القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 360617 / تحميل: 10456
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

« هو من الأخبار المشهورة ».

* * *

__________________

ولد سنة ٢٦١ ، وتوفّي ببغداد سنة ٣٤٥ ودفن بها.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ١٢٠ ، تاريخ بغداد ٢ / ٣٥٦ رقم ٨٦٥ ، طبقات الحنابلة ٢ / ٥٦ رقم ٦٠٣ ، وفيات الأعيان ٤ / ٣٢٩ رقم ٦٣٨ ، تذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٧٣ رقم ٨٤٤ ، لسان الميزان ٥ / ٢٦٨ رقم ٩٢٢.

١٤١

١٥ ـ حديث : إنّ فيك مثلا من عيسى

قال المصنّف ـ قدّس الله روحه ـ(١) :

الخامس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «إنّ فيك مثلا من عيسى ، أبغضه اليهود حتّى اتّهموا أمّه ، وأحبّه النصارى حتّى أنزلوه المنزل الذي ليس له بأهل »(٢)

وقد صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ الخوارج أبغضوا عليّاعليه‌السلام ، والنصيريّة(٣) اعتقدوا فيه الربوبيّة.

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، وانظر : فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٩٤ ح ١٠٨٧ وص ٨٨٨ ح ١٢٢١ و ١٢٢٢ ، زوائد عبد الله على المسند : ٤١٢ ح ١٩٦ ، السنّة ـ لعبد الله بن أحمد ـ ٢ / ٥٤٣ ح ١٢٦٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٣ / ٢٨١ ـ ٢٨٢ رقم ٩٦٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٧٠ ح ١٠٠٤ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٦٨ ح ٥٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٣٠ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١١٠ ح ١٠٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٦٠ ـ ١٦٦ ح ٨٦٠ ـ ٨٧٠ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٢٥ ح ٣٦٣٩٩.

(٣) النصيرية ـ ويقال لها : النّميرية ـ : فرقة تنسب إلى محمّد بن نصير النميري ، وكان هو من أصحاب الإمام الحسن العسكريعليهما‌السلام ، ثمّ انحرف عن جادّة الحقّ وادّعى أمورا باطلة عظيمة ، كالنيابة عن الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام والقول بالتناسخ

١٤٢

وقال الفضل(١) :

الحمد لله الذي جعل أهل السنّة معتدلين بين الفريقين ؛ من المفرطة في حبّ عليّ ، كالنصيرية التي يدّعون ربوبيته ، وكالإماميّة التي يدّعون أنّ أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله كفروا كلّهم لمخالفة النصّ في شأنه ؛ ومن المفرطة في بغضه كالخوارج المبغضة.

وأمّا أهل السنّة والجماعة ـ بحمد الله ـ فيحبّونه حبّا شديدا ، وينزلونه في منزلته التي هو أهل لها ، من كونه وصيّا ، وخليفة من الخلفاء الأربع ، وصاحب ودائع العلم والمعرفة.

* * *

__________________

والغلوّ والنبوّة والإلحاد.

انظر : فرق الشيعة ـ للنوبختي ـ : ٩٣ ـ ٩٤ ، الفرق بين الفرق : ٢٣٩ و ٢٤١ ، الغيبة ـ للطوسي : ٣٩٨ ح ٣٦٩ ـ ٣٧١ ، الاحتجاج ٢ / ٥٥٢ و ٥٥٤.

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٦.

١٤٣

وأقول :

هذا الحديث كما هو مذكور في مسند أحمد ، مذكور في مستدرك الحاكم ، وخصائص النسائي ، وغيرها ، كما سبق في الآية الثانية والستّين(١) .

وبمعناه ما في « الاستيعاب » بترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تفترق فيك أمّتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى »(٢) .

ولا ريب أنّ إنزال النصارى لعيسى بغير منزلته إنّما هو لاتّخاذهم له إلها.

وبمقتضى التمثيل يكون إنزال عليّعليه‌السلام بغير منزلته هو اتّخاذه إلها كعيسى ، كما فعل النصيرية وغيرهم من الغلاة ، فلا يدخل الإماميّة في من أنزله بغير منزلته ؛ لأنّهم يقولون : إنّه عبد من عبيد الله تعالى ، أكرمه بالخلافة بالنصّ عليه.

