القصص التربوية

القصص التربوية18%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 360100 / تحميل: 10449
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ألَمْ يأنِ للَّذين آمنوا

أنْ تخشع قلوبهم لذِكر الله؟!

يُحكى أنَّ فضيلاً كان في أوَّل أمره يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وعشق جاريةً، فبينما يرتقي الجدران إليها سمع تالياً يتلو: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ... ) ، فقال: يا رَبِّ، قد آن.

فرجع وآوى إلى خَربةٍ، فإذا فيها رُفقةٌ.

فقال بعضهم: نرتحل.

وقال بعضهم: حتَّى نُصبح؛ فإنّ فضيلاً على الطريق يقطع علينا.

فتاب الفضيل وآمنهم (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٣.

١٨١

مَن أراد أن يُظلِّه الله مِن فَوح جَهنَّم..

فليُنظِر مُعسِراً

رأى النبيُّ (صلى الله عليه وآله) رجلان يتنازعان، فاقترب منهما وسألهما عِلَّة نزاعهما.

فقال أحدهما: أقرضتهُ فلم يُعطني دَيْني.

فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الآخر ماذا يقول؟

فقال الآخر: يا نبيَّ الله، له عليَّ حُقٌّ وأنا مُعسرٌ، ولا والله، ما عندي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مَن أراد أنْ يُظلِّه الله مِن فَوح جَهنَّم يوم لا ظِلَّ إلاَّ ظِلَّه، فليُنظِر مُعسِراً أو ليدَع له).

فقال الرجل عند ذلك: قد وهبت لك ثُلُثاً وأخَّرتك بثُلُثٍ إلى سنةٍ وتعطيني ثُلُثاً.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (ما أحسن هذا) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٣.

١٨٢

لا تفعل يا عُثمان!

عن عليٍّ (عليه السلام) أنَّه قال:

(جاء عثمان بن مظعونٍ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، قد غلبني حَديث النَّفس ولم أُحدِّث شيئاً حتَّى أستأمرك.

قال: بمَ حدَّثَتك نفسك يا عثمان؟

قال: هممتُ أنْ أسيح في الأرض.

قال: فلا تُسح فيها؛ فإنّ سياحة أُمَّتي المساجد.

قال: هممت أنْ أُحرِّم اللَّحم على نفسي.

فقال: لا تفعل؛ فإنِّي لأشتهيه وآكله، ولو سألت الله أنْ يُطعمنيه كلَّ يومٍ لفعل.

قال: هممت أنَّ أجبَّ نفسي.

قال: يا عثمان، ليس مِنَّا مِن فعل ذلك بنفسه ولا بأحدٍ، إنَّ وجاء أُمَّتي الصِّيام.

قال: وهممت أنْ أُحرِّم خولة على نفسي (يعني امرأته).

قال: لا تفعل يا عثمان) (١) .

____________________

(١) شرح مكارم الأخلاق، ج٣.

١٨٣

لا تَكمُل الكمالات إلاَّ بالإسلام

كان مصعب بن عمير مِن أصحاب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الشباب قبل الهِجرة، وكان مصعب جميلاً ونبيلاً وهُماماً وسَخيَّاً، وكان عزيزاً عند أبويه، وكان أهل مَكَّة يكنُّون له الاحترام والتقدير، وكان يرتدي مِن الثياب أجملها، وكان يعيش في نعيم ورغد، وكان يستمع خُطب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وكلماته وينشدُّ إلهيا بكل كيانه، وقد أدَّت لقاءاته المُتكرِّرة بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسماعه لآياتٍ مِن القرآن الكريم إلى اعتناقه الإسلام.

كانت مسألة الاقتداء بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) واعتناق الإسلام في تلك الأوضاع الخطيرة، التي كانت تسود مَكَّة بين قوم يعبدون الأصنام، ويغرقون في جهلهم - وضلالهم - تُعتبر ذنباً كبيراً يُعاقب عليه، وكان مَن يؤمن بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ورسالته ودعوته لا يجرؤ على الجَهر بإيمانه حتَّى أمام أهله وأقاربه. ومِن هذا المُنطلق لم يُفش مصعب أمر اعتناقه الإسلام لأحد، وكان يؤدِّي فرائضه الدينيَّة في الخَفاء.

وذات يوم وبينما كان مصعب يُصلِّي رآه عثمان بن طلحة فأيقن بإسلامه، ونقل الخبر إلى أُمِّ مصعب، ولم يمض وقت طويل حتَّى انتشر الخبر بين الناس، وأخذ الجميع يتحدَّثون عن اعتناق مصعب الإسلام، وقد أثار هذا الأمر غضب أُمِّ مصعب وأقاربه، مِمّا دفعهم إلى حبسه في المنزل؛ عسى أنْ يعدل عن رأيه ويَهجر الإسلام ويترك صُحبة محمّد (صلى الله عليه وآله).

لكنَّ هذا العقاب لم يترك أدنى أثر في نفس مصعب، ولم يستطع أنْ يثنيه عن مواصلة الدرب الذي اختاره لنفسه؛ لأنَّ مُصعباً الشابَّ قد اختار الإسلام على أساس مِن العقل والمنطق، واعتنقه وهو في كامل وعيه.

١٨٤

لقد بقي مصعب مُتمسِّكاً بإسلامه، مُقتدياً بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وبنهجه حتّى آخر عمره ((وشَهِدَ مُصْعَبٌ بَدراً معَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشَهِدَ أُحُداً ومَعَهُ لِواءُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقُتِلَ بأُحُدٍ شهيداً) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٨٥

أوّلُ مَنْ جَمَعَ الجُمعَةَ بِالمَدِينَةِ

ثابر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على نشر دعوته في الخَفاء مُدَّة مِن الزمن، وبعد أنْ اعتنق عدد كبير مِن الناس الإسلام، ولبُّوا دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله)، أشهر دعوته إلى الإسلام بأمر مِن الله سبحانه وتعالى، ومِن حينها بدأ بتلاوة القرآن في أوساط الناس في مَكَّة، وأخذ ينشر دعوته بينهم.

كان المُسافرون الوافدون على مدار السَّنَة إلى مَكَّة مِن الخارج للعبادة والزيارة، يُشارك غالبيَّتهم في المجالس العامَّة، التي كان يحضرها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ويستمعون إلى خُطبه ومواعظه، وبعد عودتهم إلى ديارهم كان كلٌّ منهم يروي لأهله وأقاربه ما شاهده مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعه منه، وأخذت دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تنتشر تدريجيَّاً في كافَّة مناطق الجزيرة العربيَّة لا سِيَّما في المدينة المنوَّرة، وبدأ الناس يتعرَّفون على الإسلام، وعلى منهجيَّة هذا الدين السماويِّ المُقدَّس.

وكانت النتيجة أنْ ازداد عدد المؤيِّدين للإسلام، حتَّى إنَّ بعضهم قد انشدَّ إلى دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قبل أنْ يراه.

وذات يوم قَدِم إلى مَكَّة رجلان مِن أشراف المدينة مِن قبيلة الخزرج، هما أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس، ودخلا على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في ظروف صعبة للغاية، وبعد استماعهما لحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) أعلنا إسلامهما صراحة. ثُمَّ قالا: يا رسول الله ابْعَثْ مَعَنا رَجُلاً يُعَلِّمُنا القُرآنَ ويَدْعُو النَّاسَ إلى أمْرِكَ.

وكانت المدينة يومها مِن أهمِّ مُدن جزيرة العرب، وكانت تقطنها قبيلتان معروفتان هُما الأوس والخزرج، وكانت هاتان القبيلتان - وللأسف - تتبادلان العِداء لبعضهما البعض، وتخوض كلٌّ منها معارك ضِدَّ الأُخرى استمرَّت سنين طويلة.

١٨٦

وقد كان هذا الطلب فُرصة مُناسبة ومُهمَّة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والمسلمين الذين كانوا يعيشون ظروفاً صعبة، وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأنصاره وموالوه يُدركون - جَيِّداً - أنَّهم إذا استغلُّوا هذه الفرصة بشَكل جيِّدٍ، وإذا استطاع مبعوث الرسول (صلى الله عليه وآله) تعريف الإسلام إلى أهل المدينة بطريقة صحيحة وحكيمة، وجعلهم يعتنقونه ويؤمنون بما جاء به القرآن الكريم؛ فإنَّ نجاحاً عظيماً ومكسباً مُهمَّاً سيكون مِن نصيب المسلمين، الذين ستكون المدينة بالنسبة إليهم قاعدة مُهمَّة، ينطلقون منها لنشر دعوتهم وجهادهم ضِدَّ المُشركين، الذين كانوا يحكمون مَكَّة بالظلم والاستبداد، والكَبت والضغط، وسيكون بإمكان المسلمين التعاون مع أهل المدينة في نشر المعارف الإسلاميَّة، وزَلزلة كيان الشرك والظلم في مَكَّة.

