أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت11%

أخلاق أهل البيت مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 517

أخلاق أهل البيت
  • البداية
  • السابق
  • 517 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 342070 / تحميل: 12205
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت

أخلاق أهل البيت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الأحاديث ظنية ، وانعدام الأمارات المقتضية للعمل بها.

ومثل الحسن ، والموثقية ، وإجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، وغير ذلك ، وإن صار ضابطة عند البعض مطلقا ، أو في بعض رأيه ، إلاّ أنّ ذلك البعض لم يصطلح إطلاق الصحيح عليه ، وإن كان يطلق عليه في بعض الأوقات ، بل لعل الجميع يطلقون أيضا كذلك ، كما سنشير إليه في أبان بن عثمان حذرا من الاختلاط ، لشدة اعتمادهم في مضبوطيّة قواعدهم ولئلا يقع تلبيس وتدليس.

وبالجملة لا وجه للاعتراض عليهم بتغيير الاصطلاح وتخصيصه ، بعد ملاحظة ما ذكرنا(1) .

__________________

(1) قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : 270 : تبيين : الذي بعث المتأخرين نور الله مراقدهم على العدول عن متعارف القدماء ووضع ذلك الاصطلاح الجديد ، هو أنّه لمّا طالت المدة بينهم وبين الصدر السالف ، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة ، لتسلط حكام الجور والضلال ، والخوف من إظهارها وانتساخها ، وانضم الى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول المشهورة في هذا الزمان ، فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة ، واشتبهت المتكررة في كتب الأصول بغير المتكررة ، وخفي عليهم قدس الله أرواحهم كثير من تلك الأمور التي كانت سبب وثوق القدماء بكثير من الأحاديث ، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه مما لا يركن إليه ، فاحتاجوا إلى قانون تتميّز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها ، والموثوق بها عمّا سواها.

فقرروا لنا شكر الله سعيهم ذلك الاصطلاح الجديد ، وقربوا إلينا البعيد ، ووصفوا الأحاديث الموردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحّة والحسن والتوثيق.

وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق والدين الحسن بن المطهر الحلي قدس الله روحه.

ثم إنّهم أعلى الله مقامهم ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض الأحيان فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى بالصحة ، لما شاع من أنّهم لا

٦١

وأيضا عدهم الحديث حسنا وموثقا منشأه القدماء ، ولا خفاء فيه ، مع أنّ حديث الممدوح عند القدماء ليس كحديث الثقة ، والمهمل والضعيف البتة ، وكذا الموثق ، نعم لم يعهد منهم أنّه حسن أو موثق مثلا ، وما فعله المتأخرون لو لم يكن حسنا لا مشاحة فيه البتة ، مع أن حسنه غير خفي.

ومما ذكرنا ظهر فساد ما توهم بعض من أنّ قول مشايخ الرجال : صحيح الحديث ، تعديل ، ويأتي في الحسن بن علي بن نعمان(1) أيضا ، نعم هو مدح ، فتدبر(2) .

فائدة :

قولهم : لا بأس به ، أي : بمذهبه ، أو رواياته‌. والأول أظهر إن ذكر مطلقا ، وسيجي‌ء في إبراهيم بن محمّد بن فارس : لا بأس به في نفسه ولكن ببعض من روى عنه(3) .

وربما يوهم هذا كون المطلق قابلا للمعنيين ، وفيه تأمل.

__________________

يرسلون إلا عمّن يثقون بصدقه ، بل يصفون بعض الأحاديث التي في سندها من يعتقدون أنّه فطحي أو ناووسي بالصحة نظرا إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم.

وعلى هذا جرى العلامة قدس الله روحه في المختلف ، حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة : إنّ حديث عبد الله بن بكير صحيح. وفي الخلاصة حيث قال : إن طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان مستندا في الكتابين إلى إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهما.

وقد جرى شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه على هذا المنوال أيضا ، كما وصف في بحث الردّة من شرح الشرائع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحة ، وأمثال ذلك في كلامهم كثير ، فلا تغفل.

(1) قول النجاشي في رجاله في ترجمته : 40 / 81 : له كتاب نوادر صحيح الحديث.

(2) تعليقة الوحيد البهبهاني : 6.

(3) قال الكشي في رجاله : 530 / 1014 : وأمّا إبراهيم بن محمّد بن فارس ، فهو في نفسه لا بأس به ، ولكن بعض من يروي هو عنه.

٦٢

والأظهر الأوفق بالعبارة : أنّه لا بأس به بوجه من الوجوه ، ولعله لذا قيل بإفادته التوثيق(1) ، واستقر به المصنف في الوسيط(2) ، ويومئ إليه ما في تلك الترجمة ، وترجمة بشار بن يسار(3) ، ويؤيده قولهم : ثقة لا بأس به.

والمشهور إفادته المدح(4) ، وقيل : بعدم إفادته ذلك أيضا(5) ، وفي الخلاصة عدّه من القسم الأول(6) ، فهو عنده يفيد مدحا معتدا به.

__________________

(1) قال الشهيد الثاني في الرعاية : 205 ، في تعداده لألفاظ التعديل الغير الصريحة : لا بأس به ، بمعنى أنّه ليس بظاهر الضعف.

وقال في صفحة : 207 : وأمّا نفي البأس عنه ، فقريب من الخيّر ، لكن لا يدلّ على الثقة ، بل من المشهور : أنّ نفي البأس يوهم البأس.

ونقل المحقق في حاشية الرعاية عن ابن معين : إذا قلت ليس به بأس ، فهو ثقة.

وعن ابن أبي حاتم : إذا قيل صدوق ، أو محلّه الصدق ، أو لا بأس به ، فهو ممّن يكتب حديثه وينظر فيه.

وعدّ الداماد في الرواشح السماوية : 60 : لا بأس به. في ضمن ألفاظ التوثيق والمدح.

وقال الكاظمي في العدّة : 20 : قولهم : لا بأس به ، فإنّه في العرف ممّا يفيد المدح ، بل ربما عدّ في التوثيق وقال الأصفهاني في الفصول الغروية : 303 : ومنها قولهم : لا بأس به ، فعدّه بعضهم توثيقا ، لظهور النكرة المنفية بالعموم.

(2) في نسختنا من الوسيط ـ في ترجمة إبراهيم بن محمّد بن فارس : 8 : وعن أحمد بن طاوس ، عن الكشي ، عن محمّد بن مسعود : ثقة في نفسه ولكن بعض من يروي عنه ـ ثم قال ـ : وكأنّه بناء على أنّ نفي البأس يقتضي التوثيق ، وهو غريب. انتهى.

واحتمال التصحيف بين كلمة قريب وغريب غير بعيد. ولقول الوحيد في التعليقة : 27 ، في تلك الترجمة : لعلّ ما ذكره من أنّ لا بأس ، نفي لجميع أفراد البأس ، ويؤكده قوله : ولكن ببعض من يروي عنه ، وفي ذلك إشارة إلى الوثاقة ، وقد مرّ في الفائدة الثانية.

(3) في رجال الكشي : 411 / 773 ، قال : سألت علي بن الحسن ، عن بشار بن بشار ـ الذي يروي عنه أبان بن عثمان ـ؟ قال : هو خير من أبان وليس به بأس.

(4) كما في عبارة الشهيد الثاني في الرعاية : 207 ، وقد مرّت.

(5) أرسل هذا القول في الفصول الغروية : 303 ، وهو مختار السيد الصدر في نهاية الدراية : 149.

(6) الخلاصة : 7 / 25.

٦٣

فائدة :

قولهم : عين ، ووجه ، قيل : يفيد التعديل‌(1) . ويظهر من المصنف في الحسن بن علي بن زياد(2) .

وسنذكر عن جدي فيه معناهما ، واستدلاله على كونه توثيقا(3) .

وربما يظهر ذلك من المحقق الداماد أيضا في الحسين بن أبي العلاء(4) .

وعندي أنهما يفيدان مدحا معتدا به.

وأقوى منهما قولهم : وجه من وجوه أصحابنا(5) .

__________________

(1) قال في الرواشح : 60 : ألفاظ التوثيق : ثقة. عين ، وجه.

وقال في الفصول الغروية : 303 : ومنها قولهم عين ، أو وجه.

فقد عدّه بعض الأفاضل تعديلا ، وهو غير بعيد. وقال البهائي في الوجيزة : 5 : وألفاظ التعديل : ثقة ، حجة ، عين ، وما أدى مؤدّاها.

(2) قال في منهج المقال : 103 : وربما استفيد توثيقه من استجازة أحمد بن محمّد بن عيسى ، ولا ريب أنّ كونه عينا من عيون هذه الطائفة ، ووجها من وجوهها ، أولى من ذلك.

(3) روضة المتقين : 14 / 45 ، قال : وكان هذا الشيخ عينا من عيون هذه الطائفة ، وهذا توثيق. إلى أن قال : بل الظاهر أنّ قوله : وجه ، توثيق.

وقال الميرزا القمي في القوانين : 485 : فمن أسباب الوثاقة. قولهم : عين ، ووجه ، فقيل أنّهما يفيدان التوثيق.

(4) وقال المحقق الداماد في تعليقته على رجال الكشي : 1 / 243 : والحسين بن أبي العلاء الخفاف الأزدي ، وأخواه علي وعبد الحميد : وجوه ، ثقات ، أذكياء.