وحينئذ ، فينحصر أمر الإماميّة بين أن يكونوا ممّن أبغضه ، ولا سبيل إليه بالضرورة ؛ وبين أن يكونوا من النمط الأوسط والمحقّ ، وهو المطلوب.

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٤ من هذا الكتاب ، وانظر : مسند أحمد ١ / ١٦٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ح ٤٦٢٢ ، خصائص الإمام عليّعليه‌السلام : ٨٤ ح ٩٨ ، مسند البزّار ٣ / ١١ ـ ١٢ ح ٧٥٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ح ٥٣٤.

(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٠١.

١٤٤

كما ينحصر أهل السنّة بين هذين ، والمتعيّن فيهم الأوّل ؛ لأنّ النمط الأوسط لا يمكن أن يجمع الفريقين المتباينين ، ولأنّ أهل السنّة اجتهدوا في تأخيره عمّن لا يقاس به علما وعملا ، ولا يلتفتون إلى آية تدلّهم على منزلته ، ولا إلى سنّة ترشدهم إلى فضله وعلوّ محلّه ، بل يحتالون إلى نفي النصوصيّة بالأوهام والشبه البعيدة ، ويتناولون الأسانيد القويّة الكثيرة بالتضعيف بكلّ وسيلة ، بعكس ما يرد عندهم في حقّ مشايخهم!

فلا بدّ أن يكون من قال : « إنّ عليّا هو الخليفة الأوّل » محقّا ناجيا ، ومن قال : « إنّه رعيّة لغيره » مبطلا هالكا ؛ وبه يتمّ إثبات إمامته وخلافته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل.

وقد سبق في الآية الثانية والستّين دلالة ذلك على إمامته بوجوه أخر ؛ فراجع(١) .

وأمّا ما زعمه الفضل من أنّ الإماميّة يكفّرون أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله

فإن أراد به أنّهم يقولون بشركهم أو إنكارهم الرسالة ، فباطل

وإن أراد أنّهم يقولون : إنّ أكثر الصحابة خالفوا نصّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ ، وألغوا أمر الله تعالى وأمر رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّه ، فصحيح ؛ لأنّ الإمامة عندنا أصل من أصول الدين ، ومن لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية ، كما مرّ تحقيقه في أوّل مباحث الإمامة(٢)

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦ من هذا الكتاب.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١١ وما بعدها من هذا الكتاب.

وانظر : مسند أحمد ٣ / ٤٤٦ ، السنّة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٩٠ ح ١٠٥٨ ،

١٤٥

وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله :( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (١) ، وصرّحت به السنّة المستفيضة ، كأخبار الحوض ، التي منها ما رواه البخاري في « باب الحوض » ، من أنّ الأصحاب ارتدّوا على أدبارهم القهقرى ، ولا يخلص منهم إلّا مثل همل النّعم(٢) ، كما مرّ(٣) ويأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا ما زعمه من أنّ أهل السنّة يحبّون عليّا حبّا شديدا ، فلا نعرف منه إلّا الدعوى ، ولو كشف الله سبحانه حجاب ضمائرهم لعرفت أنّهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم

بل الوجدان يشهد بخلافه ، فهذه أقلامهم عند تلاوة آيات فضله ، وهذه أرقامهم(٤) عند سماع نصوص إمامته ، وهذا ولاؤهم لأظهر مبغضيه وأعدائه ، كمعاوية وأشباهه

تودّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي عنك لعازب(٥)

__________________

مجمع الزوائد ٥ / ٢١٨ و ٢٢٤ ؛ علاوة على ما مرّ في مقدّمة الكتاب ص ٣١ ، وفي ج ٤ / ٢١٤ ه‍ ١ ـ ٤ ، من تخريج ألفاظ حديث : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ».

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٢١٧ ح ١٦٦.

(٣) انظر ما تقدّم في ج ٢ / ٢٧ ه‍ ١ وج ٤ / ٢١٢ ـ ٢١٣ من هذا الكتاب.

(٤) الرّقم : الكتابة والختم ؛ والرّقم والتّرقيم : تعجيم الكتاب ، ورقم الكتاب يرقمه رقما : أعجمه وبيّنه ، وكتاب مرقوم أي قد بيّنت حروفه بعلاماتها من التنقيط ؛ انظر : لسان العرب ٥ / ٢٩٠ مادّة « رقم ».

