تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام) الجزء ١

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام)37%

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام) مؤلف:
المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 156

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40167 / تحميل: 7586
الحجم الحجم الحجم
تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام)

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

مقدمة المؤلف

كان الصديق الجليل الاستاذ السيد حسن الامين في إحدى زياراته في صيف سنة ١٣٨٨ هـ (١٩٦٨ م) لطهران قد تكرم وعادني في داري بمصيف شمران. وفي أثناء مطالعاته في بعض مسودات إحدى مجموعاتي في مكتبتي المتواضعة عثر على قصاصات من وريقات دونت فيها نبذاً مما كنت قد نقلته من بطون مختلف الكتب والاسفار عن تاريخ العزاء الحسيني، والتطورات التي طرأت على النياحة على الامام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في مختلف العصور والقرون. فسألني هذا الزائر الكريم عن الهدف من تدوين هذه النبذ واستنساخها من مصادرها العديدة، فأجبته أنها قد تكون نواة لرسالة يسعفني العمر بتدوينها وتبويبها وطبعها.

فوقعت هذه الفكرة من لدنه موقع الاستحسان والتشجيع، وأخذ يحثني في اجتماعاتنا المتتالية، وفي رسائله المتعاقبة لي من بيروت الى طهران على لزوم إتمام هذا المشروع وإخراجه الى حيز الطبع والنشر.

وهذه الالحاحات من السيد الأمين وحاجة المكتبات الاسلامية والعربية في مختلف أقطارها الى سفر يجمع بين دفتيه ما تناثر في بطون الكتب والمؤلفات عن تاريخ العزاء الحسيني والمناحات على الامام الشهيدعليه‌السلام ، دعتني بل واوجبت علي أن أبذل أقصى الجهد والتتبع والتحقيق في هذا الموضوع التاريخي الهام خلال السنوات الخمس الماضية، وإتمامه وتدوينه في مجموعة مستقلة تسهل على القارئ

٢١

الكريم الرجوع اليه دون أن يضطر الى مراجعة العشرات والمئات من المؤلفات فيما لو أراد الاطلاع على بعض جوانب تاريخ العزاء الحسيني.

لقد كان التوفيق حليفي ولله الحمد في إنجاز ما اعتزمت على إتمامه وذلك في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام سنة ١٣٩٣ هـ (شباط ١٩٧٣ م). وعساني أن أكون قد أديت بذلك بعض الواجبات والخدمة لجدي الأعلى إمام الشهداء وعظيم المضحين في سبيل الحق والحققة ورفع راية القرآن الكريم.

وقد قسمت المواضيع على فصول حسب تسلسل التاريخ من صدر الاسلام حتى عصرنا هذا كما سيلاحظ القارئ، ذلك. والله ولي القصد.

طهران - غرة ذي القعدة ١٣٩٣ هـ

٢٧ تشرين الثاني ١٩٧٣ م

السيد صالح الشهرستاني

* * *

٢٢

الفصل الأول

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه أول من بكوا الحسينعليه‌السلام

لقد اتفقت كتب الحديث والرواية سواء كانت من مؤلفات الشيعة أو من مصنفات إخواننا السنة على أن جبرئيل قد أوحى(١) إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ مقتل الامام الشهيد الحسينعليه‌السلام ومكان استشهاده. وفيما يلي بعض هذه الروايات في ذلك:

١ - قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة « ٣٠ » من مصنفه: (إقناع اللائم على إقامة المآتم) ما نصه:

ذكر الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي في كتابه (اعلام النبوة) صفحة ٨٣ طبع مصر فقال:

ومن إنذارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رواه عروة عن عائشة قالت: « دخل الحسين بن عليعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يوحى اليه، فبرك عل ظهره وهو منكب ولعب على ظهره، فقال جبرئيل: يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك، ومد يده فأتاه بتربة بيضاء وقال: في هذه الأرض يقتل ابنك - اسمها الطف -. فلما ذهب جبرئيل خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني

__________________

(١) اما ان نقول: « أن جبرئيل قد اخبر النبي » او نقول: « ان الله اوحى للنبي ».

٢٣

بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه »(١) انتهى.

ثم يضيف السيد محسن العاملي على ذلك بقوله:

أقول: ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي لقتل ولده وتربته بيده، وأخبرهم بما أخبره جبرئيل من قتله، وأراهم تربته التي جاء بها جبرئيل، أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه وواسوه في الحزن على ولده، فان ذلك مما يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة، فكيف بهم معه؟! فهذا أول مأتم أقيم على الحسينعليه‌السلام يشبه مآتمنا التي تقام عليه، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمستمعون أصحابه.

٢ - جاء في الصفحة «٣١» من الكتاب نفسه:

وفي (منتخب كنز العمال صفحة ١١٢ الجزء الخامس) للشيخ علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي من علماء أهل السنة. قال:

أخرج الطبراني في الكبير(٢) : عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أم سلمة قالت: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالساً ذات يوم في بيتي فقال: « لا يدخلن علي أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي، فاطلعت فاذا الحسين في حجره أو الى جنبه يمسح رأسه وهو يبكي. فقلت: والله ما علمت به حتى دخل. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن جبرئيل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حب الدنيا نعم، فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء. فتناول من ترابها فأراه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما أحيط بالحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا:

__________________

(١) وذكر الخبر ايضاً بالفاظ مختلفة وبطرق متعددة في المصار التالية: مستدرك الصحيحين ٣: ١٧٦، ٤: ٣٩٨، مسند أحمد بن حنبل ٣: ٢٤٢، ٢٦٥، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ١٤٧، ١٤٨، والمتقي الهندي في كنز العمال ٦: ٢٢٢، ٢٢٣، ٧: ١٠٦، والصواعق المحرقة: ١١٥، والهيثمي في معجمه ٩: ١٨٧، ١٨٨، ١٨٩، ١٩١.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٢٣: ٢٨٩ | ٦٣٧.

٢٤

ارض كربلاء، قال: صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرض كرب وبلاء ».

أقول: وقد نقلت هذه الرواية كثير من كتب أهل السنة بنفس العبارة أو بتعديل فيها، كصاحب العقد الفريد(١) في الجزء الثاي، وأحمد بن حنبل(٢) ، وأبي يعلى، وابن سعد، والطبراني، وأنس بن مالك، وابن عساكر، وغيرهم كثيرون(٣) . ورواها أيضاً من الشيعة كثيرون من علمائها، منهم الشيخ أبو جعفر محمد بن علي المعروف بابن بابويه القمي عن الامام الخامس محمد الباقرعليه‌السلام بهذه العبارة:

« كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة فقال لها: لا يدخل علي أحد، فجاء الحسين وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخلت أم سلمة على أثره، فاذا الحسين على صدره، وإذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي وإذا في يده شيء يقبله. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة، إن هذا جبرئيل يخبرني أن ابني هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك فاذا صارت دماً فقد قتل حبيبي »(٤) . انتهى قول العلامة العاملي.

٣ - ذكر الشيخ المفيد في إرشاده ما لفظه:

روى الاوزاعي عن عبد الله بن شداد عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يارسول الله، رأيت الليلة حلما منكراً. قال: وما هو؟ قالت: انه شديد. قال: ما هو؟ قلت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ؛ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيراً رأيت تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسينعليهما‌السلام ، قالت: وكان في حجري كما قال رسول

__________________

(١) عقد الفريد ٤: ٣٨٣ | ١٠.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٦: ٢٩٤.

(٣) كنز العمال ١٣: ٦٥٦ | ٣٧٦٦٦ عن ابن ماجه والطبراني وأبي نعيم.

(٤) امالي الصدوق: ١٣٠ | ٣.