وكانت المَرَّة الأُولى التي يطلب فيها أهل مدينة كبيرة يسودهم الخلاف مِن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إرسال مبعوث لهم، وكانت المَرَّة الأُولى التي يُقرِّر فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إرسال مبعوث خارج مَكَّة.

مِمَّا لا شكَّ فيه أنَّ الذي يتمُّ اختياره لهذه المُهمَّة الخطيرة، ينبغي أنْ يكون كفوءاً مِن جميع الجِهات، وأهلاً لهذه المُهمَّة؛ حتَّى يستطيع تسوية الخلافات المُزمنة بين قبيلتي الأوس والخزرج، ونشر جوٍّ مِن المَحبَّة والأخوَّة بين أفرادها مِن جِهة، ويعمل مِن جِهة ثانية على نشر الإسلام، والدعوة له بشكل صحيح يترك أثره في القلوب ويشدُّ إليه الألباب.

وقد اختار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) مصعب بن عمير الشابَّ مِن بين كافَّة المسلمين - شيوخاً وشبَّاناً - ومِن بين جميع أصحابه وأنصاره، مبعوثاً له إلى المدينة لأداء هذا الأمر المُهمِّ. (فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ - وكانَ فَتى حَدثاً ـ.. وأمَرَهَ رسول الله بِالْخُرُوجِ مَعَ أسعد، وقد كان تَعَلَّمَ مِنَ القُرْآنِ كَثيراً).

وقد دخل مصعب المدينة وهو في عُنفوان شبابه، وقلبه مُفعم بالإيمان وبدأ مهامَّه

١٨٧

بشوق وخلوص نيَّة. وكان لبراعته في الخطابة وحرارة تلاوته القرآن، وحُسن أخلاقه في مُعاشرة الناس وتدبُّره في حَلِّ المشاكل وإزالة الخلافات، الأثر البالغ في نفوس الناس، الذين انشدُّوا إليه وإلى مَلكاته الحَسنة مِن حيث لا يشعرون.

ولم يمضِ وقت طويل حتَّى توجَّه إليه الناس نساءً ورجالاً، شيوخاً وشُبَّانً، رؤوساء عشائر وأفراد عاديِّين؛ ليُعلنوا اعتناقهم الإسلام ويتعلَّموا القرآن مُطهِّرين قلوبهم مِن الأحقاد والأضغان، مُتآلفين مُتآخين، وأقاموا صلاة الجماعة في صفوف مُتراصَّة.

لقد نفذ مصعب بن عمير الشابُّ مُهمَّته في المدينة على أفضل وجه، ونال فخراً عظيماً. (إنَّهُ أوّلُ مَنْ جَمَعَ الجُمعَةَ بِالمَدينَةِ، وأَسْلَمَ على يَدِهِ أُسَيْدُ بْنُ خُضَيْرٍ وسَعْدُ بْنُ معاذٍ، وكَفى بِذلِكَ فَخْراً وأَثَراً في الإسلامِ).

لقد كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يعلم جيِّداً، أنَّ هناك في المدينة رجالاً مُسنِّين وشخصيَّات لها مكانتها مِن العصب جِدَّاً أنْ يَمتثلوا لأوامر شابٍّ بعمر مصعب، وكان بمقدور النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنْ يختار مِن بين أصحابه أكبرهم سِنَّاً ليكون مبعوثاً له إلى المدينة، أو أنْ يختار عدداً مِن الرجال يُشكِّلوا بعثة تتولَّى هذه المسؤوليَّة، ولكنَّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يختر سوى مصعب بن عمير الشابَّ، لتحميله هذه المسؤوليَّة وإيفاده إلى المدينة، التي كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) - وقتها - يعتبرها بلداً مُهمَّاً، يثبت لأنصاره ومواليه أنَّ الشرط الأساسي، الذي يُخوِّل المرء لتسلُّم أهمِّ المناصب والمسؤوليَّات في الإسلام، هو اللياقة والكفاءة وليس سنوات العمر، فإذا ما وجد بين جيل الشابَّ لبلد ما مِن هم أفاء يجب الاعتماد عليهم وتسليمهم زمام الأمور لإدارة البلاد (١) .

____________________

(١) الشابَّ، ج١.

١٨٨

الكفاءة لا السِّن هي المقياس

أقدم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في أواخر عمره الشريف على تعبئة طاقات المسلمين لمُحاربة بلاد الروم، وشكَّل جيشاً عظيماً ضمَّ كِبار قادة الجيش وأُمرائه، وكِبار وجهاء المُهاجرين والأنصار وكافَّة رؤساء القبائل العربيَّة.

ويوم خرج الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) مِن المدينة ليستعرض جيشه، لاحظ وجود كِبار وجهاء المسلمين في صفوف الجيش، (فَلَمْ يَبْقَ مِنْ وُجُوهِ المُهاجِرينَ والأنْصارِ إلاَّ انْتَدَبَ في تِلْكَ الغزاةِ، فِيهِم أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وسَعْدُ بنُ أبي وَقّاصٍ وسَعْدُ بْنُ زَيْدٍ وأَبُوا عُبَيْدَةَ وقَتادَةُ النُّعْمانِ).

مِمَّا لا شكَّ فيه أنَّ قيادة جيش عظيم، كالذي شكَّله الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لمُحاربة الروم، مسألة دقيقة وحسَّاسة للغاية؛ إذ كان على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنْ يختار - حتماً - الأنسب والأكثر كفاءة ولياقة لتعيينه قائداً للجيش.

فكان أنْ دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله أُسامَةَ بْنَ زَيدٍ، ونصبه قائداً للفرقة وشدَّ له الراية بيديه الشريفتين: (واسْتَعمَلَهُ النَبيُّ صلى الله عليه وآله وهُوَ ابْنُ ثَمانِيَ عَشَرَ سَنَةً).

ومثل هذا الاختيار - إنْ لم نقل: إنَّ التاريخ العسكري في العالم لم يشهد نظيراً له فلا بُدَّ مِن القول: - إنَّه يندر حصوله.

وبالرغم مِن أنَّ عالمنا المُعاصر، يولي اهتماماً بالغاً لجيل الشباب، ويوفِّر له الدعم الكامل، وبالرغم مِن أنَّ البُلدان المُتطوِّرة الأوروبيَّة والأميريكيَّة، تسعى جاهدة إلى تكليف شبابها بمسؤوليَّات جِسام، فإنَّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد أقدم قبل أربعة عشر قَرناً على خطوة عسكريَّة مُهمَّة؛ دعماً منه للشُبَّان الأكفَّاء، حيث ولَّى

١٨٩

شابَّاً في الثامنة عشرة مِن العمر قائداً لجيشٍ إسلاميٍّ عظيم، لمُحاربة إمبراطوريَّة الروم، ألا وهو أسامة بن زيد.

وكان على كبار القادة الذين خاضوا أصعب المعارك وأشدَّها أواراً، ورفعوا راية الإسلام خفَّاقة فوق أعظم قلاع العدوِّ استحكاماً، وكذلك كان على أشجع الفُرسان وأكثرهم بسالة مِمَّن خبروا شؤون الحرب، وعلى وجهاء العرب والشخصيَّات الإسلاميَّة البارزة، الذين جسَّدوا في أحلك الظروف لياقتهم وكفاءتهم، كان عليهم جميعاً أنْ يمتثلوا لأوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويُشاركوا في هذا الحشد العسكريِّ مُطيعين أوامر قائدٍ شابٍّ، وهذا ما كان يصعب عليهم تصديقه وتحمُّله.

مِثل هذا الاختيار قد أثار الدهشة والحيرة لدى كبار القادة والأُمراء، الذين تلقّوا النبأ بكثير مِن التعجُّب والقلق، وأخذوا يتبادلون نظرات الحيرة، وأفصح بعضهم عمَّا يختلج في نفسه وما يُضمره قلبه:

(فَتَكَلَّمَ قَوْمٌ وقالُوا: يُسْتَعْمَلُ هذا الغُلامُ عَلى المُهاجِرينَ الأَوَّلينَ؟!

فَغَضِبَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) غَضَباً شديداً، فَخَرَجَ فَصَعَدَ المنْبَرَ فَحَمِدَ الله وأثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ:

(أَمّا بَعْدُ أَيُّها النَّاسُ، فَما مَقالةٌ بَلَغَتني عَنْ بَعضِكُمْ فِي تَأمِيري أُسامَةَ؟

ولَئِنْ َطَعَنْتُمْ فِي تَأمِيري أُسامَةَ، فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي تَأمِيري أَباهُ قَبْلَهُ. وأيمُ الله، إنَّه كانَ للإمارَةٍ خَليقاً وإنَّ ابْنَهُ بَعْدَهُ لَخَليقٌ لإمارَةٍ) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٠

إنَّ الله يُحِبُّ إذا خَرَجَ عَبْدُهُ المؤمِنُ إلى أخيهِ

أنْ يَتَهيّأَ لَهُ وأنْ يَتَجَمَلَّ

عن الإمام الصادق (عليه السلام): (جاء رجل إلى بيت النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) طالباً لقاءَهُ، وعندما هَمَّ النبي (صلى الله عليه وآله) بالخروج مِن حُجْرَتِهِ وقف عند وعاء فيه ماء داخل الحُجْرة، فنظر فيه ومَشَّط شَعره ولحيته المُباركة فدهشت عائشة لما رأت، وبعد عودة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) سألته قائلة:

يا رسول الله، لماذا وقفت عند وعاء الماء ومَشَّطت شَعرك ولحيتك قبل خروجك للرجل؟!

فقال صلَّى (صلَّى الله عليه وآله): يا عائِشَةُ، إنَّ الله يُحِبُّ إذا خَرَجَ عَبْدُهُ المؤمِنُ إلى أخيهِ أنْ يَتَهيّأَ لَهُ وأنْ يَتَجَمَلَّ) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩١

أستحيي مِن رَّبَّي أَنْ أتفضَّلَ عَلَيكَ

عن الإمام الباقر (عليه السلام):

(إنَّ أَميرَ المؤمِنينَ (عليه السلام) أَتى سوق البَزَّازينَ، فَقالَ لِرَجُلٍ: بِعْني ثَوْبَيْنِ.

فَقالَ الرَّجلُ: يا أَميرَ المؤمنينَ، عِنْدي حاجَتُكَ.

فَلَمَّا عَرَفَهُ مَضَى عَنْهُ، فَوَقَفَ على غُلامٍ فأَخَذَ ثَوْبَيْنِ أَحَدَهُما بِثلاثةِ دَرِاهمَ والآخرَ

رهمين، فقال: يا قَنبر خُذِ الذي بثلاثةٍ.

فقالَ قنبر: أنْتَ أَوْلى بِهِ، تَصْعَدُ المِنْبَرَ وتَخْطُبُ النّاسَ.

فَقالَ: وأَنتَ شابٌّ ولَكَ شَرَهُ الشّابِّ، وأَنا أَسْتَحْيي مِن رَبّي أَنْ أتفضَّل عليك؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ألبسُوهُمْ مِمَّا تلبسون وأطعموهم مِمَّا تأكلون) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٢

الأحْداث أَسْرَعُ إلى كُلِّ خَيْرٍ

دخل رجل يُدعى: (أبا جعفر الأحول) - وهو مِن أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وعمل مُدَّة داعياً ومُبلِّغاً للمذهب الشيعي، لنشر تعاليم أهل بيت النبوَّة (عليهم السلام) ـ.. دخل يوماً على الإمام الصادق (عليه السلام)، فسأله الإمام (عليه السلام): (كَيْفَ رأَيْتَ مُسَارَعَةَ الناس إلى هذا الأمر ودخولهم فيه؟).

قال: والله، إنَّهم لقليل.

فقال (عليه السلام): (عَلَيْكَ بالأحْداثِ؛ فإنَّهُمْ أَسْرَعُ إلى كُلِّ خَيْرٍ) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٣

إذ هممت بأمر فتدبَّر عاقبتهُ

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

(إنَّ رجلاً أتى النبيَّ (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، أوصيني.

فقال له رسول الله: فهل أنت مُستوصٍ إنْ أنا أوصيتُكَ؟

حتَّى قال له ذلك ثلاثاً، وفي كُلّها يقولُ الرَّجُلُ: نَعَمْ، يا رسول الله.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

فإنِّي أوصيك إذا أنت هممت بأمرٍ فتدبَّر عاقبته، فإنْ يَكُ رُشداً فأمضه، وإنْ يَكُ غَيَّاً فانته عنه) (١) .

____________________

(١) الشاب، ج١.

١٩٤

لم يكن لي جريمة فأخشاها

بعد مضيِّ سنة على وفاة الإمام الرضا (عليه السلام) قَدِم المأمون العباسي إلى بغداد، وذات يوم اعتزم الخروج إلى الصيد، فمرَّ بأحد الأحياء المُحيطة بالمدينة، وكانت هناك مجموعة مِن الأولاد يلهون على الطريق، ومُحمد (الإمام الجواد) (عليه السلام) واقفٌ معهم، وكان عمره إحدى عشرة سنة فما حوله، فدنا المأمون منهم، ففرَّ الأولاد ولم يبقَ منهم سوى الإمام الجواد (عليه السلام) الذي لم يُحرِّك ساكناً، وشاهد الخليفة ما حصل، فدنا مِن الإمام (عليه السلام) وسأله عن سبب عدم فِراره مع بقيَّة الأولاد.

فقال الإمام (عليه السلام) مُسرعاً: (يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضيق لأوسِّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظَنِّي بك حَسن، إنَّك لا تضرُّ مَن لا ذنب له فوقفت. فأعجبه كلامه ووجهه)، فقال له: ما اسمك؟

قال: (محمد).

قال: ابن مَن أنت؟

قال: (يا أمير المؤمنين، أنا ابن علي الرضا) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٥

أداء الأمانة زيادة في الرزق

كان في عهد عبد الملك بن مروان تاجر معروف بالصدق والعمل الصالح؛ ولحُسن سمعته في سوق دمشق واعتماد الناس عليه وثقتهم به؛ كانوا يودعونه مُمتلكاتهم وبضاعتهم ليبيعها لهم ويأخذ أجرته على ذلك.

وذات يوم انحرف التاجر في إحدى صفقاته عن قويم مسيره وخان الأمانة، فشاع الخبر وانتشر بسرعة البرق بين الناس، وأصبح الشغل الشاغل لألسنتهم، ففقد التاجر ثقة العامَّة والخاصَّة به واهتزَّت شخصيَّة، وسحب الناس ثقتهم به، فلم يأمنوه بعدها على بضاعتهم، حتَّى ساءت أُموره وتشتَّت تجارته، وأخذ دائنوه يُلحون في الطلب.

وكان للتاجر وَلد عاقل تبدو على ملامحه الفراسة والذكاء، قد اعتبر مِن تجربة أبيه المريرة، وتعلَّم منها درساً لا يُنسى، وعرف أنَّ مُجرد انزلاق أو خيانة واحدة قد تؤدِّي إلى القضاء على كرامة الإنسان وشرفه، وتُبدِّل حياة العِزِّ إلى الذِّلِّ والسوء، فقرَّر في قرارة نفسه أنْ يبتعد حتَّى عن مُجرَّد التفكير بالخيانة والذنب، ويضع على الدوام نُصب عينيه الطهارة والتقوى والنزاهة، وكان لسلوكه السليم هذا مردودٌ إيجابيٌّ عليه، فقد رفعه عِزَّاً وأدخله في جميع القلوب، واتَّفق أنْ بعث عبد الملك بن مروان جاراً له وهو قائد عسكريٌّ كبير بمَعيَّة جيش المسلمين في مُهمَّة لقتال الروم، فاستدعاه الجار قبل توجُّهه إلى ميادين القتال، وأودعه جميع ماله البالغ عشرة آلاف دينار مِن الذهب، وأوصاه بأنْ يحتفظ بالمال كأمانة لديه حتَّى عودته مِن القتال إنْ سَلِم، ووعده بأنْ يُعطيه أجراً على أمانته، وإذا لم يَعُد فأوصاه بأنْ يُسلِّم المبلغ إلى أُسرته متى ما ضاقت عليهم الأرض، بعد أنْ يقتطع منها عُشرها ليعيشوا حياة كريمة... وهكذا كان، فقد رحل القائد دون أنْ يعود.

١٩٦

وحينما علم والد الشابِّ - أيْ: التاجر المُفلس - بمقتل جاره قال لابنه: إنَّه لا أحد يعلم عن القطع الذهبيَّة المؤمَّنة لديه، وأنا - أيْ الأبّ - الآن على ما تراني في أشدِّ الضيق، وأطلب أنْ تُعطيني بعضها على أنْ أردَّها عليك متى صلح حالي وحَسنت عِيشتي.

