الإغراء الشديد، نحتاج إلى رياضة روحيَّة شديدة، وإلاَّ كان المصيد هو الانزلاق أمام الإغراء، وبدل أنْ نكون دُعاة إلى أهل البيتعليهم‌السلام ، نُسبب النفور عن مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام . والحال أنَّهمعليهم‌السلام خاطبونا، أنْ نتدارس فكرهم ونستنير ببصائرهم، ونتحمَّل هذا الفكر بخَلقِنا مِن أنفسنا نماذج أُمثوليَّة؛ لنجذب الناس بدل أنْ نبعدهم عن مذهب أهل البيتعليهم‌السلام .

٦٣

فالمفروض في موسم عاشوراء أنْ نعيش حالة مثاليَّة روحيَّة فائقة جِدَّاً، بجانب تعايشنا حالة الحُزن والبُكاء ومُدارسة المدرسة الحسينيَّة، لكنَّنا لابُدَّ أنْ نتشدَّد في الجهات الأخلاقيَّة أيضاً؛ لكي يكون انجذاب الآخرين إلى المرسم الحسيني وإلى المهرجان الحسيني كبير، ولا يكون رُعاة ضيوف الاستقبال مُنفرين، وإنْ شاء الله هذا هو المأمول مِن الجميع، أنْ نُجسِّم أخلاقيَّات كربلاء، وأخلاقيَّات سيِّد الشهداء، الذي يتشدَّد في الصغيرة والكبيرة مِن المبادئ. هذا مسلم بن عقيل، وهذا أبو الفضل العباس، وهذا عليُّ الأكبر، نماذج قِمَم روحيَّة في الأخلاق في كلِّ خُطواتهم، وحتَّى في حالة اضطراب الوضع العسكري والروحي والنفسي، لا يفقدون الأخلاقيَّات.

٦٤

لاحظ شدَّة المِحنة، وشِدَّة الزلزال والبُركان، عندما كان مسلم بن عقيل مُهدَّداً في نفسه وفي مسيرة سيِّد الشهداء، لكنَّه لم يتناسَ المبدأ، فـ(الإسلام قيّد الفتك) (١) ! ولم يُبرِّر لنفسه بأنَّه: الآن في بُركان، وفي هذه الحالة يدوس على المبادئ! هذا يحتاج إلى تنمية عظيمة؛ لكي نكون كنموذج سفير الحسينعليه‌السلام ، سفير هذه المدرسة. آتني بدُعاة إصلاحيِّين كهكذا نماذج، يعيش الزلزال ولا يفقد توازنه ومبادئه وأخلاقيَّاته! والنماذج كثيرة في كربلاء؛ ليُخاطبوا الوجدان البشري، فأنتم أيُّها الإصلاحيُّون إذا فُتنتم بالإصلاح والتغيير، لا تفقدوا الأخلاقيَّات، لا تفقدوا الشعارات ولا تفقدوا المبادئ.

____________________

١ - مقتل الحسينعليه‌السلام ص ٣٣.

٦٥

إذا أردنا أنْ نلبس السواد - إنْ شاء الله نُوصل ركبنا بركب سيِّد الشهداء - يجب حين ذاك أنْ نعيش هذه الأخلاقيَّات في ظِلِّ هذا الجوِّ؛ لكي نكون دُعاةً للمدرسة الحسينيَّة، بدل أنْ نكون مُعوِّقين.

ولا نجسد هكذا أخلاق سيِّد الشهداء، ولا ندعو بسلوكنا القاصر إلى نهج سيِّد الشهداء، ومجيئنا إلى المراسم الدينيَّة الحسينيَّة لإقامتها وإقامة العزاء لجذب الناس، لا لتنفيرهم وتعكير صفو صورة سيِّد الشهداء؛ فيجب على ذلك أنْ نكون بقدر المسؤوليَّة.

وصلَّى الله على محمد وآله الطيِّبين الطاهرين..

٦٦

القسم الثاني: أسئلة و أجوبة الأسئلة بعد الندوة العلميَّة:

تميُّز حركة سيِّد الشهداء:

السؤال:

تميَّز الإمام الحسينعليه‌السلام عن غيره مِن الأئمَّة، بأنَّ حركته ارتبطت بمواجهة مُباشرة مع السُّلطات الحاكمة، فهل هي حالة استثنائيَّة؟ أم هو ظرف تاريخيٌّ خاصٌّ فرِض على الإمام الحسين (سلام الله عليه) القيام بهذا العمل؟

٦٧

الجواب:

