القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 359847 / تحميل: 10440
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الآيات

( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) )

التّفسير

أوصاف المؤمنين :

بعد ذكر أوصاف الصالحين وجوانب من أنواع العذاب في يوم القيامة ، يأتي هنا وصف المؤمنين للتعرف عن سبب انقسام النّاس إلى صنفين ، وهنا : المعذبون والناجون ، يقول أوّلا :( إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ) .

( إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ) .

يراد بـ «الهلوع» كما يقول المفسّرون وأصحاب اللغة «الحريص» ، وآخرون

٢١

فسّروه بالجزع ، وبناء على التّفسير الأوّل فإنّه يشار إلى ثلاثة أمور رذيلة يتصف بها هؤلاء وهي : الحرص ، والجزع ، والبخل ، وللتّفسير الثّاني صفتان هما : الجزع ، والبخل ، لأنّ الثّانية والثّالثة هي تفسير لمعنى الهلوع.

وهنا احتمال آخر وهو أنّ المعنيين يجتمعان في هذه الكلمة ، لأنّ هاتين الصفتين متلازمتان مع بعضهما ، فالناس الحريصون غالبا ما يكونون بخلاء ، ويجزعون عند الشدائد ، بالعكس أيضا صحيح.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو كيف أنّ الله خلق الإنسان للسعادة والكمال وجعل فيه الشرّ والسوء؟

وهل يمكن أن يخلق الله شيئا ذا متصفا بصفة ، ثمّ وبعد يذم خلقه؟ بالإضافة إلى ذلك فإنّ القرآن الكريم يصرّح في سورة التين الآية (٤) :( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) .

بالتأكيد ليس من أن ظاهر الإنسان حسن وباطنه سيء ، بل إنّ الخلقة الكلية للإنسان هي في صورة «أحسن تقويم». وهناك كذلك آيات أخرى تمدح المقام الرفيع للإنسان ، فكيف تتفق هذه الآيات مع الآية التي نحن بصددها؟

أجوبة هذه الأسئلة تتّضح بالالتفات إلى نقطة واحدة ، وهي أنّ الله خلق القوى والغرائز والصفات في الإنسان كوسائل لتكامل الإنسان وبلوغ سعادته ، لكن عند ما يستخدمها الإنسان في الطريق المنحرف ويسيء تدبيرها والاستفادة منها فستكون العاقبة هي التعاسة والشرّ والفساد ، فمثلا الحرص هو الذي لا يتيح فرصة الإنسان للتوقف عن السعي والحركة والاكتفاء بما لديه من نعمة وهو العطش المحرق الذي يسيطر على الإنسان ، فلو أنّ هذه الصفة وقعت في الطريق العلم لوجدنا الإنسان حريصا على التعلم ، أو بعبارة أخرى يتعطش العلم ويعشقه ، وبذلك سوف يكون سببا لكماله ، وأمّا إذا أخذت مسيرها في الماديات فإنّها ستكون سببا للتعاسة والبخل ، وبتعبير آخر : إنّ هذا الصفة فرع من فروع حبّ

٢٢

الذات ، وحبّ الذات غريزة توصل الإنسان إلى الكمال ، ولكن إذا انحرف في مسيرة فإنّه سوف يجرّه إلى الحسد والبخل وإلى غير ذلك.

وفي هذا الشأن هناك مواهب أخرى أيضا بهذا الشكل : إنّ الله أودع قدرة عظيمة في قلب الذرة ، من المؤكد أنّها نافعة ومفيدة ، ولكن إذا ما اسيء استخدام هذه القدرة وصنع من ذلك القنابل الفتاكة ولم يستخدم في توليد الطاقة الكهربائية والوسائل الصناعية والسلية الأخرى ، فسيكون مدعاة للشرّ والفساد ، وبالتعمق فيما ذكرنا يمكن أن الجمع في ما ورد في الإنسان وذلك من خلال الآيات القرآنية المبيّنة لحالات الإنسان(١) .

ثمّ تذكر الآيات الكريمة صفات الأشخاص الجيدين على شكل استثناء ، وتبيّن لهم تسع صفات ايجابية بارزة ، فيقول تعالى :( إِلَّا الْمُصَلِّينَ ) .

( الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ) .

هذا هي الخصوصية الأولى لهم وأنّهم مرتبطين بالله بشكل دائم ، وهذه الرابطة تتوثق بالصلاة ، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصلاة التي تربي روح الإنسان وتذكره دائما بالله تعالى ، والسير بهذا الاتجاه سوف يمنعه من الغفلة والغرور ، والغرق في بحر الشهوات ، والوقوع في قبضة الشيطان وهوى النفس.

ومن الطبيعي أنّ المراد من الإدامة على الصلاة ليس أن يكون دائما في حال الصلاة ، بل هو المحافظة على أوقات الصلاة المعينة.

من المعروف أنّ كل عمل جيد يقوم به الإنسان إنّما يترك فيه أثرا صالحا فيما لو كان مستديما ، ولهذا نقرأ في الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ أحبّ الأعمال إلى الله ما دام وإنّ قلّ»(٢) .

__________________

(١) هناك توضيح آخر أوردناه تحت عنوان «الإنسان في القرآن الكريم» في ذيل الآية (١٣) لسورة يونس من هذا التّفسير.

(٢) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث ، ج ٢ ، ص ١٦٠.

٢٣

ونلاحظ في حديث عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال : «إذا فرض على نفسه شيئا من النوافل دام عليه»(١) .

وورد في حديث عنهعليه‌السلام أنّه قال : «هذه الآية تعني النافلة ، آية( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) (والتي تأتي فيما بعد) تعني صلاة الفريضة». وتجوز هذه المراعاة هنا ، إذ أنّ التعبير بالمحافظة هو ما يناسب الصلاة الواجبة والتي يجب المحافظة على أوقاتها المعينة ، وأمّا التعبير بالمداومة فهو ما يناسب الصلاة المستحبة وذلك بأنّ الإنسان يمكنه الإتيان بها أحيانا وتركها أحيانا أخرى.

على كل حال بعد توضيح أهميّة الصلاة وأنّها من أهم الأعمال ومن أهم أوصاف المؤمنين تنتقل الآيات إلى ذكر الصفة الثّانية فيضيف تعالى :( وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) .

وبهذا سوف يحافظون على ارتباطهم بالخالق من جهة ، وعلاقتهم بخلق الله من جهة اخرى.

ويعتقد بعض المفسّرين أنّ المراد هنا من «حقّ المعلوم» هو الزّكاة المفروضة التي فيها المقدار المعين ، وموارد صرف ذلك المقدار هو السائل والمحروم ، ولكن هذه السورة مكّية وحكم الزّكاة لم يكن قد نزل في مكّة ، ولو فرض نزوله لم يكن هناك تعيّن للمقدار ، ولذا يعتقد البعض أنّ المراد من حقّ المعلوم هو شيء غير الزّكاة والذي يجب على الإنسان منحه للمحتاجين ، والشّاهد على هذا ما نقل عن الإمام الصّادقعليه‌السلام عند ما سئل عن تفسير هذه الآية وهل هذا شيء غير الزّكاة فقالعليه‌السلام : «هو الرجل يؤتيه الله الثروة من المال ، فيخرج منه الألف والألفين والثلاثة وآلاف والأقل والأكثر ، فيصل به رحمه ، ويحمل به الكلّ عن قومه»(٢) .

والفرق بين «السائل» و «المحروم» هو أنّ السائل يفصح عن حاجته ويسأل ،

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤١٥.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤١٧ ، حديث ٢٥ ـ ٢٧.

٢٤

والمحروم هو الذي لا يسأل لتعففه وحيائه ، وجاء في حديث عن الإمام الصّادقعليه‌السلام : «المحروم من يجد المشقّة في كسبه وعمله وهو محارف»(١) .

هذا الحديث هو أيضا يوافق ذلك التّفسير المذكور سلفا ، لأن مثل هؤلاء يكونون متعففين.

