القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 359875 / تحميل: 10440
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

القَصص التربويَّة

عند الشيخ محمَّد تقي فلسفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

٢

القَصَص التربويَّة

عند الشيخ محمد تقي فلسفي

لطيف الراشدي

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مُقدِّمة

الحمد لله الواحد المنَّان، الذي خلق الإنسان، وعلَّمه البيان ووضع الميزان، والصلاة الأبد، والسلام السرمد على مَن بُعث إلى الخلائق بالقرآن، وعلى آله الأطهرين، الذين هم أمناء الرحمان.

أمَّا بعد:

فلا يخفى على أحد، أنَّ التربية جزء لا يتجزَّأ مِن الحياة الإنسانيَّة، وقد مَنَّ الله تعالى على عباده؛ إذ بعث فيهم رسولاً، يتلو عليهم آياته، ويُزكِّيهم ويُعلِّمهم الكتاب والحِكمة.

ولا ريب، بأنَّ الله تعالى أنزل القرآن هُدىً للمُتَّقين، الذين يؤمنون بالغيب و...

وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (إنَّ قومي اتَّخذوا هذا القرآن مهجوراً...)، وفي كلام آخر قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنِّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعِترتي، ما إنْ تمسَّكتم بهما لن تضلوا...).

والتربية للإنسان، هي الهداية والنجاة مِن الضلالة. وغنيٌّ عن البيان، بأنَّ التربية الإسلاميَّة، هي الطريق والسبيل الوحيد للنجاة مِن الضلالة؛ فيجب على مَن يطلب السعادة في الدارين، أنْ يتمسَّك بالتربية والشريعة الإسلاميَّة.

فنجد في هذه الشريعة المُقدَّسة رجالاً، يتمثَّلون تعاليم هذه الشريعة المُقدَّسة، قد أدَّبهم الله فأحسن تأديبهم، والتزموا هذا الأدب والتربية الإلهيَّة.

٥

وعلى الذين يرغبون في الحياة النبيلة، والعَيش الهنيء أنْ يتَّبعوا خُطاهم وحياتهم السامية. وها نحن نَقصُّ حياتهم وسيرتهم، تحت عنوان (القَصص التربويَّة) ، آملين تطبيقها في حياتنا؛ لكي نفوز بالدارين... والله عنده حسن المآب...

دعواهم فيها سبحانك اللَّهمَّ وتحيَّتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أنْ الحمد لله رَبِّ العالمين.

العبد

لطيف محمد علي مُطوَّف الراشدي

٦

لا إفراط ولا تفريط

كان في مدينة البصرة أخوان أحدهما يُدعى: العلاء بن زياد الحارثي، والآخر: عاصم. وكانا كلاهما مِن المُخلصين لعليٍّ (عليه السلام)، ولكنْ كانا مُختلفيَن في السُّلوك، فعلاء مُفرِط في حُبِّه للدنيا وجمعه للمال... أمَّا عاصم، فكان على العَكس منه مُدْبِراً ظهره للدنيا، صارفاً جُلَّ وقته في العبادة وتحصيل الكمالات الروحيَّة، وفي الواقع كانا كلاهما قد تجاوز الطريق المُستقيم، وانحرف عن الصراط السويِّ...

وذات يوم مَرِض العلاء، فذهب علي (عليه السلام) لعيادته، وما أنْ استقرَّ به الجلوس، حتَّى التفت الإمام إلى سِعة عَيشه، وإفراطه في سَعيه وراء الدنيا؛ فخاطبه قائلاً: (وماذا تصنع - يا علاء - بهذه السِّعة المُفرِطة مِن العَيش؟ إنَّك إلى تحصيل وسائل سعادتك المعنويَّة أحوج، فاسعِ في ذلك الجانب أيضاً...)، ثمَّ قال (عليه السلام): (اللَّهمَّ إلاَّ أنْ تكن عملتَ ذلك كلَّه؛ لتمهيد طريق السعادة المعنويَّة؛ لتتمكَّن مِن استقبال الضيوف في بيتك، وتستطيع صِلة أرحامك، وأداء حقوق إخوانك بأكمل وجه) (١) .

لقد أثَّر هذا الدرس البليغ، بأسلوبه الهادئ المَتين في علاء كثيراً، وجاشت به العواطف للشكوى مِن تفريط أخيه؛ فقال: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك عاصم بن زياد.

قال: (وما له؟).

قال: لبس العَباء، وتخلَّى عن الدنيا.

قال: (عليَّ به!).

وبعد أنْ حضر عاصم بين يدي الإمام، وبَّخَه الإمام قائلاً: (يا عُدَيَّ نفسه، لقد استهام بك الخبيثُ! أما رحمتَ أهلك ووِلدَك؟! أترى الله أحلَّ لك الطيِّبات وهو يكره أنْ تأخُذها؟! أنت أهون على الله مِن ذلك...).

____________________

(١) مُلاحظة: لمعرفة نصِّ الكلام راجع نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) جمعه الشريف الرضيِّ.

٧

مِن خِلال هذه القِصَّة التاريخيَّة؛ يتَّضح لنا مدى استقامة المنهج الإسلامي، الذي نطق به الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يُعبِّر عن تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحكم الله عَزَّ وجَلَّ...

لكن بقيت في نفس عاصم بن زياد مُشكلةٌ لم يجد لها حَلاً، وهي كيفيَّة التوفيق بين كلام الإمام (عليه السلام) وعمله؛ حيث قد زهد في الدنيا، وترك الملاذَّ.

فاندفع لسؤاله، وما أسرع أنْ قال:

(... يا أمير المؤمنين، هذا أنت في خشونة مَلبسك وجُشوبة مأكلك؟!).

