القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 359375 / تحميل: 10429
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

عن ثبوته عليه.

ثم إنه يحتمل أن تكون الرواية مخصوصة بإثبات عهدة العين إلى غاية الاداء من دون تعرض لحكم صورة التلف، وثمرة إثبات العهدة لزوم أدائها.

فإن قلت: إنه لا معنى حينئذ لجعل الاداء غاية لوجوب الاداء، لانه من توضيح الواضح، لثبوت كل شئ إلى أن يرتفع، وثبوت كل حكم إلى أن يمتثل.

قلت: القضية غير مسوقة بمدلولها المطابقي لوجوب الاداء حتى تكون الغاية ثابتة له، بل إنما مدلولها المطابقي هو: الحكم بثبوت العين في العهدة، وسيقت الغاية غاية لهذا الثبوت، ولايخفى أن ارتفاع ثبوت العين فيها بالاداء، ليس من الواضحات ولا مما حكم به العقل، إذ من الممكن ثبوتها فيها على وجه الدوام غير ممتد إلى غاية، إلا أنه حكم الشرع الشريف بارتفاعه عند الاداء.

ولازم هذا الوجه ; أنه لوتلفت العين ; فالعهدة باقية إلى يوم القيامة ولا تسقط بشئ لانحصار الغاية المجعولة في الاداء وإن قلنا بلزوم أداء المثل والقيمة لو قام عليه دليل، إذ الرواية حينئذ ساكتة عن حكم صورة التلف.

لكن الانصاف: أن اللوازم المذكورة مما لا يلتزم به الفقيه، لوضوح إمكان تفريغ العهدة عند الفقهاء، وأنه لامستند لهم في تضمين المثل والقيمة في كثير من الموارد إلا الحديث المذكور بل ترى منهم أنهم استفادوا منه خصوص صورة التلف، فتدبر.

ويحتمل أن تكون مخصوص العين بمرتبتها الشخصية، بل تعمها بجميع مراتبها، الاقرب فالاقرب، والامثل فالامثل، فتكون الرواية بمدلولها المطابقي دالة على ثبوت المراتب في العهدة، وهذا هو المناسب لكلمات الاصحاب، والاعتماد

٢١

عليها لحكم صورة التلف في أغلب الابواب ولباب التضمين ; ويشهد له أن العرف لايعدون مالية المال أمرا مباينا عنه، بل النظر الاصلي في مهم الاموال على ماليتها، وإن كانت لشخصيتها أيضا مدخلية في أغراضهم الخاصة، فيكون توضيح معناها ; ان العين بجميع مراتبها ثابتة في العهدة حتى يؤديها إلى ربها، فإذا أداها إليه فرغت العهدة بمقداره، فإن كان المؤدى عينا حصل الفراغ التام، وإن كان المثل أو القيمة فقد فرغت عن المالية وبقيت مشغولة لشخصية المال، لانها أيضا كانت مثبوتة فيه ولها دخل في الاغراض.

ثم إن الفراغ عن المالية أيضا يختلف بحسب أداء الفرد من النوع أو الجنس أو المساوي في القيمة ; وعليه فلا حاجة في الحكم بوجوب أداء المثل والقيمة، بل ولا في تقديم المثل على القيمة: إلى التماس دليل من خارج، وهذا هو فارق بين هذا الوجه والوجه السابق.

فإن قلت: فعلى هذا صح أداء المثل والقيمة بحكم الرواية مع وجود العين ويحصل معه الخروج عن عهدة المالية ولاينبغي أن يتفوه به أحد.

قلت: ليس ثبوت مراتب العين على نحو واحد، بل ولا عن سبب واحد، بل المقصود أن المفهوم من الرواية ; كون العين بواسطة الاخذ بإذنه بجميع مراتبها في العهدة على نحو التعدد المطلوبي.

فنفس الاخذ سبب لثبوت العين ويترتب عليه وجوب أدائها، وهو مع التلف سبب لثبوت المثل فيها، وهما مع تعذر أداء المثل سبب لثبوت القيمة فيها.

إلا أن الانصاف، أن الالتزام بتعدد السبب مشكل، إذ الرواية غير متعرضة إلا لاثبات ماتسبب عن الاخذ دون ما تسبب عنه شئ آخر.

٢٢

فالوجه أن يقال: إن السبب واحد وهو نفس الاخذ، وإنما يتسبب عنه أمور مترتبة في الوجود، نظير الملكية الحاصلة لمراتب الموقوف عليهم على الترتيب بالجعل الاولي من المالك، بل وأمر المقام أوجه منها ; لان المراتب حاصلة بنفس الحصول الاولي على نحو من الحصول.

غاية الامر أن اختصاص الاداء إنما يحصل بعد تعذر المراتب الفوقانية وهذا كله واضح للمتدبر العارف بوجوه المعاني أو صروف الكلام.

فإن قلت: إن التي تشتمل عليها العين من الحصة أو المالية فهي مقيدة بها متعذر أداؤها بتعذر أدائها، وأما الحصة الاخرى والمالية المطلقة الموجودة في فرد آخر، فثبوتها ووجوب أدائها يحتاج إلى دليل آخر لمغايرتها لما هي الثابتة بثبوت العين.

قلت: لو سلمنا المغايرة عند التدقيق العقلي، فلا يخفى عدمها عند العرف كما عرفت، ومن أن نظرهم الاصلي إلى المالية المطلقة، لاخصوص ماهي القائمة منها بالعين، والرواية مسوقة لاثبات العين مع مراتبها المحكومة في العرف أنها من مراتبها في العهدة، هذا كله.ولكن الانصاف أن هذا الوجه أيضا لا يخلو عن تعسف.

ويحتمل أن تكون مخصوصة بحسب الدلالة المطابقية بعهدة العين، ودلت على وجوب أداء المثل والقيمة بالالتزام العرفي، إذ عهدة الشئ يلازم عندهم لوجوب أداء العين مع بقائه، والمثل عند تلفه.فالغاية إنما سيقت لعهدة العين فقط.

لايقال: لو عمت العهدة صورة التلف فلا يعقل أن يكون الاداء غاية لها، إذ

٢٣

يعتبر فيها إمكان حصولها ويمتنع الاداء مع التلف: لانا نقول: الغاية إنما تصح في مابقي فيه الموضوع، وأما مع ارتفاعه فلاتختص بدلالة الاقتضاء بصورة بقاء العين.ثم مع أن فرض التلف قد عرفت أنه ليس في حقيقة العهدة، بل إنما هو من لوازم العهدة.هذا، ولكن يرد على هذا الوجه لو سلمنا الملازمة العرفية أن مقتضاه ثبوت وجوب أداء المثل والقيمة من دليل خارج، وهذا خلاف ماعليه طريقة الاصحاب من الاعتماد بالحديث لوجوب أداء المثل والقيمة.

إلا أن يقال: إنه بعد ماثبت أن الحكم من لوازم الموضوع عرفا، فإثبات الموضوع جعلا أو إمضاء إثبات لحكمه كذلك، فتدبر.هذا كله في الوجوه المحتملة وقد عرفت أن خيرها أخيرها ثم أوسطها.ثم إنه ينبغي التنبيه على أمور راجعة إلى حال الاخذ والآخذ والمأخوذ، وأما المأخوذ منه فلا تتفاوت فيه الحالات والصفات إلا من جهة الاسلام والكفر، فإن المعتبر فيه أن يكون مسلما أو من بحكمه من أولى الذمة، وأما مال الحربي بشروطه فهو مما ينتقل إلى صاحب اليد بالاخذ على الوجه المقرر في محله.أما ما يرجع إلى الاخذ فأمور.

