تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام) الجزء ١

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام)37%

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام) مؤلف:
المحقق: الشيخ نبيل رضا علوان
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 156

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 156 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40168 / تحميل: 7586
الحجم الحجم الحجم
تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام)

تاريخ النياحة على الإمام الشهيد الحسين بن علي (عليهما السلام) الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دار الزهراء (عليها السلام)
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

مقدمة المؤلف

كان الصديق الجليل الاستاذ السيد حسن الامين في إحدى زياراته في صيف سنة ١٣٨٨ هـ (١٩٦٨ م) لطهران قد تكرم وعادني في داري بمصيف شمران. وفي أثناء مطالعاته في بعض مسودات إحدى مجموعاتي في مكتبتي المتواضعة عثر على قصاصات من وريقات دونت فيها نبذاً مما كنت قد نقلته من بطون مختلف الكتب والاسفار عن تاريخ العزاء الحسيني، والتطورات التي طرأت على النياحة على الامام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام في مختلف العصور والقرون. فسألني هذا الزائر الكريم عن الهدف من تدوين هذه النبذ واستنساخها من مصادرها العديدة، فأجبته أنها قد تكون نواة لرسالة يسعفني العمر بتدوينها وتبويبها وطبعها.

فوقعت هذه الفكرة من لدنه موقع الاستحسان والتشجيع، وأخذ يحثني في اجتماعاتنا المتتالية، وفي رسائله المتعاقبة لي من بيروت الى طهران على لزوم إتمام هذا المشروع وإخراجه الى حيز الطبع والنشر.

وهذه الالحاحات من السيد الأمين وحاجة المكتبات الاسلامية والعربية في مختلف أقطارها الى سفر يجمع بين دفتيه ما تناثر في بطون الكتب والمؤلفات عن تاريخ العزاء الحسيني والمناحات على الامام الشهيدعليه‌السلام ، دعتني بل واوجبت علي أن أبذل أقصى الجهد والتتبع والتحقيق في هذا الموضوع التاريخي الهام خلال السنوات الخمس الماضية، وإتمامه وتدوينه في مجموعة مستقلة تسهل على القارئ

٢١

الكريم الرجوع اليه دون أن يضطر الى مراجعة العشرات والمئات من المؤلفات فيما لو أراد الاطلاع على بعض جوانب تاريخ العزاء الحسيني.

لقد كان التوفيق حليفي ولله الحمد في إنجاز ما اعتزمت على إتمامه وذلك في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام سنة ١٣٩٣ هـ (شباط ١٩٧٣ م). وعساني أن أكون قد أديت بذلك بعض الواجبات والخدمة لجدي الأعلى إمام الشهداء وعظيم المضحين في سبيل الحق والحققة ورفع راية القرآن الكريم.

وقد قسمت المواضيع على فصول حسب تسلسل التاريخ من صدر الاسلام حتى عصرنا هذا كما سيلاحظ القارئ، ذلك. والله ولي القصد.

طهران - غرة ذي القعدة ١٣٩٣ هـ

٢٧ تشرين الثاني ١٩٧٣ م

السيد صالح الشهرستاني

* * *

٢٢

الفصل الأول

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه أول من بكوا الحسينعليه‌السلام

لقد اتفقت كتب الحديث والرواية سواء كانت من مؤلفات الشيعة أو من مصنفات إخواننا السنة على أن جبرئيل قد أوحى(١) إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ مقتل الامام الشهيد الحسينعليه‌السلام ومكان استشهاده. وفيما يلي بعض هذه الروايات في ذلك:

١ - قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي في الصفحة « ٣٠ » من مصنفه: (إقناع اللائم على إقامة المآتم) ما نصه:

ذكر الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي في كتابه (اعلام النبوة) صفحة ٨٣ طبع مصر فقال:

ومن إنذارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رواه عروة عن عائشة قالت: « دخل الحسين بن عليعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يوحى اليه، فبرك عل ظهره وهو منكب ولعب على ظهره، فقال جبرئيل: يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك، ومد يده فأتاه بتربة بيضاء وقال: في هذه الأرض يقتل ابنك - اسمها الطف -. فلما ذهب جبرئيل خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أصحابه والتربة في يده، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف وجاءني

__________________

(١) اما ان نقول: « أن جبرئيل قد اخبر النبي » او نقول: « ان الله اوحى للنبي ».

٢٣

بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه »(١) انتهى.

ثم يضيف السيد محسن العاملي على ذلك بقوله:

أقول: ولابد أن يكون الصحابة لما رأوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي لقتل ولده وتربته بيده، وأخبرهم بما أخبره جبرئيل من قتله، وأراهم تربته التي جاء بها جبرئيل، أخذتهم الرقة الشديدة فبكوا لبكائه وواسوه في الحزن على ولده، فان ذلك مما يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة، فكيف بهم معه؟! فهذا أول مأتم أقيم على الحسينعليه‌السلام يشبه مآتمنا التي تقام عليه، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمستمعون أصحابه.

٢ - جاء في الصفحة «٣١» من الكتاب نفسه:

وفي (منتخب كنز العمال صفحة ١١٢ الجزء الخامس) للشيخ علاء الدين علي بن حسام الدين الشهير بالمتقي الهندي من علماء أهل السنة. قال:

أخرج الطبراني في الكبير(٢) : عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أم سلمة قالت: كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالساً ذات يوم في بيتي فقال: « لا يدخلن علي أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي، فاطلعت فاذا الحسين في حجره أو الى جنبه يمسح رأسه وهو يبكي. فقلت: والله ما علمت به حتى دخل. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن جبرئيل كان معنا في البيت فقال: أتحبه؟ فقلت: أما من حب الدنيا نعم، فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء. فتناول من ترابها فأراه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما أحيط بالحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا:

__________________

(١) وذكر الخبر ايضاً بالفاظ مختلفة وبطرق متعددة في المصار التالية: مستدرك الصحيحين ٣: ١٧٦، ٤: ٣٩٨، مسند أحمد بن حنبل ٣: ٢٤٢، ٢٦٥، والمحب الطبري في ذخائر العقبى ١٤٧، ١٤٨، والمتقي الهندي في كنز العمال ٦: ٢٢٢، ٢٢٣، ٧: ١٠٦، والصواعق المحرقة: ١١٥، والهيثمي في معجمه ٩: ١٨٧، ١٨٨، ١٨٩، ١٩١.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٢٣: ٢٨٩ | ٦٣٧.

٢٤

ارض كربلاء، قال: صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرض كرب وبلاء ».

أقول: وقد نقلت هذه الرواية كثير من كتب أهل السنة بنفس العبارة أو بتعديل فيها، كصاحب العقد الفريد(١) في الجزء الثاي، وأحمد بن حنبل(٢) ، وأبي يعلى، وابن سعد، والطبراني، وأنس بن مالك، وابن عساكر، وغيرهم كثيرون(٣) . ورواها أيضاً من الشيعة كثيرون من علمائها، منهم الشيخ أبو جعفر محمد بن علي المعروف بابن بابويه القمي عن الامام الخامس محمد الباقرعليه‌السلام بهذه العبارة:

« كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيت أم سلمة فقال لها: لا يدخل علي أحد، فجاء الحسين وهو طفل فما ملكت معه شيئاً حتى دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخلت أم سلمة على أثره، فاذا الحسين على صدره، وإذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي وإذا في يده شيء يقبله. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة، إن هذا جبرئيل يخبرني أن ابني هذا مقتول، وهذه التربة التي يقتل عليها، فضعيها عندك فاذا صارت دماً فقد قتل حبيبي »(٤) . انتهى قول العلامة العاملي.

٣ - ذكر الشيخ المفيد في إرشاده ما لفظه:

روى الاوزاعي عن عبد الله بن شداد عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت: يارسول الله، رأيت الليلة حلما منكراً. قال: وما هو؟ قالت: انه شديد. قال: ما هو؟ قلت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ؛ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيراً رأيت تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسينعليهما‌السلام ، قالت: وكان في حجري كما قال رسول

__________________

(١) عقد الفريد ٤: ٣٨٣ | ١٠.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٦: ٢٩٤.

(٣) كنز العمال ١٣: ٦٥٦ | ٣٧٦٦٦ عن ابن ماجه والطبراني وأبي نعيم.

(٤) امالي الصدوق: ١٣٠ | ٣.

٢٥

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخلت به يوماً على النبي - وأنا أحمل الحسين -(١) فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فاذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لك؟! قال: أتاني جبرئيل فأخبرني ان طائفة من أمتي ستقتل ابني هذا. وقلت: هذا؟ قال: نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء »(٢) الخ.

وروى سماك، عن ابن مخارق، عن ام سلمة رضي الله عنها قالت: بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم جالس والحسين جالس في حجره إذ هملت عيناه بالدموع، فقلت له: يا رسول الله، مالي أراك تبكي، جعلت فداك؟! فقال: « جاءني جبرئيل فعزاني بابني الحسين وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله، لاأنالهم الله شفاعتي »(٣) .

وروى باسناد آخر عن أم سلمة أنها قالت: خرج رسول الله وهو اشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت له: يا رسول الله، مالي أراك شعثاً مغبراً؟ فقال: أسري بي في هذا الوقت الى موضع من العراق يقال له: كربلاء، فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط دماءهم فها هي في يدي وبسطها الي فقال: خذيها واحتفظي بها، فاخذتها فاذا هي شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلما خرج الحسين من مكة متوجهاً نحو العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر اليها ثم أبكي لمصابه، فلما كان اليوم العاشر من محرم - وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين - أخرجتها في أول النهار وهي بحالها ثم عدت اليها آخر النهار، فاذا هي دم عبيط فضججت في بيتي وبكيت، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي بنعيه

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ارشاد الشيخ المفيد ٢: ١٢٩، وينابيع المودة ٢: ٣١٨ عن البيهقي.

(٣) ارشاد المفيد ٢: ١٣٠.

٢٦

فحقق ما رأيت(١) .

٤ - جاء في « مسند أحمد بن حنبل ١: ٨٥ »: « بسنده عن عبد الله بن نجى عن ابيه انه سار مع عليعليه‌السلام وكان صاحب مطهرته - أي الاناء الذي يتطهر به ويتوضأ منه - فلما حاذى نينوي، وهو منطلق الى صفين، فنادى عليعليه‌السلام : إصبر أبا عبد الله، إصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت ؛ يا نبي الله، أغصبك أحد، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرئيل قبل أمد فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات. قال: فقال: هل لك الى أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا ».