فقال الأمير: (إنِّي لستُ كأنت... إنَّ الله فرض على أئمَّة الحَقِّ أنْ يُقدِّروا أنفسهم بضَعَفَة الناس؛ كي لا يتبيَّغ بالفقيرة فقره...) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

٨

الخال أحد الضجيعين

كان محمد بن الحنفية بن الإمام علي (عليه السلام)، حامل اللواء في حرب الجَمل، فأمره عليٌّ بالهجوم فأجهز على العدوِّ، لكنَّ ضربات الأسنَّة، ورشقات السِّهام منعته مِن التقدُّم فتوقَّف قليلاً... وسرعان ما وصل إليه الإمام، وقال له: (احمل بين الأسنَّة)؛ فتقدَّم قليلاً ثمَّ توقَّف ثانية، فتأثَّر الإمام مِن ضُعف ابنه، فاقترب منه، و(... ضربه بقائم سيفه، وقال له: (أدركك عِرقٌ مِن أُمِّك).

مِن الواضح هنا، أنَّ الجُبن الذي ظهر واضحاً في ابنه محمد، ليس موروثاً منه (عليه السلام)؛ لأنَّه لم يَعرف للجُبن مَعنى قَطّ، فلا بُدَّ وأنْ يكون مِن أُمِّه؛ لأنَّها لم تكن مِن الفضيلة بدرجة، تكون معها بمنزلة الصِّدِّيقة الزهراء (عليها السلام) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

٩

كلُّ إنسان بينه وبين آدم صِلة

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (أتى رجُلٌ مِن الأنصار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: هذه ابنة عَمِّي وامرأتي، لا أعلم منها إلاَّ خيراً، وقد أتتني بولدٍ شديد السواد، مُنتشِر المِنخر، جَعْدٌ، قَطَطٌ، أفطس الأنف، لا أعرف شَبَهه في أخوالي ولا في أجدادي.

فقال لامرأته: ما تقولين؟

قالت: لا والذي بعثك بالحق نبيَّاً، ما أقعدت مقعده مِنِّي - مُنذ ملكني - أحداً غيره)

قال: (فأطرق رسول الله رأسه مَليَّاً، ثمَّ رفع بصره إلى السماء، ثمَّ أقبل على الرجل، فقال: يا هذا، إنَّه ليس مِن أحد إلاَّ بينه وبين آدم تسعة وتسعون عِرقاً، كلُّها تضرب في النسب، فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العُروق، وسألتْ الله الشَّبَه لها، فهذا مِن تلك العُروق التي لم تُدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك، خذ إليك ابنك!).

فقالت المرأة: فرَّجت عنِّي يا رسول الله (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٠

صِفات الابن مِن الأب أو الأُمِّ

عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) قال: (أقبل رجل مِن الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله، هذه بنت عمي وأنا فلان بن فلان.. حتَّى عَدَّ عشرة مِن آبائه، وهي بنت فُلان... حتَّى عَدَّ عشرةً مِن آبائها، ليس في حَسبي ولا حَسبها حَبشيٌّ، وإنَّها وضعت هذا الحبشيَّ، فأطرق رسول الله طويلاً، ثمَّ رفع رأسه، فقال: إنَّ لك تسعة وتسعين عِرقاً، ولها تسعة وتسعين عِرقاً، فإذا اشتملت اضطربت العُروق وسأل الله عَزَّ وجَلَّ كلَّ عِرقٍ منها أنْ يذهب الشَبَه إليه. قُمْ، فإنَّه وَلَدُك، ولم يأتك إلاَّ مِن عِرقٍ منك أو عِرقٍ منها.

قال: فقام الرجل، وأخذ بيد امرأته وازداد بها وبولدها عجباً) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١١

الاستعمال يكون بعد التجربة

سأل المأمون العباسي بعض خواصِّه ومَحارمه يوماً، سبب ما يُلاقيه مِن: جَفاء، وخيانة، وقِلَّة إنصاف مِن بعض أصحابه وأقاربه، الذين كان قد قلَّدهم مناصب عاليةً، ورُتباً مُهمَّة في الدولة، في حين أنَّ المفروض أنْ يُقابلوا إحسانه بالإحسان لا الإساءة.

فقال له أحدهم: إنَّ المَعنيِّين بأمر الحَمْام الزاجل، والمُهتمِّين بتربيته، يتحقَّقون عن أصله وفَصيله الذي ينتمي إليه، وعندما يطمئنُّون إلى عَراقة نسبه يهتمُّون بتربيته كثيراً، ويَجنون مِن ذلك فوائد كثيرة... وأنت يا أمير المؤمنين، تأخذ أقواماً مِن غير أُصول ولا تدريج، فتبلغ بهم الغايات، فلا يكون منهم ما تؤثِره.

فمِن الطبيعي أنْ لا يكون مَن يتمُّ اختيارهم لأشغال ومناصب، دون امتحان ولا نظر في أصولهم وأحسابهم وأنسابهم على حالة غير مرضيَّة مِن حيث الإخلاص والأمانة والوفاء...

إنَّ الإسلام يرى في سُلوك الآباء والأُمَّهات، تأثيراً كبيراً على سلوك أبنائهم، الذين يرثون صفاتهم الصالحة أو الطالحة؛ ولذلك نجد القرآن الكريم يحكي على لسان نوح هذه الحقيقة الناصعة؛ حيث يقول - بعد أنْ يئس مِن هداية قومه، طِيلة تسعمئة وخمسين عام (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٢

الجُملة العصبيَّة هي الأساس

جاءت امرأة في زمن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولدت مِن زوجها طفلاً له بدنان ورأسان على حُقوٍ واحدٍ، وتحيَّرت هي وقومها في حِصَّته مِن الإرث، هل يُعطى حِصَّة واحدة أم حِصَّتين؟

فصاروا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسألونه عن ذلك؛ ليعرفوا الحكم فيه، فكان جواب الإمام (عليه السلام): (اعتبروا إذا نام ثمَّ نبِّهوا أحد البدنين والرأسين، فإنْ انتبها معاً، في حالة واحدة؛ فهُما إنسان واحد، وإنْ استيقظ أحدهما والآخر نائم؛ فهُما اثنان وحَقُّهما مِن الميراث حَقُّ اثنين).