والمراد هنا هو ما كتبوه ويكتبونه في إنكار إمامة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام .

(٥) البيت من بحر الطويل ، وقد نسبه ابن عبد ربّه إلى العتابي ؛ انظر : العقد الفريد ٢ / ٧٥ باب أصناف الإخوان من كتاب « الياقوتة في العلم والأدب » ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٢٠ / ١٥.

١٤٦

١٦ ـ حديث : لا يحبّك إلّا مؤمن

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

السادس عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، وهو مذكور في « الجمع بين الصحيحين » ، وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق »(٢) .

* * *

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢١٩.

(٢) مسند أحمد ١ / ٩٥ و ١٢٨ وج ٦ / ٢٩٢ ، الجمع بين الصحيحين ١ / ١٧٢ ح ١٥٣ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٧ وص ٦٠١ ح ٣٧٣٦ ، سنن النسائي ٨ / ١١٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٣٧ ح ٨٤٨٧ ، مسند الحميدي ١ / ٣١ ح ٥٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٣ ح ٥١ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٥١ ح ٢٩١ وج ١٢ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ ح ٦٩٠٤ وص ٣٦٢ ح ٦٩٣١ ، المعجم الكبير ٢٣ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ح ٨٨٥ و ٨٨٦ ، معرفة علوم الحديث : ١٨٠ ، فضائل الخلفاء ـ لأبي نعيم ـ : ٧٦ ح ٦٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٠ ، تاريخ بغداد ٨ / ٤١٧ رقم ٤٥٢٣ وج ١٤ / ٤٢٦ رقم ٧٧٨٥ ، الشفا ـ للقاضي عياض ـ ٢ / ٤٨ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٢٧٠ ـ ٢٨٠.

١٤٧

وقال الفضل(١) :

هذا الحديث صحيح لا شكّ فيه ، وفي رواية هذا الحديث عن عليّ ، أنّه قال : «لعهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ ؛ أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق »(٢) .

والحمد لله الذي جعلنا من أهل محبّته ، وملأ قلوبنا من صفو مودّته ، وبالله التوفيق.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٤٩.

(٢) مرّ تخريج الحديث مفصّلا فى ج ١ / ١٥ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ وانظر علاوة على ذلك : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٤٧ ح ٨١٥٣ وص ١٣٧ ح ٨٤٨٥ ـ ٨٤٨٦ ، مسند أحمد ١ / ٨٤ ، شرح السنّة ٨ / ٨٥ ـ ٨٦ ح ٣٩٠٧ و ٣٩٠٨.

١٤٨

وأقول :

إذا عرف صحّة هذا الحديث ، وصدّق بحمد الله على حبّه ، فما باله والى أشدّ أعدائه وأكبر مبغضيه ، كمعاوية وابن العاص ومروان ، وأشباههم ، ولم يحكم عليهم بالنفاق ، مع اتّضاح حالهم في بغض أمير المؤمنين واستمرارهم على عداوته وسبّه؟!

بل يلزمه أن لا يوالي عائشة ، بل يصفها بالنفاق ، لعلمه بعداوتها له ، واستدامتها على بغضه!

ففي « مسند أحمد »(١) عن عبيد الله بن عبد الله ، عن عائشة ، قالت :

لمّا مرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت ميمونة ، فاستأذن نساءه أن يمرّض في بيتي ، فأذنّ له ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معتمدا على العبّاس وعلى رجل آخر ، ورجلاه تخطّان في الأرض.

وقال عبيد الله : فقال ابن عبّاس : أتدري من ذلك الرجل؟! هو عليّ ابن أبي طالب ، ولكنّ عائشة لا تطيب لها نفسا.

ورواه أيضا في مقام آخر(٢) .

__________________

(١) ص ٣٤ من الجزء السادس. منهقدس‌سره .

(٢) ص ٢٢٨ ج ٦. منهقدس‌سره .

وانظر : صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢ ، صحيح مسلم ٢ / ٢١ ـ ٢٢ كتاب الصلاة ، سنن ابن ماجة ١ / ٥١٧ ح ١٦١٨ ، سنن النسائي ٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ١ / ٢٩٣ ح ٩٠٨ ، سنن الدارمي ١ / ٢٠٥ ذ ح ١٢٥٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٧٩ ، مسند أبي عوانة ١ / ٤٤٢ ح ١٦٣٦ وص ٤٤٣ ح

١٤٩

فهل ترى أشدّ في البغض من أن لا تطيب نفس الشخص أن يتلفّظ باسم عدوّه؟!