(5) التعليقة : 7 ، وقال في الفصول الغروية : 303 : ومنها قولهم : عين ، أو وجه ، أو وجه من وجوه أصحابنا ، إلى أن قال : والأظهر أنّه يفيد مدحا يصح الاعتماد معه على روايته لا سيّما الأخير.

وقال الميرزا القمي في القوانين : 485 : قولهم عين ووجه ، فقيل إنّهما يفيدان التوثيق ، وأقوى منهما وجه من وجوه أصحابنا.

٦٤

فائدة :

عند خالي(1) ، بل وجدي(2) ـ على ما هو ببالي ـ كون الرجل ذا أصل ، من أسباب الحسن‌. وعندي فيه تأمل ، لأنّ كثيرا من أصحاب الأصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة(3) ، وإن كانت كتبهم معتمدة ، على ما صرح به في أول الفهرست(4) .

وأيضا الحسن بن صالح بن حي ، متروك العمل بما يختص بروايته على ما صرّح به في التهذيب(5) ، مع أنّه ذا أصل.

__________________

(1) قال المجلسي في مرآة العقول : 1 / 108 : الحديث التاسع مجهول على المشهور بسعدان بن مسلم ، وربما يعد حسنا لأنّ الشيخ قال : له أصل.

وقال أيضا في 10 / 124 ، عند ذكر الحسن بن أيوب : وقال النجاشي : له كتاب أصل ، وكون كتابه أصلا عندي مدح عظيم.

(2) قال المجلسي الأول في روضة المتقين : 1 / 86 : فإنّك إذا تتبعت كتب الرجال ، وجدت أكثر أصحاب الأصول الأربعمائة غير مذكور في شأنهم تعديل ولا جرح ، إمّا لأنّه يكفي في مدحهم وتوثيقهم أنّهم أصحاب الأصول. إلى آخره.

(3) الظاهر من أنّهم يعدونه حسنا إذا ذكر مجردا من دون مدح أو قدح ، ولذا قال المجلسي الثاني في آخر وجيزته : 409 ، بعد ذكر طرق الصدوق : واعلم ان ما نقلنا من العلامة هو بيان حال السند دون صاحب الكتاب ، وإنّما حكمنا بحسن صاحب الكتاب إذا كان على المشهور مجهولا ، لحكم الصدوقرحمه‌الله بأنّه إنّما أخذ أخبار الفقيه من الأصول المعتبرة ، التي عليها المعول وإليها المرجع ، وهذا إن لم يكن موجبا لصحة الحديث ـ كما ذهب إليه المحدثون ـ فهو لا محالة مدح لصاحب الكتاب.

ويؤيده قول المجلسي الأول الآنف الذكر.

(4) الفهرست : 2.

(5) التهذيب 1 : 408 / 1282.

٦٥

وكذلك علي بن أبي حمزة البطائني ، مع أنّه ذكر فيه ما ذكر(1) .

وأضعف من ذلك كون الرجل ذا كتاب.

وفي المعراج : كون الرجل ذا كتاب لا يخرجه عن الجهالة إلاّ عند بعض من لا يعتد به(2) .

هذا ، والظاهر أنّ كون الرجل ذا أصل يفيد حسنا ، لا الحسن الاصطلاحي. وكذا كونه كثير التصنيف ، أو جيد التصنيف ، وأمثال ذلك ، بل كونه ذا كتاب أيضا يشير الى حسن ما.

ولعل مرادهم ذلك مما ذكروا ـ وسيجي‌ء عن البلغة في الحسن بن أيوب ـ : أنّ كون الرجل ذا أصل يستفاد منه الحسن(3) ، فلاحظ.

أقول : لا يكاد يفهم حسن من قولهم : له كتاب ، أو أصل ، أصلا ، وإفادة الحسن لا بالمعنى المصطلح لا تجدي في المقام نفعا ، لكن تأمله سلمه الله تعالى في ذلك ـ لانتحال كثير من أصحاب الأصول المذاهب الفاسدة ـ لعله ليس بمكانه ، لأنّ ذلك لا ينافي الحسن بالمعنى الأعم ، كما سيعترف به دام فضله عند ذكر وجه الحكم بصحة حديث ابن الوليد ، وأحمد ابن محمّد بن يحيى ، وسائر مشايخ الإجازة.

والأولى أن يقال : لأنّ كثيرا منهم فيهم مطاعن وذموم. إلاّ أن يكون مراد خاله العلامة الحسن بالمعنى الأخص ، فتأمل.

__________________

(1) ذكر الشيخ في ترجمته في الفهرست : 96 / 418 : واقفي المذهب ، له أصل. مع كثرة ما ورد فيه من ذموم.

(2) معراج أهل الكمال : 129 / 61 ، في ترجمة : أحمد بن عبيد ، ومراده من البعض هو : المولى مراد التفرشيرحمه‌الله في التعليقة السجادية ، كما صرح بذلك في الهامش.

(3) راجع البلغة : 344 هامش رقم : 3.

٦٦

فائدة :

الكتاب مستعمل عندهم رضي الله عنهم في معناه المعروف‌ ، وهو أعمّ مطلقا من الأصل والنوادر.

فإنّه يطلق على الأصل كثيرا ، منه ما يأتي في ترجمة : أحمد بن محمّد ابن عمار(1) ، وأحمد بن ميثم(2) ، وإسحاق بن جرير(3) ، والحسين بن أبي العلاء(4) ، وبشّار بن يسار(5) ، وبشر بن مسلمة(6) ، والحسن بن رباط(7) ، وغيرهم.

وربما يطلق في مقابل الأصل ، كما في ترجمة : هشام بن الحكم(8) ، ومعاوية بن حكيم(9) ، وغيرهما.

__________________

(1) قال الشيخ الطوسي في فهرسته : 29 / 88 : كثير الحديث والأصول ، وصنف كتبا.

(2) قال الشيخ في رجاله : 440 / 21 : روى عنه حميد بن زياد كتاب الملاحم ، وكتاب الدلالة ، وغير ذلك من الأصول.

(3) قال الشيخ في فهرسته : 15 / 53 : له أصل.

وقال النجاشي في رجاله : 71 / 170 : له كتاب.

(4) قال الشيخ في الفهرست : 54 / 204 : له كتاب يعدّ في الأصول.

(5) قال الشيخ في الفهرست : 40 / 130 : له أصل. عن ابن أبي عمير عنه.

وقال النجاشي في رجاله : 113 / 290 : له كتاب ، رواه عنه محمّد بن أبي عمير.

(6) في الفهرست : 40 / 129 : له أصل ، عنه ابن أبي عمير.

وفي رجال النجاشي : 111 / 285 : له كتاب ، رواه ابن أبي عمير.

(7) في الفهرست : 49 / 174 : له أصل. رواه ابن محبوب ، وفي رجال النجاشي : 46 / 94 : له كتاب ، رواية الحسن بن محبوب.

(8) قال الشيخ في الفهرست : 174 / 781 : له أصل. وله من المصنفات كتب كثيرة.

(9) قال النجاشي في رجاله : 412 / 1098 : روى معاوية بن حكيم أربعة وعشرين أصلا ، لم يرو غيرها. وله كتب.

٦٧

وربما يطلق على النوادر ، وهو أيضا كثير ، منه قولهم : له كتاب النوادر ، وفي أحمد بن الحسين بن عمر ما يدل عليه(1) .

وكذا يطلق النوادر في مقابل الكتاب ، كما في ترجمة ابن أبي عمير(2) .

وأمّا المصنّف ، فالظاهر أنّه أيضا أعمّ منهما ، فإنه يطلق عليهما ، كما يظهر من ترجمة أحمد بن ميثم(3) .

ويطلق بإزاء الأصل ، كما في هشام بن الحكم(4) ، وديباجة الفهرست(5) .

وأمّا النسبة بين الأصل والنوادر ، فالأصل أنّ النوادر غير الأصل ، وربما يعدّ من الأصول كما يظهر من ترجمة حريز بن عبد الله(6) ، وغيره.

بقي الكلام في معرفة الأصل والنوادر ، نقل ابن شهرآشوب عن المفيد : أنّ الإمامية صنّفت من عهد أمير المؤمنينعليه‌السلام الى زمان العسكريعليه‌السلام أربعمائة كتاب تسمى الأصول ، انتهى(7) .

__________________

(1) قال النجاشي في ترجمته : 83 / 200 : له كتب لا يعرف منها إلاّ النوادر.

(2) قال النجاشي في ترجمته : 326 / 887 : وقد صنف كتبا كثيرة. حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير بجميع كتبه. فأمّا نوادره فهي كثيرة ، لأن الرواة لها كثيرة.

(3) قال الشيخ في الفهرست : 25 / 77 : له مصنفات ، منها كتاب الدلائل ، كتاب المتعة.

(4) قال الشيخ في الفهرست : 174 / 781 : وكان له أصل. ، ثم قال : وله من المصنفات كتب كثيرة.

(5) قال الشيخ في ديباجة الفهرست : 2 : عمدت إلى كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ، ولم أفرد أحدهما عن الآخر لئلا يطول الكتابان ، لأنّ في المصنفين من له أصل فيحتاج إلى أن يعاد ذكره في كل واحد من الكتابين فيطول.

(6) قال الشيخ في الفهرست : 62 / 249 : له كتب. وعدّ منها : كتاب النوادر ، ثم قال : تعدّ كلّها في الأصول.