والسِّرُّ في هذا القضاء العادل، والحكم الدقيق واضح؛ لأنَّه اعتبر مِلاك الحُكم هو المركز العَصَبي؛ إذ عليه المُعوَّل في توجيه الإنسان، فإنْ كانت قيادة واحدة توجِّه البدنين والرأسين؛ فهو شخصٌ واحدٌ، ولكنْ إذا كان كلُّ قسم يُدار مِن قِبَل جهازٍ عصبيٍّ مُستقلٍّ عن الآخر، فهما بدنان (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٣

الفَرق بين قضاء الله وقَدَره

عن ابن نُباتة، قال: إنَّ أمير المؤمنين عدل مِن عند حائط مائل إلى حائط آخر.

فقيل له: يا أمير المؤمنين، تَفرُّ مِن قضاء الله؟!

قال: (أفرُّ مِن قضاء الله إلى قَدَر الله عَزَّ وجَلَّ) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٤

بأبي وأُمِّي مَن لم ينخل له طعام

يقول سويد بن غفلة: دخلت على الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يوماً، وقد حان وقت طعامه، فرأيته جالساً على جانب مائدة، وفي يده رغيف أرى قِشار الشعير في وجهه، فذهبت إلى خادمته، وقلت لها:

يا فضة، ألا تتَّقين الله في هذا الشيخ؟! ألا تنخلون له طعاماً مِمَّا أرى فيه مِن النِّخالة؟!

فقالت: قد تقدَّم إلينا أنْ لا ننخل له طعاماً...

فرجع سويد إلى الإمام ثانية، وذكر قِصَّته مع فِضَّة، فتبيَّن أنَّ الإمام (عليه السلام) قد أخذ هذا الأُسلوب مِن النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)... ثمَّ ذكر عظمة النبي قائلاً: (بأبي وأُمِّي، مَن لم يُنخل له طعامٌ) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٥

عن مِثل هذا الرجُل أخبرتك

بينما المنصور بن أبي عامر في بعض غزواته، إذ وقف على نَشزٍ مِن الأرض مُرتفعٍ، فرأى جيوش المسلمين مِن بين يديه، ومِن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله قد ملؤوا السهل والجَبل، فالتفت إلى مُقدَّم العسكر وهو رجل يُعرَف بابن المضجعي.

فقال له: كيف ترى هذا العسكر أيُّها الوزير؟

قال: أرى جمعاً كثيراً، وجيشاً واسعاً كبيراً.

فقال له المنصور: تُرى، هل يكون في هذا الجيش ألف مُقاتل مِن أهل الشجاعة والنجدة والبَسالة؟

فسكت ابن المَضجعي.

فقال له المنصور: ما سكوتك؟! أليس في هذا الجيش ألف مُقاتل؟!

قال: لا.

فتعجَّب المنصور، ثمَّ قال: فهل فيهم خمسمئة مُقاتل مِن الأبطال المَعدودين؟

قال: لا.

فحَنَق المنصور، ثمَّ قال: أفيهم مِئة رجل من الأبطال؟

قال: لا.

قال: أفيهم خمسون رجُلاً مِن الأبطال؟

قال: لا.

فسبَّه المنصور، وأغلظ عليه وأمر به، فأُخرِج على أسوأ حالٍ، فلمَّا توسطَّوا بلاد الورم، اجتمعت الروم وتصادف الجَمعان، فبرز عِلْجٌ مِن الروم بين الصَّفَّين شاكي السلاح، وجعل يكرُّ ويفرُّ ويقول: هل مِن مُبارز؟!

فبرز إليه رجل مِن المسلمين فتجاولا ساعة، فقتله العِلْجُ؛ ففرِح المُشركون وصاحوا، واضطرب المسلمون له. ثمَّ جعل العِلْج يموج بين الصَّفَّين ويُنادي: هل مِن مُبارز؟! اثنين لواحد

فبرز إليه

١٦

رجل مِن المسلمين، فتجاولا ساعة، فقتله العِلْج، وجعل يكرُّ ويحمل ويُنادي ويقول: هل مِن مُبارز؟! ثلاثة لواحد!!

فبرز إليه رجل مِن المسلمين فقتله العِلْج، فصاح المُشركون وذَلَّ المسلمون، وكادت أنْ تكون كَسرة.

فقيل للمنصور: ما لها إلاَّ ابن المضجعي، فبعث إليه، فحضر، فقال له المنصور: ألا ترى ما صنع هذا العِلْج... منذ هذا اليوم.

فقال: لقد رأيته، فما الذي تُريد؟

قال: أنْ تكفي المسلمين شَرَّه.

قال: الآن يُكفى المسلمون شَرَّه، إنْ شاء الله تعالى.

ثمَّ قصد إلى رجال يعرفهم، فاستقبله رجل مِن أهل الثغور، على فرس قد تَهرَّت أوراكها هَزالاً، وهو حامل قِربة ماء بين يديه على الفرس، والرجل في حليته ونفسه غير مُتصنِّع.

فقال له ابن المضجعي: ألا ترى ما يصنع هذا العِلْج مُنذ اليوم؟!

قال: قد رأيته، فما الذي تُريد؟

... أنْ تكفي المسلمين شَرَّه؟

قال: حُبَّاً وكَرامة.

ثمَّ إنَّه وضع القِربة على الأرض، وبرز إليه غير مُكترث به، فتجاولا ساعة، فلم يرَ الناس إلاَّ والمسلم خارجاً إليهم يركض، ولا يدرون ما هناك، وإذا برأس العِلْج يلعب بها في يده، ثمَّ ألقى الرأس بين يدي المنصور.

فقال له ابن المضجعي: عن هؤلاء الرجال أخبرتك... ثم رد المنصور إلى ابن المضجعي منزلته وأكرمه، ونصر الله جيوش المسلمين وعساكر الموحِّدين (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٧

الذاكرة الخارقة

أبو زكريَّا التبريزي، تلميذ أبي العلاء المَعرِّي، وقد تَلمذ على يده سنوات عديدة، ولمَّا كان أبو العلاء مكفوف البصر، فقد كان لا يستطيع القراءة. وفي أحد الأيَّام كان أبو زكريَّا يقرأ لأبي العلاء كتاباً له في مسجد المَعرَّة. وفي الأثناء حضر مُسافر مِن تبريز إلى الجامع ليُصلِّي، فسَرَّ أبو زكريَّا لرؤيته كثيراً، وتوقَّف عن قراءة الكتاب عِدَّة لحظات، فسأله الأستاذ عن السبب، فأخبره بمجيء صاحبه، فأمره أبو العلاء بأنْ يذهب إليه ويتحدَّث معه.