ونقل هذا الحديث بنفس العبارة أو مع إضافة عليها كتاب « الصواعق المحرقة »(٢) لابن حجر، وكتاب « منتخب كنز العمال »(٣) ، وسبط ابن الجوزي الحنفي في « تذكرة الخواص »(٤) ، والبغوي في معجمه، وغيرهم كثيرون من رواة السنة والشيعة.

٥ - وأخرج ابن سعد هذه الحكاية عن عائشة باضافة: « إن جبرئيل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه. فيا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني، فمن هذا من أمتي يقتل حسيناً بعدي؟ »(٥) .

٦ - أخرج أحمد بن حنبل فيما أخرجه من مسند ابن عباس، قال: « رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما ير النائم بنصف النهار، وهو قائم أشعث أغبر، بيده قاروروة فيها

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢: ١٣٠.

(٢) الصواعق المحرقة | ١١٥.

(٣) كنز العمال ٧: ١٠٥، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٢: ٣٤٧.

(٤) تذكرة الخواص: ٢٢٥.

(٥) الصواعق المحرقة لابن حجر ١١٥ قال أخرجه ابن سعد مع اختلاف في اللفظ.

٢٧

دم. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل ألتقطه منذ اليوم فاحصينا ذلك فوجدوه قتل في ذلك اليوم(١) .

٧ - جاء في الصفحة «٣٩» من كتاب « إقناع اللائم » المار ذكره ما نصه: « روى ابن شهر آشوب في المناقب(٢) عن جامع الترمذي وكتاب السدي وفضائل السمعاني، أن أم سلمة قالت: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وعلى رأسه التراب. فقلت: مالك يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: شهدت قتل الحسين آنفاً ».

أقول: ومن روايات أصحابنا في ذلك ما رواه الصدوق في الأمالي(٣) بسنده عن سلمى(٤) قالت: « دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت لها: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام وعلى رأسه ولحيته أثر التراب فقلت: مالك يا رسول الله مغبراً؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفاً ».

وروى المفيد في المجالس والشيخ الطوسي في الأمالي بسندهما عن الصادق جعفر بن محمدعليه‌السلام قال: « أصبحت يوماً أم سلمة تبكي، فقيل لها: مم بكاؤك؟ فقالت: لقد قتل ابني الحسين الليلة، وذلك أنني ما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ مضى إلا الليلة، فرأيته شاحباً كئيباً. فقلت: مالي أراك يا رسول الله شاحباً كئيباً؟ فقال: لم أزل منذ الليلة أحفر القبور للحسين وأصحابه »(٥) .

هذا وقد رويت امثال هذه الأحاديث باسانيدها من مصادر شيعية وسنية موثوق بها بكثرة لا تحصى.

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١: ٢٤٢، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ١: ١٤٢، وابن الأثير في اسد الغابة ٢: ٢٢، وابن حجر في اصابته ٢: ١٧ مع اختلاف فيه ورواه غير هؤلاء ايضاً من ائمة الحديث.

(٢) مناقب آل ابي طالب ٤: ٥٥.

(٣) امالي الصدق ١١٩ | ١ مع اختلاف فيه.

(٤) سلمى: هي زوجة أبي رافع مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٥) أمالي المفيد ٣١٩ / ٦، أمالي الطوسي ٩٠ / ١٤٠

٢٨

٨ - وقد أشار ابن نباتة في كتاب خطبه المشهور الذي وضعه ليقرأ على منابر الاسلام في الجمعات، ولا يزال يقرأ على المنابر الى اليوم حيث قال في الخطبة الثانية للمحرم ضمن ما قال:

« وكان عليه الصلاة والسلام - يعني الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من حبه للحسين يقبل شفتيه، ويحمله كثيراً على كتفه فكيف لو رآه ملقى على جنبيه، شديد العطش والماء بين يديه، وأطفاله يضجون بالبكاء عليه؟ لصاح عليه الصلاة والسلام وخر مغشياً عليه. فتأسفوا رحمكم الله على هذا السبط السعيد الشهيد، وتسلوا بما أصابه لكم من موت الأحرار والعبيد واتقوا الله حق تقواه ».

٩ - أما أم سلمة فهي إحدى زوجات الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تقدم بها العمر الى أواخر سنة ٦١ للهجرة التي توفيت فيها. وتقول الدكتورة بنت الشاطئ في الصفحة «٣٢٠» من كتابها « موسوعة آل النبي » الذي تكرر طبعه عدة مرات في القاهرة وبيروت، عن هذه السيدة الجليلة ما نصه:

« وتقدم العمر بأم سلمة زوجة النبي حتى امتحنت كما امتحن الاسلام كله بمأساة كربلاء ومذبحة أهل بيت الرسول هناك. وتقول رواية: انها ماتت في آخر سنة ٦١ هجرية، بعد ما جاءها نعي الحسين بن عليعليه‌السلام - الى ان تقول بنت الشاطئ -: وأم سلمة آخر من مات من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلى عليها أبو هريرة الصحابي، ودفنت بالبقيع ».

١٠ - أقول: لقد وصل نبأ فاجعة كربلاء واستشهاد سيد الشهداء الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه في الطف في أواخر شهر محرم سنة ٦١ هـ الى المدينة المنورة، ثم كان ما كان من هياج أهل الحجاز وخاصة مكة المكرة والمدينة لهذا الحادث الجلل والمصاب العظيم، مما سيأتي تفصيله في الفصول التالية.

* * *

٢٩

٣٠

الفصل الثاني

بكاء علي وفاطمة على ابنهما عليهم‌السلام

وكان الامام أبو الشهداء، علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد بكى ابنه سيد الشهداء الحسينعليه‌السلام أيضاً، والروايات في ذلك متضافرة، وأنقل هنا بعضها:

١ - جاء في الصفحة «٦٥» من كتاب « إقناع اللائم » للعلامة الأمين ما نصه:

روى الصدوق في الامالي بسنده عن ابن عباس قال: « كنت مع أمير المؤمنين عليعليه‌السلام في خروجه الى صفين، فلما نزل نينوى، وهي بشط الفرات، قال بأعلى صوته: يا ابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت له: ما أعرفه يا أمير المؤمنين، فقالعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي، قال: فبكى كثيراً حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره، وبكينا معه وهو يقول: آه آه، مالي ولآل أبي سفيان(١) ، صبراً يا أبا عبد الله، فقد لقى أبوك مثل الذي تلقى منهم »(٢) .

٢ - وروى ذلك غيره كسبط ابن الجوزي الحنفي في « تذكرة الخواص » حيث قال: روى الحسن بن كثير وعبد خير، قالا: لما وصل عليعليه‌السلام الى كربلاء وقف وبكى وقال: بأبي أغيلمة يقتلون ها هنا، هذا مناخ ركابهم، هذا موضع رحالهم، هذا مصرع الرجل، ثم ازداد بكاؤه(٣) .

__________________

(١) في الاصل زيادة « مالي ولآل حرب، حزب الشيطان واولياء الكفر ».

(٢) امالي الصدوق: ٤٧٨ | ٥.

(٣) تذكرة الخواص: ٢٢٥.

٣١

وروي هذا الحديث أيضاً في مسند ابن حنبل(١) وصواعق ابن حجر(٢) ، وفي منتخب كنز العمال(٣) مع تفاوت في العبارة.

٣ - قال ابن حجر في صواعقه في الفصل الثالث من الباب «١١»: روى الملا: ان علياً مر بقبر الحسين فقال: « ها هنا مناخ ركابهم، وها هنا موضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والارض »(٤) .

٤ - روى ابن قولويه في الكامل بسنده عن الامام جعفر الصادقعليه‌السلام قال: « نظر علي الى الحسين فقال: يا عبرة كل مؤمن فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم يا ابني »(٥) .

٥ - جاء في الصفحة «١٢» من كتاب « مدينة الحسين » السلسلة الثانية، لمؤلفه السيد محمد حسن آل الكيلدار ما لفظه:

« ويروي المفيد في إرشاده عن عثمان بن قيس العامري، عن جابر بن الحر عن جويرية بن مسهر العبدي قال: كنت مع الامام عليعليه‌السلام عندما(٦) توجهنا الى صفين عام ٣٦ هـ فبلغنا طفوف كربلاء، فوقفت في ناحية من المعسكر، ثم رأيت الامام عليهعليه‌السلام ينظر يميناً وشمالاً واستعبر، ثم قال: « هذا والله مناخ ركابهم وموضع قتلهم فسئل ما هذا الموضع؟ فاجابعليه‌السلام ؛ هذه كربلاء، يقتل فيها قوم يدخلون الجنة بغير حساب. ثم سار الامام دون أن يعرف الناس تأويل حديثه حتى كان

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١: ٨٢.

(٢) الصواعق المحرقة: ١١٥.

(٣) منتخب كنز العمال ٥: ١١٢ في هامش مسند أحمد بن حنبل.

(٤) الصواعق المحرقة: ١١٥.

(٥) كامل الزيارات: ١٠٨.

(٦) ليس في المصدر « كنت مع الامام عليهعليه‌السلام عندما »، وانما بدلها (لما توجهنا مع أمير المؤمنين عليه بن أبي طالبعليه‌السلام الى صفين).

٣٢

أمر الحسينعليه‌السلام ومقتله في كربلاء عام ٦١ هـ »(١) .

اقول: وقد رأيت هذا الحديث في الصفحة «١٥٦» من كتاب « الارشاد » للشيخ المفيدقدس‌سره ، المتوفى سنة ٤١٣ هـ

٦ - جاء في الصفحة «١٠٨» من كتاب « اقناع اللائم » ما نصه:

أورد ابن قولويه في الكامل بسنده عن أبي عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام انه قال: « نظر أمير المؤمنينعليه‌السلام الى الحسين فقال: يا عبرة كل مؤمن. فقال: أنا يا أبتاه؟ فقال: نعم يا بني »(٢) .