الاول: قد يتوهم اختصاص الاخذ بالعدوان والقهر بحسب الاستعمالات العرفية كما يدعى ظهوره فيه بالتتبع في مواردها وعليه ; فيختص مورد التضمين بالغصب وهو فاسد لعموم الوضع وعدم حصول النقل العرفي ولا الانصراف المعتدبه.

٢٤

نعم في بعض المقامات لخصوصية المقام يستفاد العدوان والقهر، وعليه ; فتكون قاعدة اليد أعم من الغصب، بل وهو كذلك قطعا لان مدار رحى(١) باب الضمانات يدور غالبا عليها فيدخل المقبوض بالسوم(٢) والمقبوض بالعقود الفاسدة مجانية كانت أو معوضة، بل وجميع الايدي المأذونة بالاذن الشرعي، بل والمالكي في وجه كما سيجئ إن شاء الله.

ومنه يد الغاصب بعد إذن المالك وغيرها، وهذا واضح للمتدبر والمتتبع في باب الضمانات.

الثاني: قد عرفت عدم اعتبار عنوان القهر على المالك، وهل يعتبر القصد أم لا؟ فنقول: أما القصد إلى عنوان أنه مال الغير فغير معتبر قطعا، لصدق أخذ مال الغير بدونه، وعدم مدخلية القصد والعلم في الحكم الوضعي، فيعم الاخذ السهوي والنسياني والخطائي.

نعم قد يقال: يعتبر القصد إلى عنوان الاخذ، فلو لم يكن قاصدا عنوانه لم يحكم بالعهدة لظهور إرشاد العقل في كونه مقصودا، بل وكونه اختياريا، فلو كان على وجه الاضطرار لم يؤثر، وضعفه واضح لمنع اعتبار القصد والاختيار في نسبة العقل، نعم لو كان الاضطرار بحيث لا يصدق الاستيلاء العرفي أمكن منع التضمين - كما سيأتي إن شاء الله من أن المفهوم هو الاستيلاء العرفي، وعلى هذا فيشمل القاعدة بحكم عموم الخبر فلاخذ المجنون والصغير والمضطر ما لم يبلغ إلى ذلك الحد المشار إليه، بل وربما يمكن دعوى شمولها لمثل يد النائم ولكن لم أجد في كتب الاصحاب في مسألة ضمان النائم من حيث التلف السماوي تصريحا بل

___________________

١ - " الرحى " بفتح الراء والالف المقصورة، الدائرة التي تطحن الحب.

٢ - سام - سوما وسواما - السلعة: عرضها وذكر ثمنها.

٢٥

ولا تلويحا إلا من بعض الطبقة الثالثة(١) في مطاوي كلمات عناوينه، حيث يستفاد منه القبول ; ومن الشيخ في بعض أبواب جواهره حيث يستشم منه المنع.وربما يقرب القبول بعد ما عرفت من عدم اعتبار القصد والاختيار في صدق الاخذ، أن الظاهر عدم الريب عندهم في ضمان ما أتلفه النائم، وليس المدرك فيه إلا عموم قوله: من أتلف، فإذا صدق الاتلاف منه فليصدق الاخذ، هذا مع أنه يمكن دعوى القصد منه ولو من وجه فتدبر، والمسألة محل إشكال.

الثالث: وهل تختص الرواية بالاخذ الحدوثي أو تعمه والاستمراري، فلو كان على غير وجه الضمان من أول الامر، كما لو كان مالا لذي اليد، ثم إنه انتقل بالاسباب القهرية كحلول الحول في الزكاة، أو الاختيارية، أو كان مال الغير ولم يكن مضمونا بأن يكون وديعة أو غيرها ; فيحكم بالعهدة وجهان.والذي يقتضيه النظر هو الاخير.

وتوضيح ذلك ; أنه لا ريب أن الاخذ بخصوص الجارحة المخصوصة وهي اليد ليس له خصوصية، بل نقطع بعدم اعتباره، بل وكذلك الاخذ بمطلق الجوارح، فلابد من الخروج عن الظاهر البدوي ; إما بالتزام أو مجاز مرسل، وحينئذ فقد يتوهم أنه كناية عن الاستيلاء المطلق وهو ضعيف، لانه مع عدم كونه أقرب إلى المعنى الحقيقي ; مستلزم لان يكون كل على التصرف ضامنا كالسلطان القادر على التصرف في ما بأيدي رعاياه، وكالقوي القادر على ما في أيدي الضعفاء وهو بديهي البطلان، مخالف للاجماع بل الضرورة، بل التحقيق أنه كناية عن التسلط الفعلي الصادق عليه الاخذ عرفا، وهو يختلف باختلاف المقامات، فقد يحتاج إلى

___________________

١ - المراد هو متأخري المتأخرين.

٢٦

التقليب والتحريك وقد لايحتاج إليه نظير القبض المختلف في المنقولات وغيرها، وهذا ليس اختلافا في معنى الاخذ والقبض، بل لهما حقيقتان وجدانيتان، وإنما الاختلاف بحسب خصوصيات المقام، فالمال المطروح في صندوقه الذي بيده مفتاحه ; مقبوض ومأخوذ بلا تحريك، بل ولا قصد مثل المطروح في جيبه، وأما المطروح في الصحراء مثلا فيحتاج في صدق الاخذ عليه غالبا إلى نحو من التقليب والتحريك، ولا يكفي فيه القصد فضلا عن عدمهما، وقد يكفي ف يه القصد ولا يحتاج إلى تحريك وتقليب، فالاوجه إحالة المصاديق إلى العرف، فإن ضبطها على الوجه الكلي متعسر بل متعذر.والميزان هو ما عرفت من صدق الاستيلاء الفعلي.

إذا عرفت هذا، فنقول: قد يتوهم ظهور الاخذ في الحدوثي من جهة أن الماضي بهيئته ظاهر فيه، وهو ممنوع، ولو سلمناه فهو ظهور بدوي لا اعتداد به بعد ما يستفاد من الحديث ومن سائي الاخبار المتفرقة في الابواب ; في أن المناط في التضمين هو الاستيلاء على مال الغير.

والانصاف ; أن هذا الظهور كظهور كون الاخذ على وجه العدوان لو سلمناه في بعض المقامات، فإنما هو لخصوصيات فيها.فالمرجع في المقام هو العموم يعني الحكم بتضمين مطلق الاخذ، عدوانيا كان أو غيره، حدوثيا أو استمراريا بمقتضى الظهور الوضعي بعد منع الانصراف، نعم قد يقال: إن في الاستيلاء الاستمراري يعتبر القصد إلى الاستمرار لعدم صدق الاخذ مع عدمه، إذ يعتبر فيه بحسب تفاهم العرف جهة اتصال إلى المالك وفيه تأمل، لاختلاف الاستمرار بحسب المقامات، فما كان في حدوثه لايحتاج إلى القصد كالمقبوض

٢٧

باليد ; لايحتاج إليه في الاستمرار، إذ الاخذ أمر مستمر على الفرض، وإنما المعتبر هو عنوان كونه ماله أو مال الغير وهو غير محتاج إلى القصد حاصل في نفسه، وأما انتساب الاخذ إليه كما هو ظاهر الخبر فهو أيضا حاصل بدون القصد، وإن قلنا بأن نسبة الفعل ظاهر في الاختيار، إذ الاستمرار تابع للحدوث فتأمل.والحاصل أن حال الاخذ في الحدوث والاستمرار واحد، وإن اختلف بحسب موارد صدقه.ثم إن ما ذكرناه من شمول اليد للاستمرار والحدوث مما اتفقت عليه كلمة الاصحاب في مطاوي الابواب، فإن بناء‌هم في أبواب الامانات كلية على أن الامين إذا تعدى أو فرط يضمن وإن لم يكن التلف مستندا إلى فعله، بل إلى الآفة السماوية، بل ويضمنون الودعي بمجرد قصد الخيانة لزوال أمانته به.

