• البداية
  • السابق
  • 34 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21880 / تحميل: 7834
الحجم الحجم الحجم
ازاحة الوسوسة عن تقبيل الاعتاب المقدسة

ازاحة الوسوسة عن تقبيل الاعتاب المقدسة

مؤلف:
العربية

إزاحة الوسوسة

عن تقبيل الأعتاب المقدّسة

تأليف

الشيخ عبد الله المامقانيرحمه‌الله ١٢٩٠-١٣٥١

تحقيق: نزار الحسن

١

الإهداء:

هل غيرُ سادتي مَنْ يستحقُّ الإهداء ؟

هل غيرُهم يَستحقُّ التقبيل ؟

هل غيرُهم يليقُ به المدحُ والإطراء ؟

فإلى محمّدٍ وآله النُجَبَاء

أرفعُ عملي البيسطَ المتواضعَ إلى حضراتهم

وأرواحهم المقدّسة .

نزار

٢

١- مقدّمة التحقيق:

الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطاهرين.

اليوم عصر الوَسْوَسةِ والتشكيك في كلِّ شيءٍ حتّى في المقدّسات والعقيدة، بحُججٍ واهيةٍ ضعيفة، يُشوّشُوا بها على العوام وأصحاب النفوس الركيكة؛ ليُزَلزلوا الناسَ عن الحقّ والحقيقية، ولكنْ هيهات هيهات أنْ تُغطّى الشمسَ بغربال، بل تبزغُ كلَّ يومٍ على الأجيال.

رغم أنّ المشكّكين حاولوا أنْ يُزوّقوا ويُدلّسوا تشكيكاتهم ووَسَاوِسهم بحِيَلٍ شتّى، وذرائعَ مختلفة، ولكنّهم عَجَزوا كلَّ العجز وانقلبَ السحرُ على الساحر.

النَّواصِبُ والمُبغضون يحاولونَ في كلِّ وقت أنْ يَزرعوا شبهةً، ويَغرسوا وَسوسَةً كي يحصدوا نَصباً وبُغضاً، وعِداءً لآلِ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مُنذ القرونالأُولى وحتّى يومنا هذا، ولكنّ الله تعالى تكفّل بردّهم وردْعهم وقهرهم، وقَوقَعتِهم في جُحورهم.

وفي نفس الوقت تصدّى علماؤنا الأبرارـ الذين ساروا على نهج الأئمّة الأطهارـ لردِّ كلِّ شبهةٍ ووَسوَسَةٍ أثارها الشياطينُ من الإنس، ومن بين هؤلاء العلماء العاملين الذين نذروا أنفسهم لخدمة المذهب الحقّ ( الشيخ الجليل والعلامّة النبيل عبد الله المامقاني المتوفّى ١٣٥١هـ ).

حيثُ هذّبَ يَراعه الشريف ونَصرَ الدوحة الطاهرة كعادته، فردَّ شبهةً سيّالة في كلِّ عصرٍ ومِصر بشكل مُقتضبٍ وشافي استخدمَ النقل والعقل دليلاً فأصبحت رسالةً قيّمةً اسماها: (إزاحة الوَسْوَسَة عن تقبيل الأعتاب المقدّسة ).

الرسالة وعَمَلنا

عثرنا على الرسالة الشريفة ضِمن مجموعة رسائل في مركز إحياء التراث الإسلامي بإشراف ( السيّد أحمد الحُسيني الأشكوري ) دام ظلّه.

حيثُ تتألّف الرسالة من ١١ صفحة من القطع ( الرحلي ) بخطٍ جميل ومَقروء.

ذكرها الشيخ ( أغا بزرگ الطهراني ) في الذريعة: ج١, ص٥٢٨, برقم ٢٥٧٥, وقال: قد طُبعتْ في المطبعة المرتضويّة على الحَجَر مع كتاب ( مخزن اللآلئ ). وأيضاً نفس المؤلّفرحمه‌الله ذكر هذا في مخزن المعاني: ص١٨٦.

فقمنا بتحقيق الرسالة حسب المراحل المعروفة في علم التحقيق من تحقيق المتن وتقطيعه، وتخريج المصادر وتطبيقها مع مصادر الأم، وإكمال الأدلّة التي ذكرها

٣

المؤلّف بشكل إشارة عابرة.

وكان عملي في هذه الرسالة عندما عطّل أُستاذنا ( آية الله الشيخ محمّد السنَد رفع الله شأنه ) درسه بمناسبة استشهاد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيثُ صادف يوم ( أربعاء وخميس وجمعة ) فاغتنمْتُ الفرصة لتحقيق هذه الرسالة الشريفة.

فلله الشكر على ما وفّقنا لإنجاز هذا العمل.

٢- نُبذة من أحوال المؤلِّفرحمه‌الله

هو الشيخ عبد الله بن الشيخ محمّد حسن بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمّد باقر بن علي أكبر بن رضا المامقاني. قال المؤلِّف في كتابه مَخزن المعاني:

ولدتُ بأرض النجف الأشرف، وتاريخ ولادتي على التحقيق غير معلوم؛ إلاّ أنّ الذي استفدّته من شهادات جدّتي وخالتي وقرائن أُخَر أنّي ولدتُ بين الظهرين خامس عشر ربيع الأوّل سنة ألف ومائتين وتسعين، وأرضعتني والدتي قُدّس سرّها سنة وعدّة أشهر.

ثُمّ إنّي لما دخلتُ في السنة الخامسة أخذتني والدتي (قدّس سرّها) إلى امرأة تركيّة فالتَمَسَت منها أنْ تعلّمني القرآن المجيد فأبَت، فردّتني والدتي (رحمة الله عليها) إلى دارنا آيسة، فلمّا كان من الغد جاءت المرأة بين الطلوعين تبكي بكاءَ شَفَقةٍ وفَرح وقالت: إنّ الصدّيقة الكبرى سلام الله عليها أمَرتني في الطيف بأنْ اُعلّم عبد الله القرآن الشريف، فأخذتني معها وأخذت تعلّمني القرآن، وقد كان من آثار ذلك الطيف أنّها كانت تحبّني حبّاً لم أرَ مثله حتّى من الأمِّ لولدها.. ولذا إلى الآن لم أترك ذكرها بالخيرات والنيابة عنها في الزيارات وقراءة القرآن لها.

ثُمّ إنّي لمّا خَتمتُ القرآن المجيد اشتغلتُ ببعض الكتب الفارسيّة ومقدّمات العربيّة من الصرف والنحو... ولم يكن لي معلّم مُربي فحار الوالدقدس‌سره والتجأ إلى أنْ يُباحث لي بنفسه فباحث لي من باب الإضافة ـ من شرح السيوطي ـ إلى باب الإخبار...

وفي ضمنها حضَرتُ معالم الأصول على يد الوالدقدس‌سره وفرغتُ من ذلك كلّه في سَنَتين وخمسة أشهر تقريباً؛ لِمَا كنتُ ملتزماً به من عدم ترك التدريس طول السنة حتّى أيام الجُمُعات، إلاّ يوم عاشوراء فحسب، وكنتُ أتدرَّس صُبحاً بدرسين من كتابين وأردّهما عليهقدس‌سره عصراً ما علّمني حذو النعل بالنعل، وأتدرَّس بدرسين آخرين وأردّها صُبح اليوم اللاحق وهكذا.

٤

وقد بلغتُ بالاحتلام في الليلة الرابعة من شهر ذي الحجّة الحرام من سنة (١٣٠٤).

ولمّا فرغتُ من الرسائل حضرتُ بحث الشيخ الوالد العلامّةقدس‌سره في الأُصول خارجاً في حادي عشر ربيع الأوّل سنة (١٣٠٨) وبعدها بسنةٍ حضرتُ الفقه(١) .

الشيخ المامقاني والإمام المهديعليه‌السلام

يقول الشيخ عبد الله المامقانيرحمه‌الله في مقدّمة كتابه النفيس (تنقيح المقال في أحوال الرجال): وجدتُ إقبال أفواج التوفيق ونزول الألطاف والتأييدات الخاصّة عليَّ إلى أنْ يقول:

من غريب آثار التوفيق إنّي كلّما أردتُ وجدانَ مطلبٍ في كتاب وجدتُه نصبَ عيني بمجرّد فتحه، وقُلَّ بل ندرَ تعطيلي في الفحص عنه، واتّفقَ لي في أوائل اشتغالي به ـ كتاب تنقيح المقال ـ ليلة من الليالي الطوال إنّي احتجتُ ثلاث ساعات تقريباً قبل الفجر رهن التهذيب ولم يكن عندي، فرأيتُ بقاء خمس ساعات إلى طلوع الشمس ولا يُمكنني أنْ أتعطّل، ولا أنْ أُحرز بغير مراجعة التهذيب فحصل لي من ذلك انقطاعٌ غريب إلى مولانا الحجّةِ المنتظر (عجّل الله فرجه وجعلنا من كلِّ مكروه فداه)

وخاطبتُه بقولي:

سيدي منّي بذل النفس ومنكَ الإعانة وأنا أُريد منكَ الآن رهنَ التهذيب، ومن شدّة انقطاعي جرَتْ دمعتي، وكان عندنا مقدار كتب وقفيّة قطعات بالخطوط القديمة الرديّة في النحو والصرف والتفسير وغيرها، وكانت متروكة؛ لأنّا فحصنا عنها مراراً فلم نجد فيها ما يُنتفع به، وما كنتُ أحتمل بوجهٍ وجود التهذيب فيها، فقمتُ من حيثُ لا أشعرُ ومضيتُ إلى تلك الكتب ومددتُ يدي وتناولتُ كتاباً منها وإذا هو قطعة من التهذيب بخطٍ جيّد في خصوص الرّهن، فنقلتُ منه موضع الحاجة، ومن الغريب أنّي فحصتُ عنه بعد ذلك مراراً عديدة فلم أجده، فعلمتُ أنّ ذلك كان لطفاً مخصوصاً منه (أرواحنا فداه)( ٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) لمعرفة المزيد عن أحوال المحقّق المامقاني وأسرته راجع كتاب مَخزن المعاني، بقلم المحقّق نفسه.

(٢) تنقيح المقال: ج١، ص١، الطبعة الحجريّة.

٥

أهم مؤلّفاته وآثاره:

١- نهاية المقال في تكملة غاية الآمال: (تعليق على خيارات الشيخ المحقّق الأنصاري).

٢- مناهج المتّقين في فقه أئمّة الحقّ واليقين.

٣- مقباس الهداية في علم الدراية.

٤- مرآة الرشاد في الوصيّة إلى الأحبّة والأولاد.

٥- مرآة الكمال لمَنْ رامَ دَرْك مصالح الأعمال.

٦- مخزن المعاني في ترجمة المحقّق المامقاني.

٧- رسالة الجمع بين فاطميّتين في النكاح.

٨- رسالة في أحكام العزل عن الحرّة الدائمة وغيرها.

٩- رسالة المسائل البصريّة (يتضمّن السؤال والجواب عن (٢٨٥) مسألة من المسائل المهمّة.

١٠- رسالة وسيلة التقى في حواشي العروة الوثقى.

١١- رسالة السيف البتّار في دَفعِ شُبُهات الكفّار.

١٢- منهج الرشاد.

١٣- تحفة الخيرة في أحكام الحجّ والعمرة.

١٤- إزاحة الوَسوسة عن تقبيل الأعتاب المقدّسة: (وهو الماثل بين يديك الكريمتين).

١٥- تنقيح المقال في علم الرجال.

وغيرها من المؤلّفات التي دوّنها بقلمه الشريف.

