أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 342237 / تحميل: 12214
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

مصنف هذا الكتاب له كتاب « الجمعة وما ورد فيه من الاعمال » ، وكتاب « الكوفة وما فيها من الاثار والفضائل » ، وكتاب « أنساب بني نصر بن قعين وأيامهم وأشعارهم » ، وكتاب « مختصر الانوار » و « مواضع النجوم التي سمتها العرب »(1) .

وقد ذكر في ديباجة الكتاب الحوافز التي دعته الى تأليف فهرسه وقال : « فأني وقفت على ما ذكره السيد الشريف ـ أطال الله بقاه وأدام توفيقه ـ من تعيير قوم من مخالفينا أنه لا سلف لكم ولا مصنف ، وهذا قول من لا علم له بالناس. ولا وقف على أخبارهم ، ولا عرف منازلهم وتاريخ أخبار أهل العلم ، ولا لقي أحداً فيعرف منه ولا حجة علينا لمن لا يعلم ولا عرف ، وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته ، لعدم أكثر الكتب وانما ذكرت ذلك عذراً الى من وقع اليه كتاب لم أذكره الى أن قال : على أن لاصحابنارحمهم‌الله في بعض هذا الفن كتباً ليست مستغرقة لجميع ما رسم ، وأرجو أن يأتي في ذلك على ما رسم وحُدَّ ان شاء الله ، وذكرت لكل رجل طريقاً واحداً حتى لا يكثر الطرق فيخرج عن الغرض(2) .

اقول : الرجل نقاد هذا الفن ومن أجلائه وأعيانه ، وحاز قصب السبق في ميدانه ، قال العلاّمة في الخلاصة : « ثقة معتمد عليه ، له كتاب الرجال نقلنا منه في كتابنا هذا وغيره أشياء كثيرة ، وتوفي بمطير آباد في جمادي الاولى سنة خمسين واربعمائة وكان مولده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة(3) .

وقد اعتمد عليه المحقق في كتاب المعتبر. فقد قال في غسالة ماء الحمام : « وابن جمهور ضعيف جداً ذلك النجاشي في كتاب الرجال »(4) .

__________________

1 ـ رجال النجاسي : الرقم 253.

2 ـ رجال النجاشي : 3.

3 ـ رجال العلامة : 20 ـ 21 ، طبعة النجف.

4 ـ المعتبر : 1 / 92.

٦١

وأطراه كل من تعرض له ، فهو أبو عذر هذا الامر وسابق حلبته كما لا يخفى ، ولكتابه هذا امتيازات نشير اليها :

الاول : اختصاصه برجال الشيعة كما ذكر في مقدمته ، ولا يذكر من غير الشيعي إلا إذا كان عامياً روى عنا ، أو صنف لنا فيذكره مع التنبيه عليه ، كالمدائني والطبري وكذا في شيعي غير امامي فيصرح كثيراً وقد يسكت.

الثاني : تعرضه لجرح الرواة وتعديلهم غالباً استقلالاً أو استطراداً ، ورب رجل وثقه في ضمن ترجمة الغير ، وربما أعرض عن التعرض بشيء من الوثاقة والضعف في حق بعض من ترجمهم.

نعم ، ربما يقال : كل من أهمل فيه القول فذلك آية ان الرجل عنده سالم عن كل مغمز ومطعن ، ولكنه غير ثابت ، حيث ان كتابه ليس الا مجرد فهرس لمن صنف من الشيعة أو صنف لهم دون الممدوحين والمذمومين ، وليس يجب على مؤلف حول الرجال ، أن يتعرض للمدح والذم ، فسكوته ليس دليلاً على المدح ولا على كونه شيعياً امامياً ، وان كان الكتاب موضوعاً لبيان الشيعة أو من صنف لهم ، لكن الاخير ( عدم دلالته على كونه شيعياً امامياً ) موضع تأمل ، لتصريحه بأن الكتاب لبيان تآليف الاصحاب ومصنفاتهم ، فما دام لم يصرح بالخلاف يكون الاصل كونه امامياً.

الثالث : تثّبته في مقالاته وتأمله في افاداته ، والمعروف أنه أثبت علماء الرجال وأضبطهم واضبط من الشيخ والعلاّمة ، لان البناء على كثرة التأليف يقتضي قلة التأمل. وهذا الكلام وان كان غير خال عن التأمل لكنه جار على الغالب.

الرابع : سعة معرفته بهذا الفن ، وكثرة اطلاعه بالاشخاص ، وما يتعلق بهم من الاوصاف والانساب وما يجري مجراهما ، ومن تتبع كلامه عند ذكر الاشخاص يقف على نهاية معرفته بأحوال الرجال وشدة احاطته بما يتعلق بهذا

٦٢

المجال من جهة معاصرته ومعاشرته لغير واحد منهم ، كما يشهد استطراقه ذكر امور لا يطلع عليها الا المصاحب ولا يعرفها غير المراقب الواجد(1) .

وقد حصل له هذا الاطلاع الواسع بصحبته كثيراً من العارفين بالرجال كالشيخ أحمد بن الحسين الغضائري ، والشيخ أحمد بن علي بن عباس بن نوح السيرافي(2) ، وأحمد بن محمد « ابن الجندي »(3) ، وابي الفرج محمد بن علي بن يعقوب بن اسحاق بن ابي قرة الكاتب(4) ، وغيره من نقاد هذا الفن وأجلائه(5) .

الخامس : أنه ألف فهرسه بعد فهرس الشيخ الطوسي بشهادة أنه ترجمه وذكر فيه فهرس الشيخ(6) والسابر في فهرس النجاشي يقف على أنه كان ناظراً لفهرس معاصره ولعل بعض ما جاء فيه ـ مخالفاً لما في فهرس الشيخ ـ كان لغاية التصحيح ، وكان المحقق البروجرديقدس‌سره يعتقد بأن فهرس النجاشي كالذيل لفهرس الشيخ.

وأخيراً نقول : إن المعروف في وفاته هو أنه توفّي عام 450 هـ ، ونص عليه العلاّمة في خلاصته ، لكن القارئ يجد في طيّات الكتاب أنه أرخ فيه وفاة محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري عام 463 هـ(7) . ولازم ذلك أن يكون حيّاً الى هذه السنة ، ومن المحتمل أن تكون الزيادة من النسّاخ أو القرّاء ، وكانت

__________________

1 ـ لاحظ ترجمة سليمان بن خالد ، الرقم 484 ، وترجمة سلامة بن محمد ، الرقم 514 ، في نفس الكتاب تجد مدى اطلاعه على أحوال الرجال.

2 ـ رجال النجاشي : الرقم 109.

3 ـ قال في رجاله بالرقم 206 : أحمد بن محمد بن عمران بن موسى ، ابو الحسن المعروف بـ « ابن الجندي » استاذنارحمه‌الله الحقنا بالشيوخ في زمانه.

4 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1066

5 ـ لاحظ سماء المقال : 1 / 59 ـ 66.

6 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1068.

7 ـ لاحظ رجال النجاشي : الرقم 1070.

٦٣

الزيادة في الحاشية ، ثمَّ أدخلها المتأخرون من النساخ في المتن زاعمين أنه منه كما اتفق ذلك في غير مورد.

ثم إن الشيخ النجاشي قد ترجم عدَّة من الرواة ووثقهم في غير تراجمهم ، كما أنه لم يترجم عدَّة من الرواة مستقلا ، ولكن وثقهم في تراجم غيرهم ، ولاجل اكمال البحث عقدنا العنوانين التاليين لئلاً يفوت القارئ فهرس الموثوقين في تراجم غيرهم :

الأول : من لهم تراجم ولكن وثّقوا في تراجم غيرهم.

