أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت3%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 342348 / تحميل: 12218
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل اللّه )(١).

وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( مَن طلب الرزق في الدنيا، استعفافاً عن الناس، وسعياً على أهله، وتعطّفاً على جاره لقيَ اللّه عزّ وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر )(٢).

٢ - حسن العشرة:

والزوجة أنيسة الرجل، و شريكة حياته، تشاطره السرّاء والضرّاء، وتواسيه في الأفراح والأحزان، وتنفرد بجهود شاقّة مُضنية مِن تدبير المنزل، ورعاية الأُسرة، ووظائف الأُمومة. فعلى الرجل أنْ يُحسن عشرتها، ويسوسها بالرفق والمداراة، تلطيفاً لمشاعرها، ومكافأةً لها على جهودها، وذلك ممّا يسلّيها، ويخفّف متاعبها، ويضاعف حبّها وإخلاصها لزوجها.

وقد يستبدّ الصلَف والغرور ببعض الأزواج، فيحسبون أنّ قوّة الشخصيّة وسِمات الرجولة لا تبرز فيهم إلاّ بالتحكّم بالزوجة، والتجهّم لها، والتطاول عليها بالإهانة والتحقير. وتلك خلال مقيتة، تنمّ عن شخصيّةٍ هزيلةٍ معقّدة، تعكّر صفو الحياة الزوجيّة، وتنغّص الهناء العائلي.

والمرأة بحكم عواطفها ووظائفها، مرهفة الإحساس، سريعة التأثّر،

_____________________

(١) الوافي ج ١٠ ص ١٨، عن الكافي والفقيه.

(٢) الوافي ج ١٠ ص ١٨، عن الكافي والتهذيب.

٣٨١

قد تسيء إلى زوجها بكلمةٍ نابية، أو تقريعٍ جارح، صادرين عن ثورةٍ نفسيّة، وهِياج عاطفيّ. فعلى الرجل أنْ يضبط أعصابه، ويُقابل إساءتها بحُسن التسامح والإغضاء، لتسير سفينة الأُسرة آمنةً مطمئنّة، في محيط الحياة، لا تزعزعها عواصف النفرة والخلاف.

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما مثَل المرأة مثَل الضلع المعوَج، إنْ تركته انتفعت به، وإنْ أقمته كسرته )(١).

فإذا تمادت المرأة في عِصيان زوجها وتمرّدها عليه، فعليه أنْ يتدرّج في علاجها وتأديبها، بالنصح والإرشاد، فإنْ لم يجْدِها ذلك أعرَض عنها، واعتزال مضاجعتها، فإنْ لم يجْدِها ذلك ضرَبها ضرباً تأديبياًّ، مُبرّءاً مِن القسوة، والتشفّي الحاقد:( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) ( النساء:٣٤ ).

٣ - الحماية:

والزوج بحكم قوامته على الزوجة، ورعايته لها، مسؤولٌ عن حمايتها وصيانتها عمّا يسيئها ويضرّها أدبيّاً ومادّياً، وعليه أنْ يكون غيوراً عليها، صائنا لها ممّا يشوّه سُمعتها، ويثلب كرامتها من التخلّع والاختلاط المُريب، ومعاشرة المريبات مِن النساء.

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١٢٠، عن الكافي.

٣٨٢

وما أسوأ الذين يزجّون أزواجهم في الندَوات الخليطة، والحفَلات الداعرة، يخالِطنَ ويراقصن مَن شِئن مِن الرجال، متعامين عن أضرار ذلك الاختلاط، وأخطاره الدينيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة، التي تُهدّد كيان الأُسرة، وتنذرها بالتبعثر والانحلال.

وعلى المرء أنْ يحمي زوجه وأُسرته مِن دسائس الغزو الفكري، ودعاياته المُضلّلة، التي انخدع بها أغرار المسلمين، نساءً ورجالاً، وتلقّفوها تلقّف الببغاء، دونما وعيٍ وتمحيص في واقعها وأهدافها، وذلك بتعليمهم أُصول الدين الإسلامي ومفاهيمه حسب مستواهم الثقافي والفكري، تحصيناً لهم مِن تلك الدسائس والشرور.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ( التحريم:٦ )

* * *

الحقوق المزيّفة

وتمخّض العصر الحديث عن ضلالات ومبادئ غزت الشرق الإسلامي، وسمّمت أفكاره ومشاعره. وكان ذلك بتخطيط وكيد من أعداء الإسلام، لإطفاء نوره الوهّاج.