إلا أن يقال: إن الاخذ كما سيأتي يقتضي الضمان حتى في الامناء، وإنما خرجت بالدليل، فإذا زال المانع وهو الامانة فلا مانع من تأثير الاخذ الاولي، وهذا بخلاف ما إذا كان المال أولا مال الآخذ به فإن أخذ مال الغير يقتضي الضمان لامال نفسه، وفيه مع ما يجئ من منع الاقتضاء على وجه العموم أولا، وعدم معنى لتأثير الاخذ الاولي ثانيا كما لايخفى، إن حكمهم بضمان قيمة يوم الخيانة أو يوم التلف ينافي أن يكون المؤثر هو الاخذ الحدوثي فتدبر، ومن هنا يمكن تطبيق حكمهم بأن تلف المبيع، بل وكل مقبوض قبل القبض من مال بائعه على القاعدة من وجه، وإن كان ينافيه التضمين بخصوص الثمن فتأمل.هذا في حال الاخذ، وأما ما رجع إلى الآخذ فأمور:

الاول: لا إشكال في شمول الخبر لاخذ من لم يكن مأذونا من المالك، ولم يقع الاخذ برضاه، وإنما الكلام والاشكال في مقامين:

الاول: أنه هل يعم المأذون أيضا

٢٨

فيكون خروج ماخرج من الايدي المأذونة من باب التخصيص أو لايعمه؟ والثاني: أن الخارج تخصيصا أو تخصصا مطلق اليد المأذونة، بل وما كانت برضا المالك كالاخذ بشاهد الحال ونحوه أو خصوص الامين.

أما المقام الاول ; فمقتضى ظاهر قالب ألفاظ الخبر في نفسه كما عرفت هو الشمول لجميع الايادي.

لكن يمكن أن يقال: إنه لا يشمل مثل يد الامين، وتوضيح ذلك يحتاج إلى بسط في الكلام فنقول: قد يدعى أن أيدي الامناء منزلة منزلة يد المالك، فإن حقيقة الاستيمان استنابة عن المالك ومعه فخروج الامناء يساوق خروج المالك في أنه خروج موضوعي، إلا أن الدعوى المذكورة لاشاهد لها الفقد الدليل العام الدال على التنزيل وما ثبت من الاستنابة، فإنما هي في خصوص الحفظ وما عنه من التقليب والتحريك، مع أنها لو سلمناها فإنما هي مختصة بمثل يد الوكيل والودعي، وأما سائر الامناء كالمستأجر والمستعير وغيرهما فدعوى الاستنابة فيها ساقطة جدا، والحاصل أن في اغلب الموارد ليست حقيقة الاستيمان استنابة، ولم يدل دليل شرعي أو عقلي من خارج أيضا على التنزيل.

فالاوجه، أن يقال: إن إطلاق الرواية منصرف إلى غير الامين.

والسر فيه أن أسباب الانصراف كثيرة ومن جملتها المناسبات الحكمية، فإن مناط الحكم وإن كان ظنيا ; قد يوجب الانصراف كما عليه بنائهم في كثير من الموارد ومنها: اعتبار الملاقات، ونجاسة الماء القليل مع إطلاق مفهوم قولهعليه‌السلام " إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شئ "(١) وعلى هذا فيمكن دعوى أن المناط في تضمين الآخذ لمال

___________________

١ - الوسائل: ج ١، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق، الحديث: ١ وغيره.

٢٩

الغير، ولو بالتلف السماوي، إما مراعاة عدم وقوع الضرر على المالكين من جهة أنه لو انحصر المضمن في الاتلاف والتعدي لكان طريق إثبات الاتلاف والتعدي مسدودا غالبا، لصعوبة إثباتهما، وإما من جهة مال المسلم وأن وقوع اليد عليه يوجب الغرامة صيانة لماله وكلا الوجهين لا يأتيان في أيدى الامناء إذ بعد تسليط المالك الغير على ماله على وجه الاطمينان به كما هو مفاد الاستيمان لا وجه للملاحظتين لانه المسلط غيره على ماله.

وإن شئت توضيح ذلك بوجه أمتن، فنقول: إذا فرض تسليط المالك غيره على ماله على عنوان الاطمينان به كما عليه بناء العقود الاستيمانية فإن القبض فيها على هذا العنوان وإن كان للتغير محل لايثق به المالك فالاطمينان المذكور وإن كان لايقتضى إلا الفراغ عن جهة التعدي والتفريط إلا أن إعطاء‌ه على هذا الوجه يلازم عرفا لرفع اليد عن نفس تلفه أي عن جهة احترام ماله من حيث التلف السماوي إذ لا معنى لرفع التعدي والتفريط بملاحظة الاطمينان مع كون التلف ولو بدونهما مضمنا إذ عليه فهو ضامن على كل تقدير، فلاثمرة في الملاحظة المذكورة، فهي إنما تنفع بعد رفع اليد عن الجهات الاخر.

وربما يشهد لهذا المعنى الاخبار الواردة في أبواب الاستيمان وتعليلاتها، مثل ما رواه محمد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سأته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا(١) فإن نفي الغرم عن المستبضع على الاطلاق وتعليله بأنه أمين إما أن يشمل التغريم مطلقا ولو من جهة التلف السماوي كما هو فرض السؤال، أو يختص بدعوى التعدى والتفريط، كما هو المناسب للتعليل فيكون

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ١ من أبواب أحكام العارية، الحديث: ٨.

٣٠

عدم الضمان من جهة التلف السماوي مفروغا عنه بين السائل والمسؤول عنهعليه‌السلام من حيث إن من المركوزات عند العقلاء أن الاستبضاع ونحوه من الاستيمانات، ليس فيها اقتضاء من جهة التلف.

ومثل قولهعليه‌السلام : ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته.(١) فإن النهي عن الاتهام لا يناسب مع كون التلف مضمنا، فدل على أن عدم الضمان بالتلف أمر لا حاجة إلى بيانه لفراغ العقلاء عنه بعد الاستيمان.

ومثل قولهعليه‌السلام : في مكاتبة القاساني بعد السوال عن رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا أو غير ذلك، فاشتراه فسرق أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع من مال الآمر أو من مال المأمور؟ فكتبعليه‌السلام : من مال الآمر.(٢) فإن الظاهر منه أن الامر والتسليط ينافي التطمين.ومثل قولهعليه‌السلام -: صاحب الوديعة والعارية مؤتمن.(٣) بالتقريب المتقدم.إلى غير ذلك من الاخبار التي تشهد له بالتقريبات المتقدمة مما قدمناها.