1 ـ أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الزراري ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك ( الرقم 313 ).

2 ـ سلمة بن محمد بن عبدالله الخزاعي ، وثَّقه في ترجمة أخيه منصور بن محمد ( الرقم 1099 ).

3 ـ شهاب بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم 50 ).

4 ـ صالح بن خالد المحاملي الكناسي ، وثَّقه في باب الكُنى في ترجمة ابي شعيب المحاملي ( الرقم 1240 ).

5 ـ عمرو بن منهال بن مقلاص القيسي ، وثَّقه في ترجمة ابنه حسن بن عمرو بن منهال ( الرقم 133 ).

6 ـ محمد بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن بن عطية الحناط ( الرقم 93 ).

7 ـ محمد بن همام بن سهيل الاسكافي ، وثقه في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك الفزاري ( الرقم 313 ).

الثاني : من ليس لهم ترجمة ولكن وثَّقوا في تراجم الغير :

٦٤

1 ـ أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابنه الحسن ( الرقم 151 ).

2 ـ اسد بن اعفر المصري ، وثقه في ترجمة ابنه داود ( الرقم 414 ).

3 ـ اسماعيل بن أبي السمال الاسدي ، وثقه في ترجمة أخيه إبراهيم ( الرقم 30 ).

4 ـ اسماعيل بن الفضل بن يعقوب النوفلي ، وثقه في ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمد بن الفضل ( الرقم 131 ).

5 ـ جعفر بن إبراهيم الطالبي الجعفري ، وثقه في ترجمة ابنه سليمان ( الرقم 483 ).

6 ـ حسن بن ابي سارة الرواسي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم 883 ).

7 ـ حسن بن شجرة بن ميمون الكندي ، وثقه في ترجمة اخيه علي ( الرقم 720 ).

8 ـ حسن بن علوان الكلبي ، وثقه في ترجمة اخيه الحسين ( الرقم 116 ).

9 ـ حسن بن محمد بن خالد الطيالسي ، وثقه في ترجمة اخيه عبد الله ( الرقم 572 ).

10 ـ حفص بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة اخيه بسطام ( الرقم 280 ).

11 ـ حفص بن سالم ، وثقه في ترجمة أخيه عمر ( الرقم 758 ).

12 ـ حيّان بن علي العنزي ، وثقه في ترجمة أخيه مندل ( الرقم 1131 ).

٦٥

13 ـ زكريا بن سابور الزيات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم 280 ).

14 ـ زياد بن سابور الزيّات ، وثقه في ترجمة أخيه بسطام ( الرقم 280 ).

15 ـ زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه رافع ابن سلمة ( الرقم 447 ).

16 ـ زياد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم 348 ).

17 ـ سلمة بن زياد بن أبي الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابنه رافع ( الرقم 447 ).

18 ـ شجرة بن ميمون بن ابي أراكة الكندي ، وثقه في ترجمة ابنه علي ( الرقم 720 ).

19 ـ صباح بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمار ( الرقم 779 ).

20 ـ عبد الاعلى بن علي أبي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم 245 ) وأخويه عبيدالله ( الرقم 612 ) ومحمد ( الرقم 885 ).

21 ـ عبد الخالق بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 50 ).

22 ـ عبد الرحمن بن أبي عبدالله البصري ، وثقه في ترجمة ابن ابنه اسماعيل بن همام ( الرقم 62 ).

23 ـ عبد الرحيم بن عبد ربه الاسدي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه اسماعيل بن عبد الخالق ( الرقم 50 ).

24 ـ عبدالله بن رباط البجلي ، وثقه في ترجمة ابنه محمد ( الرقم 955 ).

٦٦

25 ـ عبدالله بن عثمان بن عمرو الفزاري ، وثقه في ترجمة أخيه حمّاد ( الرقم 371 ).

26 ـ عبد الملك بن سعيد الكناني ، وثقه في ترجمة أخيه عبدالله ( الرقم 565 ).

27 ـ عبد الملك بن عتبة النخعي ، وثقه في ترجمة عبد الملك بن عتبة الهاشمي ( الرقم 635 ).

28 ـ علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابنه عبيدالله ( الرقم 612 ).

29 ـ علي بن بشير ، وثقه في ترجمة أخيه محمد ( الرقم 927 ).

30 ـ علي بن عطية الحناط ، وثقه في ترجمة أخيه الحسن ( الرقم 93 ).

31 ـ عمران بن علي بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في تراجم ابن عمه أحمد بن عمر ( الرقم 245 ) وأخويه عبيد الله ( الرقم 612 ) ومحمد ( الرقم 885 ).

32 ـ عمر بن ابي شعبة الحلبي ، وثقه في ترجمة ابن اخيه عبيدالله بن علي ( الرقم 612 ).

33 ـ عمرو بن مروان اليشكري ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم 780 ).

34 ـ قيس بن موسى الساباطي ، وثقه في ترجمة أخيه عمّار ( الرقم 779 ).

35 ـ أبو خالد ، محمد بن مهاجر بن عبيد الأزدي ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 46 ).

٦٧

36 ـ محمد بن الهيثم العجلي ، وثقه في ترجمة ابن ابنه الحسن بن أحمد ( الرقم 151 ).

37 ـ محمد بن سوقة العمري ، وثقه في ترجمة أخيه حفص ( الرقم 348 ).

38 ـ معاذ بن مسلم بن أبي سارة ، وثقه في ترجمة ابن عمّه محمد بن الحسن ( الرقم 883 ).

39 ـ همّام بن عبد الرحمن بن ميمون البصري ، وثقه في ترجمة ابنه اسماعيل ( الرقم 62 ).

40 ـ يعقوب بن إلياس بن عمرو البجلي ، وثقه في ترجمة اخيه عمرو ( الرقم 772 ).

41 ـ ابو الجعد الاشجعي ، وثقه في ترجمة ابن حفيده رافع بن سلمة بن زياد ( الرقم 447 ).

42 ـ ابو شعبة الحلبي ، وثَّقه في ترجمة ابن ابنه عبيدالله بن علي ( الرقم 612 ).

43 ـ ابو عامر بن جناح الأزدي ، وثقه في ترجمة اخيه سعيد ( الرقم 512 ).

3 ـ رجال الشيخ

تأليف الشيخ محمد بن الحسن الطوسي ( المولود عام 385 هـ ، والمتوفّى عام 460 هـ ) فقد جمع في كتابه « أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام » حسب ترتيب عصورهم.

يقول المحقّق التستري ـ دام ظله ـ : « إن مسلك الشيخ في رجاله يغاير

٦٨

مسلكه في الفهرس ومسلك النجاشي في فهرسه ، حيث إنه أراد في رجاله استقصاء اصحابهم ومن روى عنهم مؤمناً كان او منافقاً ، إمامياً كان او عامياً ، فعدَّ الخلفاء ومعاوية وعمرو بن العاص ونظراءهم من اصحاب النبي ، وعدَّ زياد بن ابيه وابنه عبيدالله بن زياد من اصحاب أمير المؤمنين ، وعدَّ منصوراً الدوانيقي من اصحاب الصادقعليه‌السلام بدون ذكر شيء فيهم ، فالاستناد اليه ما لم يحرز إمامية رجل غير جائز حتى في اصحاب غير النبي وأمير المؤمنين ، فكيف في أصحابهما؟! »(1) .

ومع ذلك فلم يأت بكل الصحابة ، ولا بكل أصحاب الائمة ، ويمكن أن يقال : ان الكتاب حسب ما جاء في مقدمته أُلف لبيان الرواة عن الائمة ، فالظاهر كون الراوي إمامياً ما لم يصرح بالخلاف أو لا أقل شيعياً فتدبر.

