الإمامة في أهم الكتب الكلامية

الإمامة في أهم الكتب الكلامية11%

الإمامة في أهم الكتب الكلامية مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 527

الإمامة في أهم الكتب الكلامية
  • البداية
  • السابق
  • 527 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 277000 / تحميل: 9024
الحجم الحجم الحجم
الإمامة في أهم الكتب الكلامية

الإمامة في أهم الكتب الكلامية

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60


١ ـ ليس في استدلال أصحابنا أن الزهراءعليها‌السلام كانت مستحقة للنصف ، بل إن البنت الواحدة ترث كلّ ما تركه مورثّها بالفرض والرد.

٢ ـ إن الزهراءعليها‌السلام لن تطالب بنصف فدك بل كلّه.

٣ ـ إنّ صريح الأخبار الآتي بعضها هو أن « فدك » غير « خيبر » فليس قريةً بخيبر كما ذكر.

٤ ـ إنّ مطالبتها في خصوص فدك لم يكن إرثاً ، بل إنّها كانت تطالب برفع إستيلاء القوم على ذلك الملك الحاصل لها نحلةً من والدها رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ منذ عام خيبر.

أمّا أن رسول الله ـصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أعطاها فدكاً فذاك ما رواه كبار الحفّاظ عن غير واحد من الأصحاب(١) .

وأمّا أنّ أبابكر تعرّض لفدك واستولى عليه بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فذاك أمر ثابت لا خلاف فيه ، وفي عبارة ابن حجر المكي : « إن أبابكر انتزع من فاطمة فدكاً »(٢) .

وعلى الجملة فلا ريب في أن فدكاً كان بيد الزهراء من قبل وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأبوبكر كان يعلم بذلك ، فهل انتزعه منها لكون يدها عدوانيةً؟

وهلاّ طلب منها قبل الإنتزاع إقامة البيّنة لو فرض أنّه كان يرى بإجتهاده!! توقف استمرار يدها على ذلك.

وإذ طلب منها الشهود ـ وهو يعلم بكون فدك بيدها بالحق ـ فلما ذا ردّ شهادة أمير المؤمنين؟ أكان يراه كاذباً أو كان اجتهاده! على عدم كفاية الشاهد الواحد وإن علم بصدقة؟ أمّا الأول فلا نظنّهم يلتزمون به وعلي من عرفه الكل. وأمّا الثّاني فيردّه حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة خزيمة بن

__________________

(١) الدر المنثور : ٤/١٧٧.

(٢) الصواعق المحرقة : ٣١.


٦١


ثابت ، فلهذا لقّب بذي الشّهادتين(١) .

ولو سلّم حصول الشك له فهلاّ طلب اليمين من فاطمة فيكون قد قضى بيمين وشاهد ، وهو ما نزل به جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) وقضى به رسول الله كما في الصحيح(٣) .

لكن في الكتاب : « لعله!! لم ير الحكم بشاهد ويمين »!!

سلّمنا ، أليس كان عليه أن يحلف حينئذ؟ فلماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبةً؟

هذا كلّه بغض النظر عن عصمة علي والزهراء والحسنين ، وفضلاً عن شهادة أن أم أيمن وهي المشهود لها بالجنة(٤) .

٥ ـ ثم إنّها طالبت أبابكر بإرثها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد شمل طلبها هذا فدكاً بعد أن ردّ طلبها بترك التعرض له ، لكون هذه الأرض ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فكان ملكاً خاصّاً لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أخرج البخاري عن عائشة قالت : « إنّ فاطمةعليها‌السلام بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر.

فقال أبو بكر : إن رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني والله لا أغيرّ شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ، ولأعملنّ فيها بما عمل بها رسول الله.

فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً.

__________________

(١) سنن أبي داود ٣/٤١٨.

(٢) كنز العمال ـ كتاب الخلافة ٥/٥٠٨.

(٣) صحيح مسلم كتاب الأقضية ، سنن أبي داود ٣/٤١٩.

(٤) كما في ترجمتها في طبقات ابن سعد والإصابة وغيرهما.


٦٢


فوجدت فاطمة على أبي بكر ، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت.

وعاشت بعد النبي ستة أشهر.

فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يوذن بها أبابكر ، وصلّى عليها.

وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة »(١) .

٦ ـ لكنّ الكلام في الحديث الذي ذكره ، فإنّ القوم لم يتمكّنوا من إثبات تماميّته سنداً ودلالةً فقد جاء في الكتاب ما نصّه.

( حجية خبر الواحد والترجيح ممّا لا حاجة لنا إليه ههنا ، لأنه كان حاكماً بما سمعه من رسول الله ، فلا اشتباه عنده في سنده ).

وهذا ـ مضافاً إلى أنّ أبابكر لم يكن حاكماً في القضية بل كان خصماً ـ فرار عن البحث ، لأن غاية هذا الكلام حسن الظن بأبي بكر ، فلما ذا لم يحسن الظن بعلي وفاطمة والعباس وأزواج النبي الذين طالبوا بارثهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله منكرين لهذا الحديث الذي انفرد أبوبكر بروايته!! ولا أقلّ من حسن الظن بكلا الطرفين ، فلم يثبت المخصّص لعمومات الإرث.

هذا ، وقد وجدنا في حفّاظ أهل السّنة من تجرّأ فقال الحق وتحمّل في هذا السّبيل الطّعن والطّرد ، فصرّح ببطلان هذا الحديث ألا وهو الحافظ أبو محمد عبدالرحمن بن يوسف المعروف بابن خراش ، البغدادي ، المتوفي سنة ٢٨٣ ، قال ابن المديني : « كان من المعدودين المذكورين بالحفظ والفهم للحديث والرجال » وقال الخطيب : « كان أحد الرّحالين في الحديث إلى الأمصار وممّن يوصف بالحفظ والمعرفة » وقال أبو نعيم : « ما رأيت أحفظ منه » وقال السّيوطي : « ابن خراش الحافظ البارع الناقد » إلى غير ذلك من كلماتهم في تكريمه وتجليله ، وقد رووا عن عبدان أنه قال « قلت لابن خراش : حديث لا نورّث ما تركنا صدقة. قال باطل. قلت : من تتهّم به؟ قال : مالك بن أوس » ولهذا رموه بالتشيع ، وتهجّم

__________________

(١) صحيح البخاري : باب غزوة خيبر. صحيح مسلم كتاب الجهاد والسيّر.


٦٣


عليه الذهبي وابن حجر. لاحظ : تذكره الحفاظ ٢/٦٨٤ وميزان الاعتدال ٢/٦٠٠ ولسان الميزان ٣/٤٤٤ وطبقات الحفاظ : ٢٩٧.

فالحديث باطل سواء كان من أبي بكر أو مالك بن أوس.

وممّا يؤكد ذلك عمل عمر وعثمان وعمر بن عبدالعزيز خامس الخلفاء الراشدين عندهم وسائر أمراء المسلمين في عقيدتهم في فدك ، فهم جميعاً مكذّبون عملاً للحديث المذكور.

هذا في ناحية السند.

وكذا كلامه في ناحية المتن والدلالة حيث قال : (وعلم أيضاً دلالته على ما حمله من المعنى ، لانتفاء الاحتمالات التي يمكن تطرّقها اليه بقرينة الحال ، فصار عنده دليلاً قطعيّاً مخصّصاً للعمومات الواردة في باب الإرث ).

فهلاً احتمل ـ في أقل تقدير ـ أن يكون أبوبكر قد أخطأ في دلالة هذا الحديث وقد صرّح سابقاً بعدم عصمته؟

إن الحديث ذو وجهين :

أحدهما : أن يكون كلمة « صدقة » مرفوعةً على الاخبار به عن « ما » الموصولة في « ما تركناه ».

والآخر : أن يكون « ما » منصوبةً محلاً على المفعولية لـ « تركناه » وتكون « صدقة » حالاً من « ما ».

وإثبات الأول ليتم الإحتجاج به في غاية الإشكال ـ بل يبعّده ، بل يبطله ـ عدم علم أمير المؤمنين علي وفاطمة وأهل البيتعليهم‌السلام والعباس وأزواج النبي وسائر المسلمين بهذا الذي ذكره أبوبكر بل إنّ هذا الحديث لم يسمع من أبي بكر قبل ذلك اليوم!! بل إنّ كلامه في آخر حياته حيث كان يتمنى لو سأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن حقّ أهل البيت في الخلافة ـ وإن كان في نفسه تضليلاً ـ دليل على ندمه على تصدّي الأمر وما ترتّب عليه من أفعال وتروك.


٦٤


قال : إني لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أني تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أني فعلتهنّ ، وثلاث وددت أني سألت عنهنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . فأما الثلاث اللأّتي وددت أني تركتهن : فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب ، ووددت أني لم أكن حرّقت الفجأة السلمي وإني كنت قتلته سريحاً أو خلّيته نجيحاً ، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ـ يريد عمر وأبا عبيدة ـ فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً ووددت أني سألت رسول الله : لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحد ، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا لاأمر نصيب؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الآخ والعمة فإن في نفسي منهما شيئاً »(١) .

قوله (٣٥٥) :

( قولهم : فاطمة معصومة. قلنا : ممنوع ، لأن أهل البيت يتناول أزواجه وأقربائه كما رواه الضحّاك ، فإنّه نقل بإسناده عن النبي عليه‌السلام أنه قال حين سألته عائشة عن أهل بيته وقوله عليه‌السلام : بضعة مني مجاز قطعاً ).

عصمة الزهراء عليها‌السلام

أقول :

ليس دليل عصمةالزهراء محصوراً بالآية والحديث المذكورين.

أمّا الآية المباركة فقد تواتر النقل عن الفريقين أن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً فيها إنما هم : النبي وعلي وفاطمة والحسنان عليهم الصلاة والسلام ، وكفاك في هذا المقام الحديث الذي رواه أعلام الأئمة الحفّاظ وصحّحوه عن السيدة أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها التي على يدها دار الحديث وفي بيتها نزلت الآية

__________________

(١) تاريخ الطبري ٤/٥٢ وغيره.


٦٥


فقد أخرج الترمذي وصحّحه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت : في بيتي نزلت :( إنما يريد ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) وفي البيت : فاطمة وعلي والحسن والحسين ، فجلّلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بكساء كان عليه ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً(١) .