فقال له: أمهلني أكمل الصفحة.

قال: لا، وسأنتظرك حتَّى تُنهي حديثك.

فجلس أبو زكريَّا مع صاحبه، على بُعْد خَطوات مِن أبي العلاء، وأخذ يتحدَّث معه باللغة التركيَّة المحلِّيَّة في تبريز، ويسأله عن بعض القضايا فيُجيبه، وعندما رجع إلى أستاذه سأله: أيَّ لغة هذه؟

قال: لغة آذربايجان!

فقال: إنِّي لم أفهم ما جرى بينكما مِن حديث، ولكنِّي حفظت ما قلتماه، وأعاد جميع الألفاظ بلا زيادة أو نُقصان، فتعجَّب صاحب أبي زكريَّا مِن حافظة أُستاذه بشِدَّة، وكيف أنَّه حَفِظ تلك الألفاظ بسُرعة، دون أنْ يفهم معانيها (١) .

____________________

(١) الطفل، ج١.

١٨

واعمراه لولا عليٌّ لهَلك عمر

قال: سمعت غلاماً بالمدينة، وهو يقول: يا أحكم الحاكمين، أُحكم بيني وبين أُمِّي! فقال له عمر بن الخطاب: يا غلام، لمَ تَدْعُو على أُمِّك؟!

فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّها حملتني في بطنها تسعاً، وأرضعتني حولين كاملين، فلمَّا ترعرعتُ وعرفت الخير مِن الشَّرِّ ويميني مِن شِمالي طردتني، وانتفت مِنِّي، وزعمت أنَّها لا تعرفني.

فقال عمر: أين تكون الوالدة؟

قال: في سقيفة بني فلان.

فقال عمر: عليَّ بأُمِّ الغُلام. فأتوا بها مع أربعة أخوة لها، وأربعين قَسَّامة يشهدون لها أنَّها لا تعرف الصبي، وأنَّ هذا الغُلام مدَّعٍ ظالم، يُريد أنْ يفضحها في عشيرتها، وأنَّ هذه جارية مِن قريش لم تتزوَّج قطُّ؛ لأنَّها بخِتام ربِّها.

فقال عمر: يا غُلام، ما تقول؟

فقال: يا أمير المؤمنين، هذه - والله - أُمِّي! حملتني في بطنها تسعاً، وأرضعتني حولين كاملين، فلمَّا ترعرعت وعرفتُ الخير والشَّرَّ، ويميني مِن شمالي طردتني، وانتفت مِنِّي، وزعمتْ أنَّها لا تعرفني!

فقال عمر: يا هذه، ما يقول الغُلام؟

فقالت: يا أمير المؤمنين، والذي احتجب بالنور، فلا عين تراه، وحَقِّ محمد وما ولد، ما أعرفه ولا أدري مِن أيِّ الناس هو! وإنَّه غلام يُريد أنْ يفضحني في عشيرتي، وأنا جارية مِن قريش، ولم أتزوَّج قطُّ، وإني بخاتم ربِّي.

فقال عمر: ألكِ شهودٌ؟

١٩

فقالت: نعم هؤلاء، فتقدَّم الأربعون قَسامة، وشهدوا عند عمر أنَّ الغُلام مُدَّعٍ، يُريد أنْ يفضحها في عشيرتها، وأنْ هذه جارية مِن قريش لم تتزوَّج قَطُّ، وأنَّها بخاتم رَبِّه.

فقال عمر: خذوا بيد الغُلام وانطلقوا به إلى السِّجن، حتَّى نسأل عن الشهود، فإنْ عَدْلت شهادتهم جَلدته حُدَّ المُفتري. فأخذوا بيد الغُلام، وانطلقوا به إلى السِّجن، فتلقَّاهم أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) في بعض الطُّرق، فنادى الغُلام: يا ابن عَمِّ رسول الله، إنِّي غُلام مظلوم، وأعاد عليه الكلام الذي تكلَّم به عند عمر، ثمَّ قال: وهذا عمر قد أمر بي إلى السِّجن.

فقال عليٌّ (عليه السلام): (ردُّوه إلى عمر).

فلمَّا ردُّوه قال لهم عمر: أمرت به إلى السِّجن فرددتموه إليَّ!

فقالوا: يا أمير المؤمنين، أمرنا عليُّ بن أبي طالب أنْ نرُدَّه إليك، وسمعناك تقول: لا تعصوا لعليٍّ أمراً.

فبينا هم كذلك، إذ أقبل عليٌّ (عليه السلام)، فقال: (عليَّ، بأمِّ الغُلام)، فأتوا بها.

فقال عليٌّ (عليه السلام): (يا غُلام، ما تقول؟).

فأعاد الكلام على عليٍّ (عليه السلام).

فقال علي لعمر: (أتأذن لي أنْ أقضي بينهم؟).

فقال عمر: سبحان الله، وكيف لا، وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: أعدلكم عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام).

ثمَّ قال للمرأة: (يا هذه المرأة، ألك شهود؟).

قالت: نعم، فتقدَّم الأربعون قَسَّامة، فشهدوا بالشهادة الأُولى.

فقال عليٌّ (عليه السلام): (لأقضينَّ اليوم بينكم بقضيَّة، هي مرضاة الرَّبِّ مِن فوق عرشه، علمنيها حبيبي رسول الله).

فقال لها: (ألك وليٌّ؟).

قالت: نعم، هؤلاء إخوتي.