في جاء في تفسيرنا هذا في ذيل الآية (١٩) من سورة الذرايات بحث حول الحقّ المذكور وتفسير السائل والمحروم.

على كلّ ، فإنّ هذا العمل له أثره الاجتماعي في مجاهدة الفقر والحرمان من جهة ، ومن جهة أخرى يترك آثارا خلقية جيدة على الذين يؤدّون ذلك العمل ، وينتزع ما في قلوبهم وأرواحهم من أدران الحرص والبخل وحبّ الدنيا.

الآية الأخرى أشارت الى الخصوصية الثّالثة لهم فيضيف :( وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ )

والخصوصية الرّابعة هي :( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) .

( إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ) .

إنّهم يؤمنون من جهة بيوم الدين ، ومع الالتفات الى كلمة «يصدقون» وهو فعل مضارع يدل على الاستمرارية ، فهذا يعني إنّهم باستمرار يدركون أنّ في الأمر حسابا وجزاء ، بعض المفسّرين فسّر ذلك المعنى «بالتصديق العملي» أي الإتيان بالواجبات وترك المحرمات ، ولكن الآية ظاهرها الإطلاق ، أي أنّها تشمل التصديق العلمي والعملي.

ولكن من الممكن أن هناك من يؤمن بيوم الدين ويرى نفسه ممن لا يعاقب ، لذا تقول :( وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ) يعني أنّهم يدركون أهمية الأمر ، فلا يستكثرون حسناتهم ولا يستصغرون سيئاتهم ، ولهذا ورد في الحديث

__________________

(١) المصدر السابق.

٢٥

عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو ينصح ولده : «بني خف الله أنّك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يقبلها منك ، وأرج الله رجاء أنّك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك»(١) .

وحتى أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : «لن يدخل الجنّة أحدا عمله».

قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟

قال : «ولا أنا ، إلّا أن يتغمدني الله برحمته».

* * *

__________________

(١) جامع الأخبار ص ١١٣

٢٦

الآيات

( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) )

التّفسير

القسم الآخر من صفات أهل الجنّة :

في الآيات السابقة ذكرت أربعة أوصاف من الأوصاف الخاصّة بالمؤمنين الصادقين من أهل الجنان ، وفي هذه الآيات ذكر لخمسة من الأوصاف الأخرى فيكون المجموع تسعة أوصاف.

في الوصف الأوّل يقول اللهعزوجل :( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ (١) حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) .

__________________

(١) «فروج» جمع «فرج» وهو كناية عن الآلة التناسلية.

٢٧

لا شك في أنّ الغريزة الجنسية من غرائز الإنسان الشديدة والطاغية ، والكثير من الجرائم الكبيرة سببها هي هذه الغريزة ، ولذا كانت السيطرة على هذه الغريزة وحفظ حدودها من العلامات المهمّة للتقوى ، وبهذا ذكرت أهمية السيطرة على هذه الغريزة بعد تبيان أهمية الصلاة وإعانة المحتاجين والإيمان بيوم القيامة والإشفاق من عذاب الله.

وقد جاء في الذيل الآية استثناء يدلّ على أنّ منطق الإسلام يرفض أن يقف الإنسان موقفا سلبيا تماما من هذه الغريزة ويكون كالرهبان والقسيسين يسير بخلاف قانون الخلقة ، وهذا العمل غالبا ما يكون محالا وعلى فرض إمكانه فهو أمر غير منطقي ، ولهذا نجد الرهبان من لم يستطيعوا أيضا حذف هذه الغريزة من حياتهم ، وإذا لم يكونوا قد تزوجوا بالطريقة الرسمية فإنّ الكثير منهم ينصرف إلى ارتكاب الفحشاء عند الاختلاء.

الفضائح الناتجة من هذا المسلك ليست قليلة ، فقد كشف المؤرخون المسيحيون مثل (ول دورانت) وغيره النقاب عن ذلك.

المراد ب ـ «الأزواج» الزوجات الدائمة والمؤقتة فإنّه يشمل الإثنين ، وقد ظنّ البعض أنّ هذه الآية تنهى عن الزواج المؤقت وللم يعلموا أنّ ذلك هو نوع من الزواج.

وفي الآية الأخرى يؤكّد بشكل أكثر على نفس الموضوع فيضيف :( فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ )

وبهذه الطريقة فإنّ الإسلام يخطط لمجتمع يحافظ على غرائزه الفطرية ، ولا يؤدّي به إلى الغرق بالفحشاء والفساد الجنسي والمضارّ الناتجة منه ، وبالطبع أنّ للجواري في نظر الإسلام كثيرا من شرائط الزوجة والضوابط القانونية للزوج وإن كان الموضوع منتف أساسا في زماننا الحاضر.

عندئذ يشير إلى الصفات السادسة والسابعة ، فيقول :( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ

٢٨

وَعَهْدِهِمْ راعُونَ )

من الطبيعي أنّ لأمانة معنى واسع وليست هي الأمانات المادية المتنوعة للناس فحسب ، بل أنّها تشمل الأمانات الإلهية وأمانات الأنبياء وكلّ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام .

إنّ كلّ نعمة من النعم الإلهية هي من أماناته تعالى ، منها المقامات الاجتماعية وبالخصوص المسؤولون في الدولة فإنّها تعتبر من أهم الأمانات ، ولهذا ورد في الحديث عن الإمام الباقر والإمام الصّادقعليهما‌السلام في تفسير الآية( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) ، بأنّ المراد من الأمانات هنا «الولاية والحاكمية»(١) ، وقرأنا كذلك في سورة الأحزاب (٧٢) ، إنّ التكليف والمسؤولية تعني الأمانة الإلهية الكبيرة.( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) والأهم من ذلك كله هو الدين والشريعة الإلهية وكتاب الله ، وهو من الأمانات الكبيرة التي يجب الحفاظ عليها بالسعي.

«العهد» : وله مفهوم واسع أيضا ، يشمل العهود الإنسانية وكذلك العهود الإلهية ، لأنّ العهد هو كل ما التزم به الإنسان لغيره ، وممّا لا شك فيه أنّ الإيمان بالله وبرسوله يعني الالتزام بما كلّف به.

الإسلام أعطى أهمية بالغة لحفظ الأمانات والعهود والالتزام بها ، وقد عرف ذلك بأنّه أهمّ علامات الإيمان.

ولمزيد من الاطلاع راجع تفسيرنا هذا ، ذيل الآية (٥٨) من سورة النساء.

ويضيف في الوصف الثامن :( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ ) لأنّ القيام بالشهادة العادلة وترك كتمانها من أهم بنود إقامة العدل في المجتمع البشري.

وقد يرفض بعض الناس أداء الشهادة بحجّة إننا لماذا نشتري عداوة هذا

__________________

(١) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٣٨٠.

٢٩

وذاك ، ونسبب المتاعب لأنفسنا بأداء الشهادة ، هؤلاء أشخاص لا يبالون بالحقوق الإنسانية ويفقدون الروح الاجتماعية ، ولا يؤمنون بتطبيق العدالة ، ولهذا نرى القرآن الكريم في كثير من آياته يدعو المسلمين إلى أداء الشهادة ويعدّ كتمانها ذنبا(١) .

وفي الوصف الأخير ، وهو الوصف التاسع من هذه المجموعة ، يعود مرّة أخرى إلى موضوع الصلاة ، كما كان البدء بالصلاة ، يقول تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ ) .

وكما أشرنا سابقا أنّ الصلاة هنا بملاحظة القرائن تشير إلى الفريضة ، وفي الآية السابقة تشير إلى النافلة.

ومن الطبيعي أن الوصف الأوّل كان إشارة إلى المداومة ، ولكن الخطاب هنا حول حفظ آداب وشروط الصلاة وخصائصها ، والآداب التي تكمن في ظاهر الصلاة والتي تنهى عن الفحشاء والمنكر من جهة ، وتقوي روح الصلاة بحضور القلب من جهة أخرى وتمحو الأخلاق الرذيلة التي تكون كحجر عشرة أمام قبولها ، ولهذا لا يعتبر ذكرها مرّة أخرى من قبيل التكرار.