وفي حديث آخر رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنها : قالت أم سلمة رضي الله عنها فأدخلت رأسي في الستر فقلت : يا رسول الله وأنا معكم؟ فقال : إنك إلى خير ـ مرتين »(٢) .

وفي آخر : « قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي وقال : إنك على خير »(٣) .

وأما الحديث الذي ذكر في الكتاب عن الضحّاك ففيه أولاً : إنّه لم يعلم من راويه وما سنده؟

وثانياً : ( الضحّاك بن مزاحم ) كان يروي عمّن لم يلقه ، وكان شعبة لا يحدّث عنه ، وقال يحيى بن سعيد ، كان الضحّاك عندنا ضعيفاً. وقال البخاري بعد أن روى عنه حديثاً عن ابن عمر : لا أعلم أحداً قال سمعت ابن عمر إلاً أبو نعيم(٤) .

وثالثاً : إنّ الحديث عن عائشة ، وهي في هكذا موضع بالخصوص متّهمة في النقل.

ورابعاً : إنّ الحديث يعارضه ما رواه القوم عن أم سلمة وجماعة من الصحابة وهو المشهور روايةً والمعتبر سنداً.

وخامساً : إنّ الحديث معارض بحديث آخر من عائشة نفسها ـ ومن رواته

__________________

(١) الدر المنثور ٥/١٩٨.

(٢ و ٣) الدر المنثور ٥/١٩٨.

(٤) تهذيب التهذيب ٤/٣٩٨.


٦٦


مسلم بن الحجاج ـ قال الحافظ السيوطي : « وأخرج ابن أبي شيبه وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم عن عائشة قالت : خرج رسول الله غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً »(١) .

ثم إن الآية الكريمة تدل على عصمة الخمسة ، لأن الرجس فيها كما نص عليه الزمخشري(٢) وغيره هو « الذنوب » وقد تصدرت الآية بأداة الحصر ، فدلّت على أنّ إرادة الله تعالى في حقهم مقصورة على إذهاب الذنوب كلّها عنهم ، وهذا واقع العصمة.

وأيضاً : فقد ذكر أصحابنا هذه الآية المباركة في أدلة إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام . لأنه قد إدّعى الخلافة لنفسه ، وإدّعاها له فاطمة والحسنان ، وهم لا يكونون كاذبين ، لأنّ الكذب من الرجس الذي أذهبه الله عنهم.

وأمّا الحديث الشّريف : « فاطمة بضعة منّي » فهو أيضاً من الأحاديث الصحيحة المتفق عليها ، وممّن أخرجه : أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والحاكم وهو يدلّ على عصمتها صدراً وذيلاً.

وأما صدراً فلكلمة « بضعة » ، قوله : « مجاز قطعاً » منه : أنّ الأصل هو الحقيقة فلابدّ من حمل الكلام عليها ، ثم من أين يحصل القطع بكونه مجازاً؟ وممّا يشهد بحمله على الحقيقة فهم كبار الحفاظ من ذلك بشرحه كالحافظ أبي القاسم السهيلي شارح السيرة النبوية فقد قال المناوي بشرح الحديث : « إستدل به السّهيلي على أنّ من سبّها كفر لأنه يغضبه وأنها أفضل من الشيخين »(٣) .

فإنّ دلالته على الأفضلية منهما لا يكون إلاّ بلحاظ كون الزهراء « بضعة »

__________________

(١) الدر المنثور ٥/١٩٩.

(٢) الكشاف ٣/٥٣٨ وكذا في غيره من التفاسير.

(٣) فيض القدير ٤/٤٢١.


٦٧


من النبي وهو أفضل الخلائق أجمعين.

وكالحافظ السمهودي فإنّه قال : « ومعلوم أنّ أولادها بضعة منها فيكونون بواسطتها بضعة منه »(١) فإنّ هذا لا يتم إلاّ بحمل « البضعة » على الحقيقة كما هو مقتضى الأصل. فتأمّل.

ومتى تعذّر حمل الكلام على الحقيقة فأقرب المجازات هو المتعيّن كما تقرّر في موضعه ، وهو أيضاً كافٍ لاثبات المطلوب كما لا يخفى.

ويشهد بما ذكرنا أن الكلمة جاءت في بعض الروايات بلفظ « مضغة »(٢) وبلفظ « شجنة »(٣) .

وأما ذيلاً فإنّ في ذيل الحديث : « فمن أغضبها أغضبني »(٤) وفي لفظ : يقبضني ما يقبضها وبيسطني ما ويبسطها »(٥) وفي ثالث « يؤذيني ما آذاها »(٦) .

وكيف تنكر عصمة من يكون رضا النبي وغضبه دائراً مدار رضاه وغضبه؟

قوله(٣٥٦) :

( الثاني من الوجوه الدّالة على نفي أهليته للإمامة أنه لم يولّه النبي عليه‌السلام شيئاً في حال حياته قلنا : لا نسلّم أنه لم يؤلّه شيئاً بل أمّره على الحجيج سنة تسع وأمره بالصلاة بالناس في مرضه ).

قصة إبلاغ سورة براءة

أقول :

إنّه لم يذكر إلاّ قضية إبلاغ سورة براءة ، وقضية الصلاة ، ومعنى ذلك أنه

__________________

(١) فيض القدير ٤/٤٢١.

(٢) صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل فاطمة بنت النبي.

(٣) المستدرك ٣/١٥٤ ، مسند أحمد ٤/٣٢٢.

(٤) صحيح البخاري باب مناقب قرابة رسول الله.

(٥) مسند أحمد ٤/٣٣٢ ، المستدرك ٣/١٥٨.

(٦) صحيح مسلم باب فضائل فاطمة من فضائل الصحابة.


٦٨


إذا تبيّن واقع الحال في القضيتين فهو مضطرّ إلى التلسيم بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يؤلّه شيئاً فنقول :

أمّا قضيّة إبلاغ سورة براءة :

فيقول القوم إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبابكر إلى مكة أميراً للحاج ، وأمره أن يقرأ الآيات من سورة البراءة على المشركين في الموسم ، فلمّا خرج أبوبكر بدا لرسول الله في أمر تبليغ الآيات ، فبعث علياً لتبليغها ، وبقيت أمارة الحج لأبي بكر ، فيكون قد ولاّهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً من الأمور في حياته

قالوا : وإنما أتبع النبي علياً أبابكر ليأخذ منه الآيات فيبلّغها ، لأنّ الآيات كانت مشتملة على نبذ العهود التي كان بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين المشركين ، ومن عادة العرب في أخذ العهود ونبذها أن يتولاّه الرجل بنفسه أو أحد من بني عمه.

فكلامهم يشتمل على أمور ثلاثة :

الأول : الإقرار بأن علياًعليه‌السلام هو الذي أبلغ الآيات بعد أن كان المأمور بتبليغها أبوبكر.

والثاني : دعوى أنّ أبابكر دخل مكة وكانت إمارة الحاج في تلك السنة معه.

والثالث : السبب في تبليغ علي الآيات دون أبي بكر.

فنقول :

من الأفضل أن نذكر أولاً نصوصاً من الخبر عن عدة من الكتب المعتبرة عند القوم حتى تتضح حقيقة الحال ، ويتبين أن أصحابنا لا يتكلّمون إلاّ إستناداً إلى أخبارهم :

١ ـ أخرج أحمد بإسناده عن أبي بكر : « إنّ النبي بعثه ببراءة لأهل مكة ، لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مسلمة ، من كان بينه وبين رسول الله عهد فأجله إلى مدّته والله بريء من المشركين


٦٩


ورسوله. قال : فسار بها ثلاثاً ثم قال لعلي : إلحقه فردَّ عليّ أبابكر وبلّغها أنت. ففعل ، فلمّا قدم على النبي أبوبكر بكى قال : يا رسول الله حدث فيّ شيء؟ قال : ما حدث فيك إلاّ خير ، ولكن أمرت أن لا يبلّغه إلاّ أنا أو رجل مني »(١) .

٢ ـ أخرج أحمد بإسناده عن عليعليه‌السلام قال : « لمّا نزلت عشر آيات من سورة براءة على النبي ، دعا النبي أبابكر فبعثه بها ، ثم دعاني النبي فقال لي : أدرك أبابكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب به إلى مكة فاقرأه عليهم ، فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه ورجع أبوبكر إلى النبي فقال : يا رسول الله نزل فيّ شيء؟ قال : لا ولكن جبرئيل جاءني فقال : لن يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك »(٢) .

٣ ـ أخرج أحمد بإسناده عن النبي : « إن رسول الله بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة. قال : ثم دعاه فبعث بها علياً »(٣) .

٤ ـ أخرج الترمذي عن زيد بن يثبع قال : « سألنا علياً بأي شيء بعثت في الحجة؟ قال : بعثت بأربع : أن لا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين النبي عهد فهو إلى مدّته ، ومن لم يكن له عهد فأجله إلى أربعة أشهر ، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفس مؤمنة ، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا »(٤) .

٥ ـ أخرج الحاكم بأسناده عن ابن عمر في حديث قال : « ان رسول الله بعث أبابكر وعمر ببراءة إلى أهل مكة. فانطلقا فاذا هما براكب ، فقال : من هذا؟ قال : أنا علي يا أبابكر ، هات الكتاب الذي معك ، فأخذ علي الكتاب فذهب به

__________________

(١) مسند أحمد ٢ |١.

(٢) مسند أحمد ١/١٥١ ، الخصائص : ٢٠ ، المستدرك ٢/٥١ ، تفسير ابن كثير ٢/٣٣٣ ، الدر المنثور ٣/٢٠٩.

(٣) مسند أحمد ٣/٢٨٣ ، وكذا الحديث عن أنس عند الترمذي تفسير سورة التوبة ، الخصائص : ٢٠ ، البداية والنهاية ٥/٣٨ ، إرشاد الساري ٧/١٣٦ روح المعاني ٣/٢٦٨.

(٤) صحيح الترمذي تفسير سورة التوبة.


٧٠


ورجع أبوبكر وعمر إلى المدينة فقالا : ما لنا يا رسول الله؟ قال : ما لكما إلاّ خير ، ولكن قيل لي : لا يبلّغ عنك إلاّ أنت أو رجل منك(١) .