٢٥

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخلت به يوماً على النبي - وأنا أحمل الحسين -(١) فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فاذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لك؟! قال: أتاني جبرئيل فأخبرني ان طائفة من أمتي ستقتل ابني هذا. وقلت: هذا؟ قال: نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء »(٢) الخ.

وروى سماك، عن ابن مخارق، عن ام سلمة رضي الله عنها قالت: بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم جالس والحسين جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع، فقلت له: يا رسول الله، مالي أراك تبكي، جعلت فداك؟! فقال: « جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله، لاأنالهم الله شفاعتي »(٣) .

وروى باسناد آخر عن أم سلمة أنها قالت: خرج رسول الله وهو اشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت له: يا رسول الله، مالي أراك شعثاً مغبراً؟ فقال: أسري بي في هذا الوقت الى موضع من العراق يقال له: كربلاء، فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي وبسطها الي فقال: خذيها واحتفظي بها، فاخذتها فاذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلما خرج الحسين من مكة متوجهاً نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر اليها ثم أبكي لمصابه، فلما كان اليوم العاشر من محرم - وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين - أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ثم عدت اليها آخر النهار، فاذا هي دم عبيط فضججت في بيتي وبكيت، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي بنعيه

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ارشاد الشيخ المفيد ٢: ١٢٩، وينابيع المودة ٢: ٣١٨ عن البيهقي.

(٣) ارشاد المفيد ٢: ١٣٠.

٢٦

فحقق ما رأيت(١) .

٤ - جاء في « مسند أحمد بن حنبل ١: ٨٥ »: « بسنده عن عبد الله بن نجى عن ابيه انه سار مع عليعليه‌السلام وكان صاحب مطهرته - أي الاناء الذي يتطهر به ويتوضأ منه - فلما حاذى نينوي، وهو منطلق الى صفين، فنادى عليعليه‌السلام : إصبر أبا عبد الله، إصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت ؛ يا نبي الله، أغصبك أحد، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرئيل قبل أمد فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال: فقال: هل لك الى أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا ».

ونقل هذا الحديث بنفس العبارة أو مع إضافة عليها كتاب « الصواعق المحرقة »(٢) لابن حجر، وكتاب « منتخب كنز العمال »(٣) ، وسبط ابن الجوزي الحنفي في « تذكرة الخواص »(٤) ، والبغوي في معجمه، وغيرهم كثيرون من رواة السنة والشيعة.

٥ - وأخرج ابن سعد هذه الحكاية عن عائشة باضافة: « إن جبرئيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه. فيا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني، فمن هذا من أمتي يقتل حسيناً بعدي؟ »(٥) .

٦ - أخرج أحمد بن حنبل فيما أخرجه من مسند ابن عباس، قال: « رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما ير النائم بنصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر، بيده قاروروة فيها

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢: ١٣٠.

(٢) الصواعق المحرقة | ١١٥.

(٣) كنز العمال ٧: ١٠٥، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٢: ٣٤٧.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٢٥.

(٥) الصواعق المحرقة لابن حجر ١١٥ قال أخرجه ابن سعد مع اختلاف في اللفظ.

٢٧

دم. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم فاحصينا ذلك فوجدوه قتل في ذلك اليوم(١) .

٧ - جاء في الصفحة «٣٩» من كتاب « إقناع اللائم » المار ذكره ما نصه: « روى ابن شهر آشوب في المناقب(٢) عن جامع الترمذي وكتاب السدي وفضائل السمعاني، أن أم سلمة قالت: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وعلى رأسه التراب. فقلت: مالك يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: شهدت قتل الحسين آنفاً ».

أقول: ومن روايات أصحابنا في ذلك ما رواه الصدوق في الأمالي(٣) بسنده عن سلمى(٤) قالت: « دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت لها: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته أثر التراب فقلت: مالك يا رسول الله مغبراً؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفاً ».

وروى المفيد في المجالس والشيخ الطوسي في الأمالي بسندهما عن الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام قال: « أصبحت يوماً أم سلمة تبكي، فقيل لها: مم بكاؤك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين الليلة، وذلك أنني ما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ مضى إلا الليلة، فرأيته شاحباً كئيباً. فقلت: مالي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً؟ فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه »(٥) .

هذا وقد رويت امثال هذه الأحاديث باسانيدها من مصادر شيعية وسنية موثوق بها بكثرة لا تحصى.

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١: ٢٤٢، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ١: ١٤٢، وابن الأثير في اسد الغابة ٢: ٢٢، وابن حجر في اصابته ٢: ١٧ مع اختلاف فيه ورواه غير هؤلاء ايضاً من ائمة الحديث.

(٢) مناقب آل ابي طالب ٤: ٥٥.

(٣) امالي الصدق ١١٩ | ١ مع اختلاف فيه.

(٤) سلمى: هي زوجة أبي رافع مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٥) أمالي المفيد ٣١٩ / ٦، أمالي الطوسي ٩٠ / ١٤٠

٢٨

٨ - وقد أشار ابن نباتة في كتاب خطبه المشهور الذي وضعه ليقرأ على منابر الاسلام في الجمعات، ولا يزال يقرأ على المنابر الى اليوم حيث قال في الخطبة الثانية للمحرم ضمن ما قال:

« وكان عليه الصلاة والسلام - يعني الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من حبه للحسين يقبل شفتيه، ويحمله كثيراً على كتفه فكيف لو رآه ملقى على جنبيه، شديد العطش والماء بين يديه، وأطفاله يضجون بالبكاء عليه؟ لصاح عليه الصلاة والسلام وخر مغشياً عليه. فتأسفوا رحمكم الله على هذا السبط السعيد الشهيد، وتسلوا بما أصابه لكم من موت الأحرار والعبيد واتقوا الله حق تقواه ».

٩ - أما أم سلمة فهي إحدى زوجات الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تقدم بها العمر الى أواخر سنة ٦١ للهجرة التي توفيت فيها. وتقول الدكتورة بنت الشاطئ في الصفحة «٣٢٠» من كتابها « موسوعة آل النبي » الذي تكرر طبعه عدة مرات في القاهرة وبيروت، عن هذه السيدة الجليلة ما نصه:

« وتقدم العمر بأم سلمة زوجة النبي حتى امتحنت كما امتحن الاسلام كله بمأساة كربلاء ومذبحة أهل بيت الرسول هناك. وتقول رواية: انها ماتت في آخر سنة ٦١ هجرية، بعد ما جاءها نعي الحسين بن عليعليه‌السلام - الى ان تقول بنت الشاطئ -: وأم سلمة آخر من مات من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلى عليها أبو هريرة الصحابي، ودفنت بالبقيع ».

١٠ - أقول: لقد وصل نبأ فاجعة كربلاء واستشهاد سيد الشهداء الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه في الطف في أواخر شهر محرم سنة ٦١ هـ الى المدينة المنورة، ثم كان ما كان من هياج أهل الحجاز وخاصة مكة المكرة والمدينة لهذا الحادث الجلل والمصاب العظيم، مما سيأتي تفصيله في الفصول التالية.

* * *

٢٩

٣٠

الفصل الثاني

بكاء علي وفاطمة على ابنهما عليهم‌السلام

وكان الامام أبو الشهداء، علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد بكى ابنه سيد الشهداء الحسينعليه‌السلام أيضاً، والروايات في ذلك متضافرة، وأنقل هنا بعضها:

١ - جاء في الصفحة «٦٥» من كتاب « إقناع اللائم » للعلامة الأمين ما نصه:

روى الصدوق في الامالي بسنده عن ابن عباس قال: « كنت مع أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في خروجه الى صفين، فلما نزل نينوى، وهي بشط الفرات، قال بأعلى صوته: يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فقالعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي، قال: فبكى كثيراً حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره، وبكينا معه وهو يقول: آه آه، مالي ولآل أبي سفيان(١) ، صبراً يا أبا عبد الله، فقد لقى أبوك مثل الذي تلقى منهم »(٢) .