هذه البداية والنهاية تشير إلى أنّ الصلاة من بين الصفات الحميدة المذكورة هي الأهم ، ولم لا تكون كذلك والصلاة هي المدرسة العالية للتربية ، وأهم وسيلة لتهذيب النفوس المجتمع.

وفي النهاية تبيّن الآية الأخيرة عاقبة المتّصفين بهذه الأوصاف ، كما بيّنت في الآيات السابقة المسير النهائي للمجرمين ، فيقول تعالى هنا في جملة مختصرة وغنية بالمعاني :( أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ) .(٢)

__________________

(١) البقرة ، ٢٨٣ و١٤٠ ، المائدة ، ١٠٦ ، الطلاق ، ٢.

(٢) «في جنات» خبر ب ـ «أولئك» و «مكرمون» خبر ثان أو أنّه خبر و «في جنات» متعلق به «تمعن».

٣٠

لماذا لا يكونون مكرمين؟ وهم ضيوف الله ، وقد وفرّ الله القادر الرحمن لهم جميع وسائل الضيافة ، وفي الحقيقة أنّ هذين التعبيرين «جنات» و «مكرمون» إشارة إلى النعم المادية والمعنوية التي يغرق فيها هؤلاء المكرمين.

* * *

٣١

الآيات

( فَما لـ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) )

التّفسير

الطمع الواهي في الجنّة :

جاء البحث في الآيات السابقة من هذه السورة حول علامات المؤمنين والكفار ، ومصير كلّ من المجموعتين ، في الآيات يعود ليوضح أحوال الكفار واستهزاءهم بالمقدسات.

قال البعض : إنّ هذه الآيات نزلت في جماعة من المشركين فعند ما كان الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتلو على المسلمين آيات المعاد ، كان هؤلاء الكفار يقدمون من كلّ صوب وحدب ويقولون : إذا كان هناك معاد فإنّ حالنا في الآخرة أحسن من حال من آمن بك ، كما أنّ حالنا في هذه الدنيا أحسن منهم.

٣٢

يقول القرآن الكريم في جوابهم :( فَما لـ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) أي يقبلون نحوك من كل جانب مسرعين.

( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ) أي جماعات متفرقين.

( أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ) بأي إيمان وبأي عمل يستحقون ذلك؟!

«مهطعين» : جمع مهطع ، وتعني الذي يمدّ عنقه مقبلا على شيء بسرعة للبحث عنه ، وأحيانا تأتي ـ فقط ـ بمعنى مدّ العنق لاستطلاع الأمر.

«عزين» : جمع عزة ، على وزن «هبة» وتعني جماعات في متفرقين ، وأصلها «عزو» ـ على وزن جذب ـ بمعنى النسبة ، وبما أنّ كلّ جماعة يرتبط أفرادها بعضهم ببعض بنسبة معينة : أو يهدفون إلى غرض معين أطلقت كلمة «عزة» على الجماعة.

على كل حال فإنّ المشركين المتكبرين كان لهم الكثير من الادعاءات الباطلة الواهية ، وكانت الرّفاهية في حياتهم الدنيوية وغالبا ما كان يتمّ ذلك بطريق غير مشروع كالإغارة والسلب وغير ذلك ما كان يجعلهم يظنون بأنّهم قد حصلوا على هذه المقامات العالية ولمكانتهم عند الله ، فكانوا ينسبون إلى أنفسهم المقامات الرفيعة في يوم القيامة.

صحيح أنّهم لم يكونوا يعتقدون بالمعاد بتلك الصورة التي يبيّنها القرآن ، ولكنّهم كانوا يحتملون وقوعه أحيانا ، ويقولون : إذا وقع المعاد فإنّ حالنا في العالم الآخر سيكون كذا كذا ، ولعلهم كانوا يريدون بذلك الاستهزاء.

وهنا يجيبهم القرآن المجيد فيقول :( كَلَّا ) ليس الأمر كذلك وليس لهم حقّ الدخول إلى الجنّة( إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ) .

في الحقيقة أنّ الله يريد بهذه الجملة أن يحطم غرورهم ، لأنّه يقول : إنّكم تعلمون جيدا مم خلقناكم؟ من نطفة قذرة ، من ماء آسن مهين ، فلما ذا كلّ هذا

٣٣

الغرور؟ ويجيب ثانيا على المستهزئين بالمعاد فيقول : إذا كنتم في شك من المعاد فتمعنوا في حال هذه النطفة ، وانظروا كيف خلقنا موجودا بديعا من قطرة ماء قذرة يتطور فيها الجنين كلّ يوم يتّخذ شكلا جديدا ، ألم يقدر خالق الإنسان من هذه النطفة أن يعيد إليه الحياة بعد دفنه.

ثالثا : كيف يطمعون في الجنّة وفي صحائفهم كل هذه الذنوب؟ لأنّ الموجود الذي خلق من نطفة لا يمكن أن يكون له قيمة مادية ، وإذا كانت له قيمة وكرامة فإنّ ذلك لإيمانه وعمله الصالح ، وأولئك قد فقدوا هذه الصفات ، فكيف ينتظرون الدخول إلى الجنّة؟!(١)

ثمّ يقول تعالى مؤكّدا ذلك :( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) .

لعل هذه الجملة إشارة إلى أنّنا لسنا قادرين على أن نعيد لهم الحياة بعد الموت فحسب ، بل إنّنا نستطيع أن نبدله إلى أكمل الموجودات وأفضلها ، ولا يمنعنا من ذلك شيء.

وعلى هذا فإنّ السياق هو إدامة لبحث المعاد ، أو هو إشارة إلى أنّنا نهلككم جزاء لأعمالكم ولا يمنعنا من ذلك شيء ، ونستبدل بكم مؤمنين وأعين ، ليكونوا أنصارا للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يضرّنا ذلك شيئا ، ولهذا إن كنّا نلح عليكم أن تؤمنوا فليس من باب العجز والاحتياج ، بل من أجل تربية البشرية وهدايتها.

يمكن أن يكون المراد ب ـ( بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) بأن الله الذي يقدر على أن يجعل للشمس العظيمة مشرقا ومغربا جديدين في كل يوم ، ويكون بنظام دقيق من دون أية زيادة ونقصان مدى ملايين السنين قادر على أن يعيد الإنسان

__________________

(١) هناك احتمالات أخرى في تفسير هذه الآية : أنّ المراد من جملة «ممّا يعلمون» هو أنّنا خلقناهم ووهبنا لهم العقل والشعور لا كالحيوانات والبهائم ، ولهذا فإنّهم مسئولون عن أعمالهم ، وهناك مراد آخر وهو أنّنا خلقناهم لأهداف هم يعلمونها وهي التكليف والطاعة ، ولكن هذه الاحتمالات بعيدة ، ولذا فإنّ أكثر المفسّرين ذهبوا إلى المعنى المذكور سابقا.

٣٤

مرّة أخرى إلى الحياة الجديدة ويستبدلهم بقوم أفضل منهم.

* * *

ملاحظة

ربّ المشارق والمغارب :

قد يأتي تعبير المشرق والمغرب في أحيانا بصيغة المفرد كالآية (١١٥) من سورة البقرة :( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) وأحيانا بصيغة المثنى كما في الآية (١٧) من سورة الرحمن :( رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ) وأحيانا أخرى بصيغة الجمع( الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ ) كالآية التي هو مورد بحثنا.

