الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة20%

الإنسان والعقيدة مؤلف:
الناشر: باقيات
تصنيف: المعاد
الصفحات: 292

الإنسان والعقيدة
  • البداية
  • السابق
  • 292 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 57929 / تحميل: 7500
الحجم الحجم الحجم
الإنسان والعقيدة

الإنسان والعقيدة

مؤلف:
الناشر: باقيات
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

استعانة بالخارج عنه ، ويتمّم ويستكمل هذه الجهات بأفعال وانفعالات ذاتية طبيعيّة بجذب ودفع ، ويديم بها أمره حتّى ينتهي إلى البطلان ، ونظامه طبيعي غير متوسّط غيره في جريانه وإذا رجعت إلى الإنسان ، وجدت هذا النظام الطبيعي منه محفوفاً بمعانٍ ليس لها وجود في الخارج ، وهميّة باطلة ، لا يحسّ الإنسان إلاّ بها ، ولا يماسّ الأُمور الطبيعيّة إلاّ من وراء حجابها ، فالإنسان لا يريد ولا يروم في دائرة حياته إلاّ إيّاها ، ولا ينسج إلاّ بمنوالها ، لكنّ الواقع من الأمر حين ما يقع هو الأُمور الحقيقيّة الخارجيّة .

هذا حال الإنسان في نشأة المادة والطبيعة ، من التعلّق التامّ بمعانٍ وهميّة سرابيّة ، هي المتوسّطة بين ذاته الخالية عن الكمالات وبين الكمالات الطارئة اللاحقة بذاته .

الفصل الثاني : حياة الإنسان ظرف نفسه

قال الله سبحانه :( الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (١) ، فأخبر سبحانه أنّه بعد إتمام ذات كلّ شيء ، هداه إلى كماله المختصّ به هداية يتفرّع على ذاته ، وهو اقتضاؤه الذاتي لكمالاته وإيّاه يفصل سبحانه بقوله :( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) (٢) .

فهو سبحانه بعد خلق الشيء وتسويته قدَّر هناك تقديراً ، وذلك بتفصيل خصوصيّات وجوده ، كما قال :( وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ) (٣) ، واتّبع هذا التقدير والتفصيل بهدايته إلى الخصوصيات التي قدّرها له ، وذلك بإفاضة الاقتضاء الذاتي منه لجميع ما يلزمه في وجوده ، ويتمّ به ذاته من كمالاته ، وهذا هو النظام الحقيقي الذي في كلّ واحد ، وفي المجموع من الموجودات ، ومنها الإنسان الذي هو أحدها .

ثمّ ذكر سبحانه الإنسان ، فقال :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ

ـــــــــــــ

(١) سورة طه : الآية ٥٠ .

(١) سورة الأعلى : الآيتان ٢ و٣ .

(١) سورة الإسراء : الآية ١٢ .

٤١

أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) (١) ، فأخبر أنّه بعد تماميّة خلقه مردود إلى أسفل سافلين ، واسثتنى المؤمنين الصالحين ، حيث إنّه عقَّب بقوله :( فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) .

والأجر بظاهره غير متحقّق في الدنيا بعد ؛ يدلّ على انقطاع الاستثناء ، وأنّهم مرفوعون بعد الردّ ، وقد قال سبحانه : ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (٢) ، وقال سبحانه :( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) (٣) ، وقال سبحانه :( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ) (٤) ، وقال سبحانه : ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) (٥) .

فحكم الردّ شامل لنوع الإنسان ، لا يشذّ عنه شاذّ منهم ، وقد قال سبحانه أيضاً :( اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) (٦) ، وعقبه تفسيراً بقوله :( فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ) (٧) ، وقال :( إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ) (٨) ؛

ـــــــــــــ

(١) سورة التين : الآيات ٤ ـ ٦ .

(٢) سورة فاطر : الآية ١٠ .

(٣) سورة مريم : الآيتان ٧١ و ٧٢ .

(٤) سورة المجادلة : الآية ١١ .

(٥) سورة الأعراف : الآية ١٧٦ .

(٦) سورة البقرة : الآية ٣٦ .

(٧) سورة الأعراف : الآية ٢٥ .

(٨) سورة غافر : الآية ٣٩ .

٤٢

فبيّن أنّ الذي ردّ إليه الإنسان هو الحياة الدنيا ، وهو أسفل السافلين ، ثمّ وصف الحياة الدنيا فقال سبحانه :( إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) (١) .

واللعب هو الفعل الذي لا غاية له إلاّ الخيال ، واللهو هو ما يشغلك بنفسه عن غيره ، فأشار إلى أنّ هذه الحياة ، وهي تعلّق النفس بالبدن وتوسيطه إيّاه في طريق كمالاته ، شاغلة له بنفسه عن غيره ؛ وذلك لأنّ ذلك يوجب أن تتوهّم الروح أنّها عين البدن لا غير ، وحينئذٍ ينقطع عن غير عالم الأجسام ، وينسى جميع ما كان عليه من الجمال والجلال والبهاء ، والسناء والنور ، والحبور والسرور ، قبل نشأة البدن المادية ، ولا يتذكّر ما خلفه من مقامات القرب ومراتب الزلفى والرفقة للطاهرين ، وفضاء الأُنس والقدس ، فيتقلّب في أمد حياته للَّعب ، لا يستقبل شيئاً ،ولا يواجهه شيءٌ من محبوب أو محذور ، إلاّ لغاية خياليّة وأمنية وهميّة ، إذا بلغها لم يجد شيئاً موجوداً قال سبحانه : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ) (٢) .

والعمل ما يعمله الإنسان من شيء ، وقال سبحانه :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (٣) ، فبيّن أنّ أعمالهم وغاياتهم منها ، كالسراب بالقاع يقصده الضمآن ، فلمّا بلغه لم يجد ما قصده ، ووجد ما لم يقصده ، وينكشف حينها أنّ ما قصده كان غير مقصوده( وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ) (٤) .

وهو الذي يشير إليه سبحانه بقوله : ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ

ـــــــــــــ

(١) سورة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الآية ٣٦ .

(٢) سورة الفرقان : الآية ٢٣ .

(٣) سورة النور : الآية ٣٩ .

(٤) سورة يوسف : الآية ٢١ .

٤٣

أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ) (١) ؛ فإنّ الزينة هي الشيء الجميل المحبوب بنفسه وبذاته ، يصحبه شيء آخر ، ليكسب منه الحسن ، أي يقع في القلب مع وقوع الزينة ، فيجلب الرغبة فتكون هي المقصودة ، والمتزيّن بها هو الواقع ، فجعل ما على الأرض زينة لها ليقصدها القاصدون ويبلغوا الأرض بقصدهم ، وهي غير مقصودة ، وقال سبحانه : ( أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً ) (٢) الآية .

فبيّن أنّها مؤلّفة من أمور خيالية تحتها أمور حقيقية ، فالإنسان بعد كمال خلقته يبدأ بتكميل جهات الحياة الدنيا بتحصيل مقصد بعد آخر ، وهو يريد تكميل ما يظنّه كمالاً من اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر ، وليست إلاّ أُموراً وهميّة فإذا تمّمها وكمّلها ، بدا له بطلانها وفنائها عند موته ، ووداعه للحياة الدنيا .

ومن الممكن أن يكون قوله سبحانه في ذيل الآية :( وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) (٣) الآية ، معطوفاً على قوله في صدر الآية : ( لَعِبٌ ) إلخ ، فيكون خبراً بعد خبر ، لقوله :( إِنَّمَا الحَيَاةُ ) إلخ ؛ ويؤيّد ذلك ـ بعض التأييد ـ الآية التالية لهذه الآية(٤) .

ـــــــــــــ

(١) سورة الكهف : الآيتان ٧ و ٨ .

(٢) سورة الحديد : ٢٠ .

(٣) سورة الحديد : الآية ٢٠ .

(٤) وقد نقل عن شيخنا البهائي (رضوان الله عليه) في معنى الآية : أنّ هذه الأمور مترتّبة بحسب مدارج عمر الإنسان ، فهو يشتغل أوّلاً باللعب ، وذلك في أوان الصبا ، ثمّ باللهو ، وهو في أوان البلوغ ، ثمّ بالزينة ، وهو عند كمال الشباب ، ثمّ بالتفاخر ، وهو عند منتصف العمر ، ثمّ بالتكاثر في الأموال والأولاد ، وهو في أوان الشيخوخة ، فهي مقسومة على مدارج عُمر الإنسان) (منه قدس سره) .

٤٤

فتبيّن بذلك أنّ الحياة الدنيا بجهاتها المقصودة ، من اللعب واللهو والزينة وغير ذلك ، أمر موهوم ، وسراب خيالي ، وهي بعينها في الحقيقة وباطن الأمر عذاب ومغفرة ورضوان ؛ يظهر ذلك بظهور أنّ جهات الحياة الدنيويّة كانت باطلة موهومة كالحطام للنبات ، وهو قوله سبحانه :( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) (١) .

فالآيتان كما ترى في الموت ، وما ينفصل الإنسان عن حياته الدنيا ، فيقول سبحانه فيها : إنّ الإنسان سيقبل راجعاً إليه سبحانه فرداً كما خُلق أوّل مرّة ، ويترك الأعضاء والقوى والأسباب التي كان يعتقدها لنفسه أركاناً يعتمد عليها ، وأعْضَاداً يتقوّى بها ، وأسباباً يتوصّل بها ويطمئنّ إليها ، وسيتقطع ما بين الإنسان وبينها ، أي الروابط التي كان الإنسان يسكن إليها ويباهي بها من اعتباراته الوهمية ، وحينئذٍ ذاك ضلال الكلّ ، وزوال الجميع ، وفقدانه ومشاهدته عياناً أنّه كان مغروراً بذلك كلّه ، وقد قال سبحانه :( فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) (٢) ، وقال سبحانه :( إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ) (٣) ، وقال سبحانه :( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) .

والمتاع ما يتمتّع وينتفع به لغيره في الحياة الدنيا ، إنّما يتوصّل به لغرور الإنسان

ـــــــــــــ

(١) سورة الأنعام : الآيتان ٩٣ و ٩٤ .

(٢) سورة لقمان : الآية ٣٣ .

(٣) سورة غافر : الآية ٣٩ .

(٤) سورة آل عمران : الآية ١٨٥ .

٤٥

بها ليلهو بها عن غيرها ، وهي كماله الأقصى في مبدئه ومعاده ، وقال سبحانه :( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ) (١) .