وكان سيدنا المحقق البروجردي يقول : « ان كتاب الرجال للشيخ كانت مذكرات له ولم يتوفق لاكماله ، ولاجل ذلك نرى انه يذكر عدة أسماء ولا يذكر في حقهم شيئاً من الوثاقة والضعف ولا الكتاب والرواية ، بل يعدهم من أصحاب الرسول والائمة فقط ».

4 ـ فهرس الشيخ

وهو لهقدس‌سره فقد أتى بأسماء الذين لهم أصل أو تصنيف(2) .

ان الشيخ الطوسي مؤلف الرجال والفهرس أظهر من أن يعرّف ، اذ هو الحبر الذي تقتطف منه أزهار العلوم ، ويقتبس منه أنواع الفضل ، فهو رئيس المذهب والملة ، وشيخ المشايخ الاجلة ، فقد أطراه كل من ذكره ، ووصفه بشيخ الطائفة على الاطلاق ، ورئيسها الذي تلوي اليه الاعناق. صنَّف في

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 19.

2 ـ سيوافيك الفرق بين الاصل والتصنيف في الابحاث الاتية.

٦٩

جميع علوم الاسلام ، فهو مضافاً الى اختيار الكشي ، صنف الفهرس والرجال.

أما الفهرس فهو موضوع لذكر الاصول والمصنفات ، وذكر الطرق اليها غالباً وهو يفيد من جهتين :

الاولى : في بيان الطرق الى نفس هذه الاصول والمصنفات.

الثانية : ان الشيخ نقل في التهذيب روايات من هذه الاصول والمصنفات ، ولم يذكر طريقه إلى تلك الأُصول والمصنفات ، لا في نفس الكتاب ولا في خاتمة الكتاب ، ولكن ذكر طريقه إليها في الفهرس ، بل ربما يكون مفيداً من وجه ثالث وهو أنه ربما يكون طريق الشيخ الى هذه الاصول والمصنفات ضعيفاً في التهذيب ، ولكنه صحيح في الفهرس ، فيصح توصيف الخبر بالصحة لاجل الطريق الموجود في الفهرس ، لكن بشرط أن يعلم أن الحديث مأخوذ من نفس الكتاب. وعلى كل تقدير فالفهرس موضوع لبيان مؤلفي الشيعة على الاطلاق سواء كان امامياً أو غيره.

قال في مقدمته : « فاذا ذكرت كل واحد من المصنفين واصحاب الاصول فلا بد أن اشير الى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعوّل على روايته أو لا؟ وابين اعتقاده وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له؟ لان كثيراً من مصنفي أصحابنا وأصحاب الاصول ينتحلون المذاهب الفاسدة وان كانت كتبهم معتمدة ، فأذا سهل الله اتمام هذا الكتاب فأنّه يطلع على اكثر ما عمل من التصانيف والاصول ويعرف به قدر صالح من الرجال وطرائقهم »(1) .

ولكنهقدس‌سره لم يف بوعده في كثير من ذوي المذاهب الفاسدة فلم يقل في إبراهيم بن أبي بكير بن أبي السمال شيئاً مع أنه كان واقفياً كما

__________________

1 ـ الفهرس : « الطبعة الاولى » الصفحة 2 و : « الطبعة الثانية » الصفحة 24 ـ 25.

٧٠

صرح به الكشي والنجاشي ، ولم يذكر شيئاً في كثير من الضعفاء حتّى في مثل الحسن بن علي السجاد الذي كان يفضّل أبا الخطّاب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنجاشي مع أنه لم يعد ذلك في أول كتابه ، أكثر ذكراً منه بفساد مذهب الفاسدين وضعف الضعفاء(1) .

5 ـ رجال البرقي

كتاب الرجال للبرقي كرجال الشيخ ، ذكر فيه أسماء أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة الى الحجة صاحب الزمانعليهم‌السلام ولا يوجد فيه أي تعديل وتجريح ، وذكر النجاشي في عداد مصنفات البرقي كتاب الطبقات ، ثم ذكر ثلاثة كتب اخر ثم قال : « كتاب الرجال » ( الرقم 182 ).

والموجود هو الطبقات المعروف برجال البرقي ، المطبوع مع رجال أبي داود في طهران ، واختلفت كلماتهم في أن رجال البرقي هل هو تأليف أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن ( المتوفّى عام 274 هـ أو عام 280 هـ ) أو تأليف أبيه ، والقرائن تشهد على خلاف كلتا النظريتين واليك بيانها :

1 ـ انه كثيراً ما يستند في رجاله الى كتاب سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري القمي ( المتوفّى 301 هـ أو 299 هـ ) وسعد بن عبدالله ممن يروي عن أحمد بن محمد بن خالد فهو شيخه ، ولا معنى لاستناد البرقي الى كتاب تلميذه(2) .

2 ـ وقد عنون فيه عبدالله بن جعفر الحميري وصرح بسماعه وهو مؤلف قرب الاسناد وشيخ القميين ، وهو يروي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، فيكون البرقي شيخه ، فكيف يصرح بسماعه منه؟(3) .

__________________

1 ـ لاحظ قاموس الرجال : 1 / 18.

2 ـ رجال البرقي : 23 ، 32 ، 34 ، 35 ، 46 ، 53.

3 ـ رجال البرقي : 60 ، 61.

٧١

3 ـ وقد عنون فيه أحمد بن أبي عبدالله ، وهو نفس أحمد بن محمد بن خالد البرقي المعروف ، ولم يذكر أنه مصنف الكتاب كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه ، كما فعل الشيخ والنجاشي في فهرسيهما والعلاّمة وابن داود في كتابيهما(1) .

4 ـ وقد عنون محمد بن خالد ولم يشر الى أنه أبوه(2) .

وهذه القرائن تشهد أنه ليس تأليف البرقي ولا والده ، وهو إمّا من تأليف ابنه أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الذي يروي عنه الكليني ، أو تأليف نجله ـ أعني أحمد بن عبد الله بن أحمد البرقي ـ الّذي يروي عنه الصدوق ، والثاني أقرب لعنوانه سعداً والحميري اللذين يعدان معاصرين للابن وفي طبقة المشيخة للنَّجل(3) .

6 ـ رسالة أبي غالب الزراري

وهي رسالة للشيخ أبي غالب ، أحمد بن محمد الذي ينتهي نسبه الى بكير بن أعين. وهذه الرسالة في نسب آل أعين ، وتراجم المحدثين منهم ، كتبها أبو غالب الى ابن ابنه « محمد بن عبدالله بن أبي غالب » وهي اجازة منه سنة 356 هـ ، ثمَّ جدَّدها في سنة 367هـ ، وتوفي بعد ذلك بسنة ( اي سنة 368هـ ) وكانت ولادته سنة 285 هـ ، ذكر في تلك الرسالة بضعة وعشرين من مشايخه ، منهم : جدّه أبو طاهر الذي مات سنة 300 هـ(4) ، ومنهم : عبدالله بن جعفر الحميري الذي ورد الكوفة سنة 297 هـ(5) .

__________________

1 ـ رجال البرقي : 57 ـ 59.

2 ـ رجال البرقي : 50 ، 54 ، 55.

3 ـ لاحظ قاموس الرجال : 1 / 31.

4 ـ رسالة في آل أعين : 38 ، من النسخة المطبوعة مع شرح العلاّمة الابطحي.

5 ـ رسالة في آل أعين : 38.

٧٢

وفي أواخر الرسالة ذكر فهرس الكتب الموجودة عنده ، التي يرويها هو عن مؤلفيها ، وتبلغ مائة واثنين وعشرين كتابا وجزءاً ، واجاز لابن ابنه المذكور روايتها عنه وقال : « ثبت الكتب التي أجزت لك روايتها على الحال التي قدَّمت ذكرها »(1) .