فأجابه الشابُّ: يا أبتاه، إنَّ الخيانة والانحراف هو الذي أدَّى بك إلى ما أنت عليه مِن الشقاء. فبالله، لن أخون الأمانة لو قطعت إرباً إرباً، ولا أُعيد خَطأك ثانية؛ كي لا أشقى كما شقيت.

ومضت فترة، ساءت فيها أحوال ذوي القائد القتيل، فجاءوا إلى الشابِّ طالبين منه أنْ يكتب رسالة عنهم إلى عبد الملك بن مروان؛ يُعلمه فيها بفقرهم وشِدَّة حالهم، فلرُبَّما رثى لهم وأعانهم ببعض المال. فكتب لهم ما أمر به وسُلِّمت الرسالة ولكنْ دون جَدوى، فقد أجاب عبد الملك أنْ أيَّ شخصٍ يُقتل يُحذف اسمه مِن ديوان بيت المال.

ولمَّا علم الشابُّ بالجواب واليأس الذي سيطر على ذوي القائد القتيل، قال في نفسه: حانت الآن فرصة أداء الأمانة، فلا بُدَّ مِن أنْ أضع القطع الذهبيَّة تحت تصرُّفهم لإنقاذهم مِن الفَقر والفاقة، فدعا أُسرة القائد إلى منزله وقال لهم: إنَّ أباكم استودعني شيئاً مِن المال، وأوصاني أني أُسلِّمه إيَّاكم عند الحاجة الماسَّة إليه بعد أنْ أقتطع عُشْرَه، فطار أبناء القائد فَرحاً لدى سماعهم النبأ وقالوا: سنعطيك ضعف ما أوصى به أبونا.

جاء الشاب بالمال وسلَّمهم إيَّاه، فأعادوا إليه ألفي دينار وأخذوا ثمانية آلاف، ولم تمضِ أيَّام على هذه القضيَّة، حتَّى استدعى عبد الملك أُسرة القائد القتيل إلى بلاطه ليُحقِّق حول الرسالة، وسألم عن حالهم، فأخبروه بما جرى لهم مع الشابِّ، عندها استدعى عبد الملك الشابَّ فوراً، وأثنى عليه لأمانته وصدقه وسَلَّمه مسؤوليَّة خزينة البلاد قائلاً له: إنِّني لا أعرف أحداً قد قام بأداء الأمانة كما أدَّيتها أنت (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

١٩٧

تجربة الحدَّاد وفتح عمَّوريَّة

لمَّا خرج ملك الروم وفعل في بلاد الإسلام ما فعل، بلغ الخبر المُعتصم فاستعظمه وكَبُر لديه، وبلغه أنَّ امرأة هاشميَّة صاحت وهي أسيرة في أيدي الروم وامعتصاه، فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك.

ونهض مِن ساعته وصاح في قصره النفير النفير، وبلغه أنَّ عمَّوريَّة عَين النصرانيَّة وأشرف عندهم مِن القسطنطنيَّة؛ لتجهِّزها بما لم يُعهد مِن السلاح وحياض الأدم وغير ذلك، وفرَّق عساكره ثلاث فِرق، فخربوا بلاد الروم وقتلوا كثيراً وأحرقوا ووصلوا إلى ((أنقورية)) ثمَّ اجتمعوا في عمَّوريَّة وحاضروها ونصبوا عليها المجانيق، وكانت في غاية الحصانة، وقد ذكر الشيخ مُحيي الدين بن العربي في كتابه المسمى: (بالمسامرة) فتح عمَّوريَّة فقال: فتحها المُعتصم في رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين.

وسبب فتحها أنَّ رجلاً وقف على المُعتصم فقال: يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية وجارية مِن أحسن النساء أسيرة قد لطمها عِلجٌ في وجهها فنادت: وامعتصماه!

فقال العِلج: وما يقدر عليه المُعتصم؟ يجيء على أبلق ينصرك وزاد في ضربها.

فقال المُعتصم: وفي أيِّ جهةٍ عمَّوريَّة؟

فقال له الرجل: هكذا وأشار إلى جهتها.

فردَّ المُعتصم وجهه إليه، وقال: لبيك أيَّتها الجارية، لبيك هذا المُعتصم بالله قد أجابك، ثمَّ تجهَّز إليها في اثني عشر ألف فرس أبلق... فلمَّا حاصرها وطال مقامه عليها جمع المُنجِّمين، فقالوا: إنَّا نرى أنَّك ما تفتحها إلاَّ في زمان نضج

١٩٨

العِنب والتين، فبعُد عليه ذلك واغتمَّ له، فخرج ليلة مُتجسِّساً في العسكر يسمع ما يقوله الناس. فمَرَّ بخيمة حدَّاد يضرب نعال الخيل وبين يديه غُلام أقرع قبيح الصورة، يضرب نعال الخيل ويقول: في رأس المُعتصم.

فقال له مُعلِّمه: اتركنا مِن هذا، ما لك والمُعتصم؟

فقال: ما عنده تدبير، له كذا وكذا يوماً على هذه المدينة مع قوَّته ولا يفتحها، لو أعطاني الأمر ما بتُّ غداً إلاّ فيها، فتعجَّب المُعتصم مِمَّا سمع وانصرف إلى خيامه، وترك بعض رجاله موكَّلا بالغُلام، فلمَّا أصبح جاءوا به، فقال: ما حملك - يا هذا - على ما بلغني مِنك؟

فقال: الذي بلغك حَقٌّ، ولِّني ما وراء خبائك وقد فتح الله عمَّوريَّة.

قال: ولَّيتك. وخلع عليه وقدَّمه على الحرب.

فجمع الرُّماة واختار منهم أهل الإصابة وجاء إلى بدن مِن أبدان الصور، وفي البدن مِن أوَّله إلى آخره خَطٌّ أسود مِن خشب عرضه ثلاثة أشبار أو أكثر، فحمى السِّهام بالنار وقال للرُّماة: مَن أخطأ منكم ذلك الخَطَّ الأسود ضربت عُنقه، وإذا بذلك الخَطِّ خشب ساج فعندما حصلت فيه السهام المحميَّة قامت النار فيه واحترق، فنزل البدن فتح الطريق أمام جنود المسلمين فدخلوا القلعة مُكبِّرين (الله أكبر، الله أكبر) وصار الفتح والنَّصر مِن نصيبهم، وذلك قبل الزمان الذي ذكره المُنجِّمون. ولمَّا دخل المُعتصم القلعة راكباً الفرس الأبلق ومعه الرجل الذي بلغه حديث الجارية قال له: سِرْ بي إلى الموضع الذي رأيتها فيه تصيح (وامعتصماه)، فسار به وأخرجها مِن موضعها.

وقال لها: يا جارية، هل أجابك المعتصم؟ وملَّكها العِلْج الذي لطمها والسيِّد الذي كان يملكها وجميع ماله، وأقام عليها خمسة وخمسين يوماً وفرَّق الأسرى على القوَّاد، وسار إلى طرسوس، ثمَّ رجع إلى دار مُلكه.

لم يكن لهذا الغلام الشابِّ - صانع الحدَّاد - أيَّة ثروة علميَّة، لكنَّه انتفع مِن

١٩٩

مدرسة الحياة، وكان قد قضى جانباً مِن حياته في الحِدادة، واكتسب مِن مُشاهداته اليوميَّة دروساً كبيرة، فقَرن الحدادة والفلز المُنصهر، وشَرر النار واحتراق الخشب والاشتعال السريع لخشب الساج، وما إلى ذلك مِن معلومات اكتسبها ذِهن الحدَّاد الشابُّ وكوَّنت في ضميره تجارب مُفيدة.

فعندما عجز كبار الرجال والمُتعلِّمون عن فتح قلعة عمُّوريَّة، وحينما بات العُلماء وكبار الضباط في حيرة مِن أمرهم وغلبهم اليأس والقنوط، تدخَّل الغُلام الشابُّ وحَلَّ المُعضلة بسُرعة وسهولة فائقتين، مُستفيداً مِن تجاربه ومُشاهداته اليوميَّة أثناء عمله كحدَّاد (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج١.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « لمّا لما ظهرت الحبشة باليمن، وجّه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قوّاده، يقال لأحدهما أبرهة، والآخر أرباط، في عشرة من الفيلة كلّ فيل في عشرة آلاف لهدم بيت الله الحرام، فلمّا صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم، واختلفوا فقتل أبرهة أرباط، واستولى على الجيش، فلمّا قارب مكّة طرد أصحابه عيراً لعبد المطلب بن هاشم، فصار عبد المطلب إلى أبرهة، وكان ترجمان أبرهة، والمستولي عليه ابن داية(١) لعبد المطلب، فقال الترجمان لإبرهة: هذا سيّد العرب وديّانها(٢) ، فأجلّه وأعظمه، ثم قال لكاتبه: سله ما حاجته؟ فسأله، فقال: إن أصحاب الملك طردوا لي نعماُ فأمر بردّها.