فنقول :

أمّا الإقرار ببعث أمير المؤمنين خلف أبي بكر وأخذه الآيات منه فلم يكن لهم مناص منه

وأمّا الدعوى بأنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أبابكر على الحجيج ولم يعزله عمّا ولاّه فليس لها شاهد في الأحاديث المذكورة ونحوها ، بل كلّ ما هنالك أنه بعثه « ببراءة لأهل مكة » ثمّ بيّن البراءة في الحديث الأول بقوله : « بعثه ببراءة لأهل مكة : لا يحجّ » ويفيد الحديث الثاني أنّ هذه الأمور هي مفاد « عشر آيات في سورة براءة » وذلك ما أخذه منه عليعليه‌السلام وبلّغه كما هو مفاد الأحاديث الأول والثاني والرّابع فأبن إمارة الحج؟

ثم إنّ هذه الأحاديث وغيرها صريحة في أنّ علياً لحق أبابكر ـ أو هو وعمر ـ في الطريق ، وردّ أبابكر من حيث أدركه ، وفي بعضها أنه لحقه « بالجحفة ورجع أبوبكر إلى المدينة » فأين أمارة الحج؟

إنه لم يكن في الواقع إلاذ أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبابكر بإبلاغ أهل مكة : « أن لا يطوف بالبيت عريان...» وهي مفاد الآيات من سورة البراءة ، ثم أمر علياًعليه‌السلام أن يدركه في بعض الطريق فياخذ منه الكتاب ويبلّغه أهل مكة بنفسه ويرجع أبوبكر إلى المدينة

أمّا أن السبب في ذلك فليس في الأحاديث إلاّ أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل عليه جبرائيل فقال : « لن يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك » كما هو نص الحديث الثاني وغيره فقولهم : « لأنّ عادة العرب » لا دليل عليه ، بل في الأحاديث قرائن عديدة على أن السبب ليس ما ذكروه ، ومنها :

__________________

(١) المستدرك ٣/٥١.


٧١


أولاً : إنّه لو كان عادة العرب في ذلك ما ذكر فلماذا خالفها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بإرسال أبي بكر؟ أكان جاهلاً بتلك العادة أم كان عالماً بها فخالفها عمداً تساهلاً بتنفيذ حكم الله عزّ وجلّ؟

وثانياً : لو كان السبب ذلك ، فلماذا جاء أبوبكر يبكي مخالفة أن يكون قد نزل فيه شيء؟ أكان جاهلاً بتلك العادة أم ماذا؟

فتلخص : إنه لم يكن بعث أبي بكر لإمارة الحج ، وإنما لإبلاغ البراءة ، والنبي أرسل علياًعليه‌السلام خلفه بأمر من الله ، ليأخذ ذلك منه ، فيكون قائماً مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في أداء تلك الوظيفة فيظهر أنّه الصالح لذلك

ولذا كانت هذا القضية خصيصة من خصائصه الدالة على إمامته وخلافته ، وعن بعض أكابر الصحابة أنّهم كانوا يتمنّون أن تكون لهم هذه المنقبة العظيمة والخصيصة الرفيعة ، فهذا سعد بن أبي وقاص قال الحارث بن مالك : « خرجت إلى مكة فلقيت سعد بن مالك فقلت له : هل سمعت لعلي منقبة؟ قال : شهدت له أربعاً لئن يكون لي إحداهنّ أحبّ إلي من الدنيا ، أعمّر فيها ما عمّر نوح : إنّ رسول الله بعث أبابكر ببراءة من مشركي قريش فسار بها يوماً وليلة ثم قال لعلي : إلحق أبابكر فخذها منه فبلّغها وردّ عليّ أبابكر ، فرجع أبوبكر فقال : يا رسول الله هل نزل فيّ شيء؟ »(١) .

ويظهر أيضاً : أنّ أبابكر غير صالح للقيام مقام النبي في ذلك ، ومن لم يصلح للقيام مقامه لأداء آيات كيف يصلح للقيام مقامه في الرياسة العامة الإلهية

__________________

(١) كنز العمال : ٢/٤١٧.


٧٢


صلاة أبي بكر في مرض النبي

وأمّا قضية الصّلاة بالناس وأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله « أمره بالصلاة بالناس في مرضه الذي توفي فيه » وأنّ « قولهم عزله عن الصلاة كذب وما نقلوه فيه مختلق » فكأنها أقوى أدلة الكتاب على المدعى ، ولذا أطنب الشارح في هذا المقام

لكنّ الحق الواقع الذي يتوصل إليه المحقّق المنقّلب :

أولاً : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأمره بالصلاة.

وثانياً : إنّه لمّا علم بخروجه إلى الصلاة في موضعه خرج معتمداً على أمير المؤمنين ورجل آخر ، وصلّى تلك الصلاة بنفسه.

وثالثاً : إنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقتد بأحدٍ أبداً.

ورابعاً : إنه على فرض كلّ ذلك فقد أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله غير أبي بكر بالصّلاة بالناس في مواضع عديدة ، ولم يكن ذلك دليلاً على شيء.

وبيان ذلك بإيجاز هو : إنهم وإن رووا عن عائشة وعدّة من الصحابة أن رسول الله عليه وآله وسلّم أم بأن يصلي أبوبكر بالنّاس في مرضه. لكن أسانيد تلك الأخبار كلّها ساقطة بضعف رجالها ، على أنها جميعاً تنتهي إلى عائشة ، وهي في مثل هذا الأمر ـ لكونها بنت أبي بكر ومناوئةً لعليعليه‌السلام ـ متهمة ، فلا يعتمد على خبرها هذا.

هذا من حيث السند.

وأمّا من حيث الدلالة فإنها وإن اشتملت على أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر بالصلاة في موضعه لكنها جميعاً مشتملة على خروجه إلى المحراب وصلاته بالناس بنفسه الشريفة(١) .

__________________

(١) لاحظ البخاري بشرح ابن حجر ٢/١٣٢ ، ١٣٧ ، ١٦٢ ، مسلم بشرح النووي ـ هامش إرشاد الساري ٣/٥٤ ، ٦١.


٧٣


فهذا ما جاء في نفس تلك ألاخبار المخرجة في الصحاح وغيرها المستدل بها على أمره أبابكر بالصّلاة بالناس ، وليست أخباراً أخرى ، وخروجه للصّلاة بنفسه ـ بعد أمره أبابكر بالصلاة ـ عزل له عن ذلك.

فمن قال بأنه « عزله عن الصلاة » فإنما أراد هذا المعنى ، ولم يرد ورود حديث في مصادر أهل السنة مشتمل على لفظ العزل حتى يقال بأن هذا القول كذب « وما نقلوه فيه مختلق »!

هذا ولم يتعرض الماتن إلى دعوى صلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلف أبي بكر ، ولعله لعدم ورود شيء يفيد ذلك في شيء من الصحاح والسنن ، ومن المعلوم أن مجرد صلاة أحد في مكان النبي لا يدل على استحقاقه للخلافة من بعده ، وإلاّ لزم استحقاق كلّ من أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك من الصحابة ، حتى ابن أم مكتوم الأعمى ، فاستدلاله باطل على فرض ثبوت أصل الخبر.

أمّا الشّارح فكأنّه إلتفت ـ كغيره ـ إلى سقوط هذا الإستدلال فأضاف دعوى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى المسجد وصلّى خلف أبي بكر ، وزعم أن ما روى البخاري مما دلّ على عزله عن المحراب « فهو إنما كان في وقت آخر ».

لكنّ مستند هذه الدعوى بعض الأخبار الضعيفة التي أعرض عنها البخاري ومسلم وكبار أئمة الحديث ، وممّن نصّ على عدم الاعتداد بهذه الأخبار وسقوطها عن الإعتبار الحافظ ابن الجوزي والحافظ ابن عبد البر والحافظ النووي(١) وأما الجمع بين هذه الأخبار وما دلّ في الصحاح على عزله بتعدد الواقعة فهو :

أولاً : فرع على صحة هذه الأخبار المزعومة.

__________________

(١) لاحظ : فتح الباري ٢/١٢٠ ، عمدة القاري ٥/١٩١ ، المنهاج في شرح مسلم ٣/٥٢.


٧٤


وثانياً : على تكرار صلاة أبي بكر بالناس حتى يكون في مرةٍ إماماً للنبي وفي أخرى مأموماً له ، لكن الذي عليه الأئمة أنّ صلاته بالناس لم تكن إلاّ مرةً واحدة ، وهي التي حضر فيها النبي فكان الإمام(١) .

ثم إنه يؤكد كذب أصل خبر أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : كون أبي بكر في ذلك الوقت في جيش أسامة في خارج المدينة(٢) الذي لعن من تخلف عنه(٣) فإنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يعود ـ والحال هذه ـ فيأمره بالصلاة بالناس.

وأيضاً فالنبّي كان ملتزماً بالحضور للصلاة بنفسه ، فقد صلّى بالناس في مرضه الأخير إلاّ في الصلاة الأخيرة من عمره الشريف حيث اشتد حاله فلم يحضر(٤) ، وهذه هي التي خرج إليها معتمداً على رجلين أحدهما عليعليه‌السلام (٥) ، فصلّى تلك الصلاة أيضاً بنفسه ، لأنّه لم يكن قد أمره بذلك.

والذي يؤكّد كذب ما روي من صلاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خلفه أنّ الله تعالى قد نهى المؤمنين عن التقدم على رسول الله حيث قال :( يا أيّها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) (٦) ، وقد استدل بهذه الآية وأدلة أخرى مالك بن أنس وأتباعه وجماعة آخرون فذهبوا إلى أنه لا يصح التقدّم بين يديه لا في الصّلاة ولا في غيرها ، ولا لعذر ولا لغيره(٧) .

هذا موجز الكلام على هذه القضية ، ولنا فيها رسالة مستقلة *.

قوله (٣٥٧).

__________________

(١) لاحظ : فتح الباري ٢/١٣٨.

(٢) لاحظ : فتح الباري ٨/١٢٤.

(٣) الملل والنحل ١/٢٩ وهو في الكتاب عن الآمدي ٨/٣٧٦.