في الواقع، مواجهة إصلاح السُّلطة في النظام الاجتماعي، لم يكن حالة استثنائية عند الأئمَّةعليهم‌السلام ، ولا مِن قَبلهم عند جَدِّهم سيِّد الأنبياء، بلْ هي حالة ديمومية؛ لأنَّ الدين هو الذي يأتي لإدارة وتدبير البشر في ظِلِّ نظامهم الاجتماعي المعيشي، وتلاؤمه مع مسيرهم في العوالم الأُخرى، فالإنسان ذو أبعاد مُختلفة، والإنسان ذو طبقات مُختلفة، فقيادة النظام الاجتماعي دنياً وعوالم أُخرى، بدناً وروحاً، هو الهَمُّ والغَمُّ الذي حُمّل على عاتق النبيّ وأهل بيتهعليهم‌السلام ؛ وبالتالي فإنَّ مواجهة السُّلطة بأشكال وأساليب مُختلفة، وإصلاح سُلطة البشر، هو هَمُّ الأنبياء، والمحور الأصلي في مسيرة النبي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

نعم، الأُسلوب الخاصُّ، والشكل الخاصُّ الذي قام به سيِّد الشهداء هو بنحو مُتميِّز، عمَّا قام به بقيَّة الأئمَّةعليهم‌السلام .

٦٨

الخنوع أو المواجهة عند المدارس الإسلاميَّة الأُخرى:

السؤال:

كيف يوازن بين المنهجين المطروحين عند أهل السُّنَّة، بين الخنوع والذِّلِّ بين يدي السلطان، والمواجهة المسلحة ضِدَّ الحاكم؟

٦٩

الجواب:

هذه الموازنة المعقَّدة هي التي قام أهل البيتعليهم‌السلام وبالذات سيِّد الشهداء، في ظلِّ جدليَّة تتجاذب مع المجتمع والإنسان وعقله وفكره، أنْ لا يُفرِّط في المكاسب، وأنْ لا يُهادن في المفاسد، وكيف يُحافظ و يوازن بين دفع المفاسد والإبقاء والادِّخار للمكاسب، هذا هو الأُسلوب المتميِّز لسيِّد الشهداء، أنَّه حاول ألاَّ يقرَّ الفساد والخطأ والوضع العَفن، في حين لم يُفرِّط بالمنجزات الصحيحة في الواقع السائد، فلا إفراط ولا تفريط.

يرى البعض - على ضوء ذلك - أنَّ سيِّد الشهداء تصرَّف بأُسلوب ساخن، وأنَّ الإمام الحسن تصرَّف بأُسلوب بارد، وفي الواقع، إنَّ أسلوب سيِّد الشهداء وأُسلوب الإمام الحسنعليهما‌السلام ، يجتمعان وأسلوب أبيهما سيِّد الأوصياء وجَدِّهما سيِّد الأنبياء.. كان أُسلوب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في مَكَّة لثلاث عشرة سنة أُسلوب الهُدنة، وكذلك في المدينة، فهناك فرق بين نهج النبي والوصي والسبطين وبين نهج الخلفاء في الفتوحات - طبعاً هذا شيء مُختلف - أو نهج السُّلطة الأُمويَّة أو السلطة العباسيَّة.

٧٠

نهج الأربعة أصحاب الكساء نهج مُتميِّز خاصٌّ، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت له دعوات للأُمم في الدخول والانطواء تحت دين الله (عَزَّ وجَلَّ)، فهم بطوعانيَّة انجذابهم إلى النموذج الإسلامي يدخلون، أمَّا حرب مؤتة أو غيرها، فكلُّها حروب وقائيَّة؛ لأنَّ المشركين أرادوا أنْ يباغتوا المسلمين والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومِن ثمَّ أعدَّ لهم الجيش في تبوك أو في مَكَّة أو غيرهم، وكذلك انظر إلى الخلفية التاريخيَّة لبدر وأُحد والأحزاب وحُنين.. وغيرها، التي رُصدت في حروب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو بمنطق العرف القانوني كحروب وقائيَّة، وكذلك الحال في سيِّد الشهداء، في حين تميَّز منهجه بالدم، وتميَّز بالتضحية، مِن دون أنْ يُبادر بهدر دم الطرف الآخر، وإنَّما يُضحِّي بدمه وكلِّ مُقدراته (سلام الله عليه)، في مُقابل عدم الرضوخ للوضع الفاسد.

٧١

راية ضلال:

السؤال:

كيف نفهم هذه الرواية فهماً صحيحاً:(كلُّ راية تخرج قبل قيام الإمام المهدي عليه‌السلام فهي راية ضلال) ؟(١) .

____________________

١ - الكافي ج ٨ ص ٢٩٥، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢، غيبة النعماني ص ١١١، البحار ج٥٢ ص١٤٢.