(7) معالم العلماء : 3.

٦٨

أقول : لا يخفى أنّ مصنفاتهم أزيد من الأصول(1) ، فلا بد من وجه لتسمية بعضها أصولا دون بعض.

فقيل : إنّ الأصل ما كان مجرد كلام المعصومعليه‌السلام ، والكتاب ما فيه كلام مصنفه أيضا(2) ، وأيّد ذلك بقول الشيخرحمه‌الله في زكريا بن يحيى الواسطي : له كتاب الفضائل ، وله أصل(3) .

وفي التأييد نظر ، إلاّ أنّ ما ذكره لا يخلو عن قرب وظهور.

واعترض : بأنّ الكتاب أعمّ ، وفيه أنّ الغرض بيان الفرق بين الكتاب الذي ليس بأصل ومذكور في مقابله ، والكتاب الذي هو أصل ، وبيان سبب قصر تسميتهم الأصل في الأربعمائة.

ويظهر من كلام الشيخ في أحمد بن محمّد بن نوح أنّ للأصول ترتيبا خاصا(4) .

وقيل ـ في وجه الفرق ـ : أنّ الكتاب ما كان مبوبا(5) ومفصلا ، والأصل‌

__________________

(1) قال الحر العاملي في الفائدة الرابعة من خاتمة الوسائل : 30 / 165 ـ عند تعداده للكتب التي نقل عنها ـ : وأمّا ما نقلوا منه ولم يصرحوا باسمه فكثير جدا ، مذكور في كتب الرجال ، يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب ، على ما ضبطناه.

بينما ذكر أنّ الأصول أربعمائة.

(2) ذكر ذلك المحقق البحراني في المعراج : 17 ، نقلا عن الفاضل الأمين الأسترآباديقدس‌سره من بعض معلقاته.

وقال المحقق محمّد أمين الكاظمي في هداية المحدثين : 307 : الفرق بين المصنف والكتاب والأصل : أن الأولين كتبا بعد انقضاء زمن الأئمة عليهم‌السلام ، بخلاف الثالث فإنه كتب في زمنهم عليهم‌السلام .

(3) الفهرست : 75 / 314 ، في ترجمة زكار بن يحيى الواسطي.

(4) الفهرست : 37 / 117 ، قال : وله كتب في الفقه على ترتيب الأصول.

(5) ولكنّ يبدو أنّ كثيرا من الكتب غير مبوبة ، كما ورد في قول النجاشي في ترجمة علي بن جعفر : 251 / 662 : له كتاب في الحلال والحرام يروي تارة غير مبوب ، وتارة مبوّبا.

٦٩

مجمع أخبار وآثار(1) .

وردّ : بأنّ كثيرا من الأصول مبوّبة(2) .

ويقرب في نظري : أنّ الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصومعليه‌السلام ، أو عن الراوي ، والكتاب والمصنّف لو كان فيهما حديث معتمد معتبر لكان مأخوذا من الأصول غالبا.

وقيّدنا بالغالب ، لأنّه ربما كان بعض الروايات يصل معنعنا ، ولا يؤخذ من أصل ، وبوجود مثل هذا فيه لا يصير أصلا ، فتدبر.

وأمّا النوادر : فالظاهر أنّه ما اجتمع فيه أحاديث لا تنضبط في باب لقلته أو وحدته ، ومن هذا قولهم في الكتب المتداولة : نوادر الصلاة ، نوادر الزكاة وغير ذلك(3) .

وربما يطلق النادر على الشاذ(4) ، ومن هذا قول المفيدرحمه‌الله : إنّ النوادر هي التي لا عمل عليها(5) .

وقال الشيخ في التهذيب : لا يصلح العمل بحديث حذيفة لأنّ متنه لا‌

__________________

وفي ترجمة سعد بن سعد : 179 / 470 : له كتاب مبوب وكتاب غير مبوب.

وقال في ترجمة محمّد بن علي بن بابويه الصدوق : 392 / 1049 : كتاب العلل غير مبوب.

(1) انظر عدّة الرجال : 12.

(2) كما قال الشيخ في الفهرست : 37 / 117 ، في ترجمة أحمد بن محمّد بن نوح : وله كتب في الفقه على ترتيب الأصول.

(3) قال العلامة المجلسي في مرآة العقول : 1 / 154 : النوادر : أي أخبار متفرقة مناسبة للأبواب السابقة ، ولا يمكن إدخالها فيها ، ولا عقد باب لها ، لأنّها لا يجمعها باب ، ولا يمكن عقد باب لكلّ منها.

(4) راجع نهاية الدراية : 63 ، ومقباس الهداية : 1 / 252.

(5) الرسالة العددية : 9 / 19.

٧٠

يوجد في شي‌ء من الأصول المصنّفة ، بل هو موجود في الشواذّ من الأخبار(1) .

والمراد من الشاذ ـ عند أهل الدراية ـ : ما رواه الثقة مخالفا لما رواه الأكثر(2) ، وهو مقابل المشهور(3) .

والشاذّ مردود مطلقا عند بعض ، مقبول كذلك عند بعض(4) .

ومنهم من فصّل : بأنّ المخالف له إن كان أحفظ وأضبط وأعدل فمردود ، دون العكس فيتعارضان(5) .

وعن بعض أنّ النادر ما قلّ روايته وندر العمل به(6) . وادعى أنّه الظاهر من كلام الأصحاب. ولا يخلو من تأمل(7) .

فائدة :

قولهم : أسند عنه ، قيل : معناه سمع عنه الحديث‌ ، ولعل المراد على سبيل الاستناد والاعتماد(8) ، وإلاّ فكثير ممن سمع عنه ليس ممن أسند‌

__________________

(1) التهذيب : 4 / 169.

(2) قال ابن الصلاح في المقدمة : 44 : قال الشافعي : ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره ، إنّما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس. ونظيره في تدريب الراوي : 1 / 232 وغيرهما.

(3) كما في الرعاية : 115 ، والوجيزة للبهائي : 5 ، ونهاية الدراية : 63.

(4) الرعاية : 115.

(5) الرعاية : 115 ، مقدمة ابن الصلاح : 46 ، تدريب الراوي : 1 / 234.

(6) مقباس الهداية : 3 / 31.

وقال الشيخ الطريحي في مجمع البحرين ـ ندر ـ : 3 / 490 : والنادر من الحديث في الاصطلاح : ما ليس له أخ ، أو يكون لكنّه قليل جدا ، ويسلم من المعارض ولا كلام في صحته ، بخلاف الشاذ فإنه غير صحيح ، أو له معارض.

(7) تعليقة الوحيد البهبهاني : 7.

(8) نقل العلياري في بهجة الآمال : 1 / 161 عن القوانين أنّه قال : ومن أسباب الوثاقة قولهم :

٧١

عنه(1) .

وقال جدي : المراد روى عنه الشيوخ ، واعتمدوا عليه ، وهو كالتوثيق ، ولا شك أنّ هذا المدح أحسن من لا بأس به(2) ، انتهى.

قولهرحمه‌الله : وهو كالتوثيق ، لا يخلو من تأمل ، نعم إن أراد التوثيق بالمعنى الأعم فلعلّه لا بأس به ، لكن لعله توثيق من غير معلوم الوثاقة ، أما أنّه روى عنه الشيوخ كذلك حتى يظهر وثاقته لبعد اتفاقهم على الاعتماد على من ليس بثقة ، أو بعد اتفاق كونهم بأجمعهم غير ثقات ، فليس بظاهر.

نعم ربما يستفاد منه قوة ومدح(3) ، لكن ليس بمثابة قولهم : لا بأس به ، بل أضعف منه ، لو لم نقل بإفادة ذلك التوثيق.

وربما يقال : بايمائه الى عدم الوثوق ، ولعله ليس كذلك(4) .

أقول : لم أعثر على هذه الكلمة إلاّ في كلام الشيخرحمه‌الله ، وما ربما يوجد في الخلاصة فإنّما أخذه من رجال الشيخ ، والشيخرحمه‌الله إنّما ذكرها في رجاله دون فهرسته ، وفي أصحاب الصادقعليه‌السلام دون غيره ، إلاّ في أصحاب الباقرعليه‌السلام ندرة غاية الندرة(5) .

__________________

أسند عنه ، يعني سمع منه الحديث على وجه الاسناد.

(1) ذكر هذا القول أيضا الأسترآبادي في لب اللباب : 22 على ما نقل عنه محقق مقباس الهداية : 2 / 228.

(2) روضة المتقين : 14 / 64 ، ذكر ذلك عند شرحه لحال أيوب بن الحر الجعفي.

(3) قال الكاظمي في عدته : 50 : وكثيرا ما يقولون : أسند عنه ـ وهو بالمجهول ـ والمراد أنّ الأصحاب رووا عنه ، وتلك خلة مدح ، فإنه لا يسند ولا يروى إلاّ عمّن يعوّل عليه ويعتمد.

(4) التعليقة : 7.

(5) ذكرت لفظة « أسند عنه » في عدّة من أصحاب الأئمةعليهم‌السلام في رجال الشيخ ، ففي أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام جاوزوا الثلاثمائة شخص.