واستجاب الأغرار والبلهاء لتلك المفاهيم الوافدة، المناقضة لدينهم وشريعتهم، وطفَقوا يحاكونها، وينادون بها كأنّها مِن

٣٨٣

صميم مبادئهم. وانطمست تلك الصورة الإسلاميّة التي كانت بالأمس القريب تشعّ بالجمال والنور والمثاليّة، وخلّفتها صورٌ مسيخةٌ شوهاء يستبشعها الضمير المسلم، ويستنكرها واقع الإسلام، وغدا يستشعر الغُربة والوحشة في ربوعه وبين أتباعه ومعتنقيه. وراحت المفاهيم الجاهليّة الأُولى تحتلّ مواقعها مِن مشاعر المسلمين وضمائرهم، لتحيلها قفراً يباباً مِن قِيَم الإسلام ومُثله الرفيعة.

وانطلقت حناجر، وصرّت أقلام أجيرة، تُطالب بالمزيد مِن تلك الأعراف الجاهليّة، لتشيع مفاهيمها الدارسة من جديد، في المحيط الإسلامي، وعلى حساب المرأة المسلمة، والتغاير على حقوقها وتحريرها ومساواتها بالرجل، ونحو ذلك مِن صور الدعايات المُدجلة.

١ - السفور:

لقد عزّ على دعاة التحرر أن يروا المرأة المسلمة محصنة بالصون والحجاب، عصية الطلب، بعيدة المنال. فأغروها بالسفور والتبرج، ليستزلوها من علياء برجها وخدرها. واستجابت المرأة لتلك الدعوة الماكرة وراحت تُنظي حجابها وتبرز جمالها ومفاتنها، تستهوي العيون والقلوب، دونما تحرج او استحياء.

وما خدعت المرأة المسلمة وغرّر بها في تاريخها المديد بمثل ذلك الخُداع والتلبيس، متجاهلة عمّا يترصدها مِن جراء ذلك من الأخطار والمزالق.

٣٨٤

ليس الحِجاب كما يصوّره المتحلّلون تخلّفاً ورجعيّة، وإنّما هو حشمة وحصانة، تصون المرأة من التبذّل والإسفاف، ويقيها تلصّص الغواة والداعرين، وتجنّبها مزالق الفِتَن والشرور.

وحسب المسلمين ان يعتبروا بما أصاب الأُمم الغربيّة مِن ويلات السفور والتبرّج، واختلاط الجنسين، ما جعلها في وضعٍ سيّئ وحالةٍ مزرية، من التسيّب الخُلقي، وغدَت تعاني ألوان المآسي الأخلاقيّة والصحّية والاجتماعيّة

الأضرار الخُلقيّة:

لقد أحدَث التبرّج والاختلاط في الأوساط الغربيّة مضاعفات أخلاقيّة خطيرة، تثير الفزع والتقزّز، فأصبحوا لا يستنكرون الرذائل الجنسيّة، ولا يستحيون مِن آثامها ومعائبها، وراح الوباء الخُلقي يجتاحهم ويفتك بهم فتكاً ذريعاً، حتّى انطلقت صيحات الغيارى منهم معلنةً بالتذمّر والاستنكار، ومُنذرةً بالخطر الرهيب.

فقد صوّر( بول بيودر ) انهيار الأخلاق في بلاده حيث قال: ( لم يعد الآن مِن الغريب الشاذ وجود العلاقات الجنسيّة بين الأقارب في النسَب، كالأب والبنت، والأخ والأُخت في بعض الأقاليم الفرنسيّة، وفي النواحي المزدحمة في المدن ).