٧٢

الجواب:

هذه الرواية هي ضمن مجموعة روايات عديدة، ومفادها في قراءتي الخاصَّة، لا يعني الدعوة إلى الخمول والجمود، أو عدم مُحاولة تغيير المنكر الاجتماعي أو السياسي.. وغيره، إنَّما مصبُّ هذه الرواية ومثيلها مِن الروايات، أمران:

الأمر الأوَّل: أيُّ قيادة في الطائفة الشيعيَّة، تُريد أنْ تقوم بهيكل سياسيٍّ أو شرعيٍّ، لا يُمكن أنْ تتسنَّم كلَّ صلاحيَّات الإمام المعصوم، نعم تقوم بإقامة الحكومة، كما ذكر ذلك الفُقهاء الأقدمون، وإدارة المجتمع الشيعي والطائفة والدولة الشيعيَّة، أو الدولة الإسلاميَّة، لكنَّ صلاحيَّتها في الدولة ليست كصلاحيَّات الإمام المعصوم، في التشريع وفي التنفيذ وفي القضاء.. وبعبارة أُخرى كالصلاحيَّات المفتوحة للمعصوم. المعصوم هو مصدر الشرعيَّة، وليس ذلك للفُقهاء، إنَّما هم حُفَّاظ على ما هو فوقهم مِن تراث أهل البيت، هذا أمرٌ تُريد أنْ تُثيره الروايات؛ كي لا يُختطَّ في الحركات التغييريَّة الشيعيَّة أنْ تخرج عن نهج الأئمَّة الاثني عشر، فتُصبح زيديَّة أو تُصبح إسماعيليَّة أو ما شابه ذلك، هذا مطمح ترومه وتُشير إليه الروايات.

٧٣

لذلك يفهمنا أبناء المذاهب الإسلاميَّة الأُخرى بشكل خاطئ، فيظنُّون أنَّ الفُقهاء عندما شيَّدوا نظام الجمهوريَّة الإسلاميَّة، قد تخلُّوا عن شرطيَّة العصمة، هذا خطأ في قراءة مسار الشيعة، فالإمامة والعصمة لا يُمكن رفع اليد عنها، نعم نقول: إنَّ النظام البشري لا يُمكن أنْ يقوده إلاَّ معصوم، فالذي يُدير البشريَّة بشكل خفيٍّ الآن هو المهدي (عجَّل الله فرجه) مع شبكته الخفيَّة، لا مع مجموعات الدجل والاحتيال، التي تدَّعي السفارة، مهزلة استعماريَّة إنكليزيَّة معروفة، كلامنا في ما هو واقع الأبدال والأوتاد والنُّقباء وعِبْرهم هو (سلام الله عليه) يُدير البشريَّة والنظام البشري.

وهناك مِن الآيات القرآنيَّة الصريحة في ذلك، أنَّ وظيفة المعصوم، كعلي بن أبي طالب، والذي يُقال: بقعوده خمساً وعشرين سنة في البيت، هي مقولة خاطئة! بلْ هو يُدير البشريَّة. إبراهيم لم يتسلَّم في العلن سلطة رسميَّة، لكنَّه في الخفاء، بيده أزمَّة إدارة أنظمة البشريَّة - بشكل سريٍّ -، كما هو موجود الآن، كما أنَّ القوى التي تُدير البشريَّة حالياً قوى خفيَّة أكثر مِن كونها قوى علنيَّة رسميَّة.

٧٤

المقصود: إنَّنا في رؤيتنا الشيعيَّة لا نتخلَّى - أبداً - عن المعصوم الذي تُحفَظ به البشريَّة، و ما الفُقهاء إلاَّ وكلاء ونوَّاب ورؤساء مُحافظات له، والمحور الأصلي هو المعصوم. فقراءة المذاهب الإسلاميَّة الأُخرى لمسار الشيعة، مثلاً تجربة إيران كجمهوريَّة إسلاميَّة، قراءتهم لها خاطئة، فلا يعني تشييد النظام الإسلامي أنَّنا تخلَّينا عن العصمة، بلْ على العكس، إنَّا نحن في ظِلِّ العصمة. هذه نكتة مُهمَّة؛ ولذلك - ولله الحمد - شيعة إيران تحت ظِلِّ الفقهاء، لم يُصبحوا فرقة شيعيَّة جديدة، مثل الزيديَّة أو الوافقة وغيرهم؛ لأنَّهم يلتفتون إلى معنى قيادة الفقهاء تحت ظلِّ العصمة، ومِن ثمَّ يستمرُّون على النهج الاثني عشري.

