تاريخ علم الرجال

تاريخ علم الرجال37%

تاريخ علم الرجال مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 154

تاريخ علم الرجال
  • البداية
  • السابق
  • 154 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 151854 / تحميل: 7605
الحجم الحجم الحجم
تاريخ علم الرجال

تاريخ علم الرجال

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

لاحظنا طبيعة القوم في أول الدعوة ، والظروف المحيطة بالمنطقة العربية مما كان يستدعي هذا الحث ، وهذا التأكيد.

لقد أطل الاسلام بنوره على الجزيرة العربية والقوم غارقون في ظلمات تقاليدهم الموحشة من الغزو ، والنهب ، وتقديم القوي على الضعيف ليكون هذا طعمة سائغة له فيرزح تحت الضغط الذي يواجهه من الطبقة المتجاوزة.

المنطقة المتكالبة لا عمل لها سوى الغزو ، والنهب والحروب المستعرة تجرها النعرات القبلية لتعيش على أسمال الغنيمة المغتصبة ولذلك كان الضعيف طعمة للقوي فكيف باليتيم ، والذي يأتي في الرعيل الاول من مسيرة الضعفاء والبائسين.

مجتمع قاسٍ لا يرى كرامة الانسان مهما كانت شخصيته ما دام لا يتمكن من حفظ نفسه أمام تيارات القوة والتعدي.

مجتمع يضفي على نفسه شكل مرير من التقوقع القبلي فتتخذ كل قبيلة لها شاعراً يمجد بها ، ويصوغ من غزوها ، ونهبها درراً يشب الصغير على ترتيلها ليكبر ، وتكبر معه روح التجاوز والانتقام.

في هذا الجو المليء بالشجون ، والمآسي يقبع اليتيم يندب حظه العاثر ليخضع لتجاوز الاولياء ، والاقوياء فلم يجد له من يمد له العون ليحفظ له حقوقه ، ويراعي شؤونه ، وقد بقي وحيداً في معركة الحياة ولكن الاسلام :

دين العدل ، والمساواة ، ومبدأ الرحمة ، والعطف جاء ليأخذ بيد الضعفاء فيرفع بهم إلى المستوى الذي يجدون فيه حقوقهم كاملة غير منقوصة مهما كلف الثمن فالقوي عنده ضعيف حتى يأخذ منه الحق ، والضعيف في نظره قوي حتى يأخذ له حقه.

٢١

بهذا المنطق القويم جاء الاسلام ليحل بين ظهراني تلك القبائل المتمردة على العرف الانساني لذلك لا نجد غرابة لو كانت حصة اليتيم وافرة في مقام التشريع فيلقى الاهمية البالغة من جانبه سواءاً في الكتاب المجيد ، أو في السنة على لسان أمناء الوحي النبي الاكرم ، وأهل بيته ومن تبعه على حق.

اليتيم والتقييم التشريعي :

تناولت الموسوعة التشريعية تقييم اليتيم من الجهتين : الاجتماعية والمالية.

فشرعت له في هذين المجالين ما يحقق رعايته كفرد فقد كفيله ، فأصبح إلى من يبادله العطف ، والحنان ، والتربية الصالحة ليكون فرداً صالحاً لا تؤثر على نفسيته حياة اليتيم ولا تترك الوحدة في سلوكه انحرافاً يسقطه عن المستوى الذي يتحلى به بقية الافراد ممن يتنعم بحنان الابوة ، وعطفها.

ومن جهة أخرى أحكمت له حقوقه المالية حيث يكون ـ والحالة هذه ـ عرضة للاستيلاء من جانب الاقوياء.

١ ـ اليتيم وحقوقه الاجتماعية:

لقد تنوع الاسلوب التشريعي في بيان حقوق اليتيم الاجتماعية : ولكنه شرع معه من حين الطفولة المبكرة لما لهذه المرحلة من الاهمية البالغة في احتضان اليتيم ، وإيوائه ليعيش في جو من الحنان الدافىء لينسيه مرارة اليتم ، وليعوض عليه ما فاته من عواطف الابوة.

ولذلك نرى الكتاب الكريم يسلك طريقاً جديداً للوصول إلى بيان

٢٢

حقوق اليتيم الاجتماعية ذلك هو توجيه الخطاب إلى النبي الاكرم متخذاً من الواقع المرير الذي مر به وهو طفل خير درس يوجهه إلى الأفراد لرعاية هذه الزهور الذابلة.

من هذه النقطة سيكون المنطلق لمسيرة الاسلام مع الحملة التوجيهية لليتيم.

لقد مرت هذه الادوار بالرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله ـ يوم فقد أباه وهو طفل فقيض الله له جده عبد المطلب ( شيخ الابطح ) ليقوم برعايته ، وتربيته فقد شاءت الحكمة الإِلهية أن يذوق المنقذ الاول للانسانية مرارة اليتم ، فيفقد الحنان الابوي لولا أن يعوضه الله بمن سد له هذه الخله ليطبق الدرس تطبيقاً عملياً فتسير الامة على هداه ، وتنحو هذا النحو من السلوك الذي تتمخض نتائجه بالتوجيه الصالح للافراد.

١ ـ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ) .

٢ ـ( وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ ) .

٣ ـ( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ ) .

٤ ـ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) (١) .

هذه الآيات الكريمة جمعت بين طياتها درساً كاملاً لكل ما يحتاجه اليتيم في الحياة الاجتماعية.

فهي الدستور الذي لا بد من تطبيقه للوصول إلى الغاية السامية من رعاية حقوق الضعفاء.

وهي بمجموعها تشكل بيان المراحل التي لابد للكبار من اجتيازها للوصول بهذا الانسان إلى الهدف المنشود.

__________________

(١) سورة الضحى : الآيات ( ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ).

٢٣

فالمشاكل التي يواجهها اليتيم في بداية الشوط ثلاث :

ـ المسكن الذي يلجأ إليه.

ـ والتربية الصالحة بما تشتمل عليه من تأديب وتعليم.

ـ والمال الذي ينفق عليه منه.

١ ـ إيواء اليتيم :

( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ) .

أول ما يحتاجه اليتيم في هذه الحياة هو :

الحضن الذي يضمه.

والصدر الذي يغمره بدفئه.

والبيت الذي يمرح فيه.

فإذا تهيأت هذه الثلاث كان بالامكان أن يحفظ هذا الطفل المهمل ليقوم بالانفاق عليه مادياً ، ومعنوياً.

ومن هنا جاءت فكرة الملاجيء للأيتام ومدى ما تسديه من خدمة للمجتمع في محافظتها على هذه الفئة من الاطفال.

لذلك يبدأ الكتاب المجيد بتذكير المشرع الاعظم بأولى مراحل احتياجاته وهو طفل يتيم فيخاطبه بهذا الاسلوب الهاديء لينقله إلى ذلك الدور الذي مر عليه.

أنت أيها المشرّع أحسست بهذا الشعور يوم ودع أبوك هذه الدنيا وهو في ريعان شبابه فكنت مشتبكاً لهذه الحوادث القاسية فأواك الله ، وعطف عليك قلوب الحواضن ، وإذا بجدك عبد المطلب يحتضنك فيوليك من حنانه ما يعوضك عن حنان الابوة ، ويوصي بك لعمك أبي طالب فيكفلك ويفضلك على أولاده وليكن بعد ذلك خير ساعد لك على دعوتك المقدسة ووسط هذا العطف تنعمت بما أنساك مرارة الوحدة الابوية وذل اليتم.

٢٤

هذا العم الحنون الذي جاهد ، وكافح في سبيل رعاية ابن أخيه في الوقت الذي كانت العرب تنظر إليه كسير الجناح مهيض الجانب يتيماً لا أب له.

ان أبناء الجزيرة ـ كما أسلفنا ـ كانوا قد فقدوا القيم الرفيعة بتكالبهم الوحشي على اغتصاب الآخرين.