أما في أصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام فذكرت العبارة في حق شخص واحد ، وهو :

٧٢

واختلفت الأفهام في قراءتها :

فمنهم من قرأها بالمجهول كما سبق ، ولعلّ عليه الأكثر ، وقالوا بدلالتها على المدح ، لأنّه لا يسند إلاّ عمن يستند إليه ، ويعوّل عليه.

وفي ترجمة محمّد بن عبد الملك الأنصاري : أسند عنه ، ضعيف(1) .

فتأمل.

وقيل في وجه اختصاصها ببعض دون بعض : أنّها لا تقال إلاّ فيمن لا يعرف بالتناول منه والأخذ عنه(2) .

وقرأ المحقق الشيخ محمّد : أسند بالمعلوم ، وردّ الضمير الى الامامعليه‌السلام ، وكذا الفاضل الشيخ عبد النبي الجزائريرحمه‌الله في‌

__________________

حماد بن راشد الأزدي : 117 / 39.

وذكرت في أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام مرتين :

موسى بن إبراهيم المروزي : 359 / 7.

يزيد بن الحسن : 364 / 19.

وذكرت في أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام سبع مرات :

إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر : 367 / 4.

أحمد بن عامر بن سليمان الطائي : 367 / 5.

داود بن سليمان بن يوسف : 375 / 2.

علي بن بلال : 380 / 7.

عبد الله بن علي : 381 / 16.

محمّد بن سهل البجلي الرازي : 389 / 34.

محمّد بن أسلم الطوسي : 390 / 49.

وذكرت في أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام مرة واحدة : محمّد بن أحمد بن عبيد الله ابن المنصور : 422 / 14.

(1) رجال الشيخ : 294 / 223.

(2) قال الكاظمي في عدته : 50 ، بعد كلامه في هامش رقم 3 المتقدم : غير أنّهم إنّما يقولون ذلك فيمن لا يعرف بالتناول منه ، والأخذ عنه.

٧٣

الحاوي(1) كما يأتي عنهما في يحيى بن سعيد الأنصاري(2) ، وعن الثاني في عبد النور أيضا(3) .

وينافيه قول الشيخ في جابر بن يزيد : أسند عنه ، روى عنهما(4) .

وقوله في محمّد بن مسلم : أسند عنه قصير وحداج ، روى عنهما(5) .

وقوله في محمّد بن إسحاق بن يسار : أسند عنه ، يكنى أبا بكر ، صاحب المغازي ، من سبي عين التمر ، وهو أول سبي دخل المدينة ، وقيل : كنيته أبو عبد الله ، روى عنهما(6) .

وقال المحقق الداماد في الرواشح ـ ما ملخصه ـ : إنّ الصحابي ـ على مصطلح الشيخ في رجاله ـ على معان :

منها : أصحاب الرواية عن الإمام بالسماع منه.

ومنها : بإسناد عنه ، بمعنى أنّه روى الخبر عن أصحابهعليه‌السلام

__________________

(1) الحاوي : 344 / 2135.

(2) قال المحقق الشيخ محمّدقدس‌سره : العجب من العلامةرحمه‌الله أنّه أتى بقوله : أسند عنه ، مع عدم تقدم مرجع الضمير ، فكأنّه نقل كلام الشيخرحمه‌الله بصورته ، والضمير فيه عائد إلى الصادقعليه‌السلام ، وهذا من جملة العجلة الواقعة من العلامةرحمه‌الله ، انتهى.

وقال الفاضل عبد النبي الجزائري : لا يخفى أن ضمير عنه في عبارة الخلاصة لا مرجع له بحسب الظاهر ، وكان عليه أن يقول من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، انتهى.

ثم عقب الحائري بقوله : ولا يخفى أنّ ما ذكراه مبني على قراءة « أسند » ، بصيغة المعلوم ، ولم يظهر ذلك من العلامة رحمه‌الله ، فلعلّه رحمه‌الله قرأها بالمجهول ، فلا اعتراض.

منتهى المقال ، ترجمة يحيى بن سعيد الأنصاري.

(3) الحاوي : 306 / 1851.

(4) رجال الشيخ : 163 / 30.

(5) رجال الشيخ : 300 / 317.

(6) رجال الشيخ : 281 / 22.

٧٤

الموثوق بهم ، وأخذ عن أصولهم المعتمد عليها ، فمعنى أسند عنه : أنّه لم يسمع منه ، بل سمع من أصحابه الموثقين وأخذ عنهم من أصولهم المعتمد(1) عليها.

وبالجملة قد أورد الشيخ في أصحاب الصادقعليه‌السلام جماعة جمّة إنّما روايتهم عنه بالسماع من أصحابه الموثوق بهم والأخذ من أصولهم المعوّل عليها ، ذكر كلا منهم وقال : أسند عنه ، انتهى(2) .

وردّ : بأنّ جماعة ممن قيلت فيه ، رووا عنه مشافهة(3) .

وقرأ ولد الأستاذ العلامة دام علاهما أيضا بالمعلوم ، ولكن لا أدري الى من ردّ الضمير.

وقرأ بعض السادة الأزكياء من أهل العصر(4) أيضا كذلك ، قال :

__________________

(1) في نسخة : المعمول.

(2) الرواشح السماوية : 63 ـ 65 ، الراشحة الرابعة عشر.

(3) كما في ترجمة : جابر بن يزيد الجعفي : 163 / 30 ، ومحمّد بن إسحاق بن يسار : 281 / 22 ، ومحمّد بن مسلم بن رباح : 300 / 317 ، فإن الثلاثة من أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام وقال عنهم الشيخ : أسند عنه ، ثم عقبه بقوله : روى عنهماعليهما‌السلام .

وكثير من الذين عدّهم الشيخ في رجاله وقال : أسند عنه ، ذكرهم النجاشي في رجاله وذكر لهم كتاب يرويه عن ذلك الامام ، مثل :

1 ـ محمّد بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام .

2 ـ أبان بن عبد الملك الخثعمي.

3 ـ عبد الله بن علي.

4 ـ أحمد بن عامر بن سليمان الطائي.

5 ـ محمّد بن إبراهيم العباسي الإمام.

6 ـ محمّد بن ميمون التميمي الزعفراني.

7 ـ إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى وغيرهم كثير.

(4) هو النحرير الرباني السيد بشير الجيلانيرحمه‌الله ( منه ).

٧٥

والأشبه كون المراد أنّهم أسندوا عنهعليه‌السلام ولم يسندوا عن غيره من الرواة كما تتبعت ، ولم أجد رواية أحد من هؤلاء عن غيرهعليه‌السلام إلاّ أحمد بن عائذ ، فإنه صحب أبا خديجة وأخذ عنه ، كما نص عليه النجاشي(1) ، والأمر فيه سهل ، فكأنه مستثنى لظهوره. انتهى.

وفيه أيضا تأمل ، فإن غير واحد ممن قيل فيه : أسند عنه ، سوى أحمد ابن عائذ رووا عن غيرهعليه‌السلام أيضا ، منهم : محمّد بن مسلم على ما ذكره ولد الأستاذ العلامة ، والحارث بن المغيرة ، وبسام بن عبد الله الصيرفي.

وربما يقال : انّ الكلمة : أسند بالمعلوم ، والضمير للراوي ، إلاّ أن فاعل أسند ابن عقدة ، لأنّ الشيخرحمه‌الله ذكر في أول رجاله أنّ ابن عقدة ذكر أصحاب الصادقعليه‌السلام وبلغ في ذلك الغاية. قالرحمه‌الله : وإني ذاكر ما ذكره ، وأورد من بعد ذلك ما لم يذكره(2) ، فيكون المراد : أخبر عنه ابن عقدة ، وليس بذلك البعيد.

وربما يظهر منه : وجه عدم وجوده إلاّ في كلام الشيخ. وسبب ذكر الشيخ ذلك في رجاله دون الفهرست ، وفي أصحاب الصادقعليه‌السلام دون غيره(3) . بل وثمرة قولهرحمه‌الله : إني ذاكر ما ذكره ابن عقدة ثم أورد ما لم يذكره. فتأمل جدا(4) .

__________________

(1) رجال النجاشي : 98 / 246.

(2) رجال الشيخ : 2.

(3) ذكرنا فيما سبق المواضع التي وردت الكلمة في حقهم ، من أصحاب باقي الأئمةعليهم‌السلام .

(4) وقد فصّل القول في معنى الكلمة ومدلولها ومواردها ومعناها اللغوي السيد الجلالي في مقالته التي نشرت في مجلة تراثنا ، العدد الثالث ، السنة الأولى ، تحت عنوان : المصطلح الرجالي « أسند عنه » ما هو؟ وما هي قيمته الرجالية؟.

٧٦

فائدة :

لا يخفى أنّ كثيرا من القدماء سيّما القميين وابن الغضائري كانت لهم اعتقادات خاصة في الأئمةعليهم‌السلام ‌ بحسب اجتهادهم ، لا يجوّزون التعدي عنها ، ويسمون التعدي : غلوا وارتفاعا ، حتى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله غلوا ، بل ربما جعلوا التفويض ـ المختلف فيه ـ إليهم ، أو نقل خوارق العادات عنهم ، أو الإغراق في جلالتهم ، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ارتفاعا ، أو مورثا للتهمة.