٧٥

الأمر الثاني: نُكتة أُخرى إعجازيَّة، تُشير لها هذه الروايات - وتختلف قراءتي لهذه الروايات عن قراءة جماعات عديدة مِن الفقهاء -، قراءة أُخرى ألمسها في هذه الروايات تُريد أنْ تُشيد بنُكتة مُعيَّنة وهو ضمان التسديد والنجاح في الأُسلوب التوعوي و الإرشادي التثقيفي العملي والتربوي الإصلاحي، وأنَّكم في التأثير على المدِّ الاجتماعي والتغيير الاجتماعي، ليس مِن الضروري أنْ تكشفوا أوراقكم على العَلن. فمِن باب المثال - الذي يضرب مِن جِهة ولا يُقاس به مِن كلِّ جِهة - الصهيونيَّة هدَّ الله أركانها ليست قوَّتها على البشريَّة الآن في إسرائيل، مع أنَّ صندوق النقد الدولي بيدها، والمصرف الدولي بيدها، والشركات النفطيَّة العملاقة بيدها، وشركات الأسلحة بيدها، وشركات وكالات الإعلام الضخمة التي تُهيمن على كلِّ الفضائيَّات بيدها، فأيُّ قطَّاع عامٍّ بشريٍّ رأسماليٍّ مُسيطر هو بيدها، وهم لم يصلوا إليها أبداً عِبر دولة رسميَّة، إنَّما عِبر العمل تحت السطح.

٧٦

هذه الروايات تُريد أنْ تُشير إلى هذا المطلب: أنَّ العمل - وليس الجمود و الخمول - إنَّما العمل تحت السطح يضمن الأمان في نجاح العمل، نعم قد تأتي ظروف استثنائيَّة شبيهة بنهج الحسينعليه‌السلام ، ولابُدَّ حينها أنْ يكون العمل فوق السطح، مِثل انتصار الثورة الإسلاميَّة في إيران، لكنْ كبرنامج عامٍّ، العمل تحت السطح مضمون السلامة ومضمون النجاح؛ لأنَّ الخفاء يفقد العدو الاستهداف أو العلم بالخفايا والنوايا وأهداف البرامج. وهذه قراءة أُخرى أيضاً لهذه الروايات.

٧٧

التشابه بين منهج الزيديَّة ومنهج الخوارج:

السؤال:

ذكرتم أنَّ هناك تشابُهاً بين ثورة زيد بن علي وبين الخوارج، أرجو توضيح التشابه بينهما.

الجواب:

نفس شخص زيد بن علي له شأن خاصٌّ، وأمر مَن يُحيط بزيد بن علي أو استمرَّ على نهجه هو أمر آخر، يجب أنْ نُفكِّك الأوراق والحساب، فقد وصف الإمام الرضاعليه‌السلام زيداً الشهيد بأنَّه كان عالماً مِن علماء آل محمد، ولكنَّ مَن كان يُحيط بزيد، أو مَن خَلَف زيد بن عليٍّ في هذا المسار، نعم يوجد هناك أوجه اشتراك بينهم وبين الخوارج.

٧٨

ففي حين تصحيح جملة مِن خطوات زيد بن علي ونهجه والإنجازات التي صنعها، تنشأ بعض المؤاخذات مِن المعصومين حول رشادة البرنامج الذي قام به زيد، فلو استرشد بالمعصومين أكثر، لرُبَّما أُهِّلَ لنجاح أكبر - وعلى أيِّ حال - مُحاسبة نفس زيد وخطواته وإيجابيَّة نهجه، يختلف عن مُحاسبة مَن يُحيط به، أو عن مَن خلفه في هذا النهج.

فالكلام - إذاً - في مَن خلفه، أيْ نهج المذهب الزيدي بعبارة أُخرى، فجهات الاشتراك بينهم وبين الخوارج هي:

٧٩

١ - أنَّ التغيير لابُدَّ أنْ يكون بابتداء الأُسلوب الساخن المفرط، هذا أمر مُشترك - تقريباً - بين النهج الزيدي ونهج الخوارج، أنَّه إذا استتمَّت الشرائط، فالأُسلوب الساخن هو الذي يبتدئ ويتمُّ اعتماده، والأُسلوب الساخن إذا ابتدأ رُبَّما يُفرَّط في الكثير مِن المقدَّرات الصحيحة، أو الحُرمات الصحيحة، أو الإنجازات الاجتماعيَّة الصحيحة، هذه جِهة اشتراك موجودة بين النهج الزيدي ونهج الخوارج.