(٤) صحيح البخاري بشرح ابن حجر ٣/١٣٧ ، صحيح مسلم بشرح النووي ٣/٥٤.

(٥) فتح الباري ٢/١٢٣ وغيره.

(٦) سورة الحجرات : ٢.

(٧) لاحظ : نيل الأوطار ٣/١٩٥ ، السيرة الحلبية ٣/٣٦٥ ، فتح الباري ٣/١٣٩.

* لاحظ الرّسالة في هذه المجموعة.


٧٥


( الثالث من تلك الوجوه : شرط الامام أن يكون أعلم الأمة بل عالماً بجميع الأحكام كما مر ، ولم يكن أبو بكر كذلك قلنا : الأصل ممنوع ).

جهل ابي بكر

أقول :

كيف يمنع اشتراط كون الامام أعلم الأمة ، وقد دلّت عليه آيات الكتاب والسنة العتبرة ونصّ عليه كبار العلماء ، بل هو مذهب أكثر أهل السنة؟

قال التفتازاني في ( شرح المقاصد ) : « ذهب معظم أهل السنة وكثير من الفرق إلى أنّه يتعيّن للامامة أفضل أهل العصر ، وقد طابق الكتاب والسنة والإجماع على أنّ الفضل بالعلم والتقوى.

قال الله تعالى :( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) .

وقال :( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) .

وقال الله تعالى :( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .

وقال القاضي البيضاوي بتفسير :( إنّي جاعل في الأرض خليفة ...) :

إعلم أنّ هذه الآيات تدل على شرف الإنسان ومزية العلم وفضله على العبادة ، وأنه شرط في الخلافة ، بل العمدة فيها(١) .

أقول :

ومن أوضح آيات الكتاب دلالة في هذا الباب قوله عزّ وجلّ :( أفمن يهدي إلى الحق أحق ان يتبع أمن لا يهدّي الا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) (٢) . فإنّه

__________________

(١) تفسير البيضاوي : ٢٥.

(٢) سورة يونس : ٣٥.


٧٦


إشارة إلى أمر عقلي مركوز في أذهان العقلاء ، وهو في نفس الوقت دليل آخر على اعتبار العصمة في الشخص المتصدي أم هداية الخلق إلى الحق.

وعلى هذا الغرار جاءت الأحاديث النبوية المتفق عليها ، يكفي منها ما أخرجه مسلم وغيره عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « من استعمل عاملاً من المسلمين وهو يعلم أن فيهم أولى بذلك منه وأعلم بكتاب الله وسنّة نبيّه فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين ».

وأمّا أن أبابكر لم يكن كذلك فهذا ما لا خلاف فيه لأحد ، وتدل عليه كتب السير والتاريخ ، وابوبكر نفسه معترف به

لكن عليّاًعليه‌السلام ادعى الأعلمية ـ وهو الصادق المصدق ـ واعترف له بذلك كبار الصحابة ، ورجوعهم اليه في المعضلات والمشكلات ، واعترافهم أمامه بالجهل ، مشهور فيكون هو الامام.

احراق أبي بكر فجاءة

قوله(٣٥٧) :

(لأنه أحرق فجاءة المازني بالنار وكان يقول أنا مسلم ).

فأجاب بقوله :إحراق فجاءة إنما كان باجتهاده ، وعدم قبول توبته لأنّه زنديق ، ولا تقبل توبة الزنديق في الأصح ).

أقول :

ظاهر قوله : « لأنه » أنّ ما يذكره أصحابنا من المطاعن في هذا الباب ينحصر بهذه الموارد الثلاثة التي ذكرها ، والحال أنه ليس كذلك ففي التجريد مثلاً : « ولم يكن عارفاً بالأحكام ، حتى قطع يسار سارقه ، وأحرق بالنار فجاءة السلمي ، ولم يعرف الكلالة ، ولا ميراث الجدة ، واضطرب في أحكامه ، ولم يحد خالداً ولا اقتص منه »(١) .

__________________

(١) التجريد وشرحه : ٢٩٦.


٧٧


أمّا إحراق فجاءة فقد اضطربت الكلمات في توجيهه فمنهم من أجاب كما في الكتاب ، وتبعه صاحب ( الصواعق ) بقوله : « وإذا ثبت أنّه مجتهد فلا عتب عليه في التحريق ، لأن ذلك الرجل كان زنديقاً ، وفي قبول توبته خلاف ، وأما النهي عن التحريق فيحتمل أنه لم يبلغه وتأوّله على غير نحو الزنديق »(١) .

لكنْ لا تعرض في الكتاب لنهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الإحراق ، كما في صحيح البخاري(٢) أما في ( الصواعق ) فقد نبّه على أن اجتهاد أبي بكر مخالف للنص فأجاب باحتمال أنه « له يبلغه » لكن هذا قدح في أبي بكر فاستدركه بأنّه يحتمل أنه بلغه لكن « تأوّله ».

ثم إنّ هذا كلّه مبني على أن يكون الرجل زنديقاً ، لكنه لم يكن زنديقاً ، وكان يقول : « أنا مسلم » كما ذكر في الكتاب ، بل قيل إنه كان يلهج بالشهادتين حتى احترق وصار فحمةً ، وغاية ما هناك أنّه قطع الطرق ونهب أموال المسلمين كما ذكر المؤرخون كالطبري ، ومثله لا يكون زنديقاً

ولذا عدل بعض المعتزلة المدافعين عن أبي بكر كابن أبي الحديد إلى التوجيه بأسلوب آخر فقال : « والجواب : إن الفجاءة جاء إلى أبي بكر ـ كما ذكر أصحاب التواريخ ـ فطلب منه سلاحاً يتقوى به على الجهاد في أهل الردة ، فأعطاه ، فلما خرج قطع الطرق ونهب أموال المسلمين وأهل الردة جميعاً وقتل كل من وجد ـ كما فعلت الخوارج حيث خرجت ـ فلمّا ظفر به أبوبكر حرٌقه بالنار إرهاباً لأمثاله من أهل الفساد ونحوه ، وللإمام أن يخص النصّ العام بالقياس الجلي عندنا ».

فتراه لم يدع زندقة الرجل ، بل ذكر له توجيهاً ثبت في محلّة بطلانه جداً

وحيث رأى بعض المتكلّمين الأشاعرة سقوط هذا التوجيه كغيره اضطر إلى أن يقول :

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٣٢.

(٢) صحيح البخاري ٦/١١٣ بشرح ابن حجر.


٧٨


« أحراقه فجاءة السلمي بالنار من غلطه في اجتهاده ، فكم مثله للمجتهدين »(١) .

لكن الإعتراف بغلط أبي بكر في الإجتهاد لا يبرء ساحته ، ولا يكون له عذراً يوم القيامة ، مع وجود النص الصّريح الصّحيح في حرمة التحريق بالنار ، فهو قادح في عدالة أبي بكر وخلافته ، ولذا اضطّر بعضهم كالشيخ عبدالعزيز الدهلوي في كتابه ( التحفة الاثنا عشرية )(٢) إلى إنكار أصل القضيّة ، ودعوى أنها من افتراءات الشيعة. فإنكار أصل القضيّة يشهد بأن لا توجيه صحيح له ، لكن الإنكار لا يجدي فالقضية من المسلّمات ، والمصادر الناقلة لها كثيرة معتبرة ، وإلاّ لم احتاج الآخرون إلى تلك التوجيهات الفاسدة الباردة

وفوق ذلك كلّه كلام أبي بكر في آخر حياته الدالّ على ثبوت القضيّة وسقوط كلّ التوجيهات : « وددت أني لم أكن حرّقت الفجاءة السلمي ».

قطع يسار السارق

قوله(٣٥٧) :

( وأمّا قطع البيسار فلعلّه من غلط الجلاّد ، أو رآه في المرة الثالثة من السرقة ، وهو رأي الأكثر من العلماء ).

أقول :

في هذه العبارة اعترف بأمرين أحدهما : وقوع أصل القضية. والآخر : كون العمل خلاف الشرع ، وهل يكفي في الدفاع أن يقال : « ليت » و « لعلّ »؟!

أمّا قوله : « فلعلّه من غلط الجلاّد » فاحتمال سخيف لا يصغى إليه

__________________

(١) شرح التجريد للقوشجي : ٣٧٩.

(٢) التحفة الإثنا عشرية : ٢٨٣.


٧٩


وكذلك إحتمال أنّه « رآه في المراة الثالثة من السرقة وهو رأي الاكثر من العلماء لعدم الدليل على هذا الإحتمال ، على فرضه فلا فائدة في موافقة أكثر العلماء ، لأنّ الذي يعترض على أبي بكر لا يعتني بموافقة الأكثر له لو كان؟

ومن هنا كان هذا الموضع من المواضع التي اضطراب فيها القوم فذكروا توجيهاتٍ كلّها احتمالات عارية عن الدليل(١)

فكان الأولى لهم الإعراض عن هذه التوجيهات بعد الإعتراف بأن ما وقع خلاف الشرع ، ولذا قال بعض محقّقيهم : « وقد قطع يسار السارق وهو خلاف الشرع ، والظاهر أن القضاء بغير علمٍ ذنب ، وما كان هو معصوماً »(٢) .

الجهل بميراث الجدّة

قوله (٣٥٧) :

( ووقوفه في مسألة الجدّة ورجوعه إلى الصحابة في ذلك ، لأنّه غير بدع من المجتهد البحث عن مدارك الأحكام ).

أقول :

قد روى خبر جهله بهذه المسألة أكابر محدّثيهم مثل مالك بن أنس في الموطأ ١| ٣٣٥ وأبي داود في السنن ٢| ١٧ وإبن ماجة في السنن ٣/١٦٣ وأحمد في المسند ٤/٢٢٤ واعترف بذلك كبار علمائهم في العقائد والكلام كما في الكتاب

ولا يخفى أن غرض المستدلّ هو ذكر بعض الموارد المثبتة لجهل الرجل بأحكام الشريعة الإسلامية

ومن الطريف أنّه قد وجد العلم بذلك عند المغيرة بن شعبة ، واضطر إلى الأخذ بقول هذا الفاسق اللّعين!!

__________________

(١) انظر الصواعق المحرقة : ٣٣.

(٢) تعليقة على شرح الخطابي للعقائد النسفية ، لإسماعيل القرماني المعروف بقرّه كمال المتوفى سنة ٩٢٠ ترجمته في معجم المؤلّفين ٢/٢٨٧.


٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

والسنّة أو نقلوه باعتباره تفسير لها(1) .

وكلمتا «ركّع» وهي جمع للراكع ، و «السجود» وهي جمع ساجد ، لم يرد بينهما واو العطف ، بل ذكرتا وصفا لتقارب هاتان العبادتان.

وبعد إعداد البيت للعبادة ، أمر الله تعالى إبراهيمعليه‌السلام :( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) .

كلمة «أذّن» مشتقة من «الأذان» أي «الإعلان». و «رجال» جمع «راجل» أي «ماشي». و «الضامر» تعني الحيوان الضعيف. و «الفجّ» في الأصل تعني المسافة بين جبلين ، ثمّ أطلقت على الطرق الواسعة و «العميق» تعني هنا «البعيد».

جاء في حديث رواه علي بن إبراهيم في تفسيره : عند ما تسلّم إبراهيمعليه‌السلام هذا الأمر الربّاني قال : إنّ أذاني لا يصل إلى أسماع الناس ، فأجابه سبحانه وتعالى (عليك الأذان وعليّ البلاغ)! فصعد إبراهيمعليه‌السلام موضع المقام ووضع إصبعيه في أذنيه وقال : يا أيّها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم. وأبلغ اللهعزوجل نداءه أسماع جميع الناس حتّى الذين في أصلاب آبائهم وأرحام أمّهاتهم ، فردّوا : لبيّك اللهمّ لبّيك! وإنّ جميع الذين يشاركون في مراسم الحجّ منذ ذلك اليوم وحتّى يوم القيامة ، هم من الذين لبّوا دعوة إبراهيمعليه‌السلام (2) .

وقد ذكرت الآية هنا الحجّاج المشاة أوّلا ، ثمّ الراكبين ، لأنّهم أفضل منزلة عند الله ، بسبب ما يتحمّلون من صعاب السفر أكثر من غيرهم ، ولهذا السبب قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «للحاج الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة ، وللحاج الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة»(3) .

__________________

(1) يراجع تفسير الآية موضع البحث في تفاسير الميزان ، وفي ظلال القرآن ، والتبيان ، ومجمع البيان ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي.

(2) بتلخيص ، عن تفسير علي بن إبراهيم حسبما نقله تفسير نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، 488. والآلوسي في روح المعاني ، والفخر الرازي ، في التّفسير الكبير في تفسير الآية موضع البحث مع بعض الفارق.

(3) تفسير «روح المعاني» ، و «مجمع البيان» ، و «الفخر الرازي».

٣٢١

أو أنّ هذه المنزلة جاءت لتحديد أهميّة حجّ بيت الله الحرام ، الذي يجب أن يتمّ بأي أسلوب وبأيّة إمكانات. وأن لا ينتظر الحاج مركبا له.

أمّا عبارة «ضامر» فتعني الحيوان الضعيف ، إشارة إلى أنّ هذا الطريق يجعل الحيوان هزيلا ، لأنّه يجتاز صحاري جافة محرقة لا زرع فيها ولا ماء ، واستعدادا لتحمل الصعاب في هذا الطريق.

أو يكون المراد أنّ على الحاج إختيار جواد قوي سريع صابر ، رشيق ضامر ، متدرّب على السير في مثل هذه الطرق ، ولا فائدة ترجى من الحيوان المنعم في هذا الطريق. (مثلما لا يمكن للرجال المترفين اجتياز هذا الطريق).

أمّا عبارة( مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) فهي إشارة إلى توجّه الحجاج إلى الكعبة ، ليس فقط من الأماكن القريبة ، بل يشمل ذلك الحجّاج من الأماكن البعيدة أيضا. كلمة «كلّ» لا تعني هنا الاستغراق والشمول ، بل الكثرة.

ويذكر المفسّر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حياة مثيرة لرجل يدعى «أبو القاسم بشر بن محمّد» فيقول : رأيت حين الطواف شيخا هزيلا بدت عليه آثار السفر ، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدّمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب : من فجّ عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخا هزيلا من شدّة تعب السفر وآلامه ، فقلت : والله لهي مشقّة ، إلّا أنّها طاعة خالصة وحبّ عميق لله تعالى.

فسّره ذلك ثمّ أنشد :

زر من هويت وإن شطّت بك الدار

وحال من دونه حجب وأستار!

لا يمنعنّك بعد من زيارته

إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار!

حقّا إنّ جاذبية بيت الله هي بدرجة تجعل القلوب الطافحة بالإيمان تهوى

٣٢٢

إليه من جميع الأنحاء ، قربت أم بعدت ، تجذب الشاب والشيخ والصغير والكبير ، من كلّ أمّة ومكان ، بعيدا أم قريبا ، الكل يلبّون الله يأتونه عشّاقا ليروا مظاهر ذات الله الطاهرة في تلك الأرض المقدّسة بأعينهم ، ويشعروا برحمته التي لا حدود لها من أعماق وجودهم(1) .

وتناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت :( لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ ) . أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة ، ليروا منافع لهم بأم أعينهم.

وقد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان ، إلّا أنّه لا تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية ، فهي تشمل جميع المنافع والبركات المعنوية والمكاسب المادية ، وكلّ عائد فردي واجتماعي وفلسفة سياسيّة واقتصادية وأخلاقية. فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه المنافع! إنّها لعبارة جميلة! ما أولاهم أن يجعلهم الله شهودا على منافعهم! ليروا بأعينهم ما سمعوه بآذانهم!

وعلى هذا ذكر في كتاب الكافي حديثا عن الإمام الصادقعليه‌السلام في الردّ على استفسار ربيع بن خيثم عن كلمة المنافع ، منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال : «الكل»(2) .

وسنتناول بإسهاب شرح هذه المنافع في ملاحظاتنا على هذه الآية إن شاء الله.

ثمّ تضيف الآية :( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ

__________________

(1) يقول العالم الفاضل العلامة الشعراني رضى الله عنه : إن ذلك ليس عجيبا بالنسبة للذين يأتون إلى مكة من الأندلس أو المغرب أو من أنحاء نائية في الصين أو من استرالية. حيث يستغرق سفرهم زمنا طويلا يصل إلى عدة أشهر نظرا لوسائط النقل التي كانت تستعمل آنذاك وافتقاد الطرق للأمن (إضافة إلى ذلك كان البعض من المتولهين ببيت الله يتعرضون إلى السرقة في الطريق فيضطرون إلى العمل من أجل إعداد مؤنة باقي الطريق إلى بيت الله الحرام).

(2) تفسير نور الثقلين ، المجلد الثالث ، الصفحة 488 نقلا عن كتاب الكافي.

٣٢٣

الْأَنْعامِ ) أي أنّه على المسلمين أن يحجّوا إلى البيت ويقدّموا القرابين من المواشي التي رزقهم الله ، وأن يذكروا اسم الله عليها حين الذبح في أيّام محدّدة معروفة. وبما أنّ الاهتمام الأساس في مراسم الحجّ ، ينصب على الحالات التي يرتبط فيها الإنسان بربّه ليعكس جوهر هذه العبادة العظيمة ، تقيّد الآية المذكورة تقديم القربان بذكر اسم الله على الاضحية فقط ، وهو أحد الشروط لقبولها من لدن العلي القدير. وهذا الذكر إشارة إلى توجّه الحاج إلى الله كلّ التوجّه عند تقديم الأضحية ، وهمّه كسب رضى الله وقبوله القربان ، كما أنّ الاستفادة من لحم الضحية تقع ضمن هذا التوجّه.

وفي الحقيقة يعتبر تقديم الأضاحي رمزا لإعلان الحاج استعداده للتضحية بنفسه في سبيل الله ، على نحو ما ذكر من قصّة إبراهيمعليه‌السلام ومحاولة التضحية بابنه إسماعيلعليه‌السلام . إنّ الحجّاج بعملهم هذا يعلنون استعدادهم للإيثار والتضحية في سبيل الله حتّى بأنفسهم.

وعلى كلّ حال فإنّ القرآن بهذا الكلام ينفي أسلوب المشركين الذين كانوا يذكرون أسماء الأصنام التي يعبدونها على أضاحيهم ، ليحيلوا هذه المراسم التوحيديّة إلى شرك بالله. وجاء في ختام الآية :( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ) .

كما يمكن أنّ تفسّر هذه الآية بأنّ القصد من ذكر اسم الله في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) هو التكبير والحمد لله ربّ العالمين لما أنعم علينا من نعم لا تعدّ ولا تحصى.

خاصة بما رزقنا من بهيمة الأنعام التي نستفيد في حياتنا من جميع أجزاء أبدانها(1) .

* * *

__________________

(1) في التّفسير الأوّل (أي ذكر اسم الله على الأضحية) تكون «على» هنا للاستعلاء ، أمّا في التّفسير الثّاني (أي الذكر المطلق لاسم الله تعالى في هذه الأيّام) فإنّ «على» تعني «من أجل» فالفرق بين هذين التّفسيرين كبير ، سنشير إليه في الملاحظات.

٣٢٤

بحوث

1 ـ ما هي الأيّام المعلومات؟

يأمرنا الله سبحانه وتعالى ـ في الآيات السابقة ـ أن نذكره في( أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ ) . وجاء ذلك أيضا في سورة البقرة الآية (203) بشكل آخر( وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ ) . فما هي الأيّام المعلومات؟ وهل تطابق في معناها الأيّام المعدودات ، أمّ لا؟

اختلف المفسّرون في هذه الأيّام ، كما اختلفت الرّوايات التي ذكرت بهذا الصدد : حيث يرى بعض المفسّرين ـ ويستندون إلى بعض الأحاديث الإسلامية ـ أنّه يقصد بـ «الأيّام المعلومات» الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة ، وأمّا «الأيّام المعدودات» فهي «أيّام التشريق» أي اليوم الحادي عشر والثّاني عشر والثّالث عشر من ذي الحجّة. الأيّام التي تشرق فيها القلوب.

أمّا المجموعة الثّانية من المفسّرين فقد استندوا إلى أحاديث أخرى فقالوا : إنّ العبارتين تشيران إلى أيّام التشريق التي تعتبر هي الأيّام الثلاثة ذاتها ، وأحيانا يضاف إليها اليوم العاشر أي عيد الأضحى.