٢٠

لزمت ضريح الهادي اُوصاحت ابصوت عالي

يا والدي يا محمّد ليتك تعاين حالي

صرت ابهضم وامذلّه والهم شاغل بالي

اتمنّيت آني قبلك يابه آني شيالّه

بالنار حرقوا بيتي اُو بالباب كسروا ضلعي

ماحدبقي يا والدي بعدك ينشّف دمعي

إرثي امنعوني منّه اُوباحبال قادوا سبعي

اُودخلوه بوسط المحراب ليتك تعاين حاله

بعدك بخبرك بالعدى رادوا به ايقتلونه

وصل ضريحك يبكي ويهل دمع اعيونه

يا مصطفى من قبرك انهض عسى ايخلونه

ليت المدينة بعدك حلّت بها زلزاله

جارت عليه الاُمّة اُوغصبوا حقّه عنّه

يا والدي يا محمّد نالوا الضعاين منّه

وآني اضلوعي امكسّره واجدب عليك الونّه

والناس كلها ابدهشه في مشكله اُو زلزاله

اُولزمتضريح الهادي اُوفي الحال صارت ظلمهْ

اُوفي الحين جاهاالمرتضى ايكفكف دموعه ابكْمّه

قلها يزهرا والدك رحمه لهذي الاُمّهْ

ردّت تحن اُوتنتحب واُدموعها همّاله

- تمّت -

مات اُودفن في داره مات اُو دفن في داره

حطّوه فوق المغتسل واتشعشعت أنواره

مدّوه فوق المغتسل يا وجنة تزهي له

يمغسلين الطاهر طاهر قبل تغسيله

لحد يدار الهادي ما أوحشك هالليله

حنّي يغبرة اُوونّي بعد النّبي ياداره

مدّوه فوق المغتسل يا ليتني الممدوده

في هالقبر والرضّه يا ليتني الملحوده

وانته ترد للدنيا واصير آني المفقوده

واتعود يا بدر الدجى يا لساطع بأنواره

٢١

يومك إلي يا والدي أنحس إلي مِن أمسي

اتمنّيت آني بعدك إنْ أصبحت ما أمسي

وأظلم عليّه كوني يوم إلغبت يا شمسي

حالي كمكفوف البصر ليله سوا ونهاره

مثلك ماشفت ميت مات اُوتشعشع نوره

تشتم ريح الجنّة من رايحة كافوره

لحد يراية عزّي يوم أصبحت مكسوره

ظلّيت آني بعدك يا والدي مختاره

كيف استطيع افراقك وانته حشاي وفادي

وانته يبويه شربي وانته يبويه زادي

يا ما على كتفينك يابه حملت اُولادي

حنّي يغبرة اُووني بعد النّبي ياداره

يا تربة الضميتي جسم النّبي العدناني

باسايلك ما ينقل تربك ضريح الثاني

باقسم عليك إبشأنه اُوباقسم عليك إبشأني

سوّي محل واخذيني تحت البدر باجواره

- تمّت -

فاطمْ تقول لولادها وإدموعها همّالهْ

قوموا نودّع للنّبي حطّوه في شيّاله

طلعت اُوهيه اتنادي اُوشبلينها ويّاها

يا والدي يا محمّد يا مصطفى يا طاها

عن بضعتَكْ باتسافرتشمتْ عليها اعداها

وانكانْ عنّي شايل وياك آني شيّاله

لحد يبو شبليني باتروح عن شبليني

وآني العزيزة عندك باتروح واتخلّيني

الله لَشد إعصابتي واَهمل مدامعْ عيني

وانكانْ عنّي شايل وياك آني شيّاله

يا عزوتي يا رجالي قوموا ادفنوني حيّه

من غيرماي جاري اُومن غير غسل اُونيّه

لجله لَشد إعصابتي ما دام عيني حيّه

واِمن الحزن لتحمّل حمل يكض شيّاله

بالهون يا شيّالة بالهون يا شيّالَه

نعش النّبي المصطفى بالهون يا شيّالَه

يا مجهّزين الهادي بالهون لا تشيلونهْ

خلّه تجي له عزونه(١) واجماعته ايحضرونه

____________________

(١) لا يخفى ما في الشطر من إرباك بيّن. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٢٢