والأخبار في المعاني السابقة كثيرة جدّاً ، نقتصر منها بجملة من كلام أمير المؤمنين عليعليه‌السلام قالعليه‌السلام في بعض خطبه على ما في النهج :(عباد الله ، إنّ الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين) ، إلى أن قال :(فمَن شغل نفسه بغير نفسه تحيّر في الظلمات ، وارتبك في الهلكات ، ومدّت به شياطينه في طغيانه ، وزيّنت له سيِّئ أعماله فالجنّة غاية السابقين ، والنار غاية المفرّطين) ، إلى أن قال :(وكأنّ الصيحة قد أتتكم ، والساعة قد غشيتكم ، وبرزتم لفصل القضاء قد زاحت عنكم الأباطيل ، واضمحلَّت عنكم العلل ، واستحقّت بكم الحقائق ، وصدرت بكم الأمور مصادرها فاتّعظوا بالعبر ، واعتبروا بالغير ، وانتفعوا بالنذر) (٢) .

وقوله عليه السلام :( فمن شغل ) إشارة إلى قوله تعالى :( عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) (٣) ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٤) ، وقوله :( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ

ـــــــــــــ

(١) سورة يونس : الآية ٢٤ .

(٢) نهج البلاغة : ٢٢١ ، الخطبة ١٥٧ ، يحثّ النّاس فيها على التقوى .

(٣) سورة المائدة : الآية ١٠٥ .

(٤) سورة الأنعام : الآية ٣٩ .

٤٦

لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) (١) .

فالإنسان لا حياة له في غير ظرف نفسه ، ولا معاش له دون وعاء وجوده فإذا نسي نفسه ووقع في غيرها ، وقع في الضلال البحت والبوار ، وبطلت أعمال قواه ، فلا يعمل منه سمع ولا لسان ولا بصر ، فهو في الظلمات ليس بخارج منها ، وصار كلّ ما قصده سراباً ، وكلّ ما صنعه بائراً هالكاً فإذا برز إلى اليوم الحقّ ، برز صفر اليد خفيف العمل ، وقد زاحت عنه أباطيله ، واستحقّت حقائقه ، والله وليّ الأمر كلّه .

والكلام ذو شجون ، وإيثار الاختصار مانع عن الإطناب والتعرّض بأزيد من التلويح والإشارة ، على ما هو الدأب في هذه الرسالة وأخواتها من الرسائل السابقة ، فالحقّ سبحانه خيرُ دليل ، وهو الهادي إلى سواء السبيل(٢) .

الإنسان بعد الدُّنيا

العلاّمة السيد محمد حسين الطباطبائي (طاب ثراه)

تحقيق : الشيخ صباح الرُّبيعي

مكتبة فدك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أوليائه المقرّبين ، سيّما محمّد وآله الطاهرين .

ـــــــــــــ

(١) سورة الزخرف : الآيتان ٣٦ و ٣٧ .

(٢) وقد ذكر المؤلّفقدس‌سره وقت الفراغ من كتابه هذه الرسالة ، قائلاً : (تمّت والحمد لله ، والصلاة على محمّد وآله ، رابع الربيع الأوّل من سنة واحد وستّين وثلثمئة وألف هجريّة قمريّة على هاجرها التحيّة ، ووقعت الكتابة في قرية شادآباد من أعمال بلدة تبريز) .

٤٧

هذه" رسالة في المعاد " نشرح فيها ـ بعون الله سبحانه ـ حال الإنسان بعد حياته الدنيا ، على ما يقوم عليه البرهان ، ويستخرج من الكتاب ، وتكشف عنه السُّنَّة غير أنّا آثرنا فيها الاختصار والاقتصار على كلّيات المعاني ، فإنّ المسلك الذي نستعمله من تفسير الآية بالآية ، والرواية بالرواية ، بعيد الغور ، منيع الحريم ، وسيع المنطقة ، لا يتيسّر استيفاء الحظّ منه في رسالة واحدة ، يقاس فيها النظير بالنظير ، والشبيه بالشبيه ، والأطراف بالنسب ، ويؤخذ بها الجار بالجار ، وستقف إن شاء الله العزيز على صحّة قولنا هذا .

ومن الإنصاف أن نعترف أنّ سلفنا ، من المفسّرين وشرّاح الأخبار ، أهملوا هذا المسلك في استنباط المعاني واستخراج المقاصد ، فلم يورثونا فيه ولا يسيراً من خطير ، فالهاجم إلى هذه الأهداف والغايات ، على صعوبة منالها ودقّة مسلكها ، كساع إلى الهيجاء بغير سلاح والله المستعان .

الفصل الأوّل : في الموت والأجل

قال الله سبحانه :( مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ) (١) ، فبيّن أنّ كلّ موجود من السماء والأرض وما بينهما وجوده محدود بأجل ، سمّاه سبحانه ، أي قدره وعيَّنه ، لا يتعدّى وجودٌ عن أجله كما قال سبحانه : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ) (٢) ، وقال سبحانه : ( مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ) (٣) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .

وأَجَلُ الشيء ، هو : الوقت الذي ينتهي إليه فيستقرّ فيه ، ومنه أجَل الدين وتسميته .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأحقاف : الآية ٣ ، والآية ـ كما ترى ـ مثل نظائرها ، ساكتة عن ضرب الأجل لِمَا وراء السموات والأرض وما بينهما ممّا هو خارج عنها ، وليس في كلامه سبحانه ما يدلّ على ابتداء خلق هذا النوع إلاّ على فنائه وزواله ، بل ربّما يستفاد العكس من قوله : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (سورة الحجر : الآية ٢١) ، وقوله :( مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ ) (سورة النحل : الآية ٩٦) ، بل نفس الآية ـ أعني قوله : ( مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ ... ) الآية ـ دالة على أنّ الحقّ والأجل المسمّى خارجان عن هذا الحكم ، وهما الواسطتان (منه قدس سره).

(٢) سورة الأعراف : الآية ٣٤ .

(٣) سورة المؤمنون : الآية ٤٣ .

٤٨

وبالجملة : هو الظرف الذي ينتهي إليه الشيء ؛ ولذلك عبّر عنه باليوم في قوله سبحانه :( قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ ) (١) .

ثمّ إنّه قال سبحانه :( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ) (٢) ، فأخبر بأنّ الأجل المسمّى عنده ، وقد قال سبحانه :( مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ ) (٣) ، فأخبر بأنّ ما هو موجود عنده حاضر لديه ، لا يتطرّقه النفاد ، ولا يلحقه تغيّر ، ولا يعرضه كون ولا فساد فلا يعتوره الزمان وطوارق الحدثان ، فالأجل المسمّى ظرف محفوظ ، ثابت يثبت فيه مظروفه من غير تغيّر ولا نفاد .

وقال سبحانه :( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ) (٤) ، فأخبر سبحانه بالأجل الذي لزينة الأرض ، وأنّه يتحقّق بالأمر الإلهي ، وكذلك الحياة الدنيا ، فهناك أمر إلهي يتحقَّق به الأجل الدنيوي فالأجل أجلان ، أو أجل واحد ذو وجهين : أجل زماني دنيوي ، وأمر إلهي ، كما يومي إليه قوله سبحانه :( ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ) (٥) .

فالأجل المسمّى من عالم الأمر ، وهو عنده سبحانه ، فلا حاجب هناك أصلاً ،

ـــــــــــــ

(١) سورة سبأ : الآية ٣٠ .

(٢) سورة الأنعام : الآية ٢ .

(٣) سورة النحل : الآية ٩٦ .

(٤) سورة الأنعام : الآية ٢ .

٤٩

كما يفيد لفظ (عند) و(إيّاه) يفيد قوله سبحانه :( مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ) (١) ؛ ولذلك أيضاً عبّر عنه بالرجوع إلى الله ، والمصير إليه في آيات كثيرة .

ثمّ إنّ هذا الرجوع ، وهو الخروج عن نشأة الدنيا والورود في نشأة أُخرى ، هو الموت الذي وصفه سبحانه ، لا ما يتراءى لظاهر أعيننا من بطلان الحسّ والحركة وزوال الحياة ، وبالجملة فناء الشيء قال سبحانه :( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) (٢) فوصفه بالحقّ فلا يكوننّ باطلاً وعدماً .

وقال سبحانه :( كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ ) (٣) ، إلى أن قال :( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) (٤) فيوم الموت يوم الرجوع إلى الله والسوق إليه .

ويدلّ على ما مرّ ما رواه الصدوق وغيره عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(وما خُلقتم للفناء ، بل خُلقتم للبقاء ، وإنّما تنتقلون من دار إلى دار) (٥) .

وفي العلل عن الصادقعليه‌السلام ـ في حديث :(فهكذا الإنسان خُلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة فإذا جمع الله بينهما ، صارت حياته في الأرض ؛ لأنّه نزل من شأن السماء إلى الدنيا فإذا فرّق الله بينهما ، صارت تلك الفِرقة الموت ، ترد شأن الأُخرى إلى السماء فالحياة في الأرض والموت في السماء ؛ وذلك أنّه يفرّق بين الروح والجسد ،

ـــــــــــــ

(١) سورة العنكبوت : الآية ٥ .

(٢) سورة ق : الآية ١٩ .

(٣) سورة القيامة : الآية ٢٦.

(٤) سورة القيامة : الآيتان ٢٩ و ٣٠ .

(٥) بحار الأنوار : ٦ / ٢٤٩ ، كتاب العدل والمعاد ، الباب ٨ ، الحديث ٨٧ .

٥٠

فردّت الروح والنور إلى القدس الأُولى ، وترك الجسد لأنّه من شأن الدنيا) (١) ـ الحديث .

وفي (المعاني) عن الحسن بن عليّ ، قال : دخل عليّ بن محمّد على مريض من أصحابه وهو يبكي ويَجْرَجُ من الموت ، فقال له :(يا عبد الله ، تخاف من الموت لأنّك لا تعرفه ، أرأيتك إذا اتّسخت وتقذّرت وتأذّيت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب ، وعلمت أنّ الغسل في حمام يزيل ذلك كلّه أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك ، أو تكره أن تدخل فيبقى ذلك عليك ؟) ، قال : بلى يا بن رسول الله ، قالعليه‌السلام :(فذلك الموت هو ذلك الحمّام ، وهو آخر ما يبقى عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيّئاتك فإذا أنت وردت عليه وجاورته ، فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذى ، ووصلت إلى كلّ سرور وفرح) فسكن ذلك الرجل ونشط واستسلم وغمّض عين نفسه ومضى لسبيله(٢) .