لذلك كانت الشريعة المقدسة قد غيرت المفاهيم الخاطئة وأصلحت ما كان منها فاسداً ، فاختارت من بين هذه المجموعة الضعيفة يتيماً كان محطاً للرحمة الإِلهية في تبليغ رسالة السماء إلى أبناء الارض ليعطي صورة واضحة عن القيم ، والاخلاق وليزيل عن الاذهان الصور الخاطئة ، والتي كانت تعبر عن الانحراف الذهني لابناء الجزيرة العربية في عصورها المظلمة.

إذاً فلا بد من المأوى لليتيم ، ولا بد من تهيئة الملجأ لليتيم فبلا مأوىً سيصبح هذا الطفل متسولاً تتلاقفه ارصفة الشوارع ، ومنعطفات الأزقة ، فيكون عالة على بلده ، ويكون هذا التسيب مبدأ مسيرته الاجرامية ، فلا مخدع يؤيه ، ولا رقيب ينتظره يقطع ساعات الليل متسكعاً ليلحقها في نهارة منبوذاً تحتضنه تكايا الرذيلة فاذا به عضو فاسد تخسره الامة ، ويكون وبالاً عليها وعلى أبنائها.

وقد جاء في الخبر عن النبي (ص) قوله « خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه »(١) .

فلماذا هذه الاساءة لطفل لا ذنب له ، ولا دخل له في تحقق اليتم ،

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة تحت رقم (٣٦٧٩).

٢٥

وإنطباقه عليه. إنه كبقية الاطفال ، وقد شاءت الاقدار أن تخطف منه من يحنو عليه ، فهل يكون ذلك سبباً في تسويغ الاساءة إليه.

إن العطف الانساني ، واللطف ، والرعاية ليدعو كل ذلك إلى تقديم هذا المحروم على بقية الاولاد ممن يضمهم البيت لئلا يشعر اليتيم بذل الوحدة ، ومرارة الوحشة. وإلا فإن البيت الذي لا يجد هذا الصغير فيه المعاملة الحسنة هو شر البيوت كما يحدث عنه الخبر ، وبالعكس إن وجد اليتيم اليد الحانية في ذلك البيت ، والعطف الذي يدغدغ قلبه الكسير كان ذلك البيت خير بيت تحوطه البركة ، وتشمله الرعاية الإِلهية.

٢ ـ الانفاق على اليتيم :

( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ ) .

وسواء كان الغنى المقصود هو الانفاق من أبي طالب ، أو الاموال التي صرفتها خديجة على النبي الاكرم فان المال هو العصب الذي يقوم بحفظ حياة الانسان ليحقق له احتياجاته كإنسان يأكل ، ويشرب ، ويلبس.

ان الغنى هو ما يقابل الفقر على كل حال ، ولذلك أخذت الآية الكريمة تذكر نبي الرحمة بهذه النقطة الحساسة لتدفع في نفسه الهمة على مساعدة الضعفاء ممن مروا بهذه المرحلة العسيرة.

فاليتيم وهو فقير بحاجة إلى من يمد له يد العون فيشبع له بطنه ، ويستر له عريه ولذلك تنوعت دعوة القرآن إلى مساعدة الضعفاء ، والاخذ بأيديهم لتأمين احتياجاتهم المعاشية.

ولنستعرض معاً هذه الطرق التي سلكها الكتاب الكريم لحث الناس على الانفاق والعطاء.

٢٦

التجارة مع الله

ومن بين تلك الاساليب التي تجلب الانتباه هو ما يسلكه القرآن في سبيل تشويق الافراد الى الانفاق بجعل عملية العطاء عملية مقايضة بين الانفاق ، والجزاء منه على هذا العمل الانساني.

وبذلك يكون المنفق قد سد خلة اجتماعية بمساعدته لهؤلاء المحتاجين والله لا يحرمه على هذه الاريحية بل يعوضه في الدارين :

في هذه الدنيا بزيادة الربح ، والبركة في ماله. وفي الآخرة بالثواب الجزيل.

وتتوالى الآيات الكريمة لتعطينا صورة واضحة عن هذه الاتفاقية بين العبد ، وربه.

( وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) (١) .

( آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) (٢) .

( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (٣) .

( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (٤) .

__________________

(١) سورة فاطر : آية (٢٩).

(٢) سورة الحديد : آية (٧).

(٣) سورة البقرة : آية (٢٦١).

(٤) سورة البقرة : آية (٢٦٥).

٢٧

ولم تكن هذه الآيات الكريمة هي كل ما تعرض له القرآن الكريم في التشويق على الانفاق ، بل هناك أمثالها تحتوي عليها السور القرآنية ، وهي بمجموعها تصور اسلوباً دقيقاً في الحث على المساعدة ، ودفع الافراد إلى سبيل الخير.

وبهذا الاسلوب كانت الآيات تستنهض همم الاغنياء إلى مساعدة البائسين من الايتام وغيرهم.

ولكن الروعة النفسية تظهر في اختيار هذا النوع من الحث على المساعدة بهذا الاطار الترغيبي المحبب.

فالآيات الكريمة تحرك من الافراد جوانبهم العاطفية فتبدأ معهم بلهجة يلاحظ القارىء فيها آثار الشدة ، وأن الله ليس بمحتاج إلى العبد في ترغيبه إلى هذه المشاريع الخيرية ، بل على العكس من ذلك فان الله يمن على العبد بإرشاده إلى ما فيه خيره ، وصلاحه.

( هَا أَنتُمْ هَٰؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ) (١) .

وإذا ما التفت الفرد ، وعرف أنه الفقير إلى تقديم الخير لينتفع بهذا الاحسان ، فيخفف به عما يلحقه من الذنوب رأينا هناك حقيقة أخرى تتكشف له لتدفعه بشكل عنيف إلى اعتناق مبدأ الانفاق ، والاحسان ، وتتجسد في قوله تعالى :

( وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ) .

أنها ليست مسألة خسارة من جانب المنفقين ، كما وأنها ليست

__________________

(١) سورة محمد : آية (٣٨).

٢٨

عملية كاسدة حينما يجد العبد جزاء ما يقدمه موجوداً عند الله فهو بهذه العملية يتاجر مع الله عز وجل وهي تجارة ـ حتماً ـ رابحة ، ومضمونة تجر لصاحبها الربح الوفير.

ان العمليات التجارية المتضمنة لمبدأ الربح هي الطريقة التي يسير عليها في حياتهم المعاشية لتأمين الكسب ، والنفع ولذلك اختار الاسلوب القرآني هذه الطريقة ليصل إلى النتائج المطلوبة من النافذة التي يطل منها الفرد في حياته اليومية.

وأنها صورة حية مستوحاة من الحياة العملية الدارجة ليلتفت اليها الفرد فيقارن بينها ، وبين ما هو مألوف له فيما يسير عليه كل يوم لئلا تحتاج العملية إلى تصور دقيق وبحث عميق.

( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (١) .

وهذه صورة أخرى من صور الحياة التي يمارسها الفرد.

أنها حياة الزراعة ، والنمو.

وحياة الربح ، والاستفادة.

ومن منّا لم يشاهد الزرع ، وكيفية نموه ، والربح المتوخى من وراء الزرع أنها حبة واحدة إذا بارك الله فيها تقدم لزارعها سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. والنسبة الحسابية لهذه العملية هي.

واحد في قبال سبعمائة ، وهو ربح وفير مغرٍ يناله الزارع من الارض الميتة ، والانفاق في سبيل الله مثله كمثل الحبة تزرع في الارض.

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٢٦١).

٢٩

وليقارن الفرد بين العمليتين الحبة يزرعها في الارض فيجني من وراء هذه النبتة سبعمائة حبة.

والدرهم ينفقه الانسان في سبيل الله يجني من ورائه سبعمائة درهم ، أو بمقدار هذه النسبة من الأجر عند الله.