خلّوا البتولة اتودعَه من قبل ماتدفنونهْ

خلّه تجي سبطينه هاليوم تنظر حالَهْ

جتّي البتولة إتنادي مَعْ والدي دفنوني

يا ياب عفت الدنيا بعدك ينور اِعيوني

يا ياب جتني قومك وابنارهُم حرقوني

اُوقادوا وصيّك وتركَوا لمدامعي همّالهْ

ما دابها إلّا تنتحب في دارها واتنادي

قوموا لقبرِ المصطفى بانروح يا اُولادي

ننصب عزانا عنده إنحشمه وانْادي

يا بوي صرنا بعدك في ذلْ واسوأ حالهْ

يعقوب ما صار ابحزنْ يا ياب مثل أحزاني

ولا دنيه نالتْ مثلي اُو عشير أشجاني

وأظلم عليّهْ كوني واتشمّتت عدواني

بعدك رمتني الدّنيا اُو معتادها ميّالهْ

يابه عليّ المرتضى دخلوا عليهْ إبدارهْ

والأجنبي يا بويّه بعدك حرّقها اِبنارهْ

وآني صرت يا والدي بين العدى محتارهْ

والحسن سبطَك ينتحب واِمدامعه همّالهْ

واِحسين سبطك يبجي دوبه يجر الونّه

في وين جدنا المصطفى ذاليوم سافر عنّه

اُوحيدر يون اُوينتحب والنوح صاير فنّه

ويقول عنّي سافر هاللي عشت باظلالهْ

- تمّت -

ما تثُور يا حيدر عليْ تتدارك الدّينْ

منبر الهادي ينتخي باسمك يبو حسينْ

منبر الهادي ينتخي باسمك يضرغامْ

بعد النّبيِّ المصطفى اتضعضعْ الإسلامْ

ترضى يحيدرْ يدخلوا بيتي هلقوامْ

دخلوا عليّه اُو والدي من غير تكفينْ

خلِّ الصبر يا بو الحسنْ ما هو محلّهْ

والأجنبي يا بو الحسن بيتي يدخلهْ

اِنهض يحيدر سيفك البتّار سِلّهْ

واصعد مقامك يا علي واتداركْ الدينْ

مكسور ضلعي اُو منزلي محروق بالنارْ

واجنين بطني سقّطه واَنبت المسمارْ

٢٣

واليوم يومك يا علي اِنهض يمغوارْ

اُوهدّي امحزاتك عَليْ يمشيّد الدينْ

يوم الهزاهز والوقايع والشدايدْ

ما قَط وتيت ولا جزعتْ اللهُ الشاهدْ

وإنكان تريني يا بتولة اليوم قاعدْ

عندي وصيّة اِمن النّبي خير النبيّينْ

صبري يزهرةعلى الأذى اُوتكسير الضلوعْ

وآني يزهرة عن مقامي اليوم ممنوعْ

إيحق لك يزهرة[لو]بكيتي اِبسكب الدموعْ

بس الله الله في اُولادي الحسن واحسينْ

والله يزهرة ما بقت لك بهجة إفادْ

في يوم واحد فاقده الوالد ولولادْ

إمصيبت الأولاد يا هي ذوبتني

واَنحلت جسمي ما يشيل الثوب متني

لحّد يبوية رحت عنّي اُوضيعتني

وأهل المدينة حرموني الشرب والزادْ

ما بين أني اللي مقابله إبوجهي المحرابْ

لَسمعْ ولَن القوم والصرخة على البابْ

فرّيت لا دافعْ ولا مانع ولا ذابْ

اُو بالباب شفت اِمجمّعة أعداء اُوحسّادْ

قيدومُهم ضنوة صهاكْ الحبشيّهْ

هاللي من الظلّام نسلٌ والبغيهْ

قلتْ الله الله من النّبيْ ماني الوصيّهْ

قال الوصية ما فعلنا بك إلّا إعنادْ

قولي العلي يظهر النا الساعة يبايعْ

قلت الأسد ما تقوده الأغنام طايعْ

قالوا يبايع وانْ أبى ألّا يبايعْ

هاليوم يُقتل قلت وا ضيعة هالاُولادْ

بس ينذبح أدري أنه واُولادي إنضيعْ

اُو عندي من المعلوم ابنْ عمّي فلا يطيعْ

والحُر ما ينجلب حقّ السّوم والبيعْ

أبداً ولا طير السعد بالأيدي ينصادْ

- تمّت -

والله يزهرة هالشهر أكشر اُوميشومْ

قومي يزهرة واِنصبي مأتم المسمومْ

الله على اللي لك سعى واتسبب اُوشار

واللي سعى لك بالحطبْ والجيش والنارْ

اُو كسّر اِضلوعِك واَخرجوا حيدر الكرّارْ

اُوسقّط جنينَك في أحشاكِ اُو زادك إهمومْ

شهرينْ ما فيهم أبد ساعة هجعتي

عاشور فيه ابذبحةِ اِحسين اِفتجعتي

٢٤

اُوكلْ ساعْ عن واحد إمن اُولادِك سمعتي

واِللي قضى مذبوح واللي راحْ مسمُومْ

نوحي لبو القاسم ترى يستاهل النُّوحْ

هذا أبو آدم وبو حوّا وبو نُوحْ

نُوحوا لجلْ فقده اُوصبّوا الدمع مسفوحْ

قلبه ترى من اُمّته بالقهر مهضُومْ

نوحي على مِن شيّع إبفضلك اُوشهّر

اُوبيّن اِبفضلك مثل نورِ الشمس والشّهرْ

حتّى اُولادك في رباهم تَعب واَسهرْ

ويقول فاطم بضعتي واُولادها اِنجومْ

جتّك اِمصيبة أسّستْ كُلّ المصايبْ

منها تعلّمتي تشدّين العصايبْ

مِنْ يوم أبو ابراهيم ضمّته الترايبْ

كُلّ المصايب أسّستها اِمصيبة اليومْ

لولا مصابُ الجُرح قلبي والدمع صبْ

ما كان نلتين الهضمْ والذّل والضربْ

ولُولاد كلّها شتّت بالشرقِ والغربْ

وصلَتْ شتايتهم إلى بلدان العجومْ

- تمّت -

وهذه نبذة لصاحب الزمان القائم عجّل الله تعالى فرجه وسهّل مخرجه وجعلنا من أنصاره :