وذلك لأنّ الغلاة كانوا مختفين في الشيعة ، ومخلوطين بهم ، مدلّسين أنفسهم عليهم ، فبأدنى شبهة كانوا يتّهمون الرجل بالغلوّ والارتفاع ، وربما كان منشأ رميهم بذلك وجدان رواية ظاهرة فيه منهم ، أو ادعاء أرباب ذلك القول كونه منهم ، أو روايتهم عنه ، وربما كان المنشأ روايتهم المناكير ، الى غير ذلك.

وبالجملة الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية ، فربما كان شي‌ء عند بعضهم فاسدا أو كفرا أو غلوّا ، وعند آخرين عدمه ، بل مما يجب الاعتقاد به ، فينبغي التّأمل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة.

ومما ينبه على ما ذكرنا ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة ، ويأتي في إبراهيم بن عمر ، وغيره ، ضعف تضعيفات ابن الغضائري وفي إبراهيم بن إسحاق وسهل بن زياد ضعف تضعيف أحمد بن محمّد بن عيسى ، مضافا الى غيرهما من التراجم فتأمل(1) .

__________________

(1) التعليقة : 8.

٧٧

فائدة :

للتفويض معان :

أولا : يأتي في آخر الكتاب(1) .

ثانيا : تفويض الخلق والرزق إليهمعليهم‌السلام ، ولعلّه يرجع الى الأول ، وورد فساده عن الصادق(2) والرضا(3) عليهما‌السلام .

ثالثا : تفويض تقسيم الأرزاق ، ولعلّه مما يطلق عليه(4) .

رابعا : تفويض الأحكام والأفعال إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأن يثبت ما رآه حسنا ، ويرد ما رآه قبيحا ، فيجيز الله تعالى ذلك ، كإطعام الجدّ السدس ، وإضافة الركعتين في الرباعيات ، والركعة في المغرب ، والنوافل‌

__________________

(1) تعليقة الوحيد : 410 عند ذكره للفرق ، وفيه : ومنها المفوّضة ، القائلون بأنّ الله خلق محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله وفوّض إليه أمر العالم ، فهو الخلاّق للدنيا وما فيها ، وقيل : فوّض ذلك الى عليعليه‌السلام ، وربما يقولون بالتفويض إلى سائر الأئمة.

(2) نقل العلامة المجلسي في البحار 25 : 343 / 25 ، عن كتاب اعتقاد الصدوق : عن زرارة أنّه قال : قلت للصادقعليه‌السلام : إنّ رجلا من ولد عبد الله بن سبأ يقول بالتفويض ، فقال : وما التفويض؟ قلت : إنّ الله تبارك وتعالى خلق محمّدا وعليّا صلوات الله عليهما ، ففوّض إليهما ، فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا ، فقالعليه‌السلام : كذب عدوّ الله ، إذا انصرفت إليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد :( « أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهّارُ ) . الرعد : 16.

(3) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام 1 : 124 / 17 بسنده عن الامام الرضاعليه‌السلام أنّه قال : ومن زعم أن الله عزّ وجل فوّض أمر الخلق والرزق الى حججهعليهم‌السلام فقد قال بالتفويض ،. والقائل بالتفويض مشرك.

(4) بصائر الدرجات : 363 / 11 بسنده عن علي بن الحسينعليه‌السلام أنّه قال :. يا أبا حمزة لا تنامنّ قبل طلوع الشمس فإنّي أكرهها لك ، إنّ الله يقسّم في ذلك الوقت أرزاق العباد ، وعلى أيدينا يجريها.

٧٨

أربعا وثلاثين ، وتحريم كل مسكر عند تحريم الخمر ، الى غير ذلك(1) .

وهذا محل إشكال عندهمرحمهم‌الله ، لمنافاته لظاهر( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ) (2) وأمثاله ، والكلينيرحمه‌الله قائل به ، والأخبار الكثيرة واردة فيه(3) .

ووجّه : بأنها تثبت من الوحي إلاّ أن الوحي تابع ومجيز.

خامسا : تفويض الإرادة ، بأن يريد شيئا لحسنه ولا يريد شيئا لقبحه ، كإرادة تغيّر القبلة ، فأوحى الله تعالى إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله بما أراد(4) .

سادسا : تفويض القول بما هو أصلح له وللخلق ، وإن كان الحكم الأصلي خلافه ، كما في صورة التقية(5) .

سابعا : تفويض أمر الخلق ، بمعنى : أنّه أوجب عليهم طاعته في كل ما يأمر وينهى ، سواء علموا وجه الصحة أم لا ، بل وإن كان بحسب ظاهر نظرهم عدم الصحة ، بل الواجب عليهم القبول على وجه التسليم(6) .

وبعد الإحاطة بما ذكر يظهر أنّ القدح بمجرد رميهم بالتفويض لا يخلو أيضا من إشكال ، وفي محمّد بن سنان ما يشير إليه(7) .

__________________

(1) راجع بحار الأنوار : 25 / 328 وما بعدها ، فصل في بيان التفويض ومعانيه ، وتفسير آية 7 من سورة الحشر قوله تعالى :( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .

(2) النجم : 53 / 3.

(3) الكافي : 1 / 363 ، باب في معرفتهم أوليائهم والتفويض إليهم.

(4) مجمع البيان : 1 / 227.

(5) راجع مقباس الهداية : 2 / 379 ، الرابع.

(6) راجع تفسير الآية 65 من سورة النساء :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) .

(7) التعليقة : 8.

٧٩

فائدة :

أبو العباس الذي يذكره النجاشي على الإطلاق‌ ، قيل : مشترك بين ابن نوح ، وابن عقدة(1) ، وليس كذلك ، بل هو الأول ، ويأتي في إبراهيم بن عمر اليماني(2) .

فائدة:

كلمة « مولى » بحسب اللغة لها معان معروفة‌(3) ، وأمّا في المقام :

__________________

(1) اختلفت كلمات الرجاليين في تعيين أبي العباس ، فمنهم من جعله : ابن عقدة ، ومنهم من عيّنه ابن نوح ، والأكثر على أنّه مشترك. فقال الكاظمي في تكملة الرجال : 1 / 350 في ترجمة : حفص بن البختري : فنقل النجاشي عن أبي العباس ـ وهو ابن عقدة ـ توثيقه.

وجاء في الهامش منه أيضا : ويحتمل أن يكون ابن نوح على ضعف ، وإن كان ينقل عن كليهما ، لأنّ الظاهر أنّه عند الإطلاق يراد بأبي العباس : ابن عقدة ، وإذا أراد به ابن نوح قيّده ، كما يظهر من تتبعه ، والشيخ محمّد في الشرح ردده بينهما ، والأظهر ذلك وسيجي‌ء في ترجمة حفص بن سوقة ما يؤيده ، ووافقنا على هذا المجلسي فيما سيجي‌ء ـ إنّ شاء الله ـ في ترجمة الحكم بن حكيم.

وقال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : 313 : لا يقال إنّ النجاشي نقل توثيق حكم ابن حكيم عن أبي العباس ، وهو مشترك بين ابن نوح الإمامي ، وابن عقدة الزيدي ، فكيف عددت حديث حكيم من الصحيح ، والمعدل له مشترك ، قلنا : الاشتراك هنا غير مضر ، وابن عقدة وإن كان زيديا ، إلاّ أنّه ثقة مأمون ، وتعديل غير الإمامي إذا كان ثقة لمن هو إمامي حقيق بالاعتبار والاعتماد ، فان الفضل ما شهدت به الاعداء.

نعم ، جرح غير الإمامي للإمامي لا عبرة به ، وإن كان الجارح ثقة.

(2) في التعليقة : 24 ، في ترجمته : وما قيل من أنّ أبا العباس مشترك ـ والقائل هو الشهيد الثاني في تعليقه على الخلاصة ـ ففيه أنّ الظاهر أنّه ابن نوح ، لأنّه شيخ النجاشي ، مع أنّ ابن عقدة بينه وبينه وسائط ، مضاف إلى أنّ ابن نوح جليل ، والآخر عليل ، والإطلاق ينصرف الى الكامل ، سيّما عند أهل هذا الفن ، خصوصا النجاشي ، فإنّه يعبرون عن الكامل به ، أمّا الناقص فلا ، بل ربما كان عندهم ذلك تدليسا ، فتأمل.

(3) راجع القاموس : 4 / 401 ، والصحاح : 6 / 2529 ، وتاج العروس : 10 / 399 ، ولسان

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

دينار، فقالوا له: إنّ دارك تساوي خمسمِئة دينار. فقال: أبيع داري بخمسمِئة، وجوار أبي دلَف بخمسمِئة، فبلغ أبا دلَف الخبَر، فأمَر بقضاء دينه ووصله، وقال: لا تنتقل مِن جوارنا. فانظر كيف صار الجوار يُباع كما تُباع العقار ).

* * *

٤٦١

حقوق المجتمع الإسلامي

فضل المجتمع الإسلامي:

كان المجتمع الإسلامي إبّان رُقيّه وازدهاره، نموذجاً فذّاً ونمَطاً مثاليّاً بين المجتمعات العالميّة المتحضّرة، بخصائصه الرفيعة، ومزاياه الغُرّ التي بوّأته قمَم المفاخر والأمجاد، وأنشأت مِن أفراده أُسرةً إسلاميّةً مرصوصةَ الصفّ، خفّاقةَ اللواء، مرهوبةَ الجانب، موصوفةً بالفضائل والمُكرمات.