٢ - وروى ذلك غيره كسبط ابن الجوزي الحنفي في « تذكرة الخواص » حيث قال: روى الحسن بن كثير وعبد خير، قالا: لما وصل عليعليه‌السلام الى كربلاء وقف وبكى وقال: بأبي أغيلمة يقتلون ها هنا، هذا مناخ ركابهم، هذا موضع رحالهم، هذا مصرع الرجل، ثم ازداد بكاؤه(٣) .

__________________

(١) في الاصل زيادة « مالي ولآل حرب، حزب الشيطان واولياء الكفر ».

(٢) امالي الصدوق: ٤٧٨ | ٥.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٢٥.

٣١

وروي هذا الحديث أيضاً في مسند ابن حنبل(١) وصواعق ابن حجر(٢) ، وفي منتخب كنز العمال(٣) مع تفاوت في العبارة.

٣ - قال ابن حجر في صواعقه في الفصل الثالث من الباب «١١»: روى الملا: ان علياً مر بقبر الحسين فقال: « ها هنا مناخ ركابهم، وها هنا موضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والارض »(٤) .

٤ - روى ابن قولويه في الكامل بسنده عن الامام جعفر الصادقعليه‌السلام قال: « نظر علي الى الحسين فقال: يا عبرة كل مؤمن فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم يا ابني »(٥) .

٥ - جاء في الصفحة «١٢» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية، لمؤلفه السيد محمد حسن آل الكيلدار ما لفظه:

« ويروي المفيد في إرشاده عن عثمان بن قيس العامري، عن جابر بن الحر عن جويرية بن مسهر العبدي قال: كنت مع الامام عليعليه‌السلام عندما(٦) توجهنا الى صفين عام ٣٦ هـ فبلغنا طفوف كربلاء، فوقفت في ناحية من المعسكر، ثم رأيت الامام عليهعليه‌السلام ينظر يميناً وشمالاً واستعبر، ثم قال: « هذا والله مناخ ركابهم وموضع قتلهم فسئل ما هذا الموضع؟ فاجابعليه‌السلام ؛ هذه كربلاء، يقتل فيها قوم يدخلون الجنة بغير حساب. ثم سار الامام دون أن يعرف الناس تأويل حديثه حتى كان

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١: ٨٢.

(٢) الصواعق المحرقة: ١١٥.

(٣) منتخب كنز العمال ٥: ١١٢ في هامش مسند أحمد بن حنبل.

(٤) الصواعق المحرقة: ١١٥.

(٥) كامل الزيارات: ١٠٨.

(٦) ليس في المصدر « كنت مع الامام عليهعليه‌السلام عندما »، وانما بدلها (لما توجهنا مع أمير المؤمنين عليه بن أبي طالبعليه‌السلام الى صفين).

٣٢

أمر الحسينعليه‌السلام ومقتله في كربلاء عام ٦١ هـ »(١) .

اقول: وقد رأيت هذا الحديث في الصفحة «١٥٦» من كتاب « الارشاد » للشيخ المفيدقدس‌سره ، المتوفى سنة ٤١٣ هـ

٦ - جاء في الصفحة «١٠٨» من كتاب « اقناع اللائم » ما نصه:

أورد ابن قولويه في الكامل بسنده عن أبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام انه قال: « نظر أمير المؤمنينعليه‌السلام الى الحسين فقال: يا عبرة كل مؤمن. فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم يا بني »(٢) .

٧ - أما السيدة فاطمة الزهراء أم الامام الشهيدعليه‌السلام فقد تواترت الروايات أيضاً عن بكائها عليه في مواقف مختلفة، من ذلك ما جاء في الصفحة «٩٤» من أمالي الشيخ المفيد، نقلاً عن النيسابوري: « ن درة النائحة رأت فاطمة الزهراءعليها‌السلام فيما يرى النائم انها وقفت على قبر الحسين تبكي وأمرتها أن تنشد:

أيها العينان فيضا

واستهلا لا تغيضا

وابكيا بالطف ميتا

ترك الصدر رضيضا

لم أمرضه قتيلا

لا ولا كان مريضا

 ٨ - نقل كتاب « بغية النبلاء » لمؤلفه السيد عبد الحسين سادن الروضة الحسينية بكربلا في صفحة «١٥٤» عن كتاب « نشوار المحاضرة » لمؤلفه أبي علي القاضي التنوخي المتوفى سنة ٣٨٤ هـ ما عبارته:

« حدثني أبي قال: خرج الينا يوماً أبو الحسن الكاتب فقال: أتعرفون ببغداد رجلاً يقال له ابن أصدق؟ قال: فلم يعرفه من أهل المجلس غيري، فقلت: نعم، فلماذا سألت عنه؟ فقال: أي شيء يفعل؟ قلت: ينوح على الحسينعليه‌السلام . قال:

__________________

(١) ارشاد المفيد ١: ٣٣٢، وقعه صفين لابن مزاحم ١٤٠ - ١٤١، والصدوق في اماليه ١١٧ | ٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤١: ٢٨٦ | ٦.

(٢) كامل الزيارات: ١٠٨.

٣٣

فبكى أبو الحسن وقال: إن عندي عجوزاً ربتني من أهل كرخ جدان عفيطة اللسان(١) الأغلب على لسانها النبطية لا يمكنها أن تقيم كلمة عربية صحيحة فضلاً عن أن تروي شعراً، وهي من صالحات نساء المسلمين، كثيرة الصيام والتهجد وانها انتبهت البارحة في جوف الليل ومرقدها قريب من موضعي، فصاحت بي: يا أبا الحسن، فقلت:مالك؟ فقالت: الحقني، فجئتها فوجدتها ترتعد. فقلت: ما اصابك؟ فقالت: إني كنت قد صليت وردي فنمت، فرأيت الساعة في منامي كأني في درب من دروب الكرخ، وإذا بحجرة نظيفة، مليحة الساحة، مفتوحة الباب، ونساء وقوف، فقلت لهن: من مات أو ما الخبر؟ فأومأن الى داخل الدار فدخلت، فاذا بحجرة نظيفة في نهاية الحسن، وفي صحنها امرأة شابة لم أر قط أحسن منها ولا أبهى ولا أجمل، وعليها ثياب حسنة بيضاء مروي لينة وهي ملتحفة فوقها بأزار أبيض جداً وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً. فقلت: من أنت، فقالت: لاعليك، أنا فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا رأس ابني الحسينعليه‌السلام . قولي لابن اصدق ينوح:

لم أمرضه فأسلوا

لا ولا كان مريضا

 فانتبهت فزعة. قال: وقالت العجوز: « لم امرطه » بالطاء لانها لا تتمكن من إقامة الضاد، فسكنت روعها الى ان نامت.

ثم قال لي: يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل قد حملتك الامانة ولزمتك أن تبلغها له. فقلت: سمعاً وطاعة لأمرسيدة نساء العالمين.

قال: وكان هذا في شعبان والناس اذ ذاك يلقون جهداً جهيداً من الحنابلة اذا أرادوا الخروج الى الحاير. فلم أزل أتلطف حتى خرجت فكنت في الحاير ليلة النصف من شعبان فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته، فقلت له: إن فاطمةعليها‌السلام

__________________

(١) عفيطة اللسان: اي لكناء يصعب عليها الكلام.

٣٤

تأمرك بان تنوح بالقصدية.

لم أمرضه فأسلوا

لا ولا كان مريضا

 وما كنت أعرف القصيدة قبل ذلك. قال: فانزعج من ذلك، فقصصت عليه وعلى من حضر الحديث، فاجتمعوا بالبكاء وماناح تلك الليلة إلا بهذه القصيدة، وأولها:

أيها العينان فيضا

واستهلا لا تغيضا

 وهي لبعض الشعراء الكوفيين. وعدت الى أبي الحسن فاخبرته بما جرى.