البعض من ذوي النظرات الضيقة يظنون تضاد هذه التعابير ، في حين أنّها مترابطة ، وكل منها يشير إلى بيان خاص ، فالشمس في كلّ يوم تطلع من نقطة جديدة ، وتغرب من نقطة جديدة أخرى ، وعلى هذا الأساس لدينا بعدد أيّام السنة مشارق ومغارب ، ومن جهة أخرى فإنّ من بين كل هذه المشارق والمغارب هناك مشرقان ومغربان ممتازان ، إذ أن أحدهما يظهر في بدء الصيف أي الحد الأعلى لبلوغ ذروة ارتفاع الشمس في المدار الشمالي ، والآخر في بدء الشتاء أي الحد الأدنى لنزول الشمس في المدار الجنوبي ، (ويعبرون عن أحدهما بمدار «رأس السرطان» ، وعن الآخر بمدار «رأس الجدي» ،) وقد اعتمد على ذلك لأنّهما واضحان تماما ، بالإضافة إلى هذين المشرقين والمغربين الآخرين الّذين سمّيا بالمشرق والمغرب والاعتداليان (وهو أوّل الربيع وأوّل الخريف ، عند تساوي ساعات الليل والنهار في جميع الدنيا) ولذا ذهب البعض إلى هذا المعنى في تفسير الآية : «ربّ المشرقين والمغربين» وهو معنى مقبول أيضا.

وأمّا ما جاء بصيغة المفرد فإنّ المراد به ماهيته ، لأنّ الملاحظ فيه أصل

٣٥

المشرق والمغرب بدون الالتفات إلى الأفراد ، وبهذا الترتيب فإنّ لكلّ من العبارات المختلفة أعلاه مسألة تلفت نظر الإنسان إلى التغييرات المختلفة لطلوع وغروب الشمس ، والتغيير المنتظم لمدارات الشمس.

* * *

٣٦

الآيات

( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤) )

التّفسير

كأنّهم يهرعون إلى الأصنام!!

هذه الآيات وهي آخر آيات سورة المعارج جاءت لتنذر وتهدد الكفار المعاندين والمستهزئين ، يقول سبحانه :( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ) (١) .

لا يلزم الاستدلال والموعظة أكثر من هذا ، فإنّهم لا يتعضون وليس لهم الاستعداد للاستيقاظ ، دعهم يخوضون في أباطيلهم وأراجيفهم كما يلعب الأطفال حتى يحين يومهم الموعود ، يوم البعث ويرون كل شيء بأعينهم!

__________________

(١) «يخوضوا» من أصل خوض ـ على وزن حوض ـ وتعني في الأصل الحركة في الماء ، ثمّ جاءت بصيغة الكناية في موارد يغطس فيه الإنسان في الباطل.

٣٧

هذه الآية وبهذا التعبير وردت في سورة الزخرف (٨٣).

ثمّ تبيّن الآية التالية اليوم الموعود ، وتذكر بعض علامات ذلك اليوم المرعب فيقول تعالى :( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) .

يا له من تعبير عجيب ، إنّه وصف يوم القيامة في وقت يتجهون فيه سراعا إلى محكمة العدل الإلهي اتجاها يشبه إسراعهم في يوم احتفال أو عزاء باتجاه أصنام ، ولكن أين ذلك من هذا؟ إنّه في الحقيقة استهزاء بعقائدهم المجونة التي كانوا يعتقدون بها في الدنيا.

«الأجداث» : جمع جدث ـ على وزن (عبث) ـ وتعني القبر.

«سراع» : جمع سريع ، مثل (ظراف وظريف) وتعني الحركة السريعة للشيء أو الإنسان.

«نصب» : جمع نصيب ، ويقول البعض : إنّه جمع نصب ـ على وزن (سقف) ـ المراد منه هو ما ينصب كعلامة ، وتطلق على الأصنام الحجرية إذ كانوا ينصبونها في مكان ما ليعبدوها ويقدّم لها القرابين ثمّ يلطخون دماءها عليها ، واختلافه مع الصنم هو أنّ الصنم كان على هيئة صورة وشكل خاص ، وأمّا النصب فهو قطعة من الحجر لا شكل له ، وكانوا يعبدونه لسبب ما ، ونقرأ في الآية (٣) من سورة المائدة :( وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ) أي أنّ من جملة اللحوم المحرّمة هي ما يذبحون من الحيوانات على النصب.

«يوفضون» : من (إفاضة) وتعني الحركة السريعة المشابهة لحركة الماء المنحدر من العين ، وقال البعض : إنّ المراد من النصب في الآية التي نحن بصددها هو الأعلام التي ينصبونها في وسط الجيش أو القوافل ، وعلى كل منهم أن يوصل نفسه بسرعة إليها ، ولكن التّفسير الأوّل هو الأنسب.

ثمّ تذكر الآيات حالات أخرى لهؤلاء فتضيف :( خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ

٣٨

ذِلَّةٌ ) (١) من شدّة الهول والوحشة وقد غرقوا في ذلّة مهينة وفي آخر الآية يتابع قوله :( ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ) .

نعم هذا هو اليوم الموعود الذي كان يسخرون منه ويقولون أحيانا : لنفترض أنّ هناك يوما كهذا ، فإنّ حالنا في ذلك اليوم هو أفضل من حال المؤمنين ، ولكنّهم لا يجرؤون أن يرفعوا رؤوسهم في ذلك اليوم لشدّة الخوف والوحشة ، وقد تعفرت وجوههم ورؤوسهم بغبار الذلّة ، وغرقوا في كل الهموم الهائلة ، ومن المؤكّد أنّهم يندمون في ذلك اليوم ، ولكن ما الفائدة؟

اللهم : ألبسنا ثوب رحمتك في ذلك اليوم المهول.

ربّنا : إنّ مصائد الشيطان وحبائله قوية ، وهوى النفس غالب ، والآمال الطويلة والبعيدة خداعة ، فترحم علينا باليقظة وعدم الانحراف عن المسار الصحيح.

اللهم : اجعلنا ممن آمن ووفى بعهده وبذل عمره في طاعتك.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المعارج

* * *

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المعارج

__________________

(١) «ترهقهم» من أصل (رهق) على وزن (سقف) ويراد به غشيان الشيء بقهر.

٣٩
٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ألَمْ يأنِ للَّذين آمنوا

أنْ تخشع قلوبهم لذِكر الله؟!

يُحكى أنَّ فضيلاً كان في أوَّل أمره يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وعشق جاريةً، فبينما يرتقي الجدران إليها سمع تالياً يتلو: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ... ) ، فقال: يا رَبِّ، قد آن.

فرجع وآوى إلى خَربةٍ، فإذا فيها رُفقةٌ.

فقال بعضهم: نرتحل.

وقال بعضهم: حتَّى نُصبح؛ فإنّ فضيلاً على الطريق يقطع علينا.

فتاب الفضيل وآمنهم (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٣.

١٨١

مَن أراد أن يُظلِّه الله مِن فَوح جَهنَّم..

فليُنظِر مُعسِراً

رأى النبيُّ (صلى الله عليه وآله) رجلان يتنازعان، فاقترب منهما وسألهما عِلَّة نزاعهما.

فقال أحدهما: أقرضتهُ فلم يُعطني دَيْني.

فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الآخر ماذا يقول؟

فقال الآخر: يا نبيَّ الله، له عليَّ حُقٌّ وأنا مُعسرٌ، ولا والله، ما عندي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مَن أراد أنْ يُظلِّه الله مِن فَوح جَهنَّم يوم لا ظِلَّ إلاَّ ظِلَّه، فليُنظِر مُعسِراً أو ليدَع له).

فقال الرجل عند ذلك: قد وهبت لك ثُلُثاً وأخَّرتك بثُلُثٍ إلى سنةٍ وتعطيني ثُلُثاً.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (ما أحسن هذا) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٣.

١٨٢

لا تفعل يا عُثمان!

عن عليٍّ (عليه السلام) أنَّه قال:

(جاء عثمان بن مظعونٍ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حَديث النَّفس ولم أُحدِّث شيئاً حتَّى أستأمرك.

قال: بمَ حدَّثَتك نفسك يا عثمان؟

قال: هممتُ أنْ أسيح في الأرض.

قال: فلا تُسح فيها؛ فإنّ سياحة أُمَّتي المساجد.