نزار نعمة الحسن

١٨/ ربيع الأوّل/ ١٤٢٧هـ

٦

نماذج من المخطوطة

الصفحة الأولى

٧

الصفحة الأخيرة

٨

مقدّمة المؤلِّف:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي

الحمد لله والصلاة على محمّدٍ وآله الطاهرين وبعد:

فيقول العبد الفاني عبد الله المامقاني عفا الله سبحانه بكرمه عن جرائمه: إنّه قد سألني بعض الأخوان عن تقبيل الأعتاب المقدّسة لمَنْ زارَ ذَويها، ونَقَل لي الإشكال، بل المَنْع من ذلك عن بعض مَنْ اتّخذ الاعوجاج شعاراً وسَبَباً للاشتهار من المعاصرين، والتَمَسَني وضعَ رسالةٍ في ذلك، فأجبت مسئوله وأهديتُها إلى الأعتاب المقدّسة،وسمّيتُها بـ (إزاحة الوَسْوسَة عن تقبيل الأعتاب المقدّسة ).

وأسأل الله تعالى أنْ ينفعني بها يوم فقري وفاقتي وأقول مُستمّداً من الربّ الرؤوف.

أمّا التقبيل للأعتاب من دُون وضع الجبهة عليها فلا ينبغي التأمّل في جوازه وحُسنه؛ لأنّه تعظيم للشعائر، وإظهار حبٍّ وإرادة. وقد نسب الشهيد(١) رحمه‌الله ذلك في الدروس إلى عَمل الإماميّة والسيرة عليه منهم مستمّرة(٢) .

وقد جرت العادة بإكرام المحبوب، والحبّ لـه بتقبيل بَدَنِه، وباب داره وجُدرانها، وتقبيل قَبرِه وتُربته(٣) ، ولذا قال الشاعر:

أمرُّ على الدِّيار ديارُ سَلمى

أُُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حُبُّ الديار شَغَفْنَ قَلبِي

ولكنْ حُبُّ مَنْ سكَن الديارا(٤)

ولقد اعترض عامّي على شيعي في تقبيل الأضرحة المقدّسة للأئمّة (عليهم الصلاة والسلام) وأبواب حَضَراتهم وجُدرانها: بأنّكم تُقبّلون الفضّةَ والحديدَ والخشبَ والصخرة ونحوها ؟

ــــــــــــــــــ

(١) هو الشيخ محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (٧٨٦). لـه مؤلّفات كثيرة أشهرها اللمعة الدمشقيّة، وكتاب (الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة) حيث لم يُمهله الأجل كي يتمّ كتابه فجفّ قلمه الشريف حتّى كتاب الرهن.

(٢) الدروس الشرعيّة: ج٢، ص٢٤، كتاب المزار، ط: قم جماعة المدرّسين.

(٣) قال الشيخ جعفر كاشف الغطاءرحمه‌الله المتوفّى (١٢٢٨) في كتابه منهج الرشاد ص١٤٩: تقبيل المحبّة؛ لأنّ مَن أحبّ شخصاً أحبَّ مكانه وثيابه وداره ومزاره، فلا يكون تقبيل الأعتاب والجدران والأبواب إلاّ كتقبيل بعض ثياب الأحباب.

(٤) نهج الرشاد لمن أراد السداد: ص١٤٩، وكشف الارتياب: ص٣٤٨.

٩

فأجاب الشيعي بالبيت المَزبور، مُريداً بذلك كون تقبيل ما لـه تعلّق بالمحبوب إكراماً لـه، لا لمتعلقة(١) .

وأجاب آخر: بالنقض بتقبيل جلد الغنم الذي صار جلداً للقرآن المَجيد، وتقبيل البيت الذي هو حَجَر(٢) ؟

ــــــــــــــــــ

(١) لا شكَّ إنّ الاستغراق في المحبّة يحمل على الإذن في ذلك، والمقصود من ذلك كلِّه الاحترام والتعظيم والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف في حياته فأُناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم بل يُبادرون إليه، وأُناس فيهم أناة والكلُّ محلّ خير.

قال ابن حجر: استنبط بعضهم من مشروعيّة تقبيل الحجر الأسود جواز تقبيل كل مَنْ يستحق التعظيم من آدمي وغيره إلى أنْ قال: ونُقِل عن ابن الصيف اليماني أحد علماء مكّة من الشافعيّة جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين. (راجع كشف الارتياب للسيّد العاملي: ص٣٤٧، ط قم أنصاريان).

(٢) قال عمر بن الخطاب: (إنّي لأقبلّك وإنّي أعلم أنّكَ حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أنّي رأيتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُقبلكَ ما قبلّتُكَ، ولذلك جوّز أحد علماء مكّة تقبيل المصحف وأجزاء الحديث، وتقبيل المحصف عليه عمل المسلمين كلّهم جيلاً بعد جيل، ورُوي ( أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طافَ راكباً وكان يستلم الركن بمِحجَنِه ويُقبّل المحجن) رواه مسلم في صحيحه: ج٥، ص٣٨٠، وابن ماجة في سننه: ج٢، ص١١٥. و(المِحجن) بكسر الميم عصا محنيّة الرأس.

إذا جاز تقبيل المِحجن لملامسة الركن أفلا يجوز تقبيل قبرٍ حلَّ فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشرف الموجودات.

١٠

السجود على الأعتاب

وأمّا وضع الجبهة على الأعتاب المقدّسة فإنْ كان بقصد سجدة الشكر لله تعالى على بلوغه تلك البقعة المطهّرة، ونيله لتلك النعمة فلا ريبَ في حُسنه ورُجحانه، وإنْ كان بقصد السجود لـه فهو كالركوع لـه محرّم ومحظور؛ لأنّ الركوعَ والسجودَ لا يكونان إلاّ لله تعالى(١) ، وإلى بعض ما ذكرنا، أشار الشهيدقدس‌سره في الدروس بقوله:

( ولا كراهةَ في تقبيل الضرائح، بل هو سنّة

عندنا، ولو كان هناك تقيّة فتركُه أولى، وأمّا تقبيل الأعتاب فلم نقِف فيه على نصٍّ يُعتدُّ به، ولكن عليه الإماميّة، ولو سَجَدَ الزائر ونوى بالسجدة (الشكر لله تعالى) على بلوغه تلك البقعة كان أولى(٢) انتهى كلامه رفع أعلامه.

ولقد نقل لي حضرة الشيخ الوالد العلامّة أنار الله بُرهانه: إنّ الفاضل الدربندي(٣) قدس‌سره قال للشيخ العلامّة الأنصاري(٤) قدس‌سره : ( إنّ فعلك عند الشيعة حُجّة فإذا زرتَ قبور الأئمّةعليهم‌السلام فقبّل أعتابهم لِيَقتَدي بكَ الشيعة )،

فأجاب الشيخقدس‌سره : ( بأنّي حين التشرّف إلى زيارة أبي الفضلعليه‌السلام فضلاً عن الأئمّةعليهم‌السلام اُقبّل عتبته؛ المقدّسة؛ لأنّها مُثخَن(٥) بأقدام الزائرين فضلاً عن أنّها عتبة أبي الفضلعليه‌السلام هذا مُجمل الكلام في ذلك.

الدليل على عدم جواز التقبيل

والذي يُمكن أنْ يكون مستنداً للإشكال شيء من أمور:

الأول:

ــــــــــــــــــ

(١) أو بأمر الله لغيره كما في سجود الملائكة لآدم بأمر الله تعالى:( وإذ قُلنا للملائكة اسجُدُوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس... )

(٢) الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة للشهيد الأوّل: ج٢، ص٢٤، كتاب المزار،ط قم جماعة المدرّسين.

(٣) هو العلامّة الشيخ الفاضل الملاّ آغا بن عابد بن رمضان بن زاهد الشيرواني الحائري الدربندي المولود في دربند في حدود عام (١٢٠٨) والمتوفّى (١٢٨٥) صاحب كتاب أسرار الشهادة.

(٤) هو الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري المتوفّى (١٢٨١هـ) كان آيةً في الزهد والورع والتقوى والعلم صاحب كتاب المكاسب والرسائل.

(٥) هكذا ورد في المخطوطة.

١١

إنّه قد ورد مَنعُهمعليهم‌السلام من تقبيل أقدامِهم المقدّسة في زمان حياتهم، وقد عقد في الوسائل باباً بعدم جواز السجود للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمامعليه‌السلام في الزيارة ولا غيرها(١) ، ثُمّ ذكر رواية السيّد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس(٢) في (فرحة الغري) قال: ذكر حسن بن الحسين(٣) بن طحال المقداديرضي‌الله‌عنه : إنّ زين العابدينعليه‌السلام ورَدَ إلى الكوفة ودخل مسجدها وبه أبو حمزة الثمالي، وكان من زُهّاد أهل الكوفة (ومشايخها)(٤) فصلّى ركعتين(٥) وذكر دعاءً إلى أنْ قال: فتَبِعتَه إلى مناخ الكوفة فوجدتُ عبداً أسود ومعه نجيبٌ وناقة.

فقلتُ: يا أسود مَنْ الرّجل؟ فقال: أو تَخفَى عليكَ شمائلُه هو عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، قال أبو حمزة: فأكبَبتُ على قدميه اُقبّلهما فرفع رأسي بيده وقال:( لا يا أبا حمزة، إنّما يكون السجودُ لله عزّ وجلّ، ) فقلت: يابن رسول الله ما أقدمك إلينا ؟

قالعليه‌السلام :( ما رأيتَ، ولو عَلِم الناس ما فيه من الفضل لأتَوه ولو حبواً ) الحديث(٦) .

ــــــــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة، للحرّ العامليرحمه‌الله المتوفّى (١١٠٤): ج١٤، ص٤٠٧، كتاب الحجّ، باب ٣٥، ح١، ط مؤسّسة آل البيتعليهم‌السلام .

(٢) هو السيّد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن أبي عبد الله محمّد الطاووس بن إسحاق بن الحسن بن محمّد بن سُليمان بن داود بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام كان عالماً فقيهاً أديباً توفّى في سنة (٦٧٣هـ) في الحلّة، وترك مؤلّفات عديدة منها: فرحة الغري وعين العبرة في غبن العترة...

(٣) في الوسائل: (حسن بن حسين) وفي فرحة الغري: (حسن بن الحسين).

(٤) بين القوسين أثبتناه من المصدر.

(٥) في فرحة الغري: (قال أبو حمزة: فما سمعتُ أطيب من لهجته، فدنوتُ منه لأسمع ما يقول، فسمعته يقول: ( إلهي إنْ كان قد عصيتُك، فإني قد أطعتُك في أحبِّ الأشياء إليكَ، الإقرار بوحدانيّتك منّاً منكَ عليَّ، لا منّاً منّي عليكَ ) والدعاء معروف ثُمّ نهض....

(٦) إلى هنا نقله الحرّ العاملي في الوسائل: ج١٤، ص٤٠٨، باب٣٥، كتاب الحجّ، ج١. ولكن للحديث صِلة وتتمّة ذكرها ابن طاووس: ( هل لك أنْ تزورَ معي قبر جدّي عليّ بن أبي طالب؟ قلتُ: أجل، فسرتُ في ظلِّ ناقته يحدثني حتّى أتينا الغريّين، وهي بُقعة بيضاء تلمع نوراً، فنزلَ عن ناقته، ومرّغ خدّيه عليها، وقال: ( يا أبا حمزة هذا قبر جدّي علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ثُمّ زاره بزيارةٍ أولها: ( السلامُ على اسم الله الرضي، ونور وجهه المضيء )، ثُمّ ودّعه ومضى إلى المدينة، ورجعتُ أنا إلى الكوفة. راجع فرحة الغري: ص٧٥، الباب الرابع، ح١٩، ط: قم مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة.