٧ - أما السيدة فاطمة الزهراء أم الامام الشهيدعليه‌السلام فقد تواترت الروايات أيضاً عن بكائها عليه في مواقف مختلفة، من ذلك ما جاء في الصفحة «٩٤» من أمالي الشيخ المفيد، نقلاً عن النيسابوري: « ن درة النائحة رأت فاطمة الزهراءعليها‌السلام فيما يرى النائم انها وقفت على قبر الحسين تبكي وأمرتها أن تنشد:

أيها العينان فيضا

واستهلا لا تغيضا

وابكيا بالطف ميتا

ترك الصدر رضيضا

لم أمرضه قتيلا

لا ولا كان مريضا

 ٨ - نقل كتاب « بغية النبلاء » لمؤلفه السيد عبد الحسين سادن الروضة الحسينية بكربلا في صفحة «١٥٤» عن كتاب « نشوار المحاضرة » لمؤلفه أبي علي القاضي التنوخي المتوفى سنة ٣٨٤ هـ ما عبارته:

« حدثني أبي قال: خرج الينا يوماً أبو الحسن الكاتب فقال: أتعرفون ببغداد رجلاً يقال له ابن أصدق؟ قال: فلم يعرفه من أهل المجلس غيري، فقلت: نعم، فلماذا سألت عنه؟ فقال: أي شيء يفعل؟ قلت: ينوح على الحسينعليه‌السلام . قال:

__________________

(١) ارشاد المفيد ١: ٣٣٢، وقعه صفين لابن مزاحم ١٤٠ - ١٤١، والصدوق في اماليه ١١٧ | ٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤١: ٢٨٦ | ٦.

(٢) كامل الزيارات: ١٠٨.

٣٣

فبكى أبو الحسن وقال: إن عندي عجوزاً ربتني من أهل كرخ جدان عفيطة اللسان(١) الأغلب على لسانها النبطية لا يمكنها أن تقيم كلمة عربية صحيحة فضلاً عن أن تروي شعراً، وهي من صالحات نساء المسلمين، كثيرة الصيام والتهجد وانها انتبهت البارحة في جوف الليل ومرقدها قريب من موضعي، فصاحت بي: يا أبا الحسن، فقلت:مالك؟ فقالت: الحقني، فجئتها فوجدتها ترتعد. فقلت: ما اصابك؟ فقالت: إني كنت قد صليت وردي فنمت، فرأيت الساعة في منامي كأني في درب من دروب الكرخ، وإذا بحجرة نظيفة، مليحة الساحة، مفتوحة الباب، ونساء وقوف، فقلت لهن: من مات أو ما الخبر؟ فأومأن الى داخل الدار فدخلت، فاذا بحجرة نظيفة في نهاية الحسن، وفي صحنها امرأة شابة لم أر قط أحسن منها ولا أبهى ولا أجمل، وعليها ثياب حسنة بيضاء مروي لينة وهي ملتحفة فوقها بأزار أبيض جداً وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً. فقلت: من أنت، فقالت: لاعليك، أنا فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا رأس ابني الحسينعليه‌السلام . قولي لابن اصدق ينوح:

لم أمرضه فأسلوا

لا ولا كان مريضا

 فانتبهت فزعة. قال: وقالت العجوز: « لم امرطه » بالطاء لانها لا تتمكن من إقامة الضاد، فسكنت روعها الى ان نامت.

ثم قال لي: يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل قد حملتك الامانة ولزمتك أن تبلغها له. فقلت: سمعاً وطاعة لأمرسيدة نساء العالمين.

قال: وكان هذا في شعبان والناس اذ ذاك يلقون جهداً جهيداً من الحنابلة اذا أرادوا الخروج الى الحاير. فلم أزل أتلطف حتى خرجت فكنت في الحاير ليلة النصف من شعبان فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته، فقلت له: إن فاطمةعليها‌السلام

__________________

(١) عفيطة اللسان: اي لكناء يصعب عليها الكلام.

٣٤

تأمرك بان تنوح بالقصدية.

لم أمرضه فأسلوا

لا ولا كان مريضا

 وما كنت أعرف القصيدة قبل ذلك. قال: فانزعج من ذلك، فقصصت عليه وعلى من حضر الحديث، فاجتمعوا بالبكاء وماناح تلك الليلة إلا بهذه القصيدة، وأولها:

أيها العينان فيضا

واستهلا لا تغيضا

 وهي لبعض الشعراء الكوفيين. وعدت الى أبي الحسن فاخبرته بما جرى.

٩ - جاء في الصفحة «٣٩» من المجلد «١٣» من موسوعة « أعيان الشيعة » لمؤلفه العلامة السيد الأمين العاملي، نقلاً عن كتاب « اللهوف » للسيد ابن طاووس ما نصه:

« إن إحدى السبايا [ كانت ] سكينة بنت الحسين قالت: لما كان اليوم الرابع من مقامنا بدمشق رأيت في المنام امرأة راكبة في هودج ويدها موضوعة على رأسها، فسألت عنها فقيل لي: هذه فاطمة بنت محمد صلوات الله عليها أم أبيك، فقلت: والله لا نطلقن اليها ولا خبرنها ما صنع بنا، فسعيت مبادرة نحوها حتى لحقت بها، فوقفت بين يديها ابكي وأقول: يا أماه جحدوا والله حقنا. يا أماه بددوا والله شملنا، يا أماه استباحوا والله حريمنا، يا أماه قتلوا والله الحسين أبانا. فقالت لي: كفي صوتك يا سكينة فقد قطعت نياط قلبي، هذا قميص أبيك الحسين لا يفارقني حتى ألقى الله به »(١) .

__________________

(١) اللهوف لابن طاووس: ٨٢.

٣٥

٣٦

الفصل الثالث

أهل الحجاز يبكون الحسينعليه‌السلام عند مفارقته لهم

ولما عزم الامام الحسينعليه‌السلام على مغادرة مدينة جده المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتوجه الى العراق تلبية لنداءات ورسائل ورسل أهل الكوفة عز على أهل المدينة أن يفارقهم سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم في أمس الحاجة الى زعامته وإمامته وإرشاداته فتوسلوا اليه أن يعدل عن هذه الرحلة ذات المصير المجهول، والاعداء - وخاصة الامويون منهم - مترصدون له وعازمون على قتله والفتك به وبأصحابه، والقضاء على نهضته الاصلاحية التي بها احياء لدين جده محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهما كلفهم الأمر. ولكن الامام الحسينعليه‌السلام كان قد قر قراره على الرحيل لأمور كان هو أعلم بها. وفيما يلي بعض المرويات عن بدء الامام بهذه الرحلة المشؤومة:

١ - جاء في الصفحة «٧٥» من المجلد الرابع من موسوعة « أعيان الشيعة » القسم الاول منها عند بيان تفاصيل كيفية خروج الحسينعليه‌السلام من المدينة يصحبه اخوته وأهله وشيعته يريد مكة ثم الكوفة قوله:

« وأقبلت نساء عبد المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن أن الحسينعليه‌السلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن الحسينعليه‌السلام فقال: أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله، فقالت له نساء بني عبد المطلب: فلمن نستبقي النياحة والبكاء؟ فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعلي، وفاطمة، والحسن، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار

٣٧

من أهل القبور ».

وكأن القدر كان أوحى لهؤلاء النسوة بأن الامام وأهل بيته ومن يرافقه في هذه الرحلة مستشهدون لا محالة.

٢ - وفي الصفحة «٤٢» من كتاب « المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية » لمؤلفه العلامة الامين العاملي عند ذكر اجتماع محمد ابن الحنفية - أخي الامام الحسينعليه‌السلام - في المدينة به قبيل مغادرة الامام لها، ونصيحة محمد للحسين بأن يخرج الى مكة فان اطمأن الى أهلها وإلا فإلى اليمن، وإلا اللحاق بالرمال وشعوب الجبال، هرباً من تعقيب يزيد وزمرته الامويين له، قال له الحسين: يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية، فقطع محمد بن الحنفية عليه الكلام وبكى فبكى الحسينعليه‌السلام معه ساعة ثم قال: يا أخي، جزاك الله خيراً، فقد نصحت وأشرت بالصواب، وأنا عازم على الخروج الى مكة.

٣ - وفي الصفحة «٤٥» من الكتاب نفسه، ينقل المؤلف الجليل كيفية خروج الحسينعليه‌السلام من مكة وشخوصه مع أهله وأصحابه الى العراق في ٨ ذي الحجة سنة ٦٠ هـ، واجتماع أخيه محمد ابن الحنفية به مرة أخرى ومنعه من السفر الى العراق والرحيل الى اليمن، وامتناع الامامعليه‌السلام عن ذلك، ثم يقول:

« وسمع عبد الله بن عمر بخروج الامام من مكة فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعاً فأدركه في بعض المنازل، فقال له: أين تريد يا بن رسول الله؟ قال: العراق. قال: مهلاً ارجع الى حرم جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأبى الحسينعليه‌السلام فلما رأى ابن عمر إباءه فقال: يا أبا عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله يقبله منك، فكشف الحسينعليه‌السلام عن سرته، فقبلها ابن عمر ثلاثاً وبكى، وقال: استودعك الله يا أبا عبد الله فانك مقتول في وجهتك هذه ».

* * *

٣٨

الفصل الرابع

الحسينعليه‌السلام يتنبأ الكارثة

لم يكد الامام الشهيد يغادر مكة يوم ٨ ذي الحجة سنة ٦٠ هـ قاصداً العراق إلا وأخذت الأنباء المحزنة تتوارد عليه فيما يلاقيه رسله وموفدوه من نشوز وظلم وبغي وخيانة من أهل الكوفة بعد وصول الوالي الجديد اليها عبيد الله ابن زياد. وقد أصبح الامام متأكداً من أنه وآله وأصحابه ملاقون أسوأ المصير فيما هم عازمون عليه. ولكن لاراد لإرادة الله. وفيما يلي بعض ما يؤيد ذلك:

١ - جاء في كتاب « المجالس السنية » صفحة «٥٣» عند ذكر حادث مسلم ابن عقيل في الكوفة، ومحاربته جلاوزة الوالي الغشوم عبيد الله بن زياد، ثم مقتل مسلم، ما عبارته:

« وفي رواية المفيد: أن مسلم أخذ بالأمان بعد أن عجز عن القتال، فأتي ببغلة فحمل عليها، واجتمعوا حوله وانتزعوا منه سيفه، فكأنه عند ذلك يئس من نفسه، فدمعت عيناه ثم قال: هذا أول الغدر. قال له محمد بن الاشعث ارجو أن لا يكون عليك بأس فقال: وما هو إلا الرجاء، أين أمانكم؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، وبكى، فقال له عبيد الله بن العباس السلمي: إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك. فقال: إني والله ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل أرثي وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، ولكني أبكي لأهلي المقبلين، أبكي

٣٩

للحسين وآل الحسين »(١) .