٩ - جاء في الصفحة «٣٩» من المجلد «١٣» من موسوعة « أعيان الشيعة » لمؤلفه العلامة السيد الأمين العاملي، نقلاً عن كتاب « اللهوف » للسيد ابن طاووس ما نصه:

« إن إحدى السبايا [ كانت ] سكينة بنت الحسين قالت: لما كان اليوم الرابع من مقامنا بدمشق رأيت في المنام امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها، فسألت عنها فقيل لي: هذه فاطمة بنت محمد صلوات الله عليها أم أبيك، فقلت: والله لا نطلقن اليها ولا خبرنها ما صنع بنا، فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها، فوقفت بين يديها ابكي وأقول: يا أماه جحدوا والله حقنا. يا أماه بددوا والله شملنا، يا أماه استباحوا والله حريمنا، يا أماه قتلوا والله الحسين أبانا. فقالت لي: كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى ألقى الله به »(١) .

__________________

(١) اللهوف لابن طاووس: ٨٢.

٣٥

٣٦

الفصل الثالث

أهل الحجاز يبكون الحسينعليه‌السلام عند مفارقته لهم

ولما عزم الامام الحسينعليه‌السلام على مغادرة مدينة جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتوجه الى العراق تلبية لنداءات ورسائل ورسل أهل الكوفة عز على أهل المدينة أن يفارقهم سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم في أمس الحاجة الى زعامته وإمامته وإرشاداته فتوسلوا اليه أن يعدل عن هذه الرحلة ذات المصير المجهول، والاعداء - وخاصة الامويون منهم - مترصدون له وعازمون على قتله والفتك به وبأصحابه، والقضاء على نهضته الاصلاحية التي بها احياء لدين جده محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهما كلفهم الأمر. ولكن الامام الحسينعليه‌السلام كان قد قر قراره على الرحيل لأمور كان هو أعلم بها. وفيما يلي بعض المرويات عن بدء الامام بهذه الرحلة المشؤومة:

١ - جاء في الصفحة «٧٥» من المجلد الرابع من موسوعة « أعيان الشيعة » القسم الاول منها عند بيان تفاصيل كيفية خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة يصحبه اخوته وأهله وشيعته يريد مكة ثم الكوفة قوله:

« وأقبلت نساء عبد المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن أن الحسينعليه‌السلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن الحسينعليه‌السلام فقال: أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله، فقالت له نساء بني عبد المطلب: فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلي، وفاطمة، والحسن، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار

٣٧

من أهل القبور ».

وكأن القدر كان أوحى لهؤلاء النسوة بأن الامام وأهل بيته ومن يرافقه في هذه الرحلة مستشهدون لا محالة.

٢ - وفي الصفحة «٤٢» من كتاب « المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية » لمؤلفه العلامة الامين العاملي عند ذكر اجتماع محمد ابن الحنفية - أخي الامام الحسينعليه‌السلام - في المدينة به قبيل مغادرة الامام لها، ونصيحة محمد للحسين بأن يخرج الى مكة فان اطمأن الى أهلها وإلا فإلى اليمن، وإلا اللحاق بالرمال وشعوب الجبال، هرباً من تعقيب يزيد وزمرته الامويين له، قال له الحسين: يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية، فقطع محمد بن الحنفية عليه الكلام وبكى فبكى الحسينعليه‌السلام معه ساعة ثم قال: يا أخي، جزاك الله خيراً، فقد نصحت وأشرت بالصواب، وأنا عازم على الخروج الى مكة.

٣ - وفي الصفحة «٤٥» من الكتاب نفسه، ينقل المؤلف الجليل كيفية خروج الحسينعليه‌السلام من مكة وشخوصه مع أهله وأصحابه الى العراق في ٨ ذي الحجة سنة ٦٠ هـ، واجتماع أخيه محمد ابن الحنفية به مرة أخرى ومنعه من السفر الى العراق والرحيل الى اليمن، وامتناع الامامعليه‌السلام عن ذلك، ثم يقول:

« وسمع عبد الله بن عمر بخروج الامام من مكة فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعاً فأدركه في بعض المنازل، فقال له: أين تريد يا بن رسول الله؟ قال: العراق. قال: مهلاً ارجع الى حرم جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأبى الحسينعليه‌السلام فلما رأى ابن عمر إباءه فقال: يا أبا عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله يقبله منك، فكشف الحسينعليه‌السلام عن سرته، فقبلها ابن عمر ثلاثاً وبكى، وقال: استودعك الله يا أبا عبد الله فانك مقتول في وجهتك هذه ».

* * *

٣٨

الفصل الرابع

الحسينعليه‌السلام يتنبأ الكارثة

لم يكد الامام الشهيد يغادر مكة يوم ٨ ذي الحجة سنة ٦٠ هـ قاصداً العراق إلا وأخذت الأنباء المحزنة تتوارد عليه فيما يلاقيه رسله وموفدوه من نشوز وظلم وبغي وخيانة من أهل الكوفة بعد وصول الوالي الجديد اليها عبيد الله ابن زياد. وقد أصبح الامام متأكداً من أنه وآله وأصحابه ملاقون أسوأ المصير فيما هم عازمون عليه. ولكن لاراد لإرادة الله. وفيما يلي بعض ما يؤيد ذلك:

١ - جاء في كتاب « المجالس السنية » صفحة «٥٣» عند ذكر حادث مسلم ابن عقيل في الكوفة، ومحاربته جلاوزة الوالي الغشوم عبيد الله بن زياد، ثم مقتل مسلم، ما عبارته:

« وفي رواية المفيد: أن مسلم أخذ بالأمان بعد أن عجز عن القتال، فأتي ببغلة فحمل عليها، واجتمعوا حوله وانتزعوا منه سيفه، فكأنه عند ذلك يئس من نفسه، فدمعت عيناه ثم قال: هذا أول الغدر. قال له محمد بن الاشعث ارجو أن لا يكون عليك بأس فقال: وما هو إلا الرجاء، أين أمانكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، وبكى، فقال له عبيد الله بن العباس السلمي: إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك. فقال: إني والله ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل أرثي وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، ولكني أبكي لأهلي المقبلين، أبكي

٣٩

للحسين وآل الحسين »(١) .

٢ - وجاء في الصفحة «٥٨» من نفس الكتاب بعد ذكر مجزرة مقتل مسلم ابن عقيل في الكوفة ما نصه:

« وفي أثناء لطريق منمكة الى العراق لقي الفرزدق الشاعر الامام الحسينعليه‌السلام فسلم عليه وقال له: يا ابن رسول الله، كيف تركن الى أهل الكوفة، وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته؟ فاستعبر الحسينعليه‌السلام ثم قال: رحم الله مسلماً ».

٣ - وفي الصفحة «٦٤» من ذاك الكتاب ورد ذكر قصة نزول الحسينعليه‌السلام في الثعلبية بطريقه من الحجاز الى العراق، ووصول أحد الأسديين من الكوفة ورؤيته مقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة في الكوفة، وإخبار رجلين من الرحل الحسيني بهذا النباء المفجع، ثم يستطرد الكتاب بعد ذلك ويقول: « فسكت الامام، وارتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل، وسالت الدموع عليه كل مسيل ».

٤ - وجاء في الصفحة «٧٣» من الكاتب المذكور بعد ذكر وصول ركب الامام الشهيد الى القرب من كربلاء يوم أول محرم سنة ٦١ هـ قوله: « فقال الحسين جواباً لمن اقترح عليه أن يبدأ بقتال الحر وجيشه: ما كنت لأبدأهم بالقتال. فقال له زهير: فسر بنا يا ابن رسول الله حتى ننزل كربلاء فانها على شاطئ الفرات فنكون هناك، فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم. قال: فدمعت عينا الحسينعليه‌السلام ثم قال: اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء ».