١٢

والتقريب: إنّ في نَهْيَهعليه‌السلام من السجدة لغير الله سبحانه بعد ما انكبّ على قدميه دلالةً على كون الإنكباب لتقبيل الرجل سجدة فضلاً عن نفس التقبيل، فيأتي مثله في الإنكباب بتقبيل العتبة فيكون ممنوعاً منه.

مناقشةُ الرواية المانعة من التقبيل

والجواب عن ذلك:

أولاً: إنّ الرواية مرسلة لا حجّة فيها(١) .

وثانياً: إنّها مضطربة المتن؛ فإنّها رُويَت على أنحاء مختلفة، فقد رواها في البحار عن الشيخ الشهيدقدس‌سره ، ومؤلّف المزار الكبير(٢) بالإسناد مرفوعاً إلى أبي حمزة قال: بينا أنا قاعد في المسجد عند السابعة، إذا برجل ممّا يلي أبواب كِندة قد دخل فنظرتُ إلى أحسن الناس وجهاً وأطيبهم ريحاً، وأنظفهم ثياباً(٣) معمّم بلا طَيلَسَان ولا إزار، وعليه قميص ودرّاعة وعمامة، وفي رجليه نعلان عربيّان فخلّع نَعليه، ثُمّ قام عند السابعة ورفع مِسبحتَيه حتّى بَلَغَتا شحمةَ أُذُنيه(٤) ثُمّ أرسلهما بالتكبير فلم تبقَ في بَدَني شعرةٌ إلاّ قامت، ثُمّ صلّى أربع ركَعَات أحسَنَ ركوعهنّ وسجودهن وقال:( إلهي... ) ثُمّ ذكر الدعاء،(٥)

ــــــــــــــــــ

(١) المُرسَل لـه إطلاقان:

أ- (المرسل بالمعنى العام): وهو ما حُذِف جميع رُواته أو بعضهم، واحداً أو أكثر، وإنْ ذُكر الساقط بلفظ مبهم كرجلٍ وبعض أصحابنا. (مقابس الهداية للمامقاني: ج١، ص٣٣٦).

ب – (المرسل بالمعنى الخاص): هو ما أسنده التابعي إلى النبيّ من غير ذكر الواسطة. (الرعاية للشهيد الثاني: ص١٣٦).

واختلفت الآراء حول حجّيّة الخبر المرسَل فللوقوف على هذه الآراء راجع كتاب مقابس الهداية للشيخ المامقاني: ج١، ص٣٣٨ وأصول الحديث وأحكامه في علم الدراية للسبحاني: ص١٠٨.

(٢) المزار الكبير لابن المشهدي: ص١٦٨، باب١١ ذكر العمل بالمسجد الجامع بالكوفة.

(٣) في البحار: (وأنظفهم ثوباً).

(٤) في البحار: (شحمتي اُذنه).

(٥) وهذا نصُّ الدعاء من البحار: ( إلهي إنْ كنتُ قد عصيتُكَ فقد أطعتكَ في أحبِّ الأشياء إليك الإيمان بك، منّاً منك به عليَّ لا منّاً منّي به عليكَ لم أتخذ لكَ ولداً، ولم أدع لكَ شريكاً، وقد عصيتُك على غير وجه المكابرة، ولا الخروج عن عبوديّتكَ. ولا الجحود لربوبيّتكَ، ولكن اتّبعتُ هواي، وأزلّني الشيطان بعد الحجّة عليَّ والبيان، فإنْ تعذّبني فبذنوبي غير ظالمٍ لي، وإنْ تعف عنّي فبجودك وكرمكَ يا كريم ).

١٣

ثُمّ خرّ ساجداً يقولها حتّى انقطع نفسه وقال أيضاً في سجوده:( يامَنْ يَقدِر على قَضاء حَوائج السائلين ) إلى أنْ قال: ثُمّ رفع رأسه فتأمّلته فإذا هو مولاي زين العابدين عليّ بن الحسينعليه‌السلام فانكببتُ على يديه اُقبلهما فنَزَع يده منّي، وأومأ إليَّ بالسكوت، فقلتُ: يا.مولاي أنا ممّن عُرِفتُ في ولايتكم فما الذي أقدمك إلى هاهنا ؟ قال:( هوَ ما رأيتَ ) الحديث(١) .

ورُويَ أيضاً في البحار، عن أمالي الصدوقرحمه‌الله عن محمّد بن عليّ بن الفضل، عن محمّد بن عمّار القطّان، عن الحسين بن عليّ بن الحكم، عن إسماعيل بن إبراهيم عن سهل، عن ابن محبوب، عن الثمالي قال: دخلتُ مسجد الكوفة فإذا أنا برجلٍ عند الاسطوانة السابعة قائم يُصلّي يُحسن ركوعه وسجوده، فجئتُ لأنظر إليه فسبقني إلى السجود فسمعته يقول في سجوده:( اللهمّ إنْ كنتُ قد عَصَيتُك فقد أطعتك في أحبّ الأشياء ) ،

إلى أنْ قال: ثُمّ انفتل وخَرَج من باب كِندة فَتَبِعته حتّى أتى مناخ الكلبتني فمرَّ بأسود فأمره(٢) بشيءٍ لم أفهمه، فقلتُ: مَنْ هذا ؟ فقال: هذا عليُّ بن الحسينعليه‌السلام فقلت: جعلني الله فداك ما أقدمك هذا الموضع ؟ فقال الذي رأيتَ(٣) .

وروى في الوسائل: عن علي بن محمّد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن علي بن الحكم، عن مالك بن عطيّة، عن أبي حمزة قال: إنّ أوّل ما عرفتُ عن عليِّ بن الحسينعليه‌السلام أنّي رأيتُ رجلاً دخل من باب الفيل فصلّى أربع ركعات فتبعته حتّى أتى بِئر الركوة(٤) وإذا بناقتين معقولتين ومعهما غُلامٌ أسود، فقلتُ لـه: مَنْ هذا ؟

قال عليُّ بن الحسين فدَنَوتُ إليه، وسلّمتُ عليه فقلتُ: ما أقدمك بلاداً قُتِلَ فيها أبوك وجدّك ؟ فقال:( زُرتُ أبي وصلّيتُ في هذا المسجد، ثُمّ قال:ها هو ذا وجهي ) .

الحديث(٥) .

ــــــــــــــــــ

(١) الشهيد الأوّل في مزاره: ص٢٣٨، وبحار الأنوار: ج٩٧، ص٣٨٨، ح١٢، باب فضل الكوفة ومسجدها الأعظم وأعماله.

(٢) في بعض النسخ: (فأسرّه).

(٣) آمالي الصدوق: ص٣١٢، البحار: ج٩٧، ص٣٩٠، ح١٥، باب فضل الكوفة ومسجدها الأعظم وأعماله.

(٤) في بعض نسخ الوسائل الخطيّة: (الزكوةَ).

(٥) وسائل الشيعة للحرّ العامليرحمه‌الله : ج٥، ص٢٥٤، ح٥، باب تأكّد إستحباب قصد مسجد الأعظم بالكوفة، ط: مؤسّسة آل البيت.

١٤

وفيه أيضاً، عن محمّد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن الحسن، عن محمّد بن الحسين(١) وعليّ بن حديد، عن محمّد بن سِنان، عن عمرو بن خالد، عن أبي حمزة الثمالي(٢) : إنّ عليّ بن الحسينعليه‌السلام أتى مسجد الكوفة عمداً من المدينة فصلّى فيه ركعات، ثُمّ عادَ حتّى ركِب راحلته وأخذ الطريق. الحديث(٣) .

وفيه أيضاً، بإسناده عن جعفر بن محمّد بن قولويه، عن محمّد بن الحسين الجوهري، عن محمّد بن الحسين، عن عليّ بن حديد، عن محمّد بن سُليمان، عن عمرو بن خالد مثله،

إلاّ أنّه قال: فصلّى ركعتين ( ثُمّ جاء )(٤) .

وقفةٌ مع هذه الأخبار

أقول: الظاهر إنّ تلك الاختلافات بقرينة وحدة الراوي والمروي عنه(٥) والقضيّة كلّها في بيان قضيّةٍ واحدة فضلاً عن بُعدِ تعدّد مجيئهعليه‌السلام ، ومصادفة الثمالي في جميعه لـه، وسؤاله في الجميع عن جهة مجيئهعليه‌السلام مع أنّ أكثرها تتضمّن عدم معرفتَهُ لـهُعليه‌السلام ، ومن البعيد إنّه لم يعرفهعليه‌السلام في المرّات التالية(٦) ، وقد تضمّنت الرواية الأولى الإنكباب لتقبيل رجلِهعليه‌السلام ، وتضمّنت المرفوعة المذكورة الإنكباب لتقبيل يدهعليه‌السلام ، وخَلَت باقي الروايات عن الإنكباب بالكليّة، مع اختلافها من سائر الجهات أيضاً. فيكون في الروايات نوع اضطراب مانع من التمسّك بها عند أهل الفنّ.

ــــــــــــــــــ

(١) في الوسائل المطبوع: (الحصين).

(٢) أبو حمزة الثمالي هو ثابت بن دينار يُكنى بأبي صفيّة، كوفي، ثقة، لقي عليّ بن الحسين وأبا جعفر ـ الباقر ـ وأبا عبد الله الصادق ـ وأبا الحسن الكاظم ـعليهم‌السلام ، وكان من خيار أصحابنا، وثقاتهم، ومعتمدهم في الرواية والحديث.

راجع نقد الرجال للسيّد مصطفى التفريشي: ج١، ص٣١١، رقم ٨٤٠ ط قم آل البيتعليهم‌السلام .

(٣) نفس المصدر نفسه: ح٦.

(٤) نفس المصدر نفسه: ح٧، ولكن بين القوسين من المصدر.

(٥) الراوي: (أبو حمزة الثمالي) والمروي عنه (الإمام زين العابدين عليه السلام).

(٦) بل من البعيد جداً أنْ يكون شخصُ الإمام السجادعليه‌السلام غيرُ معروف عند أبي حمزة الثمالي؛ لأنّه كان من أصحاب الإمام السجاد حسب ما ذكره الشيخ الطوسي في رجاله: ص١١٠، رقم (١٠٨٣) والعلامّة في الخلاصّة: ص٨٥، فصل ٤، باب١، ح٥، بالإضافة إلى ذلك أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام كان ناراً على علم ويشهد بذلك حادثة الفرزدق مع هشام بن عبد الملك.

١٥

وثالثاً: إنّ من الواضح إنّ الإنكباب لتقبيل الرجل ليس سجدةً فيُحتمل أنّ أبا حمزة حين انكبَّ لتقبيل قَدَميهعليه‌السلام سجدَ لـه، فضلاً عن التقبيل، فمنعه الإمامعليه‌السلام عن ذلك ويكون قد سَقَط ذلك من الرواية كسُقوط أصل الإنكباب للتقبيل عن أكثر الروايات المزبورة، ومنع هذا الاحتمال استناداً إلى جلالة شأن أبي حمزة(١) عن عدم علمه بحُرمة السجود لغير الله سبحانه، يدفعه صريح جواب الإمامعليه‌السلام ، وليس بعزيز على مَنْ شاهد جلالة شأن الإمامعليه‌السلام واستغرق في بحار أُبّهته أنْ يصدرَ منه تعظيم يعلم بعدم مشروعيّته غفلةً منه عن حرمته لغير لله تعالى، كما وقع الاستئذان للسجدة لأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقد رُوي في الوسائل، عن محمّد بن الحسن الصفّار(٢) في بصائر الدرجات بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:( كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً قاعداً في أصحابه، إذ مرّ به بَعير فجاءَ حتّى ضربَ بجرانه الأرضَ ورغا (٣) فقال رجلٌ: يا رسولَ الله أسجدَ لكَ هذا البَعير، فنحن أحقُّ أنْ نفعل؟

فقال:لا بل اسجدوا لله، ثُمّ قال: لو أمرتُ أحداً أنْ يسجدَ لأحدٍ، لأمرتُ المرأةَ أنْ تسجدَ لزوجها) . الخبر(٤) .