قال العلاّمة الطهراني : « وفي هذا الكتاب تراجم كثيرة من آل أعين الذين كان منهم في عصر واحد اربعون محدثاً. قال فيه : ولم يبق في وقتي من آل أعين أحدٌ يروي الحديث ، ولا يطلب العلم ، وشححت على أهل هذا البيت الذي لم يخل من محدث أن يضمحل ذكرهم ، ويدرس رسمهم ، ويبطل حديثهم من أولادهم »(2) .

وبالجملة ، هذه الرسالة مع صغر حجمها تعدّ من الاصول الرجالية وهي بعينها مندرجة في « كشكول » المحدث البحراني.

وطبعت أخيراً مع شرح العلاّمة الحجة السيد محمد علي الابطحي ـ شكر الله مساعيه ـ وفيه فوائد مهمة.

7 ـ مشيخة الصدوق

وهي تأليف الشيخ الصَّدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المولود بدعاء الحجة صاحب الزمان ـ عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ عام 306 هـ ، والمتوفّى عام 381 هـ ، وهو أوسط المحمدين الثلاثة المصنفين للكتب الاربعة ، وهو قد سلك في كتابه هذا مسلكاً غير ما سلكه الشيخ الكليني ، فإن ثقة الاسلام يذكر جميع السند غالباً إلا قليلاً ، اعتماداً على ما ذكره في الاخبار السابقة ، واما الشيخ الصدوق في كتاب « من لا يحضره

__________________

1 ـ رسالة في آل عين : 45.

2 ـ رسالة في آل أعين : 42.

٧٣

الفقيه » فهو بنى من أول الامر على اختصار الاسانيد ، وحذف اوائل الاسناد ، ثم وضع في آخره مشيخة يعرف بها طريقه إلى من روى عنه ، فهي المرجع في اتصال سنده في أخبار هذا الكتاب ، وهذه المشيخة احدى الرسائل الرجالية التي لا تخلو من فوائد ، وقد أدرجها الصدوقرحمه‌الله في آخر كتابه « من لا يحضره الفقيه ».

8 ـ مشيخة الشيخ الطوسي في كتابي : التهذيب والاستبصار

وهي كمشيخة الصدوق ، فقد صدر الشيخ أحاديث الكتابين بأسماء اصحاب الاصول والمصنفات ، وذكر سنده اليهم في مشيخة الكتابين التي جعلها في آخر كل من الكتابين. وسيوافيك البحث حول المشيختين.

توالي التأليف في علم الرجال

وقد توالى التأليف في علم الرجال بعد هذه الاصول الثمانية ، ولكن لا يقاس في الوزن والقيمة بها ، ولاجل ذلك يجب الوقوف عليها واستخراج ما فيها من النصوص في حق الرواة ، وسيوافيك وجه الفرق بين هذه الكتب وما ألف بعدها وقيمة توثيق المتأخرين.

الفرق بين الرجال والفهرس

قد أومأنا إلى ان الصحيح هو تسمية كتاب النجاشي بالفهرس لا بالرجال ، ولإكمال البحث نقول :

الفرق بين كتاب الرجال وفهرس الاصول والمصنفات ، أن الرجال ما كان مبنياً على بيان طبقات اصحابهمعليهم‌السلام (1) كما عليه رجال الشيخ ،

__________________

1 ـ قاموس الرجال : 1 / 33 ، واضاف : ان اصل رجال الكشي كان على الطبقات والظاهر انه يكفي في هذا النوع من التأليف ذكر الاشخاص على ترتيب الطبقات وان لم يكن على طبقات اصحابهمعليهم‌السلام ، والموجود من الكشي هو النمط الاول.

٧٤

حيث شرع بتدوين أسماء اصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم الامام عليعليه‌السلام وهكذا.

وأما الفهارس ; فيكتفي فيها بمجرد ذكر الاصول والمصنفات ومؤلفيها وذكر الطرق اليها ، ولاجل ذلك ترى النجاشي يقول في حق بعضهم ، « ذكره اصحاب الفهرس » ، وفي بعضهم : « ذكره اصحاب الرجال » ، ويؤيد ذلك ما ذكره نفس النجاشي وفي مقدمة الجزء الاول من الكتاب(1) وفي اول الجزء الثاني منه حيث يصفه بقوله : « الجزء الثاني من كتاب فهرس اسماء مصنفي الشيعة وذكر طرف من كناهم وألقابهم ومنازلهم وأنسابهم وما قيل في كل رجل منهم من مدح أو ذمّ »(2) .

قال المحقّق التستري : « إن كتب فن الرجال العامّ على انحاء : منها بعنوان الرجال المجرد ومنها بعنوان معرفة الرجال ، ومنها بعنوان تاريخ الرجال ، ومنها بعنوان الفهرس ، ومنها بعنوان الممدوحين والمذمومين ، ومنها بعنوان المشيخة ، ولكل واحد موضوع خاص »(3) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : 3.

2 ـ رجال النجاشي : 211.

3 ـ قاموس الرجال : 1 / 18.

٧٥
٧٦

2 ـ رجال ابن الغضائري

* ترجمة الغضائري.

* ترجمة ابن الغضائري.

* كيفية وقوف العلماء على كتاب الضعفاء.

* هل الكتاب للغضائري او لابنه؟

* الضعفاء رابع كتبه.

* قيمته عند العلماء.

٧٧
٧٨

من الكتب الرجالية المؤلفة في العصور المتقدمة التي تعد عند البعض من أمهات الكتب الرجالية ، الكتاب الموسوم بـ « رجال الغضائري » تارة و « رجال ابن الغضائري » اخرى ، وليس هو إلا كتابُ « الضعفاء » الذي أدرجه العلاّمة في خلاصته ، والقهبائي في مجمعه. ولرفع السّتر عن وجه الحقيقة يجب الوقوف على امور.

واليك البحث عنها واحداً بعد الاخر :

أ ـ ترجمة الغضائري

الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري من رجال الشيعة وهو معني في كتب الرجال بإكبار.

قال النجاشي : « شيخنارحمه‌الله له كتب » ثم ذكر أسماء تآليفه البالغة الى أربعة عشر كتاباً ولم يسمّ أي كتاب في الرجال ، ثم قال : « اجازنا جميعها وجميع رواياته عن شيوخه وماترحمه‌الله في منتصف شهر صفر سنة احدى عشر وأربعمائة »(1) .

__________________

1 ـ رجال النجاشي : الرقم 166.

٧٩

وقال الشيخ في رجاله : « الحسين بن عبيدالله الغضائري يكنى أبا عبد الله كثير السماع ، عارف بالرجال وله تصانيف ذكرناها في الفهرس ، سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته. مات سنة احدى عشرة وأربعمائة »(1) . ولكن النسخ الموجودة من الفهرس خالية من ترجمته ولعل ذلك صدر منهرحمه‌الله سهواً ، أو سقط من النسخ المطبوعة ، ولا يخفى أن هذه التعابير دالة على وثاقة الرجل. بل يكفي كونه من مشايخ النجاشي والشيخ ، وقد ثبت في محله ـ وسيوافيك ـ أن مشايخ النجاشي كلهم ثقات.

ب ـ ترجمة ابن الغضائري

هو أحمد بن الحسين بن عبيدالله ذكره الشيخ في مقدمة الفهرس وقال : « اني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرس كتب اصحابنا وما صنفوه من التصانيف ورووه من الاصول ، ولم أجد أحداً استوفى ذلك الا ما قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيداللهرحمه‌الله فانه عمل كتابين ، أحدهما ذكر فيه المصنفات والاخر ذكر فيه الاصول ، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا واخترم هو وعمد بعض ورثته الى اهلاك هذين الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه »(2) .