٢ - وجاء في الصفحة «٥٨» من نفس الكتاب بعد ذكر مجزرة مقتل مسلم ابن عقيل في الكوفة ما نصه:

« وفي أثناء لطريق منمكة الى العراق لقي الفرزدق الشاعر الامام الحسينعليه‌السلام فسلم عليه وقال له: يا ابن رسول الله، كيف تركن الى أهل الكوفة، وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته؟ فاستعبر الحسينعليه‌السلام ثم قال: رحم الله مسلماً ».

٣ - وفي الصفحة «٦٤» من ذاك الكتاب ورد ذكر قصة نزول الحسينعليه‌السلام في الثعلبية بطريقه من الحجاز الى العراق، ووصول أحد الأسديين من الكوفة ورؤيته مقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة في الكوفة، وإخبار رجلين من الرحل الحسيني بهذا النباء المفجع، ثم يستطرد الكتاب بعد ذلك ويقول: « فسكت الامام، وارتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل، وسالت الدموع عليه كل مسيل ».

٤ - وجاء في الصفحة «٧٣» من الكاتب المذكور بعد ذكر وصول ركب الامام الشهيد الى القرب من كربلاء يوم أول محرم سنة ٦١ هـ قوله: « فقال الحسين جواباً لمن اقترح عليه أن يبدأ بقتال الحر وجيشه: ما كنت لأبدأهم بالقتال. فقال له زهير: فسر بنا يا ابن رسول الله حتى ننزل كربلاء فانها على شاطئ الفرات فنكون هناك، فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم. قال: فدمعت عينا الحسينعليه‌السلام ثم قال: اللهم أعوذ بك من الكرب والبلاء ».

هذا ويستدل من الروايات المتواترة والأحاديث المتوفرة: ان الامام الحسينعليه‌السلام كان متأكداً من أنه قتيل آل أمية مهما حاول التملص من ذلك. وإن

__________________

(١) ارشاد المفيد ٢: ٥٩.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

الصفحة ٥٢٣

معذور، لا من حيث العقاب ولا من جهة سائر الاثار، بمعنى أن شيئا من آثار الشئ المجهول عقابا أو غيره من الاثار المترتبة على ذلك الشئ في حق العالم لا يرتفع عن الجاهل لاجل جهله.

وقد إستثنى الاصحاب من ذلك القصر والاتمام والجهر والاخفات، فحكموا بمعذورية الجاهل في هذين الموضعين.

وظاهر كلامهم إرادتهم العذر من حيث الحكم الوضعي، وهي الصحة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة.

وهو الذي يقتضيه دليل المعذورية في الموضعين أيضا.

فحينئذ يقع الاشكال في أنه إذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفي كسائر الاحكام المجهولة للمكلف المقصر، فيكون تكليفه بالواقع وهو القصر بالنسبة إلى المسافر باقيا.

وما يأتي به من الاتمام المحكوم بكونه مسقطا، إن لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب، وإن كان مأمورا به فكيف يجتمع الامر به مع فرض وجود الامر بالقصر.

ودفع هذا الاشكال، إما بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعي المتروك، وإما بمنع تعلقه بالمأتي به، وإما بمنع التنافي بينهما.

فالاول: إما بدعوى كون القصر مثلا واجبا على المسافر العالم، وكذا الجهر والاخفات.

وإما بمعنى معذوريته فيه، بمعنى كون الجهل بهذه المسألة كالجهل بالموضوع، يعذر صاحبه ويحكم عليه ظاهرا، بخلاف الحكم الواقعي.

وهذا الجاهل وإن لم يتوجه إليه خطاب مشتمل على حكم ظاهري، كما في الجاهل بالموضوع، إلا أن مستغنى عنه بإعتقاده لوجوب هذا الشئ عليه في الواقع.

وإما من جهة القول بعدم تكليف الغافل بالواقع وكونه مؤاخذا على ترك التعلم، فلا يجب عليه القصر، لغفلته عنه.

نعم يعاقب على عدم إزالة الغفلة، كما تقدم إستظهاره من صاحب المدارك و من تبعه.

وإما من جهة تسليم تكليفه بالواقع، إلا أن الخطاب بالواقع ينقطع عند الغفلة لقبح خطاب العاجز.

وان كان العجز بسوء إختياره فهو معاقب حين الغفلة على ترك القصر، لكنه ليس مأمورا به حتى يجتمع مع فرض وجود الامر بالاتمام.

لكن هذا كله خلاف ظاهر المشهور، حيث أن الظاهر منهم كما تقدم بقاء التكليف بالواقع المجهول بالنسبة إلى الجاهل.

ولذا يبطلون صلاة الجاهل بحرمة الغصب، إذ لولا النهي حين الصلاة لم يكن وجه للبطلان.

والثاني: منع تعلق الامر بالمأتي به وإلتزام أن غير الواجب مسقط عن الواجب، فإن قيام ما

١٢١

الصفحة ٥٢٤

اعتقد وجوبه مقام الواجب الواقعي غير ممتنع.

نعم قد يوجب إتيان غير الواجب فوات الواجب فيحرم، بناء على دلالة الامر بالشئ على النهي عن الضد، كما في آخر الوقت، حيث يستلزم فعل التمام فوت القصر.ويرد هذا الوجه أن الظاهر من الادلة كون المأتي به مأمورا به في حقه.

مثل قوله عليه السلام في الجهر والاخفات: (تمت صلاته)، ونحو ذلك.

والموارد التي قام فيها غير الواجب مقام الواجب نمنع عدم وجوب البدل، بل الظاهر في تلك الموارد سقوط الامر الواقعي وثبوت الامر بالبدل، فتأمل.

والثالث: بما ذكره كاشف الغطاء، رحمه الله، من أن التكليف بالاتمام مرتب على معصية الشارع بترك القصر، فقد كلفه بالقصر والاتمام على تقدير معصية في التكليف بالقصر.

وسلك هذا الطريق في مسألة الضد في تصحيح فعل غير الاهم من الواجبين المضيقين، إذا ترك المكلف الامتثال بالاهم.

ويرده: أنا لا نعقل الترتب في المقامين، وإنما يفعل ذلك فيما إذا حدث التكليف الثاني بعد تحقق معصية الاول.

كمن عصى بترك الصلاة مع الطهارة الترابية فكلف لضيق الوقت بالبراء‌ة.

الثالث إن وجوب الفحص إنما هو في إجراء الاصل في الشبهة الحكمية الناشية من عدم النص أو إجمال بعض ألفاظه او تعارض النصوص.

أما إجراء الاصل في الشبهة الموضوعية: فإن كانت الشبهة في التحريم، فلا إشكال ولا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص.

ويدل عليه إطلاق الاخبار، مثل قوله عليه السلام: (كل شئ لك حلال حتى تعلم)(١)، وقوله: (حتى يستبين لك غير هذا او تقوم به البينة)(٢)، وقوله: (حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه الميتة)(٣)، وغير ذلك، السالم عما يصلح لتقييدها.

وإن كانت الشبهة وجوبية، فمقتضى أدلة البراء‌ة حتى العقل كبعض كلمات العلماء عدم وجوب الفحص أيضا وهو مقتضى حكم العقلاء في بعض الموارد.

مثل قول المولى لعبده: (أكرم العلماء أو المؤمنين)، فإنه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين، إلا أنه قد يترا اى أن بناء

____________________

(١) الكافي (الفروع) ج ٦، ص ٣٣٩.

(٢) الكافي، ج ٥، ص ٣١٣.

(٣) الكافي (الفروع)، ج ٦، ص ٣٣٩: (كل شئ كل حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة).

ص ٢٢٤.

١٢٢

الصفحة ٥٢٥

العقلاء في بعض الموارد على الفحص والاحتياط.

كما إذا أمر المولى بإحضار علماء البلد أو أطبائها أو إضافتهم أو إعطاء كل واحد منهم دينارا.

فإنه قد يدعى أن بناء‌هم على الفحص عن أولئك وعدم الاقتصار على المعلوم إبتداء مع إحتمال وجود غيرهم في البلد.

قال في المعالم، في مقام الاستدلال على وجوب التبين في خبر مجهول الحال بآية التثبت في خبر الفاسق: (إن وجوب التثبت فيها متعلق بنفس الوصف، لا بما تقدم العلم به منه.

ومقتضى ذلك إرادة الفحص والبحث عن حصوله وعدمه.

ألا ترى أن قول القائل: (أعط كل بالغ رشيد من هذه الجماعة مثلا درهما)، يقتضي إرادة السؤال والفحص عمن جمع الوصفين، لا الاقتصار على من سبق العلم بإجتماعهما فيه)(١)، إنتهى.

وأيد ذلك المحقق القمي، رحمه الله، في القوانين ب‍ (أن الواجبات المشروطة بوجود شئ إنما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده.فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط.مثل أن من شك في كون ماله بمقدار إستطاعة الحج، لعدم علمه بمقدار المال.

لا يمكنه أن يقول: إني لا أعلم أني مستطيع ولا يجب علي شئ، بل يجب عليه محاسبة ماله ليعلم أنه واجد للاستطاعة أو فاقد لها.

نعم لو شك بعد المحاسبة في أن هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا، فالاصل عدم الوجوب حنيئذ)(١).

ثم ذكر المثال المذكور في المعالم بالتقريب المتقدم عنه(٢).

وأما كلمات الفقهاء فمختلفة في فروع هذه المسألة: فقد أفتى جماعة منهم، كالشيخ والفاضلين وغيرهم، بأنه لو كان له فضة مغشوشة بغيرها وعلم بلوغ الخالص نصابا وشك في مقداره وجب التصفية، ليحصل العلم بالمقدار أو الاحتياط بمقدار ما تيقن معه البراء‌ة.

نعم إستشكل في التحرير في وجوب ذلك، وصرح غير واحد من هؤلاء، مع عدم العلم ببلوغ الخالص النصاب، بأنه لا يجب التصفية، والفرق بين المسألتين مفقود إلا ما ربما يتوهم من أن العلم بالتكليف ثابت مع العلم ببلوغ النصاب، بخلاف ما لم يعلم به.

وفيه: أن العلم بالنصاب لا يوجب الاحتياط مع القدرة المتيقن ودوران الامر بين الاقل والاكثر مع كون الزائد على تقدير وجوبه تكليفا مستقلا.ألا ترى أنه لو علم بالدين وشك في قدره، لم

____________________

(١) معالم الدين، ص ٢٠١.

(٢) القوانين المحكمة، ص ٢٢٤.