لقد كان فذّاً في عقيدته التي حوَت أسرار التوحيد، وأوضحت خصائص الإلوهيّة وصفاتها الحقّة، وجلّت واقع النبوّة والأنبياء، وفصلت حقائق المعاد، وما يجيش به مِن صوَر النعيم والعذاب.

حوَت كلّ ذلك، وصوّرته تصويراً رائعاً يستهوي العقول والقلوب ويقنع الضمائر حتّى باركها اللّه واصطفاها بين العقائد والأديان.

( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( آل عمران: ٨٥ ).

وكان فذّاً في شريعته الغرّاء، تلك التي تكاملت بها شرائع السماء وبلَغت قمّة الوحي الإلهي ما جعلها الشريعة الخالدة عبر الحياة، والدستور الأمثل للبشريّة جمعاء.

وكان فذّاً في أخلاقه، فقد ازدهرت في ربوعه القِيّم الأخلاقيّة وتكاملت

٤٦٢

حتّى أصبحَت طابعاً مميّزاً للمسلم الحقّ، كما وصفه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله: ( المؤمن مَن أمنه الناسُ على أموالهم ودمائهم، والمُسلم من سلِم المسلمون مِن يدِه ولِسانه، والمُهاجر مَن هجَر السيّئات )(١).

وكان مثلاً رفيعاً في آدابه الاجتماعيّة:

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا بني، اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبِب لغَيرِك ما تُحبُّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تَظلِم كما لا تحبّ أنْ تُظلم، وأحسن كما تُحبُّ أنْ يُحسن إليك، واستقبح مِن نفسك ما تستقبح مِن غيرك، وارضَ مِن الناس بما ترضاه لهم مِن نفسك، ولا تقُل ما لا تعلم، وإنْ قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحبّ أنْ يُقال لك )(٢).

وكان فريداً في تآخيه: فقد أعلن مبدأ المؤاخاة وحقّقه بين أفراده بأُسلوبٍ لم تستطِع تحقيقه سائر الشرائع والمبادئ:

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات:١٠ ).

وأصبح المجتمع أُسرةٌ واحدة تستشعر روح الإخاء، وتتجاوب في عواطفها ومشاعرها، وكان ذلك مِن أعظم منجزات الإسلام وفتوحاته الإصلاحيّة.

وكان مثاليّاً في أريحيّته وتكافله: فالمسلم معنيٌّ بشؤون المجتمع والاهتمام بمصالحه، والعطف على بؤسائه ومعوزيه.

_____________________

(١) الوافي ج ١٤ ص ٤٨ عن الفقيه.

(٢) نهج البلاغة، من وصيّته لابنه الحسنعليه‌السلام .

٤٦٣

فعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه وآله ): مَن أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليس بمسلم )(١).

وعنهعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الخلق عيالُ اللّه، وأحبُّ الخلقِ إلى اللّه مَن نفَع عيالَ اللّه، وأَدخَل على بيتٍ سروراً )(٢).

حقوق المجتمع الإسلامي:

للفرد قيمتهُ ومنزلته في المجتمع، بصفته لبنةً في كيانه، وغصناً مِن أغصان دَوحته، وبمقدار ما يَسعَد الفرد، وينال حقوقه الاجتماعيّة يَسعّد المجتمع، وتشيع فيه دواعي الطمأنينة والرخاء، وبشقائه وحِرمانه يشقَى المجتمع وتسوده عوامل البَلبَلَة والتخلّف.

لذلك كان حتماً مقضيّاً على المجتمع رعاية مصالح الفرد، وصيانة كرامته، ومنحه الحقوق الاجتماعيّة المشروعة، ليستشعر العزَّة والسكينة والرخاء، في إطار أُسرته الاجتماعيّة، وإليك أهمّ تلك الحقوق:

١ - حقُّ الحياة:

وهو حقٌّ طبيعيٌّ مقدّس يجب رعايته وصيانته، ويَعتبر الإسلام هدرَه

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٩٩ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٩٩ عن الكافي.

٤٦٤

والاعتداء عليه جنايةً نَكراء، وجُرماً عظيماً يتوعّد عليه بالنار:( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) ( النساء: ٩٣ ).

ولم يكتفِ الإسلام بإنذار السفّاكين، ووعيدهم بالعقاب الأُخروي، فقد شرّع القَصاص مِن القاتل عمداً، والديَة عليه خطأً، حمايةً لدِماء المسلمين، وحسماً لإحداث القتل وجرائمه:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٧٩ ).

وليس للإنسان أنْ يُفرّط في حياته ويزهقها بالانتحار، وإنّما يجِب عليه حفظها وصيانتها مِن الأضرار والمهالك:( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ( البقرة: ١٩٥ ).

وقد بالغ الإسلام في قدسيّة الأرواح وحمايتها، حتّى حرّم قتل الجنين وإجهاضه تخلّصاً منه، وفرَض الديَة على قاتله.

٢ - حقُّ الكرامة:

لقد شرّف اللّه المؤمن وحَباه بصنوفِ التوقير والإعزاز، وألوان الدعمِ والتأييد. فحفَظ كرامته، وصَان عِرضه، وحرّم ماله ودمه، وضمِن حقوقه، ووالى عليه ألطافه، حتّى أعلن في كتابه الكريم عنايته بالمؤمن ورعايته له في الحياة العاجلة والآجلة:( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ

٤٦٥

تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) ( حم السجدة: ٣٠ - ٣١ ).

( الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) ( يونس: ٦٣ - ٦٤ ).

( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) ( غافر:٥١ ).

وحرّم الإسلام بعد هذا كلّ ما يبعث على استهانة المؤمن، وخدْشِ كرامته وتلويث سُمعته باغتيابه والتجسّس عليه، والسخريةِ منه ؛ ليُطهّر المجتمع الإسلامي مِن عوامل التباغض والفُرقه. ولِيُشِع في رُبوعه مفاهيم العزّة والكرامة.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ ) ( الحجرات: ١٢).

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( الحجرات: ١١ ).

وهكذا حرص الإسلام على إعزاز المؤمن وحماية شرفه وكرامته حتّى بعد وفاته، فجعَل حُرمته ميّتاً كحرمتهِ حيّاً، وفرَض على المسلمين تجهيزه بعد الممات وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وحرّم كلّما يثلب كرامته كالمُثلة به ونبشِ قبره، واستغابته والطعن فيه.

٤٦٦

وقد جهد الإسلام في حماية المسلمين، وضمان كرامتهم فرداً ومجتمعاً،ماديّاً وأدبيّاً:

فشرّع الحدود والديات صيانةً لأرواحهم وأموالهم وحرماتهم، وردعاً للمجرمين العابثين بأمنِ المجتمع ومقدّراته.

( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( البقرة: ١٧٩ ).

( إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ) ( المائدة: ٣٣ ).

وبالَغ الإسلام في عقوبة الزاني لاستهتاره بقُدسيّة أعراض الناس، وانتهاكه صميم كرامتهم وشرفهم.

( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) ( النور: ٢ ).

وقرّر الحدّ الصارم على السارق حسماً لإجرامه وحِرصاً على أمن المسلمين واطمئنانهم.

( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ ) ( المائدة: ٣٨ ).

وهكذا أعلن أهل البيتعليهم‌السلام شرف المؤمن وعزّته، وأحاطوه بهالة مِن التوقير والإجلال وألوان الحصانة والصيانة:

فعن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه

٤٦٧

وآله ): سُباب المؤمن فسوق، وقتالُه كُفر، وأكلُ لحمه مَعصية، وحُرمة مالهِ كحُرمة دمِه )(١).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : قال اللّه عزّ وجل: مَن أهان لي وليّاً، فقد أرصد لمُحاربتي. وما تقرّب إليّ عبدٌ بشيءٍ أحبُّ إليّ ممّا افترضت عليه، وإنّه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمَع به، وبصره الذي يُبصرُ به، ولِسانه الذي ينطق به، ويدُه التي يَبطش بها، إنْ دعاني أجبته، وإنْ سألني أعطَيته، وما تردّدت عن شيءٍ إنّا فاعله كتردّدي عن موت عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته )(٢).

وعنهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر مَن أسلَم بلسانه، ولم يخلُص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه مَن يتّبع عوراتهم يتّبع اللّه عورته، ومَن يتّبع اللّه عورته يفضَحه ولو في بيته )(٣).

وعنهعليه‌السلام قال:

( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أذاع فاحشةً كان كمبتدئها

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٤١ عن الكافي.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٤١ عن الكافي.

(٣) البحار كتاب العشرة ص ١٧٧ عن الكافي.

٤٦٨

ومَن عيّر مؤمناً بشيءٍ، لم يمُت حتّى يركبه )(١).

٣ - حقُّ الحريّة:

والحريّة هي: انعتاق الإنسان وتحرّره مِن أسرِ الرقّ والطغيان، وتمتّعه بحقوقه المشروعة. وهي مِن أقدَس الحقوق وأجلّها خطراً، وأبلغُها أثَراً في حياة الناس.

لذلك أقرّ الإسلام هذا الحقَّ وحرَص على حمايته وسيادته في المجتمع الإسلامي.

وليست الحريّة كما يفهمها الأغرار: هي التحلّل مَن جميع النظم والضوابط الكفيلة بتنظيم المجتمع، وإصلاحه وصيانة حقوقه وحُرُماته، فتلك هي حريّة الغاب والوحوش الباعثة على فساده وتسيّبه.