هذا ويستدل من الروايات المتواترة والأحاديث المتوفرة: ان الامام الحسينعليه‌السلام كان متأكداً من أنه قتيل آل أمية مهما حاول التملص من ذلك. وإن

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢: ٥٩.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وهو يعلم ان ما يفعله على وفق المصلحة الواقعية التي ارتضاها رب العالمين ونصت به الصحيفة المخصوصة به.

اليس هو القائل لجابر الأنصاري لما قال له:

الا تصالح كما صالح اخوك الحسن ؟

فقال الحسين:

ان أخي فعل بامر من الله ورسوله وأنا أفعل بأمر من الله ورسوله.

ألم يكن الأصلح للحسنين مداراة أخيه المجتبى والتسليم له - لو صدقت المزاعم والأوهام - ويكون كعبد الله بن جعفر لما أبدى له الامام نظرية الصلح فخضع لرأيه وسلم له أمن الجائز ان يكون عبدالله اعرف بحكم الوقت من السبط الشهيد ؟

ويحدث ابن شهراشوب في المناقب ج ٢ ص ١٤٣ طبع ايران ان الحسين ما تكلم بحضرة الحسن اعظاماً له ولا تكلم محمد بن الحنفية بحضرة الحسين اعظاماً له وفي مشكاة الأنوار للطبرسي ص ١٥٤ كان أبوعبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام يقول ما مشى الحسين بين يدي الحسن قط ولابدره بمنطق قد اذا اجتمعا تعظيماً واجلاله له.

فهل يجوز العقل مع هذه الأداب الآلهية ان يخالف سيدالشهداء أخاه حجة الوقت ويخطأ رأيه مع علمه بانه لا يفعل الا وفق المصلحة الربوبية.

١٢١

١٢٢

نظرة اجمالية

علمنا من شتى النواحي مستنبطين من مدونات التاريخ وجوامع الحديث ومما عرفناه من مواقف أئمة الهدى من الاصلاح والتهذيب وخضوع من دونهم من ذوي قراباتهم إلا افراداً اخرجهم النص الصريح ان السيدة سكينة لم تكن متروكة سدى ترتكب الشنع وتقتحم المخاريق وانما كانت بمرصد من أخيها زين العابدين وابنه الباقر والصادق وبعين رعايتهم لها وهب ان الخلافة الصورية والسلطة العامة كانت مبتزة منهم لكن لم تبتز منهم القدرة على نسائهم وعائلتهم كيف وكل من سوقة الناس يقدر على من تحت حيطته من أهل بيته فيكبحهم عما يحط بكرامته أو لا يراه من صالحهم لجهات أخرى.

فهل من المعقول ان الامام زين العابدينعليه‌السلام يدع اخته الكريمة عليه في حيث تنيخ فيه الضعة والصغار وهو القائل لأبي خالد الكابلي حين دخل عليه ورأى الباب مفتوحاً فتعجب من ذلك:

لا تعجب ان الخادمة خرجت من الدار ولا علم لها بفتح الباب ولا يجوز لبنات رسول الله ان يخرجن فيصفقن الباب(١) .

__________________

١ - مدينة المعاجز ص ٣١٨ حديث ٨٦.

١٢٣

أمن المعقول أنه لا يجوز لهن رد الباب وليس فيه إلا الخروج الى مظنة رؤية الأجنبي لهن من وراء الأزر والأخمرة ويكون من الجائز لهن التبرج الى الاجانب والمحادثة معهم والخوض في مجاملاتهم خصوصاً ما تمنع منه الشريعة وهو سماع الغناء وعقد المجالس للمغنين.

ثم ما بال الامام الباقرعليه‌السلام يذر عمته السيدة بين تلكم المخازي وما بال الاباة الهاشميون يغضون الطرف عما هنالك من بواعث العيب والنقص فالى من يدخرون الاصلاح وهم يتركون عقائل بيتهم والى أي زمن يرجئونه ان أخروه عن ايام حياتهم في خفراتهم.

وهذه جبلة فطر الله عليها الأمم جمعاء فضلاً عمن قيضهم المولى سبحانه لهداية البشر وارشادهم الى ما هو الأصلح وقد كان في الأمة العربية من لا يرضخ لمنافيات الغيرة والشهامة وان بلغوا في القساوة كل مبلغ حتى كان من امرهم ان وأدوا البنات كيلا يلحقهم بسببهن العار وكانوا لا يزوجون المرأة من الرجل اذا شبب بها(١)

ولما شبب عبدالله بن مصعب المعروف بعائذ الكلب بامرأة من بني نصر بن دهمان وكان اسمها ( جمل ) عمد اليها اخوتها فقتلوها غيرة منهم(٢) .

ولما بلغ الحجاج الثقفي ان محمد بن عبدالله النميري شبب باخته زينب اسمعه السباب المقذع ولم يتركه حتى كتب الى عبدالملك بن مروان بذلك(٣) ولما شبب وضاح بامرأة الوليد قتله(٤) .

__________________

١ - شرح امالي القالي للبكري ج ٢، ص ٦٥٩.

٢ - المصدر.

٣ - شرح امالي القالي ج ٢ ص ٦٥٨.

٤ - آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ج ١ ص ٢٨٣.

١٢٤

وشبب الهذلي بابنة جندل بن معبد من بني الحساس فساء ذلك أباها فعدا عليه وقتله ثم احرقه(١)

وكان ابن رهيمة يشبب بزينب بنت عكرمة بن عبدالرحمن بن الحرث ابن هشام فاستعدى عليه اخوها هشام بن عبدالملك فأمر بضربه خمسمائة سوط وأباح دمه إن وجد يفعل مثل ذلك.

وغضب يزيد بن معاوية على عبدالرحمن بن حسان لما شبب باخته رملة بنت معاوية واستعدى عليه اباه معاوية بن أبي سفيان(٢) .

واشترى ابن معبد ( سحيم ) الشاعر فلما شبب سحيم بابنته عميرة وشهرها عدا إبن معبد عليه فأحرقه بالنار(٣) .

وفي هذه الشواهد مقنع للتعريف بما جبلت عليه نفوس العرب من الغيرة والشهامة فكيف بالهاشميين منهم الذين لم يرضخوا للدنايا وترفعوا عن كل ما يمس كرامتهم فتراهم ينكرون على من يتناول اعراض غيرهم فضلاً عن أعراضهم.

فهذا الحسن بن زيد بن الحسن المثنى بن الامام السبط الحسن بن اميرالمؤمنينعليه‌السلام بلغه يوم كان والياً على المدينة ان ابن المولى الشاعر يشبب بحرم المسلمين فأغلظ القول له وتهدده ولم يتركه حتى حلف بالايمان المغلظة انه لم يقصد امرأة بعينها وانما عنى في شعره قوسه وسماها ( ليلى ).

__________________

١ - شرح امالي القالي ج ٢ ص ٧٢١.

٢ - شرح امالي القالي للبكري ج ٢ ص ٧٢١.

٣ - شرح امالي القالي للبكري ج ٢ ص ٧٢١.

١٢٥

ولقد أنكر الرشيد على اسحاق الموصلي لما غناه بشعر عمر بن أبي ربيعة وفيه لفظ سكينة ولم يتعين انها ابنة الحسين ولأجل المشابهة في الاسم قال له:

لعن الله الفاسق ولعنك معه ويحك أتغنيني بأحاديث الفاسق في سكينة ألا تتحفظ في غنائك وتدري ما يخرج من راسك.