ثم أقبل على الترجمان فقال: قل له: عجباً لقوم سوّدوك ورأسّوك عليهم! حيث تسألني في عير لك وقد جئت لأهدم شرفك ومجدك، ولو سألتني الرجوع عنه لفعلت.

فقال: أيّها الملك إنّ هذه العير لي وأنا ربّها فسألتك إطلاقها، وأن لهذه البنيّة ربّاً يدفع عنها، قال: فإني لهدمها حتى انظر ماذا يفعل فلمّا انصرف عبد المطلب رحل أبرهة بجيشه، فإذا هاتف يهتف في السحر الأكبر يا أهل مكّة اتاكم أهل عكّة، بجحفل جرار يملأ الأندار ملء الجفار، فعليهم لعنة الجبار، فأنشأ عبد المطلب يقول: (أيّها

__________________

(١) الداية: هي المرضعة غير ولدها والمربية (أنظر لسان العرب ج ١٤ ص ٢٨١).

(٢) الديان: القهار وقيل هو الحاكم والقاضي وهو فعّال من دان الناس أي قهرهم على الطاعة (النهاية ج ٢ ص ١٤٨).

٣٤١

الداعي لقد أسمعتني الأبيات).

فلمّا أصبح عبد المطلب جمع بنيه، وأرسل الحارث ابنه الأكبر إلى أعلى أبي قبيس، فقال: انظر يا بني ماذا يأتيك من قبل البحر، فرجع فلم ير شيئاً، فأرسل واحداً بعد آخر من ولده فلم يأت أحد منهم من البحر بخبر، فدعا بعبد الله، وأنّه لغلام حين أيفع، وعليه ذؤابة تضرب إلى عجزه، فقال [ له ](٣) : اذهب فداك أبي وأُمّي، فاعل أبا قبيس فانظر ماذا ترى يجيئ من البحر، فنزل مسرعاً فقال: يا سيد النادي، رأيت سحاباً من قبل البحر مقبلاً يستفل تارة ويرفع أخرى، إن قلت غيماً قلته، وإن قلت جهاماً خلته، يرتفع تارة، وينحدر أُخرى.

فنادى عبد المطلب: يا معشر قريش ادخلوا منازلكم فقد اتاكم الله بالنصر من عنده، فأقبل الطير الأبابيل في منقار كلّ طائر حجر، وفي رجليه حجران [ فكان الطائر ](٤) الواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة، كان يلقي الحجر في قمّة رأس الرجل فيخرج من دبره ».

[١١٠٣٨] ٨ - محمّد بن علي بن شهرآشوب في المناقب: قال: لمّا قصد إبرهة بن الصباح لهدم الكعبة، أتاه عبد المطلب ليستردّ منه إبله، فقال: تُعلِمني في مائة بعير، وتترك دينك ودين آبائك وقد جئت لهدمه، فقال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل، وأن للبيت ربّاً سيمنعه عنك، فردّ إليه إبله، وانصرف إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأخذ بحلقة الباب قائلاً:

__________________

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) أثبتناه من المصدر.

٨ - المناقب ج ١ ص ٢٥.

٣٤٢

يا ربّ لا أرجو لهم سواكا

يا ربّ فامنع منهم حماكا

إن عدوّ البيت من عاداكا

أمنعهم ان يخربوا قراكا

وله أيضاً:

لا همّ أنّ المرء يمنع رحـ

ـله فامنع رحالك

لا يغلّبن صليبهم

ومحالهم غدوا محالك

فانجلى نوره على الكعبة، فقال لقومه: انصرفوا فوالله ما انجلى من جبيني هذا النور إلّا ظفرت وقد انجلى عنه، وسجد الفيل له، فقال للفيل: يا محمود فحرّك الفيل رأسه، فقال له: تدري لم جاؤوا بك؟ فقال الفيل برأسه لا، فقال: جاؤوا بك لتهدم بيت ربّك، أفتراك فاعل ذلك؟، فقال الفيل برأسه: لا.

[١١٠٣٩] ٩ - فقه الرضاعليه‌السلام : « أروي عن العالمعليه‌السلام ، أنه وقف حيال الكعبة، ثم قال: ما أعظم حقّك يا كعبة، والله أن حقّ المؤمن لأعظم من حقّك ».

[١١٠٤٠] ١٠ - الشيخ شرف الدين النجفي في تأويل الآيات الباهرة: عن تفسير محمّد بن العباس بن الماهيار، قال: حدثنا محمّد بن همام، عن محمّد بن إسماعيل العلوي، عن عيسى بن داود عن موسى، عن أبيه جعفرعليهما‌السلام : في قوله تعالى( وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ ) (١) قال: « هي ثلاث حرمات واجبة، فمن قطع حرمة فقد أشرك بالله، انتهاك حرمة الله في بيتة الحرام، والثانية تعطيل الكتاب والعمل بغيره،

__________________

٩ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٥.

١٠ - تأويل الآيات ص ٦١ ب.

(١) الحج ٢٢: ٣٠.

٣٤٣

والثالثة قطيعة ما أوجب الله من فرض مودّتنا وطاعتنا ».

[١١٠٤١] ١١ - جعفر بن أحمد في كتاب الغايات: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : لم يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند الله تعالى من رجل قتل نبياً، أو إماماً، أو هدم الكعبة التي جعلها الله تعالى قبلة لعباده » الخبر.

[١١٠٤٢] ١٢ - بعض نسخ الرضوي: « وإنّما أراد أصحاب الفيلة هدم الكعبة، فعاقبهم الله بإرادتهم قبل فعلهم ».

١٣ -( باب وجوب احترام مكّة وتعظيمها)

[١١٠٤٣] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن عطا، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث طويل في قصّة آدمعليه‌السلام ، إلى أن قال: « قال - أي آدم -: فأهبطنا [ برحمتك ](١) إلى أحبّ البقاع إليك، قال: فأوحى الله إلى جبرئيل: أن أهبطهما إلى البلدة المباركة مكّة، فهبط بهما جبرئيل فألقى آدم على الصفا، والقى حوّاء على المروة » الخبر.

[١١٠٤٤] ٢ - أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في المحاسن: عن أبيه، عن حمزه بن عبد الله، عن جميل بن ميسر، عن أبيه النخعي قال: قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : « يا ميسر أي البلدان أعظم حرمة؟ »

__________________

١١ - الغايات ص ٨٦.

١٢ - عنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٤٦.

الباب ١٣

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٣٦ ح ٢١.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - المحاسن ص ١٦٨ ح ١٣١.

٣٤٤

قال: فما كان منّا أحد يجيبه حتى كان الراد على نفسه، فقال: « مكّة، فقال: أي بقاعها أعظم حرمة »؟ قال: فما كان منّا أحد يجيبه حتى كان الراد على نفسه، قال: « ما بين الركن إلى الحجر » الخبر.

[١١٠٤٥] ٣ - السيد فضل الله الراوندي في النوادر: عن أبي المحاسن، عن أبي عبد الله بن عبد الصمد(١) ، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن المثنى، عن عفّان بن مسلم، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « إنّ الله تبارك وتعالى اختار من الكلام أربعة - إلى أن قال - ومن البقاع أربعاً - إلى أن قال - وأمّا خيرته من البقاع: فمكّة، والمدينة، وبيت المقدس، وفار التنور بالكوفة » الخبر.

[١١٠٤٦] ٤ - الإمام الهمام أبو محمّد العسكريعليه‌السلام في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إنّ لله عزّوجلّ خياراً من كلّ ما خلق - إلى أن قال - فأمّا خياره من البقاع فمكّة، والمدينة، وبيت المقدس الخبر.

وقال(١) : قال الحسن بن عليعليهما‌السلام (٢) : لمّا بعث الله محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة، وأظهر بها دعوته، ونشر بها

__________________

٣ - نوادر الراوندي، وعنه في البحار ج ٩٧ ص ٤٧ ح ٣٤.

(١) في البحار: عن أبي عبد الله عن عبد الله بن عبد الصمد، ولعل صوابه: علي بن عبد الصمد النيشابوري وهو من مشايخ الراوندي « راجع رياض العلماء ج ٤ ص ١٧٧ ».

٤ - تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ص ٢٧٨.

(١) نفس المصدر ص ٢٣٠.

(٢) وفيه: قال علي بن الحسين عليهما‌السلام .