قال: هممت أنْ أُحرِّم اللَّحم على نفسي.

فقال: لا تفعل؛ فإنِّي لأشتهيه وآكله، ولو سألت الله أنْ يُطعمنيه كلَّ يومٍ لفعل.

قال: هممت أنَّ أجبَّ نفسي.

قال: يا عثمان، ليس مِنَّا مِن فعل ذلك بنفسه ولا بأحدٍ، إنَّ وجاء أُمَّتي الصِّيام.

قال: وهممت أنْ أُحرِّم خولة على نفسي (يعني امرأته).

قال: لا تفعل يا عثمان) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٣.

١٨٣

لا تَكمُل الكمالات إلاَّ بالإسلام

كان مصعب بن عمير مِن أصحاب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الشباب قبل الهِجرة، وكان مصعب جميلاً ونبيلاً وهُماماً وسَخيَّاً، وكان عزيزاً عند أبويه، وكان أهل مَكَّة يكنُّون له الاحترام والتقدير، وكان يرتدي مِن الثياب أجملها، وكان يعيش في نعيم ورغد، وكان يستمع خُطب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكلماته وينشدُّ إلهيا بكل كيانه، وقد أدَّت لقاءاته المُتكرِّرة بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسماعه لآياتٍ مِن القرآن الكريم إلى اعتناقه الإسلام.

كانت مسألة الاقتداء بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) واعتناق الإسلام في تلك الأوضاع الخطيرة، التي كانت تسود مَكَّة بين قوم يعبدون الأصنام، ويغرقون في جهلهم - وضلالهم - تُعتبر ذنباً كبيراً يُعاقب عليه، وكان مَن يؤمن بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ورسالته ودعوته لا يجرؤ على الجَهر بإيمانه حتَّى أمام أهله وأقاربه. ومِن هذا المُنطلق لم يُفش مصعب أمر اعتناقه الإسلام لأحد، وكان يؤدِّي فرائضه الدينيَّة في الخَفاء.

وذات يوم وبينما كان مصعب يُصلِّي رآه عثمان بن طلحة فأيقن بإسلامه، ونقل الخبر إلى أُمِّ مصعب، ولم يمض وقت طويل حتَّى انتشر الخبر بين الناس، وأخذ الجميع يتحدَّثون عن اعتناق مصعب الإسلام، وقد أثار هذا الأمر غضب أُمِّ مصعب وأقاربه، مِمّا دفعهم إلى حبسه في المنزل؛ عسى أنْ يعدل عن رأيه ويَهجر الإسلام ويترك صُحبة محمّد (صلى الله عليه وآله).

لكنَّ هذا العقاب لم يترك أدنى أثر في نفس مصعب، ولم يستطع أنْ يثنيه عن مواصلة الدرب الذي اختاره لنفسه؛ لأنَّ مُصعباً الشابَّ قد اختار الإسلام على أساس مِن العقل والمنطق، واعتنقه وهو في كامل وعيه.

١٨٤

لقد بقي مصعب مُتمسِّكاً بإسلامه، مُقتدياً بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وبنهجه حتّى آخر عمره ((وشَهِدَ مُصْعَبٌ بَدراً معَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشَهِدَ أُحُداً ومَعَهُ لِواءُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقُتِلَ بأُحُدٍ شهيداً) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٨٥

أوّلُ مَنْ جَمَعَ الجُمعَةَ بِالمَدِينَةِ

ثابر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على نشر دعوته في الخَفاء مُدَّة مِن الزمن، وبعد أنْ اعتنق عدد كبير مِن الناس الإسلام، ولبُّوا دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله)، أشهر دعوته إلى الإسلام بأمر مِن الله سبحانه وتعالى، ومِن حينها بدأ بتلاوة القرآن في أوساط الناس في مَكَّة، وأخذ ينشر دعوته بينهم.

كان المُسافرون الوافدون على مدار السَّنَة إلى مَكَّة مِن الخارج للعبادة والزيارة، يُشارك غالبيَّتهم في المجالس العامَّة، التي كان يحضرها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ويستمعون إلى خُطبه ومواعظه، وبعد عودتهم إلى ديارهم كان كلٌّ منهم يروي لأهله وأقاربه ما شاهده مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعه منه، وأخذت دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تنتشر تدريجيَّاً في كافَّة مناطق الجزيرة العربيَّة لا سِيَّما في المدينة المنوَّرة، وبدأ الناس يتعرَّفون على الإسلام، وعلى منهجيَّة هذا الدين السماويِّ المُقدَّس.

وكانت النتيجة أنْ ازداد عدد المؤيِّدين للإسلام، حتَّى إنَّ بعضهم قد انشدَّ إلى دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قبل أنْ يراه.

وذات يوم قَدِم إلى مَكَّة رجلان مِن أشراف المدينة مِن قبيلة الخزرج، هما أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس، ودخلا على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في ظروف صعبة للغاية، وبعد استماعهما لحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) أعلنا إسلامهما صراحة. ثُمَّ قالا: يا رسول الله ابْعَثْ مَعَنا رَجُلاً يُعَلِّمُنا القُرآنَ ويَدْعُو النَّاسَ إلى أمْرِكَ.

وكانت المدينة يومها مِن أهمِّ مُدن جزيرة العرب، وكانت تقطنها قبيلتان معروفتان هُما الأوس والخزرج، وكانت هاتان القبيلتان - وللأسف - تتبادلان العِداء لبعضهما البعض، وتخوض كلٌّ منها معارك ضِدَّ الأُخرى استمرَّت سنين طويلة.

١٨٦

وقد كان هذا الطلب فُرصة مُناسبة ومُهمَّة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والمسلمين الذين كانوا يعيشون ظروفاً صعبة، وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأنصاره وموالوه يُدركون - جَيِّداً - أنَّهم إذا استغلُّوا هذه الفرصة بشَكل جيِّدٍ، وإذا استطاع مبعوث الرسول (صلى الله عليه وآله) تعريف الإسلام إلى أهل المدينة بطريقة صحيحة وحكيمة، وجعلهم يعتنقونه ويؤمنون بما جاء به القرآن الكريم؛ فإنَّ نجاحاً عظيماً ومكسباً مُهمَّاً سيكون مِن نصيب المسلمين، الذين ستكون المدينة بالنسبة إليهم قاعدة مُهمَّة، ينطلقون منها لنشر دعوتهم وجهادهم ضِدَّ المُشركين، الذين كانوا يحكمون مَكَّة بالظلم والاستبداد، والكَبت والضغط، وسيكون بإمكان المسلمين التعاون مع أهل المدينة في نشر المعارف الإسلاميَّة، وزَلزلة كيان الشرك والظلم في مَكَّة.

وكانت المَرَّة الأُولى التي يطلب فيها أهل مدينة كبيرة يسودهم الخلاف مِن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إرسال مبعوث لهم، وكانت المَرَّة الأُولى التي يُقرِّر فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إرسال مبعوث خارج مَكَّة.

مِمَّا لا شكَّ فيه أنَّ الذي يتمُّ اختياره لهذه المُهمَّة الخطيرة، ينبغي أنْ يكون كفوءاً مِن جميع الجِهات، وأهلاً لهذه المُهمَّة؛ حتَّى يستطيع تسوية الخلافات المُزمنة بين قبيلتي الأوس والخزرج، ونشر جوٍّ مِن المَحبَّة والأخوَّة بين أفرادها مِن جِهة، ويعمل مِن جِهة ثانية على نشر الإسلام، والدعوة له بشكل صحيح يترك أثره في القلوب ويشدُّ إليه الألباب.

وقد اختار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مصعب بن عمير الشابَّ مِن بين كافَّة المسلمين - شيوخاً وشبَّاناً - ومِن بين جميع أصحابه وأنصاره، مبعوثاً له إلى المدينة لأداء هذا الأمر المُهمِّ. (فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ - وكانَ فَتى حَدثاً ـ.. وأمَرَهَ رسول الله بِالْخُرُوجِ مَعَ أسعد، وقد كان تَعَلَّمَ مِنَ القُرْآنِ كَثيراً).