هذا تمام ما يمكن في توجيه دعوى الانصراف في الحديث الشريف للمناسبة الحكمية، تارة بالرجوع إلى الوجدان، وأخرى باستكشافها من كلمات من علمهم الله جل جلاله الحكمة والبيان ونزل عليهم القرآن والفرقان، عليهم صلوات الله الملك المنان.

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة، الحديث: ١٠.

٢ - المصدر نفسه: الباب ٣٠ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ١٥.

٣ - المصدر نفسه: الباب ١ من أبواب احكام العارية، الحديث: ٦.

٣١

ولكن الانصاف، أن النفس بعد في تزلزل من ذلك إذ نعلم مناط اقتضاء اليد على مال الغير، أن يكون عليه تلفه حتى يدعى انتفاؤه في الامين، إذ من الممكن، أن يكون الوجه أمرا ساريا في جميع الايادي، ومجرد الستنباط مناط لم يعلم كونه مظنونا فضلا عن كونه معلوما لا يوجب صرف الاطلاق بعد احراز كونه في مقام البيان، لان الانصراف في قوة التقييد بل هو تقييد لبي لا يصار إليه إلا بعد ثبوت المقيد على الوجه المعتب ولا يكفي الاحتمال فيه.

وأما الاخبار الواردة، فممنوعة، بشهادتها على التقييد اللبي، سواء كان نفي الضمان المسبب عن التلف السماوي مدلوله التضمني أو الالتزامي، أو لعله من جهة مفروغيته من جهة الشرع، هذا ولكن مع هذا ليس دعوى الانصراف بذلك البعيد، فتدبر.

المقام الثاني: قد يتوهم أن الخارج من قاعدة اليد مطلق الايادي المأذونة، من المالك أو من قام مقامه، بل وما كان برضاه وإن لم يكشف عنه فعل، ولا لفظ كالاخذ بشاهد الحال، وربما يؤيده تعليل كثير من الاصحاب في كثير من الابواب لعدم الضمان، بأنها مأذونة، بل ربما يدعى أن الامين الذي علل به عدم الضمان في الاخبار وفي كلمات الاخيار هو مطلق المأذون إذ ليس المعتبر، الوثاقة الواقعية، بل كونه أمينا، من جهة تسليط المالك إياه على وجه الاطمينان وهذا موجود في موارد الاذن كلها، إذ العاقل لا يسلط على ماله أحدا إلا على وجه الاطمينان ببقائه، وعدم إتلافه وعليه، فالخارج من القاعدة، بمقتضى استيناس الحكم وأخبار الامين ومعاقد الاجماعات، هو المأذون من المالك المساوي في الصدق مع الامين.وأورد عليه، بانتقاض ذلك بموارد كثيرة، حكموا بالضمان، مع وجود الاذن

٣٢

كالمقبوض بالسوم والمقبوض بالعقد الفاسد والغاصب الذي أذن له المالك ومع عدم التوكيل في القبض، والطبيب والصائغ، والملاح والمكاري والاجير وغير ذلك.

أقول: ولا يخفى عدم ورود أكثر موارد النقض كالمقبوض بالعقد الفاسد الذي أذن المالك فيه على وجه الضمان وكالطبيب والصائغ وغيرهما إذ الحاكم بالضمان فيها لو قلنا به، فإنما هو للاخبار الواردة فيها ولاغرو في ثبوت المخصص في اليد المأذونة إذ ليس مما يدعى عدم قابليته للتخصيص، نعم يبقى مثل المقبوض بالسوم والغاصب المأذون لو قلنا فيها بالضمان.

فالتحقيق في المقام، بحيث يرتفع عنه غواشي الاوهام أن يقال: إن الثابت من الادلة وهي الاجماعات المحكية البالغة حدا يمكن تحصيل الاجماع منها، والاخبار المعللة المستفيضة والمتفرقة في أبواب الاستيمانات التي سنتلو عليك طائفة منها، هو خروج الامين، ولم يدل دليل على خروج المأذون بهذا العنوان إلا دعوى الانصراف للمناسبة الحكمية التي لو سلمناها فهي مقصورة على الامين.

ودعوى أن مطلق المأذون أمين مدفوعة، بوضوح الفرق بين الاستيمان والاذن، فإن الاذن ليس إلا إعلام الرضا ورفع المنع، والاستيمان تسليط الغير على المال على وجه الابانة أي المعاملة معه معاملة الامين، ومن المعلوم أن الثاني أخص من الاول إذ لم يؤخذ في الاول تسليط فضلا عن كونه على وجه الاطمينان.

توضيح ذلك، أن معنى كون العقود الاستيمانية مثل الاجارة والوكالة والرهن والمضاربة والمساقات ونحوها استيمانات، أنها بحقائقها تقتضى تسليط الغير على المال، إذ به تتحقق الانتفاعات المقصودة بالاصالة، وهذا معاملة مع

٣٣

الغير معاملة الامين، لانه سلطه على أن ينتفع ويثقه، وإلا فليس المعتبر فيها أن يكون الغير أمينا موثوقا به قطعا، وأما مطلق الاذن فهو عبارة عن رفع المنع عن التصرف، نظير الامانة الشرعية، ومن المعلوم أن هذا المقدار ليس تسلطا فضلا عن كونه على الوجه الخاص، ولا منافاة بينه وبين القسمين، وإنما المسلم، لو تنزلنا منافاته مع تسليطه.

والحاصل، أنه لاينبغي الريب في أن المالك لو صرح " بأبي لا أمنعك عن التصرف " وقد ارتفع من جانبه المنع من التصرف، فلا يقتضي ذلك لرفع اليد عما تقتضيه اليد من الضمان، عند التلف وليس هذا استيمانا حتى يتمسك بذيل أدلة الامين، نعم لو سلطه ببعثه على الاخذ، أمكن القول بالمنافاة، نظرا إلى ما عرفت من أن من لوازمه عرفا رفع اليد عما تقتضيه اليد مراعاة للمالك وأنه استيمان، وقد اطلعت على كلمات كثيرة من الاصحاب تشهد بما ادعيناه من مغايرة الاذن والاستيمان وإن كانت كثيرة منها تشهد بخلافه، حيث صرحوا في باب العارية بأن حقيقته الاذن وأنه لا يعتبر فيها لفظ خاص ولا مطلق اللفظ، قال في التذكرة: " ويكفي قرينة الاذن بالانتفاع من غير لفظ دال على الاعارة أو الاستعارة "(١) وإن كان ربما يستشكلون في مثل الفراش المبسوطة للانتفاع، إلا أنه من جهة اعتبارهم الاذن لشخص خاص، لالعدم كفاية الاذن فتسالمهم على أن العارية إذن وأنها لاضمان فيها لانها استيمان يكشف عن أن الاستيمان عندهم مساوق للاذن.

ومما يشهد لما ادعيناه ما صرح به في التذكرة أيضا في باب الوكالة " إذا تعدى

___________________

١ - التذكرة: ج ٢، كتاب العارية، ص ٢١٠.

٣٤

الوكيل أو فرط مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكل ليبيعه، ضمن إجماعا لان الوكالة تضمنت شيئين الامانة والاذن في التصرف فإذا تعدى زالت الامانة وبقي الاذن بحاله "(١) .