ــــــــــــــــــ

(١) روى الكشّي في رجاله: ص٤٨٥، ٩١٩، عن الإمام الصادقعليه‌السلام : (أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه) وفي بعضها (كسلمان).

(٢) هو محمّد بن الحسن بن فروّخ الصفّار القمّي كان وجيهاً في أصحابنا القمّيّين ثقة عظيم القدر راجحاً قليل السقط في الرواية، توفّي بقم سنة .(٢٩٠هـ) هكذا قال عنه ابن داود في رجاله: ص١٧٠، رقم ١٣٥٩،القسم الأوّل. صاحب كتاب بصائر الدرجات.

(٣) الرغاء: هو صوت الإبل، كما الثغاء؛ للغنم.

(٤) عن بصائر الدرجات الكبرى: ص٣٦٨، ج٧، باب١٥. ولكن يوجد تفاوت بين رواية الوسائل ورواية البصائر، وسائل الشيعة: ج٦، باب عدم جواز السجود لغير الله وأحكام سجود التلاوة وسجدة الشكر، ح١.

١٦

ورابعاً: إنّها معارضةً بأخبار أُخَر أقوى ناطقة بوقوع التقبيل لأقدامهمعليهم‌السلام من شيعتهم وعدم منعهم لهم، من ذلك فمنها:

أدلّـةُ التقبيل

ما رواه الفاضل المجلسيرحمه‌الله في البحار، عن أمالي الشيخرحمه‌الله عن جماعة، عن أبي المفضّل، قال: حدّثنا أبو أحمد عن عُبيد الله بن الحسين العلوي، عن محمّد بن عليّ بن حمزة العلوي، عن أبيه، عن الحسين بن زيد بن عليّ، قال: سألتُ أبا عبد الله جعفر بن محمّدالصادق عليه‌السلام عن سِنِّ جدّنا عليّ بن الحسينعليهما‌السلام ، فقال:( أخبرني أبي، عن أبيه عليّ بن الحسين عليهم‌السلام قال: كُنت أمشي خَلف عمّي وأبيَ، الحسن والحسين عليهما‌السلام ، في بعض طُرُقَات المدينة في العام الذي قُبِضَ فيه عمّي الحسن عليه‌السلام ، وأنا يَومئذٍ غُلام (لم أراهق أو كُدتُ) (١) ، فلَقِيهُما جابر بن عبد الله (٢) وأنس بن مالك (٣) الأنصاريّان في جماعة من قريش والأنصار، فما تمالك جابر بن عبد الله حتّى انّكبَ على أيدِيَهما وأرجلَهما يقبلّهما، فقال لـه رجل من قريش كان نسيباً لمروان: أتصنع هذا يا أبا عبد الله، وأنتَ في سنّك (هذا) (٤) ، وموضعك من صُحبَةِ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! وكان جابر قد شَهِد بدراً، فقال لـه: إليك عنّي فلو علِمتَ يا أخا قريش من فضلهما ومكانهما (من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٥) ما أعلم لقبلّتَ ما تحت أقدامهما من التراب .

ثُمّ أقبل جابر على أنَس بن مالك، فقال: يا أبا حمزة، أخبَرَنِي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما بأمرٍ ما ظننته أنْ يكون في بشر ) الحديث(٦) .

ــــــــــــــــــ

(١) بين القوسين أثبتناه من المصدر. وفي المخطوطة: (قد ناهزتُ الحلم أو كدّتُ).

(٢) جابر بن عبد الله بن عمرو ابن حزام الأنصاري، نزل المدينة، شهد بدراً وثماني عشر غزوة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ والحسن والحسين وعلي بن الحسين والباقرعليهم‌السلام .

(٣) أنس بن مالك، أبو حمزة، خادم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأنصاري، من أصحاب الرسول، وذكر الكشّي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام دعا عليه وبرصَ لكتمان حديث غدير خم، فحلف أنس بن مالك أنْ لا يكتم منقبة لعليّعليه‌السلام ولا فضلاً أبداً.

(٤) بين القوسين من المصدر.

(٥) بين القوسين غير موجود في المصدر.

(٦) آمالي الشيخ الطوسيرحمه‌الله : ص٤٩٩، المجلس الثامن عشر، ح٢، ط قم مؤسّسة البعثة، والبحار: ج٢٢، ص١١٠، ح٧٦.

١٧

ومنها: ما رواه فيه عن العيون بإسناده عن أحمد بن عيسى بن زيد بن عليّ، عن عمّهِ الصادقعليه‌السلام قال:( كان عليُّ بن الحسين عليه‌السلام لا يُسافر إلاّ مع رِفقَة لا يعرفونه ويشترط عليهم أنْ يكون من خَدَم الرّفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرّةً مع قومٍ فرآه رجلٌ فعرفه فقال لهم: أتدرون مَنْ هذا ؟ فقالوا لا، قال: هذا عليُّ بن الحسين عليه‌السلام ، فوثَبوا إليه فقبّلوا يده ورجله وقالوا: يابن رسول الله أردتَ أنْ تصلينا نارَ جهنّم لو بدرتْ منّا إليك يدٌ أو لسان أما كنّا قد هلكنا إلى آخر الدّهر؟ فما الذي يحملك على هذا ؟ فقال: إنّي كنتُ سَافرت مرّةً مع قومٍ يعرفونني فأعطوني برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لا استحقُّ فأنّي أخاف أنْ تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحبّ إلىَّ) (١) .

ومنها: ما في البحار أيضاً عن أمالي الصدوقرحمه‌الله بإسناده عن أبان بن عثمان، عن الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال:( إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذات يوم لجابر بن عبد الله الأنصاري: يا جابر إنّك ستبقى حتّى تلقى ولدي محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام المعروف في التوراة بالباقر، فإذا لقِيته فأقرأه عنّي (٢) السلام، فدَخَل جابر إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام فوجد محمّد بن عليّ عليه‌السلام عندَهُ غلاماً فقال لـه: يا غلام أقبل فأقبل، ثُمّ قال لـه: أدبر فأدبر.

فقال جابر: شمائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربّ الكعبة، ثُمّ أقبل على عليِّ بن الحسين عليه‌السلام ، فقال لـه: مَنْ هذا؟ قال: هذا ابني وصاحب الأمر (من) (٣) بعدي، محمّد الباقر فقامَ جابر فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول: نفسي لنفسِك الفداء يابن رسول الله، اقبل سلام أبيك، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يَقرأ عليك السلام، قال: فدَمِعت عينا أبي جعفر عليه‌السلام ثُمّ قال: يا جابر على أبي رسول الله السلام ما دامتْ السمواتُ والأرض وعليك يا جابر بما بلّغتَ السلام. الخبر(٤) .

ومنها: ما في البحار أيضاً، عن رجال الكشّي قال: وجدتُ بخطِّ محمّد بن بندار (القمّي)(٥) عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن سالم قال: لمّا حُمِل سيّدي موسى بن جعفرعليهما‌السلام إلى هارون جاء إليه هشام بن إبراهيم العبّاسي، فقال لـه: يا سيّدي قد كُتبَ لي صكّ إلى الفضل بن يونس فتسأله أنْ يروّج أمري.

ــــــــــــــــــ

(١) البحار: ج٤٦، ص٦٩، ح٤١، باب استجابة دعائهعليه‌السلام .

(٢) في البحار: (منّي).

(٣) (مِن) في البحار غير موجودة.

(٤) أمالي الشيخ الصدوق ص٣٥٣، البحار: ج٤٦، ص٢٢٣، ح١.

(٥) بين القوسين من المصدر.

١٨

قال: فركِب إليه أبو الحسنعليه‌السلام فدخل عليه حاجبه فقال: يا سيدي أبو الحسن موسىعليه‌السلام بالباب، فقال: فإنْ كنتَ صادقاً فأنتَ حرٌ ولك كذا وكذا، فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتّى خرج إليه فوقع على قدميه يقبلّهما، ثُمّ سأله أنْ يدخلَ فدخل فقال لـه: اقضِ حاجة هاشم بن إبراهيم، فقضاها. الحديث(١) .

ومنها: خبر أبي خالد الطويل المروي في باب النصّ على مولانا السجّادعليه‌السلام المتضمّن بشهادة الحجر الأسعد بإمامته، وتقبيل محمّد بن الحنفيّة رجلَه وقوله لـه: الأمر لك(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) رجال الكشي: ص٤٢١، رقم (٣٥٦) ط: كربلاء.

(٢) عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة وزرارة جميعاً، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: لمّا قُتل الحسينعليه‌السلام أرسل محمّد بن الحنفيّة إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام فخلا به فقال له:

يا ابن أخي قد علمت أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفع الوصيّة والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ثمّ إلى الحسنعليه‌السلام ، ثمّ إلى الحسينعليه‌السلام وقد قتل أبوك (رضي الله عنه وصلّى على روحه) ولم يوصِ، وأنا عمّك وصنو أبيك وولادتي من عليّعليه‌السلام في سنّي وقديمي أحقّ بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصيّة والإمامة ولا تحاجّني، فقال لـه عليّ بن الحسينعليه‌السلام :

( يا عم اتّق الله ولا تدّع ما ليس لك بحق إنّي أعظك أنْ تكون من الجاهلين، إنّ أبي يا عمّعليه‌السلام أوصى إليَّ قبل أنْ يتوجّه إلى العراق وعهِد إليَّ في ذلك قبل أنْ يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندي، فلا تتعرّض لهذا، فإنّي أخاف عليك نقص العمر وتشتّت الحال، إنّ الله عزّ وجلّ جعل الوصيّةَ والإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام ، فإذا أردتَ أنْ تعلم ذلك فانطلِق بنا إلى الحجر الأسود حتّى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك، قال أبو جعفرعليه‌السلام :

وكان الكلام بينهما بمكّة، فانطلقا حتّى أتيا الحجر الأسود، فقال عليّ بن الحسين لمحمّد بن الحنفيّة: ابدأ أنت فابتهل إلى الله عز وجل وسله أنْ ينطق لك الحجر ثمّ سلْ، فابتَهَل محمّد في الدعاء وسأل الله ثُمّ دعا الحجر فلم يُجبه، فقال عليّ بن الحسينعليهما‌السلام : يا عم لو كنتَ وصيّاً وإماماً لأجابك، قال لـه محمّد: فادع الله أنت يا ابن أخي وسله، فدعا الله عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام بما أراد ثمّ قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء، وميثاق الأوصياء، وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا مَنْ الوصيّ والإمام بعد الحسين بن عليّعليه‌السلام ؟

قال: فتحرك الحجر حتّى كاد أنْ يزول عن موضعه، ثمّ أنطقه الله عزّ وجلّ بلسان عربي مُبين، فقال: اللهم إنّ الوصيّةَ والإمامةَ بعد الحسين بن عليّعليهما‌السلام إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: فانصرف محمّد بن عليّ وهو يتولّى عليّ بن الحسينعليه‌السلام . =