فما ينفقه الملي لانتشال الضعيف من برائن المرض ، والجهل والفقر يساعده على السير إلى الامام ، ومن ثم تحويله إلى المجتمع عضواً صالحاً تستفيد الامة من مواهبه ينتج له بالاضافة إلى هذه الخدمة التي ترضي ضميره ربحاً من الثواب ينتفع به يوم لا ينفع مال ، ولا بنون ، ومن ثم فلطف الله لم يقف عند حد ورحمته أوسع من أن تقدر بقدر ، وبعد كل هذا الربح المعاوضي.

( وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ) .

وليقدر العبد هذه المضاعفة حيث لم تحدها الآية الكريمة إلى مرة ، أو مرتين بل الله يضاعف ، ولتقر عين العبد إذا كان ربه أحد طرفي هذه العملية ، وليس كأحد التجار يحسب معه الحساب الدقيق ، بل هو كريم بلطفه ، ورحيم بعطفه.

ولربما يستكثر البعض أن يكون هذا العمل الانساني مثمراً بهذه الكثرة كمثل الحبة تنبت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، وبعد كل ذلك فالله يضاعف لمن يشاء.

ويجاب عن ذلك : وهل يحد فضل الله ، وإحسانه ، أو تقف رحمته عند حد أنها العناية الإِلهية هي التي تؤلف بين هذه القلوب الانسانية فتهب الخير ، والثواب ازاء عمل يخدم به مصلحة الآخرين ليكون أداة لتشجيع الباقين.

وتتوالى الصور الحية يعرضها القرآن الكريم ليهيج مشاعر الانسان

٣٠

لتوجيهه نحو عمل الخير ، ومن جملة هذه الصور المعروضة.

( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ ) .

ويحاول القرآن الكريم أن يعيش مع الافراد ليدخل إلى قلوبهم ، ويعرض عليهم صوراً من الدروس الحية فيمثل لهم أمثلة نابعة من صميم حياتهم اليومية ليكون ذلك أبلغ في الوصول إلى المقصود.

فمرة يمثل الانفاق بالتجارة.

وأخرى يمثله بالزراعة.

وثالثة يعرض أمام القارىء صوراً لحبة على ربوة وإذا بالمطر يغمرها فتقدم نتاجها المضاعف.

كل ذلك ليصل ممن وراء هذه الصور الى القلوب ليغرس فيها حُب الخير بالانفاق الى الضعفاء ، والمعوزين لئلا يبقى فقير جائع بين المجموعة.

وإذا ما أذكى نغم القرآن العذب لهب العزم على الخير في تلك القلوب التي استجابت لنداء الحق ، وقرب إلى أذهانهم نتائج أعمالهم الطيبة كحبة أثمرت سبعمائة حبة ، أو كحبة أتت أكلها ضعفين.

وأنهم بذلك يربحون صفقة تجارية رابحة أحد طرفيها ـ الله عز وجل ـ هرع الناس إلى النبي الاكرم يسألونه عن بنود هذه العملية الرابحة ، ويتكشفون منه حقيقة هذا الانفاق الذي يريده الله.

ماذا ولمن ؟.

فنوعية الانفاق ، وكيفيته ، وجنس ما ينفق ، ولمن يكون الانفاق ، وعلى من يلزمهم الصرف ، والعطاء.

٣١

( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (١) .

والسؤال في ظاهر الآية عما ينفق بينما جاء الجواب عمن ينفق عليه ولرفع هذا الالتباس يقول علماء التفسير.

فان قلت : كيف طابق الجواب السؤال في قوله( مَا أَنفَقْتُم ) وهم قد سألوا عن بيان ما ينفقون واجيبوا ببيان المصرف.

قلت : قد تضمن قوله( مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ ) بيان ما ينفقونه وهو كل خير ، وبين الكلام على ما حداهم وهو بيان المصرف لأن النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها »(٢) .

وقال الطبرسي : « السؤال عن الانفاق يتضمن السؤال عن المنفق عمله فانهم قد علموا أن الأمر وقع بإنفاق المال فجاء الجواب ببيان كيفية النفقة وعلى من ينفق »(٣) .

لقد كان التحضير من الآيات الكريمة السابقة في الترغيب والتشويق الى الانفاق هو الذي دعاهم للسؤال عن كيفية الإِنفاق.

لذلك بدأ القرآن يبين لهم مراحل الإِنفاق بجهتيه :

نوعيته ، ومصرفه.

فعن النوعية لم يحدد لهم شيئاً يفرض فيه الانفاق ، بل ترك ذلك إلى تقديرهم.

فالاطعام خير ، والكساء خير ، والمال خير.

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٢١٥).

(٢) الكشاف للزمخشري : في تفسيره لهذه الآية.

(٣) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية.

٣٢

وهكذا نرى الشارع المقدس يترك الباب مفتوحاً ، فلم يحدد نوعية الانفاق ، بل يصفه بالخير جاء ذلك في آيات عديدة قال تعالى فيها :

( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ ) (١) .

( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ) (٢) .

( وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) (٣) .

وعن المصرف ، وهو المنفق عليه : بدأ الكتاب الكريم بأسرتي الإِنسان الخاصة ، والعامة ليحيط بره جميع الاطراف التي تضم الانسان.

فالاسرة الخاصة : وتتألف من الابوين العمودين ومن ثم الحواشي ، وهم الاطراف النسبية قال تعالى :

( قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ) .

واذا ما تجاوزنا أسرة الانسان الخاصة رأينا القرآن الكريم يلحق بهذه الاسرة المكونة من الوشائج النسبية الاسرة العامة ، وتتألف من :

اليتامى ، والمساكين ، وأبناء السبيل.

وهذا التدرج هو الذي تقتضيه طبيعة الاجتماع في هذه الحياة ، وقوانينه.

فالوالدان عمودا الانسان ، ومن ثم حواشيه وهم أطرافه وكلالته على حد تعبير الفقهاء لهم حصة في الميراث حسب التدرج في الطبقات لانهم يحيطون بالرجل كالاكليل الذي يحيط بالرأس.

ومن ثم يتعدى في المراحل إلى الجماعة العامة من أصناف المعوزين.

__________________

(١ ، ٢ ، ٣) سورة البقرة : الآيات ( ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ).

٣٣

ولا بد للمنفق من السير على هذا الخط الذي رسمته الآية الكريمة فانه من الايحاءات في البيئة المتقاربة ، والتي هي كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً كما يقوله الحديث الشريف.

واذا ما عرضنا فقرات الآية الكريمة على هذا النحو من الاجمال فلا بد لنا من الاحاطة بكل فقرة على نحو من التفصيل لنصل من وراء ذلك إلى ما يعطيه هذا التموج التدريجي في التركيب الفني الجميل.

الأسرة الخاصة :

وقد قلنا بانها تتكون من الوالدين ، والاقربين حسبما جاء في الآية الكريمة من قوله تعالى :

( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ) (١) .

الوالدان :

الابوة : لفظة بنفسها تعطي ما تحمله هذه الكلمة بين طياتها من الحنان ، والعطف نحو زهرة الحياة ، وبراعم العمر.

والامومة : أنها الشمعة الزاهية باضوائها الحلوة تذيب نفسها لتنير الطريق إلى الآخرين.

ولا يمكن لاي وليدٍ أن يؤدي بعض الحق المفروض عليه تجاه أبويه ، فلطالما سهر الليالي لينعم الوليد بلذة النوم ، ولكم ضمه صدر أم

__________________

(١) سورة البقرة : آية (٢١٥).

٣٤

حنون ليشعر بدفء لذيذ حتى قال الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يخاطب ولده الامام الحسن (ع).

« وجدتك بعضي بل وجدتك كلي ، حتى لو أن شيئاً أصابك أصابني »(١) .

هذا الانصهار في الكيان بين الوليد ، ووالده ، وهذه الوحدة في الذات هما اللذان أوجبا أن يصور لنا الامام (ع) هذا الانشداد ليبين أن ما يصيب الولد يصيب الوالد لانهما شيء واحد بفارق يميز أحدهما أنه فرع ، والآخر أنه الأصل ، والنبتة التي كانت منشأ ، لذلك الفرع الجميل.