وفي (المعاني) عن الجوادعليه‌السلام ، عن آبائه ، في حديث ، قال : وقال علي بن الحسين (عليهما‌السلام ) :(لمّا اشتدّ الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، نظر إليه مَن كان معه فإذا هو بخلافهم ؛ لأنّه كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم ، وارتعدت فرائصهم ، ووجلت قلوبهم ، وكان الحسين عليه‌السلام وبعض مَن معه من خصائصه ، تشرق ألوانهم ، وتهدأ جوارحهم ، وتسكن نفوسهم .

فقال بعضهم لبعض : انظروا لا يبالي بالموت .

فقال لهم الحسينعليه‌السلام : صبراً بني الكرم ، فما الموت إلاّ قنطرة يُعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة ، فأيُّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر ؟! وما هو لأعدائكم إلاّ كمَن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب .

إنّ أبي حدّثي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الدنيا سجنُ المؤمن وجنّة الكافر ، والموت جسر هؤلاء إلى

ـــــــــــــ

(١) علل الشرائع : ١ / ١٣٢ ، الباب ٩٦ ، الحديث ٥ ، وقد وردت كلمة (القدرة) بدل (القدس) .

(٢) معاني الأخبار : ٢٩٠ ، باب معنى الموت ، الحديث ٩ .

٥١

جنانهم ، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم ، ما كذب ولا كُذّبت) (١) .

وقال محمّد بن عليّعليهما‌السلام : (قيل لعليّ بن الحسينعليهما‌السلام : ما الموت ؟ قال :للمؤمن : كنزع ثياب وسخة قَمِلَة ، وفكّ قيود وأغلال ثقيلة ، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح ، وأوطئ المراكب ، وآنس المنازل ، وللكافر : كخلع ثياب فاخرة ، والنقل من منازل أنيسة ، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها ، أوحش المنازل ، وأعظم العذاب) (٢) .

وقيل لمحمّد بن عليعليهما‌السلام : ما الموت ؟ قال :(هو النوم الذي يأتيكم كلّ ليلة ، إلاّ أنّه طويل مدّته ، لا يُنتبه منه إلاّ يوم القيامة فمَن رأى في نومه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره ، ومن أصناف الأهوال ما لا يقادر قدره ، فكيف حال فرح في النوم ووجل فيه ، هذا هو الموت فاستعدّوا له) (٣) .

أقول : عدّعليه‌السلام الموت من نوع النوم مستفادٌ من قوله سبحانه :( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى ) (٤) ؛ حيث عدّ الأمرين جميعاً توفّياً ، ثمّ عبّر بالإمساك دون القبض .

وكذلك عدّهعليه‌السلام الموت ـ كما في سائر الأحاديث ـ وصفاً للروح ، وأنّه يترك به الجسد ويمضي لسبيله، هو المستفاد من قوله سبحانه :( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) .

حيث نسب التوفّي ـ وهو أخذ الحقّ من المطلوب بتمامه ـ إلى الأنفس ، كما نسبه

ـــــــــــــ

(١) معاني الأخبار : ٢٨٨ ، باب معنى الموت ، الحديث ٣ .

(٢) المصدر المتقدّم : ٢٨٩ ، الحديث ٤ .

(٣) المصدر المتقدّم : الحديث ٥ .

(٤) سورة الزُّمر : الآية ٤٢ .

٥٢

في قوله تعالى :( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم ) (١) إلى لفظ (كم) ، وهو الأمر الذي يعبّر عنه الإنسان (بأنّا) ، وقد شرحناه في رسالة الإنسان قبل الدنيا(٢) .

وبالجملة ، فالوارد في النشأة الأُخرى من الإنسان ، نفسه وروحه ، وعليه يدلّ قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ) (٣) .

والكدح هو السعي إلى الشيء ، والإنسان كادح إلى ربّه لأنّه لم يزل سائراً إلى الله سبحانه منذ خلَقه وقدره ؛ ولذلك عبّر عن إقامته في هذه الدار باللبث في آيات كثيرة ، قال سبحانه : ( قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ) (٤) .

ثم إنّه سبحانه قال :( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) فنسب التوفّي إلى نفسه .

وقال سبحانه : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (٥) فنسبه إلى مَلك الموت .

وقال سبحانه :( حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ) (٦) فنسبه إلى الملائكة الرُّسل ، ومرجع الجميع واحد ؛ لِمَا عرفت في محلّه أنّ الأفعال كلّها لله ، وهي مع ذلك ذات مراتب ، تقوم بكلّ مرتبة من مراتبها طائفة من الموجودات على حسب مراتبها في الوجود .

والأخبار أيضاً شاهدة بذلك ، ففي (التوحيد) عن الصادقعليه‌السلام ، قال :(قيل لمَلك الموت : كيف تقبض الأرواح وبعضها في المغرب وبعضها في المشرق ، في ساعةٍ واحدة ؟ فقال : أدعوها فتجيبني) .

ـــــــــــــ

(١) سورة الأنعام : الآية ٦٠ .

(٢) راجع الصفحة : ٢٥ .

(٣) سورة الانشقاق : الآية ٦ .

(٤) سورة المؤمنون : الآية ١١٢ .

(٥) سورة السجدة : الآية ١١ .

(٦) سورة الأنعام : الآية ٦١ .

٥٣

قال :(وقال مَلك الموت : إنّ الدنيا بين يديّ كالقصعة بين يدي أحدكم يتناول منها ما شاء ، والدنيا عندي كالدرهم في كفِّ أحدكم يقلّبه كيف شاء) (١) .

وفي (الفقيه) عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن قول الله عزّ وجلّ : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ، وعن قول الله :( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) ، وعن قول الله :( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ) (٢) ،( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ ) (٣) ، وعن قول الله :( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ) (٤) ، وعن قول الله :( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ ) (٥) ، وقد يموت في الساعة الواحدة في جميع الآفاق ما لا يحصيه إلاّ الله عزّ وجلّ فكيف هذا ؟

فقال :(إنّ الله تبارك وتعالى جعل لمَلك الموت أعواناً من الملائكة يقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة ، له أعوان من الإنس يبعثهم في حوائجهم ، فتوفّاهم الملائكة ويتوفّاهم مَلك الموت مع ما يقبض هو ، ويتوفّاه الله عزّ وجلّ من مَلك الموت) (٦) .

وفي (التوحيد) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام مثله ، وزاد في آخره :(وليس كلّ العلْم يستطيع صاحب العلْم أن يفسّره لكلّ النّاس ؛ لأنّ منهم القويّ والضعيفِ ؛ ولأنّ منه ما يطاق حمله ومنه لا يطاق حمله ، إلاّ مَن يُسهّل الله له حمله ، وأعانه عليه من خاصّة أوليائه وإنّما يكفيك أنْ تعلم أنّ الله المحيي المميت ، وأنّه يتوفّى الأنفس على يدي

ـــــــــــــ

(١) لم نعثر عليه في التوحيد ، راجع : مَن لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٠ ، باب ٢٣ غسل الميّت ، الحديث ١٢ .

(٢) سورة النحل : الآية ٢٨ .

(٣) سورة النحل : الآية ٣٢ .

(٤) سورة الأنعام : الآية ٦١ .

(٥) سورة الأنفال : الآية ٥٠ .

(٦) مَن لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٢ ، الباب ٢٣ غسل الميّت ، الحديث ٢٦ .

٥٤

مَن يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم) (١) ـ الحديث .

أقول : قولهعليه‌السلام :(وغيرهم) ظاهره أنّه سبحانه ربّما توفّاها على يدي غير الملائكة من خلقه ، فهو معنى غريب ، ويمكن أن يراد به بعض المقرّبين من الأولياء العالين درجة من الملائكة ، المتمكّنين في مقام الأسماء كالقابض والمميت ، ويمكن أن يراد به ما يتوفّاه سبحانه بنفسه من غير توسّط الملائكة ، وإن كان مرجع المَعْنَيين واحداً .

فقد روى في (الكافي) عن الباقرعليه‌السلام : كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول :(إنّه يسخى نفسي في ساعة الموت والقتل فينا قول الله : ( أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) (٢) ، وهو ذهاب العلماء) (٣) .

والظاهر ـ على ما ذكره بعض العلماء ـ أنّهعليه‌السلام أخذ الأطراف ( جمع طرف ، بتسكين الراء ) بمعنى العلماء والأشراف ، كما ذكره في (الغريبين) (٤) .

وبالجملة ، فكما أنّ حال الأنفس في القرب من الله سبحانه على مراتب حقيقيّة ، كذلك حال المتوفّى :

فمن نفسٍ يتوفّاها الله بنفسه تعالى ، لا تحسّ ولا تشعر بغيره سبحانه .

ومن نفسٍ يتوفّاها مَلك الموت ، لا تشعر بمَن دونه ، كما يشير إليه الصادقعليه‌السلام بقوله ـ في الرواية السابقة ـ :(مع ما يقبض هو) .

ومن نفسٍ تتوفّاها الملائكة عَمَلة مَلك الموت .

والمأخوذ (المتوفى) على كلّ حال هو النفس دون البدن كما مرِّ ، وهو سبحانه أقرب إلى النفس من نفسه وملائكته من عالم الأمر وبأمره يعملون ، والنفس أيضاً من هناك .

ولا حجاب في الأمر بشيء من الأزمنة والأمكنة ، فالتوفّي من باطن

ـــــــــــــ

(١) التوحيد : ٢٦٢ ، الباب ٣٦ ، الحديث ٥ .

(٢) سورة الرعد : الآية ٤١ .

(٣) الكافي : ١ / ٥٦ ، كتاب فضل العلم ، الباب ٧ ، الحديث ٦ ، وفيه : (فينا) بدل (فيها)).

(٤) تفسير الصافي : ٣ / ٧٦ .

٥٥

النفس وداخلها ، دون الخارج عنها وعن البدن ، وقد قال سبحانه :( إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ) (١) ، وقال سبحانه :( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ ) (٢) .