فهل والحالة هذه ترى الهاشميين الذين هم في المدينة يغضون الطرف عما تفعله خفرة من نسائهم من المخاريق والشنع واذا لم يسعهم ذلك معها فهلا يسعهم ان يوصدوا الأبواب دون من يريد الاجتماع معها من شعراء ومغنين مع انه لم يكن لهؤلاء انصار يخاف منهم سو العاقبة.

ثم هل يعذر إمام قيضه الله تعالى لتأديب البشر عامة وتحت سيطرته من لم يتأدب بآداب الشريعة الذي قيض لأحيائها وهو ومن جرى مجراه من ائمة الهدى يوصون شيعتهم بمنع المرأة عن الابتذال ومزاولة الرجال فيقولون: المرأة عي وعورة فتداواعيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت(١) وانها اذا خرجت من بيتها لعنها كل ملك في السماء حتى ترجع الى بيتها وان تعطرت وخرجت حتى يوجد ريحها فهي زانية وانها تلعن حتى ترجع الى بيتها وليس لها ان تجلس مع الرجال في الخلاء ولا ان تتعلم الكتابة ولا سورة يوسف لما فيها من الفتن وعليها ان تتعلم سورة النور لما فيها من التهديد والزجر ولا تنزل الغرف فيراها الأجانب وليس عليها اذان ولا

__________________

١ - الوسائل للحر العاملي ج ٣ ص ٣٠ باب ١٣٠ عن ابي عبدالله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٢٦

اقامة كيلا يسمع صوتها الرجال ولا جمعة وجماعة ولا عيادة مريض ولا تشييع جنازة ولا الاجهار بالتلبية ولا الهرولة بين الصفا والمروة ولا إستلام الحجر ولا تولي القضاء ولا الامارة ولا المشاورة في الأمور(١) .

وفي وصية أمير المؤمنينعليه‌السلام للحسن:

وإن استعطت ان لا يعرفن غيرك فافعل.

أيصح على هذا الحال نسبة المسامحة الى امام الأمةعليه‌السلام باسدال الستر على السيدة وكبحها عن محادثة الرجال ام ينسب اليه المروق عن طاعته وعدم قدرته على التوصل الى ذلك بكل صورة.

كبرت كلمة تخرج من افواههم، ان يقولوا إلا زوراً.

ويا فض فم القائل ان لهج بشيء من ذلك.

والذي يهون الخطب ان أحاديث أبا الفرج لا قيمة لها في حق السيدة الزكية بعد ان كان مصدرها الزبير بن بكار وابن أخيه مصعب والهيثم بن عدي وأضرابهم ممن هو شانيء لهذا البيت الطاهر أو مستأجر لسياسة الوقت وان تاريخ حياة السيدة سكينة مما نطق به أقوام أخذهم الحنق على حمله الوحي وسادات الأمة كما لوثوا ساحة غيرها من رجالات هذا البيت الرفيع وخفراته بعد أن أعوزتهم الوسائل الى الطعن في قدس الأئمة الطاهرين فطفقوا يحطون من كرامة ابنائهم وذوي قراباتهم من أمثال هذه النواحي وهم لا يعلمون

__________________

١ - الوسائل للحر العاملي ج ٣ ص ٢٧ باب ١١٧ جملة مما يحرم على النساء وما يكره.

١٢٧

ان المستقبل الكشاف سيوقف أرباب البحث على نواياهم السيئة ودحر ما افتعلوه فان للحق أنصاراً ولا بد للباغي من مصرع.

وقد عرفت فيما تقدم ان سكينة التي تجتمع مع عمر بن أبي ربيعة في محفل الغناء هي ابنة خالد بن مصعب بن الزبير ومنه تعرف كيف زحزح آل الزبير هذه الشناعة عن ابنتهم وألصقوها بمن شابهتها في الاسم فراجت هذه الأكذوبة حتى على من زعم انه محص الحقائق وأخذت به الثقافة الى حد بعيد وفي الحقيقة لا يعرف من اين تؤكل الكتف.

ولعل هذا البيان الضافي لم يدع القارىء مندوحة عن الأذعان بان المصونة الطاهرة هي تلك البريئة من كل شين وعار والرضية المخفورة تحت خباء النبوة وبين سرادق الامامة يكتنفا الشرف ويحف بها الصون من جميع نواحيها ولم تبرح ترفل في مطارف من الحصافة قشيبة ولها أشواطها البعيدة في مستوى الآداب الأحمدية تزينها العفة والحياء وتجللها الرزانة والوقار ويزدان بذكرها المدح والثناء وإن كان لأرباب الأهواء والمطامع حول حياتها جلبة وتركاض فدعهم يخوضوا ويلعبوا ويلههم الأمل الخائب والأمنية والمخفقة والظن المكدي.

وان كلمة الحسين في حقها:

( أما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى ). نتشوف منها منزلة كبرى في اليقين والتجرد عن هذه العوارض الدنيوية الفانية.

ان هذه الجلبة بسرد هاتيك القصص الخرافية كما غرت أبا الفرج اغتر بها من جاء بعده من المؤرخين فنشروا فضائح في حق

١٢٨

السيدة البريئة سودوا بها صفحة التاريخ حسباناً منهم ان صاحب الأغاني ومن تقدمه لا يرسل ما لا تعويل عليه وعرفت بما أوضحناه ان هؤلاء كحاطب ليل لم يريدوا الا جمع اضغاث من هنا وهنا فألبسوها أطماراً من الظنون والأهوام.

١٢٩

١٣٠

الرباب

التاريخ دراسات لما يعبر في الزمن من خير وشر ودليل لمعرفة سير البشر في المعارف والصناعات والسياسيات والعادات والمؤهلات للرقي الانحطاط ومرآة صافية يتشوف منها الأعمال الصالحة والتعاليم النافعة وسير الأبطال الى اهدافهم المرموقة وما يؤثر عن العظماء من مزايا وآثار تكون قدوة في اقتصاص أثرهم والسير على هداهم ومن المؤسف جدا أهمال المؤرخين ورواة الحوادث واجبهم فنشروا فضائح وستروا فضائل طاعة للأمراء الذين استعبدوهم بالمال أو خضوعا للنزعات والأحقاد فجنوا على الحقايق الراهنة واضاعوا الأمانة المودعة عندهم فزويت معارف الرجال واعمالهم الصالحة واختلط الصحيح بالسقيم وديف السم بالعسل وان كلمة ( مقاتل ) للمنصور الدوانيقي ( اتحب ان اضع تك في فضل العباس )(١) تفيدنا فقهاً بتأثير الأطماع في النفوس وسحق العقائد وان اوجب غضب الرب سبحانه وتعالى خصوصاً اذا كان الوضع على لسان صاحب الشريعة وقد نبه على وخامة عاقبته فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستكثر القالة من بعدي فمن كذب علي

__________________

١ - تاريخ بغداد ج ١٣ ص ١٦٧.

١٣١

فليتبوأ مقعده من النار(١) قال السبكي المؤرخون على جرف هار لتسليطهم على أعراض الناس ونقلهم مجرد ما يبلغهم من صادق أو كاذب(٢) وربما وضعوا من اناس ورفعوا اخرين أما لتعصب أو جهل أو اعتمادا على نقل من لا يوثق به والجهل في المؤرخين اكثر منه في اهل الجرح والتعديل وقل ما أرى مؤرخاً خالياً عن التعصب(٣) ولقد كان عيسى بن داب يضع للعباسيين وعوانة بن الحكم يضع لبني امية(٤) ومعاوية يستعبد سمرة بن جندب وابا هريرة وانس وزيد بن ارقم وعروة ابن الزبير(٥) لأهدافه وغاياته فأكثروا من فضائل السلف والطعن في اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب وولده وشوهوا احكام الشريعة وتجرؤا على قدس الرسالة فنسبوا اليه السهو مرة(٦) والخطأ اخرى(٧) وان السحر أثر فيه حتى خيل اليه انه يفعل الشيء ولم يفعله واستمر الحال الى سنة(٨) .