وقد دخل مصعب المدينة وهو في عُنفوان شبابه، وقلبه مُفعم بالإيمان وبدأ مهامَّه

١٨٧

بشوق وخلوص نيَّة. وكان لبراعته في الخطابة وحرارة تلاوته القرآن، وحُسن أخلاقه في مُعاشرة الناس وتدبُّره في حَلِّ المشاكل وإزالة الخلافات، الأثر البالغ في نفوس الناس، الذين انشدُّوا إليه وإلى مَلكاته الحَسنة مِن حيث لا يشعرون.

ولم يمضِ وقت طويل حتَّى توجَّه إليه الناس نساءً ورجالاً، شيوخاً وشُبَّانً، رؤوساء عشائر وأفراد عاديِّين؛ ليُعلنوا اعتناقهم الإسلام ويتعلَّموا القرآن مُطهِّرين قلوبهم مِن الأحقاد والأضغان، مُتآلفين مُتآخين، وأقاموا صلاة الجماعة في صفوف مُتراصَّة.

لقد نفذ مصعب بن عمير الشابُّ مُهمَّته في المدينة على أفضل وجه، ونال فخراً عظيماً. (إنَّهُ أوّلُ مَنْ جَمَعَ الجُمعَةَ بِالمَدينَةِ، وأَسْلَمَ على يَدِهِ أُسَيْدُ بْنُ خُضَيْرٍ وسَعْدُ بْنُ معاذٍ، وكَفى بِذلِكَ فَخْراً وأَثَراً في الإسلامِ).

لقد كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يعلم جيِّداً، أنَّ هناك في المدينة رجالاً مُسنِّين وشخصيَّات لها مكانتها مِن العصب جِدَّاً أنْ يَمتثلوا لأوامر شابٍّ بعمر مصعب، وكان بمقدور النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنْ يختار مِن بين أصحابه أكبرهم سِنَّاً ليكون مبعوثاً له إلى المدينة، أو أنْ يختار عدداً مِن الرجال يُشكِّلوا بعثة تتولَّى هذه المسؤوليَّة، ولكنَّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يختر سوى مصعب بن عمير الشابَّ، لتحميله هذه المسؤوليَّة وإيفاده إلى المدينة، التي كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) - وقتها - يعتبرها بلداً مُهمَّاً، يثبت لأنصاره ومواليه أنَّ الشرط الأساسي، الذي يُخوِّل المرء لتسلُّم أهمِّ المناصب والمسؤوليَّات في الإسلام، هو اللياقة والكفاءة وليس سنوات العمر، فإذا ما وجد بين جيل الشابَّ لبلد ما مِن هم أفاء يجب الاعتماد عليهم وتسليمهم زمام الأمور لإدارة البلاد (١) .

____________________

(١) الشابَّ، ج١.

١٨٨

الكفاءة لا السِّن هي المقياس

أقدم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في أواخر عمره الشريف على تعبئة طاقات المسلمين لمُحاربة بلاد الروم، وشكَّل جيشاً عظيماً ضمَّ كِبار قادة الجيش وأُمرائه، وكِبار وجهاء المُهاجرين والأنصار وكافَّة رؤساء القبائل العربيَّة.

ويوم خرج الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مِن المدينة ليستعرض جيشه، لاحظ وجود كِبار وجهاء المسلمين في صفوف الجيش، (فَلَمْ يَبْقَ مِنْ وُجُوهِ المُهاجِرينَ والأنْصارِ إلاَّ انْتَدَبَ في تِلْكَ الغزاةِ، فِيهِم أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وسَعْدُ بنُ أبي وَقّاصٍ وسَعْدُ بْنُ زَيْدٍ وأَبُوا عُبَيْدَةَ وقَتادَةُ النُّعْمانِ).

مِمَّا لا شكَّ فيه أنَّ قيادة جيش عظيم، كالذي شكَّله الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لمُحاربة الروم، مسألة دقيقة وحسَّاسة للغاية؛ إذ كان على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنْ يختار - حتماً - الأنسب والأكثر كفاءة ولياقة لتعيينه قائداً للجيش.

فكان أنْ دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله أُسامَةَ بْنَ زَيدٍ، ونصبه قائداً للفرقة وشدَّ له الراية بيديه الشريفتين: (واسْتَعمَلَهُ النَبيُّ صلى الله عليه وآله وهُوَ ابْنُ ثَمانِيَ عَشَرَ سَنَةً).

ومثل هذا الاختيار - إنْ لم نقل: إنَّ التاريخ العسكري في العالم لم يشهد نظيراً له فلا بُدَّ مِن القول: - إنَّه يندر حصوله.

وبالرغم مِن أنَّ عالمنا المُعاصر، يولي اهتماماً بالغاً لجيل الشباب، ويوفِّر له الدعم الكامل، وبالرغم مِن أنَّ البُلدان المُتطوِّرة الأوروبيَّة والأميريكيَّة، تسعى جاهدة إلى تكليف شبابها بمسؤوليَّات جِسام، فإنَّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد أقدم قبل أربعة عشر قَرناً على خطوة عسكريَّة مُهمَّة؛ دعماً منه للشُبَّان الأكفَّاء، حيث ولَّى

١٨٩

شابَّاً في الثامنة عشرة مِن العمر قائداً لجيشٍ إسلاميٍّ عظيم، لمُحاربة إمبراطوريَّة الروم، ألا وهو أسامة بن زيد.

وكان على كبار القادة الذين خاضوا أصعب المعارك وأشدَّها أواراً، ورفعوا راية الإسلام خفَّاقة فوق أعظم قلاع العدوِّ استحكاماً، وكذلك كان على أشجع الفُرسان وأكثرهم بسالة مِمَّن خبروا شؤون الحرب، وعلى وجهاء العرب والشخصيَّات الإسلاميَّة البارزة، الذين جسَّدوا في أحلك الظروف لياقتهم وكفاءتهم، كان عليهم جميعاً أنْ يمتثلوا لأوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويُشاركوا في هذا الحشد العسكريِّ مُطيعين أوامر قائدٍ شابٍّ، وهذا ما كان يصعب عليهم تصديقه وتحمُّله.

مِثل هذا الاختيار قد أثار الدهشة والحيرة لدى كبار القادة والأُمراء، الذين تلقّوا النبأ بكثير مِن التعجُّب والقلق، وأخذوا يتبادلون نظرات الحيرة، وأفصح بعضهم عمَّا يختلج في نفسه وما يُضمره قلبه:

(فَتَكَلَّمَ قَوْمٌ وقالُوا: يُسْتَعْمَلُ هذا الغُلامُ عَلى المُهاجِرينَ الأَوَّلينَ؟!

فَغَضِبَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) غَضَباً شديداً، فَخَرَجَ فَصَعَدَ المنْبَرَ فَحَمِدَ الله وأثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ:

(أَمّا بَعْدُ أَيُّها النَّاسُ، فَما مَقالةٌ بَلَغَتني عَنْ بَعضِكُمْ فِي تَأمِيري أُسامَةَ؟

ولَئِنْ َطَعَنْتُمْ فِي تَأمِيري أُسامَةَ، فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي تَأمِيري أَباهُ قَبْلَهُ. وأيمُ الله، إنَّه كانَ للإمارَةٍ خَليقاً وإنَّ ابْنَهُ بَعْدَهُ لَخَليقٌ لإمارَةٍ) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٠

إنَّ الله يُحِبُّ إذا خَرَجَ عَبْدُهُ المؤمِنُ إلى أخيهِ

أنْ يَتَهيّأَ لَهُ وأنْ يَتَجَمَلَّ

عن الإمام الصادق (عليه السلام): (جاء رجل إلى بيت النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) طالباً لقاءَهُ، وعندما هَمَّ النبي (صلى الله عليه وآله) بالخروج مِن حُجْرَتِهِ وقف عند وعاء فيه ماء داخل الحُجْرة، فنظر فيه ومَشَّط شَعره ولحيته المُباركة فدهشت عائشة لما رأت، وبعد عودة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) سألته قائلة:

يا رسول الله، لماذا وقفت عند وعاء الماء ومَشَّطت شَعرك ولحيتك قبل خروجك للرجل؟!