ثمّ إذا كانت النفس المتوفّاة ، وهي الإنسان ، حقيقة لا تبطل بالموت ، وقد سكنت في الدنيا وسكن إليها ، وعاش في دار الغرور واستأنست بها ، فأوّل ما ينكشف له حين الموت بطلان ما فيها ، وانمحاء الرسوم التي عليها ، وتبدّل الأعمال والغايات التي فيها بالسراب ، بتقطّع ظواهر الأسباب قال سبحانه : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) (٣) .

فالإنسان إنّما يختلط في هذه الدار الدنيا بقسمين من موجوداتها وشؤونها :

أحدهما : ما يزعم أنّه يملكه من زينة الحياة الدنيا وزخرفها ، ويستعين به في آماله وأمانيه ، وأغراضه وغاياته .

والثاني : ما يرتبط به ممّا يزعمه شفيعاً ، لا يتمكّن من بلوغ المآرب إلاّ بشراكته وتأثيره ، من أزواج وأولاد وأقارب وأصدقاء ومعارف من أُولي القوّة والبأس .

فأشار سبحانه إلى بطلانهما بالجملة بقوله :( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى ) الآية ، وإلى زوال القسم الأوّل بقوله : ( وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ ) الآية ، وإلى زوال القسم الثاني بقوله :( وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ ) الآية ؛ وإلى سبب البطلان بقوله : ( لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ) الآية ، وإلى نتيجته بقوله :( وَضَلَّ عَنكُم ) الآية .

ـــــــــــــ

(١) سورة سبأ : الآية ٥١ .

(٢) سورة الواقعة : الآيات ٨٣ ـ ٨٥ .

(٣) سورة الأنعام : الآيتان ٩٣ ـ ٩٤ .

٥٦

وبالجملة ، فيبقى ما في الدنيا في الدنيا ، وتشرع من حين الموت حياة أُخرى للإنسان فاقدة لجميع ما في الدنيا ؛ ولذلك سمّي الموت بالقيامة الصغرى ، فعن أمير المؤمنينعليه‌السلام :(مَن مات فقد قامت قيامته) (١) .

ثمَّ إنّ النفس إذا فارقت الجسد ، فقدت صفة الاختيار والتقوى على كلا طرفي الفعل والترك ، وحينئذٍ يرتفع موضوع التكليف ، قال سبحانه :( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ) (٢) .

وعند ذلك يقع الإنسان في أحد الطريقين : السعادة والشقاوة ، ويُحتَّم له إمّا السعادة أو الشقاء ، فيتلقّى إمّا بشرى السعادة ، أو وعيد الشقاوة ، قال سبحانه :( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) (٣) الآية ، وقال سبحانه : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (٤) ، وقال سبحانه :( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) (٥) .

ـــــــــــــ

(١) بحار الأنوار : ٧٠/٦٧ .

(٢) سورة الأنعام : الآية ١٥٨ .

(٣) سورة الأنعام : الآية ٩٣ .

(٤) سورة النحل : الآية ٣٢ .

(٥) سورة فصّلت : الآية ٣٠ .

٥٧

وقوله :( كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) مشعرٌ بكون البشارة بعد الدنيا ، وهي الآخرة ، ومن المعلوم أنّ البشارة بالشيء قبل حلوله ، فالبشرى بالجنّة قبل دخولها ، وهي إنّما تكون بأمر قطعي الوقوع ، فلا تتحقّق في الدنيا حتّى الموت ؛ لبقاء الاختيار ، وإمكان انتقال الإنسان من أحد سبيلي السعادة والشقاوة إلى الآخر .

ومن هنا ما ترى أنّه سبحانه في قوله : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) (١) حيث أثبت في حقّ المؤمنين أنّهم مأمونون من الخوف والحزن ، وأنّ لهم البشرى في الحياة الدنيا ، أثبت قبل ذلك الولاية في حقّهم ، وهي أن يكون سبحانه هو الذي يلي أُمورهم ، من غير دخالة اختيارهم وآنية أنفسهم في التدبير ، وعند ذلك تصحّ البشرى ؛ لعدم إمكان شقاء في حقّهم ما ولي أمرهم الحقّ سبحانه ؛ ولذلك غيّر السياق في وصف تقواهم ، فقال :( وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ... ) .

وكان حقّ ظاهر السياق أن يقول : (آمنوا واتّقوا) إشارة إلى أنّ إيمانهم هذا مكتسب بالتقوى بعد إيمان سابق عليه ، وهذا صفاء الإيمان من شائبة الشرك المعنوي بالاعتماد على غيره سبحانه ، فهو في مساق قوله سبحانه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ) (٢) .

وهذا هو الذي امتنّ سبحانه به فسمّاه (نعمة) ، فقال :( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٣) ، فأرجعوا الأمر إليه سبحانه ، وسلبوا تدبير أنفسهم واختيارها ، فقال سبحانه :

ـــــــــــــ

(١) سورة يونس : الآيات ٦٢ ـ ٦٤ .

(٢) سورة الحديد : الآية ٢٨ .

(٣) سورة آل عمران : الآية ١٧٣ .

٥٨

( فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ) (١) .

فنفى مسّ السوء عنهم بنعمةٍ أفاضها عليهم ، وليست إلاّ الولاية بتولّيه سبحانه أُمورهم ، ودفعه السوء عنهم بتدبيره ، وكفايته لهم ، ووكالته عنهم ومثله قوله تعالى :( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً ) (٢) فسمّى ذلك نعمة .

ثمَّ ذكر سبحانه أنّه سيلحق المطيعين بأوليائه المنعّمين بهذه النعمة ، فقال سبحانه : ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً ) (٣) ، فإنّ المطيع من حيث إرادته لا إرادة له غير إرادة المطاع ، فالمطاع هو القائم مقام نفس المطيع في إرادتها وأفعالها ، فالمطاع وليّه وكلّ مَن كان لا نفس له إلاّ نفس المطاع ، فهو أيضاً وليّ للمطيع ؛ إذ ليس هناك إلاّ المطاع ، ولذلك قرّر سبحانه بعض أوليائه المقرّبين وليّاً لآخرين ، قال سبحانه : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٤) .

والآية منزّلة في أمير المؤمنينعليه‌السلام وليس المراد بالولاية في الآية هو المحبّة قطعاً ؛ لمكان ( إِنَّمَا ) ، وكون المورد مورد بيان الواقع ؛ لمكان قوله سبحانه :( وَلِيُّكُمُ اللّهُ ) ، بخلاف قوله :(وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (٥) ، قوله تعالى :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ) (٦) .

وبالجملة ، فعند ذلك يتّضح وجه إلحاقه سبحانه المطيعين بأوليائهم ؛ فهو سبحانه وليّ الجميع ، وبعضهم ـ وهم الأقربون إليه ـ أولياء لبعض آخر ممّن دونهم ، وجميعهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، يُبشَّرون بالجنّة والرفقة الصالحة عند الموت .

ـــــــــــــ

(١) سورة آل عمران : الآية ١٧٤ .

(٢) سورة إبراهيم : الآيتان ٢٧ و ٢٨ .

(٣) سورة النساء : الآية ٦٩ .

(٤) سورة المائدة : الآية ٥٥ .

(٥) سورة المائدة : الآية ٥٦ .

(٦) سورة التوبة : الآية ٧١ .

٥٩

ويدلّ أيضاً على هذه المعاني أخبار كثيرة ، ففي (الكافي) عن سدير الصيرفي قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك يا بن رسول الله ، هل يُكره المؤمن على قبض روحه ؟ قال :(لا والله ، إذا أتاه مَلك الموت لقبض روحه ، جزع عند ذلك ، فيقول له مَلك الموت : يا وليّ الله ، لا تجزع ! فوالذي بعث محمّداً ، لأنا أبرُّ بك وأشفق عليك من والد رحيم ، افتح عينيك فانظر قال : ويَمثُل له رسول الله ، وأمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، والأئمة من ذرّيتهم ، فقال له : هذا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة رفقاؤك ، فقال : فيفتح عينيه فينظر ، فينادي روحه منادٍ ارجعي إلى ربك راضية بالولاية ، مرضية بالثواب ، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ، فما من شيء أحبُّ إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي) (١) .

وروى العياشي في تفسيره ، عن عبد الرحيم الأقصر ، قال أبو جعفرعليه‌السلام :(إنّما أحدكم حين يبلغ نفسه هاهنا فينزل عليه مَلك الموت ، فيقول : أمّا ما كنت ترجوه فقد أعطيته ، وأمّا ما كنت تخافه فقد أمنت منه ، ويُفتح له باب إلى منزله من الجنّة ، ويقال له : انظر إلى مسكنك في الجنّة ، وانظر إلى رسول الله وعليّ والحسن والحسين رفقائك ، وهو قول الله : ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) (٢) ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) الكافي : ٣ / ١٢٨ ، الباب ٨٣ ، الحديث ٢ .

(٢) سورة يونس : الآيتان ٦٣ و ٦٤ .

(٣) تفسير العيَّاشي : ٢ / ١٣٣ ، الحديث ٣٢ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوضوء

المعتبر (مجلد ١ صفحة ١٤٢) " الخامس: لايلزم تخليل شعر اللحية ولا الشارب ولا العنفقة ولا الاهداب كثيفا كان الشعر أو خفيفا، بل لا يستحب. وأطلق الجمهور على الاستحباب.

وقال ابن عقيل: ومتى خرجت اللحية ولم تكثر فعلى المتوضأ غسل الوجه حتى يستيقن وصول الماء إلى بشرته، لانه لم تستر مواضعها ".

تذكرة الفقهاء (مجلد ١ صفحة ١٦) " قال أبوحنيفة في الشعر المحاذي لمحل الفرض يجب مسحه.

وفي رواية أخرى عنه مسح ربعه، وهي عن أبي يوسف أيضا، وعنه ثانية سقوط الفرض عن البشرة، ولا يتعلق بالشعر وهي عن أبي حنيفة أيضا.

واعتبر أبوحنيفة ذلك بشعر الرأس فقال إن الفرض إذا تعلق بالشعر كان مسحا، وهو خطأ لقوله عليه السلام " إكشف وجهك فإن اللحية من الوجه " لرجل غطى لحيته في الصلاة، بخلاف شعر الرأس، فإن فرض البشرة تحته المسح، وهنا الفرض تحته الغسل فإذا انتقل الفرض إليه انتقل على صفته وأما إن كان الشعر خفيفا لايستر البشرة فالاقوى عندي غسل ما تحته، وإيصال الماء إليه، وبه قال ابن عقيل، وهو مذهب الشافعي، لانها بشرة ظاهرة من الوجه. وقال الشيخ لايجب تخليلها كالكثيفة، والفرق ظاهر ".