__________________

١ - الاحتجاج للطبرسي ص ٢٤٧ طبع النجف في احتجاج الجواد على يحيى بن اكثم.

٢ - معيد النعم ص ٧٤ باب ٤٦.

٣ - طبقات الشافية الكبرى ج ١ ص ١٩٧ ترجمة احمد بن صالح المصري.

٤ - معجم الادباء ج ١٦ ص ١٦٢ ترجمة عيسى بن داب.

٥ - شرح النهج لابن ابي الحديد ج ١ ص ٣٦٣.

٦ - صحيح البخاري في باب ما جاء في سجود السهو وفي فتح الباري ج ٣ ص ٦٠ ذكر حديث ذي اليدين في السهو النبي وذكره القاضي عياض في الشفا باب عصمة اقواله.

٧ - شرح الشفا للخفاجي ج ٤ ص ٢٥٦ وعمدة القارى شرح البخاري ج ١ ص ٥٧٧ باب كتابة العلم وجلاء العينين للالوسي ص ٢٦٨.

٨ - المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٨ ص ١٥٠ والبخاري كتاب الطب وارشاد الساري شرح البخاري ج ٨ ص ٤٠٣ والزواجر لابن حجر، ج ٢ ص ٨٢.

١٣٢

اذا فمن اين تبصر الأجيال المستقبلة الحوادث الصحيحة لتسير على ضوء هدى العظماء الذين لا يخضعون للدينه ويبذلون في تحصيل السعادة كل غال ورخيص.

ومن هنا اظلم الطريق ولم يهتد الباحث الى الصحيح في نسب ( الرباب ) زوجة الحسينعليه‌السلام والقصة التي يحكيها ابو الفرج الأصفهاني في مقال الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسين عن مجاهد عن محمد بن السائب الكلبي لا تأخذ بنا الى جهة نيرة فان القاريء لا يشك في تسطيرها على غير الواقع لغاية الحط من مقام اميرالمؤمنين الذي يقول كنت اتبع رسول الله اتباع الفصيل اثرامه يرفع لي كل يوم علما من اخلاقه ويأمرني بالاقتداء به أرى نور الوحي واشم ريح النبوة.(١)

فان الأخلاق المحمدية التي تحلى بها صاحـب الخلافة الكبرى تتنافى مع الأسطورة التي يقصها مجاهد وابن الكلبي مع ان علمــاء الرجال تكلموا في مجــاهد ولم يقبل جملة منهم مرويــاته ومحمد بن هشام بن السائب الكلبي مجهول الحال عند علماء الشيعة ولم يعتمد عليه علماء السنة(٢) فما يتحدثان عنه في قصة زواج الحسين منها يرمي به عرض الجدار ولم يخف افتعالها على من يقرأها بروية.

ونصها المسطور في مقاتل الطالبيين بترجمة عبدالله بن الحسينعليه‌السلام ان رجلاً دخل المسجد ايام خلافة عمر بن الخطاب فحياه بتحية الاسلام وسأله عمر عن اسمه فقال انا نصراني انا امرء القيس بن عدي الكلبي، وغرض عليه عمر الاسلام فاسلم وعقد له على من

__________________

١ - نهج البلاغة ج ١ ص ٤١٧ من خطبته الفاصعة.

٢ - راجع عنهما تهذيب التهذيب لابن حجر، ج ١٠ ص ٤٢، وج ٩ ص ١٧٨.

١٣٣

أسلم بالشام من قضاعة ولما حمل اللواء وادبر تبعه اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ومعه ابناه حسن وحسين فقال له انا ابن عم رسول الله وصهره وهذان ابناي وقد رغبنا في صهرك فانكحنا فقال انكحتك يا علي ابنتي المحياة وانكحت الحسن اختها سلمى وانكحت الحسين اختها الرباب.

وهذه القصة لا مساس لها بالواقع فان الامعان في شخصية أميرالمؤمنين المتحلية بالخلاق الشريعة والعادات المألوفة يفيدنا الجزم بمنافات اسراعه في المصاهرة من هذا النصراني الذي هو جديد عهد بالاسلام والمسلمين وكل احد اذا راجع وجدانه يجد منه الانكار على من يرتكب مثل هذا الذي لا يتفق مع الآداب العرفية حتى لو كان سوقة فضلا عمن هو مؤهل للزعامة الكبرى وفرضه المولى سبحانه وتعالى خليفة على البشر عامة بعد النبوة وحاشا مثل اميرالمؤمنين ان يكون مقهوراً لحكم الشهوة وتحفزه الغريزة الجنسية إلى ما تتنفر منه العامة والخاصة.

ومما يبعد القصة اهمالها اختيار رأي البنات في الرضا والعدم كما انها لم تعين المهر مع ان الشريعة المقدسة قررت اختيار الزوجة في الرضا بالزوج ومعرفة الزوجة بالمهر لازم والالتزام بفضولية العقد ووقوفه على الاجازة وان لها مهر امثالها لو لم يسم الصداق انما يتم مع فرض التنازل الى التسليم بمسارعة أميرالمؤمنين وخوف فوات هذا ( الكنز ) منه لو لم يبادر الى مذاكرة الرجل في بناته.

على أنا معشر الامامية نلتزم بان الله تعالى مكن الامام الحجة المؤهل للرياسة العامة من العلم الواسع لقطع شبه المعاندين أو لتركيز عقايد المتبعين للحق وعليه فامير المؤمنين على يقين من ان بنات هذا الرجل لا يغلبه عليهن احد لو انتظر الفرصة المناسبة.

١٣٤

لكن الأحقاد ابت الا ان تشوه مقام ولي الله وتسجل على سيد الأوصياءعليه‌السلام ما تتقزز منه النفوس لعل ان يوجد في الأجيال من يتقبل هذه الأكذوبة فينحاز عنه وقد أصاب وأضعها الغرض فقد آمن بها من لا خبرة له بمكانة ( باب مدينة علم الرسول ) المتحلي باخلاقه الكريمة.

وهناك شيء اخر وهو بقاء الرباب حائلاً عند الحسين أكثر من عشرين سنة فان التزويج منها كان في خلافة عمر بن الخطاب ولا أقل من التقدير بآخر ايامه فانه قتل ٢٥ سنة وولادة سكينة على أقل التقدير في سنة ٤٧ فتكون يوم الطف ابنة ١٣ سنة والعادة بتعد بقاءها حائلاً هذه المدة الطويلة واذا كان الزواج في اوائل خلافته تكون المسافة ابعد.

وعلى هذا فلا حجة واضحة تأخذ بنا الى الايمان بهذه الاسطورة مع ان ابن كثير في البداية ج ٨ ص ٢١٧ يسمى أباها ( انيف ) ولم ينسبه الى احد ولم يذكر هذه الأسطورة.

وعلى كل حال فالرباب من خيرات النساء وأفضلهن جاء بها الحسين مع حرمه الى الطف وحملت معهن الى الكوفة والشام ورجعت مع الحرم الى المدينة فأقامت فيها لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله بسنة كمداً(١) .

وليس بصحيح ما قيل انها أقامت على قبر الحسين سنة(٢) تنوح الليل والنهار وذلك بعد الرجوع من الشام ومرورهم بكربلاء

__________________

١ - كامل ابن الاثير ج ٤ ص ٣٦.

٢ - ابن الاثير.

١٣٥

فان العقيلة زينب الكبرى هي المتكفلة بحياطة الحرم وحفظهم وكلأتهم فلا تستطيع أن تفارقها بتلك البيداء المقفرة من دون عاطف ولا متحنن وهي امرأة عزلاء لا حامي لها ولا كفيل.