وعبارة( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) التي جاءت في سورة البقرة ، تدلّ على أنّ أيّام التشريق ليست أكثر من ثلاثة أيّام ، لأنّ التعجيل فيها يحدث نقصا في أيّامها فتصبح يومين.

ومع ملاحظة أنّ التضحية جاءت في الآيات ـ موضع البحث ـ بعد ذكر الأيّام المعلومات. ونعلم أنّ تقديم الأضاحي يتمّ في اليوم العاشر من ذي الحجّة ، فإنّ ذلك يؤكّد أنّ الأيّام المعلومات هي الأيّام العشرة الأولى من ذي الحجّة التي تنتهي بيوم الأضحى. وعلى هذا يقوى دليل التّفسير الأوّل القائل باختلاف معنى الأيّام المعلومات والأيّام المعدودات.

٣٢٥

ومع الأخذ بوحدة المعاني التي تضمنّتها الآيتان ، يبدو أنّ الأرجح في هذه القضيّة القول بأنّ الآيتين تشيران إلى موضوع واحد ، وهدفهما الاهتمام بذكر الله في أيّام معيّنة تبدأ من العاشر من ذي الحجّة وتنتهي بالثّالث عشر منه. ومن الطبيعي أن تكون إحدى الحالات التي يجب ذكر اسم الله فيها ، هي حين تقديم الأضاحي(1) .

2 ـ ذكر الله في أرض «منى»

جاء في روايات عديدة أنّ ذكر الله في هذه الأيّام تكبير خاص يذكر بعد إتمام صلاة ظهر يوم عيد الأضحى ، ويستمر ذكر هذا التكبير في خمس عشرة صلاة (أي ينتهي بعد صلاة صبح اليوم الثّالث عشر) وهو كما يلي :

«الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام»(2) .

كما نصّت بعض الأحاديث على أنّ التكبير في المرّات الخمسة عشر خاص بالذين هم بأرض «منى» في أيّام الحجّ ، أمّا من كانوا في المناطق الاخرى فعليهم ذكر هذا التكبير عقب عشر صلوات (يبدأ من بعد صلاة الظهر من يوم العيد ، وينتهي بصلاة صبح اليوم الثّاني عشر)(3) والأحاديث الخاصّة بالتكبير دليل آخر على أنّ الذكر في الآيات السابقة عامّ وليس محدّدا بتقديم الأضاحي. رغم أنّ هذا المفهوم الكلّي يشمل هذا المصداق أيضا.

__________________

(1) وعليه يزول الخلاف بين هاتين المجموعتين من المفسّرين في تفسير عبارة «ويذكر اسم الله» حيث خصّصت أولاها ذكر اسم الله بتقديم الأضاحي ، والأخرى جعلت مفهومه عامّا ، وبهذا يكون التّفسير الأوّل مصداقا للتفسير الثّاني ، ويكون التّفسير الثّاني ذا مفهوم واسع وعام.

(2) ورد الحديث السابق عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام وقد ذكر في بحار الأنوار ، المجلّد 99 ، صفحة 306.

(3) بحار الأنوار ، المجلّد 99 ، صفحة 307.

٣٢٦

3 ـ فلسفة الحجّ وأسراره العميقة!

إنّ لشعائر الحجّ ـ كما هو الحال بالنسبة للعبادات الاخرى ـ بركات كثيرة جدّا في نفسيّة الفرد والمجتمع الإسلامي. ويمكنها ـ إن أجريت وفق أسلوب صحيح ـ أن تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدّلا جديدا كلّ عام.

وتمتاز هذه المناسك بأربعة أبعاد مهمّة :

1 ـ البعد الأخلاقي للحج :

أهمّ جانب في فلسفة الحجّ التغيّر الأخلاقي نحو الأحسن الذي يحصل عند الناس ، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تامّ عن الأمور المادية والامتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة ، ومع تحريم الملذّات ، وبناء الذات الذي يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادّة ، ويدخل إلى عالم النور والصفاء والتسامي الروحي. وترى الإنسان قد ارتاح فجأة من عبء الامتيازات الموهومة ، والدرجات والرتب والنياشين.

ثمّ تلي عمليّة الإحرام مراسم الحجّ الاخرى تباعا ، وفيها تتوطّد علاقة الإنسان الروحيّة مع خالقه ـ لحظة بعد أخرى ـ وتتوثّق. فينقطع عن ماضيه الأسود المملوء آثاما وذنوبا ، ويتّصل بمستقبل واضح كلّه نور وصفاء. خاصّة أنّ مراسم الحجّ تثير في الإنسان اهتماما كبيرا ـ في كلّ خطوة يخطوها ـ بإبراهيمعليه‌السلام محطّم الأصنام ، وإسماعيلعليه‌السلام ذبيح الله. وأمّه هاجرعليها‌السلام . ويتجلّى للحجّاج جهادهم وتضحياتهم ، إضافة إلى كون أرض مكّة عامّة ، والمسجد الحرام وبيت الكعبة ومحلّ الطواف حولها خاصّة ، تذكر الحاجّ بالرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقادة الإسلام العظام وجهاد المسلمين في صدر الإسلام ، فيتعمّق أثر هذه الثورة الأخلاقية بدرجة يشاهد فيها الحاج في كلّ زاوية من زوايا المسجد الحرام وأرض مكّة المقدّسة وجه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليعليه‌السلام ، وسائر قادة المسلمين ، ويسمع قعقعة سيوفهم وصهيل خيولهم.

أجل ، إنّ هذه الأمور كلّها تتّحد وتتضامن لتمهّد لثورة أخلاقية في القلوب

٣٢٧

المستعدّة. وبشكل لا يمكن وصفه تفتح في حياة الفرد صفحة جديدة. ولهذا نصّت الأحاديث الإسلامية على أنّ الذي يؤدّي الحجّ تامّا صحيحا «يخرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمّه»(1) !

فالحجّ ولادة ثانية للمسلم. يستهلّ بها حياة إنسانية جديدة ، ولا حاجة هناك لإعادة القول بأنّ هذه البركات وتأثيرها وما نشير إليه بعد هذا ليست نصيب من اقتنع من مكاسب الحجّ بقشرته ورمي اللب جانبا. كما أنّها ليست نصيب من يعتبر الحجّ سياحة للتنفيس عن الخاطر ، أو للتظاهر والرياء ، أو طريقا للحصول على متاع شخصي دنيوي ، وهو في الحقيقة لم يتوصّل إلى معنى الحج الحقيقي ، فكان نصيبه ما يستحقّه!

2 ـ البعد السياسي للحجّ

ذكر أحد كبار فقهاء المسلمين أنّ مراسم الحجّ في الوقت الذي تستبطن أخلص وأعمق العبادات ، هي أكثر الوسائل أثرا في التقدّم نحو الأهداف السياسيّة الإسلامية. فجوهر العبادة التوجّه إلى الله ، وجوهر السياسة التوجّه إلى خلق الله ، وهذان الأمران امتزجا في الحجّ بدرجة أصبحا كنسيج واحد.

إنّ الحجّ عامل مؤثّر في وحدة صفوف المسلمين.

الحجّ عامل مهمّ في مكافحة التعصّب القومي والعنصري والتقوقع في حدود جغرافية.

والحجّ وسيلة لتحطيم الرقابة التي تفرضها الأنظمة الظالمة ، وتدمير هذه الأنظمة المتسلّطة على رقاب الشعوب الإسلامية.

والحجّ وسيلة لنقل الأنباء السياسية للبلدان الإسلامية من نقطة إلى أخرى.

__________________

(1) بحار الأنوار ، المجلّد 99 ، الصفحة 26.

٣٢٨

وأخيرا الحجّ عامل مؤثّر في تحطيم قيود العبودية والاستعمار وتحرير المسلمين.

ولهذا السبب كان موسم الحجّ زمن الجبابرة كبني أميّة وبني العبّاس الذين كانوا يسيطرون على الأراضي الإسلامية المقدّسة ، ويراقبون كلّ تحرّك تحرّري إسلامي ليقمعوه بقوّة ، كان الموسم متنفّسا للحرية ولاتّصال فئات المجتمع الإسلامي الكبير بعضها مع بعض ، لطرح القضايا السياسيّة المختلفة التي تهمّ كلّ مسلم.

وعلى هذا الأساس قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في معرض حديثه عن فلسفة الفرائض والعبادات «الحجّ تقوية للدّين»(1) .

كما أنّ أحد السياسيين الأجانب المشهورين قال : «الويل للمسلمين إن لم يعرفوا معنى الحجّ ، والويل لأعدائهم إذا أدرك المسلمون معنى الحجّ»!

واعتبرت الأحاديث الإسلامية الحجّ جهاد الضعفاء ، إذ يمكن للشيوخ والنساء الضعيفات المشاركة في الحجّ ليظهروا عظمة الامّة الإسلامية. وليدخلوا الرعب في قلوب أعداء الإسلام بمشاركتهم في صفوف المصلّين المتراصّة في دوائر تحيط ببيت الله الحرام. وهي توحّد الله وتكبّره.

3 ـ البعد الثقافي للحجّ

يمكن أن يؤدّي التقاء المسلمين أيّام الحجّ دورا فعّالا في التبادل الثقافي في المجتمع الإسلامي ، خاصّة إذا لا حظنا أنّ اجتماع الحجّ العظيم يمثّل بشكل حقيقي فئات المسلمين من أنحاء العالم ، حيث لا تصنّع في المشاركة في حجّ بيت الله الحرام ، فالحجّاج جاؤوا من شتّى المجموعات والعناصر والقوميات ، وقد اجتمعوا رغم اختلاف ألسنتهم.

__________________

(1) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم 252.

٣٢٩

لهذا ذكرت الأحاديث الإسلامية أنّ من فوائد الحجّ نشر أخبار آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أنحاء العالم الإسلامي ، يقول «هشام بن الحكم» أحد أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام المخلصين نقلا عن هذا الإمام العظيمعليه‌السلام أنّه قال حول فلسفة الحجّ والطواف حول الكعبة : «إنّ الله خلق الخلق وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ، ومصلحتهم من أمر دنياهم ، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ، وليتعارفوا ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ، ولتعرف آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعرف أخباره ويذكر لا ينسى»(1) .