٣٤٥

كلمته، وعاب أعيانهم(٣) في عبادتهم الأصنام، وأخذوه وأساؤوا معاشرته، وسعوا في خراب المساجد المبنيّة [ التي ](٤) كانت لقوم(٥) من خيار أصحاب محمّد [ وشيعته ](٦) وشيعة علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهما)، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها، وأذى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر أصحابه وألجؤوه إلى الخروج من مكّة نحو المدينة، التفت خلفه إليها وقال: الله يعلم إنّني أُحبّك ولولا أنّ أهلك أخرجوني عنك، لمّا آثرت عليك بلداً ولا ابتغيت عليك بدلاً، وإنّي لمغتمّ على مفارقتك.

فأوحى الله إليه يا محمّد: العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: سنردّك إلى هذا البلد ظافراً، غانماً، سالماً، قادراً، قاهراً، وذلك قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ) (٧) ، يعني إلى مكّة » الخبر.

[١١٠٤٧] ٥ - بعض نسخ الرضويعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مكّة حرم الله، حرّمها إبراهيمعليه‌السلام » الخبر.

[١١٠٤٨] ٦ - علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن النضر، عن هشام، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إن إبراهيم

__________________

(٣) وفيه: أديانهم.

(٤) أثبتناه من المصدر.

(٥) في المخطوط: للقوم، وما أثبتناه من المصدر.

(٦) أثبتناه من المصدر.

(٧) القصص ٢٨: ٨٥.

٥ - بعض نسخ الفقه الرضوي ص ٧٥، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٦١.

٦ - تفسير علي بن إبراهيم ج ١ ص ٦٠.

٣٤٦

عليه‌السلام كان نازلاً في بادية الشام - إلى أن قال - ثم أمره تعالى أن يخرج إسماعيلعليه‌السلام وأُمّه عنها، فقال: يا ربّ إلى أيّ مكان؟ قال تعالى: إلى حرمي وأمني، وأوّل بقعة خلقتها من الأرض وهي مكّة » الخبر.

[١١٠٤٩] ٧ - محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة: عن محمّد بن همام ومحمّد بن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن الحسن بن محمّد بن جمهور، عن أحمد بن هلال، عن محمّد بن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزّوجلّ اختار من كلّ شئ شيئاً، اختار من الأرض مكّة، واختار من مكّة المسجد، واختار من المسجد الموضع الذي فيه الكعبة » الخبر.

١٤ -( باب استحباب الشرب من ماء زمزم، وسقي الحاج منه، وإهدائه، واستهدائه)

[١١٠٥٠] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « أروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ماء زمزم شفاء لمّا شرب له.

وفي حديث آخر: ماء زمزم شفاء لمّا استعمل.

وأروي: ماء زمزم شفاء من كلّ داء وسقم، وأمان من كلّ خوف وحزن ».

__________________

٧ - الغيبة ص ٦٧ ح ٧.

الباب ١٤

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٤٦.

٣٤٧

[١١٠٥١] ٢ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن الجارود بن أحمد، عن محمّد بن جعفر الجعفري، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، يقول: « ماء زمزم شفاء من كلّ داء - وأظنه قال - كائناً ما كان، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: ماء زمزم لمّا شرب له ».

١٥ -( باب استحباب الدعاء عند شرب ماء زمزم بالمأثور)

[١١٠٥٢] ١ - الصدوق في الهداية: وإن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج الصفا فافعل، وتقول [ حين تشرب ](١) : اللهم اجعله لي علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاء من كلّ داء وسقم.

١٦ -( باب تحريم أكل مال الكعبة وما يهدى إليها، أو يوصى لها به، ووجوب صرفه في مؤونة المحتاج من الحاج، وعدم جواز دفعه إلى الخدّام)

[١١٠٥٣] ١ - محمّد بن إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة: عن علي بن الحسين، عن محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن الحسان(١)

__________________

٢ - بل طب الأئمة ص ٥٢ وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٢٤٥ ص ٢١ ويحتمل أن النقل عن البحار وهو سبب الإختلاف لتقارب رمز الكتابين قب، طب في البحار.

الباب ١٥

١ - الهداية ص ٥٨، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٢٤٥ ح ٢٢.

(١) أثبتناه من المصدر.

الباب ١٦

١ - الغيبة ص ٢٣٦ ح ٢٥.

(١) في المخطوط « حسن » والصواب أثبتناه من المصدر، راجع معجم الرجال ج ١٥ ص ١٩٠.

٣٤٨

الرازي، عن محمّد بن علي الصيرفي، عن محمّد بن سنان، عن محمّد بن علي الحلبي(٢) ، عن سدير(٣) الصيرفي، عن رجل من أهل الجزيرة، كان قد جعل على نفسه نذراً في جارية، وجاء بها إلى مكّة قال: فلقيت الحجبة فأخبرتهم بخبرها(٤) وجعلت لا أذكر لأحد منهم أمرها إلّا قال: جئني بها، وقد وفى الله نذرك، فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فذكرت ذلك لرجل من أصحابنا من أهل مكّة، فقال لي: تأخذ عنّي؟ فقلت: نعم، فقال: أُنظر الرجل الذي يجلس عند(٥) الحجر الأسود وحوله الناس، وهو أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام ، فأته فأخبره بهذا الأمر فانظر ما ذا يقول لك فاعمل به.

قال: فأتيته وقلت له: رحمك الله، إنني(٦) رجل من أهل الجزيرة، ومعي جارية جعلتها عليّ نذراً لبيت الله في يمين كان(٧) عليّ، وقد أتيت بها وذكرت ذلك للحجبة، فأقبلت لا ألقى منهم أحداً إلّا قال: جئني بها، وقد وفى الله نذرك، فدخلني من ذلك وحشة شديدة، فقال: يا أبا عبد الله إنّ البيت لا يأكل ولا يشرب، فبع جاريتك

__________________

(٢) في المخطوط: الخثعمي، وفي بعض نسخ المصدر الحنفي وكلاهما تصحيف والصحيح ما أثبتناه من المصدر ومعاجم الرجال، أنظر معجم الرجال ج ١٦ ص ١٤٠.

(٣) في المخطوط « بندار الصيرفي » والظاهر أن الصحيح ما أثبتناه من المصدر لأنه الذي يروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام ولعدم وجود بندار في كتب الرجال (راجع المعجم ج ٨ ص ٣٤).

(٤) في نسخة « بأمرها » (منه قدّه).

(٥) في نسخة « بحذاء » (منه قدّه).

(٦) في نسخة « إنّي » (منه قدّه).

(٧) في المصدر: كانت.

٣٤٩

واستقص(٨) ، وانظر أهل بلادك ممّن حجّ هذا البيت، فمن عجز منهم عن نفقته فاعطه حتى (يقوى على العود إلى بلاده)(٩) ، ففعلت ذلك، ثم أقبلت لا ألقى أحداً من الحجبة إلّا قال: ما فعلت بالجارية؟ فأخبرتهم بالذي قال أبو جعفرعليه‌السلام ، فيقولون [ هو ](١٠) كذاب جاهل لا يدري ما يقول.

فذكرت مقالتهم لأبي جعفرعليه‌السلام فقال: « قد بلّغتني فبلّغ(١١) عنّي، فقلت: نعم، فقال: قل لهم: قال لكم أبو جعفرعليه‌السلام : كيف بكم لو قطعت أيديكم، وأرجلكم فعلقت في الكعبة؟، ثم يقال لكم: نادوا نحن سرّاق الكعبة، فلمّا ذهبت لأقوم، قال: إنني لست أنا أفعل ذلك وإنّما يفعله رجل منّي ».

قد ذكر الشيخ في الأصل بعض أجزاء هذا الخبر مع تغيير فيه، وإنّما ذكرناه للإشارة إليه، ولفوائد في سائر أجزائه.

ثم إنه ذكر علي بن الحسين بن بابويه، وليس في الغيبة ذكر الجدّ كما في أكثر المواضع، وكأنّه حمل الإطلاق عليه، والظاهر أن المراد به المسعودي كما صرح به في بعض المواضع، وسنشير إليه إن شاء الله تعالى في الخاتمة، عند شرح حال كتاب إثبات الوصيّة للمسعودي.

[١١٠٥٤] ٢ - أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره، عن الحلبي، عن أبي

__________________

(٨) في نسخة « استقض » (منه قدّه). استقصى فلان المسألة: بلغ النهاية.

(مجمع البحرين ج ١ ص ٣٤١) والمراد هنا المبالغة في تحصيل أقصى ثمنها.

(٩) في نسخة « يعود إلى بلاده » (منه قدّه).

(١٠) أثبتناه من المصدر.

(١١) في المصدر: تبلغ.

٢ - نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى ص ٥٨.