فقال صلَّى (صلَّى الله عليه وآله): يا عائِشَةُ، إنَّ الله يُحِبُّ إذا خَرَجَ عَبْدُهُ المؤمِنُ إلى أخيهِ أنْ يَتَهيّأَ لَهُ وأنْ يَتَجَمَلَّ) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩١

أستحيي مِن رَّبَّي أَنْ أتفضَّلَ عَلَيكَ

عن الإمام الباقر (عليه السلام):

(إنَّ أَميرَ المؤمِنينَ (عليه السلام) أَتى سوق البَزَّازينَ، فَقالَ لِرَجُلٍ: بِعْني ثَوْبَيْنِ.

فَقالَ الرَّجلُ: يا أَميرَ المؤمنينَ، عِنْدي حاجَتُكَ.

فَلَمَّا عَرَفَهُ مَضَى عَنْهُ، فَوَقَفَ على غُلامٍ فأَخَذَ ثَوْبَيْنِ أَحَدَهُما بِثلاثةِ دَرِاهمَ والآخرَ

رهمين، فقال: يا قَنبر خُذِ الذي بثلاثةٍ.

فقالَ قنبر: أنْتَ أَوْلى بِهِ، تَصْعَدُ المِنْبَرَ وتَخْطُبُ النّاسَ.

فَقالَ: وأَنتَ شابٌّ ولَكَ شَرَهُ الشّابِّ، وأَنا أَسْتَحْيي مِن رَبّي أَنْ أتفضَّل عليك؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ألبسُوهُمْ مِمَّا تلبسون وأطعموهم مِمَّا تأكلون) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٢

الأحْداث أَسْرَعُ إلى كُلِّ خَيْرٍ

دخل رجل يُدعى: (أبا جعفر الأحول) - وهو مِن أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وعمل مُدَّة داعياً ومُبلِّغاً للمذهب الشيعي، لنشر تعاليم أهل بيت النبوَّة (عليهم السلام) ـ.. دخل يوماً على الإمام الصادق (عليه السلام)، فسأله الإمام (عليه السلام): (كَيْفَ رأَيْتَ مُسَارَعَةَ الناس إلى هذا الأمر ودخولهم فيه؟).

قال: والله، إنَّهم لقليل.

فقال (عليه السلام): (عَلَيْكَ بالأحْداثِ؛ فإنَّهُمْ أَسْرَعُ إلى كُلِّ خَيْرٍ) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٣

إذ هممت بأمر فتدبَّر عاقبتهُ

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

(إنَّ رجلاً أتى النبيَّ (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، أوصيني.

فقال له رسول الله: فهل أنت مُستوصٍ إنْ أنا أوصيتُكَ؟

حتَّى قال له ذلك ثلاثاً، وفي كُلّها يقولُ الرَّجُلُ: نَعَمْ، يا رسول الله.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

فإنِّي أوصيك إذا أنت هممت بأمرٍ فتدبَّر عاقبته، فإنْ يَكُ رُشداً فأمضه، وإنْ يَكُ غَيَّاً فانته عنه) (١) .

____________________

(١) الشاب، ج١.

١٩٤

لم يكن لي جريمة فأخشاها

بعد مضيِّ سنة على وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) قَدِم المأمون العباسي إلى بغداد، وذات يوم اعتزم الخروج إلى الصيد، فمرَّ بأحد الأحياء المُحيطة بالمدينة، وكانت هناك مجموعة مِن الأولاد يلهون على الطريق، ومُحمد (الإمام الجواد) (عليه السلام) واقفٌ معهم، وكان عمره إحدى عشرة سنة فما حوله، فدنا المأمون منهم، ففرَّ الأولاد ولم يبقَ منهم سوى الإمام الجواد (عليه السلام) الذي لم يُحرِّك ساكناً، وشاهد الخليفة ما حصل، فدنا مِن الإمام (عليه السلام) وسأله عن سبب عدم فِراره مع بقيَّة الأولاد.

فقال الإمام (عليه السلام) مُسرعاً: (يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضيق لأوسِّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظَنِّي بك حَسن، إنَّك لا تضرُّ مَن لا ذنب له فوقفت. فأعجبه كلامه ووجهه)، فقال له: ما اسمك؟

قال: (محمد).

قال: ابن مَن أنت؟

قال: (يا أمير المؤمنين، أنا ابن علي الرضا) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٥

أداء الأمانة زيادة في الرزق

كان في عهد عبد الملك بن مروان تاجر معروف بالصدق والعمل الصالح؛ ولحُسن سمعته في سوق دمشق واعتماد الناس عليه وثقتهم به؛ كانوا يودعونه مُمتلكاتهم وبضاعتهم ليبيعها لهم ويأخذ أجرته على ذلك.

وذات يوم انحرف التاجر في إحدى صفقاته عن قويم مسيره وخان الأمانة، فشاع الخبر وانتشر بسرعة البرق بين الناس، وأصبح الشغل الشاغل لألسنتهم، ففقد التاجر ثقة العامَّة والخاصَّة به واهتزَّت شخصيَّة، وسحب الناس ثقتهم به، فلم يأمنوه بعدها على بضاعتهم، حتَّى ساءت أُموره وتشتَّت تجارته، وأخذ دائنوه يُلحون في الطلب.

وكان للتاجر وَلد عاقل تبدو على ملامحه الفراسة والذكاء، قد اعتبر مِن تجربة أبيه المريرة، وتعلَّم منها درساً لا يُنسى، وعرف أنَّ مُجرد انزلاق أو خيانة واحدة قد تؤدِّي إلى القضاء على كرامة الإنسان وشرفه، وتُبدِّل حياة العِزِّ إلى الذِّلِّ والسوء، فقرَّر في قرارة نفسه أنْ يبتعد حتَّى عن مُجرَّد التفكير بالخيانة والذنب، ويضع على الدوام نُصب عينيه الطهارة والتقوى والنزاهة، وكان لسلوكه السليم هذا مردودٌ إيجابيٌّ عليه، فقد رفعه عِزَّاً وأدخله في جميع القلوب، واتَّفق أنْ بعث عبد الملك بن مروان جاراً له وهو قائد عسكريٌّ كبير بمَعيَّة جيش المسلمين في مُهمَّة لقتال الروم، فاستدعاه الجار قبل توجُّهه إلى ميادين القتال، وأودعه جميع ماله البالغ عشرة آلاف دينار مِن الذهب، وأوصاه بأنْ يحتفظ بالمال كأمانة لديه حتَّى عودته مِن القتال إنْ سَلِم، ووعده بأنْ يُعطيه أجراً على أمانته، وإذا لم يَعُد فأوصاه بأنْ يُسلِّم المبلغ إلى أُسرته متى ما ضاقت عليهم الأرض، بعد أنْ يقتطع منها عُشرها ليعيشوا حياة كريمة... وهكذا كان، فقد رحل القائد دون أنْ يعود.

١٩٦

وحينما علم والد الشابِّ - أيْ: التاجر المُفلس - بمقتل جاره قال لابنه: إنَّه لا أحد يعلم عن القطع الذهبيَّة المؤمَّنة لديه، وأنا - أيْ الأبّ - الآن على ما تراني في أشدِّ الضيق، وأطلب أنْ تُعطيني بعضها على أنْ أردَّها عليك متى صلح حالي وحَسنت عِيشتي.

فأجابه الشابُّ: يا أبتاه، إنَّ الخيانة والانحراف هو الذي أدَّى بك إلى ما أنت عليه مِن الشقاء. فبالله، لن أخون الأمانة لو قطعت إرباً إرباً، ولا أُعيد خَطأك ثانية؛ كي لا أشقى كما شقيت.