١٢٣

الصفحة ٥٢٦

يوجب ذلك الاحتياط والفحص، مع أنه لو كان هذا المقدار يمنع من إجراء البراء‌ة قبل الفحص لمنع منها بعده، إذ العلم الاجمالي لا يجوز معه الرجوع إلى البراء‌ة ولو بعد الفحص.

وقال في التحرير في باب نصاب الغلات: (ولو شك في البلوغ، ولا مكيال هنا ولا ميزان، ولم يوجد، سقط الوجوب دون الاستحباب)(١) إنتهى.وظاهره جريان الاصل مع تعذر الفحص وتحصيل العلم.

وبالجملة فما ذكروه من إيجاب تحصيل العلم بالواقع مع التمكن في بعض افراد الاشتباه في الموضوع مشكل.

وأشكل منه فرقهم بين الموارد، مع ما تقرر عندهم من أصالة نفي الزائد عند دوران الامر بين الاقل والاكثر.

وما ما ذكره صاحب المعالم، رحمه الله، وتبعه عليه المحقق القمي، رحمه الله، من تقريب الاستدلال بآية التثبت على رد خبر مجهول الحال من جهة إقتضاء تعلق الامر بالموضوع الواقعي المقتضي وجوب الفحص عن مصاديقه وعدم الاقتصار على القدر المعلوم(٢) فلا يخفي ما فيه، لان رد خبر مجهول الحال ليس مبنيا على وجوب الفحص عند الشك وإلا لجاز الاخذ به ولم يجب التبين فيه بعد الفحص واليأس عند العلم بحاله، كما لا يجب الاعطاء في المثال المذكور بعد الفحص عن حال المشكوك وعدم العلم بإجتماع الوصفين فيه، بل وجه رده قبل الفحص وبعده أن وجوب التبين شرطي، ومرجعه إلى إشتراط قبول الخبر في نفسه من دون إشتراط التبين فيه بعدالة المخبر.

فإذا شك في عدالته شك في قبول خبره في نفسه، والمرجع في هذا الشك والمتعين فيه عدم قبول، لان عدم العلم بحجية شئ كاف في عدم حجيته.

ثم الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص أنه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا تعين هنا بحكم العقلاء إعتبار الفحص ثم العمل بالبراء‌ة، كبعض الامثلة المتقدمة.فإن إضافة جميع علماء البلد أو أطبائهم لا يمكن للشخص الجاهل إلا بالفحص.

فإذا حصل العلم ببعض، واقتصر على ذلك نافيا لوجوب إضافة من عداه بأصالة البراء‌ة من غير تفحص زائد على ما حصل به المعلومين عد مستحقا للعقاب والملامة عند إنكشاف ترك إضافة من يتمكن من تحصيل العلم به بفحص زائد.ومن هنا يمكن أن يقال في مثال الحج المتقدم: إن العلم بالاستطاعة في أول ازمنة حصولها

____________________

(١) تحرير الاحكام، ص ٦٢.

(٢) معالم الدين، ص ٢٠١.

١٢٤

الصفحة ٥٢٧

يتوقف غالبا على المحاسبة.فلو بنى الامر على تركها ونفي وجوب الحج بأصالة البراء‌ة لزم تأخير الحج عن أول سنة الاستطاعة بالنسبة إلى كثير من الاشخاص، لكن الشأن في صدق هذه الدعوى.

وأما ما استند إليه المحقق المتقدم من أن الواجبات المشروطة يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا العلم بوجوده ففيه: أنه مسلم، ولا يجدي، لان الشك في وجود الشرط يوجب الشك في وجوب المشروط وثبوت التكليف والاصل عدمه.

غاية الامر الفرق بين إشتراط التكليف بوجود الشئ وإشتراطه بالعلم به، إذ مع عدم العلم في الصورة الثانية نقطع بإنتفاء التكليف من دون حاجة إلى الاصل وفي الصورة الاولى يشك فيه، فينفى بالاصل.

١٢٥

الصفحة ٥٢٨

وأما الكلام في مقدار الفحص

فملخصه أن حد الفحص هو اليأس عن وجدان الدليل فما بأيدينا من الادلة ويختلف ذلك بإختلاف الاعصار.

فإن في زماننا هذا إذا ظن المجتهد بعدم وجود دليل التكليف في الكتب الاربعة وغيرها من الكتب المعتبرة في الحديث التي يسهل تناولها على نوع أهل العصر، على وجه صار مأيوسا، كفى ذلك منه في إجراء البراء‌ة.

أما عدم وجوب الزائد، فللزوم الحرج وتعطيل إستعلام سائر التكاليف، لان إنتهاء الفحص في واقعة إلى حد يحصل العلم بعدم وجود دليل التكليف يوجب الحرمان من الاطلاع على دليل التكليف في غيرها من الوقائع.

فيجب فيها إما الاحتياط، وهو يؤدي إلى العسر، وإما لزوم التقليد لمن بذل فيها جهده على وجه علم بعدم دليل التكليف فيها.

وجوازه ممنوع، لان هذا المجتهد المتفحص ربما يخطئ ذلك المجتهد في كثير من مقدمات إستنباطه للمسألة.

نعم لو كان جميع مقدماته مما يرتضيها هذا المجتهد وكان التفاوت بينهما أنه أطلع على ما لم يطلع هذا، أمكن أن يكون قوله حجة في حقه.

لكن اللازم حينئذ أن يتفحص في جميع المسائل إلى حيث يحصل الظن بعدم وجود دليل التكليف، ثم الرجوع إلى هذا المجتهد.فإن كان مذهبه مطابقا للبراء‌ة كان مؤيدا لما ظنه من عدم الدليل.وإن كان مذهبه مخالفا للبراء‌ة كان شاهد عدل على وجود دليل التكليف.

فإن لم يحتمل في حقه الاعتماد على الاستنباطات الحدسية أو العقلية من الاخبار، أخذ بقوله في وجود دليل وجعل فتواه كروايته.

ومن هذا القبيل ما حكاه غير واحد، من أن القدماء كانوا يعملون برسالة الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه عن إعواز النصوص.

والتقييد بإعواز النصوص مبني على ترجيح النص المنقول بلفظه على الفتوى التي يحتمل الخطأ في النقل بالمعنى.

وإن احتمل في حقه إبتناء فتواه على الحدس والعقل، لم يكن دليل على إعتباره في حقه وتعين العمل بالبراء‌ة.

١٢٦

الصفحة ٥٢٩

تذنيب ذكر الفاضل التوني لاصل البراء‌ة شروطا أخر الاول: أن لا يكون إعمال الاصل موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى، مثل أن يقال، في أحد الانائين المشتبهين: الاصل عدم وجوب الاجتناب عنه، فإنه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الاخر أو عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرا و عدم تقدم الكرية حيث يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة، فإن إعمال الاصول يوجب الاجتناب عن الاناء الاخر أو الملاقي أو الماء.

أقول: توضيح الكلام في هذا المقام أن إيجاب العمل بالاصل لثبوت حكم آخر إما بإثبات الاصل المعمول به لموضوع أنيط به حكم شرعي، كأن يثبت بالاصل براء‌ة ذمة الشخص الواجد لمقدار الدين مانع عن الاستطاعة، فيدفع بالاصل ويحكم بوجوب الحج بذلك المال.

ومنه المثال الثاني، فإن أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا يوجب الحكم بقلته التي أنيط بها الانفعال.

وإما لاستلزام نفي الحكم به حكما يستلزم عقلا أو شرعا أو عادة ولو في هذه القضية الشخصية لثبوت حكم تكليفي في ذلك المورد أو في مورد آخر، كنفي وجوب الاجتناب عن أحد الانائين.

فإن كان إيجابه للحكم على الوجه الاول، كالمثال الثاني، فلا يكون ذلك مانعا عن جريان الاصل، لجريان أدلته من العقل والنقل من غير مانع.ومجرد إيجابه حكما وجوديا آخر لا يكون مانعا عن جريان أدلته.كما لا يخفى على من تتبع الاحكام الشرعية والعرفية.ومرجعه في الحقيقة إلى رفع المانع.

فإذا إنحصر الطهور في ماء مشكوك الاباحه بحيث لو كان محرم الاستعمال لم يجب الصلاة لفقد الطهورين.

فلا مانع من إجراء أصالة الحل وإثبات كونه واجدا للطهور فيجب عليه الصلاة.

١٢٧

الصفحة ٥٣٠

ومثاله العرفي ما إذا قال المولى لعبده: (إذا لم يكن عليك شغل واجب من قبلي فاشتغل بكذا).

فإن العقلاء يوجبون عليه الاشتغال بكذا إذا لم يعلم بوجوب شئ على نفسه من قبل المولى.

وإن كان على الوجه الثاني الراجح إلى وجود العلم الاجمالي بثبوت حكم مردد بين حكمين: فإن أريد بإعمال الاصل في نفي أحدهما إثبات الاخر، ففيه: أن مفاد أدلة أصل البراء‌ة مجرد نفي التكليف دون إثباته وإن كان الاثبات لازما واقعيا لذلك النفي.

فإن الاحكام الظاهرية إنما تثبت بمقدار مدلول أدلتها ولا يتعدى إلى أزيد منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعية بينه وبين ما ثبت، إلا أن يكون الحكم الظاهري الثابت بالاصل موضوعا لذلك الحكم الاخر، كما ذكرنا في مثال براء‌ة الذمة عن الدين والحج، وسيجئ توضيح ذلك في باب تعارض الاستصحابين.

وإن أريد بإعماله في أحدهما مجرد نفيه دون الاثبات، فهو جار، إلا أنه معارض بجريانه في الاخر.

فاللازم إما إجراؤه فيهما، فيلزم طرح ذلك العلم الاجمالي لاجل العمل بالاصل، وإما إهماله فيهما، فهو المطلوب، وإما إعمال أحدهما بالخصوص، فترجيح بلا مرجح.نعم لو لم يكن العلم الاجمالي في المقام مما يضر طرحه لزم العمل بهما.كما تقدم أنه أحد الوجهين فيما إذا دار الامر بين الوجوب والتحريم.

وكيف كان، فسقوط العمل بالاصل في المقام لاجل المعارض، ولا إختصاص لهذا الشرط بأصل البراء‌ة، بل يجري في غيره من الاصول والادلة.

ولعل مقصوده صاحب الوافية ذلك، وقد عبر هو، رحمه الله، [ عن هذا الشرط ] في باب الاستصحاب بعدم المعارض.

وأما أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا، فقد عرفت أنه لا مانع من إستلزام جريانها الحكم بنجاسة الملاقي، فإنه نظير أصالة البراء‌ه من الدين المستلزم لوجوب الحج.