وجاء في تقرير ( اللجنة الأربعة عشريّة ) المعنيّة بالفحص عن مكامن الفجور: ( إنّ كلّ ما يوجد في البلاد الأمريكيّة مِن المراقص والنوادي

٣٨٥

الليليّة، ومجالي الزينة، وأماكن التدريم، وحجرات التدليك، ومراكز تمويج الشعر، قد أصبح جُلّها مواطن للفجور ودوراً للبغاء، بل هي أقبح منها وأشنع، لما يُرتكب فيها مِن الرذائل التي لا تصلح للذكر ).

وممّا يُخمّنه القاضي:( لندسي ) الأمريكي: ( أنّ خمساً وأربعين في المِئة مِن فتَيات المدارس يدنّسن أعراضهنّ قبل خروجهن منها، وترتفع هذه النسبة كثيراً في مراحل التعليم التالية ).

وقال( جورج رائيلي اسكات ) في كتابه( تاريخ الفحشاء ) وهو يشير إلى حالة بلاده في الغالب: ( وقد بلغ عدد هؤلاء العاهرات غير المحترفات في هذه الأيام مبلغاً لم يعهد قط فيما قبل، فهؤلاء يوجدن في كل طبقة من طبقات المجتمع من الدنيا والعليا.... وقد أصبح تعاطي الفجور وعدم التصوّن بل اتّخاذ الأطوار السوقيّة، معدوداً عند فتاة العصر، من أساليب العيش المُستجدّة ).

وقد سرت عدوى هذا التفسّخ الخُلقي إلى الصبية والصبايا مِن أولئك الأقوام، لتأثّرهم بالمحيط الفاسد والمثيرات الجنسيّة.

يقول الدكتور( راديت هوكو ) في كتابه( القوانين الجنسيّة ): ( إنّه ليس مِن الغريب الشاذّ حتّى في الطبَقات المُثقّفة المُترفة، أنّ بنات سبع أو ثماني سنين منهم، يخادن لداتهن من الصبية، وربّما تلوّثن معهم بالفاحشة ).

وقد جاء في تقرير طبيب مِن مدينة( بالتي مور ) : ( أنّه قد رفع إلى المحاكم في تلك المدينة أكثر مِن ألف مرافعة في مدّة سنة واحدة، كلّها

٣٨٦

في ارتكاب الفاحشة مَع صبايا دون الثانية عشرة من العمر ).

ولم تقف الفوضى الخُلقيّة عند هذا الدرك السافل، فقد تفاقمت حتّى أصبحت العلاقات الجنسيّة الطبيعيّة... لا تشبع نهَمَهم الجنسي، فراحوا يتمرّغون في مقاذر الشذوذ الجنسي وانحرافاته النكراء. وعاد مِن المألوف لديهم أنْ يتزوج الفتى فتىً مثله، بتشجيع من القانون، ومرأى ومسمَع من الناس، وهُم يُباركون هذا العرس !!

ويقول الدكتور( هوكر ): ( إنّه لا تزال تحدث في مثل هذه المدارس والكلّيات ودور التربية للممرّضات، والمدارس الدينيّة، مِن تسافح الوالدين من الجنس الواحد فيما بينهما، وقد تلاشى أو كاد... ميلهم الطبيعي إلى الجنس المُخالف ).

والآن فلنساءل الببغاوات مِن دُعاة التحرّر والتبرّج، أهذا الذي ينشدونه لأنفسهم وأُمّتهم الإسلامية... أم أنّهم لا يفقهون ما ينادون به ويدعون إليه ؟

إنّ كلّ داعية إلى التبرّج والاختلاط هو بلا ريب، معول هدّام، في كيان المجتمع الإسلامي، ورائد شر ودعارة لأُمته وبلاده.

( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) ( النور: ١٩ ).

* * *

٣٨٧

الأضرار الصحيّة:

وكان من الطبيعي لأُمّةٍ شاع فيها الفساد، وتلاشت فيها قِيَم الدين والأخلاق، أنْ تُعاني نتائج شذوذها وتفسّخها، فتنهار صحّتها كما انهارت أخلاقها مِن قبل.