وإنّما الحريّة الحقّة هي: التمتّع بالحقوق المشروعة التي لا تناقض حقوق الآخرين ولا تجحف بهم.

وإليك طرفاً مِن الحريّات:

أ - الحريّة الدينيّة:

فمِن حقِّ المسلم أنْ يكون حرّاً طليقاً في عقيدته وممارسة عباداته، وأحكام شريعته. فلا يجور قسره على نبذها أو مخالفة دستورها، ويُعتبر ذلك عدواناً صارخاً على أقدَس الحرّيات، وأجلّها خطراً في دنيا الإسلام

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٦٣ عن الكافي.

٤٦٩

والمسلمين. وعلى المسلم أنْ يكون صُلباً في عقيدته، صامداً إزاء حملات التضليل التي يشنّها أعداء الإسلام، لإغواء المسلمين وإضعاف طاقاتهم ومعنويّاتهم.

ب - الحريّة المدنيّة:

ومِن حقّ المسلم الرشيد أنْ يكون حرّاً في تصرّفاته، وممارسة شؤونه المدنيّة، فيستوطن ما أحبّ مِن البلدان، ويختار ما شاء من الحرف والمكاسب ويتخصّص فيما يهوى مِن العلوم، وينشئ ما أراد مِن العقود، كالبيع والشراء والإجارة والرهن ونحوها. وهو حرٌّ في مزاولة ذلك على ضوء الشريعة الإسلاميّة.

ج - حريّة الدعوة الإسلاميّة:

وهذه الحريّة تخصّ الأكفاء مِن المسلمين القادرين على نشر التوعية الإسلاميّة، وإرشاد المسلمين وتوجيههم وجهة الخير والصلاح. وذلك ما يبعث على تصعيد المجتمع الإسلامي ورقيّه دينيّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً، ويعمل على وقايته وتطهيره مِن شرور الرذائل والمنكرات.

( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( آل عمران: ١٠٤ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( لا يزال الناسُ بخيرٍ ما أمروا بالمعروف، ونهَوا عن المُنكر، وتعاونوا

٤٧٠

على البرِّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزِعَت منهم البرَكات، وسُلّط بعضُهم على بعض، ولم يكُن لهم ناصرٌ في الأرض ولا في السماء )(١) .

٤ - حقُّ المساواة:

كانت الأُمَم العالميّة تعيش حياة مُزرية، تسودُها الأُثرة والأنانيّة، وتُفرّقها نوازع الامتيازات الطبقيّة. فكان التفاوت الطبَقي مِن أبرَز مظاهر العرَب الجاهليّين، إذ كانوا يضطهدون الضُّعفاء ويستعبدونهم كالأرقّاء، ولا يؤاخذون الأشراف على جنايةٍ او جُرمٍ تمييزاً لهم عن سوَقَة الناس.

وحسبُك ما كان عليه مُلوك العرَب يومذاك مِن الأنانيّة واستذلال الناس.

( فكان عَمْر بن هِند ملِكاً عربيّاً: وقد عوّد الناس أنْ يُكلّمهم مِن وراء حِجاب، وقد استكثر على سادة القبائل أنْ تأنَف أُمّهاتهم مِن خدمته في داره.

وكان النُّعمان بن المُنذر قد بلَغ به العسف أنْ يتّخذ لنفسه يوماً للرضى، يغدِق فيه النِّعم على كلّ قادِم إليه خبط عشواء، ويوماً للغضَب يقتل فيه كلّ طالع عليه مِن الصباح إلى المساء.

ومِن القصص المشهورة: قصّة ( عمليق ) ملِك طسم وجديس.

_____________________

(١) الوافي ج ٩ ص ٢٩ عن التهذيب.

٤٧١

كان يستبيح كلّ عروسٍ قبل أنْ تُزَفُّ إلى عروسها) (١).

وهكذا كانت الأُمم الغربيّة في تمايزها الطبَقي حتّى قيام الثورة الفرنسيّة التي طفقت تنادي بالمساواة، وتحفّز عليها ممّا أيقَظ الغربيّين وأثار فيهم شعور المساواة.

ولكنّ رواسب الطبقة لا تزال عالِقة في نفوس الغربيّين تُستشَفّ مِن خلال أقوالهم وتصرّفاتهم:

فالألمانيّة النازيّة: تُقدّس الجِنس الآري، وتفضّله على سائر الأجناس البشريّة.

والأُمَم الأمريكيّة: لا يزال الصراع فيها قائماً بين البيض والسود مِن جرّاء أنانيّة البيض وترفّعهم عن مخالطة السود، ومشاركتهم في المدارس والمطاعم وسائر مرافق الحياة.

وهكذا درَجَت بريطانيا على إشاعة التفاوت الطبَقي بين البيض والملوّنين في جنوب إفريقيا، حيثُ جعلَت البيض سادةً مدلّلين، والسود أرقّاء مُستعبَدين لهم.

وكذلك نجد التمايز والتفاوت واضحَين في ظِلال الحكم الشيوعي بين العامل ورئيسه، والجندي وقائده، والفنّانين والكادحين، ولم يستطيع رغم تشدّقه بالمساواة: محو الطبقيّة بين أتباعه.

_____________________

(١) حقائق الإسلام. للعقّاد ص ١٥٠.

٤٧٢

المساواة في الإسلام

لقد شرّع الإسلام مبدأ المساواة، ونشَر ظِلاله في رُبوع المجتمع الإسلامي بأُسلوبٍ مثاليٍّ فريد، لم تستطع تحقيقه سائرُ الشرائع والمبادئ. فأفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً، بيضاً وسوداً، عرباً وعجماً، أشرافاً وسَوَقَة، أغنياءً وفقراء، كلّهم في شرعة الإسلام سواسيةً كأسنان المشط، لا يتفاضلون إلاّ بالتقوى والعمل الصالح.

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات: ١٣ ).

والقوانين الإسلاميّة والفرائض الشرعيّة نافذةً عليهم جميعاً دون تمايز وتفريق بين الأجناس والطبَقات. وما انفك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن تركيز مبدأ المساواة وتصعيده حتّى استطاع تطويره والتسامي به إلى المؤاخاة الروحيّة بين المؤمنين.

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ( الحجرات: ١٠ ).

حسبُك في ذلك أنّ الملوك كانوا يحسبون أنّهم فوق مستوى البشر، ويترفّعون عنهم في أبراجٍ عاجيّة يطلّون منها زهواً وكِبَراً على الناس.

يأمر القرآن الكريم سيّد المُرسلين أنْ يعلن واقعه للناس:( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) ( الكهف:١١٠ ).

٤٧٣

لذلك كان هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذرّيته الأطهار: المثل الأعلى في تطبيق مبدأ المساواة والدعوة إليه قولاً وعملاً.

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ اللّه تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوةَ الجاهليّة وتفاخرها بآبائها، ألا إنّ الناس مِن آدم، وآدم مِن تراب، وأكرمهم عند اللّه اتقاهم )(١).

ويُحدّثنا الرواة: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في سفَر فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول اللّه، عليّ ذبحها، وقال آخر: عليّ سلخها، وقال آخر: عليّ طبخها، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وعليّ جمع الحطَب ).

فقالوا يا رسول اللّه، نحن نكفيك، فقال:

( قد علِمت أنّكم تكفوني، ولكن أكره أنْ أتميّز عليكم، فإنّ اللّه يكره مِن عبدهِ أنْ يراه متميّزاً بين أصحابه وقام فجمع الحطب )(٢).

ويحدّث الرواة: أنْ سوادة بن قيس قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أيّام مرضه: يا رسول اللّه، إنّك لمّا أقبلت مِن الطائف استقبلتك، وأنت على ناقتك العضباء، وبيَدِك القضيب المَمْشوق، فرفعت القضيب وأنتَ تريد الراحلة فأصاب بطني، فأمره النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنْ يقتصّ منه فقال: اكشف لي عن بطنك يا رسول اللّه، فكشَف عن بطنه. فقال سوادة: أتأذن لي أنْ أضع فمي على بطنك، فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص مِن رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله النار يوم النار، فقال

_____________________

(١) الوافي ج ١٤ في وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام .

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٤١٥.

٤٧٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص ؟ ) فقال: بل أعفو يا رسول اللّه.

فقال: ( اللهمّ اعفُ عن سَوادة بن قيس كما عفَى عن نبيّك محمّد )(١).

وهكذا كان أمير المؤمنينعليه‌السلام :

قال الصادقعليه‌السلام : ( لما وِلّيَ عليّعليه‌السلام صعَد المنبر فحمِد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّي لا أرزؤكم مِن فَيئكم درهماً ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم، أ فَتروني مانعاً نفسي ومُعطيكم ؟.

قال: فقام إليه عقيل كرّم اللّه وجهه فقال له: اللّه ! لتجعلني وأسوَد بالمدينة سَواء. فقالعليه‌السلام : اجلس أما كان هنا أحدٌ يتكلّم غيرك ؟ وما فضلك عليه إلاّ بسابقةٍ أو تقوى )(٢).

( ومشى إليه ثُلّة مِن أصحابه عند تفرّق الناس عنه، وفرار كثير منهم إلى معاوية طلَباً لِما قي يدَيه مِن الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أعطِ هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف مِن العرَب وقُرَيش على المَوالي والعجَم ومَن تخاف عليه مِن الناس فراره إلى معاوية.