١٩

= أخرجه الكليني في الكافي: ج١، ص٣٤٨، ح٥، باب ( ما يفصل به بين دعوى المحقّ والمُبطل في أمر الإمامة ) والصفّار القمّي في بصائر الدرجات: ص٥٢٢، ح٣، باب١٧، ح١٠، والطبرسي في الاحتجاج: ج٢، ص٤١، ط قم الشريف الرضي، وابن سُليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات: ص١٧٠، ط المكتبة الحيدريّة،والحرُّ العاملي في إثبات الهداة: ج٤، ص٦٢، ح٤، باب١٧، ط بيروت الأعلمي، والسيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز: ج٢، ص٢٥١، ح٥٩، بيروت الأعلمي، والعلاّمة المجلسي في البحار: ج٤٢، ص٧٨، ح٦، باب الرد على الكيسانيّة، والميرزا محمّد تقي الملّقب بحجّة الإسلام في صحيفة الأبرار: ج٢، ص٢١٣، ح١ط بيروت الأعلمي. ودلائل الإمامة للطبري: ص٢٠٧، ح١٩، والإمامة والتبصرة من الحيرة لعلي بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى (٣٢٩هـ) ص٦٠، ح٤٩، باب١٠، وكشف الغمّة: ج٢، ص٦٥٢، ط قم، والمناقب لابن شهر آشوب: ج٤، ص١٥٩، ط بيروت دار الأضواء، والراونديرحمه‌الله المتوفّى (٥٧٣) في الخرائج والجرائح: ج١، ص٢٥٨، ط بيروت الأعلمي: بعد ما ذكر الرواية السالفة بعينها ولكن في رواية الخرائج زيادة وهي محلّ الشاهد وهو: (فقبّل محمّد بن الحنفيّة رجله وقال: الأمر لكَ).

فالظاهر أنّ المرحوم المامقاني اعتمدَ على هذه الرواية دون البقيّة؛ لأنّ رواية الخرائج عن أبي خالد الكابلي هذا أوّلاً، وثانياً: رواية الخرائج فيها محلّ الشاهد وهو تقبيل رِجل الإمام من قِبَل عمّه.

وفي رواية أُخرى نقلها ابن حمزة الطوسي في الثاقب في المناقب: ص٣٥٢، ح١، الفصل٢: ( إنّ الإمام السجادعليه‌السلام فيما احتجّ به على ابن الحنفيّة أنْ يأتيا المقابر فمضيا معاً وانتهيا إلى قبر صاحبه قريب العهد فقالعليه‌السلام لمحمّد:

( سل صاحب هذا القبر عمّن يستحقّ الإمامة بعد الحسينعليه‌السلام فلم يفعل ابن الحنفيّة، وطلب من الإمام أنْ يسأله فدعا عليُّ بن الحسين ربّه تعالى ثُمّ دعا صاحب القبر فانكشف القبر عن رجلٍ ينفض التراب عن رأسه وهو يقول: الحقُّ لعليّ بن الحسينعليه‌السلام دونكَ يا محمّد، فوقع محمّد بن الحنفيّة على رِجل عليّ بن الحسين يُقبّلها ويلوذُ به ويطلب منه العفو عمّا صدرَ منه ). وأيضاً نقل هذا السيّد المقرّمرحمه‌الله المتوفّى (١٣١٧هـ) في حياة الإمام زين العابدين: ص٢٦٢.

والشيخ عبّاس القمّي المتوفّى (١٣٥٩) في منتهى الآمال: ج٢، ص٣٦،الفصل الخامس: بعدما ذكر الرواية بشكلٍ كامل ومفصل علّق قائلاً: (وفي بعض الروايات أنّ محمّد بن الحنفيّة أهوى إلى قدمي الإمامعليه‌السلام فقبّلها، وقال: إنّ الإمامة مختصّةٌ بكَ).

٢٠

ومنها: ما نطَقَ بتقبيل جابر رِجل السجّادعليه‌السلام في كربلاء ساعَة ورودهعليه‌السلام لزيارة الأربعين(١) .

ومنها: ما ورَد في تقبيل القاسم بن الحسنعليه‌السلام يدي الحسينعليه‌السلام ورجليه؛ لتحصيل الإذن في الجهاد يوم الطف(٢) .

ــــــــــــــــــ

(١) ذكر العلاّمة المازندرانيرحمه‌الله المتوفّى (١٣٨٤) في معالي السبطين: ج٢، ص١٨٣، ط قم الشريف الرضي، عن عطيّة العوفي بعدما جاء مع جابر بن عبد الله الأنصاري لزيارة الأربعين بينما كنّا مشغولين بمراسم الزيارة والدعاء، فإذا بسوادٍ قد أقبل علينا من ناحية الشام، فقلت: يا جابر أنّي أرى سواداً عظيماً مقبلاً علينا من ناحية الشام، فالتفتَ جابر إلى غلامه وقال لـه:

انطلق وانظر ما هذا السواد ؟ فإنْ كانوا من أصحاب عبيد الله بن زياد لعلّنا نلجأ إلى ملجأ، وإنْ كان هذا سيّدي ومولاي زين العابدين فأنتَ حرّ لوجه الله، فانطلق الغلام فما كان بأسرع من أنْ رجعَ إلينا وهو يلطم على وجهه وينادي قم يا جابرُ واستقبل حرمَ رسول الله فهذا سيّدي ومولاي عليّ بن الحسينعليه‌السلام قد أقبل مع عمّاته وأخواته ليجدّدوا العهدَ بزيارة الحسينعليه‌السلام ، فقام جابر ومَنْ معه واستقبلهم بصراخٍ وعويل يكادُ الصخرُ أنْ يتصدّع منه، ولمّا دنى من الإمام انكبّ على أقدامه يُقبلها ويقول: سيّدي عظّم اللهُ لك الأجر بعموتك وأخوتك، فقال الإمامعليه‌السلام : أنتَ جابر قال: نعم سيّدي أنا جابر، فقالعليه‌السلام : يا جابر هاهنا قُتِلَ أبو عبد الله، يا.جابر هاهنا ذُبِحتْ أطفال أبي.

(٢) قال الشيخ عبّاس القمّيرحمه‌الله المتوفّى (١٣٥٩هـ) في نَفَس المهموم: ص٢٩٢، ط قم: ( قيل لمّا نظر الحسينعليه‌السلام إليه ـ القاسم بن الإمام الحسنعليه‌السلام ـ قد برزَ اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غُشِيَ عليهما، ثُمّ استأذن الحسينعليه‌السلام في المبارزة، فأبىعليه‌السلام أنْ يأذنَ لـه، فلم يزل الغلام يُقبّل يديه ورجليه حتّى أذِنَ لـه...) فراجع مقتل الحسينعليه‌السلام للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاءرحمه‌الله المتوفّى (١٣٧٣هـ): ص٥٤، ط قم، ومعالي السبطين للمازندراني: ج١، ص٤٥٣، ومقتل الحسينعليه‌السلام أو واقعة الطفّ للسيّد محمّد تقي آل بحر العلوم المتوفّى (١٣٩٣هـ): ص٣٥٦، ط قم.

٢١

إلى غير ذلك من الأخبار الحاكِيَة لوقوع التقبيل لأرْجُل الأئمّةعليهم‌السلام وعدم منعهمعليهم‌السلام المقبِّل عن ذلك(١) ، والذي أظنّ والله العالم إنّ مَنْعَهعليه‌السلام

أبا حمزة في الخبر المزبور من تقبيل قَدَميه، معلّلاً بحرمة السجود لغير الله سبحانه إنّما وقع تقيّةً وخوفاً.

ــــــــــــــــــ

(١) منها ما ورد في الكافي: ج٢، ص١٤٥، ح٤، باب التقبيل: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجال، عن يونس ابن يعقوب قال: قلتُ لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ناولني يدك أُقبلهُا فأعطانيها، فقلتُ: جُعِلتُ فداك رأسك ففعل فقبلّته، فقلتُ: جُعِلتُ فداك رجلاك، فقال أقسمتُ، أقسمتُ، أقسمتُ ثلاثاُ وبقي شيء، وبقي شيءٌ وبقي شيءٌ).

قال السيّد عبد الله شبّررحمه‌الله في مصابيح الأنوار: ج٢، ص٥٤، ط بيروت: هذا الحديث من الغوامض ويُحتمل وجوهاً: فذكررحمه‌الله ستّ احتمالات منها:

أنْ يكونَ المعنى أقسمتَ أنتَ أنْ تُقبل الأعضاء الثلاثة وقد قبلّتَ اثنين منها وبقي شيءٌ واحد وهو الرجل فقبّلها لتبرَّ قسمك فخذ قبلّها.

وأيضاً من الأحاديث المجوّزة للتقبيل ما ذكره الكليني في الكافي: ج٢، ص١٨٥، ح٢، باب التقبيل: (عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن رفاعة بن موسى، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ( لا يُقبّل رأسَ أحدٍ ولا يده إلاّ يدُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مَنْ أُريد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال السيّد عبد الله شبّر المتوفى (١٣٢٤هـ) في مصابيح الأنوار: ج٢، ص٥٥، ح٢١: (يُحتمل أن يكون المراد بَمنْ أُريد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عترته الطاهرين والأئمّة المعصومين).

وممّا يعضد كلامهرحمه‌الله الحديث المروي في الكافي: ج٢، ص١٨٥، ح٣، بعده مباشرةً: عن زيد النرسي، عن عليّ بن مزيد صاحب السابري قال: دخلتُ على أبي عبد اللهعليه‌السلام فتناولتُ يده فقبّلتُها، فقال: ( أما إنّها لا تصلح إلاّ لنبيٍّ أو وصيّ نبيّ ).

وعلّق قائلاً ـ السيّد شبّرـ: (ويُحتمل أنْ يراد به ما هو أعم من ذلك لسائر صالحي ذرّيّته بل لصالحي المؤمنين أيضاً فإنّ تقبيل يدهم من حيثُ صلاحهم وإيمانهم بالله وبرسول الله وإتباعهم لـه، إنّما اُريد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل شمول الحكم للعلماء بالله العاملين بأمره الهادين الناس ممّن وافق قولهم فعلهم أولى فإنّهم خلفاء رسول الله كما يدلّ عليه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اللهم ارحم خلفائي، بل هم ورثته الروحانيون، فإنّ العلماء ورَثَة الأنبياء ).

وقال العلاّمة المجلسيرحمه‌الله في البحار: ج٧٣، ص٣٨، ح٣٥، ط بيروت مؤسّسة الوفاء معلّقاً على هذا الحديث الشريف: تبيان: قولهعليه‌السلام ( أو مَن أُريد به رسول الله ) من الأئمّةعليهم‌السلام إجماعاً وغيرهم من السادات والعلماء على الخلاف، وإنْ لم أرَ في كلام أصحابنا تصريحاً بالحرمة، قال بعض المحقّقين: لعلّ المراد بمَنْ أُريد رسول الله الأئمّة المعصومونعليهم‌السلام ، ويُحتمل شمول الحكم العلماء بالله وبأمر الله مع العاملين بعلمهم والهادين للناس.