وإنما أولادنا في الورى

أكبادنا تمشي على الارض

وإذا ما أردنا أن نتبع هذه العواطف الجياشة الكامنة في قلب الاب تجاه وليده لوجدنا مشهداً من هذه المشاهد حيث تنعكس على صفحاته آيات الحب ، والعطف الابوي بين وليد يتمتع بنظارة الشباب ، وشيخ أحنت عليه السنون.

ففي خضم من القلق ، والاضطراب يتجه الشيخ الكبير يحمل فوق كتفيه متاعب القرون الماضية ليستعطف ربه بلهجة كلها الرقة ، والكلمات تتكسر بين شفتيه :

( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ ) .

إنه نوح ( نبي الله ) أبو البشر الثاني كما تعتبر عنه كتب التأريخ والعبد الصالح المجاهد في سبيل الله. دعى قومه إلى عبادة الله والتوحيد به ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعاؤه إلا فراراً.

__________________

(١) مقطع من وصية الامير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أوصى بها ولده الامام الحسن (ع) قالها عند رجوعه من صفين.

٣٥

وكان يضربه قومه حتى يغشى عليه فلما يفيق يتجه إلى ربه وبفمٍ تتصاعد منه الحسرات يناجي ربه قائلاً :

« اللهم إهدِ قومي فانهم لا يعلمون ».

وتشاء القدرة الإِلهية أن ينزل العذاب على هؤلاء المعاندين ويكتب لهم الغرق.

( وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ) .

وانتهى كل شيء وأصبحت السفينة ، وهي سفينة الامان ، جاهزة ووقت اليوم المعلوم لينفذ العذاب في هؤلاء.

( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ) .

وكانت هذه العلامة ساعة الصفر. ولندع المفسرين ، وخلافاتهم في هذا التنور أين كان ، وفي أي بقعة من الأرض كان قابعا. المهم أنه كان مصدر نبع الماء ، وإندفعت المياه من السماء ضباباً بلا قطرات ، وتفجرت الأرض عيوناً منهمرة ، وفاضت البحار ، وطفحت الانهار ، وكان نوح قد أمر أن يحمل في سفينته :

( مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) .

من كل جنس من الحيوان زوجين أي ذكراً ، وأنثى.

( وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) .

أي من سبق الوعد بإهلاكه ، والمقصود بذلك أمرئته الخائنة وأضيف إلى أسرة السفينة من الراكبين فيها.

( وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) .

٣٦

واقصر ما قيل في عدد من آمن به ثمانين نفر.

وتكامل العدد ، وسارت السفينة وسط دنياً من المياه المنهمرة من كل حدب ، وصوب.

( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالجِبَالِ ) .

والرياح العاتية تهبط بالسفينة ، وترفعها ، وكسفت الشمس.

تمر تلك اللحظات ، ويتفقد ربان السفينة ، نبي الله نوح فلم يجد إبنه كنعان من ضمن الراكبين ، وحانت منه التفاتة وإذا بالولد يهرب صوب الجبال التي بعد لم يصل إليها الماء والهلع يأخذ منه مأخذه.

( وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ) .

يا بني : إنه نداء الابوة الحنون ينبثق من القلب العطوف يرتل هذا النغم الهاديء ليصل إلى مسامع الولد المذهول من هذا المنظر المخيف يطلب إليه أن يلحتق بسفينته لينجو من عذاب الله المحتم.

ولكن الولد المذعور يهرب من هذا النداء الابوي ليطلقها صيحة مدوية تضيع بين زمجرة الامواج العالية.

( قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ ) .

فهو يحاول عبثاً أن يأوي إلى جبلٍ يعصمه من الماء ، ويبعد عنه شبح الموت الذي يتراءى له من بين هذه المياه المتدفقة من جميع الجهات.

وعلى العكس فلم ييأس الشيخ الوقور ، وأعاد الكرة ، وظن أنه سيفلح في إقناع ولده ، فعاد إليه ، والحسرة تأكل قلبه متوسلاً وهو يقول :

( لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ) .

٣٧

وضاعت التوسلات وسط الامواج ، وبعد الشبح ، وذهب الولد هارباً ، وأسدل الستار على الحوار العاطفي.

( وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ ) .

وابتلعت المياه كل شيء ، ولم يبق من مخلوقات الله إلا :

( مَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) .

وهم ركاب السفينة.

وصدرت الأوامر الإِلهية :

( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

وتنفس الشيخ الهرم الصعداء ، فلقد أخذت المياه كل أولئك الذين كفروا برسالته ، واذاقوه ألوان العذاب.

ولم تشغل هذه المناظر المرعبة ، والنتائج التي حصل عليها في التغلب على الاعداء من التفكير في ولده بعد أن ضاعت توسلاته بابنه المغرور لذلك اتجه إلى ربه يذكره بوعده بأن أهله من ضمن الناجين من العذاب إلا إمرأته التي خانته في الإِيمان به ، وولده من أهله.

( وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ ) .

أنه بهذا التضرع يعترف من طرف خفي بحقيقة العاطفة الطاغية على مركز النبوة ، والعصمة.

وماتت البسمة ، وانطفأ الأمل ، ومات شبح الابن حينما جاءه النداء :

( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا

٣٨

لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ) .

لقد أرخى الشيخ الكبير لعاطفته العنان فتجاوز الحد المرسوم ، وطالب بما ليس له أن يطالب فيه ، وها هو يتلقى التهديد بالترك عما يطلب ، وإذا به يعود إلى لطفه وعطفه فيتضرع من أجل هذا الالحاح قائلاً :

( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) (١) .

بماذا تجازى هذه العواطف الجياشة من الآباء.

وما هو الاسلوب الذي يلزمنا تجاه هذا البركان المتفجر من العطف أنه القرآن الكريم حدد لنا ، وتكفل ببيان هذه الكيفية التي لا بد من تطبيقها نحو هذين الملاكين في المجالين التربوي ، والمالي.

( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ،وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (٢) .

درس بليغ في الادب نستوضحه من خلال هذه الآية الكريمة حيث تدرج الشارع المقدس ببيان المراحل السلوكية مع الابوين على النحو التالي :

الاولى :

بيان مكانة الابوين ، وقيمتهما المعنوية ، ويبدو هذا واضحاً في اعتبار الاحسان اليهما بالدرجة التالية مباشرة لعبادة

__________________

(١) الآيات المتقدمة من سورة هود : ( ٣٦ ، ٤٧ ).

(٢) سورة الاسراء آية ( ٣٣ ـ ٣٤ ).

٣٩

الله ، وبذلك نعرف مدى الواجب على الابناء في تقدير الابوين ، وقد جاء مثل هذا الايصاء في آيات أخرى فقد قال تعالى :

( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) (١) .

( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ ) (٢) .

لقد أتى رجل إلى رسول الله (ص) فقال : ( يا رسول الله : أوصني فقال : لا تشرك بالله شيئاً ، وإن حرقت بالنار ، وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان. ووالديك ، فأطعمهما ، وبرهما حيين كانا ، أو ميتين ، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ، ومالك فافعل ، فان ذلك من الايمان »(٣) .

إن هذه الوصية من النبي (ص) تعطينا مدى اهتمام المشرع بالوالدين ، فقد قرن الايصاء بالاحسان إليهما بعبادة الله وعدم الشرك به ، وجعل ذلك من الايمان ، ثم أنه لم يكتف بالايصاء بالبر بهما في حياتهما بل أمر بذلك بعد موتهما. ولما يتسائل عن كيفية البر بالوالدين بعد الموت ذلك لأن الاحسان إنما يكون لمن هو حي يتقبل ما يجود به الانسان عليه ، أما إذا مات الانسان فقد انقطعت عنه الحياة ومات فيه الشعور فكيف يكون الاحسان إليه ؟

لقد أوضح الامام أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) هذه الجهة عندما قال :

« من يمنع الرجل منكم أن يبر بوالديه حيين ، وميتين يصلي عنهما ، ويتصد عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع

__________________

(١) سورة : آية (٣٦).