وهذا ما حدَث فعلاً في الأوساط الغربيّة، حيث استهدفتها الأمراض الزهريّة، وكبّدتها خسائر فادحة في الأرواح والأموال، وجاءت تقارير أطّباء الغرب معلنةً أبعاد تلك الأمراض ومآسيها الخطيرة في أرقى تلك الأُمَم وأكثرها تشدّقاً بالحضارة والمدنيّة.

قال الدكتور الفرنسي( ليريد ): ( إنّه يموت في فرنسا ثلاثون ألف نسَمة بالزهريّ، وما يتّبعها مِن الأمراض الكثيرة في كلّ سنة. وهذا المرض هو أفتك الأمراض بالأُمّة الفرنسيّة بعد حُمّى الدق ).

وجاء في دائرة المعارف البريطانيّة ج ٢٣ ص ٤٥: ( إنّه يُعالج في المستشفيات الرسميّة هناك ( أي القطر الأمريكي ) مِئتا ألف مريض بالزهري ومِئة وستّون ألف مصاب بالسَيَلان البنّي في كلّ سنة بالمعدل. وقد اختصّ بهذه الأمراض الجنسيّة وحدها ستّمِئة وخمسون مستشفى، على أنّه يفوق هذه المستشفيات الرسميّة نتاج الأطبّاء غير الرسميّين الذين يراجعهم ١٦% مِن مرضى الزهري و ٨٩% مِن مرضى السيَلان ).

وجاء في كتاب القوانين الجنسيّة:

٣٨٨

إنّه ( يموت في أمريكا ما بين ثلاثين وأربعين ألف طفل بمرض الزهري الموروث وحده، في كلّ سنة. وإنّ الوفيّات التي تقَع بسبب جميع الأمراض - عدا السلّ - يربو عليها جملة عدد الوفيات الواقعة مِن مرض الزهري وحده ).

وكلّ هذه الخسائر والمآسي تدفعها الأُمم الغربية الداعرة... ضريبة من صحتها وحياتها جزاءً وفاقاً، على تفسّخها وتمرّغها في مقاذر الجِنس ومباءته.

الأضرار الاجتماعيّة:

وكان حتماً مقضيّاً على تلك الأُمم المُتحلّلة أنْ تُعاني - إلى جانب خسائرها الأخلاقيّة والصحيّة - عللاً اجتماعيّة خطيرة.

فقد جنت على حياتها الأسرية والاجتماعيّة، بإغفالها مبادئ العفّة والوفاء، واستهتارها بشرائط الزوجيّة الصالحة. وطفَق الزوجان منهم يهيمان في متاهات الغواية والفساد، تنطلق الزوجة خليعة متجمّلة بأبهى مظاهر الجمال، وبواعث الفتنة والإغراء، وينطلق الزوج هائماً في مراتع التبذّل والإسفاف، وسرعان ما ينزلق هذا أو تلك في مهاوي الرذيلة، حينما تستهوي بهما شخصيّةً جذّابة أروع جمالاً وأشدّ إغراءً مِن شريك حياته، فيزورُّ عنه طالباً صيداً جديداً، ومتعةً جديدة، بين فتيان الهوى وفتياته السائحات. فتزعزع بذلك كيان الأُسرة، وانفَرَط عقدها، ووَهَت

٣٨٩

العلائق الزوجيّة، وغدَت تنفصم لأتفه الأسباب، كما شهِدت بذلك تقارير الخُبَراء.

وقد كتب القاضي( لندسي ) في بلدة( دنور ) سنة ١٩٢٢:

( أعقَب كلّ زواج تفريق بين الزوجين، وبإزاء كل زواجين عرضت على المحكمة قضيّة الطلاق. وهذه الحال لا تقتصر على بلدة دنور، بل الحقّ أنّ جميع البلدان الأمريكيّة على وجه التقريب تماثلها في ذلك قليلاً أو كثيراً ).

ويمضي في كتابته فيقول: ( إنّ حوادث الطلاق والتفريق بين الزوجين لا تزال تكثر وتزداد، وإنْ اطردت الحال على هذا - كما هو المرجو - فلا بدّ أنْ تكون قضايا الطلاق المرفوعة إلى المحاكم في معظم نواحي القطر على قدَر ما يمنح فيها مِن الامتيازات للزواج ).