وكيف كان ففي تلك السنة التي عاشت فيها خطبها الاشراف فأبت وقالت ما كنت لاتخذ حماً بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

وحق لها إذا أمتنعت من التزويج فانها لا ترى أي احد يوازي سيد شباب أهل الجنة لتحضى به أو أن هناك من يباري من هو من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسىعليه‌السلام لتفوز بمصاهرته:

من يباريهم وفي الشمس معنى

مجهد متعـب لمن بـاراها

قـادة علـمهم ورأى حجـاهم

مسمعا كـل حكمية منظراها

ورثوا مـن محمد سبـق أولا

ها وحازوا مالم تحز اخراها

وهم الأعين الصحيحات تهدي

كـل عـين مكفوفة عيناها

كـم لهم ألسـن عن الله تنبي

هي أقـلام حكمـة قد براها

لـم يكونوا للعـرش إلا كنوزا

خافيات سبحان من أبداها(٢)

على أن الرواية جــاءت عن امـامة بنت زينب ربيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكـانت في عداد أزواج أميرالمؤمنين عنهعليه‌السلام ان ازواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصيعليه‌السلام لا يتزوجن بعده فلم تتزوج امرأة ولا أم ولد بعد أميرالمؤمنين عملاً بهذا الحديث(٣) .

____________

١ - تذكرة الخواص ص ١٥٠ وابن الاثير ج ٤، ص ٣٦ والاغاني ج ١٤، ص ١٥٨.

٢ - من الفية ملا كاظم الازري.

٣ - المجلسي في البحار ٩، ص ٦٢١ عن قوت القلوب.

١٣٦

والرباب هذه هي التي طلبت رأس الحسين من ابن زياد فلما رأته اخذته ووضعته في حجرها وقبلته وقالت(١) :

واحسينا فلا نسيت حسيناً

أفصـدته أسنـة الأعداء

غادروه بـكربلاء صريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء

وهذان البيتان وراهما ياقوت في معجم البلدان ج ٧ - ٢٢٩ لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل في رثاء الحسين وادعى انها زوجته وكان عجز البيت الثاني في روايته:

( لا سقى الغيث بعده كربلاء )

ولانفراده بهذا عما عليه أهل النسب والتراجم والسيرة من عدم عدها في ازواج السبط الشهيد لا يؤبه به.

وكان من رثاء الرباب لسيد الشهداءعليه‌السلام :

ان الذي كان نوراً يستضاء به

بكربـلاء قتيـل غير مدفون

سبط النبي جزاك الله صالـحة

عنا وجنبت خسران الموازين

قد كنت لي جبلاً صعباً ألوذ به

وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن

يغني ويأوي اليـه كل مسكين

والله لا أبتغي صهراً بصهركم

حتى اغيب بين الرمل والطين

ولما رجعت من الشام أقامت المأتم على الحسين وبكت النساء معها حتى جفت دموعهن:

__________________

١ - تذكرة الخواص ص ١٤٧، وتاريخ القرماني ص ٤.

١٣٧

تنعى ليوث البـأس مـن فتيانها

وغيوثها إن عمت البأساء

تبكيهم بدم فقـل بالمهجة الحرى

تسيـل العبـرة الحمـراء

ناحت فلما غضضت من صوتها

بزفيرها أنفاسهـا الصعداء

حنت ولكـن الحنين بكـى وقد

ناحت ولكن نوحهـا ايماء

ولما أعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة أمرت ان يصنع السويق وقالت انما نريد أن نقوى على البكاء(١) .

ويقول ابن كثير توفيت الرباب بنت أنيف امرأة الحسين بن عليعليه‌السلام في سنة ٦٢ وكانت حاظرة اهل العراق اذ هم يعدون في السبت او الجمعة على زوجها الحسين بن علي ابن بنت رسول الله(٢) .

ولدت الرباب من الحسينعليه‌السلام سكينة وعبدالله فاما عبدالله فقتل رضيعاً في حجر أبيه يوم الطف وذلك لما قتل أهل بيته وصحبه وبقي وحده استسلم للقضاء الآلهي بذبحه مظلوماً ممنوعاً من الورود.

وجاء الى عياله يودعهم ويأمرهم بلبس الأزر والصبر على ما يحل بهم من البلاء وعرفهم بأن الله تعالى يجعل عاقبة أمرهم الى خير ويعذب عدوهم بأنواع العذاب.

ثم دعا بولده الرضيع يودعه فأتته زينب بابنه عبدالله فاجلسه في حجره يودعه ويقبله(٣) ويقول:

بعداً لهؤلاء القوم اذا كان جدك المصطفى خصمهم(٤) .

__________________

١ - البحار للمجلسي ج ١٠، ص ٢٣٥ عن الكافي.

٢ - البدايةج ٨ ص ٢١٧.

٣ - اللهوف ص ٦٥.

٤ - البحار ج ١٠، ص ١٠٣.

١٣٨

ثم أتي به نحو القوم يطلب له الماء فرماه حرملة بسهم وذبحه فتلقى الحسين الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم يسقط منه قطرة(١) .

وقال هون ما نزل بي أن بعين الله(٢) اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل آلهي ان كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين(٣) واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل(٤) اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) وسمععليه‌السلام قائلاً يقول: دعه يا حسين فان له مرضعاً في الجنة(٦) .

ثم نزل عن فرسه وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه(٧) .

ويقال انه وضعه مع قتلى أهل بيته(٨)

وأما سكينة فقد ذكر المؤرخون انه لقب لها من امها الرباب(٩)

__________________

١ - حديث الامام الباقرعليه‌السلام وزيارة الناحية التي يقول فيها حجة آل محمدعليه‌السلام : السلام على عبدالله الرضيع المرمي الصريع المصعد بدمه الى السماء المذبوح في حجر أبيه لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدي وذويه.

٢ - ابن شهراشوب ج ٢ - ص ٢٢٢.

٣ - ابن نما ص ٣٦.

٤ - نظلم الزهراء ص ١٢٢.

٥ - المنتخب.

٦ - تذكرة الخواص ص ١٤٤ والقمقام لميرزا فرهاد ص ٣٨٥.

٧ - احتجاج الطبرسي ص ١٦٣ طـ النجف.

٨ - ارشد المفيد وابن نما ص ٣٧.

٩ - ابن خلكان في الوفيات بترجمها وشذرات الذهب ج ١، ص ١٥٤، ونور الأبصار ص ١٥٧.

١٣٩

وكأنه لسكونها وهدوئها وعليه فالمناسب فتح السين المهملة وكسر الكاف التي بعدها لا كما يجري على الألسن من ضم السين وفتح الكاف وهذا الرأي نسبه الصبان الى المشهور فانه قال:

المشهور على الآلسنة في اسمها انه مكبر بفتح السين وكسر الكاف(١) .

والمحكى عن شرح اسماء رجال المشكاة انه مصغر بضم السين وفتح الكاف ومثله في القاموس.

واما اسمها فالذي اختاره ابن تغر بردي انه آمنة(٢) ورواية أبي اسحاق المالكي تؤكده فان فيها قول سكينة:

إنكم سميتموني باسم جدتي ام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمنة بنت وهب.

ويحكى أبوالفرج القول بأنه أمينة واميمة.

ولم يتضح لنا سنة ولادتها ولا مقدار عمرها وان أمكننا القول بأنها قاربت السبعين بعد ملاحظة سنة وفاتها وكونها يوم الطف بالغة مبلغ النساء ولا أقل من التقدير بالعشرة. وذكرنا ولادتها سنة ٤٧.

كما صح لنا ولادتها بالمدينة ووفاتها فيها(٣) يوم الخميس

__________________

١ - اسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ٢٠٢.

٢ - النجوم الزاهرة ج ١، ص ٢٧٦.

٣ - تهذيب الأسماء للنووي ج ١، ص ١٦٣ ومعاوف ابن قتيبة وتذكرة الخواص وابن خلكان بترجمتها والكواكب الدرية للمناوي ج ١ ص ٥٨.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156