وقد فرق بينهما المحقق القمي، رحمه الله، حيث إعترف بأنه لا مانع من إجراء البراء‌ة في الدين وإن إستلزم وجوب الحج، ولم يحكم بنجاسة الماء مع جريان أصالة عدم الكرية، جمعا بينها وبين أصالة طهارة الماء.

ولم يعرف وجه فرق بينهما أصلا.(١)

____________________

(١) القوانين المحكمة، ص ٢٧٢

١٢٨

الصفحة ٥٣١

ثم إن مورد الشك في البلوغ كرا الماء المسبوق بعدم الكرية.وأما المسبوق بالكرية، فالشك في نقصانه من الكرية والاصل هنا بقاؤها.

ولو لم يكن مسبوقا بحال، ففي الرجوع إلى طهارة الماء، للشك في كون ملاقاته مؤثرة في الانفعال، فالشك في رافعيتها للطهارة، أو إلى النجاسة، لان الملاقاة مقتضية للنجاسة والكرية مانعة عنها بمقتضى قوله عليه السلام: (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ)، ونحوه، مما دل على سببية الكرية، لعدم الانفعال المستلزمة لكونها مانعة عنه، والشك في المانع في حكم العلم بعدمه، وجهان.

وأما أصالة عدم تقدم الكرية على الملاقاة، فهو في نفسه ليس من الحوادث المسبوقة بالعدم حتى يجري فيه الاصل، نعم نفس الكرية حادثة، فإذا شك في تحققها حين الملاقاة حكم بأصالة عدمها.وهذا معنى عدم تقدم الكرية على الملاقاة.

لكن هنا أصالة عدم حدوث الملاقاة حين حدوث الكرية، وهو معنى عدم تقدم الملاقاة على الكرية فيتعارضان.

ولا وجه لما ذكره من الاصل.

وقد يفصل فيها بين ما كان تاريخ واحد من الكرية والملاقاة معلوما، فإنه يحكم بأصالة تأخر المجهول بمعنى عدم ثبوته في زمان يشك في ثبوته فيه فيلحقه حكمه من الطهارة والنجاسة، وقد يجهل التأريجاه بالكلية.

وقضية الاصل في ذلك التقارن، ومرجعه إلى نفي وقوع كل منهما في زمان يحتمل وقوعه فيه، وهو مقتضى ورود النجاسة على ما وكر حال الملاقاة فلا يتنجس به)(١)، إنتهى.

وفيه: أن تقارن ورود النجاسة والكرية موجب لانفعال الماء، لان الكرية مانعة عن الانفعال بما يلاقيه بعد الكرية على ما هو مقتضى قوله عليه السلام: (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شئ)، فإن الضمير المنصوب راجع إلى الكر المفروض كريته، فإذا حصلت الكرية حال الملاقاة كان المفروض الملاقاة غير كر، فهو نظير ما إذا حصلت الكرية بنفس الملاقاة فيما إذا تمم الماء النجس كرا بطاهر والحكم فيه النجاسة، إلا أن ظاهر المشهور فيما نحن فيه الحكم بالطهارة.

بل إدعى المرتضى، قدس سره، عليه الاجماع حيث استدل بالاجماع على طهارة كر رأى فيه نجاسة لم يعلم تقدم وقوعها على الكرية على كفاية تتميم النجس كرا في زوال نجاسته.

ورده الفاضلان وغيرهما بأن الحكم بالطهارة هنا لاجل الشك في حدوث سبب النجس، لان الشك مرجعه إلى الشك في كون الملاقاة مؤثرة لوقوعها قبل الكرية أو غير مؤثرة، لكنه يشكل، بناء

____________________

(١) الفصول الغروية، ص ٣٥٤.

١٢٩

الصفحة ٥٣٢

على أن الملاقاة سبب للانفعال والكرية مانعة.

فإذا علم بوقوع السبب في زمان لم يعلم فيه وجود المانع، وجب الحكم بالمسبب، إلا أن الاكتفاء بوجود السبب من دون إحراز عدم المانع ولو بالاصل محل تأمل، فتأمل.

الثاني: أن لا يتضرر بأعمالها مسلم.كما لو فتح قفس طائر فطار، أو حبس شاة فمات ولدها، أو أمسك رجلا فهرب دابته.

فإن إعمال البراء‌ة فيها يوجب تضرر المالك، فيحتمل إندراجه في قاعدة الاتلاف وعموم قوله: (لا ضرر و لا ضرار).

فإن المراد نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع، وإلا فالضرر غير منفي، فلا علم حينئذ ولا ظن بأن الواقعة غير منصوصه، فلا يتحقق شرط التمسك بالاصل من فقدان النص، بل يحصل القطع بتعلق حكم شرعي بالضار، ولكن لا يعلم أنه مجرد التغزير أو الضمان أو هما معا، فينبغي له تحصيل العلم بالبراء‌ة ولو بالصلح(١).

ويرد عليه: أنه إن كان قاعدة نفي الضرر معتبرة في مورد الاصل، كان دليلا، كسائر الادلة الاجتهادية الحاكمة على البراء‌ة، وإلا فلا معنى للتوقف في الواقعة وترك العمل بالبراء‌ة، ومجرد إحتمال إندراج الواقعة في قاعدة الاتلاف أو الضرر لا يوجب رفع اليد عن الاصل.

والمعلوم تعلقه بالضار فيما نحن فيه هو الاثم والتعزير إن كان متعمدا، وإلا فلا يعلم وجوب شئ عليه، فلا وجه لوجوب تحصيل العلم بالبراء‌ة ولو بالصلح.

وبالجملة، فلا يعلم وجه صحيح لما ذكره في خصوص أدلة الضرر، كما لا وجه لما ذكره في تخصيص مجرى الاصل بما إذا لم يكن جزء عبادة، بناء على أن المثبت لاجراء العبادة هو النص، لان النص قد يصير مجملا وقد لا يكون نص في المسألة.

فإن قلنا بجريان أصل عدم العبرة بالعلم بثبوت التكليف المردد بين الاقل والاكثر فلا مانع منه، وإلا فلا مقتضي له، وقد قدمنا ما عندنا في المسألة.

____________________

(١) الوافية، ص، مخطوط.

١٣٠

الصفحة ٥٣٣

[ قاعدة لا ضرر ] وحيث جرى ذكر حديث نفي الضرر والضرار ناسب بسط الكلام في ذلك في الجملة فنقول: قد إدعى فخرالدين في الايضاح، في باب الرهن، تواتر الاخبار على نفي الضرر والضرار.

فلا نتعرض من الاخبار الواردة في ذلك إلا لما هو أصح ما في الباب سندا وأوضحه دلالة.وهي الرواية المتضمنة لقصة سمرة بن جندب مع الانصاري.

وهي ما رواه غير واحد عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (إن سمرة بن جندب كان له عذق، وكان طريقه إليه في جوف منزل لرجل من الانصار، وكان يجئ إلى عذقه بغير إذن من الانصاري.

فقال الانصاري: يا سمرة ! لا تزال تفجأنا على حال لا نحب أن تفجأنا عليها، وإذا دخلت فاستأذن.

فقال: لا أستأذن في طريقي إلى عذقي.

فشكاه الانصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

فأتاه، فقال: إن فلانا قد شكاك وزعم أنك تمر عليه وعلى أهله بغير إذنه فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل.

فقال: يا رسول الله ! أستأذن في طريقي إلى عذقي؟ فقال له رسول الله " ص ": خل عنه ولك عذق في مكان كذا.

قال: لا.

قال: فلك إثنان.

فقال: لا أريد.

فجعل " ص " يزيد حتى بلغ عشر أعذق.

فقال " ص ": خل عنه ولك عشر أعذق في مكان كذا، فأبى، فقال: خل عنه ولك بها عذق في الجنة.

فقال: لا أريد.

فقال له روسول الله " ص ": إنك رجل مضار، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن.

قال عليه السلام: ثم أمر بها رسول الله " ص " فقلعت، ثم رمي بها إليه.

وقال له رسول الله " ص " إنطلق

١٣١

الصفحة ٥٣٤

فاغرسها حيث شئت)(١)، الخبر.

وفي رواية أخرى موثقة: (إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الانصار وكان منزل الانصاري بباب البستان وفي آخرها -: قال رسول الله صلى الله عليه وآله للانصاري: إذهب فاقلعها وارم بها إليه، فإنه لا ضرر ولا ضرار)(٢)، الخبر.

وأما معنى اللفظين، فقال في الصحاح: (الضر خلاف النفع.وقد ضره وضاره بمعنى.والاسم الضرر ثم قال: والضرار المضارة)(٣).

وعن النهاية الاثيرية: (في الحديث: (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام).الضر ضد النفع.

ضره يضره ضرا وضرار. وأضر به يضره إضرار. فمعنى قوله: لا ضرر: لا يضر الرجل أخاه بنقصه شيئا من حقه. والضرار فعال من الضر، أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه. والضرر فعل الواحد، والضرار فعل الاثنين، والضرر إبتداء الفعل، والضرار الجزاء عليه. وقيل: الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع أنت به. والضرار أن تضره بغير أن تنفع. وقيل: هما بمعنى. والتكرار للتأكيد)(٤) إنتهى.

وعن المصباح: (ضره يضره)، من باب قتل: إذا فعل به مكروها، وأضر به. يتعدى بنفسه ثلاثيا وبالباء رباعيا.

والاسم الضرر.

وقد يطلق على نقص في الاعيان.

وضاره مضارة وضرارا بمعنى ضره)(٥)، إنتهى.

وفي القاموس: (الضر ضد النفع، وضاره يضاره ضرارا.

ثم قال: والضرر سوء الحال ثم قال: الضرار الضيق)(٦) إنتهى.

إذا عرفت ما ذكرناه، فاعلم أن المعنى بعد تعذر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر.

بمعنى أن الشارع لم يشرع حكما يلزم منه ضرر على أحد، تلكيفيا كان أو وضعيا.

فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينتفي بالخبر.

وكذلك لزوم البيع من غير شفعة للشريك.وكذلك وجوب

____________________

(١) الكافي، ج ٥، ص ٢٩٤.

(٢) تهذيب الاحكام، ج ٧، ص ١٤٦.

(٣) الصحاح، ج ٢، ص ٧١٩.

(٤) النهاية، ج ٣، ص ٨٢.

(٥) المصباح، ج ٢، ص ٤٩٢.