وهكذا توالت على الأُمَم الغربيّة أعراض الشذوذ واختلاطاته المقيتة فقد زهَد الكثيرون منهم في الحياة الزوجيّة، وآثروا العزوبة إشباعاً لهَوَسهم الجنسي وتحرّراً مِن قيود الزواج وتكاليفه.

فقد جاء في مقال نشرته جريدة( بدترويت ) :

( إنّ ما قد نشأ بيننا اليوم من قلّة الزواج، وكثرة الطلاق، وتفاحش العلاقات غير المشروعة بين الرجال والنساء، يدلّ كلّه على أنّنا راجعون القهقرى غلى البهيميّة. فالرغبة الطبيعيّة في النسل إلى التلاشي، والجيل المولود ملقى حبله على غاربه، والشعور بكون تعمير الأُسرة والبيت لازماً لبقاء المدنيّة، والحكم المستقل يكاد ينتفي مِن النفوس، وبخلاف ذلك أصبح

٣٩٠

الناس ينشأ فيهم الإغفال عن مآل المدنيّة والحكومة وعدم النصح لهما ).

ولو تحرّينا مردّ تلك المآسي التي اجتاحت الغرب لرأيناه ماثلاً في التبرّج والخلاعة والاختلاط، وشيوع المثيرات الجنسيّة، كالأفلام الداعرة والقصص الخلاعيّة والأغاني المخنّثة، التي مسخت القِيَم الأخلاقيّة وأشاعت الإسفاف والتهتّك في المجتمع الغربي، كما شهِد بذلك القوم أنفسهم.

وقد كتب( أميل بوريسي ) في تقريره الذي قدمّه إلى الجلَسة العامّة الثانية لرابطة منع الفواحش:

( هذه الفوتوغرافات الداعرة المتهتّكة تصيب أحاسيس الناس بأشدّ ما يُمكن من الهيَجان والاختلال، وتحثّ مشتريها البؤساء على المعاصي والإجرام التي تقشعرّ من تصوّرها الجلود. وإنّ أثرها السيّئ المُهلِك في الفتية والفَتَيات لَمِمّا يَعجز عنه البيان. فكثير مِن المدارس والكلّيات قد خربت حالتها الخلقيّة والصحيّة لتأثير هذه الصور المهيّجة، ولا يمكن أنْ يكون للفَتَيات على الأخصّ شيءٌ أضرّ وأفتَك مِن هذهِ )(١).

* * *

ونستنتج مِن هذا العرض السالف: أنّ الشريعة الإسلاميّة، إنّما أمرت المرأة المسلمة بالحِجاب، ونهَتها عن التبرّج والاختلاط المُريب، حِرصاً على كرامتها وصيانتها مِن دوافع الإساءة والتغرير، ووقايةً للمجتمع الإسلامي مِن المآسي والأرزاء التي حاقَت بالأُمَم الغربيّة، ومسَخت أخلاقها وضمائرها وأورَدَتها موارد الشقاء والهلاك.

_____________________

(١) اقتبسنا تلك الأقوال المُتَرجمة عن كتاب الحِجاب، للأُستاذ المودودي.

٣٩١

أنظر كيف أهاب الإسلام بالمرأة المسلمة أنْ تتحصّن بالحِجاب، وتتوقّى به مزالق الفِتَن والشرور:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) ( الأحزاب: ٥٩ ).

هذه هي إحدى الآيات الكريمة الناطقة بوجوب الحِجاب، والمُحرّضة عليه، بأُسلوبٍ جادٍّ صريح، حيث خاطَب اللّه عزَّ وجل رسوله الأعظم:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ )، وذلك بإسدال الجِلباب - وهو ما تستتر به المرأة من ملحفة أو ملاءة - على وجوههن وأبدانهن.

ثم بين سبحانه علة الحِجاب وجدواه:( ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ) ، حيثُ إنّ الحِجاب يستر محاسن المرأة ومفاتنها، ويحيطها بهالةٍ من الحصانة والمنعة، تقيها تلصّص الغواة والداعرين وتحرّشاتهم الإجراميّة العابثة بصون النساء وكرامتهنّ.