ولهذا السبب كان المسلمون يجدون في الحجّ متنفّسا من جور الخلفاء والسلاطين الظلمة الذين منعوا المسلمين من نشر هذه الأحكام ، لحلّ مشاكلهم بالاجتماع بأئمّة الهدىعليهم‌السلام في المدينة المنوّرة ومكّة المكرّمة ، وبكبار علماء المسلمين ، لينهلوا من مناهل القرآن النقيّة والسنّة النبويّة الشريفة.

ومن جهة ثانية يمكن أن يكون الحجّ مؤتمرا ثقافيا إسلاميا يحضره مفكّرو العالم الإسلامي في أيّام الحجّ في مكّة المكرّمة ، ليتحاوروا فيما بينهم ويعرضوا نظرياتهم وأفكارهم على الآخرين.

وقد أصبحت الحدود بين البلدان الإسلامية ـ الآن ـ سببا لتشتّت ثقافتهم الأصيلة ، واقتصار تفكير مسلمي كلّ بلد بأنفسهم فقط ، حتّى تقطّعت أواصر المجتمع الإسلامي الموحّد. بينما يستطيع الحجّ أن يغيّر هذا الوضع.

وما أجمل ما قاله الإمام الصادقعليه‌السلام في ختام الحديث السابق الذي رواه هشام بن الحكم : «ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلّمون على بلادهم وما فيها هلكوا ، وخربت البلاد ، وسقطت الجلب والأرباح ، وعميت الأخبار»(2) .

__________________

(1) وسائل الشيعة ، المجلّد الثامن ، الصفحة 9.

(2) المصدر السابق.

٣٣٠

4 ـ البعد الاقتصادي للحجّ

خلافا لما يراه البعض ، فإنّ مؤتمر الحجّ العظيم يمكن أن يستفاد منه في تقوية أسس الإقتصاد في البلدان الإسلامية. بل إنّه وفق أحاديث إسلامية معتبرة يشكّل البعد الاقتصادي جزءا مهمّا من فلسفة الحجّ.

فما المانع من وضع أسس سوق مشتركة إسلامية خلال اجتماع الحجّ العظيم ، ليوسّع المسلمون مجال التبادل التجاري فيما بينهم بشكل تعود منافعهم إليهم لا إلى أعدائهم. ومن أجل تحرير اقتصادهم من التبعية الأجنبية ، وهذا العمل عبادة وجهاد في سبيل الله ، ولا يمكن أن يكون حبّا للدنيا وطمعا فيها.

ولذا أشار الإمام الصادقعليه‌السلام في الحديث السابق خلال شرحه فلسفة الحجّ ، إلى هذا الموضوع بصراحة باعتبار أنّ أحد أهداف الحجّ ، تقوية العلاقات التجارية بين المسلمين.

وجاء في حديث آخر للإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية (198) من سورة البقرة( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) . قالعليه‌السلام : «فإذا أحلّ الرجل من إحرامه وقضى فليشتر وليبيع في الموسم»(1) .

وكما يبدو فإنّ هذا العمل لا إشكال فيه ، بل فيه ثواب وأجر.

وبهذا المعنى جاء في نهاية حديث عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام لبيان فلسفة الحجّ بشكل مسهب : (ليشهدوا منافع لهم)(2) إشارة إلى المنافع المعنوية والماديّة. والأخيرة على رأي بعضهم معنوية أيضا.

فالحجّ باختصار عبادة عظيمة لو أستفيد منها بشكل صحيح في تشكيل مؤتمرات متعدّدة سياسيّة وثقافية واقتصادية ، لحلّ مشاكل العالم الإسلامي ، ومفتاحا لحلّ معضلات المسلمين ، وقد يكون هو المراد من حديث الإمام الصادق

__________________

(1) تفسير العياشي ، حسبما جاء في تفسير الميزان ، المجلّد الثّاني ، ص 86.

(2) بحار الأنوار ، ج 99 ، ص 32.

٣٣١

عليه‌السلام حيث قال : «لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة»(1) .

كما قال الإمام عليعليه‌السلام «الله الله في بيت ربّكم ، لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا»(2) أي لا يمهلكم الله إن تركتم بيت ربّكم خاليا.

ولأهميّة هذا الموضوع الذي خصّص له باب في الأحاديث الإسلامية تحت عنوان «وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ» فإذا أراد المسلمون تعطيل الحجّ في عام من الأعوام ، فعلى الحكومات الإسلامية أن ترسلهم بالقوّة إلى مكّة(3) .

4 ـ ما هو مصير لحوم الأضاحي في عصرنا؟

يستفاد من الآية السالفة الذكر أنّ الهدف من تقديم الأضحية ، إضافة إلى الجوانب المعنوية والروحية والتقرّب إلى الله تعالى ، يشمل الاستفادة من لحومها ومنح قسم منها إلى الفقراء والمحتاجين.

وتحريم الإسراف في الإسلام ليس خافيا على أحد ، فقد أكدّه القرآن والحديث والدليل العقلي. ومن هذا كلّه نستنتج عدم جواز ترك اللحوم على الأرض في «منى» ولا يجوز دفنها ، إذ أنّ وجوب تقديم الأضاحي لا يقصد به هذه الأعمال فيجب نقل لحومها إلى مناطق أخرى بحاجة إليها إن لم نجد محتاجين في «منى» ليستفاد منها على أفضل وجه ، وهذا هو مقتضى الجمع بين الأدلّة والبراهين.

ولكنّنا نجد ـ ومع الأسف ـ أنّ الكثير من المسلمين عملوا بالحكم الأوّل ، ونسوا العمل بالحكم الثّاني ، ولذا نشهد في كلّ عام تلف الآلاف المؤلّفة من لحوم الأضاحي التي بإمكانها أن تكون منبع غذائي مهمّ لشرائح المحرومين في

__________________

(1) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 14.

(2) نهج البلاغة ، الوصيّة ، 47.

(3) وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 15.

٣٣٢

المجتمعات الإسلامية ، ولكنّها تترك في تلك الأرض المقدّسة بحالة سلبية ومزعجة جدّا. وقد تحدّث لحدّ الآن الكثير من المفكّرين وعلماء المسلمين حول هذا الموضوع مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية ، وحتّى أنّهم تبرّعوا بتكاليف حفظها ونقلها إلى المؤسّسات المختصّة ، ولكن جمود وتحجّر رجال الدين الوهّابيين من جهة ، وعدم اهتمام المسؤولين في الحكومة السعودية من جهة أخرى كانت مانعا لتنفيذ هذا المشروع.

ومع غضّ النظر عن مسألة حرمة الإسراف التي هي من الثوابت في التفكير الإسلامي ، فإنّ منظر المذابح يوم عيد الأضحى في الحجّ حاليا بشع وغير منطقي إلى درجة يثير علامات الاستفهام لدى كلّ ضعيف الإيمان حول شعيرة الحجّ بالكامل ، ويعطي للأعداء مبرّرا قويّا للطعن والتقبيح غافلين عن أنّ هذه المسألة هي نتيجة جهل وإهمال رجال الدين الوهّابيين والسلطات السعودية ، فعلى هذا ، فإنّ عظمة الإسلام وأصالة مناسك الحجّ توجب على المسلمين من جميع مناطق العالم أن يمارسوا الضغط على المسؤولين في تلك الدولة لإنهاء هذه الحالة الموحشة ، وتنفيذ الحكم الإسلامي في هذه المسألة.

وإذا وردت أحاديث إسلامية في حرمة إخراج لحوم الأضاحي من أرض «منى» أو من «حرم مكّة» فإنّ ذلك يعود إلى زمن كان فيه في مكّة المكرّمة عدد كاف من المستهلكين والمستحقّين.

ولهذا ورد في حديث صحيح الإسناد عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ أحد أصحابه سأله عن هذا الموضوع ، فأجاب : «كنّا نقول لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس إليه ، فأمّا اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه»(1) .

* * *

__________________

(1) وسائل الشيعة ، المجلّد العاشر ، الصفحة 150 (أبواب الذبح الباب 42 الحديث 5).

٣٣٣

الآيتان

( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) )

التّفسير

تتابع هذه الآيات البحث السابق عن مناسك الحجّ مشيرة إلى جانب آخر من هذه المناسك ، فتقول أوّلا :( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) أي ليطّهروا أجسامهم من الأوساخ والتلوّث ، ثمّ ليوفوا ما عليهم من نذور. و( لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) أي يطوفوا بذلك البيت الذي صانه الله عن المصائب والكوارث وحرّره.

وكلمة «تفث» تعني ـ كما قال كبار اللغويين والمفسّرين ـ القذارة وما يلتصق بالجسم وزوائده كالأظافر والشعر. ويقول البعض : إنّ أصلها يعني القذارة التي تحت الأظافر وأمثالها(1) . ورغم إنكار بعض اللغويين لوجود مثل هذا الاشتقاق

__________________

(1) عن قاموس اللغة ، ومفردات الراغب الاصفهاني ، وكنز العرفان ، وتفسير مجمع البيان ، وتفاسير أخرى.

٣٣٤

في اللغة العربية ، إلّا أنّ الراغب الاصفهاني نقل كلام بدويّ قاله بحقّ أحد الأشخاص القذرين : «ما أتفثك وأدرنك» دليلا على عربية هذه الكلمة ووجود اشتقاق لها في اللغة العربية.

وقد فسّرت( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) في الأحاديث الإسلامية بتقليم الأظافر وتطهير البدن ونزع الإحرام. وبتعبير آخر : تشير هذه العبارة إلى برنامج «التقصير» الذي يعدّ من مناسك الحجّ. وجاء في أحاديث إسلامية أخرى بمعنى حلاقة الرأس التي تعتبر أحد أساليب «التقصير».

كما جاء في «كنز العرفان» حديث رواه ابن عبّاس في تفسير هذه الآية : «القصد إنجاز مشاعر الحجّ كلّها»(1) إلّا أنّه لا سند لدينا لحديث ابن عبّاس هذا.

والذي يلفت النظر في حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه فسّر عبارة( لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) بلقاء الإمام ، وعند ما سأله الراوي عبد الله بن سنان عن توضيح لهذه المسألة قال: «إنّ للقرآن ظاهرا وباطنا»(2) .