(٦) القاموس، ج ٢، ص ٧٧

١٣٢

الصفحة ٥٣٥

الوضوء على من لا يجد الماء إلا بثمن كثير.وكذلك سلطنة المالك على الدخول إلى عذقه وإباحته له من دون إستيذان من الانصاري.وكذلك حرمة الترافع عند حكام الجور إذا توقف أخذ الحق عليه.ومنه براء‌ة ذمة الضار من تدارك ما أدخله من الضرر.

إذ كما أنه تشريع حكم يحدث معه الضرر منفي بالخبر، كذلك تشريع ما يبقى معه الضرر الحادث، بل يجب أن يكون الحكم المشروع في تلك الواقعة على وجه يتدارك ذلك الضرر كأن لم يحدث.

إلا أنه قد ينافي هذا قوله (لا ضرار)، بناء على أن معنى الضرار المجازاة على الضرر.

وكذا لو كان بمعنى المضارة التي هي من فعل الاثنين، لان فعل البادي منهما ضرر قد نفي بالفقرة الاولى فالضرار المنفي بالفقرة الثانية إنما يحصل بفعل الثاني.

وكأن من فسره بالجزاء على الضرر أخذه من هذا المعنى، لا على أنه معنى مستقل.

ويحتمل أن يراد من النفي النهي عن إضرار النفس أو الغير إبتداء أو مجازاة.

لكن لا بد أن يراد بالنهي زائدا على التحريم الفساد وعدم المضي، للاستدلال به في كثير من رواياته على الحكم الوضعي دون محض التكليف.فالنهي نظير الامر بالوفاء في الشروط والعقود.فكل إضرار بالنفس أو الغير محرم غير ماض على من أضره.وهذا المعنى قريب من الاول، بل راجع إليه.

والاظهر بملاحظة نفس الفقرة ونظائرها وموارد ذكرها في الروايات وفهم العلماء هو المعنى الاول.

ثم إن هذه القاعدة حاكمة على جميع المعلومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضرري، كأدلة لزوم العقود، وسلطنة الناس على أموالهم، ووجوب الوضوء على واجدإ الماء، وحرمة الترافع إلى حكام الجور، وغير ذلك.

وما يظهر من غير واحد من التعارض بين العمومات المثبتة للتكليف وهذه القاعدة، ثم ترجيح هذه، إما بعمل الاصحاب وإما بالاصول، كالبراء‌ة في مقام التكليف وغيرها في غيره، فهو خلاف ما يقتضيه التدبر في نظائرها، من أدله رفع الحرج، ورفع الخطأ والنسيان، ونفي السهو على كثير السهو، ونفي السبيل على المحسنين، ونفي قدرة العبد على شئ، ونحوها.مع أن وقوعها في مقام الامتنان يكفي في تقديمها على العمومات.

والمراد بالحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال دليل آخر من حيث إثبات حكم لشئ أو نفيه عنه.

فالاول مثل ما دل على الطهارة بالاستصحاب أو بشهادة العدلين، فإنه حاكم على ما دل على أنه لا صلاة إلا بطهور، فإنه يفيد بمدلوله اللفظي على أن ما

١٣٣

الصفحة ٥٣٦

ثبت من الاحكام للطهارة، في مثل لا صلاة إلا بطهور وغيرها، ثابت للمتطهر بالاستصحاب أو بالبينة.

والثاني مثل الامثلة المذكورة.

وأما المتعارضان فليس في أحدهما دلالة لفظية على حال الاخر من حيث العموم خصوص، وإنما يفيد حكما منافيا لحكم الاخر.

وبملاحظة تنافيهما وعدم جواز تحققهما واقعا يحكم بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما المعين إن كان الاخر أقوى منه.

فهذا الاخر الاقوى قرينة عقلية على المراد من الاخر.وليس في مدلوله اللفظي تعرض لبيان المراد منه.

ومن هنا ملاحظة الترجيح في القرينة، لان قرينيته بحكم العقل بضميمة المرجح.

أما إذا كان الدليل بمدلوله اللفظي كاشفا عن حال الاخر، فلا يحتاج إلى ملاحظة مرجح له بل هو متعين للقرينة بمدلوله له، وسيأتي لذلك توضيح في تعارض الاستحصابين، إن شاء الله تعالى.

ثم إنه يظهر مما ذكرنا من حكومة الرواية وورودها في مقام الامتنان نظير أدلة نفي الحرج والاكراه أن مصلحة الحكم الضرري المجعول بالادلة العامة لا تصلح أن تكون تداركا للضرر، حتى يقال إن الضرر يتدارك بالمصلحة العائدة إلى المتضرر وإن الضرر المقابل بمنفعة راجحة عليه ليس بمنفي، بل ليس ضررا.

توضيح الفساد: أن هذه القاعدة تدل على عدم جعل الاحكام الضررية وإختصاص ادلة الاحكام بغير موارد الضرر.

نعم لولا الحكومة ومقام الامتنان كان للتوهم المذكور مجال.

وقد يدفع: بأن العمومات الجاعلة للاحكام إنما تكشف عن المصلحة في نفس الحكم ولو في غير مورد الضرر.

وهذه المصلحة لا يتدارك بها الضرر الموجود في مورده، فإن الامر بالحج والصلاة مثلا يدل على عوض ولو مع عدم الضرر.

ففي مورد الضرر لا علم بوجود ما يقابل الضرر.

وهذا الدفع أشنع من أصل التوهم، لانه إن سلم عموم الامر بصورة الضرر كشف عن وجود مصلحة يتدارك بها الضرر في هذا المورد.

مع أنه يكفي حينئذ في تدارك الضرر الاجر المستفاد من قوله صلى الله عليه وآله: (أفضل الاعمال أحمزها)(١)، وما اشتهر في الالسن وارتكز في العقول من: (أن الاجر على قدر المشقة)، فالتحقيق في دفع التوهم المذكور ما ذكرناه من (الحكومة) و (الورود) في مقام الامتنان.

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكم ٢٤٩: (أفضل الاعمال ما أكرهت نفسك عليه).

١٣٤

الصفحة ٥٣٧

ثم إنك قد عرفت بما ذكرنا أنه لا قصور في القاعدة المذكورة من حيث مدركها سندا أو دلالة.

إلا أن الذي يوهن فيها هي كثيرة التخصيصات فيها بحيث يكون الخارج منها أضعاف الباقي.كما لا يخفى على المتتبع.

خصوصا على تفسير الضرر بإدخال المكروه، كما تقدم، بل لوبني عى العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد.

ومع ذلك فقد إستقرت سيرة الفريقين على الاستدلال بها في مقابل العمومات المثبتة للاحكام وعدم رفع اليد عنها إلا بمخصص قوي في غاية الاعتبار، بحيث يعلم منهم إنحصار مدرك الحكم في عموم هذه القاعدة.

ولعل هذا كاف في جبر الوهن المذكور وإن كان في كفايته نظر، بناء على أن لزوم تخصيص الاكثر على تقدير العموم قرينة على إرادة معنى لا يلزم منه ذلك.

غاية الامر تردد بين العموم وإرادة ذلك المعنى، وإستدلال العلماء لا يصلح معينا خصوصا لهذا المعنى المرجوح المنافي لمقام الامتنان وضرب القاعدة إلا أن يقال مضافا إلى منع أكثرية الخارج وإن سلمت كثرته -: إن الموارد الكثيرة الخارجة عن العام إنما خرجت بعنوان واحد جامع لها وإن لم نعرفه على وجه التفصيل.

وقد تقرر أن تخصيص الاكثر لا إستهجان فيه إذا كان بعنوان واحد جامع لافراد هي أكثر من الباقي.

كما إذا قيل: (أكرم الناس)، ودل دليل على إعتبار العدالة، خصوصا إذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب.ومن هنا ظهر وجه صحة التمسك بكثير من العمومات مع خروج أكثر أفرادها.

كما في قوله عليه السلام: (المؤمنون عن شروطهم)(١) وقوله تعالى: (أوفوا بالعقود)(٢)، بناء على إرادة العهود، كما في الصحيح.

ثم إنه يشكل الامر من حيث أن ظاهرهم في الضرر المنفي الضرر النوعي لا الشخصي، فحكموا بشرعية الخيار للمغبون نظرا إلى ملاحظة نوع البيع المغبون وإن فرض عدم تضرره في خصوص مقام.

كما إذا لم يوجد راغب في المبيع وكان بقاؤه ضررا على البائع، لكونه في معرض الاباق أو التلف أو الغصب.

وكما إذا لم يترتب على ترك الشفعة ضرر على الشفيع، بل كان له فيه نفع.

وبالجملة، فالضرر عندهم في بعض الاحكام حكمة لا يعتبر إطرادها، وفي بعض المقامات يعتبرون إطرادها، مع أن ظاهر الرواية إعتبار الضرر الشخصي، إلا أن يستظهر منها إنتفاء الحكم

____________________

(١) الكافي (الفروع)، ج ٥، ص ٤٠٤ وسائل الشيعة، ج ٦ ص ٣٢٥.

(٢) المائدة: ١

١٣٥

الصفحة ٥٣٨

رأسا إذا كان موجبا للضرر غالبا وإن لم يوجب دائما، كما قد يدعى نظير ذلك في أدلة نفي الحرج.

ولو قلنا بأن التسلط على ملك الغير بإخراجه عن ملكه قهرا عليه بخيار أو شفعة ضرر أيضا، صار الامر أشكل.

إلا أن يقال: إن الضرر أوجب وقوع العقد على وجه متزلزل يدخل فيه الخيار، فتأمل.

ثم إنه قد يتعارض الضرران بالنسبة إلى شخص واحد أو شخصين، فمع فقد المرجح يرجع إلى الاصول والقواعد الاخر.

كما أنه إذا أكره على الولاية من قبل الجائر المستلزمة للاضرار على الناس، فإنه يرجع إلى قاعدة نفي الحرج، لا إلزام الشخص تحمل الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج.وقد ذكرنا توضيح ذلك في مسألة التولي من قبل الجائر من كتاب المكاسب.

ومثله: إذا كان تصرف المالك في ملكه موجبا لتضرر جاره وتركه موجبا لتضرر نفسه، فإنه يرجع إلى عموم: (الناس مسلطون على أموالهم)(١)، ولو عد مطلق حجره عن التصرف في ملكه ضررا، لم يعتبر في ترجيح المالك ضرر زائد على ترك التصرف فيه، فيرجع إلى عموم التسلط.