فقال لهم أمير المؤمنينعليه‌السلام : أ تأمروني أنْ أطلب النصر بالجور ؟ لا واللّه ما أفعل، ما طلَعت شمسٌ ولاحَ في السماء نجم، واللّه لو كان مالهم

_____________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ٦٧١.

(٢) البحار م ٩ ص ٣٥٩ عن الكافي.

٤٧٥

لي لواسَيت بينهم، وكيف وإنّما هي أموالهم )(١).

( وقال عُمَر بن الخطّاب للناس يوماً: ما قولكم لو أنّ أميرَ المؤمنين شاهدَ امرأةَ على معصية - يعني أتكفي شهادته في إقامة الحدّ عليها - ؟.

فقال له عليّ بن أبي طالب: ( يأتي بأربعةِ شهود، أو يُجلَد حدّ القذف شأنه في ذلك شأن سائر المسلمين )(٢).

وفقد انبهر الكاتب الغربي( جَـب ) بمبدَأ المساواة في الإسلام، وراح يُعرِب عن إعجابه وإكباره لذلك، فقال في كتابه - مع الإسلام -:

ليس هناك أيّة هيئة سِوى الإسلام يُمكن أنْ تنجح مثله نجاحاً باهراً في تأليف هذه الأجناس البشريّة المُتنافرة في جبهةٍ واحدة أساسها المساواة.

وإذا وضعت منازعات دول الشرق والغرب العظمى موضع الدرس فلا بدّ مِن الالتجاء إلى الإسلام لحزم النزاع.

وبتقرير مبدأ المساواة استشعر المسلمون مفاهيم العزّة والكرامة، ومعاني الوئام والصفاء، وغدَوا قادة الأُمم وروّادها إلى العدل والحريّة والمساواة.

وفي الوقت الذي قرّر الإسلام فيه المساواة، فإنّه قرّرها بأُسلوبٍ منطقيٍّ حكيم يُلائم العقول النيّرة والفطَر السليمة، ويُساير مبادئه الخالدة في إشاعة العدل، وإتاحة فُرَص التكافؤ بين عامّة المسلمين، وإناطة التفاضل

_____________________

(١) البحار م ٩ ص ٥٣٣ ( بتصرّف وتلخيص ).

(٢) عن كتاب حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام، وإعلان الأُمم المتّحدة ص ٢٧ لمحمّد الغزالي.

٤٧٦

والتمايز بينهم فيما هو مقدور لهم وداخلٌ في إمكاناتهم، مِن أعمال الخير والصلاح دون ما كان خارجاً عن طاقتهم وإرادتهم، مِن وَفرة المال أو سعة الجاه.

( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ( الحجرات: ١٣ ).

فهو يشرّع المساواة تحقيقاً لمبادئه العادلة البنّاءة ويقرّر التمايز كذلك نظَراً لبعض القِيَم والكفاءات التي لا يجوز إغفالها وهدرها.

( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( الزمر:٩ ).

لذلك فضّل اللّه الأنبياء بعضهم على بعض، لاختلاف كفاءتهم وجهادهم في سبيل اللّه تعالى، وإصلاح البشَر وإسعادهم.

( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ) ( البقرة: ٢٥٣ ).

وفضّل العلماء على الجهّال، والمؤمنين بعضَهم على بعض، لتفاوتهم في مدارج العِلم والتُّقى والصلاح.

( يرفع اللّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ( المجادلة: ١١).

وهكذا فاضَل بين الناس في الرزق، لاختلاف كفاءاتهم وطاقاتهم في إجادة الأعمال، ووفرة الإنتاج، فلَيس مِن العدل مساواة الغبيّ بالذكيّ، والكسول بالمُجِد والعالِم المُخترع بالعامل البسيط، إذ المساواة والحالة هذه مدعاة لخَفق العبقريّات والمواهب وهدر الطاقات والجهود.

( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ

٤٧٧

بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) ( الزخرف: ٣٢ ).

٥ - حقّ العِلم:

للفرد قيمتُه وأثَره في المجتمع بصِفته عضواً مِن أعضائه، ولبنةً في كيانه، وعلى حسَب كفاءته ومؤهّلاته الفكريّة والجسميّة تُقاس حياة المجتمع وحالته رُقيّاً أو تخلّفاً، ازدهاراً أو خمولاً، للتفاعل القويّ بين الفرد والمجتمع.

مِن أجل ذلك دأَبت الأمَم المتحضّرة على تربية أبنائها وتثقيفهم بالعلم، حتّى فرَضوا التعليم الإجباري ويسّروه مجّاناً في مراحله الأُولى، دَعماً لحضارتهم وتصعيداً لكفاءاتهم.

وقد كان المسلمون إبّان حضارتهم مثلاً رفيعاً وقدوةً مثاليّةً في إشاعة العِلم لطلاّبه وتمجيد العُلماء وتكريمهم، حتّى استطاعت المعاهد الإسلاميّة أنْ تُخرّج أُمّةً مِن أقطاب العِلم وأعلامه.

كانوا قادةَ الفكر وبُناة الحضارة الإسلاميّة، وروّاد الأًمم إلى العلم والعرفان، وعليهم تَتلْمذ الغرب ومنهم اقتبس علمه وحضارته.

قال( سديو ) في كتابه تاريخ العرب:

- كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العِلم والفلسفة والفنون وقد نشروها اينما حلت اقدامهم، وتسربت عنهم إلى أُوربا، فكانوا هُم سبباً لنهضتها وارتقائها.

٤٧٨

وقال( جوستاف لويون ) في كتابه حضارة العرب:

- ثبت الآن أنّ تأثير العرَب في الغرب عظيمٌ كتأثيرهم في الشرق، وأنّ أوربّا مدينةٌ للعرب بحضارتها.

وكان مِن أقوى بواعث ازدهار العلوم الإسلاميّة واتّساع آفاقها، أنّ حقَّ التعليم - في المجتمع الإسلامي - كان مضموناً ومتاحاً لكلّ طالبٍ مهما كان عنصره ومستواه شريفاً أو وضيعاً، غنيّاً أو فقيراً، عربيّاً أو أعجميّاً.

وأنّ الشريعة الإسلاميّة كما فرضت على كلّ مسلمٍ طلَب العِلم والتحلّي به والانتفاع بثماره اليانعة، حتّمت على العالِم أنْ ينشر علمه ويذيعه بين المسلمين ولا يكتمه عنهم.

قال الباقرعليه‌السلام : ( عالمٌ يُنتفعُ بعلمه، أفضل مِن سبعين ألف عابد )(١).

فلَم يعرف المسلمون تلك الإثرة العلميّة، التي اتّصف بها رجال الدين الغربيّون، حتّى قيام النهضة الحديثة، وبذلك أصبَح المسلمون مَشعلاً وهّاجاً بالعِلم والعرفان.

٦ - حقّ الملكيّة:

لم يشهد التاريخ فتنةً أثارت الجدل الحادّ والنزاع الضاري كفتنة المال والملكيّة في هذا العصر، فقد انقسم العالَم فيها إلى فريقين متناحرين: أحدهما

_____________________

(١) الوافي ج ١ ص ٤٠ عن الكافي.

٤٧٩

يبيح الملكيّة الفرديّة بغير حدٍّ أو شرط، وهو الفريق الرأسمالي.

وثانيهما يستنكرها ويمنعها وهو الفريق الاشتراكي. وغدا العالَم مِن جرّاء هذَين المبدَأين المتناقضين يُعاني ضروب الأزَمات والمشاكل.

وقد حسَم الإسلام هذه الفتنة، وعالَجها علاجاً ناجحاً حكيماً، لا تجِد البشريّة أفضل منه أو بديلاً عنه لتحقيق سعادتها وسلامتها.

فهو: لا يمنع الملكيّة الفرديّة، ولا يبيحها مِن غير شرط

لا يمنعها: لأنّ الإنسان مفطور على غريزة التملّك، وحُبّ النفع الذاتي، وهما نَزعَتان راسختان في النفس، لا يستطيع الانفكاك منهما والتخلّي عنهما، وإنْ تجاهلتهما النظريّات الخياليّة التي لا تؤمن بغرائز الإنسان وميوله الفطريّة.

هي حقٌّ طبيعي يُحقّق كرامة الفرد، ويُشعره بوجوده، ويُحرّره مِن عبوديّة السلطة التي تحتكر أرزاق الناس وتستعبدهم بها.

هي حقٌّ يُفجّر في الإنسان طاقات المواهب والعبقريّات، وينفخ فيه روح الأمل والرجاء، ويُحفّزه على مضاعفة الجهود ووفرة الإنتاج وتحسينه.

وفي الوقت الذي منح الإسلام حقّ الملكيّة، فإنّه لم يمنحه على طرائق الجاهليّة الرأسماليّة، التي تُجيز اكتساب المال واستثماره بأيّ وجهٍ كان، حلالاً أم حراماً ؛ ممّا يُوجِب اجتماع المال واكتنازه في أيدٍ قليلة وحِرمان أغلَب الناس منه، ووقوعهم في أسرِ الأثرياء يتحكّمون فيهم ويستغلون جهودهم كما يشاؤون.

إنّه أباح الملكيّة بأُسلوبٍ يضمن صالح الفرد، ويَضمن صالح الجماعة

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517