٣٥٠

عبد اللهعليه‌السلام ، قال: سألته عن امرأة جعلت مالها هدياً لبيت الله، إن أعارت متاعها فلانة وفلانة فأعار بعض أهلها بغير أمرها؟ قال: « ليس عليها هدي إنّما الهدي ما جعل لله هدياً للكعبة، فذلك الذي يوفى به إذا جعل لله، وما كان من أشباه هذا فليس بشئ، لا هدي ولا يذكر فيه الله ».

١٧ -( باب حكم حليّ الكعبة)

[١١٠٥٥] ١ - محمّد بن علي بن شهرآشوب في المناقب مرسلاً: همّ عمر أن يأخذ حليّ الكعبة، فقال عليعليه‌السلام : « إنّ القرآن أُنزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسّموها بين الورثة في الفرائض، والفئ فقسّمه على مستحقّه، والخمس فوضعه حيث وضعه الله والصدقات فجعلها حيث جعلها الله، وكان حليّ الكعبة يومئذ، فتركه على حاله، ولم يتركه نسياً، ولم يخف عليه مكانه، فأقِرّه حيث أقرّه الله ورسوله ».

فقال عمر: لولاك لافتضحنا، وترك الحليّ بمكانه.

١٨ -( باب استحباب التعلق بأستار الكعبة، والدعاء عندها)

[١١٠٥٦] ١ - الصدوق في الأمالي: عن أحمد بن زياد الهمداني، عن عمر بن إسماعيل الدينوري، عن زيد بن إسماعيل الصائغ، عن معاوية بن هشام عن سفيان عن عبد الملك بن عمير، عن خالد بن ربعي قال: إن

__________________

الباب ١٧

١ - المناقب ج ٢ ص ٣٦٨.

الباب ١٨

١ - أمالي الصدوق ص ٣٧٧ ح ١٠.

٣٥١

أمير المؤمنينعليه‌السلام دخل مكّة في بعض حوائجه، فوجد أعرابياً متعلقاً بأستار الكعبة وهو يقول: يا صاحب البيت، البيت بيتك، والضيف ضيفك، ولكلّ ضيف من مضيفه قرى، فاجعل قراي منك الليلة المغفرة.

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لأصحابه: « أما تسمعون كلام الأعرابي؟ » قالوا: نعم، فقال: « الله أكرم من أن يرد ضيفه » فلمّا كان الليلة الثانية وجده متعلّقاً بذلك الركن وهو يقول: يا عزيزاً في عزك فلا أعز منك في عزّك، أعزّني بعزّ عزّك في عزّ لا يعلم أحد كيف هو، أتوجه إليك، وأتوسل إليك بحقّ محمّد وآل محمّدعليهم‌السلام عليك، أعطني ما لا يعطيني أحد غيرك، واصرف عنّي ما لا يصرفه أحد غيرك.

قال: فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لأصحابه: « هذا والله الاسم الأكبر بالسريانية، أخبرني به حبيبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سأله الجنّة فأعطاه، وسأله صرف النار وقد صرفها عنه » فلمّا كان الليلة الثالثة وجده متعلّقاً بذلك الركن وهو يقول: يا من لا يحويه مكان، ولا يخلو منه مكان، بلا كيفيّة كان، ارزق الأعرابي أربعة آلاف درهم -، الخبر، وهو طويل - وفيه: أنهعليه‌السلام أعطاه ما سأله.

[١١٠٥٧] ٢ - البحار، عن أعلام الدين للديلمي: عن طاووس اليماني، قال: رأيت في جوف الليل رجلاً متعلّقاً بأستار الكعبة، وهو يقول:

ألا أيّها المأمول في كلّ حاجة

شكوت إليك الضرّ فاسمع شكايتي

__________________

٢ - البحار ج ٩٩ ص ١٨٩ ح ١٥.

٣٥٢

ألا يا رجائي أنت تكشف(١) كربتي

فهب لي ذنوبي كلّها واقض حاجتي

فزادي قليل لا أراه مبلّغي

أللزاد أبكي أم لطول مسافتي

أتيت بأعمال قباح رديّة

فما في الورى عبد جنى كجنايتي

أتحرقني في النار(٢) يا غاية المنى

فأين رجائي ثم أين مخافتي »

قال: فتأملته فإذا هو علي بن الحسينعليهما‌السلام ...

[١١٠٥٨] ٣ - ابن شهرآشوب في المناقب: عن الأصمعي قال: كنت أطوف حول الكعبة ليلة، فإذا شاب ظريف الشمائل وعليه ذؤابتان، وهو متعلق بأستار الكعبة، وهو يقول: نامت العيون، وعلت النجوم، وأنت [ الملك ](١) الحيّ القيوم، غلّقت الملوك أبوابها، وأقامت عليها حرّاسها، وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إليّ برحمتك يا أرحم الراحمين.

ثم أنشأ يقول:

يا من يجيب دعا المضطر في الظلم

يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقم

قد نام وفدك حول البيت قاطبة

وأنت وحدك يا قيّوم لم تنم

أدعوك ربّ دعاء قد أمرت به

فارحم بكائي بحق البيت والحرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف

فمن يجود على العاصين بالنعم »

قال: فاقتفيته فإذا هو زين العابدينعليه‌السلام .

[١١٠٥٩] ٤ - السيد علي بن طاووس في مهج الدعوات: عن جماعة

__________________

(١) في البحار: كاشف.

(٢) وفيه: بالنار.

٣ - المناقب لابن شهرآشوب ج ٤ ص ١٥٠.

(١) أثبتناه من المصدر.

٤ - مهج الدعوات ص ١٥٢.

٣٥٣

بأسانيدهم إلى الحسين بن علي بن أبي طالبعليهما‌السلام ، في حديث طويل، وأنّه رأى في المسجد الحرام شاباً يبكي ويتضرع، فأتى به إلى أبيهعليه‌السلام ، وذكر لهعليه‌السلام أنه كان لاهياً مشغوفاً بالعصيان، وأنه ضرب أباه وأوجعه - إلى أن قال - ثم حلف [ بالله ](١) يعني أباه - ليقدمن إلى بيت الله الحرم، فيستعدي الله عليّ [ قال: ](٢) فصام أسابيع، وصلّى ركعات ودعا، وخرج متوجّهاً على عبراته يقطع بالسير عرض الفلاة، ويطوي الأودية، ويعلو الجبال، حتى قدم مكّة يوم الحج الأكبر فنزل من راحلته، وأقبل إلى بيت الله الحرام فسعى، وطاف به، وتعلّق بأستاره، وابتهل (إلى الله)(٣) بدعائه، وأنشأ يقول:

يا من إليه أتى الحجاج بالجهد

فوق المهاري(٤) من أقصى غاية البعد

إني أتيتك يا من لا يخيّب من

يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد

هذا منازل لا يرتاع من عققي(٥)

فخذ بحقّي يا جبّار من ولدي

حتى (يشلّ بحول)(٦) منك جانبه

يا من تقدّس لم يولد ولم يلد

قال: فوالذي سمك السماء، وأنبع الماء ما استتم دعاءه حتى نزل بي ما ترى، ثم كشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شلّ الخبر، وفيه ذكر الدعاء المعروف بدعاء المشلول.

[١١٠٦٠] ٥ - السيد ابن زهرة في الغنية: ويتعلق بأستار الكعبة ويقول:

__________________

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

(٤) مهرة بن حيدان: أبو قبيلة وإبل مهرية منسوبة إليهم والجمع مهاري ومهار ومهاري. (لسان العرب مهر ج ٥ ص ١٨٦).

(٥) عق والده يعقه عقّاً وعقوقا شق عصا طاعته (لسان العرب عقق ج ١٠ ص ٢٥٦).

(٦) في المصدر: يشل بعون.

٥ - الغنية (ضمن كتاب الجوامع الفقهية) ص ٥١٦.

٣٥٤

اللهم بك استجرت فأجرني، وبك استغيث فأغثني، يا رسول الله، يا أمير المؤمنين، يا فاطمة بنت رسول الله(١) يا حسن، يا حسين - ويسمّي الأئمةعليهم‌السلام إلى آخرهم - بالله ربّي استغيث، وبكم إليه تشفّعت، أنتم عمدتي، وإيّاكم أقدّم بين يدي حوائجي، فكونوا شفعائي إلى الله في إجابة دعائي، وتبليغي في (ديني ودنياي)(٢) مهمّاتي، اللّهم ارحم بهم عبرتي، واغفر بشفاعتهم خطيئتي، واقبل مناسكي، واغفر لي ولوالدي، واحفظني في نفسي وأهلي، وفي جميع إخواني، واشركهم في صالح دعائي، إنّك على كلّ شئ قدير.