وهذه العبارة تفيد أنه قد تلف الكتابان قبل استنساخهما ، غير أن النجاشي كما سيوافيك ينقل عنه بكثرة والمنقول عنه غير هذين الكتابين كما سيوافيك بيانه.

ويظهر من النجاشي في ترجمة أحمد بن الحسين الصيقل أنه اشترك مع ابن الغضائري في الاخذ عن والده وغيره حيث قال : « له كتب لا يعرف منها الا

__________________

1 ـ رجال الشيخ : 470 ، الرقم 52.

2 ـ ديباجة فهرس الشيخ : « الطبعة الاولى » الصفحة 1 ـ 2 ، وفي « الطبعة الثانية » الصفحة 23 ـ 24.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الشُّكر

وهو عرفان النعمة من المنعم، وحمده عليها، واستعمالها في مرضاته. وهو من خلال الكمال، وسِمات الطِّيبَة والنُبل، وموجبات ازدياد النِّعَم واستدامتها.

والشكرُ واجبٌ مقدّسٌ للمنعم المخلوق، فكيف بالمنعم الخالق، الذي لا تُحصى نَعماؤه ولا تُعدّ آلاؤه.

والشكر لا يجدي المولى عزّ وجل، لاستغنائه المطلق عن الخلق، وإنّما يعود عليهم بالنفع، لإعرابه عن تقديرهم للنِّعَم الإلهيّة، واستعمالها في طاعته ورضاه، وفي ذلك سعادتهم وازدهار حياتهم.

لذلك دعَت الشريعة إلى التخلّق بالشكر والتحلّي به كتاباً وسنّة:

قال تعالى:( وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) (البقرة: ١٥٢).

وقال عزّ وجل:( كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ) (سبأ: ١٥).

وقال تعالى:( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) ( إبراهيم: ٧ ).

وقال تعالى:( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) ( سبأ: ١٣).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

١٦١

( الطاعم الشاكر له مِن الأجر، كأجر الصائم المُحتَسِب، والمُعافى الشاكر له مِن الأجر كأجر المبتلى الصابر، والمُعطى الشاكر له مِن الأجر كأجر المحروم القانع )(١).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن أعطى الشكر أُعطِيَ الزيادة، يقول اللّه عزّ وجل:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) ) ( إبراهيم: ٧ )(٢).

وقالعليه‌السلام : ( شكرُ كلّ نِعمة، وإنْ عظُمَت، أنْ تحمِد اللّه عزَّ وجلّ عليها )(٣).

وقالعليه‌السلام : ( ما أنعَم اللّه على عبدٍ بنعمةٍ بالغةً ما بلَغت فحَمدُ اللّه عليها، إلاّ كان حمَدُ اللّه أفضل مِن تِلك النعمة وأوزَن )(٤).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( تقول ثلاث مرّات: إذا نظرت إلى المُبتَلَى مِِن غير أنْ تُسمِعه: الحمدُ للّه الذي عافاني ممّا ابتلاك به، ولو شاء فعل. قال: مَن قال ذلك لم يصبه ذلك البلاء أبداً )(٥).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الرجل منكم ليشرب الشربة مِن الماء، فيوجب اللّه له بها الجنّة، ثمّ قال: إنّه ليأخذ الإناء، فيضعه على فيه، فيسمّي ثُمّ يشرب، فينحّيه وهو يشتهيه، فيحمد اللّه، ثُمّ يعود، ثُمّ ينحّيه فيحمد اللّه، ثُمّ يعود فيشرب، ثُمّ يُنحّيه فيحمد اللّه

_____________________

(١)، (٢)، (٣) الوافي ج ٣ ص ٦٧ عن الكافي.

(٤) الوافي ج ٣ ص ٦٩ عن الكافي.

(٥) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١٣٥ عن ثواب الإعمال للصدوق.

١٦٢

فيُوجب اللّه عزّ وجل له بها الجنّة )(١).

أقسام الشكر:

ينقسم الشكر إلى ثلاثة أقسام: شكر القلب. وشكر اللسان. وشكر الجوارح. ذلك أنّه متى امتلأت نفس الإنسان وعياً وإدراكاً بعِظَمِ نِعم اللّه تعالى، وجزيل آلائه عليه، فاضت على اللسان بالحمدِ والشكر للمنعم الوهّاب.

ومتى تجاوبت النفس واللسان في مشاعر الغبطة والشكر، سرى إيحاؤها إلى الجوارح، فغدت تُعرب عن شكرها للمولى عزّ وجل بانقيادها واستجابتها لطاعته.

من أجل ذلك اختلفت صوَر الشكر، وتنوّعت أساليبه:

أ - فشُكر القلب: هو تصوّر النعمة، وأنّها مِن اللّه تعالى.

ب - وشُكر اللسان: حمد المنعم والثناء عليه.

ج - وشُكر الجوارح: إعمالها في طاعة اللّه، والتحرّج بها عن معاصيه: كاستعمال العين في مجالات التبصّر والاعتبار، وغضّها عن المحارم، واستعمال اللسان في حسن المقال، وتعفّفه عن الفحش، والبذاء، واستعمال اليد في المآرب المباحة، وكفّها عن الأذى والشرور.

وهكذا يجدر الشكر على كلّ نعمة مِن نِعَم اللّه تعالى، بما يلائمها

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١٣١ عن الكافي.

١٦٣

من صور الشكر ومظاهره:

فشُكر المال: إنفاقه في سُبُل طاعة اللّه ومرضاته.

وشُكر العِلم: نشره وإذاعة مفاهيمه النافعة.

وشُكر الجاه: مناصرة الضُّعَفاء والمضطهدين، وإنقاذهم من ظلاماتهم. ومهما بالغ المرء في الشكر، فإنّه لن يستطيع أنْ يوفّي النعم شُكرها الحق، إذ الشكر نفسه مِن مظاهر نعم اللّه وتوفيقه، لذلك يعجز الإنسان عن أداء واقع شكرها: كما قال الصادقعليه‌السلام : ( أوحى اللّه عزّ وجل إلى موسىعليه‌السلام : يا موسى، اشكرني حقَّ شُكري. فقال: يا رب، وكيف أشكرك حقّ شكرك، وليس مِن شكرٍ أشكرك به، إلاّ وأنتَ أنعمت به عليّ. قال: يا موسى، الآن شكَرتَني حين علِمت أنّ ذلك منّي )(١).

فضيلة الشكر:

من خصائص النفوس الكريمة تقدير النعَم والألطاف، وشكر مسديها، وكلّما تعاظمت النِعم، كانت أحقّ بالتقدير، وأجدَر بالشكر الجزيل، حتّى تَتَسامى إلى النعم الإلهيّة، التي يقصُر الإنسان عن تقييمها وشكرها.

فكلّ نظرةٍ يسرحها الطرف، أو كلمةٍ ينطق بها الفم، أو عضوٍ تحرّكه الإرادة، أو نَفَسٍ يردّده المرء، كلّها مِنَحٌ ربّانيّة عظيمة،

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٨ عن الكافي.

١٦٤

لا يثمنّها إلاّ العاطلون منها.

ولئن وجَب الشكر للمخلوق فكيف بالمُنعِم الخالق، الذي لا تُحصى نعماؤه ولا تقدّر آلاؤه.

والشكر بعد هذا مِن موجبات الزلفى والرضا من المولى عزّ وجل، ومضاعفة نِعَمه وآلائه على الشكور.