ورواه الطبري في « تاريخه »(١) ، وفيه : « ولكنّها لا تقدر على أن تذكره بخير ، وهي تستطيع »!

وهو أصرح في الدلالة على بغضها لإمام المتّقين ونفس النبيّ الأمين.

ورواه البخاري في « باب الغسل والوضوء في المخضب » من كتاب الوضوء(٢)

وفي « باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة » من كتاب الأذان(٣)

وفي « باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها » من كتاب الهبة(٤)

وفي « باب مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله » في أواخر كتاب المغازي(٥) .

وفي كلّها لم تسمّ الرجل الآخر ، وإنّما سمّاه ابن عبّاس.

ولم يرو البخاري تتمّة كلام ابن عبّاس ؛ رعاية لشأن عائشة! ولم يدر أنّ تركها لاسم أمير المؤمنين مع ذكر اسم عديله كاف في الدلالة على بغضها له!!

وروى أحمد أيضا(٦) ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاء رجل فوقع في

__________________

١٦٤٠ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ١ / ٣١ وج ٣ / ٨٠ ـ ٨١ وج ٨ / ١٥١ ـ ١٥٢ ؛ وقد أسقط قوله : « ولكنّ عائشة لا تطيب له نفسا » من بعض هذه المصادر ؛ فلاحظ!

(١) ص ١٩١ من الجزء الثالث [ ٢ / ٢٢٦ ]. منهقدس‌سره .

(٢) صحيح البخاري ١ / ١٠١ ح ٦١.

(٣) صحيح البخاري ١ / ٢٦٩ ح ٥٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ / ٣١٣ ـ ٣١٤ ح ٢٢.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٣٢ ح ٤٣٢.

(٦) ص ١١٣ ج ٦. منهقدس‌سره .

١٥٠

عليّ وعمّار عند عائشة ، فقالت : أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئا! وأمّا عمّار ، فإنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما.

.. إلى غير ذلك من الأخبار الكاشفة عن بغضها له ، وإن كان لا حاجة في بيان عداوتها وبغضها له إلى دليل.

وأعظم من ذلك حربها له ، وهي تعلم أنّ حربه حرب لرسول الله(١) ، مقدمة على قتله لو قدرت ، وهي تدري أنّه أخو رسول الله ونفسه.

وعلى هذه فقس ما سواها ، إذ لم تأت ذلك عنوة بل ورثته عن أسلافها!

وأمّا وجه الدلالة في الحديث الذي ذكره المصنّفرحمه‌الله ونحوه على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقد تقدّم في أوّل مباحث الإمامة ، وفي الآية الثانية عشرة(٢) .

* * *

__________________

(١) تقدّم تخريج ذلك مفصّلا في ج ٤ / ٣٥٨ ه‍ ٤ وج ٥ / ٣٢١ ه‍ ٣ من هذا الكتاب ؛ فراجع!

وانظر إضافة إلى ذلك : المعجم الأوسط ٣ / ٢٥٦ ح ٢٨٧٥ وج ٥ / ٣١٦ ح ٥٠١٥ وج ٧ / ٢٤٢ ح ٧٢٥٩ ، المعجم الصغير ٣ / ٣ ، تاريخ بغداد ٧ / ١٣٧ رقم ٣٥٨٢.

(٢) راجع : ج ٤ / ٢١٤ وما بعدها وج ٥ / ١٧ ـ ١٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥١

١٧ ـ حديث : ولكنّه خاصف النعل

قال المصنّف ـ أجزل الله ثوابه ـ(١) :

السابع عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.

فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا .

قال عمر : أنا هو يا رسول الله؟

قال :لا ، ولكنّه خاصف النعل.

وكان عليّ يخصف نعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الحجرة عند فاطمةعليها‌السلام (٢) .