٢ - جهة اشتراك أُخرى بين المذهب الزيدي ومذهب الخوارج، هو في عدم الحساسيَّة اللازمة الشديدة حول الشرعيَّة، كما هو الحال في الخوارج، بينما نرى تحسُّسهم حول السلطة السياسيَّة فقط، فلا تحسُّس حول مصدر التشريع، ومِن المفروض أنَّ الشرعيَّة في مصدر التشريع لها حسَّاسيَّة بالغة، وأنَّهم مِن أين يستقون شرعهم؟ كما أنَّ الأمر كذلك بالنسبة لأفراد بعض الحركات الإسلاميَّة: مِن أين يستقون أوامرهم وفقههم السياسي، التنظيمي، العسكري؟ فليس كلُّ مَن تزيَّى بالشكل الإسلامي المتنسِّك هو مصدر لشرعيَّة!

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

النوابغ امثال الملك كورش وداريوش والاسكندر المقدوني ، فكما لا تفسير لاعمال لو نسبوها الى الله تعالى والاوامر السماوية الا ما مضى فكذا لا تفسير لاعمال الانبياء الا ما ذكروه.

نحن لا نريد هنا البحث عما يتعلق بما وراء الطبيعة ، كما لا نريد ان نقول لهؤلاء الباحثين : ان لكل علم ان يبحث فيما يدخل في اطاره من مسائله الخاصة ، ولا يحق للعلوم المادية التي تختص بشؤون المادة وخواص آثارها ان تبحث عما يتعلق بما وراء الطبيعة نفيا او اثباتا.

لا نريد هذا ، ولكننا نقول : ان التفسير المذكور للوحي والنبوة يجب أن يعرض على الآيات القرآنية التي هي سند نبوة النبي الكريم ، لنرى هل يلتقيان معا أم لا يلتقيان؟

القرآن الكريم صريح في عكس التفسير السابق للوحي والنبوة ولا يلتقي معه في شيء من آياته. ولا بأس ان نقارن هنا مقاطع ذلك التفسير الموهوم مع ما جاء في القرآن ، فنقول :

١ ـ كلام الله تعالى :

يقول التفسير السابق : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يسمي افكاره الطاهرة التي كانت تنقدح في ذهنه بـ « كلام الله ».

١٠١

ومعنى هذا التفسير ان تلك الافكار كبقية افكار النبي كانت نتيجة لما تدور في خلده ، ولكنها لما كانت طاهرة ومقدسة نسبت الى الله تعالى ، فيه منسوبة الى النبي بالنسبة الطبيعية ومنسوبة الى الله بالنسبة التشريفية.

ولكن القرآن الكريم يصرح في آيات التحدي بنفي كونه من كلام النبي او اي انسان اخر ، فيقول :( ام يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ) (١) .

ويقول :( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ) (٢) .

ويقول :( قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) (٣) .

ويقول :( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا

ــــــــــــــــــ

(١) سورة يونس : ٣٨.

(٢) سورة هود : ١٣.

(٣) سورة الاسراء : ٨٨.

١٠٢

بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين ) (١) .

ويقول :( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً ) (٢) .

من الواضح البديهي ان هذه التصريحات لا تناسب كون القرآن من كلام الرسول وقد نسب الى الله تشريفا ، بل تثبت قطعا انه من كلام الله تعالى لا غير.

وبالاضافة الى هذا يسرد القرآن في مئات من اياته ما ظهر من المعاجز وخوارق العادة على يد الانبياءعليهم‌السلام اثبتوا بواسطتها نبوتهم واستدلوا بها على رسالتهم. فلو كانت النبوة ذلك النداء الوجداني والوحي تلك الافكار الطاهرة ـ كما يقول التفسير المذكور ـ لما احتاج القرآن الى اقامة الحجة تأكيدها على نبوة الانبياء بسرد قصص المعاجز والكرامات.

وقد اوّل بعض الكتاب هذه المعاجز الصريحة بشكل مضحك ، الا ان كل واحد من القراء عندما يراجع ما قالوه في تأويلاتهم يرى ان مدلول الآيات القرآنية لا يتفق مع ما ذهبوا اليه من الآراء الخاطئة.

لا نريد في هذا البحث اثبات امكان تحقق المعجزة

ــــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : ٢٣.

(٢) سورة النساء : ٨٢.

١٠٣

وخوارق العادة ، او التأكيد على صحة القصص القرآنية. بل نحاول القول بأن القرآن اثبت صريحا للانبياء السابقين كصالح وابراهيم وموسى وعيسىعليهم‌السلام معاجز خاصة ، ولا يمكن حمل هذه القصص الا على خوارق للعادة. ولا نحتاج ـ كما قلنا ـ الى المعاجز في اثبات النداء الوجداني والفكر الطاهر.