أمّا كفران النعم، فإنّه مِن سِمات النفوس اللئيمة الوضيعة، ودلائل الجهل بقيم النعم وأقدارها، وضرورة شكرها.

أنظر كيف يخبر القران الكريم: أنّ كُفران النعَم هو سبب دمار الأُمم ومحق خيراتها:( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ( النحل: ١١٢ ).

وسئل الصادقعليه‌السلام : عن قول اللّه عزّ وجل:( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) ( سبأ: ١٩ ).

فقال: ( هؤلاء قومٌ كانت لهم قُرى متّصلة، ينظر بعضهم إلى بعض، وأنهارٌ جارية، وأموالٌ ظاهرة، فكفروا نِعَم اللّه عزّ وجل، وغيّروا ما بأُنفسهم مِن عافيةِ اللّه، فغيّر اللّه ما بِهم مِن نعمةٍ، وإنّ اللّه لا يُغيّر ما بقومٍ، حتّى يُغيّروا ما بأنفسهم، فأرسل اللّه عليهم سيل العَرمِ ففرّق قُراهم، وخرّب ديارهم، وذهَب بأموالهم، وأبدَلهم مكان جنّاتهم جنّتين ذواتَي أُكل خمط وأثل وشيءٍ من سِدرٍ قليل، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلاّ الكفور )(١).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٦٧ عن الكافي.

١٦٥

وقال الصادقعليه‌السلام في حديث له:

( إن قوماً أفرغت عليهم النعمة، وهُم ( أهل الثرثار )، فعمدوا إلى مُخ الحنطة فجعلوه خُبز هجاء فجعلوا ينجون به صبيانهم، حتّى اجتمع مِن ذلك جبَل، فمرّ رجلٌ على امرأة وهي تفعل ذلك بصبيٍّ لها، فقال: ويحكم، اتّقوا اللّه لا تُغيّروا ما بكم مِن نعمة، فقالت: كأنّك تخوّفنا بالجوع، أما مادام ثرثارنا يجري فإنّا لا نخاف الجوع.

قال: فأسف اللّه عزّ وجل، وضعف لهم الثرثار، وحبس عنهم قطر السماء ونبت الأرض، قال فاحتاجوا إلى ما في أيديهم فأكلوه، ثُمّ احتاجوا إلى ذلك الجبَل فإنّه كان ليقسم بينهم بالميزان )(١).

وعن الرضا عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( أسرَعُ الذنوب عقوبة كُفران النِّعَم )(٢).

كيف نتحلّى بالشكر:

إليك بعض النصائح لاكتساب فضيلة الشكر والتحلّي به:

١ - التفكّر فيما أغدقه اللّه على عباده من صنوف النِّعَم، وألوان الرعاية واللطف.

٢ - ترك التطلّع إلى المُترفين والمُنعّمين في وسائل العيش، وزخارف

_____________________

(١) البحار عن محاسن البرقي.

(٢) البحار عن أمالي ابن الشيخ الطوسي.

١٦٦

الحياة، والنظَر إلى البؤساء والمعوزين، ومَن هو دون الناظر في مستوى الحياة والمعاش، كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( وأكثر أنْ تنظر إلى مَن فُضِّلْتَ عليه في الرِّزق، فإنّ ذلك مِن أبواب الشُكر )(١).

٣ - تذكّر الإنسان الأمراض، والشدائد التي أنجاه اللّه منها بلُطفه، فأبدله بالسقم صحّة، وبالشدّة رخاءً وأمناً.

٤ - التأمّل في محاسن الشُكر، وجميل آثاره في استجلاب ودّ المنعِم، وازدياد نِعَمه، وآلائه، وفي مساوئ كُفران النِّعم واقتضائه مقت المُنعِم وزوال نِعَمه.

_____________________

(١) نهج البلاغة .

١٦٧

التوكّل

هو: الاعتماد على اللّه تعالى في جميع الأمور، وتفويضها إليه، والإعراض عمّا سِواه. وباعثه قوّة القلب واليقين، وعدمه من ضعفهما أو ضعف القَلب، وتأثّره بالمخاوف والأوهام.

والتوكّل هو: من دلائل الإيمان، وسِمات المؤمنين ومزاياهم الرفيعة، الباعثة على عزّة نفوسهم، وترفعهم عن استعطاف المخلوقين، والتوكّل على الخالِق في كسب المنافع ودَرء المضار.

وقد تواترت الآيات والآثار في مَدحِه والتشويق إليه:

قال تعالى:( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ( الطلاق: ٣ ).

وقال:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ( آل عمران: ١٥٩ ).

وقال:( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ( التوبة: ٥١ ).

وقال تعالى:( إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ( آل عمران: ١٦٠ ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ الغنى والعِزّ يجولان، فإذا ظفَرا بموضعِ التوكّل أوطنا )(١).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٥٦ عن الكافي.

١٦٨

وقالعليه‌السلام : ( أوحى اللّه إلى داودعليه‌السلام : ما اعتصم بي عبدٌ مِن عبادي دون أحدٍ مِن خلقي، عرفت ذلك من نيّته، ثُمّ تكيده السماوات والأرض ومَن فيهن، إلاّ جعلت له المخرج من بينهنّ.

وما اعتصم عبدٌ مِن عبادي بأحدٍ مِن خلقي، عرَفت ذلك من نيّته، إلاّ قطعت أسباب السماوات مِن يديه، وأسَخت الأرض مِن تحته، ولم أُبال بأيّ وادٍ هلَك )(١).

وقالعليه‌السلام : ( من أعطي ثلاثاً، لم يمنع ثلاثاً:

مَن أُعطي الدعاء أُعطي الإجابة.

ومَن أُعطي الشُكر أُعطي الزيادة.

ومَن أُعطي التوكّل أُعطي الكفاية.

ثُمّ قال: أَتلَوت كتاب اللّه تعالى ؟:( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) ( الطلاق: ٣ ).

وقال:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) ( إبراهيم: ٧ )، وقال:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) )( غافر: ٦٠ )(٢).

وقال أمير المؤمنين في وصيّتهِ للحسنعليه‌السلام :

( وألجئ نفسك في الأُمور كلّها، إلى إلهك، فإنّك تُلجئها إلى كهفٍ حريز، ومانعٍ عزيز )(٣).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ٥٦ عن الكافي.

(٢) نهج البلاغة.

١٦٩

( كان فيما وعَظ به لُقمان ابنه، أنْ قال له: يا بني، ليعتبر مَن قصُر يَقينه وضعُفَت نيّته في طلَب الرزق، أنّ اللّه تبارك وتعالى خلَقه في ثلاثةِ أحوال، ضِمن أمره، وآتاه رِزقه، ولم يكُن له في واحدةٍ منها كسبٌ ولا حيلة، أنّ اللّه تبارك وتعالى سيرزقه في الحال الرابعة:

أمّا أوّل ذلك فإنّه كان في رحِم أُمّه، يرزُقه هناك في قرارٍ مكين، حيثُ لا يؤذيه حرٌّ ولا برْد.

ثُمّ أخرجه من ذلك، وأجرى له رِزقاً مِن لبنِ أُمّه، يكفيه به ويربيه ويُنعِشه، من غير حولٍ به ولا قوّة.

ثُمّ فُطِم من ذلك، فأجرى له رِزقاً من كسبِ أبَوَيه، برأفةٍ ورحمة له من قلوبهما، لا يملكان غير ذلك، حتّى أنّهما يُؤثرانه على أنفسهما، في أحوالٍ كثيرة، حتّى إذا كبُر وعقل، واكتسب لنفسه، ضاق به أمره، وظنّ الظنون بربّه، وجحد الحقوق في ماله، وقتّر على نفسه وعياله، مخافة رزقه، وسوء ظنٍ ويقين بالخلَف من اللّه تبارك وتعالى في العاجل والآجل، فبئس العبد هذا يا بني )(١).