وهذا صريح في أن الاذن بنفسه لا يقتضي سقوط الضمان، فلابد من تأويل في ظاهر كلامه السابق من إرادة الاذن الخاص، فتأمل، وإن أبيت عن ذلك فكلماتهم تسبب التشويش ولا يصح الاعتماد عليها، ولا يحسب ما هو المتيقن منها من التسليطات الخاصة الحاصلة في العقود الاستيمانية، ولو تنزلنا فمطلق التسليط، وأما مطلق الاذن فلا دليل عليه لما عرفت من تشويش كلمات الاصحاب ومعاقد الاجماع، ولقد اطلعت على كلام شيخنا الاستاذ الاكبر في مطاوي كلامه، في قاعدة " مالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده " ينطبق على بعض ما قررناه " قال: فإن قلت: إن الفاسد وإن لم يكن له دخل في الضمان إلا أن مقتضى عموم " على اليد " هو الضمان خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي تكون مواردها غير مضمونه وبقي الباقي، قلت: ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها وهي عموم مادل " أن من لم يضمنه المالك سواء ملكه إياه بغير عوض أو سلطه على الانتفاع به، أو استأمنه عليه لحفظه أو دفعه إليه لاستيفاء حقه أو تصرفه بلا أجرة أو معها، إلى غير ذلك فهو غير ضامن " أما في غير التمليك بلا عوض، أعني: الهبة فإنه مثل المخصص لقاعدة الضمان، عموم مادل على أن من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن بل ليس لك أن تتهمه، وأما في الهبة الفاسدة، فيمكن الاستدلال على خروجها بفحوى ما ذكر - إلى أن قال -

___________________

١ - التذكرة: ج ٢، كتاب الوكالة، ص ١٢٩.

٣٥

فحاصل أدلة عدم ضمان المتأمن، أن في دفع المالك إليه ملكه على وجه لايضمنه بعوض واقعي، أعني: المثل والقيمة ولاجعلي، فليس عليه نماؤه، انتهى كلامه ".وفيه مواقع للتأمل.

فبالحري ذكر الاخبار التي عثرت عليها في الابواب المتفرقة مما يدل على عدم ضمان الامين لانه أمين، تيمنا بها ولعله يستفاد منها ما يغنينا عن هذه الكلمات بالمرة فإن كلامهم - عليهم السلام - نور للقلب وضياء للباصرة.

فمنها: ما رواه القاساني: كتبت إليه - يعني: أباالحسن - عليه السلام - - وأنا بالمدينة سنة إحدى وثلاثين ومائتين: جعلت فداك رجل أمر رجلا أن يشتري له متاعا أو غير ذلك فاشتراه فسرق منه أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع؟ من مال الآمر أو من مال المأمور؟ فكتبتعليه‌السلام : من مال الآمر.(١) ويمكن أن يستفاد من هذا الخبر أن مطلق التسليط والبعث، موجب لصرف الضمان.

ومنها: مارواه يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن الرجل يبيع للقوم بالآجر وعليه ضمان مالهم؟ قال: إنما كره ذلك من أجل أني أخشى أن يغرموه أكثر مما يصيب عليهم فإذا طابت نفسه فلا بأس.(٢) أقول: تعلق الضمان على طيب النفس مما لا يصح إلا بأن يراد السؤال عن اشتراط الضمان فليس هذا بذلك البعيد خصوصا بعد ما عرفت وعليه فلا دخل للرواية بالمقام إلا من جهة مفروغية عدم ضمان الاجير للتلف.

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ٣٠ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ١٥.

٢ - المصدر نفسه: الباب ٢٩ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ١٥.

٣٦

ومنها: ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال: ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا.(١) أقول: قولهعليه‌السلام " بعد أن يكون الرجل أمينا " يحتمل أن يكون شرطا للحكم في قوة القول، بأنه ليس عليه غرم إذا كان أمينا، ويحتمل أن يكون علة للحكم في قوة القول، بأنه كذا لانه أمين أي من جهة استبضاعه الذي وضع على الاستيمان، فيدل على أن الامين لا يدخله التغريم، لكن غير بعيد ظهوره في الوجه الاول كما يشهد له جملة من الاخبار في أبواب الاستيمانات، مثل قولهعليه‌السلام : إذا كان عدلا مسلما فليس عليه ضمان.(٢) وقولهعليه‌السلام : لاغرم على مستعير عارية إذا هلكت، إذا كان مأمونا.(٣) وقولهعليه‌السلام : العامل إن كان مأمونا فليس عليه شئ وإن كان غير مأمون فهو ضامن.(٤) إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في الابواب، ولكن يبعده، أن الظاهر نفي الضمان بحسب الواقع وهذا لا يدخل للامانة والعدالة فيه إلا إذا كان المراد الضمان من جهة التعدي والتفريط، مع أن الضمان من جهتهما أيضا تابع لواقعهما فلابد أن يراد بالنفي نفي التغريم بلا بينة من مدعيهما فيكون معنى النذي تقديم قوله في مقام الدعوى، ويؤيده، العدول في التعبير عن الضمان إلى الغرم، ولكن مع هذا لا ينفع لاستفادة كلية عدم ضمان الامين بالتلف السماوي

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ١ من أبواب أحكام العارية، الحديث ٨.

٢ - المصدر نفسه: الحديث: ٢.

٣ - المصدر نفسه: الحديث: ٣.

٤ - المصدر نفسه: الباب ٢٩ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث ١١.

٣٧

منه إلا من جهة المفروغية التي تطابق عليها الاخبار عند الانصاف، وإلا فالاخبار المتقدمة مع شهادة ما عرفت منها في التصريح باشتراط الامانة ظاهرة في دعوى التفريط والتعدي فحمل على الكراهة، وإلا فدعوى التعدي والتفريط، مسموعة حتى على الامين العادل.

ومنها: قول الصادقعليه‌السلام في رواية الحلبي: صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان.(١) أقول: وهذا أحسن روايات الباب من جهة دلالتها على أن الايتمان أمر مفروغ عنه بحسب الحكم بحيث يغني ذكر موضوعه عن حكمه، ولكن فيها ما عرفت فيما تقدم من أنها لا تدل على أزيد من أن الامين يقدم قوله في دعوى التعدي والتفريط، فإنها ناظرة إلى المرسلة المشهورة: ليس على الامين إلا اليمين.نعم هي كسوابقها تدل على عدم الضمان بالتلف السماوي من جهة المفروغية وأنه لاوجه لنفي توجه شئ عليه إلا اليمين، مع كون تلفه مضمنا مطلقا، والحاصل، أن القدر المتيقن من آثار الامانة هي ما عرفت وهو المناسب لعنوان الامانة.

ومنها: مارواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليعليه‌السلام في رهن اختلف فيه الراهن والمرتهن فقال الراهن: هو بكذا وكذا، وقال المرتهن: هو بأكثر، قال عليعليه‌السلام : يصدق المرتهن حتى يحيط بالثمن لانه أمينه.(٢) أقول: مع ضعف سندها وإعراض الاصحاب غير الاسكافي عنها لبنائهم على تقديم قول الراهن الموافق للاصل في وجه للاخبار المدعى في محكي جامع

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة، الحديث: ١.

٢ - المصدر نفسه: الباب ١٧ من أبواب أحكام الرهن، الحديث: ٤.