٢٢

الدليل الثاني على عدم جواز التقبيل

الثاني:

إنّ تقبيل الأعتاب المقدّسة مستلزم السجود لصاحب العتبة، والسجود لغير الله سبحانه مُحرّم، أمّا الكُبرى فواضحة بالنصوص المتواترة(١) ، وإجماع الشيعة بل المسلمين قاطبة، وأمّا الصغرى؛ فلأنّ السجودَ لغةً: هو الخضوع والانحناء وتَطأطئ الرأس كما ذكره أهل اللغة(٢) ونقله الفقهاء عنهم فعن المعتبر(٣) ، والمنتهى(٤) ، ونهاية الأحكام(٥) وإرشاد الجعفريّة(٦) ، والمقاصد العَليّة(٧) ، والروض(٨) وغيرها أنّ السجودَ لغةً الخُضوع، ومن البيّن تضمّن الهويّ لتقبيل الأعتاب المقدّسة الخضوع، والانحناء وتَطأطئ الرأس.

ــــــــــــــــــ

(١) راجع وسائل الشيعة: ج٦، باب عدم جواز السجود لغير الله.

(٢) قال الفيروز آبادي المتوفى (٨٧١) في القاموس المحيط: ص٣١١، حرف (الدال)، فصل (السين): (سَجَدَ: خَضعَ، وأسجدَ: طأطأ رأسه، وانحنى).

(٣) قال المحقّق الحلّي في المعتبر: ج٢، ص٢٠٦؛ (السجود وهو في اللغة: الخضوع.

(٤) منتهى المطلب للعلاّمة الحلّي: ج٤، ص٣٥١.

(٥) نهاية الأحكام، للعلاّمة الحلّي: ج١، ص٤٨٦، ط: قم إسماعيليان: (السجود لغةً: الانحناء).

(٦) إرشاد الجعفريّة وإرشاد الأذهان للعلاّمة الحلّيرحمه‌الله : ج١، ص٢٥٥، ط جماعة المدرّسين قم.

(٧) جامع المقاصد للمحقّق الكركيرحمه‌الله : ج٢، ص٢٩٦، ط مؤسّسة آل البيتعليهم‌السلام .

(٨) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان؛ للشهيد الثانيرحمه‌الله : ص٢٧٤، قال: السجود: وهو لغةً: الخضوع، وشرعاً: وضعُ الجبهة على الأرض.

٢٣

والجواب عن ذلك:

أولاً: منعُ كون السجود في اللغة لمطلق الانحناء وتَطأطئ الرأس، بل مع قيد وضع الجبهة على الأرض، ألا ترى إلى تفسير الجوهري في الصحاح(١) ، وابن الأثير في النهاية(٢) ، وصاحب التاج(٣) وغيرهم لـه بوضع الجبهة على الأرض، وكذا الفيّومي في المصباح المُنير حيثُ قال: وسجدَ الرّجلُ وضعَ جبهته على الأرض. انتهى(٤) .

وذلك قرينة على إرادة مَنْ أطلق تفسيره بالخضوع والانحناء وتَطأطئ الرأس الخضوع بِوَضع الجبهة على الأرض.

وثانياً: إنّه لو سُلِّم كونه بمعنى مطلق الانحناء وكونه في خُصوص وضع الجبهة مجازاً، فلا ينبغي التأمّل في بلوغ ذلك في العُرف العام فضلاً عن عُرف المُتشرّعة مبلغ الحقيقة، فلا يُقال في حقّ مَنْ انحنى لقتلِ الحيّة والعقرب، أو لأخذِ شيءٍ من الأرض ونحوهما(٥) ممّا لا وضع فيه للجبهة على الأرض إنّه ركَع أو سجد، بل يُطلق على الانحناء ما لم تصل الجبهةُ الأرضَ بالسجود، وغايته عدم اعتبار مباشرة خُصوص الجبهة للأرض، فيكفي في صِدقهِ وضعها على الأرض بواسطة أو وسائط ما لم يبلغ حدّ العُلوّ المفرط، ومن البيّن عدم تضمّن انحناء المُنحني لتقبيل العتبة والرِّجل وضع الجبهة على الأرض.

ــــــــــــــــــ

(١) قال الجوهري: (السجود وضع الجبهة على الأرض) (الصحاح: ج١، ص٤٨٠).

(٢) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج٢، ص٣٤٢، قال: (وهو وضع الجبهة على الأرض، ولا خضوع أعظم منه).

(٣) تاج العروس للزُبَيدي: ج٢، ص٣٧١، قال: ( وهو وضع الجبهة على الأرض ولا خضوع أعظم منه، والاسم السجدة ).

(٤) المصباح المُنير للفيّومي الّمتوفّى (٧٧٠هـ): ج١، ص٢٦٦، حرف (السين) ط قم دار الهجرة. وهذا ممّا يَتناسب مع معناه الشرعي حيث قال عكرمة: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا صلاة لمَنْ لا يُصيب أنفه مِن الأرض، ما يُصيب الجَبهة )، وعن ابن عمر: ( إنّ النبي قال: ( إذا سجدتَ فمّكنْ جبهتكَ من الأرض ) ). راجع سنن الدار قطني: ج١، ص٣٤٨، ح٢.

(٥) قال الشيخ جواد الكربلائي في الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة: ( لم تعلم كون الهَوِيّ لتقبيل العتبة من السجدة حتّى يقصد بها سجدة الشكر، وإلاّ لكان مطلق الهويّ لتقبيل زوجته النائمة سجدة...).

٢٤

وثالثاً: إنّ السجود من الأفعال العقلائيّة المُتشخّصّة عن مُشابهاتها بالقصد، ومن المعلوم أنّ المنحني لتقبيل العتبة أو الرِّجل لم يَقصد الخضوع بإنحائه لنفسه، بل قصدَ الخضوع بتقبيله، وذلك غيرُ مُحرّم؛ للأصل بعدم الدليل على تحريمه(١) ، بل الدليل على جوازه واضح السبيل، وهو الأخبار المزبورة الحاكية لإنكباب الشيعة على أقدام الأئمّةعليهم‌السلام للتقبيل وعدم منعهمعليهم‌السلام إياهم من ذلك(٢) ، وأقلّ مراتبها الدلالة على الجواز.

ورابعاً: إنّ الإنكباب لتقبيل الأرض المجاورة للإمامعليه‌السلام لو كان سجوداً لَمَا صدر من الأئمّةعليهم‌السلام الإنكباب على قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقبور الأئمّةعليهم‌السلام ، بل قبور بعض أولادهم للتقبيل، ولَمَا أثنى الإمامعليه‌السلام على مَنْ قبّل مكان جلوس إمامه كما ورد في الأخبار، ألا ترى إلى ما رواه في البحار، عن رجال الكشّي، عن سليمان بن جعفر قال: قال لي عليّ بن عُبيد الله بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب: أشتهي أنْ أدخل على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام اُسلّم عليه قلت: فما يمنعك من ذلك؟ قال: الإجلال والهيبة لـه وأتّقي عليه.

قال: فاعتلَّ أبو الحسنعليه‌السلام عِلّةً خفيفةً وقد عاده الناس، فلَقيتُ عليَّ بن عُبيد الله، فقلتُ: قد جاءكَ ما تريد، قد اعتلَّ أبو الحسنعليه‌السلام علّةً خفيفةً وقد عاده النّاس فإنْ أردتَ الدخول عليه فاليوم، قال: فجاء إلى أبي الحسنعليه‌السلام عائداً فلَقيَه أبو الحسنعليه‌السلام بكلِّ ما يجب من المنزلة والتعظيم، فَفَرِح بذلك عليّ بن عُبيد الله فرحاً شديداً، ثُمّ مرض عليّ بن عبيد الله فعاده أبو الحسنعليه‌السلام وأنا معه، فجلس حتّى خرج مَنْ كان في البيت فلمّا خرجنا أخبرتني مولاةٌ لنا إنّ أمّ سَلَمَة امرأة عليّ بن عُبيد الله كانت من وراء الستر تنظر إليه، فلمّا خَرج خرجَتْ وانكبّت على الموضع الذي كان أبو الحسن فيه جالساً، تقبّله وتَتَمسّح به.

قال سليمان: ثُمّ دخلْتُ على عليّ بن عُبيد الله فأخبرَني بما فَعَلتْ أمُّ سلمة، فخبّرت به أبا الحسنعليه‌السلام ، فقال: يا سلمان إنّ عليّ بن عُبيد الله وامرأتهُ وولده من أهل الجنّة يا سليمان إنّ وِلْدَ عليّ وفاطمةعليهم‌السلام إذا عرفهم هذا الأمر لم يكونوا كالناس. الحديث(٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) لا يوجد دليل على حرمة تقبيل العتبة أو الرجل أو اليد، والأصل الجواز والإباحة، وكلُّ مَنْ يدّعي الحرمة فعليه إبراز الدليل قبل أنْ يتّهمَ الآخرين بعبادة غير الجليل.

(٢) تقدّم ذكر الروايات التي بيّنت كيفيّة التقبيل من الشيعة الكرام لأئمّتهم الأبرارعليهم‌السلام .

(٣) رجال الكشّي: ص٤٩٥، رقم (٤٨٥)، عنه البحار: ج٤٩، ص٢٢٣، ح١٥، باب١٦.

٢٥

انظر: يَرحمُك الله تعالى إلى رضا الإمامعليه‌السلام بفعل أمّ سلمة(١) ، وإخباره بأنّها من أهل الجنّة وما ذاك إلاّ لِمَا ذكرنا.

وخامساً: إنّ الإنكباب لتقبيل الأرض المجاورة لهمعليهم‌السلام لو كان سُجوداً محرّماً لما قرّرواعليهم‌السلام تَقبيل مَن قَبّلَ الأرض قدّامهم، ولَنَهَوا عن ذلك؛ لإتحاد المناط في العتبة والأرض(٢) قدّامهم، ومَنْ راجع الأخبار ظَهَر لـهُ وقوع ذلك من شيعتِهم وغيرهم مراراً وعدم نهيهم عن ذلك، وعدم النهي منهمعليهم‌السلام في غير مقام التقيّة تقرير، وقد تقرّر في محلّه حجّيّة تقريرهم كقولهمعليهم‌السلام (٣) .

ــــــــــــــــــ

(١) كما لا يخفى أنْ رضا الإمامعليه‌السلام وإقراره حجّةٌ كما هو مذكور في علم الأصول.

(٢) اتّحاد المناط أو وحدة المناط: هو تَمييز علّة الحكم عن سائر الأوصاف والحيثيّات المذكورة في الخطاب، ومع تميُّزها تكون النتيجة هي إمكان الاستفادة من العلّة لإثبات نفس الحُكم لموضوعات أُخرى غير الموضوع المنصوص عليه في الخطاب، بمعنى إمكان تَعْدِيَة الحكم من مورد النصّ الذي اكتنف بمجموعة من الأوصاف والحيثيّات إلى موارد أُخرى ليست واجدة لتلك الأوصاف والحيثيّات، ما عدا العلّة المنقّحة.

(٣) سكوت المعصومعليه‌السلام إنّه دليلٌ على الإمضاء والموافقة؛ لأنّ المعصومعليه‌السلام إذا واجه سُلوكاً معيّناً وتصرّفاً خاصّاً وسكتَ عنه، فهذا السكوت والإمضاء منهعليه‌السلام يُعتبر دليلاً على الإمضاء. ومن المعلوم أنّ السكوت إنما يدلُّ على الإمضاء في حالة مواجهة المعصومعليه‌السلام لسلوك معيّن يكون على نحوين:

أـ مواجهة سلوك فرد خاصّ يتصرّف أمام المعصوم، كأن يمسح أمام المعصوم منكوساً ويسكت عنه.