وهذا الحديث ربّما كان إشارة إلى ملاحظة تستحقّ الاهتمام. وهي أنّ حجّاج بيت الله الحرام يتطهّرون عقب مناسك الحجّ ليزيلوا الأوساخ عن أبدانهم ، فعليهم أن يطهّروا أرواحهم أيضا بلقاء الإمامعليه‌السلام ، خاصّة وأنّ الخلفاء الجبابرة كانوا يمنعون لقاء المسلمين لإمامهم في الظروف العادية. لهذا تكون أيّام الحجّ خير فرصة للقاء الإمام ، وبهذا المعنى نقرأ حديثا للإمام الباقرعليه‌السلام قال فيه : «تمام الحجّ لقاء الإمام»(3) .

وكلاهما ـ في الحقيقة ـ تطهير ، أحدهما تطهير لظاهر البدن من القذارة والأوساخ ، والآخر تطهير باطني من الجهل والمفاسد الأخلاقية.

__________________

(1) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، ص 270.

(2) نور الثقلين ، المجلّد الثّالث ، صفحة 492.

(3) وسائل الشيعة المجلّد ، العاشر ، الصفحة 255 (أبواب المزار الباب الثّاني الحديث الثّاني عشر).

٣٣٥

أمّا «الوفاء بالنذر» فيعني أنّ كثيرا من الناس ينذرون تقديم أضاحي إضافيّة في الحجّ ، أو التصدّق بمال ، أو القيام بعمل خيري في أيّام الحجّ ، ولكنّهم ينسون ويغفلون عن كلّ ذلك عند وصولهم إلى مكّة ، لهذا أكّد القرآن عليهم الوفاء بالنذور ، وإلّا يقصّروا في ذلك(1) .

أمّا لماذا سمّيت الكعبة بالبيت العتيق؟

«العتيق» مشتقّة من «العتق» أي التحرّر من قيود العبودية ، وربّما كان ذلك لأنّ الكعبة تحرّرت من قيود ملكية عباد الله ، ولم يكن لها مالك إلّا الله ، كما حرّرت من قيد سيطرة الجبابرة كأبرهة.

ومن معاني «العتيق» أيضا الشيء الكريم الثمين ، وهذا المعنى يتجسّد في الكعبة بوضوح. ومن المعاني الاخرى للعتيق «القديم» يقول الراغب الاصفهاني : العتيق المتقدّم في الزمان أو المكان أو الرتبة. وهذا المعنى أيضا واضح بالنسبة للكعبة ، فهي أقدم مكان يوحّد فيه الله. وبحسب ما جاء في القرآن( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ) (2) وعلى كلّ حال فلا مانع من إطلاق العتيق على بيت الله بعد ملاحظة ما تتضمّنه هذه الكلمة من معان ، أشار كلّ مفسّر إلى جانب منها. أو ذكرت الأحاديث المختلفة جوانب أخرى من معانيها.

أمّا المراد من «الطواف» الوارد في آخر الآية المذكور أعلاه فهناك بحث بين المفسّرين (هناك طوفان ـ بعد مراسم عيد الأضحى في منى ـ على الحجّاج أن يقوموا بهما ، الطواف الأوّل يدعي «طواف الزيارة» ، والثّاني «طواف النساء»).

يرى بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ مفهوم الطواف عام هنا ، لأنّ الآية لم تتضمّن

__________________

(1) احتمل بعض المفسّرين القصد من النذور القيام بمشاعر الحجّ ، إلّا أنّه بمراجعة حالات استعمال كلمة النذر في القرآن المجيد ، يتّضح لنا أنّه يقصد المعنى المتداول من كلمة النذر ، لهذا فإنّ استخدامها في مناسك الحجّ دون دليل ، خلافا لمعناها الظاهر.

(2) آل عمران ، 96.

٣٣٦

قيودا أو شرطا ما ، فهي تضمّ طواف الحجّ وطواف النساء ، حتّى أنّها تشمل طواف العمرة أيضا(1) .

في وقت يرى مفسّرون آخرون أنّ الآية تقصد طواف الزيارة فقط ، الذي يجب على الحاج بعد إحلاله من إحرام الحجّ(2) .

إلّا أنّ الأحاديث الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام تفيد أنّ القصد هنا طواف النساء ، ففي حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) قال : «طواف النساء»(3) .

كما روي عن الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام حديث بهذا المعنى(4) .

وهذا الطواف يسمّى عند أهل السنّة طواف الوداع.

ومع ملاحظة هذه الأحاديث يبدو التّفسير الأخير هو الأقوى ، خاصّة إذا عبّر بهذا المعنى أيضا في تفسير( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ) . حيث يجب إضافة إلى تطهير البدن من القذارة والشعر الزائد ، استعمال العطر أيضا. ومن المعلوم أنّه لا يجوز استعمال العطور في الحجّ إلّا بعد إتمام الطواف والسعي ، أو عند ما لا يكون طواف بذمّة الحاج إلّا طواف النساء.

وأشارت الآية الأخيرة إلى خلاصة ما بحثته الآيات السالفة الذكر ، حيث تبدأ بكلمة «ذلك» التي لها جملة محذوفة تقديرها «كذلك أمر الحجّ والمناسك» ثمّ تضيف تأكيدا لأهميّة الواجبات التي شرحت( وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) .

والمقصود هنا بـ «الحرمات» ـ طبعا ـ أعمال ومناسك الحجّ ، ويمكن أن

__________________

(1) كنز العرفان ، المجلّد الأوّل ، الصفحة 271.

(2) مجمع البيان نقلها في تفسير الآية ـ موضع البحث ـ عن بعض المفسّرين لم يذكر أسماءهم.

(3) وسائل الشيعة المجلّد التاسع الصفحة 390 أبواب الطواف الباب الثّاني.

(4) المصدر السابق.

٣٣٧

يضاف إليها احترام الكعبة خاصة والحرم المكّي عامّة. وعلى هذا فإنّ تفسير هذه الآية باختصاصها بالمحرّمات ـ أي كلّ ما نهى الله عنه ـ أو جميع الواجبات ، مخالف لظاهر الآية. كما يجب الانتباه إلى أنّ «حرمات» جمع «حرمة» وهي في الأصل الشيء الذي يجب أن تحفظ حرمته ، وألّا تنتهك هذه الحرمة أبدا.

ثمّ تشير هذه الآية وتناسبا مع أحكام الإحرام إلى حليّة المواشي ، حيث تقول :( وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) .

عبارة( إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ ) يمكن أن تكون إشارة إلى تحريم الصيد على المحرم الذي شرع في سورة المائدة الآية (95) حيث تقول :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) .

كما قد تكون إشارة إلى عبارة جاءت في نهاية الآية ـ موضع البحث ـ تخصّ تحريم الأضحية التي تذبح للأصنام التي كانت متداولة زمن الجاهلية. لأنّ تذكية الحيوان يشترط فيها ذكر اسم الله عليه عند الذبح ، ولا يجوز ذكر اسم الصنم أو أي اسم آخر عليه.

وفي ختام هذه الآية ورد أمران يخصّان مراسم الحجّ ومكافحة العادات الجاهلية :

الأوّل يقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ ) و «الأوثان» جمع «وثن» على وكن «كفن» وتعني الأحجار التي كانت تعبد زمن الجاهلية ، وهنا جاءت كلمة الأوثان إيضاحا لكلمة «رجس» التي ذكرت في الآية ، حيث تقول :( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ ) . ثمّ تليها عبارة( مِنَ الْأَوْثانِ ) أي الرجس هو ذاته الأوثان.

كما تجب ملاحظة أنّ عبدة الأوثان زمن الجاهلية كانوا يلطّخونها بدماء الأضاحي ، فيحصل مشهد تقشّعر الأبدان من بشاعته ، وقد يكون التعبير السابق إشارة إلى هذا المعنى أيضا.

٣٣٨

والأمر الثّاني هو( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) أي الكلام الباطل الذي لا أساس له من الصحّة.

مسألة : ما معنى( قَوْلَ الزُّورِ ) ؟

يرى بعض المفسّرين أنّه إشارة إلى كيفيّة تلبية المشركين في مراسم الحجّ في زمن الجاهلية ، لأنّهم يلبّون بشكل يتضمّن الشرك بعينه ، ويبعدونه من صورته التوحيديّة ، فقد كانوا يردّدون : «لبّيك لا شريك لك ، إلّا شريكا هو لك! تملكه وما ملك!».

حقّا إنّه كلام باطل ودليل على( قَوْلَ الزُّورِ ) الذي يعني في الأصل : الكلام الكاذب ، والباطل ، والبعيد عن حدود الاعتدال.

ومع هذا فإنّ اهتمام الآية المذكورة بأعمال المشركين في مراسم الحجّ على زمن الجاهلية ، لا يمنع من تعميمها على بطلان أيّة عبادة للأصنام بأيّة صورة كانت ، واجتناب أي قول باطل مهما كانت صورته.

ولهذا فسّرت بعض الأحاديث الأوثان بلعبة الشطرنج ، وقول الزور بالغناء ، والشهادة بالباطل. وفي الحقيقة فإنّ ذلك بيان لبعض أفراد ذلك الكلّي ، وليس القصد منه حصر معنى الآية بهذه المصاديق فقط. وجاء في حديث للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة ألقاها على المسلمين «أيّها الناس ، عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ، ثمّ قرأ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) .

إنّ هذا الحديث أيضا إشارة إلى سعة مفهوم هذه الآية.

* * *

٣٣٩

الآيات

( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (31) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) )

التّفسير

تعظيم شعائر الله دليل على تقوى القلوب :

عقّبت الآيات هنا المسألة التي أكدّها آخر الآيات السابقة ، وهي مسألة التوحيد ، واجتناب أي صنم وعبادة الأوثان. حيث تقول( حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) (1) أي أقيموا مراسم الحجّ والتلبية في حالة تخلصون فيها النيّة لله وحده لا يخالطها أي شرك أبدا.

«حنفاء» جمع «حنيف» أي الذي استقام وابتعد عن الضلال والانحراف ، أو

__________________

(1) «حنفاء» و «غير مشركين». كلاهما حال لضمير «فاجتنبوا» ، و «اجتنبوا» في الآية السابقة.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527