والله عَجبْ يابنِ الحسن صبركْ على الثار

ما كمل جندكْ لو ما آذن لك الجبّارْ

الخيل عندَكْ والمواضي لكْ مُطيعهْ

اُوالأملاك من جندكْ اُوكُلّ جندكْ الشّيعهْ

تملي على العدوانْ هالأرض الوسيعهْ

اِبخيل عجاجتها تغطّي شمس لنهارْ

اُوسوفي العدا يومٌ مثلْ يوم القيامهْ

ابجيش عرمرم ضيّق الدّنيا ازدحامهْ

اُوخَلِ الرمح والسيف يروي من الهامهْ

نشاهداُوخل الدّمااَمنِ الهام يشبهْ سيل لمطارْ

يمته يبو صالحْ نشاهد هالعلاماتْ

وانشوف اذياب الفلا ترعى مع الشاةْ

اُو نسمع ندا جبريل في اُفق السماواتْ

اُو كلما عراكُمْ من الذلّة طول العمارْ

ثارات إلك يابنَ الحسن من أوّل اُوتالْ

يوم الوصي جدّك يقيدونَه بلحْبالْ

٢٥

واُمّك الزهرة روّعوها قومُ الانذالْ

اُو عندك من المعلوم حرق البابِ بالنّارْ

معذورة هالزهرة إذا هلّتْ دمعْها

ما ينّسي للحشر فعلُ القوم معها

دخلوا عليها اُو كسّروا منها ضلعها

اُو صارالسبب في اِسقوطهاعصرة بالجدارْ

وألقتْ جنيناً ما تكامل في اِشهورَه

اُو شافت الزهرة ساطعاً للأرض نورَهْ

جرّت اِلونّة صارخة ذيك الوقورَه

ونادتْ اِبصوت تصيح يا حيدر الكرّارْ

شاهدت يابنَ العمِّ فعل القوم ويّاي

ابنك المُحسن أسقطوهمن داخل اِحشاي

اُوترضى العدى اِيكسرون ضلعيوانتَه حماي

من ويش ما تنفر اُوبيدك سيف لفقارْ

نادى عليها اُودمعته اِبخده جريّهْ

مقبول عتبِكْ يا بِنِتْ خيرِ البريّهْ

تخْسَ العدى اِيقربون ليج لولا الوصيّهْ

اُوصى أبوكِ محمّد الهادي المختارْ

صِبري مثل صَبري على سيف ابن ملجمْ

اُضرب على راسي وفرض الصُّبح ما تَمْ

واطيح في المحراب شيبي امخضّب ابدَمْ

وألزم الراسي بليمين وهَم باليسارْ

اُوعنّي الحسن واِحسين في منزلهمْ اِنيام

اُو هذا المُصاب ايصيبني في شهرِ لصيامْ

اُو لا يهل العيد إلّا اُولادي أيتامْ

اُو تلبس بني هاشم سواد إصغار واكبارْ

جدّك عليُّ المرتضى اللي قتل مرحبْ

واللي قتل عمرواُوكشف عن أحمدَ الكربْ

بآخر صلاتَه بوسط المحراب يُضربْ

ويطيح في المحرابْ من [ ضربة] الغدّارْ

جدّك حسافة مات ما تمّم اِصيامَهْ

وأبقى الحسن واِحسين من بعدَه يتامَهْ

صار المُرادي سَببْ للدينِ انهدامَهْ

اُوظلّتْ الشيعة بالحزنْ لَه طول لعمارْ

لو كُنتْ حاضر كان دمع العين هلّيتْ

تنظر لجدّك شايلينة يشبه الميّتْ

اُوصارتْ الضجّةاُوسمعواالصيحةاِبكلّ بيتْ

اُوصار الوقتْ ما ينعرفْ ليلَ من اِنهارْ

اُوجبريل نادى في السما يا ولاد آدمْ

صبّوا على الكرّار إن عاز الدمع دَمْ

ركنِ الهُدى والدين من بعدَه تهدّمْ

والشرع والإسلام ركنَه مال وانهارْ

- تمّت -

٢٦

دارْ الوحي دخلوها دارْ الوحي دخلوها

والبضعة المعصومة يا والدي ضربوها

وصيّت فوق المنبر بالدّرّة المعصومَهْ

اُوجوني يبويه بعدك هالعصبة الميشومَهْ

ليتَك تشوف الغالية فوق الوَجه ملطومَهْ

اُوجابواالحطب يالوالي ودارالوحي حرقوها

فزّيت يوم الجوني وآني أهلِ اِدموعي

وآني يبويه الفقدَك بعدَه مَيسكن روعي

فزّيت ابلزم بابي اُوكسروا يبويه اِضلوعي

ترضى يبويه داري من بعدك اِيدخلوها

يابوي يوم الأجوني اُودخلوا عليّه داري

وآني حزينة اُوفاقدة خير انبياءِ الباري

هتكوايبويه اِحجابي اُوهتكوايبويه اِخداري

اُوكلّ الوصيّة اِتخالفتْ دار الوحي دخلُوها

نادى الحسن وآجدي واِحسين اينادي يامّهْ

اُوهذايجي للثاني اِيكفكف دموعَه اِبكمّهْ

ياهي امصيبةَ عظمى اُوياهي علينه ملتمّهْ

يوم العدى وصلتنه اُودار الوحي دخلُوها

الله يحيدر صبّرك مثل الصخَر بل زايدْ

إنتَه الاُسود اِتهابك واِنته إليهمْ قايدْ

كيف الأعادي تهجمْ بالدار واِنته قاعدْ

اِيدخلوااعليكْ اِبدارك اُودارالوحي حرقوها

تمّت في ٥ ربيع الأوّل سنة ١٣٨٣ ه

اِقعد يبو ابراهيم شوف اللي علَيْ صار

مكسور ضلعي اُومنزلي محروق بالنّارْ

جيتك أخبرَك واَشتكي فعلة القومْ

استهضمتني اُمّتك يا كنز العلُومْ

يا مُصطفى ليتَكْ تعاينْ حالي اليومْ

مكسور ضلعي ما إلى ثاير ونغّارْ

اُمّتك يا هادي علينه ردّت اِردودْ

ردّتْ ظلم يا ياب تطلب منك احقُودْ

بالباب عصروني اُوعلي سحبوه مَقيودْ

يردونّه أنْ يخضع اُوهو حيدر الكرّارْ

يوم اَعصروني وطحت مغشيّه عليّه

اُوحيدر يعاينّي ولا ينْغر عليّه

اُو لَمن أفقتْ اُوعاينتْ داري خِليّهْ

سايلتْ فضة وين عنّي حامي الجارْ

٢٧

قالتْ خَذوه القُوم يا بنتِ الرسالهْ

وامكتفة ايمينة يزهرة مَعَ اشمالَهْ

وضعوا وسط حلقَه حبال قوم الظلم(١)

اُوراحوا به امكتّف يزهرة يا امْ لطهارْ

فرّيت مذعورة اُولَن حيدر مشوا بيهْ

لَهل الظُّلم إللي قَصدهم إلبطش بيهْ

واَدركتهم يا ياب قبل ايوصلوا بيهْ

ردوئر(٢) اُو ألموني اِبسوطهم قوم لشرارْ

من بعد عينك كَم عدو جار اُوتعدّه

اُوجاني اِبيتي يتبعه جنده اِبهدّه

اُودخلوا عليّه يا رسول الله اِبشدّه

والنار شبّوا بمنزلي اُوصار الذي صارْ

اُونخيتْ بصحابك ولا واحد رحمني

يابه لخلّي النوح والتعداد فنّي

واِحسين اِيذوبني إلّا من نشدني

ويقول وينه جدّنا أحمد المختارْ

اُوهذي يبويه للفريضة إِيأذّن اِبلالْ

اُويهلّن لذكرَك يا رسول الله يسردالْ

وآني المصايب فوق راسي مثل لجبالْ

لقضي العمر بالنوح في ليل وانهار

بعدك فلا أبطل ولا هيّد منَ النُّوحْ

ليلي اُونهاري ما بقت في جسمي الرُّوحْ

لو عشتْ في الدّنيا مثل عمرِ النّبي نُوحْ

ولدعي اِدموع العين تجري مثل المطارْ

تمّت ٧ صفر سنة ١٣٨٦ ه

___________________

(١) يبدو أنّ هناك أربعة أشطر سقطت من أصل المصدر لم نهتدِ إليها في النسخة التي بين أيدينا. (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