(٢) سورة لقمان آية (١٤).

(٣) اصول الكافي : حديث (٢) باب البر بالوالدين.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وتُوفّي في جمادى الآخرة سَنة ٣٩٦ه-(١) .

٧٢ - محمّد بن عمر الكشّي: تُوفّي قبل ٣٦٩ه-(٢) .

قال النجاشي ( ١٠١٩ ): محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، أبو عمرو. كان ثقة، عيناً، وروى عن الضُعفاء كثيراً، وصحب العياشي وأخذ عنه، وتخرج عليه، وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العِلم، له كِتاب الرجال، كثير العِلم، وفيه أغلاط كثيرة.

وقال الطوسي ( ٦١٥ ): ثقة، بصير بالأخبار وبالرجال، حَسن الاعتقاد، له كِتاب الرجال.

وقال في رجاله: محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي، يُكنّى أبا عمرو الكشّي، صاحب كِتاب الرجال، مِن غُلمان العياشي، ثقة بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب.

روى عن جماعة كثيرة منهم: حمدويه بن نصر الكشّي، وجبرائيل بن محمّد الفاريابي وغيرهما.

وروى عنه أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري المُتوفّى ٣٨٥ه-، وأبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه المُتوفّى ٣٦٩ه-.

وله كِتاب الرجال الموسوم ب- معرفةالناقلين عن الأئمّة الصادقين ، كان فيه العامّة والخاصّة، وفيه أغلاط كثيرة، وقد تصدّى الشيخ

____________________

(١) تاريخ بغداد ج٥ ص٢٨٢ رقم ٢٧٨٠.

(٢) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي (١٠١٩)، الفهرست للطوسي (٦١٥)، رجال الطوسي ص٤٩٧ رقم ( ٣٨ )، طبقات أعلام الشيعة/ القرن الرابع ص٢٩٥، مصفى المقال ص٣٧٥، الأُصول الأربعة في عِلم الرجال للسيد الخامنئي، قاموس الرجال ج٩ ص٤٨٦ رقم ( ٧١٢٠ ).

١٠١

الطوسي؛ فجرّد منه الخاصّة، وهذّبه، وسمّاه اختيار الرجال، هكذا اشتهر، ولكنّ المُحقّق التستري لم يقبل ذلك، ويقول: إنّ الأصل في ذاك الكلام القهبائي، وإنّه توهّم، وإنّه كان كباقي كُتب رجال الإماميّة مُختصّاً بالخاصّة ومَن صنّف لهم، أو روى لهم مِن غيرهم، وأوّل رجال: علم رجال الشيخ(١) ، وهو المطبوع الآن المُنتشر، وهو ما اختاره الطوسي.

تُوفّي في حدود مُنتصف القرن الرابع، لأنّه تُوفّي قبل أبي القاسم ابن قولويه المُتوفّى ٣٦٩ه- بسنوات عديدة.

٧٣- أحمد الجوهري: المُتوفّى ٤٠١ه-/ ١٠١١م(٢) .

أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن الحسن بن عيّاش بن إبراهيم بن أيّوب الجوهري، أبو عبد الله.

قال الطوسي ( ٩٩ ): كان سَمِع الحديث وأكثر، وأختل في آخر عُمره، وكان جَدّه وأبوه وجهين ببغداد(٣) .

كُتبه في الرجال:

له عدّة كُتب في مُختلف المواضيع، ومنها في الرجال وهي:

١ - مُقتضب الأثر في عَدَد الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام . مطبوع.

٢ - أخبار أبي هاشم الجعفري.

____________________

(١) قاموس الرجال ج٩ ص٤٨٧.

(٢) ترجمته: فهرست كُتُب الشيعة للطوسي رقم٩٩، رجال النجاشي ج١ رقم٢٠٥، قاموس الرجال ج١ ص٦٢٢ رقم ٥٦١، الأعلام للزركلي ج١ ص٢١٠.

(٣) فهرست كُتُب الشيعة ص٧٨ رقم ٩٩.

١٠٢

٣ - شِعر أبي هاشم الجعفري.

٤ - أخبار جابر الجُعفي.

٥ - الاشتمال على مَعرفة الرجال. فيه مَن روى عن إمام وإمام. مُختصَر.

٦ - أخبار السيّد أبي السيّد الحميري المُتوفّى ١٧٣ه-.

٧ - ذكر مَن روى الحديث مِن بني ناشرة.

٨ - أخبار وُكلاء الأئمّةعليهم‌السلام الأربعة. مُختصَر.

هذه الكُتب ذكرها الطوسي في الفهرست، والنجاشي في ترجمته.

وكان مِن أصدقاء النجاشي، لكنّه لا يَعتمد عليه، ولم يروِ عنه شيئاً، ونقل تضعيفه.

وقد نقل عنه الشيخ في مصباح المُتهجِّد في أدعية شهر رجب دعاء:

( اللهُمَّ إنّي أسألُكَ بِمعاني جَميعِ ما يدعوكَ بهِ وُلاة أمرِك ) (١) .

قال المُحقِّق التستري: وهو دعاء مُختل الألفاظ والمعاني، وفيه فقرة مُنكرة: لا فرق بينك وبينها إلاّ أنّهم عبادك(٢) .

٧٤- الغضائري: تُوفّي ٤١١ه-(٣) .

الحسين بن عبيد الله الغضائري.

قال الطوسي في رجاله: الحسين بن عبيد الله الغضائري، يُكنّى أبا عبد الله،

____________________

(١) مصباح المُتهجِّد ص ٧٣٩ - ٧٤١.

(٢) قاموس الرجال ج١ ص ٦٢٣.

(٣) رجال النجاشي ( ١٦٤ )، رجال الطوسي ص٤٧٠، رياض العلماء ج٢ ص١٢٩، أعيان الشيعة ج٦ ص٨٥، الميزان للذهبي ج٢ ص٢٩٧، لسان الميزان ج٢ ص٢٨٩ و ٢٩٧ رقم ١٢١٣ و١٢٣٠.

١٠٣

كثير السُماع، عارف بالرجال، وله تصانيف ذكرناها في الفهرست، سمعنا منه، وأجاز لنا بجميع رواياته، مات سَنة إحدى عشر وأربعمائة(١) .

ولكن النُسَخ الموجودة فِعلاً لم توجَد فيها ترجمته، وكذلك ما نَقله عنها العُلماء المُتقدّمون كالعلاّمة، وابن داود، وابن طاوس، لم ينقلوا ترجمته عن الفهرست، فلعلّه سهوٌّ مِن قَلم الشيخ الطوسي، أو أنّ الترجمة كانت في المسودّة، ولم تُبيّض أو أنّها سقطت مِن نُسخ الفهرست.

وقال النجاشي ( ١٦٤ ): الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري، أبو عبد الله. شيخنارحمه‌الله . ثمّ ذكر كُتبه.

وهو مِن الث-قات؛ لأنّه مِن مشايخ النجاشي، حيث نَصّ على وثقة مشايخه في ترجمة ابن الجُنيد، رقم ( ١٠٤٨ ).

ووثّقه أيضاً ابن طاوس في كِتاب النجوم(٢) .

وقال صاحب الرياض: الفاضل، العالِم، الفقيه، المعروف بالغضائري(٣) .

وقال الذهبي: شيخ الرافضة، يروي عن الجعابي، صنّف كِتاب الغدير. مات سَنة إحدى عشر وأربعمائة. كان يحفظ شيئاً كثيراً(٤) .

وقال ابن حجر: مِن كبار شيوخ الشيعة، كان ذا زُهد، وورع، وحِفظ، ويُقال كان مِن أحفظ الشيعة لحديث أهل البيت(٥) .