ويمضي القرآن الكريم في تركيز مَبدأ الحِجاب والحثّ عليه في آياتٍ مُتتالية، وأساليبٍ بلاغيّة فذّة:

( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) ( الأحزاب: ٣٢ - ٣٣ ).

وهنا يُخاطب اللّه عزّ وجل، زوجات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء ) في الشرف والفضل، فأنتنّ أرفع شأناً

٣٩٢

وأسمى منزلةٍ منهنّ، لشرفِ انتمائكن لرسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( إِنِ اتَقَيْتُنَّ ) معصيةَ اللّه تعالى ورسوله، وفي هذا الشرط إشعارٌ لهنّ إنّ انتسابهنّ إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فحسب لا يوجِب تفوّقهنّ على غيرهن مِن النساء، إلاّ بتحلّيهن بتقوى اللّه عزّ وجل، الذي هو مفتاح الفضائل، وقوام حياة الإيمان.

( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) فلا تخاطبن الأجانب بأُسلوبٍ لينّ رقيقٍ يستثير نوازِع القلوب المريضة بالدنَس والفجور.

( وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ) مستقيماً مُشعِراً بالحِشمة والترفّع والوقار. ثمّ أمَرهنّ بالاستقرار في بيوتهن، ونهاهنّ عن التبرّج وإظهار المحاسن والزينة للأجانب، كما كنّ يُظهرنها النساء الجاهليّات( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ). وفي ذلك ضمان لعفاف المرأة وكرامتها، وصيانتها مِن مزالق الخطيئة، وخوالج الشكّ والارتياب.

وهكذا يواصل القرآن الكريم غرس الفضيلة والعفّة في نفوس المؤمنين بمُثله العليا، وآدابه الرفيعة:

( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ

٣٩٣

أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ) ( النور: ٣٠ - ٣١ ).

أمر اللّه تعالى في هذه الآية الكريمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ يصدَع بآداب القرآن ووحي السماء، ويوجّه المؤمنين على ضوئهما توجيهاً هادفاً بنّاءً.

( قُل ) يا محمّد (لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) بأنْ ينقصوا مِن نظراتهم وتطلّعاتهم نحو النساء الأجنبيّات، لِما في ذلك مِن ضروب الأخطار والأضرار، فكم نظرةً طامحة إلى الجمال أورَثت حسرةً طويلة، واسترقّت صاحبها بأسر الحبّ وعناء الهيام.

وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً

لقلبِك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كلّه أنت قادر

عليه ولا عن بعضه أنت صابر

وقد تزجّ النظرة الآثمة في مهاوي الرذيلة والفساد:

نظرة فابتسامة فسلامٌ

فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ

ثمّ أمر المؤمنين بحفظ الفروج بعد أمرهم بغضّ الأبصار( وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) عن الآثام الجنسيّة أو يستروها عن الناظر المحترم، وقد أوصد اللّه تعالى بهذين الأمرين - غض الأبصار وحفظ الفروج - أخطر منافذ الشرور الخلقيّة وبوائقها العارمة، وحصّن المؤمنين بالعفّة والنزاهة( ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ) أطهر لنفوسهم وأخلاقهم، وأنفع لدينهم ودنياهم.

ثمّ عمَد إلى توعية الضمائر، وتصعيد قِيَمها الأخلاقيّة بالإيحاء النفسي بهيمنة اللّه سُبحانه عليهم ورقابته لهم( لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) بأبصارهم وفروجهم وجميع أعمالهم.

٣٩٤

ثمّ عطَف اللّه تعالى على النساء المؤمنات، فأمرهنّ بما أمر به الرجال المؤمنين مِن غضّ الأبصار وحفظ الفروج، لاتحاد الجنسين، وتساويهما في الغرائز والميول، وانجذاب كلٍّ منهما نحو الآخر.