٣٨

المقاصد تواترها وموافقتها للتقية أنه لا يلائم التعليل لعدم اقتضاء الامانة لتصديق المرتهن فيما على الرهن لعدم رجوع الدعوى إلى أمر ينافي الامانة، فلذا يحتمل قويا أن يكون المراد الامانة والوثاقة لا الاستيمان العقدي، فتأمل، وعلى كل حال فلايستفاد منها ما ينفع للمقام كما لايخفى.

ومنها: قولهعليه‌السلام : وصاحب العارية والوديعة مؤتمن(١) وقد تقدم الكلام في نظيرها.

ومنها: قولهعليه‌السلام : ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته ولا تأمن الخائن.(٢) وفيها أيضا ماعرفت مرارا.

ومنها: قولهعليه‌السلام كان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يضمن القصار والصائغ احتياطا للناس كان أبي يتطول عليه إذا كان مأمونا.(٣) ومنها: الاخبار الكثيرة الواردة في باب القصار والحمال والجمال والملاح، من أنه كان مأمونا فلا يضمنه وأنه ضامن إلا أن يكون ثقة مأمونا، وفيها ما عرفت من أنها لاتنفع في المقام بوجه.

أقول: والانصاف أن الاخبار المذكورة بحسب الدلالة المطابقية غير واردة إلا في مقام دعوى التعدي والتفريط، نعم بحسب الالتزام تدل على في الضمان عن الامين بسبب التلف السماوي إذ لولاه لكان نفي الضمان على الوجه المذكور لغوا.

___________________

١ - الوسائل: ج ١٣، الباب ١ من أبواب أحكام العارية، الحديث: ٦.

٢ - المصدر نفسه: الباب ٩ من أبواب أحكام العارية، الحديث: ١.

٣ - المصدر نفسه: الباب ٢٩ من أبواب أحكام الاجارة، الحديث: ٤.

٣٩

ثم إن الظاهر منها أن المفروغية المذكورة، نظرا إلى منافاة الاستيمان مع التضمين، ليست من جهة وضوح الحكم بحسب الشرع، وإلا لكان في تلك الاخبار بكثرتها سؤالا عنه بل من جهة وضوحه عند العقلاء، على نحو ما عرفت فتكون نفس تلك الاخبار قرينة على ماتقدم من دعوى الانصراف في حديث إلى غير الامين، ومما قررناه في تضاعيف ذكر الاخبار وما بعده ظهر ما في كلام شيخنا الاستاذ الاكبر، من التسمك بعموم أدلة الاستيمان لقاعدة " ما لا يضمن " في غير التمليك بلا عوض وبفحواه فيه، فتأمل، ثم إن المستخرج منها إما بالمطابقة أو الالتزام، ليس إلا الامين الذي قد عرفت أنه أخص من عنوان المأذون.

ولو فرضنا التمسك في الخارج، وأنه خصوص الامين أو الاعم منه ومن المأذون فإن اعتمدنا في الخروج على الادلة اللفظية، وقلنا بأن عنوان الامين مجمل فالمرجع هو اطلاق دليل " اليد " لدوران التقييد المنفصل بين الاقل والاكثر فيقتصر على الاقل، وإن اعتمدنا على الدليل اللبي، أعني: حكم العقل من جهة الاستيناس بالحكم، فالاقوى سريان الاجمال إلى الاطلاق ووجوب الرجوع إلى الاصول العملية.

ودعوى أن القضايا العقلية كما علم في محله معلومة الموضوع، فكيف يفرض فيها الاجمال الساري، مع أنه لو فرض الاجمال فيها فهي في حكم التقييد المنفصل لاستقلاله في الحكم فلا وجه للحكم بالسريان، مدفوعة بأن المقصود من الحكم العقلي في المقام ماعرفت مرارا هو إدراكه الظني لمناط الحكم الموجب لانصراف المطلق، وهذا قابل لان يدخل فيه الشك والتردد في الموضوع، كما لايخفى.وأما حديث الانفصال، فهو حق في العقل المستقل، وأما في مثل المقام

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لقد مُلئ قلبي منه رُعباً

عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (إنَّ مسلم بن عقبة بايع الناس على أنَّهم عبيد ليزيد، ومَن أبى ذلك أمَرَّهُ مُسرف على السيف).

ونظر الناس إلى علي بن الحسين السجَّاد وقد لاذ بالقبر وهو يدعو، فأُتي به إلى مُسرف وهو مُغتاظ عليه، فتبرَّأ منه ومِن آبائه، فلما رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له وأقعده إلى جانبه، وقال له: سَلني حوائجك، فلم يسأله في أحد مِمَّن قُدِّم إلى السيف إلاّ شفَّعه فيه، ثمَّ انصرف عنه.

وقيل لمسلم: رأيناك تسبُّ هذا الغُلام وسلفه، فلما أُتي به إليك رفعت منزلته؟!

فقال: ما كان ذلك لرأيٍ مِنِّي لقد مُلئ قلبي منه رُعباً (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج١.

١٤١

إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين

سمع علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوماً مِن أصحابه يسبُّون أهل الشام أيَّام حربهم بصِفِّين، فقال لهم: (إنِّي أكره لكم أنْ تكونوا سبَّابين، ولكنَّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العُذر، وقلتم مكان سَبِّكم إيَّاهم:

اللَّهمَّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهْدِهم مِن ضلالتهم، حتَّى يعرف الحَقَّ مِن جَهله) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج١.

١٤٢

سُبْحان الله! تقذف أُمَّه؟!

قال عمرو بن نعمان الجُعفيِّ: كان لأبي عبد الله (عليه السلام) صَديق لا يكاد يُفارقه أين يذهب، فبينا هو يمشي معه في الحذائين، ومعه غُلام له سِنديٌّ يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يُريد غُلامه ثلاث مَرَّات فلم يره، فلمَّا نظر في الرابعة، قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟

قال فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) يده فصكَّ بها جَبهة نفسه، ثمَّ قال: (سبحان الله! تقذف أُمَّه؟! قد كنتُ أرى أنَّ لك ورعاً، فإذاً ليس لك ورعٌ!).

فقال: جُعِلت فِداك! إنَّ أُمَّه سِنديَّة مُشركة.

فقال: (أما علمت أنَّ لكلِّ أُمَّة نكاحاً؟! تنحَّ عنِّي).

فما رأيته يمشي معه حتَّى فرَّق الموت بينهما (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج١.

١٤٣

الله يُحبُّ المُحسنين

كانت جارية لعليِّ بن الحسين (عليهما السلام) تسكب له الماء، فسقط الإبريق مِن يدها، فشجَّه، فرفع رأسه إليها، فقالت:

إنَّ الله تعالى يقول: ( ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ... ) (آل عمران: ١٣٤).

فقال: (كظمت غيظي).

قالت: ( ... وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ... ) .

قال: (عفوتُ عنك).

قالت: ( ... وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ... ) .

قال: (اذهبي، فأنت حُرَّة لوجه الله) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٤٤

إصلاح ذات بَيْنِ المُوالين لأبي عبد الله

عن أبي حنيفة سائق الحاج قال:

مَرَّ بنا المُفضَّل وأنا وخَتني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثمَّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل، فأتيناه، فأصلح بيننا بأربعمئة درهم، فدفعها إلينا مِن عنده، حتَّى إذا استوثق كلُّ واحدٍ مِنَّا مِن صاحبه.