تحرير الاحكام (مجلد ١ صفحة ٩) " لايجب تخليل الاهداب، ولا الشارب، ولا العنفقة، ولا الحواجب، سواء كانت كثيفة أو خفيفة، بل يجب غسل هذه المواضع إن فقد الشعر، وإلا فإمرار الماء على ظاهر الشعر.

وقول ابن أبي عقيل متى خرجت اللحية، ولم تكثر فعلى المتوضئ غسل الوجه حتى يصل الماء إلى بشرته، غير معتمد ".

٨١

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ١٧) " مسألة: مس القبل والدبر باطنا أو ظاهرا من المحرم أو المحلل لا ينفض الوضوء، ولا يوجبه، ذهب إليه أكثر علماء‌نا كالشيخين رحمهما الله وابن أبي عقيل وأتباعهم وقال ابن الجنيد: إن من مس ماانضم عليه الثقبان نقض وضوء‌ه، ومس ظهر الفرج من الغير إذا كان بشهوة فيه الطهارة واجبة في المحلل والمحرم احتياطا، ومس باطن الفرجين من الغير ناقض للطهارة من المحلل والمحرم.

وقال أبوجعفر بن بابويه: إذا مس الرجل باطن دبره أو باطن إحليله يعيد الوضوء، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة وتوضأ وأعاد الصلاة ومن فتح إحليله إعاد الوضوء والصلاة ".

(وصفحة ٢١) " مسألة: أوجب الشيخ ابتداء غسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن، وفي غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الاصابع، فإن نكس أعاد الوضوء وجوبا ورواه ابن بابويه في كتابه وابن أبي عقيل أوجبه، وكذا ابن الجنيد، وسلار، وابن حمزة، وابن زهرة، وهو الظاهر من كلام أبي الصلاح، وعلي بن بابويه وقال السيد المرتضى إنه مستحب، وليس بواجب، فلو نكس عمدا لم يبطل وضوؤه، ولم يكن قد فعل محرما، وهو اختيار ابن إدريس والوجه الاول ".

(وصفحة ٢٢) " مسألة: لا خلاف في أنه يجب غسل الوجه واليدين مستوعبا للجميع، فلو لم يكف الكف الاول وجب الثاني، ولو لم يكفيا وجب الثالث، وهكذا. ولا يتقدر الوجوب بقدر معين. وأما إذا حصل الغسل بالكف الاول والمرة الاولى هل يستحب المرة الثانية في غسل الوجه واليدين؟ أكثر علمائنا على استحبابها كابن أبي عقيل، وابن الجنيد، والشيخين، وأتباعهم، ولم يذكره علي بن بابويه وقال ابنه أبوجعفر: الثانية لايؤجر عليها.

" ما رواه عبدالله بن بكير عن أبي عبدالله عليه السلام قال " من لم يتيقن أن واحدة من الوضوء تجزيه لم يؤجر على الثنتين مسألة: وفي الثالثة قولان، قال الشيخ وابن بابويه

٨٢

وابن إدريس وأكثر علمائنا إن الثالثة بدعة، وبه قال أبوالصلاح، قال لايجوز تثليث الغسل فإن ثلث بطل الوضوء وقال ابن الجنيد الثالثة زيادة غير محتاج إليها وقال المفيد رحمه الله الغسل مرة فريضة، وتثنيته إسباغ وفضيلة، وتثليثه تكلف، فمن زاد على ثلاث أبدع وكان مأزورا، وقال ابن أبي عقيل: السنة الاتيان بالماء على الاعضاء مرتين، الفرض من ذلك مرة لاتجزي الصلاة إلا بها والاثنتين سنة لئلا يكون قد قصر المتوضي في المرة الاولى، فتكون الاخرى تأتي على تقصيره، فإن تعدى المرتين لايؤجر على ذلك، جاء التوقيف عنهم عليهم السلام. وكلام ابن الجنيد والمفيد وابن عقيل يدل على تسويغ الثالثة، والحق ما اختاره الشيخ رحمه الله ".

(وصفحة ٢٣) " مسألة: المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس، والرجلين بإصبع واحدة، اختاره الشيخ في أكثر كتبه، وابن أبي عقيل، وابن الجنيد، وسلار، وأبو الصلاح، وابن البراج، وابن إدريس".

(وصفحة ٢٤) " مسألة: قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: لا يستقبل شعر الرأس في المسح، فإن خالف أجزأه، لانه ترك الافضل. وفي أصحابنا من قال لا يجزيه.

وقال في الخلاف لايجوز، وقال أبوجعفر بن بابويه: ولا يرد الشعر في غسل اليدين ولا في مسح الرأس والقدمين. وابن إدريس ذهب إلى أن الاستقبال مكروه.

وقال ابن أبي عقيل: كيف مسح أجزأه وإبن حمزة أوجب ترك الاستقبال، وهو الظاهر من كلام الشيخ في التهذيب.

وقال السيد المرتضى الفرض مسح مقدم الرأس دون ساير أبعاضه من غير استقبال الشعر، ولا شبهة في وجوب مسح المقدم، وأما ترك استقبال الشعر فهو عند أكثرهم واجب، ومنهم من يرى أنه مسنون.

والحق عندي ما ذهب إليه الشيخ أولا.

لنا: أنه يصدق عليه الامتثال في الامر بالمسح سواء استقبل أو استدبر. وما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام قال " لابأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا ".

٨٣

"..مسألة: الذي اخترناه في كتبنا مثل منتهى المطلب والتحرير وقواعد الاحكام والتلخيص وغيرها أنه يجوز المسح على الرجلين منكوسا، بأن يبتدئ من الكعبين إلى رؤوس الاصابع على كراهية، والاولى الابتداء من رؤوس الاصابع إلى الكعبين، وليس واجبا، وهو اختيار الشيخ في المبسوط، والنهاية، وابن أبي عقيل، وسلار، وابن البراج، وقال ابن إدريس يجب الابتداء من رؤوس الاصابع إلى الكعبين، وهو الظاهر من كلام ابن بابويه والسيد المرتضى، وإن كان في كلامهما احتمال وهو الاقوى عندي ".

" مسألة: المشهور بين علمائنا سقوط وجوب ترتيب المسح بين الرجلين، بل يجوز مسحهما دفعة واحدة بالكفين، ومسح اليمنى قبل اليسرى، وبالعكس، وقال سلار يجب مسح اليمنى قبل اليسرى، قال وفي أصحابنا من لايرى بين الرجلين ترتيبا. وقال ابن أبي عقيل عقيب ذكر ترتيب الاعضاء: وكذا إن بدأ فمسح رجله اليسرى قبل اليمنى رجع فبدأ باليمنى ثم أعاد اليسرى.

وقال ابن الجنيد لو بدأ بيساره على يمينه في اليد أو الرجل على يساره بعد يمينه، ولا يجزيه إلا ذلك.

وقال ابن بابويه يبدأ بالرجل اليمنى في المسح قبل اليسرى، وكذا قال ولده أبوجعفر. والوجه الاول.

لنا: أنه تعالى أوجب مسح الرجلين مطلقا، وهو يصدق مع الترتيب، وعدمه، فيخرج عن العهدة بأيهما كان إذ لا دلالة للكلي على الجزئي، ولان الاحاديث وردت مطلقة ".

الدروس (صفحة ٤) " درس: سنن الوضوء وضع الاناء على اليمين، والاغتراف، والتسمية، والدعاء، والسواك، والمضمضة، والاستنشاق ثلاثا ثلاثا، والدعاء فيهما، وتثنية الغسل، لا المسح فيكره، وتحرم الثالثة، وتبطل إن مسح بمائها. وإنكار ابن بابويه التثنية ضعيف، كما عف قول ابن أبي عقيل بعدم تحريم الثالثة ".

٨٤

الذكرى (صفحة ٨٣) " وفي الخلاف لايجب إيصال الماء إلى أصل شئ من شعر الوجه، مثل شعر الحاجبين والاهداب والعذار والشارب بالاجماع. وابن أبي عقيل لما ذكر حد الوجه قال: وما سوى ذلك من الصدغين والاذنين فليس من الوجه، ولم يذكر العذار، فإطلاقه قد يشمله ".

(وصفحة ٨٨) " مسائل: الاولى، الكعبان عندنا: معقد الشراك (وقبتا) القدم وعليه إجماعنا، وهو مذهب الحنفية وبعض الشافعية. وأكثر الاصحاب عبر عنهما الناتيان في وسط القدم، أو ظهر القدم، وقال المفيد: هما قبتا القدمين أمام الساقين غير مابين المفصل والمشط.وقال ابن أبي عقيل: الكعبان ظهر القدم.

و (قال) ابن الجنيد: الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق ".

(وصفحة ٨٩) " الخامسة هل يجب البدأة باليمنى من الرجلين؟ المشهور العدم لاطلاق الآية والاخبار.

وظاهر ابني بابويه وابن أبي عقيل وجوبه. وبه أفتى ابن الجنيد، وسلار، عملا بالوضوء البياني واخذ بالاحتياط. وفي كلام بعضهم يجوز مسحهما معا لا تقديم اليسرى، والعمل بالترتيب أحوط ".

(وصفحة ٩٠) " مسائل ثلاث: الاولى اختلف الاصحاب في وجوب الترتيب بين الرجلين فابن الجنيد وابن أبي عقيل للاحتياط والوضوء البياني، والاكثر لا للاصل ولقوله تعالى " وأرجلكم " مع عدم قيام مناف له كما في اليدين ". (وصفحة ٩٤) " تنبيه: المشهور تحريم الثالثة، لانها إحداث في الدين ما ليس منه، وهو معنى البدعة.

قال بعضهم: ولمنعها عن الموالاة الواجبة، وهو بناء على المتابعة، ولمرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام " الوضوء واحدة فرض، واثنتان لايؤجز، والثالثة بدعة " وقال ابن الجنيد وابن أبي عقيل بعدم التحريم لقول الصادق عليه السلام في رواية زرارة " الوضوء مثنى مثنى، من زاد لم يؤجر عليه ".

قلنا هو أعم من الدعوى مع معارضة الشهرة ".

٨٥

" المفيد جعل الزايد على الثلاث بدعة يؤزر فاعلها، وابن أبي عقيل إن تعدى المرتين لايؤجر على ذلك، وابن الجنيد الثالثة زيادة غير محتاج إليها، وبالغ أبوالصلاح فأبطل الوضوء بالثالثة وهو حسن ".