وخصّ النساء بتوجيهات تنظّم سلوكهنّ، وتذكّي فيهن مشاعر الحِشمة والعزّة والوقار:( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) لا يظهرن مواضع الزينة لغير المحارم،( إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) كالثياب أو الوجه والكفّين،( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) وليسدلْن الخُمر والمقانع على نحورِهنّ وصدورهِنّ تستّراً مِن الأجانب.

ثمّ رخّصهنّ في إبداء زينتهن للمحارم، ومَن يؤمَن مِن الافتتان والإغراء منهنّ وعليهنّ، لنفرة الطباع مِن ذلك( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) وهنّ الإماء.

( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ) وهُم الذين يتبعون الناس طمَعاً في برّهم ونوالِهم مَن لا يهفو إلى النساء، ولا حاجة له فيهنّ، كالبلَه مِن الرجال أو الشيوخ العاجزين الصلحاء.

(أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء ) وأُريد به جمع الأطفال الذين لا يعرفون عورات النساء لسذاجتهم، وضعف غريزتهم الجنسيّة.

( وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ) للإعلام عن خلخالها أو إسماع صوته.

٣٩٥

( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( النور: ٣١ ) تسعدون في الدارين.

* * *

وهكذا جاءت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام تحضّ على العفاف، وغضّ الأبصار عن النظرة المحرّمة، فضلا عن الاختلاط، سيّان في ذلك الرجال والنساء.

قال الصادقعليه‌السلام : ( النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، وكم نظرةً أورَثت حسرةً طويلة )(١).

وقالعليه‌السلام : ( أوّل النظرة لك، والثانية عليك، والثالثة فيها الهلاك )(٢).

وقالعليه‌السلام : ( نهى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ يدخل الرجل على النساء إلاّ بإذن أوليائهنّ )(٣) .

وعن أبي جعفر وأبي عبد اللّهعليهما‌السلام قالا: ( ما مِن أحدٍ إلاّ وهو يصيب حظّاً مِن الزنا، فزنا العين النظر، وزنا الفم الغيبة، وزنا اليَدين اللمس، صدّق الفرج ذلك أم كذّب )(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( مَن نظر إلى امرأةٍ فرفع بصره إلى

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١٢٧، عن الكافي.

(٢) الوافي ج ١٢ ص ١٢٧، عن الفقيه.

(٣) الوافي ج ١٢ ص ١٢٣، عن الكافي.

(٤) الوافي ج ١٢ ص ١٢٧، عن الكافي.

٣٩٦

السماء، لم يرتد إليه بصره حتّى يزوّجه اللّه مِن الحور العين )(١) .

وعنه، عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( كلّ عينٍ باكية يوم القيامة إلاّ ثلاث أعين: عينٌ بكَت مِن خَشية اللّه، وعينٌ غضّت عن محارم اللّه، وعينٌ باتت ساهرةً في سبيل اللّه )(٢).

* * *

_____________________

(١) الوافي ج ١٢ ص ١٢٧، عن الفقيه.

(٢) البحار م ٢٣ ص ١٠١ عن خصال الصدوق (ره).

٣٩٧

منزلة المرأة في الإسلام

أجدني وأنا أتحدّث عن الحقوق الزوجيّة منساقاً إلى التحدّث عن منزلة المرأة في الإسلام، ورعايته لها وعطفه عليها، ما جعلها حظيّة سعيدة في ظلاله.

ولا يستطيع الباحث أنْ يتبيّن أبعاد حظوتها وسعادتها في عهده الزاهر، إلاّ بالمقارنة بينها وبين غيرها مِن النساء اللاتي سبَقْنها أو تخلّفن عنها في التأريخ، ليستجلي عزّتها وتفوّقها عليهنّ.

ولا يستطيع أنْ يتبيّن ذلك إلاّ بدراسته على ضوء المبادئ السماويّة الخالدة، والقِيَم المنطقيّة المبرّأة مِن نوازع الهوى والجهل، وسيطرة الأعراف والتقاليد التي لا تصلح أنْ تكون مقياساً ثابتاً وحكَماً عدلاً في تمحيص الحقائق وتقييمها، واستجلاء الواقع مِن المزيّف منها، لتلوّنها بالمحيط الذي نبَعت منه، والظرف الذي شاعت فيه، فطالما استحسَن العُرف خِلالاً قبيحة واستقبح سجاياً كريمة، متأثّراً بدوافع هذا أو ذاك.