وهو والد أحمد بن الحسين الغضائري الآتي، صاحب الكُتب في الرجال.

____________________

(١) رجال الطوسي ص٤٧٠.

(٢) رياض العُلماء ج٢ ص١٣١ رقم ٢٠٢٦.

(٣) رياض العُلماء ج٢ ص١٢٩ رقم ٢٠٢٦.

(٤) الميزان للذهبي ج٢ ص٢٩٧.

(٥) لسان الميزان ج٢ ص٢٨٩ رقم ١٢١٣.

١٠٤

مَن هو صاحب كِتاب الرجال؟

هل هو المُترجَم، أو ابنه أحمد الآتي؟

لا إشكال أنّ لابنه أحمد أكثر مِن كِتاب في عِلم الرجال، كما سوف يأتي في ترجمته، والمُترجَم كم يظهر مِن أحواله له أيضاً كِتاب في أحوال الرجال، كما ذكر ذلك الشهيد الثاني(١) ، وأشار إليه الشيخ الطوسي مِن أنّه كان عارفاً بالرجال - كما تقدّم -.

وفاته:

تُوفّي في ١٥ صفر سَنة ٤١١ه-، كما ذكره النجاشي والطوسي.

٧٥- ابن الغضائري

أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري، أبو الحسين، مِن مشايخ النجاشي، ومِن المعاصرين للشيخ الطوسي.

روى عن أبيه الحسين بن عبيد الله، وعن ابن عبدون وغيرهما.

وروى عنه النجاشي وغيره.

له في عِلم الرجال:

١ - فهرست كُتب الأصحاب.

٢ - فهرست أُصول الأصحاب.

٣ - كِتاب الممدوحين.

____________________

(١) اُنظر ترجمته في رياض العلماء.

١٠٥

٤ - كِتاب المذمومين. المعروف بكتاب الضُعفاء لابن الغضائري. توجد نُسخة مِن كِتاب الضعفاء في المكتبة المركزيّة لجامعة طهران، في ٣٦ ورقة، تحت رقم عام هو ١٠٧١(١) .

وقد نقل الطوسي في مُقدّمة الفهرست: فإني لمّا رأيت جماعة مِن شيوخ طائفتنا مِن أصحاب الحديث عَملوا فهرست كُتب أصحابنا، وما صنّفوه مِن التصانيف وروه مِن الأُصول، ولم أجد منهم أحداً استوفى ذلك، ولا ذَكر أكثره، بل كلٌّ مِنهم كان غرضه أن يَذكر ما اختصّ بروايته، وأحاطت به خُزانته مِن الكُتب، ولم يتعرّض أحدٌ منهم لاستيفاء جميعه، إلاّ ما كان قصده أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد اللهرحمه‌الله ، فإنّه عمل كتابين: أحدهما ذَكر فيه المُصنَّفات، والآخر ذَكر فيه الأُصول، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقَدِر عليه، غير أنّ هذين الكتابين لم يَنسخهما أحد مِن أصحابنا، واخترم هورحمه‌الله ، وعَمِد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين وغيرهما مِن الكُتب. على ما يحكي بعضهم عنهم(٢) .

قال المحقّق التستري مُعلّقاً على هذه الحكاية: فالحقّ عدم تحقّق الحكاية، وأنّ كُتبه الأربعة بقيت بعده، ووصلت إلى النجاشي، أمّا فهرستاه، فلأنّه قال في صالح أبي مُقاتل: ذكره أحمد بن الحسين، وقال: صنّف كتاباً في الإمامة.

وقال في الحسين بن محمّد الأزدي - بعد ذكر كُتبه -: ذكر ذلك أحمد بن الحسين.

____________________

(١) ذَكر ذلك البقّال في هامش الرعاية في عِلم الدراية للشهيد الثاني ص١٧٧.

(٢) الفهرست للطوسي ص٢ بتحقيق الطباطبائي.

١٠٦

وقال في أبي الشداخ: ذكر أحمد بن الحسين، أنّه وقعَ إليه كِتاب في الإمامة.

وقال في جعفر بن أحمد بن أيّوب: ذكر أحمد بن الحسين، أنّ له كِتاب الرد.

وقال في خالد بن يحيى بن خالد: ذكره أحمد بن الحسين، وقال: رأيت له كتاباً - إلى أن قال - وأمّا كتابا ممدوحِيه ومذمومِيه فلأنّه - النجاشي - وثّقَ سُماعةَ، وقال: ذكره أحمد بن الحسين، وضعّف خيبريّاً، وقال: ذَكر - أي ذلك - أحمد بن الحسين، ومثله في سهل الآدمي.

وله كِتاب آخر غير الأربعة، وهو كِتابُ التاريخ، وموضوعه وَفَيات الرجال، وقد وصل أيضاً إلى النجاشي، فقال في أحمد البرقي: قال أحمد بن الحسين في تاريخه، تُوفّي أحمد بن أبي عبد الله إلخ. لكن ضاع الفهرستان والتاريخ بعد النجاشي، كضياع أكثر كُتب القُدماء التي عدّها الشيخ والنجاشي في فهرستهما. ووصل مجروحوه إلى ابن طاوس والعلاّمة وابن داود. ووصل جزء مِن ممدوحه إلى العلاّمة كما يظهر منه في عمر بن ثابت. وإلى ابن داود فقال في فصل مَن وثّق-ه النجاشي مرّتين: إنّ ابن الغضائري زاد عليهم خمسة(١) .

٧٦- السيرافي

أحمد بن محمّد بن نوح، يُكنّى أبا العبّاس السيرافي، سَكن البصرة، واسع الراوية، ثقة في روايته - رواياته خ ل - …

____________________

(١) قاموس الرجال ج١ ص٤٤١ - ٤٤٢.

١٠٧

وله تصانيف، منها:

١ - كِتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وزاد على ما ذكره ابن عُقدة كثيراً، وابن عقدة ذَكر قرابة أربعة آلاف راويٍ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أمّا هذا فلا يُعلم كمْ زاد على ابن عُقدة(١) .

٢ - أخبار الأبواب.

٧٧- عبد العزيز بن إسحاق

له كِتاب في طبقات الشيعة. ذكره الطوسي في فهرست كُتُب الشيعة ص٣٤١ رقم ( ٥٣٧ ).

ولم يُعلم طبقته.

٧٨- أحمد القلاّء السوّاق:(٢) .

أحمد بن محمّد بن عليّ بن عمر بن رباح القلاّء السوّاق، أبو الحسن. مولى آل سعد بن أبي وقاص.

قال النجاشي ( ٢٢٧ ): وكان أبو الحسن أحمد بن محمّد، ثقة في الحديث، صنّف كُتباً، فمنها: …

كِتاب ما روي في أبي الخطّاب محمّد بن أبي زينب، وهو شِركة بينه وبين أخيه عليّ بن محمّد.

____________________

(١) الفهرست للطوسي رقم ١١٧ ص٨٦.

(٢) اُنظر ترجمته: رجال النجاشي ج١ ص٢٣٦ رقم ٢٢٧، فهرست كُتُب الشيعة ص٦٥ رقم ٨٢.

١٠٨

وكذلك قال الطوسي في فهرست كُتُب الشيعة ص٦٥ رقم ٨٢ مِثل الذي قاله النجاشي.

والقلاّء مِن الواقفيّة.

٧٩- غياث بن إبراهيم

له كِتاب مَقتل أمير المؤمنين ( ع )(١) .

يروي عنه محمّد بن يحيى الخزّاز.

٨٠- سلمة بن الخطاب

سلمة بن الخطّاب البراوستاني الأزدورقاني - قرية مِن سواد الري -

له كِتاب مقتل الحسين بن عليّعليهما‌السلام (٢) .

وقال النجاشي ( ٤٩٦ ): كان ضعيفاً في حديثه.