٢ ـ جبرائيل والروح الامين :

يسمى التفسير السابق روح الرسول الطاهرة التي كان دأبها طلب الخير والاصلاح الاجتماعي بـ « الروح الامين » ، ويسمى ما تلقيه الروح الزكية في روعه المبارك بـ « الوحي ».

ولكن القرآن الكريم لا يؤيد ما ذهب اليه هؤلاء ، لانه يصرح بأن وسيط الوحي يسمى بـ « جبرائيل » ، وعلى التفسير المذكور لا موجب لهذه التسمية بتاتاً. يقول تعالى :( قل من كان عدواً لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله ) (١) .

نزلت هذه الآية في اليهود الذين سألوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله عمن يأتيه بالوحي ، فأجابهم انه جبرائيل الملك ، قالوا : ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لاتبعناك(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة البقرة : ٩٧.

(٢) الدر المنثور ١ / ٩٠ ، ونور الثقلين ١ / ٨٧ ـ ٨٩ ، وغيرهما.

١٠٤

يرد الله تعالى في هذه الآية على اليهود ، ويؤكد بأن جبرائيل انما جاء بالوحي باذن منه عز شأنه ، فيثبت بأن القرآن من كلام الله تعالى وليس من كلام جبرائيل.

وواضح بأن اليهود كانوا اعداءاً لملك سماوي كان يأتي بالوحي من السماء ، وكان ذلك الملك غير موسى بن عمران ومحمد بن عبد الله صلى الله عليهما ، كما انه لم يكن روحيهما الطاهرة.

والقرآن نفسه الذي صرح في الآية المذكورة ان وسيط الوحي هو جبرائيل ، صرح في آية اخرى انه الروح الامين فقال :( نزل به الروح الامين على قلبك ) (١) .

ويقول تعالى في موضع اخر بصدد التعريف بوسيط الوحي :( انه لقول رسول كريم *ذي قوة عند ذي العرش مكين *مطاع ثم امين *وما صاحبكم بمجنون *ولقد رآه بالافق المبين ) (٢) .

وهذه الآيات تدل دلالة واضحة على ان جبرائيل من الملائكة المقربين عند الله تعالى ، وهو ذو قوة عظيمة ومنزلة رفيعة وهو المطاع الامين.

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الشعراء : ١٩٣.

(٢) سورة التكوير : ١٩ ـ ٢٣.

١٠٥

ويصف الملائكة المقربين في موضع آخر بقوله :( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ) (١) .

تدل الآية على ان الملائكة موجودات لهم ارادتهم ومداركهم واستقلالهم ، لان الاوصاف المذكورة فيها ـ كالايمان بالله والتسبيح له واستغفار للمؤمنين ـ لا تتوفر الا فيمن يتم له الاستقلال الكامل والمدارك التامة والارادة الخاصة.

ويقول تعالى في الملائكة المقربين ايضا :( لن يستنكف المسيح ان يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم اليه جميعاً ) الى ان يقول :( واما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً اليماً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً ) (٢) .

ان المسيح والملائكة المقربين لا يعصون الله طرفة عين ، ولكن مع ذلك هددهم تعالى بالعذاب الاليم لو تلبسوا بالمعصية ، والتهديد من عذاب يوم القيامة المتفرع على ترك نوع من التكليف لا يصح الا بالاستقلال واردة.

ويتضح من الآيات المذكورة ان الروح الامين ـ الذي

ــــــــــــــــــ

(١) سورة المؤمن : ٧.

(٢) سورة النساء : ١٧٣.

١٠٦

يسمى جبرائيل ايضا وهو الذي يأتي بالوحي الالهي ـ له استقلاله وارادته ومداركه ، بل يستفاد من خلال آيات سورة التكوير « مطاع ثم امين » انه يأمر وينهي في الملأ الاعلى وتطيعه الملائكة المقربون ، بل نرى في بعض الاحيان ان الوحي ربما يأتي على يد ملائكة يأتمرون بأوامره ، كما تشير الى ذلك الآيات الواردة في سورة عبس( كلا انها تذكرة *فمن شاء ذكره *في صحف مكرمة *مرفوعة مطهرة *بأيدي سفرة *كرام بررة ) (١) .

٣ ـ الملائكة والشياطين :

يؤكد التفسير السابق ان « الملائكة » اسم للقوى الطبيعية الداعية الى الخير والسعادة ، « والشياطين » اسم للقوى الطبيعية الداعية الى الشر والشقاء.

ولكن المستفاد من القرآن الكريم خلافه ، فانه يعتبر الملائكة والشياطين مخلوقات لا تدرك بالحواس الظاهرية الا ان لها وجودا خارجيا وهي ذات اداراك واردة مستقلة.