ب ـ مواجهة سلوك اجتماعي وهو ما يُسمّى بالسيرة العقلائيّة، كما إذا كان العقلاء بما هم عقلاء يسلكون سلوكاً معيّناً في عصر المعصومعليه‌السلام ، فإنّه بحكم تواجده بينهم يكون مواجهاً لسلوكهم العامّ، ويكون سكوته دليلاً على الإمضاء ـ لهذا العمل ـ فمن هنا أمكن الاستدلال بالسيرة العقلائيّة عن طريق استكشاف الإمضاء من سكوت المعصومعليه‌السلام .

فبهذا البيان قد تبيّن لك أنّ تقبيلَ أيدي وأرجُل المعصومينعليه‌السلام كان سلوكاً اجتماعيّاً وليس فرديّاً يواجهه المعصومعليه‌السلام فيقرّه، علماً أنّ هذا العمل كان يصدر من العقلاء بما هم عقلاء، فإذاً هذا الفعل عقلي قبل أنْ يكون شرعي.

٢٦

الدليل الثالث على عدم جواز التقبيل

الثالث:

إنّ الزيارةَ ومتعلّقاتها عبادةٌ والعبادات أمورٌ توقيفيّة، فلابدَّ من الدليل على رُجحان تقبيل الأعتاب فلا نقول برجحانه.

ردُّ الدليل الثالث:

والجواب:

إنّا إلى الآن كنّا بصدد إثبات الجواز لا الرُجحان وقد عَرَفتَ أنّ الجواز لا غائلة فيه، وأمّا الرُجحان فيُمكن الاستدلال لـهُ بوجوه:

الأوّل: السيّرة المستمرّة التي سُمِعتَ من الشهيدرحمه‌الله في الدروس حيثُ عبَّر عنها: بأنّ الإماميّة على ذلك(١) .

الثاني: إنّ في ذلك تعظيماً للشعائر، وقد قال الله تعالى:( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (٢) .

والمناقشة في التمسّك به بأنّ في تفسيرها اختلافاً عظيماً، فعن ابن زيد: إنّها معالم الدين، وعن مجاهد: إنّها البُدن في الحجّ، وتعظيمها استسمانُها و استحسانُها، وعن ابن عبّاس: أنّ الشعائر جمع شعيرة وهي البُدن إذا أُشعِرَت أي أُعلِمَت عليها بأنْ يُشقّ سنامها من الجانب الأيمن؛ ليُعلم أنّها هدي فالذي يهدي مندوب إلى طلب ( الاثمن )(٣) و الأسمن بالثاء أو بالسين.

وقيل: شعائر الله دين الله تعالى كلّه، وتعظيمها التزامها ومنافعها كركوب ظهورها، وشرب ألبانها إذا احتيج إليها وهو المروي عن الصادقعليه‌السلام (٤) ، فلا يبقى للآية إطلاق يُتمسّك به.

ــــــــــــــــــ

(١) الدروس: ج٢، ص٢٥، ط قم جماعة المدرّسين.

(٢) الحجّ: ٣٢.

(٣) بين القوسين في المصدر غير موجود.

(٤) هذا التفسير للآية المباركة ذكره أمينُ الإسلام الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان: ج٧، ص١١٣، ط بيروت.ولكن في الأخير قال: (وهو المروي عن أبي جعفرعليه‌السلام بينما قال العلاّمة المامقاني: وهو المروي عن الصادقعليه‌السلام .

٢٧

دفعُ الإشكال

مدفوعة بأنّ المحقّق في محلّه إنّ التفسير الوارد لا يُنافي حجيّة إطلاق الآية بعد تضمّن القرآن بطوناً، وكون مورد الآية الهَدْي لا يمنع من حجيّة عُمومها سيّما مع تداول الفقهاء (رضي الله عنهم)، من قديم العصر يداً بيد التمسك بهذه الآية، لإثبات رُجحان كلّ ما يكون تعظيماً للشعائر،(١) بل ببالي القاصر أنّي وقفتُ فيما سَلَف على تمسّك الإمامعليه‌السلام بالآية على ذلك(٢) ، فلا ينبغي التأمّل في الاستدلال بها على إثبات رُجحان تقبيل الأعتاب المقدّسة.

الثالث: الآيات(٣) والأخبار المتواترة الآمرة بحبّ ذوي القربى ومودّتهم و مطلوبيّة إظهار آثار الحبّ والوداد(٤) ، وقد أشرنا إلى أنّ تقبيل ما يتعلّق بالمحبوب من ثياب، أو دار، أو قبر أو مكتوب أو غير ذلك إظهاراً للحبِّ لـه ممّا جرت عليه عادة بني آدم، واستمرّت عليه طريقتهم، وعليه ورد تشريع تقبيل الحجر الأسود والبيت وبابه(٥) ، وتقبيل القرآن المجيد، الضرائح المقدّسة، وتقبيل يد(٦) مَنْ اُنتسِب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنسبٍ أو فقهٍ في دينه ونحو ذلك.

ــــــــــــــــــ

(١) قال الشهيد الأوّلرحمه‌الله في القواعد: ج٢، ص١٥٩، قاعدة ٢٠٩: ( يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان، وإنْ لم يكن منقولاً عن السلف؛ لدلالة العمومات عليه، قال الله تعالى: ( ذلك ومَن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) وقال تعالى: ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ) . وأيضاً راجع جواهر الكلام: ج٣، ص٤٧.

(٢) لم أعثر على هذا التمسّك من خلال مراجعتي لأكثر من ٢٠ تفسيراً لهذه الآية الشريفة.

(٣) راجع تفسير قوله تعالى في سورة الشورى آية٢٣:( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القربى ) وللمزيد والوقوف على هذا الموضوع راجع كتابنا (أهل البيتعليهم‌السلام في تفاسير السُنّة).

(٤) أخرج السيوطي المتوفّى (٩١١) في إحياء الميّت بفضائل أهل البيت، ص٣٧، ح٤٧، عن الديلمي، عن عليّ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أثبتكم على الصراطِ أشدُّكم حبّاً لأهل بيتي ).

وأيضاً أخرج ابن المغازلي عن ابن عبّاس، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تزول قدما عبدٍ حتّى يُسأل عن أربع: عن عُمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن حبّنا أهل البيت)، مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ص١١٩.

وأيضاً أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه: ج٢، ص١٤٦، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( شفاعتي لأمّتي مَن أحبّ أهل بيتي ).

(٥) قال المحقّق الحلّيرحمه‌الله في الشرائع: ج١، ص٢١٢، كتاب الحجّ: ( واستلام الحَجَر على الأصح وتقبيله...).

(٦) إشارة إلى الصحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام إنّه قال: ( لا تُقبّل رأسَ أحدٍ ويدَه، إلاّ يد رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مَنْ أُريد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه عفا الله عنه). تقدّمت الإشارة إلى هذا الحديث الشريف وأخرجناه من الكافي: ج٢، ص١٨٥، ح٢، وذكرنا احتمالات السيّد عبد الله شبّررحمه‌الله فيه. فراجع.

٢٨

الرابع: الأخبار الكثيرة الحاكية لإنكباب الأئمّةعليهم‌السلام على قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقبور مَن قبلهم من الأئمّةعليهم‌السلام وأولادهم(١) وتقبيلهم إيّاه ومسح الخدّين به كما لا يخفى على مَنْ لاحظ أخبار الزيارات(٢) ، وفعلهم لا يكون إلاّ راجحاً وعدم الفرق بين القبر والعتبة واضح، والمناط فيهما متحدّ بلا شبهة.

الخامس: إنّ تقبيل الأرض قدّام الأئمةعليهم‌السلام قد صدر من الرّعيّة بالنسبة إليهم ولم ينكروه، بعد عدم الفرق بين العتبة والأرض قدّامهم، ولا بين حياتهم ووفاتهم؛ لأنّهم أحياءٌ عند ربّهم يُرزقون(٣) أمّا الكبرى فواضحة وأمّا الصغرى وهو وقوع التقبيل للأرض قدّامهمعليهم‌السلام .

فلِما رواه في الباب التاسع والعشرين والمائة من أبواب العشرة، من كتاب الحجّ من وسائل الشيعة عن الصدوقرحمه‌الله في العيون مسنداً عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرّة صاحب الجاثليق أنْ أوصله إلى الرضاعليه‌السلام ، فاستأذنته في ذلك، فقال: دخّله عليَّ فلمّا دخل عليه قبّلَ بساطه وقال: هكذا علينا في ديننا أنْ نفعل بأشراف زماننا. الحديث(٤) .

وليس فيه إنكارٌ لذلك.

ولو لم يكن هذا الأدب مُمضى في شرعنا لمنعَ الإمامعليه‌السلام عن ذلك؛ لأنّ الكفّار مكلّفون بالفروع(٥) والسكوت عن المنكر لا يصدر من المعصومعليه‌السلام (٦) .

ــــــــــــــــــ

(١) أشار بذلك إلى ما وردَ في زيارة مولانا عليّ الأكبر روحي فداه في الأوّل من رجب والنصف من شعبان بالإنكباب على قبره بعد زيارته ثُمّ تقول: زادكم اللهُ شرفاً إلى آخره. (منه عفى الله عنه).

(٢) راجع المصباح للكفعميرحمه‌الله المتوفّى (٩٠٠) ص٦٥٢، ط بيروت الأعلمي، هذا في زيارة الإمام الحسين في شهر رجب، وأيضاً في زيارة الإمام الكاظم والجوادعليهما‌السلام : ص٦٥٤، وأيضاً في زيارة العسكريّينعليهما‌السلام : ص٦٥٦، وزيارة الحسين في ليلة عَرفة: ص٦٦٤، وللمزيد راجع زاد المعاد للعلاّمة المجلسي المتوفّى (١١١١)، ومفاتيح الجنان للشيخ عبّاس القمّي، وغيرها من كتب الأدعية والزيارات.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى:( ولا تحسبنَّ الذينَ قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عندَ ربّهم يُرزقون ) (سورة آل عمران: ١٦٩).

(٤) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام للشيخ الصدوق: ج٢، ص٢٣٠، ح١، وسائل الشيعة: ج١٢، ص٢٢٨، ح١، باب١٢٩، حكم تقبيل البساط بين يدَي الأشراف.

(٥) مكلّفون بها وتجب عليهم ولكن لا تصحُّ منهم لفقدانهم النيّة.

(٦) لو سكتَ المعصوم عن النهي عن المنكر والأمر بالمعروف انتفى الغرض حينئذٍ.

٢٩

وما رواه الصدوقرحمه‌الله في محكي كمال الدين، ورواه في البحار في باب ذكر مَنْ رأى الحجّة المنتظر (عجّل الله فرجه) من الخبر المتضمّن لوصول قافلة من قم ورواحهم إلى جعفر، وإرسال ولي العصر (عجّل الله فرجه وجعل أرواحنا فداه) غلامه وجلبه إياهم، وإخباره إياهم بأوصاف ما عندهم من الأموال، ووقوعهم شكراً لله تعالى على أنْ وفّقهم لمعرفة إمام زمانهم، ثُمّ تقبيلهم الأرض قدّام الإمامعليه‌السلام تكريماً، وسؤالهم عمّا كانوا يحتاجون إليه من المسائل(١) .

فإنّ ظاهر الخبر أنّ تقبيل الأرض قدّام الإمامعليه‌السلام كان مرسوماً وعدم نهيهعليه‌السلام لهم عن ذلك في ذلك المحضر الشريف الخالي من الأغيار يدلّ على جوازه، بل رجحانه.