له مولد الحسين بن عليّعليهما‌السلام ومقتله. ذكره النجاشي.

٨١- أبو عبد الله الحسني

قال الطوسي: له كُتب منها: كِتاب أخبار المحدِّثين، كِتاب أخبار معاوية، كِتاب الفضائل، كِتاب الكشف(٣) .

____________________

(١) فهرست كُتُب الشيعة رقم ( ٥٦١ ).

(٢) فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم رقم ( ٣٣٤ ).

(٣) فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم ص٥٣٦ رقم ٨٧٤، الفهرست لابن النديم ص٣٣١.

١٠٩

الأُصول الأربعة

وبعد أن انتهى القرن الرابع الهجري ودخل القرن الخامس، وفيه كَثُر التأليف في عِلم الرجال، وفي النصف الأوّل منه صدرت الأُصول الأربعة لعِلم الرجال:

١- اختيار الرجال. للشيخ الطوسي.

٢- الرجال. المعروف برجال الشيخ الطوسي.

٣- فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم، وأسماء المصنّفين، وأصحاب الأُصول للشيخ الطوسي، المشتهر بالفهرست.

٤- فهرس أسماء مُصنّفي الشيعة. المعروف ب-- رجال النجاشي.

والكُتب الثلاثة الأُولى كلّها للشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي المُتوفّى ٤٦٠ه-، ومِن مُراجعتنا لأسماء ما تقدّمت مِن كُتب في عِلم الرجال في القرون الأربعة المتقدّمة، وإنّ أكثرها قد بادت وذهبت، ولم يبقَ لها إلاّ الاسم، وإنّ مجرّد صدور هذه الكُتب المتأخّرة للشيخ الطوسي أصبحت مَحطّ البحث، والتنقيب، والتحقيق.

كلّ ذلك يُنبّهنا إلى أهميّة هذه الكُتب الثلاثة، وما أحدثت مِن تطوّر في عِلم الرجال، فلنتعرّف على هذه الكُتب الثلاثة بصورة مختصرة، ثمّ نُعقّبه بدراسة لرجال النجاشي.

الأوّل: اختيار الرجال:

أصل هذا الكتاب هو كِتاب ( الرجال ) للكشّي المتقدّم ذِكره وترجمته، والكِتاب معروف عند المُتقدّمين كالنجاشي والطوسي وغيرهما بعنوان: الرجال،

١١٠

أو مَعرفة الرجال، أو معرفة الناقلين عن الأئمّة الصادقينعليهم‌السلام . كما أشار إلى الأخير ابن شهرآشوب فيمَعالم العُلماء .

واختُلِف أنّ الواصل إلينا منه، هل هو أصله، أو اختيار الشيخ منه؟

ظاهر تعبير أحمد بن طاوس، والعلاّمة، وابن داود الأوّل.

والصواب الثاني، كما صرّح به عليّ بن طاوس في كتابهفرج المهوم ناقلاً له عن نُسخة الأصل الواصل إليه بخطّ الشيخ(١) .

وقد نَقل النجاشي بعض العناوين، وبعض الكلمات عن كِتاب الكشّي، ولم يوجد ذلك في اختيار الشيخ له عين ولا أثر، فهذا يَدلّ أنّ الواصل إلينا هو اختيار الشيخ، وليس الأصل(٢) .

هل رجال الكشّي يشمل الخاصّة والعامّة، أم لا؟

توهّم القهبائي - الذي رتّب اختيار الشيخ منه على حروف التهجّي في الأوائل والثواني، الذي كان أساسه مِن ابن داود منّا - أنّ أصله كان في رجال العامّة والخاصّة، فاختار الشيخ منه الخاصّة.

واستند في ذلك إلى ما فيه في البرّاء بن عازب، قال أبو عمرو الكشّي: هذا بعد أن أصابته دعوة أمير المؤمنينعليه‌السلام في ما رُوي مِن جهة العامّة.

فقال: هذا صريحٌ في أنّ هذا الكِتاب مُنتخب مِن كِتاب الكشّي، وهو كان مُشتملاً على رجال العامّة والخاصّة، والشيخ اختار مِن هذا الكتاب رجال الشيعة(٣) .

____________________

(١) قاموس الرجال ج١ ص٤٦.

(٢) قاموس الرجال ج١ ص٤٧.

(٣) قاموس الرجال ج١ ص٢٥.

١١١

فدعوى أن رجال الكشّي مُشتمل على الخاصّة والعامّة كانت مِن القهبائي في كتابه مَجمع الرجال، ولكن المُحقّق التستري لم يقبل ذلك، وردّ عليه بعدّة أُمور:

١ - إنّ الكلام الّذي نقله القهبائي لا يوجد فيه دلالة على المُدّعى، غاية ما يدلّ عليه أنّ رجوع البرّاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام إنّما كان بعد دعائه عليه.

٢ - إنّ قوله: ( مِن جهة العامّة ) مُحرَّف ( مِن جهة عماه ). والدليل على ذلك أنّه نقل قصّه عماه برجال الخاصّة.

٣ - إنّ اختيار الشيخ يشتمل على الخاصّة، وبعض العامّة الّذين رووا عن أئمّتناعليهم‌السلام (١) .

وإنّ هذا الكتاب كان فيه أغلاط كثيرة واشتباهات، وحينئذ فقد تصدّى الشيخ الطوسي إلى تهذيب هذا الكتاب، وتجريده عن الزوائد، وتلخيصه، وقد سَمّى هذا التلخيص: اختيار الرجال.

وقد أملاه الشيخ الطوسي على تلامذته ابتداء مِن ٢٦ في صفر سَنة٤٥٦ه-.

وهذا لا يعني أنّ اختيار الرجال كان خالياً مِن الملاحظات والانتقادات، وأوّل ما فيه أنّه لم يُرتّب ترتيباً يسهل التناول، فلذلك تصدّى جماعة بعده إلى ترتيبه(٢) .

وقد طُبع الكتاب عدّة طبعات في بومباي، والنجف الأشرف، وآخرها في مشهد مع تحقيق دقيق، وترتيب لطيف بعنوان: اختيار مَعرِفة الرجال.

____________________

(١) قاموس الرجال ج١ ص٢٥.

(٢) اُنظر تفصيل ذلك في الذريعة ج١ ص٣٦٥، والأُصول الأربعة في عِلم الرجال للقائد السيّد علي خامنئي ص٢٥ - ٤٤ فيه تفصيل حول الموضوع.

١١٢

الثاني: الفهرست للشيخ الطوسي.

واسمه: فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم وأسماء المصنِّفين وأصحاب الأُصول، واشتهر ب- الفهرست.

والفهرست: يعني سرد أسماء الكُتب سواء كُتب خاصّة لشخص، أو لمكتبة، أو لطائفة، أو لأُمّة مع أسماء مؤلِّفيها، وقد تقدّمت بعض الفهارس على هذا المنوال، وإن كان بعضها أو أكثرها كان محدوداً في مجال ضيّق.

والفهرست للطوسي يُعدّ مِن أثمن الكُتب العِلميّة للشيعة، التي اعتمد عليها عُلماء الرجال في الجرح والتعديل، ونسبة الكتاب إلى مؤلِّفه.

وقد رأى الشيخ الطوسي الحاجة الماسّة إلى مِثل هذا الكِتاب على حَسب ما ذكره في مقدّمة كتابه فقال: فإنّي لمّا رأيت جماعة مِن شيوخ طائفتنا مِن أصحاب الحديث عَمِلوا فهرست كُتب أصحابنا، وما صنّفوه مِن التصانيف، ورووه مِن الأُصول، ولم أجد أحداً استوفى ذلك، ولا ذَكر أكثره، بل كلّ مِنهم كان غَرَضه أن يذكر ما اختصّ بروايته، وأحاطت به خزانته مِن الكُتب، ولم يَتعرّض أحدٌ منهم لاستيفاء جميعه(١) .