(٢) هكذا وردت المفردة ولا معنى لها , ولعلها ( رَدَّوا ). (موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٢٨

الفصل الثاني

في رثاء فاطمة الزهراء (عليها‌السلام )

ممّا رثاها ملا علي الفايز :

أسما تنادي فاطمة يا اُمْ البدورْ

والله مصابك يا حزينة اِيفت الصخورْ

ياما من البلوى اُومن ضيم حصلتيه

جسم الوصي بامصيبتك زهرة نحلتيه

فتحي اعيونك له يمحزونه اُو نظريه

تجري دموعه والقلب بالحزن مفطورْ

بالفرش مطروحه اُومن حولك يتاماك

يا ليت كُلّ أرواحنا زهرة فداياك

يا عيشة الكشرة يمحزونة بليّاك

عقبك فلا انعيّد ولا نستر باسرور

لمّن افاقت من الغشوه اُم لطهار

قالت يا اسما لا تصيحي ابصوت مجهار

لا تروعين لقلب ايتامي هلصغار

رحمي ابحال اِحسين قلبه صار مكسور

قرب لي اُولادي يبو الحملة بشعهُمْ

ما تصبّر الأولاد عن توديع اُمّهُمْ

قلبي عليهم ذاب من اذكر يتمهُمْ

لا سيما اللي ينذبح في شهر عاشور

باقول ياسما لولادي وحفظيهم

لا من بكوا بالنوح اسما سكتيهم

بافارق الأولاد وا حزني عليهم

ايحق لي على اولادي لصب الدمع منثور

اُونادت على حيدر اُومنها الدمع سفّاك

قالت يبن عمّي بوصيك أبيتاماك

وانكان يابن العَم عملت اقصور ويّاك

قلها فلا منّك بدي يا فاطمة اقصور

٢٩

لكنْ أنا مني بدا في حقك اقصور

اسقاطك المُحسن اُومن ضلعك المكسور

اُومن لطمتك خدك اُومن جنبك المعصور

وانا ابعيني أنظرك يا زينة الحُور

- تمّت -

نصبي يفضّة النوح والمأتم عليّه

لا من رأيتي حجرتي منّي خليّه

سمعي يفضّة للكلام اللي أقولهْ

قبل المنية ودّعي الزهرة البتولهْ

بوصيك يا فضّة أتبارين الحمولهْ

اُو بالأخص اُولادي يفضّة بالسويّه

لمّي شمل ليتام فضّة عن التبديد

بوجوههم بالك تصيحي اُوتصفقي الأيد

اُوعندي الخبر لن بناتي اتروح ليزيد

من كربلا للشام تتودى هديّه

ياُولاد منّي اتودّعوا قبل المنيّهْ

إنفارقتكم يا ولادي بهالعشيّهْ

مع السلامة يا ذبيح الغاضريّهْ

وانته يبو محمّد يمسموم الدعيّه

إنته يكلبي عقب عيني اتروح مسموم

شبّيت في قلبي ترى نيران لهموم

اُو حزني على اللي ابكربلا ينذبح مظلوم

الله ايعينك يا غريب الغاضريّه

أمّا اِخوك الحسن موتَه تحضرونَه

وقت احتضاره يا لولد تتحاولونَه

اُو في يوم دفنه للجنازة تحملونه

وانته تظل يا بني على الرمضة رميّه

تبقى ثلاثتيام لا سدر ولا كافور

اُوجملة أنصارك واخوتَك وكلكُم بلا اقبور

والأعوجيّة اترض منكم ذيك لصدور

والروس تحمل فوق روس السمهريّه

واخيامكم بالنار يا بني يحرّقوها

اُو كُلّ الحراير من خيمها ايفرهدوها

اُو تالي على الهزّل سبايا ايركّبوها

تبدي حنين ايفجّر اصخور القويّه

٣٠

واللي يباري للضعينة عقب اهلكُم

زجر اُوخولّي لو بكيتوا يضربنْكُم

في كُلّ بلدة يا بناتي ايشهرنكُم

ليل اُو نهارٌ فوق أكوار المطيّه

في الحين دارت عينها الوالد السبطين

بالليل جهّزني ابخفيّة يا ابو الحسنين

اُو ليكون تبكي تكسر اقلوب اليتيمين

اُو حملة بناتي تفتجع كلها سويّه

بالليل جهّزني يحيدر معْ يتاماك

اُو ليكون في دفني أحد يشترك ويّاك

من هالذي يابو اِحسين آذاني وآذاك

ينتقم منهم خالقي ربْ البريّه

لمّن وصية بوي أوصى اُوضيّعوها

اضلوعي ابصاير باب بيتي كسّروها

إجنازتي شاهد لهم لا يحضروها

يابو الحسن لا يحضروا يصلّوا عليّه

عنهم فلا أرضى ولا أنسى فعلهم

كُلهم ترى عدوان ليّه القوم كُلْهم

وانته الذي منصوب رب السما إلهم

امضوا حكمهم فيك بالشمس المضيّه

تبقى جليس الدار في بيتك امأخّر

تجلس ابذلّة وغيرك اليصعد المنبر

منبر الهادي يصعدُونه دون حيدر

منهم بريّة يا علي منهم بريّه

مع السلامة يا ولادي امعا لسلامهْ

حانت الفرقة والملاقي في القيامهْ

اُوحقي على الكرّار يكفل هاليتامه

٣١

٣٢

٣٣

٣٤

٣٥

٣٦

٣٧

٣٨

٣٩

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421