رسائل الكركي (مجلد ٣ صفحة ١٩٢) " الخفيف من الشعر ما تتراء‌ى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب، أو ما يصل الماء إلى منبته من غير مبالغة. وقد يؤثر الشعر في أحد الامرين دون الآخر بحسب السبوطة والجعودة، والكثيف يقابله في المعنيين. ثم الفرق بين الخفيف والكثيف في إيجاب تخليل الاول بحيث يصل الماء إلى منبته، هو ما ذهب إليه العلامة في المختلف والتذكرة، وعزاه في المختلف إلى ابن الجنيد والمرتضى، وعبارتهما غير مصرحة بمراده، لكن هي قبل التأمل الصادق موهمة، وفي التذكرة نسبه إلى ابن أبي عقيل ".

روض الجنان (صفحة ١٢٦) " وقال علي بن بابويه يجب مسح الوجه جميعه، استنادا إلى روايات بعضها ضعيف السند، ويمكن حملها على الاستحباب، واختار المحقق في المعتبر التخيير بين مسح جميع الوجه وبعضه، لكن لايقتصر على أقل من الجبهة من الجانبين عملا بالاخبار، ونقله عن ابن أبي عقيل.

ولابد من إدخال جزء من غير محل الفرض من باب المقدمة من جميع الجهات في جميع الاعضاء.

ويجب البدأة في مسح الجبهة بالاعلى فلو نكس بطل إما لمساواة الوضوء أو تبعا للتيمم البياني ".

مدارك الاحكام (مجلد: ١ صفحة ١٥٠) والحكم بوجوب الوضوء خاصة بالاستحاضة القليلة مذهب أكثر الاصحاب، وهو المعتمد، للاخبار الصحيحة الدالة عليه.

وقال ابن أبي عقيل " لايجب في هذه الحالة وضوء ولا غسل ".

وقال ابن الجنيد رحمه الله بإيجابها غسلا واحد في اليوم والليلة. وهما ضعيفان ".

٨٦

(وصفحة ٢١٨) وقال ابن أبي عقيل الكعبان في ظهر القدم.

وقال ابن الجنيد رحمه الله الكعب في ظهر القدم دون عظم الساق، وهو المفصل الذي قدام العرقوب ".

(وصفحة ٢٤٧) المضمضة هي إدارة الماء في الفم، والاستنشاق اجتذابه بالانف. والحكم باستحبابهما هو المعروف من المذهب، والنصوص به مستفيضة.

وقال ابن أبي عقيل " إنهما ليسا بفرض ولا سنة ". وله شواهد من الاخبار، إلا أنها مع ضعفها قابلة للتأويل، نعم روى زرارة في الصحيح، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال " المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء " ونحن نقول بموجبها، فإنهما ليسا من أفعال الوضوء وإن استحب فعلهما قبله كالسواك والتسمية ونحوهما ".

الحدائق الناضرة (مجلد: ٢ صفحة ٢٣) (الثامن) اختلف الاصحاب رضوان الله عليهم فيمن صلى ناسيا للاستنجاء، فالمشهور وجوب الاعادة وقتا وخارجا.

وعن ابن الجنيد تخصيص وجوب الاعادة بالوقت واختيار الاستحباب خارجه.

وعن الصدوق في الفقيه وجوب الاعادة في البول دون الغائط فلا يعيد، وزاد في البول إعادة الوضوء أيضا.

وعن ابن أبي عقيل ان الاولى إعادة الوضوء ولم يقيد ببول ولا غائط. وروايات المسألة مختلفة جدا.

٨٧

مندوبات الوضوء

مختلف الشيعة (جلد ١ صفحة ٢١) مسألة: المشهور عند علمائنا استحباب المضمضة والاستنشاق، وقال ابن أبي عقيل إنهما ليسا عند آل الرسول عليهم السلام بفرض ولا سنة.

لنا: أنهما من العشرة الحنفية، وما رواه الشيخ عن عبدالرحمن بن كثير، عن أبي عبدالله عليه السلام، وحكى وضوء أمير المؤمنين علي عليه السلام قال " ثم تمضمض وقال أللهم لقني حجتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك ثم استنشق وقال الدعاء ".

الذكرى (صفحة ٩٣) " قول الباقر عليه السلام في رواية زرارة " ليستا من الوضوء " يعني من واجباته وروى زرارة أيضا عنه عليه السلام " ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة، إنما عليك أن تغسل ماظهر " يحمل على نفي سنة خاصة، أي مما سنه النبي صلى الله عليه وآله حتما، فإن ذلك قد يمسى سنة لثبوته بالسنة وإن كان واجبا.

ويمكن تأويل كلام ابن أبي عقيل ليسا بفرض ولا سنة بهذا أيضا، فيرتفع الخلاف في استحبابهما "."..

مسائل: الاولى استحبابه يعم الصايم والمحرم، أما الصايم فلرواية محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام " يستأك الصايم أي النهار شاء، ولا يستاك بعود رطب " وما فيها من الدلالة على فضل السواك، وعلى كراهيته بالرطب للصايم، كما أفتى به ابن أبي عقيل والشيخ في الاستبصار ".

روض الجنان (صفحة ٤٢) " والمضمضة والاستنشاق على المشهور، وقول ابن أبي عقيل أنهما ليسا بفرض ولا سنة ضعيف، أومؤول بالسنة المحتمة، فيرادف الفرض، والجمع بينهما للتأكيد، وكثيرا ما يذكر في كتابه السنة ويريد بها الفرض ".

٨٨

الحدائق النا ضرة (مجلد ٢ صفحة ١٥٦) " (منها) المضمضة والاستنشاق على المشهور فتوى والاظهر نصا، ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه قال " إنهما ليسا عند آل الرسول عليهم السلام بفرض ولا سنة ".

والاخبار في ذلك مختلفة على وجه يعسر جمعها.

(وصفحة ١٦١) " وما نقله في المختلف عن ابن أبي عقيل هو بعينه مضمون رواية زرارة المتقدمة لان من شأنه قدس سره في كتابه بل جملة المتقدمين التعبير بمتون الاخبار، وحينئذ فيحمل كلامه على ماتحمل عليه الرواية.

(وصفحة ٢٦٤) ويظهر من العلامة في المختلف اختيار ذلك أيضا، بل نسبه فيه إلى المشهور ولم ينقل القول بالمسمى فيه أصلا، حيث قال المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس والرجلين بإصبع واحدة ثم نقله عن الشيخ في أكثر كتبه وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس، ثم نقل جملة من عبائر الاصحاب المشتملة على المسح بثلاث أصابع...

المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس والرجلين بإصبع واحدة " ثم نقله عن الشيخ في أكثر كتبه وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار وأبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس، ثم نقل جملة من عبائر الاصحاب المشتملة على المسح بثلاث أصابع. وبذلك أيضا صرح الشهيد في الدروس.

(وصفحة ٢٩٨) ولا يخفى عليك ما فيه من الصراحة في المعنى المشهور.

وجملة من عبارات الاصحاب كابن أبي عقيل والسيد المرتضى وأبي الصلاح والشيخ في أكثر كتبه وابن إدريس والمحقق قد اشتركت في وصف الكعبين بأوصاف متلازمة، من وصفه بالنتوء في ظهر القدم عند معقد الشراك في بعض. وكونه في ظهر القدم في أخرى، وكونه معقد الشراك في ثالثة. والتنوء في وسط القدم في رابعة، وكونهما في ظهر القدم عند معقد الشراك في خامسة، وأنهما معقدا الشراك في سادسة، وكونهما قبتي القدم في سابعة. والعلامة رحمه الله قد ادعى انصباب هذه العبارات على ماذهب إليه وادعى

٨٩

اشتباهها على غير المحصل، وشيخنا البهائي طاب ثراه أوضح هذه الدعوى بأن هذه العبارات لاتأبى الانطباق على ماذهب إليه العلامة من المعنى الثالث من معاني الكعب المتقدمة، لان غاية ما يتوهم منه المنافاة وصفه بالنتوء في وسط القدم، والعلامة قد فسره في التذكرة والمنتهى بذلك لكنه يقول ليس هو العظم الواقع أمام السابق بين المفصل والمشط بل هو العظم الواقع في ملتقى الساق والقدم، وهو الذي ذكره المشرحون، وهو كما تقدم نتوء في وسط ظهر القدم أعني وسطه العرضي ولكن نتوء غير ظاهر لحس البصر لارتكاز أعلاه في حفرتي الساق... جملة من عبارات الاصحاب كإبن أبي عقيل والسيد المرتضى وأبي الصلاح والشيخ في أكثر كتبه وابن إدريس والمحقق قد اشتركت في وصف الكعبين بأوصاف متلازمة، من وصفه بالنتوء في ظهر القدم عند معقد الشراك في بعض. وكونه في ظهر القدم في أخرى، وكونه معقد الشراك في ثالثة، والنتوء في وسط القدم في رابعة، وكونهما في ظهر القدم عند معقد الشراك في خامسة، وأنهما معقدا الشراك في سادسة، وكونهما قبتي القدم في سابعة.

(وصفحة ٣٤٥) (الرابع) المشهور بين الاصحاب تحريم الغسلة الثالثة، وقد صرح جملة من الاصحاب: منهم الصدوق والشيخ في الخلاف فيما تقدم من عبارتيهما بمدعاهما، ونقل عن المبسوط والنهاية أيضا.

ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل القول بعدم التحريم، لكن الذي في المختلف عن ابن أبي عقيل التعبير عن ذلك بنفي الاجر، كما هو مضمون رواية زرارة المتقدمة وقد عرفت ما في هذا اللفظ.

والشيخ المفيد رحمه الله في المقنعة أثبت التحريم فيما زاد على الثلاث وجعل الثالثة كلفة. والاظهر المشهور ".

جواهر الكلام (مجلد: ٢ صفحة ١٤٨) ولو خالف و (غسل منكوسا لم يجز على الاظهر) كما في صريح المبسوط والمعتبر والمنتهى والقواعد والتحرير والارشاد وجامع المقاصد وظاهر المقنعة والوسيلة والتنقيح، ونسبه

٩٠

في المختلف إلى سلار وابن أبي عقيل وابن الجنيد، وقال إنه رواه ابن بابويه في كتابه، وأنه ظاهر أبي الصلاح لكن ماوصل إلي من عبارة المراسم لا ظهور فيها بذلك كعبارة المهذب والكافي، وأما الغنية فصريحة في إرادة التحديد، ولعله لذا لم ينقل عنهم في كشف اللثام، فلاحظ وتأمل.