اما الملائكة فقد نرى التصريح في الآيات الماضية بأنها موجودات مستقلة مؤمنة تصدر منها اعمال تحتاج الى الارادة والادراك ، وفي القرآن كثير من امثال هذه الآيات لا يسع البحث سردها كلها

ــــــــــــــــــ

(١) سورة عبس : ١١ ـ ١٦.

١٠٧

واما الشياطين فقصة ابليس وعدم سجوده لادمعليه‌السلام والمحاورات التي جرت بينه وبين الله تعالى مذكورة في عدة مواضع من القرآن ، فقد قال بعد ان اخرج من صفوف الملائكة( لاغوينهم اجمعين *الا عبادك منهم المخلصين ) ، فقال تعالى له :( لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم اجمعين ) (١) .

وغير خفي ان الجزاء والعقاب لا يصح الا للمريد الذي يدرك الحسن والقبح ، ومعنى هذا ان الشياطين لها كامل الادراك والارادة.

وفي آية اخرى نرى ان الله تعالى وصف ابليس بالظن الذي هو من مصاديق الادراك ، فقال :( ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين ) (٢) .

ويصرح في آية اخرى بأن ابليس يدفع اللوم عن نفسه ، وهذا لا يكون الا ممن يدرك ، وله الارادة التامة ، فيقول تعالى :( وقال الشيطان لما قضي الامر ان الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ) (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) سورة ص : ٨٣ ـ ٨٥.

(٢) سورة سبأ : ٢٠.

(٣) سورة ابراهيم : ٢٢.

١٠٨

ان هذه الآيات الكريمة وآيات اخرى بمضمونها تثبت للشيطان صفات لاتتم الا مع الادراك والاستقلال في الارادة ، وهي لا تتفق مع القوى الطبيعية التي لا تتوفر فيها هذه الصفات البتة.

الجن :

وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم حول الجن اكثر مما ورد حول الملائكة والشياطين ، ففي آية يصف الله تعالى فيها اولئك الذين لم يستمعوا الى دعوة آبائهم وامهاتهم ونسبوا الدين الى الاساطير يقول :( اولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم كانوا خاسرين ) (١) .

ويقول تعالى في موضع اخر :( واذ صرفنا اليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين *قالوا يا قومنا انا سمعنا كتاباً انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم *يا قومنا اجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم *ومن لا يجب داعي الله

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الاحقاف : ١٨.

١٠٩

فليس بمعجز في الارض وليس له من دونه اولياء اولئك في ضلال مبين ) (١) .

تدل هذه القصة على ان الجن كالانس لهم وجود مستقل وارادة وتكليف ونجد ايضا في الآيات التي تصف احوال القيامة ما يدل على ما نستفيده من هذه الآيات الكريمة.

٤ ـ صرخة الضمير :

يستفاد من التفسير المذكور سابقا ان النبوة والرسالة هي صرخة الضمير للاصلاح الاجتماعي العام الشامل ، والسعي في رفع المساوىء الاجتماعية وابدالها بما يضمن للمجتمع السعادة والرفاه.

ولكن المستفاد من القرآن الكريم خلاف هذا المعنى ، فانه يقول :( ونفس وما سواها *فألهما فجورها وتقواها ) (٢) .

ومعنى هذا ان كل انسان يعرف اعماله الحسنة والسيئة بما اوتي من صفاء الضمير فيدرك به صرخة الوجدان الاصلاحية ، الا ان هناك من يهتم بهذه الصرخة فيصبح من السعداء ومن لا يعتني بها فيعود من الاشقياء ، كما قال تعالى :

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الاحقاف : ٢٩ ـ ٣٢.

(٢) سورة الشمس : ٧ ـ ٨.

١١٠

( قد افلح من زكاها *وقد خاب من دساها ) (١) .

فلو كانت النبوة والرسالة اثراً من تلك الصرخة لكانت عامة في الناس مودعة في كل الضمائر ، وكان جميع الناس انبياء رسلاً ، مع العلم انا نجد ان الله تعالى يختص بعض عباده بهما فيقول :( واذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل الله الله اعلم حيث يجعل رسالته ) (٢) .

تدل الآية الكريمة على ان الكفار كانوا يشترطون لايمانهم عمومية الرسالة ليكون لهم حصة منها ، فيرد عز شأنه عليهم مثبتاً ان الرسالة خاصة بفئة مختارة.

٥ ـ حول التفسير الثاني :

لقد كررنا القول اننا لا نحاول في هذه البحوث المختصرة اثبات ان الدين الإسلامي حق ودعاوى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله صدق ، بل نريد ان نذكر ان تفسير اولئك الباحثين الوحي والنبوة والرسالة بما فسروه به خاطىء لا يطابق ما جاء في القرآن العظيم ، فنقول بصدد التفسير الثاني :

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الشمس : ٩ ـ ١٠.