وإنّما يصلُح العُرف في التحكيم إذا كان مستنيراً بهدي اللّه تعالى وتوجيهه السديد الحكيم، فإنّه آنذاك لا يُخطئ في حكمه، ولا يزيغ عن العدل والصواب.

٣٩٨

المرأة في التاريخ القديم

لقد اضطرب المِعيار الاجتماعي في تقييم المرأة وتحديد منزلتها الاجتماعيّة في عصور الجاهليّة القديمة أو الحديثة. وتأرجَح بين الإفراط والتفريط، وبين التطفيف والمُغالاة، دون أنْ يستقرّ على حالٍ رضيَ مِن القصد والاعتدال.

فاعتُبرت حيناً مِن الدهر مخلوقاً قاصراً منحطّاً، ثمّ اعتُبرت شيطاناً يسوّل الخطيئة ويوحي بالشرِّ، ثمّ اعتُبرت سيّدة المجتمع تحكم بأمرها وتصرّفه بمشيئتها، ثمّ اعتبرت عاملةً كادحة في سبيل عيشها، وحياتها.

وكانت المرأة في أغلب العصور تعاني الشقاء والهَوان، مهدورة الحقّ مستَرقّة للرجل، يسخّرها لأغراضه كيف يشاء.

وهي في تقييم الحضارة الرومانيّة في تأرجح واضطراب، بين التطفيف والمُغالاة: اعتبرتها رقيقاً تابعاً للرجل، يتحكّم فيها كما شاء. ثمّ غالت في قيمها فحرّرتها من سلطان الأب والزوج، ومنحتها الحقوق الملكيّة والإرثيّة وحريّة الطلاق، وحريّة التبذّل والإسفاف، فكانت الرومانيّة تتزوّج الرجل بعد الآخر دونما خجَل أو استحياء.

فقد كتب ( جوونيل ٦٠ - ١٤٠ م ) عن امرأة تقلّبت في أحضان ثمانية أزواج في خَمس سنَوات. وذكر القدّيس ( جروم ٣٤٠ - ٤٢٠ م ) عن امرأةٍ تزوّجت في المرّة الأخيرة الثالث والعشرين مِن أزواجها، وكانت

٣٩٩

هي الحادية والعشرين لبعلها(١).

ثمّ أباحوا لها طُرق الغواية والفساد، ممّا سبّب تفسّخ المجتمع الروماني ثمّ سقوطه وانهياره.

وهي في عرف الحضارة اليونانيّة تعتبر مِن سقط المتاع، تُباع وتُشترى، وتُعتبر رجساً مِن عمَل الشيطان.

وقضت شرائع الهند القديمة ( أنّ الوباء والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار... خير مِن المرأة ) وكان حقّها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها الذي هو سيّدها ومالكها، فإذا رأت جثمانه يُحرق ألقت بنفسها في نيرانه، وإلاّ حاقت عليها اللعنة الأبديّة.

وأمّا رأي التوراة في المرأة، فقد وضّحه سِفر الجامعة في الكلمات الآتية: ( درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرّف الشرّ أنّه جهالة، والحماقة أنّها جنون، فوجدت أمرّ مِن الموت، المرأة، التي هي شباك، وقلبها شِراك، ويداها قيود )( الاصحاح ١٤ الفقرة ١٧)(٢).

وكانت المرأة في وجهة نظر المسيحيّة - خلال العصور الوسطى - مخلوقاً شيطانيّاً دنساً، يجب الابتعاد عنه.

قال ( ليكي ) في كتاب تأريخ أخلاق أوربّا: ( وكانوا يفرّون مِن ظلّ النساء، ويتأثّمون مِن قربهنّ والاجتماع بهنّ، وكانوا يعتقدون أنّ

_____________________

(١) الحِجاب للمودودي ص ٢٢.

(٢) مقارنة الأديان ج ٣ الإسلام ص ١٩٦، بتصرّف للدكتور أحمد شلَبي.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517