حقيقة التوكّل:

ليس معنى التوكّل إغفال الأسباب والوسائل الباعثة على تحقيق المنافع، ودرء المضار، وأنْ يقف المرء إزاء الأحداث والأزَمَات مكتوف اليدين.

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١٥٥ عن خصال الصدوق ( ره ).

١٧٠

سليب الإرادة والعزْم، وإنّما التوكّل هو: الثقة باللّه عزّ وجل، والركون إليه، والتوكّل عليه دون غيره من سائر الخلْق والأسباب، باعتبار أنّه تعالى هو مصدر الخير، ومسبّب الأسباب، وأنّه وحده المُصرّف لأُمور العباد، والقادر على إنجاح غاياتهم ومآربهم.

ولا ينافي ذلك تذرّع الإنسان بالأسباب الطبيعيّة، والوسائل الظاهريّة لتحقيق أهدافه ومصالحه كالتزوّد للسفر، والتسلّح لمقاومة الأعداء، والتداوي من المرض، والتحرّز من الأخطار والمضار، فهذه كلّها أسباب ضروريّة لحماية الإنسان، وإنجاز مقاصده، وقد أبى اللّه عزَّ وجل أنْ تجري الأُمور إلاّ بأسبابها.

بيد أنّه يجب أنْ تكون الثقة به تعالى، والتوكّل عليه، في إنجاح الغايات والمآرب، دون الأسباب، وآيةُ ذلك أنّ أعرابيّاً أهمل عَقل بعيره متوكّلاً على اللّه في حفظه، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، له: ( إعقل وتوكّل ).

درجات التوكّل:

يتفاوت الناس في مدارج التوكّل تفاوتاً كبيراً، كتفاوتهم في درجات إيمانهم: فمنهم السبّاقون والمجلّون في مجالات التوكّل، المنقطعون إلى اللّه تعالى، والمُعرِضون عمّن سِواه، وهُم الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، ومَن دار في فلَكهم من الأولياء.

١٧١

ومِن أروع صور التوكّل وأسماه، ما رُوي عن إبراهيمعليه‌السلام :

( أنّه لمّا أُلقِي في النار، تلقّاه جبرئيل في الهواء، فقال: هل لك من حاجة ؟ فقال: أمّا إليك فلا، حسبي اللّه ونعم الوكيل. فاستقبله ميكائيل فقال: إن أردتَ أن أخمد النار فانّ خزائن الأمطار والمياه بيدي، فقال: لا أريد. وأتاه ملك الريح فقال: لو شئت طيرت النار. فقال: لا أريد، فقال جبرئيل: فاسأل اللّه. فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي )(١).

ومن الناس من هو عديم التوكل، عاطل منه، لضعف إحساسه الروحي، وهزال إيمانه. ومنهم بين هذا وذاك على تفاوت في مراقي التوكّل.

محاسن التوكّل:

الإنسان في هذه الحياة، عرضةٌ للنوائب، وهدفٌ للمشاكل والأزَمات، لا ينفكّ عن جلادها ومقارعتها، ينتصر عليها تارةً وتصرعه أُخرى، وكثيراً ما تُرديه لقاً، مهيض الجناح، كسير القلب.

فهو منها في قلقٍ مضني، وفزَعٍ رهيب، يخشى الإخفاق، ويخاف الفقر، ويرهَب المرض، ويُعاني ألوان المخاوف المهدِّدة لأمنه ورخائه.

ولئن استطاعت الحضارة الحديثة أنْ تُخفّف أعباء الحياة، بتيسيراتها الحضاريّة، وتوفير وسائل التسلية والترفيه، فقد عجَزت عن تزويد النفوس

_____________________

(١) سفينة البحار ج ٢ ص ٦٣٨ عن بيان التنزيل لابن شهرآشوب بتلخيص.

١٧٢

بالطمأنينة والاستقرار، وإشعارها بالسكينة والسلام الروحيّين، فلا يزال القلَق والخوف مخيّماً على النفوس، آخذاً بخناقها، ممّا ضاعف الأمراض النفسيّة، وأحداث الجنون والانتحار في أرقى الممالك المتحضّرة.

ولكن الشريعة الإسلاميّة استطاعت بمبادئها السامية، ودستورها الخُلُقي الرفيع - أنْ تخفّف قلَق النفوس ومخاوفها، وتمدّها بطاقات روحيّة ضخمة، من الجلد والثبات، والثقة والاطمئنان، بالتوكّل على اللّه، والاعتماد عليه، والاعتزاز بحسن تدبيره، وجميل صنعه، وجزيل آلائه، وأنّه له الخلق والأمر وهو على كلّ شيء قدير. وبهذا ترتاح النفوس، وتستبدل بالخوف أمناً، وبالقلق دِعَةً ورخاءً.

والتوكّل بعد هذا مِن أهمّ عوامل عزّة النفس، وسموّ الكرامة، وراحة الضمير، وذلك بترفّع المتوكّلين عن الاستعانة بالمخلوق، واللجوء إلى الخالق، في جلب المنافع، ودرء المضار.

ولعلّ أجدر الناس بالتوكّل أرباب الأقدار والمسؤوليّات الكبيرة، كالمصلحين ليستمدّوا منه العزم والتصميم على مجابهة عَنَتِ الناس وإرهاقهم، والمضيّ قُدماً في تحقيق أهدافهم الإصلاحيّة، متخطّين ما يعترضهم مِن أشواكٍ وعوائق.

كيف تكسب التوكّل:

١ - استعراض الآيات والأخبار الناطقة بفضله وجميل أثره في كسب

١٧٣

الطمأنينة والرخاء.

ومِن طريق ما نُظِم في التوكّل قول الحسينعليه‌السلام :

إذا ما عضّك الدهر فلا تجنَح إلى خلقٍ

ولا تسأل سِوى اللّه تعالى قاسِم الرزق

فلو عِشت وطوّفت مِن الغرب إلى الشرق

لَما صادَفت مَن يقدِر أنْ يُسعد أو يُشقي

وممّا نُسِب لأمير المؤمنينعليه‌السلام :

رضيتُ بما قسَم اللّه لي

وفوّضت أمري إلى خالقي

كما أحسن اللّه فيما مضى

كذلك يُحسن فيما بقي

وقال بعض الأعلام:

كن عن همومك معرضاً

وكلّ الأُمور إلى القضا

فلَرُبَّ أمرٍ مُسخطٍ

لك في عواقبه رضا

ولربَّما اتّسع المضيق

وربَّما ضاق الفضا

اللّه عوّدك الجميل

فقس على ما قد مضى

* * *

٢ - تقوية الإيمان باللّه عزّ وجل، والثقة بحُسن صنعه، وحِكمة تدبيره، وجزيل حنانه ولُطفه، وأنّه هو مصدر الخير، ومسبّب الأسباب، وهو على كلّ شيء قدير.

٣ - التنبّه إلى جميل صنع اللّه تعالى، وسموّ عنايته بالإنسان، في جميع أطواره وشؤونه، مِن لدن كان جنيناً حتّى آخر الحياة، وأنّ مَن توكّل عليه كفاه، ومن استنجده أنجده وأغاثه.

٤ - الاعتبار بتطوّر ظروف الحياة، وتداول الأيّام بين الناس،

١٧٤

فكم فقير صار غنيّاً، وغنيّ صار فقيراً، وأمير غدا صعلوكاً، وصعلوك غدا أميراً متسلّطاً.