١٩ -( باب أحكام لقطة الحرم)

[١١٠٦١] ١ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمّد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الحرم لا يختلى خلاؤه - إلى أن قال - ولا تحلّ لقطته إلّا لمنشد » الخبر.

[١١٠٦٢] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر محمّدعليهما‌السلام ، أنه قال: « لا (تلقط اللقطة في)(١) الحرم، دعها(٢) مكانها حتى يأتي من

__________________

(١) في المصدر زيادة: يا أمير المؤمنين، يا فاطمة بنت رسول الله.

(٢) وفيه: الدين والدنيا.

الباب ١٩

١ - الجعفريات ص ٧١.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣١١.

(١) كذا في المصدر، وفي المخطوط: يلتقطه لقطة.

(٢) في المخطوط: ويترك، وما أثبتناه من المصدر.

٣٥٥

(هي له)(٣) فيأخذها ».

[١١٠٦٣] ٣ - وعنهعليه‌السلام : أنه سئل عن رجل وجد ديناراً في الحرم فأخذه، ما يصنع به؟ قال: « بئس ما صنع إذا أخذه، لأن (لقطة الحرم)(١) لا ترفع، هي في حرم الله إلى أن يأتي صاحبها فيأخذها، قيل: فإنه قد ابتلي به، قال: فليعرفه، قيل: فإنه قد عرفه، قال: فليتصدق به على أهل بيت من المسلمين، فإن جاء (طالبه فهو)(٢) ضامن ».

[١١٠٦٤] ٤ - فقه الرضاعليه‌السلام : « اعلم أنّ اللقطة لقطتان: لقطة الحرم، ولقطة غير الحرم، فأمّا لقطة الحرم فإنّها تعرّف(١) سنة، فإن جاء صاحبها وإلّا تصدقت بها، وإن كنت وجدت في الحرم ديناراً مطلساً(٢) فهو لك لا تعرفه ».

٢٠ -( باب استحباب إكثار النظر إلى الكعبة)

[١١٠٦٥] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: كنت عنده قاعداً خلف المقام وهو محتبٍ

__________________

(٣) في المصدر: أضلها.

٣ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٤٩٥ ح ١٧٦٦.

(١) في المصدر: اللقطة بالحرم.

(٢) وفيه: طالبها فهو له.

٤ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٥.

(١) في المخطوط: يعرف، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المطلس: الممحو (لسان العرب ج ٦ ص ١٢٤).

الباب ٢٠

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٨٨ ح ٥٧.

٣٥٦

مستقبل القبلة، فقال: « النظر إليها عبادة » الخبر.

[١١٠٦٦] ٢ - بعض نسخ الرضويعليه‌السلام : « واقلل الخروج من المسجد فإن النظر إلى الكعبة عبادة، ولا يزال المرء في صلاة ما دام ينظرها ».

[١١٠٦٧] ٣ - القطب الراوندي في لبّ اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « ومن نظر إلى البيت إيماناً واحتساباً نظرة واحدة غفر له ما تقدم وما تأخر، ومن نظر إلى البيت كان أفضل من عبادة سنة ».

وروي: أنّ الله ينزل كلّ يوم على مكّة مائة وعشرين رحمة، ستون منها للطائفين، وأربعون للعاكفين، وعشرون للناظرين.

٢١ -( باب كراهة مطالبة الغريم في الحرم، والتسليم عليه)

[١١٠٦٨] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « إن كان لك على رجل حقّ فوجدته بمكّة، أو في الحرم فلا تطالبه، ولا تسلم عليه فتفزعه، إلّا أن تكون أعطيته حقّك في الحرم، فلا بأس أن تطالبه في الحرم ».

٢٢ -( باب جواز الاحتباء مستقبل الكعبة على كراهية في المسجد الحرام، وكذا الاحتذاء فيه)

[١١٠٦٩] ١ - العياشي في تفسيره: عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: كنت عنده قاعداً خلف المقام وهو محتب

__________________

٢ - بعض نسخ الرضوي: وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٤٦.

٣ - لبّ اللباب: مخطوط.

الباب ٢١

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٣.

الباب ٢٢

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٨٨ ح ٥٧.

٣٥٧

مستقبل القبلة » الخبر.

[١١٠٧٠] ٢ - نوادر علي بن أسباط، عن رجل من أصحابنا يكنّى با إسحاق، عن بعض أصحابه، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنه قال في حديث: « وإذا كان مقابل الكعبة، لم يجز له أن يحتبي وهو ناظر إليها ».

٢٣ -( باب أنه يكره أن يعلق لدور مكّة أبواب، وأن يمنع الحاج من نزول دورها، وأن يؤخذ لها أُجرة)

[١١٠٧١] ١ - علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) (١) قال: نزلت في قريش حين صدوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن مكّة، وقوله:( سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) ، قال: أهل مكّة ومن جاء إليه(٢) من البلدان، فهم فيه(٣) سواء، لا يمنع النزول ودخول الحرم.

[١١٠٧٢] ٢ - القطب الراوندي في فقه القرآن: كتب عليعليه‌السلام ، إلى قثم بن عبّاس، عامله على مكّة: « أقم للناس الحج، واجلس لهم العصرين، فافت المستفتي، وعلّم الجاهل، وذاكر العالم، ومر أهل مكّة أن لا يأخذوا من ساكن اجراً، فإنّ الله سبحانه يقول:( سَوَاءً

__________________

٢ - نوادر علي بن أسباط ص ١٢٤.

الباب ٢٣

١ - تفسير القمي ج ٢ ص ٨٣.

(١) الحج ٢٢: ٢٥.

(٢) في المصدر: إليهم.

(٣) ليس في المصدر.

٢ - فقه القرآن ج ١ ص ٣٢٧.

٣٥٨

الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) (١) العاكف: المقيم به، والبادي: الذي يحج إليه من غير أهله ».

٢٤ -( باب استحباب دخول الكعبة)

[١١٠٧٣] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن علي بن عبد العزيز، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك قول الله تعالى( آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) (١) وقد يدخله المرجئ، والقدري، والحروري، والزنديق الذي لا يؤمن بالله، قال: « لا، ولا كرامة » قلت: فمن(٢) ، جعلت فداك؟ قال: « ومن دخله وهو عارف بحقّنا كما هو عارف له، خرج من ذنوبه، وكفي همّ الدنيا والآخرة ».

[١١٠٧٤] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام : أنه سئل عن دخول الكعبة(١) ؟ فقال: « نعم إن قدرت على ذلك(٢) ، وإن خشيت الزحام فلا تغرّر بنفسك ».

[١١٠٧٥] ٣ - القطب الراوندي في لبّ اللباب: وجد إبراهيمعليه‌السلام حجراً مكتوباً عليه أربعة أسطر: الأول: إنّي أنا الله لا إله

__________________

(١) الحج ٢٢: ٢٥.

الباب ٢٤

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٩٠ ح ١٠٧.

(١) آل عمران ٣: ٩٧.

(٢) في المخطوط: فمه، وما أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٣٢.

(١) في المصدر: البيت.

(٢) وفيه زيادة: فافعله.

٣ - لبّ اللباب: مخطوط.

٣٥٩

إلّا أنا فاعبدني، الثاني: لا إله إلّا الله محمّد رسولي، طوبى لمن آمن به واتبعه. الثالث: إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا، من اعتصم بي نجا. الرابع: إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا، الحرم لي والكعبة بيتي، من دخل بيتي أمن من عذابي.

٢٥ -( باب أنه يستحب لمن أراد دخول الكعبة أن يغتسل، ثم يدخلها بسكينة ووقار بغير حذاء، ولا يبزق ولا يمتخط، ويدعو بالمأثور، ويصلّي بين الإسطوانتين على الرخامة الحمراء، وفي كلّ زاويتين ركعتين، ويكبّر مستقبلاً لكلّ ركن)

[١١٠٧٦] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنه قال: « يستحب لمن أراد دخول الكعبة أن يغتسل ».

[١١٠٧٧] ٢ - وعن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنه قال: « صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في البيت، بين العمودين على الرخامة الحمراء، واستقبل ظهر البيت، وصلّى ركعتين ».

[١١٠٧٨] ٣ - بعض نسخ الرضويعليه‌السلام : « أبي، عن الصادقعليهما‌السلام : لا تصلح المكتوبة في جوف الكعبة، فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يدخل الكعبة في عمرة ولا حجّة، ولكنه دخلها في الفتح، وصلّى ركعتين بين العمودين، ومعه أسامة والفضل ».

__________________

الباب ٢٥

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٣٢.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٣٣.

٣ - بعض نسخ الرضوي ص ٧٤، وعنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٥٧ ح ٢٣.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421