قال: أما إنَّها ليست مِن مالي، ولكنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان مِن أصحابنا في شيءٍ أنْ أصلِح بينهما، وأفتديهما مِن ماله، فهذا مِن مال أبي عبد الله (عليه السلام) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٤٥

اتَّبع النبي لأفعاله الكريمة

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إنَّ عليَّاً صاحب رجلاً ذِميَّاً في طريق، فقال له: (الذِّمِّي أين تُريد يا عبد الله؟).

قال: أُريد الكوفة.

فلمَّا عدل الطريق بالذِّمِّي عدل معه عليٌّ، فقال الذِّمِّي له: أليس زعمت تُريد الكوفة؟!

قال: (بلى).

قال الذِّمِّي: فقد تركت الطريق.

قال عليٌّ (عليه السلام): (قد علمت).

فقال له: فلم عدلت معي وقد علمت ذلك؟!

فقال له علي: (هذا مِن تمام حُسن الصُّحبة أنْ يُشيِّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيُّنا).

فقال له: هكذا أمركم؟!

قال: (نعم).

فقال الذِّمِّي: لا جَرَم، أنَّما اتَّبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة، وأنا أُشهدك أنِّي على دينك، فرجع الذِّمِّي مع عليٍّ، فلمَّا عرفه أسلم (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٤٦

صَدَّقَتني إذ كذَّبتم وآمنت بي إذ كفرتم

عن علي (عليه السلام) قال: ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة يوماً وهو عند نسائه وبكى، فقالت عائشة: ما يُبكيك على عجوز حمراء من عجائر بني أسد؟!

فقال: (صَدَّقتي إذ كذَّبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عَقمتم).

قالت عائشة: فما زلت أتقرَّب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذكرها (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٤٧

.. والله هذا يفي بدماء أهل الأرض!

قال أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام): (إنَّ رجلاً جاء إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) برجل يزعم أنَّه قاتل أبيه، فاعترف، فأوجب عليه القِصاص، وسأله أنْ يعفو عنه ليُعظِّم الله ثوابه، فكأنَّ نفسه لم تَطِبْ بذلك.

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) للمُدَّعي للدَّم - الولي المُستحقُّ للقِصاص ـ: إنْ كنت تذكر لهذا الرجل عليك فضلاً فَهب له هذه الجناية واغفر له هذا الذنب.

قال: يا بن رسول الله، له عليَّ حَقٌ، ولكنْ لم يبلغ أنْ أعفو عن قتل والدي.

قال: فتُريد ماذا؟

قال: أُريد القَود، فإنْ أراد لحَقِّه عليَّ أنْ أُصالحه على الدِّيَّة صالحته وعفوت عنه.

فقال علي بن الحسين: فماذا حَقُّه عليك؟

قال يا بن رسول الله: لقَّنني توحيد الله ونبوَّة محمد رسول الله وإمامة عليٍّ والأئمَّة.

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): فهذا لا يفي بدم أبيك؟! بلى - والله - هذا يفي بدماء أهل الأرض.

قال عليِّ بن الحسين للقاتل: أفتجعل لي ثواب تلقينك له حتَّى أبذل لك الدِّيَّة فتنجو بها مِن القتل؟

قال: يا بن رسول الله، أنا مُحتاج إليها وأنت مُستغنٍ عنها؛ فإنَّ ذنوبي عظيمة وذنبي إلى هذا المقتول أيضاً بيني وبينه لا بيني وبين وليِّه هذا.

قال علي بن الحسين (عليهما السلام): فتستسلم للقتل أحبُّ إليك مِن نزولك عن هذا التلقين قال: بلى - يا بن رسول الله ـ) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٤٨

حاجة المؤمن رحمة مِن الله لمَن طُلِبت منه

عن إسماعيل بن عمار الصيرفي قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعِلت فِداك! المؤمن رحمة على المؤمن؟

قال: (نعم).

قلت: وكيف ذاك؟

قال: (أيُّما مؤمن أتى أخاه في حاجة، فإنَّما ذلك رحمة مِن الله ساقها إليه وسبَّبها له، فإنْ قضى حاجته كان قد قبل الرحمة بقبولها، وإنْ ردَّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها، فإنَّما ردَّ عن نفسه رحمة مِن الله جَلَّ وعَزَّ ساقها إليه، وسبَّبها له وذخر الله عَزَّ وجَلَّ تلك الرحمة إلى يوم القيامة حتَّى يكون المردود عن حاجته هو الحاكم فيها، إنْ شاء صرفها إلى نفسه، وإنْ شاء صرفها إلى غيره.

يا إسماعيل، فإذا كان يوم القيامة وهو الحاكم في رحمة مِن الله قد شُرعت له فإلى مَن ترى يَصرفها؟).

قلت: أظنَّ أنَّه لا يَصرفها عن نفسه.

قال: (لا تظنَّ، ولكنْ استيقن؛ فإنَّه لن يردَّها عن نفسه) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٤٩

خُذْها فإنِّي إليك مُعتذِر

قال الحسين (عليه السلام): (يا قَنبر، هل بقي مِن مال الحِجاز شيءٌ؟).

قال: نعم، أربعة آلاف دينار.

فقال: (هاتِها؛ جاءها مَن هو أحَقُّ بها منَّا).

ثمَّ نزع بُرْدَته ولفَّ الدنانير فيها، وأخرج يده مِن شَقِّ الباب؛ حياءً مِن الأعرابي وأنشأ:

خُذْها فإنِّي إليك مُعتذِر

واعلم بأنِّي عليك ذو شَفقة (١)

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥٠

إيَّاكم والمُحقَّرات مِن الذنوب

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزل بأرض قَرعاء ما بها مِن حَطب.

قال: فليأت كلُّ إنسان بما قَدِر عليه.

فجاءوا به حتَّى رموا بين يديه بعضه على بعضٍ.

فقال رسول الله: هكذا تجتمع الذنوب.

ثمَّ قال: إيَّاكم والمُحقَّرات مِن الذنوب؛ فإنَّ لكلِّ شيءٍ طالباً ألاَ وإنَّ طالبها يكتب) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥١

أنفقوا عليه مِن بيت المال

مَرَّ شيخ كبير مكفوف البصر يسأل، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما هذا؟).

قالوا: نصرانيٌّ.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (استعملتموه حتَّى إذا كَبر وعَجز منعتموه! أنفقوا عليه مِن بيت المال) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥٢

مَن زار أخاً في الله مُحبَّاً له فقد زار الله ووجبت له الجَنَّة

قال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنَّ مَلَكاً لقيَ رجلاً قائماً على باب دار، فقال له: يا عبد الله، ما حاجتُك في هذه الدار؟

فقال: أخٌ لي فيها أردت أنْ أُسلِّم عليه.

فقال: بينك وبينه رَحمٌ ماسَّة أو نزعتك إليه حاجة.

فقال: ما لي إليه حاجة، غير أنِّي أتعهَّده في الله رَبِّ العالمين، ولا بيني وبينه رَحم ماسَّة أقرب مِن الإسلام.

فقال له المَلَك: إنِّي رسول الله إليك، وهو يُقرؤك السلام، ويقول لك:

إيَّاي زُرت، فقد أوجبتُ لك الجَنَّة.

وقد عافيتك مِن غَضبي ومِن النار، لحُبِّك إيَّاه فيَّ) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥٣

اتَّبع عليَّاً وحزبه فإنَّه مع الحَقِّ والحَقُّ معه

لمَّا كان يوم صِفِّين، خرج عمار بن ياسر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: يا أخا رسول الله، أتأذن لي في القتال؟

قال: (مَهْلاً رحمك الله).