وهكذا يجدر التنبّه إلى عظَمة القدرة الإلهية في أرزاق عبيده، ودفع الأسواء عنهم، ونحو ذلك من صوَر العِبَر والعِظات الدالّة على قدرة اللّه عزّ وجل، وأنّه وحده هو الجدير بالثقة، والتوكّل والاعتماد، دون سِواه.

وآية حصول التوكّل للمرء هي: الرضا بقضاء اللّه تعالى وقَدره في المسرّات والمكاره، دون تضجّرٍ واعتراض، وتلك منزلةٌ سامية لا ينالها إلاّ الأفذاذ المقرّبون.

١٧٥

الخوف من اللّه تعالى

وهو: تألّم النفس خَشيةٍ مِن عِقاب اللّه، مِن جرّاء عِصيانه ومخالفته. وهو مِن خصائص الأولياء، وسمات المتّقين، والباعث المحفّز على الاستقامة والصلاح، والوازع القويّ عن الشرور والآثام.

لذلك أولته الشريعة عنايةً فائقة، وأثنت على ذويه ثناءً عاطراً مشرّفاً:

قال تعالى:( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) ( فاطر: ٢٨ ).

وقال:( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) ( الملك: ١٢ ).

وقال:( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات: ٤٠ - ٤١ ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( خَفِ اللّه كأنّك تراه، وإنْ كنت لا تراه فإنّه يراك، وإنْ كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت، وإنْ كنت تعلم إنّه يراك ثُمّ برزت له بالمعصية، فقد جعلته مِن أهوَن الناظرين إليك )(١).

وقالعليه‌السلام : ( المؤمن بين مخافَتين: ذنبٌ قد مضى لا يدري ما صنَع اللّه فيه، وعمرٌ قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه مِن المهالك،

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٥٧ عن الكافي.

١٧٦

فهو لا يصبح إلاّ خائفاً، ولا يصلحه إلاّ الخوف )(١).

وقالعليه‌السلام : ( لا يكون المؤمن مؤمناً حتّى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتّى يكون عاملاً لِما يخاف ويرجو )(٢) .

وفي مناهي النبيّ ( صلى اللّه عليه وآله ):

( من عرضت له فاحشة، أو شهوة فاجتنبها مِن مخافة اللّه عزّ وجل، حرّم اللّه عليه النار، وآمنه من الفزَع الأكبَر، وأنجز له ما وعده في كتابه، في قوله عزّ وجل:( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) )( الرحمن: ٤٦ )(٣).

وقال بعض الحكماء: مسكينٌ ابن آدم، لو خاف مِن النار كما يَخاف من الفقر لنجا منهما جميعاً، ولو رغب في الجنّة كما رغِب في الدنيا لفاز بهما جميعاً، ولو خاف اللّه في الباطن كما يخاف خلقه في الظاهر لسعد في الدارين جميعاً.

ودخل حكيمٌ على المهدي العبّاسي فقال له: عِظني. فقال: أليس هذا المجلس قد جلَس فيه أبوك وعمّك قبلك ؟ قال: نعم. قال: فكانت لهم أعمال ترجو لهم النجاة بها ؟ قال: نعم. قال: فكانت لهم أعمال تخاف عليهم الهلَكة منها ؟ قال: نعم. قال: فانظر ما رجَوت لهم فيه فآتِه، وما خِفت عليهم منه فاجتنبه.

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ٥٧ عن الكافي.

(٣) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١١٣ عن الفقيه.

١٧٧

الخوف بين المدّ والجزر:

لقد صوّرت الآيات الكريمة، والأخبار الشريفة، أهمّيّة الخوف، وأثره في تقويم الإنسان وتوجيهه وجهة الخير والصلاح، وتأهيله لشرف رضا اللّه تعالى وإنعامه.

بيد أنّ الخوف كسائر السجايا الكريمة، لا تستحقّ الإكبار والثناء، إلاّ إذا اتّسمت بالقصد والاعتدال، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.

فالإفراط في الخوف يجدب النفس، ويدعها يباباً مِن نضارة الرجاء، ورونَقه البهيج، ويدَع الخائف آيساً آبقاً موغلاً في الغواية والضلال، ومُرهِقاً نفسه في الطاعة والعبادة حتّى يشقيها وينهكها.

والتفريط فيه باعثٌ على الإهمال والتقصير، والتمرّد على طاعة اللّه تعالى واتّباع دستوره.

وبتعادل الخوف والرجاء تنتعش النفس، ويسمو الضمير، وتتفجّر الطاقات الروحيّة، للعمل الهادف البنّاء.

كما قال الصادقعليه‌السلام : ( أرجُ اللّه رجاءً لا يجرئك على معاصيه، وخَف اللّه خوفاً لا يؤيّسك مِن رحمته )(١).

محاسن الخوف:

قِيَم السجايا الكريمة بقدر ما تحقّق في ذويها مِن مفاهيم الإنسانيّة الفاضلة،

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١١٨ عن أمالي الصدوق.

١٧٨

وقِيم الخير والصلاح، وتؤهّلهم للسعادة والرخاء. وبهذا التقييم يحتلّ الخوف مركز الصدارة بين السجايا الأخلاقيّة الكريمة، وكانت له أهميّة كُبرى في عالم العقيدة والإيمان، فهو الذي يلهب النفوس، ويحفّزها على طاعة اللّه عزَّ وجل، ويفطمها من عصيانه، ومِن ثُمّ يسمو بها إلى منازل المتّقين الأبرار.

وكلّما تجاوبت مشاعر الخشية والخوف في النفس، صقلتها وسَمَت بها إلى أوج ملائكي رفيع، يحيل الإنسان ملاكاً في طيبته ومثاليّته، كما صوّره أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو يُقارن بين الملَك والإنسان والحيوان، فقال: ( إنّ اللّه عزّ وجل ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوةً بلا عقل، وركّب في بني آدم كليهما.

فمن غلَب عقلهُ شهوتهَ، فهو خير مِن الملائكة، ومَن غلَب شهوته عقلَه فهو شرٌّ مِن البهائم )(١).

مِن أجل ذلك نجد الخائف مِن اللّه تعالى يستسهلّ عناء طاعته، ويستحلي مرارتها، ويستوخم حلاوة المعاصي والآثام، خَشية من سخطه وخوفاً من عقابه.

وبهذا يسعد الإنسان، وتزدهر حياته الماديّة والروحيّة، كما انتظم الكون، واتّسقت عناصره السماويّة والأرضيّة، بخضوعه للّه عزَّ وجل، وسَيره على وفق نُظُمه وقوانينه.

( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً

_____________________

(١) علل الشرائع.

١٧٩

وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( النحل: ٩٧ ).

وما هذه المآسي والأرزاء التي تعيشها البشريّة اليوم مِن شيوع الفوضى وانتشار الجرائم، واستبداد الحيرة والقلق، والخوف بالناس إلاّ لإعراضهم عن اللّه تعالى، وتنكّبهم عن دستوره وشريعته.

( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( الأعراف: ٩٦ ).

كيف نستشعر الخوف:

يجدر بمَن ضعُف فيه شعور الخوف اتّباع النصائح التالية:

١ - تركيز العقيدة، وتقوية الإيمان باللّه تعالى، ومفاهيم المعاد والثواب والعقاب، والجنّة والنار، إذ الخوف مِن ثمرات الإيمان وانعكاساته على النفس:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( الأنفال: ٢ ).

٢ - استماع المواعظ البليغة، والحِكَم الناجعة، الموجبة للخوف والرهبة.

٣ - دراسة حالات الخائفين وضراعتهم وتبتّلهم إلى اللّه عزّ وجل، خوفاً من سَطوته، وخَشيةً مِن عقابه.

وإليك أروَع صورة للضراعة والخوف مناجاة الإمام زين العابدينعليه‌السلام في بعض أدعيته:

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517