(٢) سورة الانعام : ١٢٤.

١١١

يحاول التفسير الثاني ان يفسر الاصول الاعتقادية التي اتى بها الرسول بأنها مجموعة من العقائد الخرافية التي القيت على الناس بشكل دين سماوي ، ذلك لان الناس كانوا في جهل وامية ولو تتوفر فيهم الثقافة والعلم فلم يمكن اصلاحهم الا من هذا الطريق. كانت هذه التعاليم الخرافية من صالح الناس ، وكان من الضروري ان يلقى عليهم بهذا اللون العقائدي الذي يحفه الخوف من الله ورجاء الجزاء في العالم الاخر ووجود الجنة والنار والحساب والكتاب ، ولولا هذا اللون المزيج بالخرافة لما امكن اصلاحهم بما ينجيهم من واقعهم الاليم.

نقول : اننا لا نعلم الشيء الكثير عن حياة الانبياء الماضينعليهم‌السلام ، الا ان حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مدروسة بصورة واضحة جلية ، ويتبين من خلالها للمراجع الدقيق انه عليه الصلاة والسلام كان شديد الايمان بدعوته وكان يطمئن الى صحتها كامل الاطمئنان. فلو كانت العقائد الإسلامية خرافية ـ كما يزعمون ـ لم يكن هناك حاجة الى مثل هذه الادلة الكثيرة التي يقيمها القرآن الكريم عليها ، كأدلة اثبات الصانع وتوحيده تعالى وبقية الصفات الالهية وسائر العقائد العائدة الى موضوع النبوة والمعاد وغيرهما.

٦ ـ ماذا يقول القرآن في الوحي والنبوة :

ملخص ما نستفيده من الآيات الكريمة انها تعتبر القرآن

١١٢

كتاباً سماوياً ألقي الى الرسول من طريق الوحي ، والوحي هو كلام سماوي ( غير مادي ) ليس للحواس الظاهرية والعقل ان تصل اليه ، بل ربما يوجد في بعض من يختاره الله تعالى ما يدرك بواسطة قوى ربانية الاوامر الالهية والدستور الغيبي ( غير المحسوس بالعقل والحواس الاخرى ) ، وهذه الحالة هي من حالات النبوة وبها يتلقى النبي الشريعة الالهية.

ولزيادة توضيح هذا الموضوع يجب ان ندرس النقاط التالية :

أ ـ الهداية العامة وهداية الإنسان :

لقد ذكرنا في مباحث سابقة بصورة موسعة ان لكل موجود في هذا الكون ـ من الاحياء والجمادات وغيرهما ـ هدفاً يتوجه الى تحقيقه منذ اول خلقته ، وقد اودع فيه ما يناسب تحقيق هدفه من الالات والمعدات ، ولا بد ان يجتهد حتى يصل الى ذلك الهدف ويناله ، قال تعالى :( ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) (١) وقال :( الذي خلق فسوى *والذي قدر فهدى ) (٢) .

وقد ذكرنا ايضاً ان هذا القانون الكلي ( قانون الهداية

ــــــــــــــــــ

(١) سورة طه : ٥٠.

(٢) سورة الاعلى : ٢ ـ ٣.

١١٣

العامة ) يشمل الإنسان كما يشمل غيره ، فله في حياته هدفه الخاص الذي يسعى الى تحقيقه ضمن الاطار العام ، وقد اودع فيه ما يمكّنه من الوصول اليه والحصول عليه ، ونجاحه في مسيرته الطويلة في اطار هذا القانون هو الوصول الى الكمال والسعادة ، كما ان اخفاقه في هذه المسيرة هو الانزلاق في مهوى الشقاء الابدي. وخلقته والاسرار المودعة فيه هي التي تدله على طريق الوصول الى ذلك الهدف السامي ، قال تعالى :( انا خلقنا الإنسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيراً *انا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفوراً ) (١) .

وقال عز من قائل :( من نطفة خلقه فقدره *ثم السبيل يسره ) (٢) .

ب ـ ميزة الإنسان في قطع مسالك الحياة :

تمتاز الحيوانات على غيرها من سائر الموجودات ان اعمالها علمية تصدر عن فهم وادراك ، والإنسان مع انه يشارك الحيوانات في هذه الناحية يمتاز عنها بما اوتي من العقل فان الاعمال التي ينجزها تنبع من العقل ، وهو يميز الخير من

ــــــــــــــــــ

(١) سورة الدهر : ٢ ـ ٣.

(٢) سورة عبس : ١٩ ـ ٢٠.

١١٤