فلمَّا كان بعد ساعة أعاد (عليه السلام) فأجابه بمِثله.

فأعاد ثالثاً، فبكى أمير المؤمنين، فنظر إليه عمار.

فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّه اليوم الذي وصفني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنزل أمير المؤمنين عن بَغلته، وعانق عمار، وودَّعه.

ثمَّ قال: (يا أبا اليقظان، جَزاك الله عن الله وعن نبيِّك خيراً، فنِعْمَ الأخُ كنت ونِعْمَ الصاحب كنت).

ثمَّ بكى (عليه السلام) وبكى عمار ثمَّ قال: والله - يا أمير المؤمنين - ما تبعتك إلاَّ ببصيرة، فإنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم حُنين:

(يا عمار، ستكون بعدي فِتنة وإذا كان ذلك فاتَّبع عليَّاً وحزبه؛ فإنَّه مع الحَقِّ والحَقُّ معه) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥٤

لاستجابة الدعاء لا بُدَّ مِن الطريق الذي أمر الله به

عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) قال:

(مَرَّ موسى بن عمران برجل، وهو رافع يده إلى السماء يدعو الله، فانطلق موسى في حاجته، فغاب سبعة أيَّام، ثمَّ رجع إليه وهو رافع يده إلى السماء، فقال:

يا رب، هذا عبدك رافع يديه إليك يسألك حاجة مُنذ سبعة أيَّام لا تستجيب له.

[ قال: ] فأوحى الله إليه:

يا موسى، لو دعاني حتَّى تسقط يداه أو ينقطع لسانه ما استجبت له حتَّى يأتيني مِن الباب الذي أمرته) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥٥

لا ترفع حاجتك إلاَّ إلى أحد ثلاثة..

جاء رجل مِن الأنصار يسأل أبا عبد الله حاجة، فقال (عليه السلام):

(يا أخا الأنصار، صِنْ وجهك عن بِذْلَة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإنِّي آتٍ فيها ما هو سارُّك إنْ شاء الله).

فكتب: يا أبا عبد الله، إنَّ لفلان عليَّ خمسمئة دينار وقد ألحَّ عليَّ، فكلِّمه يُنظرني إلى مَيسرة، فلمَّا قرأ الحسين (عليه السلام) الرُّقعة، دخل إلى منزله، فأخرج صُرَّة فيها ألف دينار، وقال (عليه السلام) له:

(أمَّا خمسمئة فاقض بها ذِمَّتك، وأمَّا خمسمئة فاستعن بها على دهرك؛ لا ترفع حاجتك إلاَّ إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دَيْن أو مُروءة أو حسب) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥٦

إذا وجَدْنا بذلنا وإذا فقدنا شكرنا

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنَّه مَرَّ يوماً على قوم، فرآهم أصحَّاء جالسين في زاوية المسجد، فقال (عليه السلام): (مَن أنتم؟).

قالوا: نحن المُتوكِّلون.

قال (عليه السلام): (لا، بلْ أنتم المُتأكِّلة، فإنْ كُنتم مُتوكِّلين، فما بلغ توكُّلكم؟).

قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا.

قال (عليه السلام): (هكذا تفعل الكلاب عندنا).

قالوا: فما نفعل؟

قال: (كما نفعل).

قالوا: كيف تفعل؟

قال (عليه السلام): (إذا وجَدْنا بذلنا، وإذا فقدْنَا شكرنا) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥٧

لا تدعُ سِوى الله

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لمَّا أمر المَلِك بحبس يوسف في السِّجن، ألهمه الله تبارك وتعالى تأويل الرُّؤيا، فكان يُعبِّر لأهل السِّجن رؤياهم.

فقال صاحباه له: إنَّا رأينا رؤيا فعبِّرها لنا.

فقال: وما رأيتُما؟

قال أحدهما: إنِّي أراني أحمل فوق رأسي خُبزاً تأكل الطير منه.

وقال الآخر: إنِّي رأيت أنَّي أسقي المَلِك خمر.

ففسَّر لهما رؤياهما بما في الكتاب، ثمَّ قال - للذي ظنَّ أنَّه ناجٍ منهما ـ: اذكُرني عند رَبِّك.

قال: ولم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه، فلذلك قال الله تعالى: ( ... فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ... ) .

قال أبو عبد الله (عليه السلام) قال الله ليوسف:

ألستُ الذي حبَّبتك إلى أبيك، وفضَّلتك على الناس بالحُسن؟! أوَ لستُ الذي سُقْت إليك السيَّارة وأنقذتك، وأخرجتك مِن الجُبِّ؟! أوَ لستُ الذي صرفت عنك كيد النِّسوة؟! فما حَمَلك على أنْ تدعو مَخلوقاً هو دوني؟! فالبث بما قلت بضع سنين ) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥٨

.. وعِزَّتي وجَلالي لأقطعنَّ أمل كلِّ مؤمَّلٍ غيري

عن محمد بن عجلان قال: أصابتني فاقة شديدة وضائقة، ولا صديق لمَضيق، ولزمني دَيْنٌ ثقيل وغَريم يُلحُّ بقضائه، فتوجَّهت نحو دار الحسن بن زيد - وهو يومئذٍ أمير المدينة - لمعرفة كانت بيني وبينه، وشَعر بذلك مِن حالي محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين، وكانت بيني وبينه قديمُ معرفة، فلَقيني في الطريق، فأخذ بيدي، وقال لي: قد بلغني ما أنت بسبيله ولا تسعف بطلبتك، فعليك بمَن يقدر على ذلك وهو أجود الأجودين، فالتمسْ ما تؤمله مِن قِبَله، فإنِّي سمعت ابن عمِّي جعفر بن محمد (عليهما السلام) يُحدِّث عن أبيه عن جَدِّه، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى بعض أنبيائه في بعض وحيه إليه: وعِزَّتي وجلالي، لأقطعنَّ أمل كلِّ مؤمَّل غيري بالإياس، ولأكسونَّه ثوب المَذلَّة ولأُبعدنَّه مِن فَرَجي وفَضلي، أيؤمِّل عبدي في الشدائد غيري والشدائد بيدي؟! أو يرجو سواي وأنا الغنيُّ الجَواد؟!).

فقلت له: يا ابن رسول الله، أعِدْ عليَّ هذا الحديث، فأعاده ثلاثاً، فقلت: لا والله، لا سألت بعد هذا حاجة، فما لبثت أنْ جاءني الله برزق وفضل مِن عنده (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٥٩

.. اللَّهمَّ لا تكلني إلى نفسي طَرفة عين أبد..

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت أُمِّ سَلمة في ليلتها، ففقدته مِن الفراش، فدخلها مِن ذلك ما يدخل النساء، فقامت تطلبه في جوانب البيت، حتَّى انتهت إليه، وهو في جانبٍ مِن البيت قائم رافع يديه يبكي، وهو يقول:

اللَّهمَّ، لا تنزع مِنَّي صالح ما أعطيتني أبداً.

اللَّهمَّ، ولا تكلني إلى نفسي طَرْفة عين أبداً.

اللَّهمَّ، لا تُشمِت بي عدوَّاً ولا حاسداً أبداً.

اللَّهمَّ، لا تُرِدْني في سوءٍ استنقذتني منه أبداً) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421