(وصفحة ١٥٥) وفي الخلاف بعد أن الاصل براء‌ة الذمة، وإيجاب التخليل يحتاج إلى دليل، وعليه اجماع الفرقة وظاهر إطلاق المصنف وغيره وما سمعت من الاخبار عدم الفرق بين الكثيفة والخفيفة كما نص عليه في المعتبر والتحرير والمنتهى والارشاد وجامع المقاصد والروضة، بل نسبه في الدروس إلى الشهرة ظاهرا منها اختياره، بل ربما نقل عن المبسوط، وقد سمعت إطلاق كلامه في الخلاف، وقيل إن خفت اللحية وجب تخليلها، واختاره في القواعد والمختلف واللمعة، كما عن ظاهر ابني الجنيد وأبي عقيل والسيد في الناصريات، والمراد بالتخفيف ما تتراء‌ى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب، ويقابله الكثيف كما يظهر من بعضهم، بل نص عليه في جامع المقاصد والروضة وغيرهما، لكن لايخفى عليك ما في هذا التفسير من الاجمال، لاختلاف المجالس وأحوال الشعر وجلوس المخاطب، فلعل إناطته بالعرف أولى من ذلك وإن كان هو لبيانه.

(وصفحة ١٦٣) بل في التنقيح وكشف اللثام نسبته إلى الاكثر، وحكاه في المختلف عن الشيخ وابني حمزة وأبي عقيل وسلار، وقال إنه رواه ابن بابويه في كتابه، خلافا لابن إدريس في السرائر، فحكم بالكراهة، وعن المرتضى في أحد قوليه، فحكم باستحباب البداء‌ة من المرفق، والاصح الاول، لكثير مما تقدم في الوجه، بل هنا أولى، لظهور كثير من الوضوء‌ات البيانية فيه، ففي بعضها أنه صلى الله عليه وآله (أفرغه على ذراعيه من المرفق إلى الكف لايردها إلى المرفق) بل خبر علي بن يقطين المشهور المشتمل على المعجزة كاد يكون صريحا في ذلك، بل هو صريح، بل قد سمعت مافي خبر ابن عروة التميمي من التصريح بذلك.

٩١

(وصفحة ١٧٠) وفي المدارك أنه المشهور بين الاصحاب وفي المختلف ان المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس والرجلين بإصبع واحدة، واختاره الشيخ في أكثر كتبه وابن أبي عقيل وابن الجنيد وسلار وأبوالصلاح وابن البراج وابن إدريس، انتهى.

(وصفحة ١٩٥) (والافضل مسح الرأس مقبلا، ويكره مدبرا على الاشبه) بأصول المذهب وقواعده، ووفاقا للسرائر والمعتبر والنافع والمنتهى والمختلف والتحرير والارشاد والقواعد والالفية وجامع المقاصد والروضة وغيرها على اختلاف فيها لايقدح في أصل جواز النكس، وهو قضية إطلاق الهداية والجمل والعقد والاشارة والمراسم وغيرها، والمنقول عن الاصباح والمبسوط وابن أبي عقيل والشهيد في البيان والمقداد في التنقيح وغيرهم، ولعله لذا قال في الحدائق إنه المشهور، وقيل لايجوز النكس، كما هو خيرة الصدوق في الفقيه والمرتضى في الانتصار والشيخين في المقنعة والخلاف وظاهر التهذيب بل صريحه، وهو المنقول عن ظاهر النهاية وصريح الوسيلة، واختاره الشهيد في ظاهر الدروس، ونسبه فيها إلى الشهرة بين الاصحاب.

(وصفحة ٢١٥) (وهما قبتا القدمين) كما في النافع والروضة والتنقيح ناسبا له في الاخير إلى أصحابنا وقبتا القدمين أمام الساقين مابين المفصل والمشط، فالكعب في كل قدم واحد، وهو ماعلا منه في وسطه على الوصف المتقدم، كما في المقنعة، بل في التهذيب الاجماع ممن قال بوجوب المسح عليه، وهما معقد الشراك، كما في الاشارة والمراسم وعن الكافي، والعظمان اللذان في ظهر القدمين عند معقد الشراك، كما في السرائر، والنابتان في وسط القدم عند معقد الشراك كما في الغنية، وحكى عليه الاجماع المتقدم عن الشيخ، والعظمان النابتان في وسط القدم كما في الخلاف والجمل والعقود وعن المبسوط، حاكيا في الاول الاجماع المتقدم، والعظمان النابتان في ظهر القدم عند معقد الشراك كما في الانتصار وعن مجمع البيان، ومكان الظهر وسط كما في المهذب، حاكيا في الاول عليه الاجماع المتقدم وفي الثاني نسبته إلى

٩٢

الامامية، وهما ظهر القدم كما عن ابن أبي عقيل، وفي ظهر القدم دون عظم الساق وهو المفصل الذي قدام العرقوب كما عن ابن الجنيد، والعظمان النابتان في وسط القدم وهما معقد الشراك كما في المعتبر والمنتهى، ناسبا له في الاول إلى فقهاء أهل البيت عليهم السلام، وفي الثاني إلى علمائنا، ومعقد الشراك وقبتا القدم، وعليه إجماعنا كما في الذكرى، والعظمان اللذان في ظهر القدم كما عن النهاية الاثيرية، ناسبا له إلى الشيعة، ونحوه في ذلك مانقل عن صاحب لباب التأويل، وافقنا عليه محمد بن الحسن الشيباني من العامة، وخالف الباقون، فذهبوا إلى أنهما العظمان النابتان يمين الساقين وشمالهما، كما نقلذلك عنهم في المقنعة والتهذيب والخلاف والانتصار والمعتبر والمنتهى وغيرها.

(وصفحة ٢٢١) وقد يعبر عنه بالمفصل لمجاورته له، أو من قبيل تسمية الحال باسم المحل، وهو الذي في أرجل الغنم والبقرة، وبحث عنه علماء التشريح، وبه قال الاصمعي ومحمد بن الحسن الشيباني كما نقله عنهما العامة في كتبهم، وهو الكعب على التحقيق الذي أراده العلامة رحمه الله، وعبارة ابن الجنيد والسيد المرتضى والشيخ وأبي الصلاح وابن أبي عقيل وابن إدريس والمحقق لاتأتي الانطباق عليه، والعلامة لاينكر أن الكعب نات في وسط القدم، كيف وقد فسره بذلك في المنتهى والتذكرة وغيرهما، ولكنه يقول هو ليس العظم الواقع أمام الساق بين المفصل والمشط، بل هو العظم الواقع في ملتقى الساق والقدم.

(وصفحة ٢٢٧) ظاهر الروضة الوجوب، وهو المحكي عن ابني الجنيد وأبي عقيل وعلي بن بابويه، وفي كشف اللثام أنه يقتضيه إطلاق ابن سعيد وجوب تقديم اليمين على اليسار، قلت: ونحوه الشيخ في الخلاف، قال (الترتيب واجب في الوضوء في الاعضاء كلها، ويجب تقديم اليمين على اليسار إلى أن قال دليلنا الاجماع من الفرقة).

(وصفحة ٢٧٦) قال في المقنعة " وتثليثه تكلف، ومن زاد على ثلاث أبدع وكان مأزورا " وإبن الجنيد

٩٣

" الثالثة زيادة غير محتاج إليها " مع عدم صراحة الثاني بعدم الحرمة، كالمنقول عن إبن أبي عقيل أنه إن تعدى المرتين لايؤجر عليه، ويدل عليه مضافا إلى مادل على حرمة إدخال ماليس من الدين في الدين خصوص مرسلة إبن أبي عمير عن الصادق عليه السلام " والثالثة بدعة " منضما إلى قوله عليه السلام في خبر عبدالرحيم القصير " قال رسول الله صلى الله عليه وآله " كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ".

(وصفحة ٣٣٥) (و) من سننه (المضمضة والاستنشاق) لا واجبان فيه كما عن إسحاق وأحمد، للاصل والوضوء‌ات البيانية، وللاجماع المحصل والمنقول، والسنة التي كادت تكون متواترة، بل هي كذلك بالنسبة إليه، نعم هما مسنونان بلا خلاف أجده فيه بين أصحابنا المتقدمين منهم والمتأخرين عدا ما نقل عن ابن أبي عقيل من أنهما ليسا عند آل الرسول صلى الله عليه وآله بفرض ولا سنة، وهو ضعيف جدا، للاجماع المحكي صريحا وظاهرا الذي يشهد له التتبع لكلمات الاصحاب، وللاخبار المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة، منها مارواه ابن سنان عن الصادق عليه السلام " المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله صلى الله عليه وآله كمضمرة سماعة هما من السنة ".

٩٤

النجاسات: البول

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٥٥) " قال في المسائل الناصرية: كل حيوان يؤكل لحمه، فبوله وروثه طاهر، وكذا قال أبو الصلاح وهو الظاهر من كلام ابن أبي عقيل، وابن البراج، وأفتى ابن إدريس بالطهارة أيضا، وهو قول سلار.

وأما الشيخان رحمهما الله فإنهما استثنيا ذرق الدجاج من الحكم بطهارة رجيع مايؤكل لحمه، وهو يدل على حكمهما بالتنجيس إلا أن الشيخ رحمه الله ذهب إلى طهارته في الاستبصار، وهو المعتمد.

(وصفحة ٥٦) " مسألة: قال الشيخ في المبسوط: بول الطيور وذرقها كلها طاهر، إلا الخشاف، فإنه نجس.

وقال ابن أبي عقيل: كل ما استقل بالطيران فلا بأس بذرقه، وبالصلاة فيه.

وقال ابن بابويه لا بأس بخرء ما طار وبوله، ولابأس ببول كل شئ أكلت لحمه.

والمشهور نجاسة رجيع ما لايؤكل لحمه من طيور وغيرها، وهو المعتمد ".

الذكرى (صفحة ١٣) " الاول والثاني: البول والغايط من ذي النفس غير المأكول ولو بالعرض كالجلال، لقول الصادق عليه السلام " إغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه " وأخرج ابن بابويه وابن أبي عقيل والجعفي الطير، لقول الصادق عليه السلام " كل شئ يطير فلا بأس بخرئه وبوله ".