ومضت فترة، ساءت فيها أحوال ذوي القائد القتيل، فجاءوا إلى الشابِّ طالبين منه أنْ يكتب رسالة عنهم إلى عبد الملك بن مروان؛ يُعلمه فيها بفقرهم وشِدَّة حالهم، فلرُبَّما رثى لهم وأعانهم ببعض المال. فكتب لهم ما أمر به وسُلِّمت الرسالة ولكنْ دون جَدوى، فقد أجاب عبد الملك أنْ أيَّ شخصٍ يُقتل يُحذف اسمه مِن ديوان بيت المال.

ولمَّا علم الشابُّ بالجواب واليأس الذي سيطر على ذوي القائد القتيل، قال في نفسه: حانت الآن فرصة أداء الأمانة، فلا بُدَّ مِن أنْ أضع القطع الذهبيَّة تحت تصرُّفهم لإنقاذهم مِن الفَقر والفاقة، فدعا أُسرة القائد إلى منزله وقال لهم: إنَّ أباكم استودعني شيئاً مِن المال، وأوصاني أني أُسلِّمه إيَّاكم عند الحاجة الماسَّة إليه بعد أنْ أقتطع عُشْرَه، فطار أبناء القائد فَرحاً لدى سماعهم النبأ وقالوا: سنعطيك ضعف ما أوصى به أبونا.

جاء الشاب بالمال وسلَّمهم إيَّاه، فأعادوا إليه ألفي دينار وأخذوا ثمانية آلاف، ولم تمضِ أيَّام على هذه القضيَّة، حتَّى استدعى عبد الملك أُسرة القائد القتيل إلى بلاطه ليُحقِّق حول الرسالة، وسألم عن حالهم، فأخبروه بما جرى لهم مع الشابِّ، عندها استدعى عبد الملك الشابَّ فوراً، وأثنى عليه لأمانته وصدقه وسَلَّمه مسؤوليَّة خزينة البلاد قائلاً له: إنِّني لا أعرف أحداً قد قام بأداء الأمانة كما أدَّيتها أنت (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٧

تجربة الحدَّاد وفتح عمَّوريَّة

لمَّا خرج ملك الروم وفعل في بلاد الإسلام ما فعل، بلغ الخبر المُعتصم فاستعظمه وكَبُر لديه، وبلغه أنَّ امرأة هاشميَّة صاحت وهي أسيرة في أيدي الروم وامعتصاه، فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك.

ونهض مِن ساعته وصاح في قصره النفير النفير، وبلغه أنَّ عمَّوريَّة عَين النصرانيَّة وأشرف عندهم مِن القسطنطنيَّة؛ لتجهِّزها بما لم يُعهد مِن السلاح وحياض الأدم وغير ذلك، وفرَّق عساكره ثلاث فِرق، فخربوا بلاد الروم وقتلوا كثيراً وأحرقوا ووصلوا إلى ((أنقورية)) ثمَّ اجتمعوا في عمَّوريَّة وحاضروها ونصبوا عليها المجانيق، وكانت في غاية الحصانة، وقد ذكر الشيخ مُحيي الدين بن العربي في كتابه المسمى: (بالمسامرة) فتح عمَّوريَّة فقال: فتحها المُعتصم في رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين.

وسبب فتحها أنَّ رجلاً وقف على المُعتصم فقال: يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية وجارية مِن أحسن النساء أسيرة قد لطمها عِلجٌ في وجهها فنادت: وامعتصماه!

فقال العِلج: وما يقدر عليه المُعتصم؟ يجيء على أبلق ينصرك وزاد في ضربها.

فقال المُعتصم: وفي أيِّ جهةٍ عمَّوريَّة؟

فقال له الرجل: هكذا وأشار إلى جهتها.

فردَّ المُعتصم وجهه إليه، وقال: لبيك أيَّتها الجارية، لبيك هذا المُعتصم بالله قد أجابك، ثمَّ تجهَّز إليها في اثني عشر ألف فرس أبلق... فلمَّا حاصرها وطال مقامه عليها جمع المُنجِّمين، فقالوا: إنَّا نرى أنَّك ما تفتحها إلاَّ في زمان نضج

١٩٨

العِنب والتين، فبعُد عليه ذلك واغتمَّ له، فخرج ليلة مُتجسِّساً في العسكر يسمع ما يقوله الناس. فمَرَّ بخيمة حدَّاد يضرب نعال الخيل وبين يديه غُلام أقرع قبيح الصورة، يضرب نعال الخيل ويقول: في رأس المُعتصم.

فقال له مُعلِّمه: اتركنا مِن هذا، ما لك والمُعتصم؟

فقال: ما عنده تدبير، له كذا وكذا يوماً على هذه المدينة مع قوَّته ولا يفتحها، لو أعطاني الأمر ما بتُّ غداً إلاّ فيها، فتعجَّب المُعتصم مِمَّا سمع وانصرف إلى خيامه، وترك بعض رجاله موكَّلا بالغُلام، فلمَّا أصبح جاءوا به، فقال: ما حملك - يا هذا - على ما بلغني مِنك؟

فقال: الذي بلغك حَقٌّ، ولِّني ما وراء خبائك وقد فتح الله عمَّوريَّة.

قال: ولَّيتك. وخلع عليه وقدَّمه على الحرب.

فجمع الرُّماة واختار منهم أهل الإصابة وجاء إلى بدن مِن أبدان الصور، وفي البدن مِن أوَّله إلى آخره خَطٌّ أسود مِن خشب عرضه ثلاثة أشبار أو أكثر، فحمى السِّهام بالنار وقال للرُّماة: مَن أخطأ منكم ذلك الخَطَّ الأسود ضربت عُنقه، وإذا بذلك الخَطِّ خشب ساج فعندما حصلت فيه السهام المحميَّة قامت النار فيه واحترق، فنزل البدن فتح الطريق أمام جنود المسلمين فدخلوا القلعة مُكبِّرين (الله أكبر، الله أكبر) وصار الفتح والنَّصر مِن نصيبهم، وذلك قبل الزمان الذي ذكره المُنجِّمون. ولمَّا دخل المُعتصم القلعة راكباً الفرس الأبلق ومعه الرجل الذي بلغه حديث الجارية قال له: سِرْ بي إلى الموضع الذي رأيتها فيه تصيح (وامعتصماه)، فسار به وأخرجها مِن موضعها.

وقال لها: يا جارية، هل أجابك المعتصم؟ وملَّكها العِلْج الذي لطمها والسيِّد الذي كان يملكها وجميع ماله، وأقام عليها خمسة وخمسين يوماً وفرَّق الأسرى على القوَّاد، وسار إلى طرسوس، ثمَّ رجع إلى دار مُلكه.

لم يكن لهذا الغلام الشابِّ - صانع الحدَّاد - أيَّة ثروة علميَّة، لكنَّه انتفع مِن

١٩٩

مدرسة الحياة، وكان قد قضى جانباً مِن حياته في الحِدادة، واكتسب مِن مُشاهداته اليوميَّة دروساً كبيرة، فقَرن الحدادة والفلز المُنصهر، وشَرر النار واحتراق الخشب والاشتعال السريع لخشب الساج، وما إلى ذلك مِن معلومات اكتسبها ذِهن الحدَّاد الشابُّ وكوَّنت في ضميره تجارب مُفيدة.

فعندما عجز كبار الرجال والمُتعلِّمون عن فتح قلعة عمُّوريَّة، وحينما بات العُلماء وكبار الضباط في حيرة مِن أمرهم وغلبهم اليأس والقنوط، تدخَّل الغُلام الشابُّ وحَلَّ المُعضلة بسُرعة وسهولة فائقتين، مُستفيداً مِن تجاربه ومُشاهداته اليوميَّة أثناء عمله كحدَّاد (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421