ويمكن الرجوع إلى قاعدة نفي الحرج، لان منع المالك لدفع الضرر الغير حرج وضيق عليه، إما لحكومته إبتداء على نفي الضرر وإما لتعارضهما والرجوع إلى الاصل.

ولعل هذا أو بعضه منشأ إطلاق جماعة وتصريح آخرين بجواز تصرف المالك في ملكه وإن تضرر الجار: بأن يبني داره مدبغة أو حماما أو بيت القصارة أو الحدادة بل حكي عن الشيخ والحلبي وإبن زهرة دعوى الوفاق عليه.

ولعله أيضا منشأ ما في التذكرة من: (الفرق بين تصرف الانسان في الشارع المباح بإخراج روشن أو جناح وبين تصرفه في ملكه) حيث اعتبر في الاول عدم تضرر الجار بخلاف الثاني، فإن المنع من التصرف في المباح لا يعد ضررا بل فوات إنتفاع.

نعم ناقش في ذلك صاحب الكفاية - مع الاعتراف بأنه المعروف بين الاصحاب بمعارضة عموم التسلط لعموم نفي الضرر، قال في الكفاية: (ويشكل جواز ذلك فيما إذا تضرر الجار تضررا فاحشا.

كما إذا حفر في ملكه بالوعة ففسد بها بئر الغير، أو جعل حانوته في صف العطارين حانوت حداد، أو جعل داره مدبغة أو مطبخة)(٣)، إنتهى.

واعترض عليه تبعا للرياض بما حاصله: (إنه لا معنى للتأمل بعد إطباق

____________________

(١) عوالي اللئالي، ج ٣، ص ٢٠٨.

(٢) تذكرة الفقهاء، ج ٢، ص ١٨٢.

(٣) كفاية الاحكام، ص ٢٤١.

١٣٦

الصفحة ٥٣٩

الاصحاب نقلا وتحصيلا والخبر المعمول عليه بل المتواتر من: (أن الناس مسلطون على أموالهم)، وأخبار الاضرار على ضعف بعضها وعدم تكافؤها لتلك الادلة محمولة على ما إذا لم يكن له غرض إلا الاضرار، بل فيها كخبر سمرة إيماء إلى ذلك.

سلمنا، لكن التعارض بين الخبرين بالعموم من وجه، والترجيح للمشهور للاصل والاجماع)(١)، إنتهى.

ثم فصل المعترض بين أقسام التصرف بأنه إن قصد به الاضرار من دون ان يترتب عليه جلب نفع أو دفع ضرر، فلا ريب في أنه يمنع.

كما دل عليه خبر سمرة بن جندب، حيث قال له النبي صلى الله عليه وآله: (إنك رجل مضار) وإذا ترتب عليه نفع أو دفع ضرر وعلى جاره ضرر يسير، فإنه جائز قطعا.وعليه بنوا جواز رفع الجدار على سطح الجار.وأما إذا كان ضرر الجار كثيرا يتحمل عادة، فإنه جائز على كراهية شديدة.وعليه بنوا كراهة التولي من قبل الجائز لدفع ضرر يصيبه.وأما إذا كان ضرر الجار كثيرا لا يتحمل عادة لنفع يصيبه، فإنه لا يجوز له ذلك.وعليه بنوا حرمة الاحتكار في مثل ذلك.وعليه بنى جماعة كالفاضل في التحرير والشهيد في اللمعة الضمان إذا أجج نارا بقدر حاجته مع ظنه التعدي إلى الغير.

وأما إذا كان ضرره كثيرا وضرر جاره كذلك، فإنه يجوز له دفع ضرره وإن تضرر جاره أو أخوه المسلم.

وعليه بنوا جواز الولاية من قبل الجائر إلى أن قال والحاصل: أن أخبار الاضرار فيما يعد إضرار معتدا به عرفا، والحال أنه لا ضرر بذلك على المضر، لان الضرر لا يزال بالضرر)(٢)، إنتهى.

أقول: الاوفق بالقواعد تقديم المالك، لان حجر المالك عن التصرف في ماله ضرر يعارض ضرر الغير، فيرجع إلى عموم قاعدة السلطنة ونفي الحرج، نعم في الصورة الاولى التي يقصد المالك مجرد الاضرار من غير غرض في التصرف يعتد به لا يعد فواته ضررا.

والظاهر عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرف أشد من ضرر الغير أو أقل، إما لعدم ثبوت الترجيح بقلة الضرر كما سيجئ، وإما لحكومة نفي الحرج على نفي الضرر.

فإن تحمل الغير على الضرر ولو يسيرا، لاجل دفع الضرر عن الغير ولو كثيرا، حرج وضيق.

ولذا إتفقوا على أنه يجوز للمكره الاضرار على الغير بما دون

١٣٧

الصفحة ٥٤٠

القتل، دفع الضرر عن نفسه، ولو كان أقل من ضرر الغير.هذا كله في تعارض ضرر المالك و ضرر الغير.

وأما في غير ذلك فهل يرجع إبتداء إلى القواعد الاخر أو بعد الترجيح بقلة الضرر؟ وجهان بل قولان.

يظهر الترجيح من بعض الكلمات المحكية عن التذكرة وبعض موارد الدروس ورجحه غير واحد من المعاصرين.

ويمكن أن ينزل عليه ما عن المشهور، من أنه لو أدخلت الدابة رأسها في القدر بغير تفريط من أحد المالكين كسر القدر وضمن قيمته صاحب الدابة، معللا بأن الكسر لمصلحته، فيحمل إطلاق كلامهم على الغالب، من أن ما يدخل من الضرر على مالك الدابة، إذا حكم عليه بتلف الدابة وأخذ قيمتها، أكثر مما يدخل على صاحب القدر بتلفه وأخذ قيمته.

وبعبارة أخرى: تلف إحدى العينين وتبدلها بالقيمة أهون من تلف الاخرى.

وحينئذ فلا يبقى مجال للاعتراض على تعليل الحكم بكونه لمصلحة صاحب الدابة، بما في المسالك من (أنه قد يكون المصلحة لصاحب القدر فقط يكون المصلحة مشتركة بينها).

وكذلك حكمهم بضمان صاحب الدابة إذا دخلت في دار لا تخرج إلا بهدمها، معللا بأنه لمصلحة صاحب الدابة.

فإن الغالب أن تدارك المهدوم أهون من تدراك الدابة.

والله العالم.

قد تمت الكتاب بعون الملك الوهاب وباعانة جناب المستطاب ميرزا محمد هادي سلمه الله طالقاني الاصل وطهراني المسكن بيد أقل الطلاب [..] تحريرا في شهر ذي حجة الحرام سنة ١٢٦٧.

[ وقد كتب المصنف، عليه الرحمة، في الهامش: ](بسم الله الرحمن الرحيم) (قد قوبل بنسخة صححها بيده الجانية العبد الاحقر مرتضى الانصاري) [ وفي أدناه نقش خاتمة الشريف: ] (لا إله إلا الله الملك الحق المبين، عبده مرتضى الانصاري)

١٣٨

الصفحة ٥٤١

المقام الثاني في الاستصحاب وهو، لغة، أخذ الشئ مصاحبا.

ومنه: إستصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة.

وعند الاصوليين عرف بتعاريف، أسدها وأخضرها: (إبقاء ما كان).

والمراد بالابقاء الحكم بالبقاء.ودخل الوصف في الموضوع مشعر بعليته للحكم.

فعلة الابقاء هو أنه كان، فيخرج إبقاء الحكم لاجل وجود علته او دليله.

وإلى ما ذكرنا يرجع تعريفه في الزبدة ب‍ (أنه إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الاول)(١).

بل نسبه شارح الدروس إلى القوم، فقال: (إن القوم ذكروا أن الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه)(٢).

وأزيف التعاريف تعريفه ب‍ (أنه كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الان السابق مشكوك البقاء في الان اللاحق)(٣).

إذ لا يخفى أن كون حكم أو وصف كذلك هو محقق مورد الاستصحاب ومحله، لا نفسه.

ولذا صرح في المعالم كما عن غاية المأمول ب‍ (أن أستصحاب الحال، محله أن يثبت حكم في وقت ثم يجئ وقت آخر ولا يقوم دليل على إنتفاء ذلك الحكم، فهل يحكم ببقائه على ما كان، وهو الاستصحاب)(٤)، إنتهى.

ويمكن توجيه التعريف المذكور: بأن المحدود هو الاستصحاب المعدود من الادلة.

وليس الدليل إلا ما أفاد العلم أو الظن بالحكم، والمفيد للظن الحكم في الان اللاحق ليس إلا

____________________

(١) زبدة الاصول، ص ٧٢.

(٢) مشارق الشموس في شرح الدروس، ص ٧٦.

(٣) القوانين المحكمة، ص ٢٧٥.

(٤) معالم الدين، ص ٢٣١

١٣٩

الصفحة ٥٤٢

كونه يقيني الحصول في الان السابق مشكوك البقاء في الان ا للاحق، فلا مناص عن تعريف الاستصحاب المعدود من الامارات إلا بما ذكره، قدس سره.

لكن فيه: أن الاستصحاب كما صرح به هو، قدس سره، في أول كتابه -: (إن أخد من العقل كان داخلا في الدليل العقلي، وإن أخذ من الاخبار فيدخل في السنة)(١).

وعلى كل تقدير فلا يستقيم تعريفه بما ذكره، لان دليل العقل هو حكم عقلي يتوصل به إلى حكم شرعي.

وليس هنا إلا حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان.

والمأخوذ من السنة ليس إلا وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان، فكون الشئ معلوما سابقا مشكوكا فيه لا ينطبق على الاستصحاب بأحد الوجهين.

نعم ذكر المختصر: (أن معنى إستصحاب الحال أن الحكم الفلاني قد كان ولم يظن عدمه، وكل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء)(٢).

فإن كان الحد هو خصوص الصغرى على التعريف المذكور، وإن جعل خصوص الكبرى إنطبق على تعاريف المشهور.

وكأن صاحب الوافية إستظهر منه كون التعريف مجموع المقدمتين، فوافقه في ذلك، فقال: (إن الاستصحاب هو التمسك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت أو في غير تلك الحال، فيقال: إن الامر الفلاني قد كان ولم يعلم عدمه، وكل ما كان كذلك فهو باق)(٣)، إنتهى.ولا ثمرة مهمة في ذلك.

____________________

(١) القوانين المحكمة، ج ٢ ص ١٣.

(٢) شرح مختصر الاصول، ج ٢، ص ٢٨٤.

(٣) الوافية، ص مخطوط

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156