مدارك الاحكام (مجلد: ٢ صفحة ٢٥٩) " أما الارواث فلم أقف فيها على نص يقتضي نجاستها من غير المأكول على وجه

٩٥

العموم، ولعل الاجماع في موضع لم يتحقق فيه المخالف كاف في ذلك.

وقد وقع الخلاف في هذه المسألة في موضعين: أحدهما: رجيع الطير، فذهب ابن بابويه وابن أبي عقيل والجعفي رحمه الله تعالى إلى طهارته مطلقا.

وقال الشيخ في المبسوط " بول الطيور وذرقها كلها طاهر إلا الخفاش " وقال في الخلاف " ماأكل فذرقه طاهر، وما لم يؤكل فذرقه نجس وبه قال أكثر الاصحاب ".

(وصفحة ٢٦٠) وفي الحسن عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال كل شئ يطير لا بأس بخرئه وبوله وهي متناولة للمأكول وغيره.

وأجاب العلامة رحمه الله في المختلف عن هذه الرواية بأنها مخصوصة بالخشاف إجماعا فيختص بما شاركه في العلة، وهو عدم كونه مأكولا. وفساده واضح أما أولا: فلمنع الاجماع على تخصيص الخشاف، فإنه رحمه الله قد حكى في صدر المسألة عن ابن بابويه وابن أبي عقيل القول بالطهارة مطلقا، ونقل استثناء الخشاف عن الشيخ في المبسوط خاصة.

الحدائق الناضرة (مجلد: ٥ صفحة ٦) الاول رجيع الطير وهذا من الكلية الثانية، فذهب الصدوق إلى طهارته مطلقا حيث قال في الفقيه " ولا بأس بخرء ما طار وبوله " وهو ظاهر في إطلاق القول بالطهارة، ونقله الاصحاب أيضا عن ابن أبي عقيل والجعفي.

(وصفحة ٧) قال في الفقيه " ولا بأس بخرء ما طار وبوله " وهو ظاهر في إطلاق القول بالطهارة، ونقله الاصحاب أيضا عن ابن أبي عقيل والجعفي، وهو قول الشيخ في المبسوط إلا أنه استثنى منه الخشاف قال " بول الطيور وذرقها كله طاهر إلا الخشاف ".

(وصفحة ١٠) واعترضه في المدارك بأن فساده واضح (أما أولا) فلمنع الاجماع على تخصيص الخشاف فإنه قدس سره قد حكى في صدر المسألة عن ابن بابويه وابن أبي عقيل القول بالطهارة مطلقا ونقل استثناء الخشاف عن الشيخ قدس سره في المبسوط خاصة.

٩٦

جواهر الكلام (مجلد: ٥ صفحة ٢٧٥) نعم ينبغي أن يعلم أن محله في غير الطير من غير المأكول ذي النفس، لظهور القول بطهارة بولها وخرئها من الفقيه كما عن الجعفي وابن أبي عقيل، بل هو صريح المبسوط في غير الخشاف، والمفاتيح والحدائق مطلقا كما عن حديقة المجلسي وشرحه على الفقيه والفخرية وشرحها الرياض الزهرية وكشف الاسرار، بل هو ظاهر كشف اللثام وشرح الدروس، بل لعله ظاهر المنتهى أيضا، لكن في غير الخشاف، بل وفيه أيضا.

(وصفحة ٢٨٨) قال في مبسوطه في آخر كتاب الصيد: إن رجيع مايؤكل لحمه ليس بنجس عندنا إلى آخره.

بل ظاهر الشيخ الاجماع كظاهر العلامة في المنتهى، وأما الصدوق فظاهره في الفقيه أو صريحه الطهارة، كما حكاه عنه وعن المرتضى وسلار وأبي الصلاح وظاهر ابني أبي عقيل والبراج في المختلف، فانحصر الخلاف حينئذ في المفيد. ومع ذلك كله فهو الموافق للاصل، للعمومات والمعتبرة المستفيضة الدالة على نفي البأس عن فضلة مأكول اللحم منطوقا ومفهوما، وما سمعته من الاجماعات المحكية المعتضدة بالتتبع لكلمات الاصحاب أيضا ".

٩٧

الخمر

المعتبر (مجلد ١ صفحة ٤٢٢) " مسألة: الخمر نجسة العين، وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم، والشافعي وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم، وقال محمد بن بابويه وابن أبي عقيل منا: ليست نجسة، وتصح الصلاة مع حصولها في الثوب وإن كانت محرمة.

لنا قوله تعالى " إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " والآية دالة من وجهين: أحدهما ان الوصف بالرجاسة وصف بالنجاسة لترادفهما في الدلالة. والثاني: انه أمر بالاجتناب، وهو موجب للتباعد المستلزم للمنع من الاقتراب لجميع الانواع لان معنى اجتنابها، كونه في جانب غير جانبها.

ويويد ما قلناه مارواه الاصحاب عن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " ولا يصلي في ثوب أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٥٨) " وقال أبوعلي بن أبي عقيل من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما، لان الله تعالى إنما حرمهما تعبدا، لا لانهما نجسان. وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب والجسد.

وقال أبوجعفر بن بابويه لابأس بالصلاة في ثوب أصابه خمر لان الله تعالى حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته مع أنه حكم بنزح ماء البئر أجمع بانصباب الخمر فيها ".

" احتج ابن بابويه وابن أبي عقيل بالاصل، وبما رواه أبوبكر الحضرمي " قال قلت لابي عبدالله عليه السلام أصاب ثوبي نبيذ أصلي فيه قال نعم قلت قطرة من نبيذ في حب أشرب منه قال نعم إن أصل النبيذ حلال وإن أصل الخمر حرام " وعن الحسين بن أبي سارة قال قلت لابي عبدالله عليه السلام إن أصاب ثوبي شئ من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله قال لابأس إن الثوب لايسكر وبغير ذلك من الاحاديث وقد نقلناها في كتاب مصابيح الانوار وغيره، ولان المسكر لايجب إزالته عن الثوب والبدن

٩٨

بالاجماع لوقوع الخلاف فيه، وكل نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن بالاجماع، إذ لا خلاف في وجوب إزالة النجاسة عنهما عند الصلاة ".

مجمع الفائدة والبرهان (مجلد ١ صفحة ٣٠٨) ومنها: مافي الخبر الصحيح من نهيه عليه السلام عن بعض ظروف الخمر فيكون لنجاستها.

وحمل الشيخ الاخبار الدالة على الطهارة، على التقية للجمع، وردها في المنتهى بعدم الصحة، وما ادعى أحد صحتها على ما أعرف. وفيها تأمل لعدم ثبوت الاجماع كما صرح به السيد ويدل عليه مكاتبة علي بن مهزيار حيث كان الخلاف بين الاصحاب موجودا، وقول الصادق وابن أبي عقيل بالطهارة على ما نقل في المختلف.

ودلالة الآية غير ظاهرة ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ١٩٥) وأما دليل نجاسة الخمر فهو نقل الاجماع في المختلف عن الشيخ وعن السيد، إلا عن شاذ لا اعتبار به، قال في المنتهى: وهي قول أكثر أهل العلم، وقوله تعالى: " إنما الخمر " إلى قوله " رجس، من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " لان الرجس هو النجس بالاتفاق على ما قاله الشيخ في التهذيب، ولوجوب الاجتناب من جميع الوجوه، ولكون عدمه موجبا لعدم الفلاح، والهلاك، والاخبار الكثيرة، منها: مكاتبة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب عبدالله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا: لابأس بأن يصلي فيه إنما حرم شربها، وروي غير زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال " إذا أصاب ثوبك خمر ونبيذ يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله، وإن صليت فيه فأعد صلاتك " فأعلمني ماآخذ به؟ فوقع عليه السلام بخطه وقرأته: خذ بقول أبي عبدالله عليه السلام ".

وهذا أجود الاخبار سندا حيث أظن صحته وإن كان مكاتبة وهو حجة كالمشافهة، وهو ظاهر، وما رأيت أحدا قال بصحته، بل قالوا

٩٩

بعدمها، وقال في المنتهي: إنه حسن، وهو غير ظاهر فارجع إلى مأخذه وأصله.

مدارك الاحكام (مجلد ٢ صفحة ٢٩٠) وقال ابن أبي عقيل رحمه الله: من أصاب ثوبه أو جسده حمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما، لان الله تعالى إنما حرمهما تبعدا لا لانهما نجسان، وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب والجسد. ونحوه قال الصدوق رحمه الله في من لا يحضره الفقيه.

(وصفحة ٢٩٢ ٢٩٣) والحكم بنجاسة العصير إذا غلى واشتد ولا يذهب ثلثاه مشهور بين المتأخرين ولا نعلم مأخذه، وقد اعترف الشهيد رحمه الله في الذكر والبيان بأنه لم يقف على دليل يدل على نجاسته، وذكر أن المصرح بنجاسته قليل من الاصحاب، ومع ذلك فأفتى في الرسالة بنجاسته، وهو عجيب.

ونقل عن ابن أبي عقيل بطهارته، ومال إليه جدي قدس سره في حواشي القواعد، وقواه شيخنا المعاصر سلمه الله تعالى، وهو المعتمد، تمسكا بمقتضى الاصل السالم من المعارض.

الحدائق (ملجد ٥ صفحة ٩٩) " وأصرح منه ما نقل عن ابن أبي عقيل حيث قال " من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما لان الله تعالى إنما حرمهما تعبدا لا لانهما نجسان.

وعزى في الذكرى إلى الجعفي وفاق الصدوق وابن أبي عقيل وكذا في الدروس.

(وصفحة ١١١) " تنبيهات (الاول) المفهوم من كلام الاصحاب رضوان الله عليهم ان حكم جميع الانبذة المسكرة حكم الخمر في التنجيس، قال في العالم " ولا نعرف في ذلك خلافا بين الاصحاب " والظاهر أن مراده من قال من الاصحاب بنجاسة الخمر وإلا فقد عرفت مذهب الصدوق وابن أبي عقيل والجعفي في قولهم بالطهارة.

(وصفحة ١٢٢) وفي المختلف " الخمر وكل مسكر والفقاع والعصير إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس. ذهب إليه أكثر علمائنا كالمفيد والشيخ أبي جعفر والمرتضى وأبي

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292