ــــــــــــــــــ

(١) رواه الصدوقرحمه‌الله المتوفّى (٣٨١) في كمال الدين، ج٢، ص٥٠٣، ح٢٥، باب ذكر مَن شاهد القائمعليه‌السلام ، والحديث طويل ولكن نقتطف موضع الحاجة وبيت القصيد: ( لمّا قُبض سيّدنا أبو محمّد الحسن العسكري وفد من قم وفود) إلى أنْ قال: ( فإذا ولده القائم سيّدناعليه‌السلام قاعد على سرير كأنّه فلقة قمر، عليه ثياب خُضر، فسلّمنا عليه، فردَّ علينا السلام، ثُمّ قال: ( جملة المال كذا وكذا ديناراً، حمل فلان كذا، وحمل فلان كذا، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع ثُمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدواب، فخررنا سُجّداً لله عزّ وجلّ شكراً لما عرّفنا، وقبلّنا الأرضَ بين يديه...) رواه العلاّمة المجلسي في البحار: ج٩٢، ص٤٩، ح٣٤، ط مؤسّسة الوفاء.

٣٠

ويُؤيّد الخبَرَين قصّة الوزير الناصبي لحاكم البحرين المنقول في البحار عند تعداد مَنْ رأى مولانا الحجّة المنتظر (عجّل الله فرجه وجعلنا مِن كلِّ مكروهٍ فداه) المتضمّن بتقبيل محمّد بن عيسى الأرض قدّام الإمام (عليه أفضل الصلاة والسلام) وعدم منعه إيّاه من ذلك، وتقريرهم حجّة(١) .

ــــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي: ج٥٢، ص١٧٨، قالرحمه‌الله : (ومنها ما أخبرني به بعض الأفاضل الكرام، والثقات الأعلام، قال : أخبرني بعض مَنْ أثق به يرويه عمّن يثق به، ويطريه أنّه قال : لما كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج، جعلوا واليها رجلاً من المسلمين، ليكون أدعى إلى تعميرها وأصلح بحال أهلها، وكان هذا الوالي من النواصب ولـه وزير أشدُّ نصباً منه يُظِهر العداوةَ لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيتعليهم‌السلام ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكلّ حيلة.

فلمّا كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوبا عليها (لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ خلفاء رسول الله) فتأمّل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يُحتمل عنده أنْ يكون من صناعة بشر، فتعجب من ذلك وقال للوزير : هذه آية بيّنة، وحجّة قويّة، على إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين. فقال لـه : أصلحك الله إنّ هؤلاء جماعة مُتعصّبون، ينكرون البراهين، وينبغي لك أنْ تحضرهم وتريهم هذه الرّمانة، فإنْ قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإنْ أبَوا إلا المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث : إمّا أنْ يؤدّوا الجِزية وهُم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البيّنة التي لا مَحيص لهم عنها، أو تَقتل رجالهم وتَسبي نساءهم وأولادهم، وتأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه، وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار، والنُجَبَاء والسادة الأبرار، من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرّمانة، وأخبرهم بما رأى فيهم إنْ لم يأتوا بجواب شافٍ: من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار، فتحيّروا في أمرها، ولم يقدروا على جواب، وتغيّرت وجوهُهم وارتعدت فرائصُهم. فقال كُبَراؤهم: أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلّنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلاّ فاحكم فينا ما شئتَ، فأمهلهم، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين مُتحيّرين. فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتّفق رأيهم على أنْ يختاروا من صُلحاء البحرين وزُهّادهم عشرة، ففعلوا، ثمّ اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدِهم: اخرج الليلة إلى الصحراء واعبُد الله فيها، واستغِث بإمام زماننا، وحجّة الله علينا، لعلّه يُبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.

فخرج وبات طول ليلته مُتعبّداً خاشعاً داعياً باكياً يدعو الله، ويستغيث بالإمامعليه‌السلام ، حتّى أصبح ولم يرَ شيئاً، فأتاهم وأخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم وجزعهم. فأحضروا الثالث وكان تقيّا فاضلا اسمه محمّد بن عيسى، فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسر الرأس إلى الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى، وتوسّل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البليّة عنهم واستغاث بصاحب الزمان. =

٣١

= فلما كان آخر الليل، إذا هو بِرَجُلٍ يُخاطبه ويقول: يا.محمّد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة، ولماذا خرجت إلى هذه البرّيّة ؟ فقال لـه: أيّها الرجل دعني فإنّي خرجتُ لأمرٍ عظيم وخطبٍ جسيم، لا أذكره إلاّ لإمامي ولا أشكوه إلاّ إلى مَنْ يقدر على كشفه عنّي. فقال: يا محمّد بن عيسى ! أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك، فقال: إنْ كنتَ هو فأنت تعلم قصّتي ولا تحتاج إلى أنْ أشرحها لك، فقال لـه: نعم، خرجت لما دهَمَكم من أمر الرّمانة، وما كُتِبَ عليها وما أوعدكم الأمير به، قال: فلمّا سَمِعت ذلك توجّهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنا.

فقال صلوات الله عليه: يا محمّد بن عيسى إنّ الوزير لعنَه الله في داره شجرة رمّان فلمّا حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرّمانة، وجعلها نصفين وكَتَب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة ثمّ وضعهما على الرمّانة، وشدّهما عليها وهي صغيرة فأثّر فيها، وصارت هكذا. فإذا مضيتم غداً إلى الوالي، فقل لـه: جئتك بالجواب ولكنّي لا أُبديه إلاّ في دار الوزير فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يَمينك، ترى فيها غرفة، فقل للوالي: لا أُجيبك إلاّ في تلك الغرفة، وسيأبى الوزير عن ذلك، وأنت بالغ في ذلك ولا ترضَ إلاّ بصعودها فإذا صعد فاصعد معه، ولا تتركه وحده يتقدّم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوّة فيها كيس أبيض، فانهض إليه وخذه فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثمّ ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له حيلة الحال.

وأيضا يا محمّد بن عيسى قل للوالي : إنّ لنا معجزة أُخرى وهي أنّ هذه الرمانة ليس فيها إلاّ الرماد والدخان وإنْ أردت صحّة ذلك فأمر الوزير بكسرها، فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته. فلمّا سمع محمّد بن عيسى ذلك من الإمام، فرح فرحاً شديداً وقبّلْ بين يدي الإمامعليه‌السلام ، وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور.

فلما أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمّد بن عيسى كلّ ما أمره الإمام وظهر كلّ ما أخبره، فالتفت الوالي إلى محمّد بن عيسى وقال لـه: مَنْ أخبرك بهذا ؟ فقال : إمام زماننا، وحجّة الله علينا، فقال: ومَنْ إمامكم ؟ فأخبره بالأئمّة واحداً بعد واحد إلى أنْ انتهى إلى صاحب الأمر (صلوات الله عليهم). فقال الوالي: مدّ يدك فأنا أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ثمّ أقرّ بالأئمّة إلى آخرهمعليهم‌السلام وحَسُن إيمانه، وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم.

٣٢

السادس: الأمر بخصوص تقبيل عتبة أمير المؤمنينعليه‌السلام فيما رواه الشيخ المفيدرحمه‌الله وغيره عن صفوان الجمّال(١) كما لا يخفى على مَنْ راجع البحار(٢) ، وتحفة الزائر وغيرهما من المزارات في الزيارات المطلقة(٣) .

بعد وضوح عدم الفرق بينها وبين سائر الأعتاب المقدّسة، فَبَانَ من ذلك كلِّه أنّ رُجحان تقبيل الأعتاب المقدّسة ممّا لا ينبغي فيه الريب والوَسوَسَة، عصمنا اللهُ تعالى وإيّاكَ من التسويلات المتداولة بين أهل العلم في هذه الأزمنة، بزعم أنّها تحقيقاتٌ رشيقة مع أنّها كَسَراب بقيعة.

نعم الأحوط عدم وضع الجبهة على العتبة إلاّ بقصد سجدة الشكر،(٤) ولا بأس بِمَسحِها عليها تبرّكاً؛ لأنّها غير السجدة.

هذا ما تيسّر لي عاجلاً من الكلام في هذا المقام، قد جرى ذلك بِيَمناه الداثرة.

العبد الفاني (عبد الله المامقاني عفا عنه ربُّهُ) ابن الشيخقدس‌سره في ليلة الأربعاء التاسع والعشرين من ذي الحجّة الحرام من شهور سنة ألف وثلاثمائة وإحدى وثلاثين من الهجرة الشريفة على مهاجرها وآله آلاف الصلاة والسلام والتحيّة ٢٩/ذج/١٣٣١هـ(٥) .

ــــــــــــــــــ

(١) قال ابن داود في رجاله: ص١١١، رقم ٧٨١: صفوان بن مهران بن المُغيرة الأسدي مولاهم ثُمّ مولى بني كاهل، كوفي ثقة يُكنّى أبا محمّد كان سكن بني خزام بالكوفة، وكان صفوان جمّالاً فباع جماله امتثالاً لأمر الكاظمعليه‌السلام .

(٢) أخرجها الشيخ المفيدرحمه‌الله المتوفّى (٤١٣هـ) في المزار ص٧٦، ط قم مدرسة الإمام المهدي، وابن المشهدي في المزار الكبير: ص٢١٤، ح٥، ط قم نشر قيّوم، والسيّد ابن طاوس في مصباح الزائر: ص٧٧، والكفعمي في المصباح: ص٦٣٣، والعلاّمة المجلسي: ج١٠٠، ص٣٠٤، والشيخ عبّاس القمّي في مفاتيح الجنان: ص٤١٥، وص٤٢٣: قال صفوان: (وردتُ مع سيدي أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام ففعل مثل هذا ودعا بهذا الدُّعاء بعد أنْ صلّى وودّع، ثُمّ قال لي: يا صفوان تعاهد هذه الزيارة وادعُ بهذا الدُّعاء وزرهما بهذه الزيارة إلى أنْ قال صفوان: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : يا صفوان إذا حدث لك إلى الله حاجة فزُره بهذه الزيارة من حيثُ كنتَ. إلى أنْ قال:

ثُمّ انكبَّ على القبرِ فقبّله وقل: سلامُ الله وسلام ملائكته المقرّبين، والمُسلّمين لك بقلوبهم يا أمير المؤمنين، والناطقين بفضلك...).

(٣) وللمزيد راجع المزار للشهيد الأوّلرحمه‌الله ، وزاد المعاد، وتحفة الزائر كلاهما للعلاّمة المجلسي، وكامل الزيارات، لابن قولويه، وغيرها من كتب الزيارات.

(٤) وهذا هو ما يحصل ويصدر عادةً من أبناء الفرقة الحقّة لا غير.

(٥) تمَّ تحقيق هذه الرسالة الشريفة في الثالث من ربيع الأوّل ١٤٢٧هـ

في مدينة قم الطيّبة.

نزار الحسن

٣٣

الفهرست

الإهداء: ٢

١- مقدّمة التحقيق: ٣

الرسالة وعَمَلنا ٣

٢- نُبذة من أحوال المؤلِّف رحمه‌الله.. ٤

الشيخ المامقاني والإمام المهدي عليه‌السلام.... ٥

أهم مؤلّفاته وآثاره: ٦

مقدّمة المؤلِّف: ٩

السجود على الأعتاب.. ١١

الدليل على عدم جواز التقبيل. ١١

مناقشةُ الرواية المانعة من التقبيل. ١٣

وقفةٌ مع هذه الأخبار ١٥

أدلّـةُ التقبيل. ١٧

الدليل الثاني على عدم جواز التقبيل. ٢٣

الدليل الثالث على عدم جواز التقبيل. ٢٧

ردُّ الدليل الثالث: ٢٧

دفعُ الإشكال. ٢٨

٣٤