ثمّ بعد ذلك استثنى مِن ذلك ابن الغضائري، حيث ألّف كتابين في هذا الموضوع، وأتلفهما ورثته.

ثمّ وَعَدَ هو أن لا يقتصر في كتابه الفهرست على ذكر المُصنّفات والأُصول، بل وَعَد أن يذكر المصنِّفين ويُعَيِّنهم مِن العامّة أو الخاصّة، والوثقة أو عدمها، فقال: وإذا ذكرت كلّ واحد مِن المصنِّفين وأصحاب الأُصول، فلا بُدَّ مِن أن أُشير

____________________

(١) فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم، المُقدِّمة ص٢.

١١٣

إلى ما قيل فيه مِن التعديل والتجريح، وهل يعول على روايته أو لا؟ وأُبيّن عن اعتقاده، وهل هو موافق للحقّ، أو هو مُخالف له، لأنّ كثيراً مِن مُصنِّفي أصحابنا، وأصحاب الأُصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وإن كانت كُتُبهم مُعتمدة(١) .

وبالرغم مِن وعده هذا إلاّ أنّه في داخل الكِتاب وعند التراجم لم يتمكّن مِن الالتزام بذلك فأهمل الكثير مِن أهل التراجم حيث لم ينصّ عليهم بالوثقة أو عدمها.

وممّا يُلاحظ على الشيخ في الفهرست أيضاً اعتماده كثيراً على الفهرست لابن النديم، وقد نقل تراجم عديدة منه دون أن يشير إلى كون المُترجَم إماميّاً أو عاميّاً.

وهذا ممّا قلَّل مِن أهميّته في قِبال رجال النجاشي.

وقد شرح هذا الكتاب الشيخ سلمان البحراني الماحوزي المُتوفّى ١١٢١ه- بشرح سمّاه:معراج الكمال إلى معرفة الرجال . ذَكر في أوّله أنّ هذا الفهرست: مِن أحسن كُتب الرجال أُسلوباً، وأعمّها فائدة، وأكثرها نفعاً فقد جَمَع مِن نفائس هذا الفن خلاصتها، وحاز مِن دقائقه ومعرفة أسرارها نقاوتها إلخ(٢) .

وقد طُبع الكتاب عِدّة طبعات، آخرها في النجف مع تحقيق، وتعليق العلاّمة السيّد محمّد صادق بحر العلوم. وطبعة أخيرة بتحقيق العلاّمة السيّد عبد العزيز الطباطبائي، طُبعت في قُم، وهي جيدة اعتمد فيها على عشر نُسخ.

____________________

(١) مُقدّمة فهرست كُتُب الشيعة وأُصولهم ص٣-٤ بتحقيق الطباطبائي.

(٢) مقدّمة الفهرست، طبع النجف للسيّد بحر العلوم.

١١٤

الثالث: رجال الشيخ الطوسي:

وهو مُرتَّب على حَسب الطبقات، فيبدأ بأصحاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعده أصحاب كلّ واحد مِن الأئمّة، وفي آخره باب مَن لم يروِ عنهم.

ويبدو مِن مطاوي هذا الكتاب أنّه ألّفه بعد تأليف كِتاب الفهرست، حيث إنّه يُحيل في بعض التراجم إلى كِتاب الفهرست، كما في ترجمة محمّد بن أحمد بن يحيى صاحب ( نوادر الحكمة )، ونقل عنه، وعن الفهرست ابن حجر في لسان الميزان كثيراً في تراجم عِدّة.

ومسلك الشيخ في رجاله أراد أن يستقصي أصحاب النبيّ والأئمّةعليهم‌السلام ، مؤمناً كان أو مُنافقاً، إماميّاً كان أو عاميّاً.

فالاستناد إليه ما لم يُحرز إماميّة رجل غير جائز، حتّى في أصحاب النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله - وأمير المؤمنين -عليه‌السلام - فكيف في أصحابهم؟

وغيرُ الإمامي فيه مِن أوّله إلى باب أصحاب الصادقعليه‌السلام ، أكثرُ مِن الأمامي، وبعده ليس غير الإمامي فيه بتلك الكثرة، بل بابه الأخير - باب مَن لم يروِ عنهمعليهم‌السلام - لم يُعلم ذِكر غير الإمامي فيه؛ لعدم المُناسبة(١) .

____________________

(١) قاموس الرجال ج١ ص٢٩.

١١٥

١١٦

١١٧

البابُ الثاني

أهميّةُ النجاشي ورجاله

١١٨

أهمّ كتاب صَدر في القرن الخامس مِن كُتُب الرجال للشيعة الإماميّة هو رجال النجاشي.

للشيخ أبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الكوفي الأسدي المولود ٣٧٢ه-، والمُتوفّى ٤٥٠ه-.

وهو الثقة، الصدوق، العارف بأحوال الرجال مِن أهل الحديث وغيرهم في وثاقتهم وعدمها، بل لأجل خبرته التامّة في الجرح والتعديل، وضبطه وإتقانه قُدِّم قولُه على قول غيره عند التعارض في الجرح والتعديل، بل ظاهر كلامه يُقَدم على تصريح غيره.

قال العلاّمة السيّد بحر العلوم المُتوفّى ١٢١٢ه-: هو أحد المشايخ الث-قات والعدول الأثبات، مِن أعظم أركان الجرح والتعديل، وأعلم علماء هذا السبيل، أجمع علماؤنا على الاعتماد عليه، وأطبقوا على الاستناد في أحوال الرجال إليه(١) .

وقال تلميذه الشيخ الصهرشتي في وصفه سَنة ٤٤٢ه-: وكان شيخاً بهيّاً ثقة، صدوق اللسان عند الموافق والمخالف،رضي‌الله‌عنه (٢) .

وقال الميرزا النوري في خاتمة المُستَدرَك:

العالِم النَقّاد، البصير، المضطلع الخبير، الذي هو أفضل مَن خطّ في فنّ

____________________

(١) الفوائد الرجالية ( رجال بحر العلوم ) ج٢ ص٣٥ ط النجف.

(٢) رياض العلماء ج٢ ص٤٤٥.

١١٩

الرجال بقلم، أو نطق بِفَم، فهو الرجل كلّ الرجل، لا يُقاس بسواه، ولا يُعدل به مَن عداه، كلّما ازددّت به تحقيقاً ازددّت به وثوقاً، وهو صاحب الكتاب المَعروف، الدائر، الّذي اتّكل عليه كافّة الأصحاب.

وبالجُملة فجلالة قدره، وعِظم شأنه في الطائفة أشهر مِن أن يحتاج إلى نقل الكلمات، بل الظاهر منهم تقديم قوله ولو كان ظاهراً على قول غيره مِن أئمّة الرجال في مقام المُعارضة في الجرح والتعديل، ولو كان نصّاً.

وقال الشهيد في المسالك: وظاهر حال النجاشي، أنّه أضبط الجماعة، وأعرفهم بحال الرواة.

وغير ذلك مِن التصريحات حول مقام النجاشي، وثباته، وإتقانه، ومعرفته بحال الرواة.

أهميّةُ رِجالِ النجاشي:

ومِن ذلك يظهر أهميّة كتابه في الرجال، وكونه أحسن كُتب الرجال، حيث إنّه يُعتبر عُمدة الكُتب الأربعة في علم الرجال، وهو كَكِتاب الكافي بالنسبة إلى الكُتب الأربعة الحديثيّة. والحقيقة تشهد لذلك، فإنّ الدارس لهذا الكتاب، وعند مقارنته بالكُتب الأُخرى، وبالأخص كُتب الشيخ الطوسي التي كانت صدرت مع كتابه في أزمنة متقاربة، يرى أهميّته على بقيّة الكُتب المؤلَّفة في هذا الفن.

مُميِّزات النجاشي:

١ - ومِن مُمّيزات النجاشي أنّه لا يروي إلاّ عن الثقة كما استظهره

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154