وفي « الجمع بين الصحاح الستّة » : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :لتنتهنّ

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) مسند أحمد ٣ / ٣٣ و ٨٢ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٧٧ ح ١٠٧١ وص ٧٩٠ ح ١٠٨٣ ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥٤ ح ٨٥٤١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٩ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٣٤١ ح ١٠٨٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٦ ح ٦٨٩٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١ ، حلية الأولياء ١ / ٦٧ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٩٩ ح ٧٨ ، مناقب عليّ بن أبي طالب ـ لابن أخي تبوك ؛ المطبوع بذيل مناقب ابن المغازلي ـ : ٣٤٣ ح ٢٣ ، شرح السنّة ٦ / ١٦٧ ح ٢٥٥٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٥ ، مجمع الزوائد ٥ / ١٨٦ وج ٩ / ١٣٣ ، كنز العمّال ١١ / ٦١٣ ح ٣٢٩٦٧.

١٥٢

معشر قريش أو ليبعثنّ الله عليكم رجلا منّي امتحن الله قلبه للإيمان ، يضرب أعناقكم على الدين.

قيل : يا رسول الله! أبو بكر؟

قال :لا .

قيل : عمر؟

قال :لا ، ولكن خاصف النعل في الحجرة (١) .

* * *

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٢ ح ٣٧١٥ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١١٥ ح ٨٤١٦ ، مصنّف عبد الرزّاق ١١ / ٢٢٦ ح ٢٠٣٨٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ح ١٨ وص ٤٩٩ ح ٣٠ وص ٥٠٦ ح ٧٤ ، فضائل الصحابة ـ لأحمد ـ ٢ / ٧٣٤ ح ١٠٠٨ وص ٧٤٣ ح ١٠٢٤ وص ٨٠٦ ح ١١٠٥ ، مسند البزّار ٣ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ح ١٠٥٠ ، مسند أبي يعلى ٢ / ١٦٥ ـ ١٦٦ ح ٨٥٩ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٤٩ ـ ١٥٠ ح ٢٦١٤ ، الاستيعاب ٣ / ١١٠٩ ـ ١١١٠ ، تاريخ بغداد ١ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣ ، كنز العمّال ١٣ / ١٧٣ ح ٣٦٥١٨ عن الترمذي وابن جرير في « تهذيب الآثار » والضياء المقدسي في « المختارة » وص ١٧٤ ح ٣٦٥١٩ عن ابن أبي شيبة في « المصنّف » وابن جرير في « تهذيب الآثار » والحاكم في « المستدرك » ويحيى بن سعيد في « إيضاح الإشكال ».

١٥٣

وقال الفضل(١) :

صحّ الحديث ، وهذا يدلّ على أنّه يقاتل البغاة والخوارج ، وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن ، حيث كانوا يؤوّلون القرآن ، ويدّعون الخلافة لأنفسهم ، فقاتلهم أمير المؤمنين ، وعلّم الناس قتال الخوارج والبغاة ، كما قال الشافعي : إنّه لو لم يقاتل أمير المؤمنين البغاة ما كنّا نعلم كيفيّة القتال معهم(٢) .

وهذا لا يدلّ على النصّ بخلافته ، بل إخبار عن مقاتلته في سبيل الله مع العصاة والبغاة.

* * *

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ٧ / ٤٥٠.

(٢) انظر : الحاوي الكبير ١٦ / ٣٦٠.

١٥٤

وأقول :

ذكر المصنّفرحمه‌الله هنا حديثين تقدّم بيان رواتهما في الآية الثانية والعشرين(١) ، وكلّ منهما دالّ على المقصود

أمّا الأوّل ، فلأنّ المراد ـ بالقتال على تأويل القرآن ـ : إمّا القتال على وفق ما أدّى إليه القرآن باجتهاد المقاتل

أو ما أدّى إليه في الواقع ؛ لعلم المقاتل به

فيكون المشبّه به على الوجهين هو : قتال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله على حسب ما أنزل إليه.

وإمّا أن يكون المراد : القتال على مؤوّل القرآن يعملوا به ، كما قاتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للإقرار بأنّه منزل من الله تعالى.

والأظهر أحد الوجهين الأخيرين ؛ لأنّهما أمكن في التشبيه.

ومن المعلوم أنّ القتال على أيّ الوجوه الثلاثة شأن خليفة الرسول ، وزعيم الأمّة ، فتثبت إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ولمّا نفى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك عن الشيخين مع صدور القتال منهما علم أنّهما ليسا بإمامين.

وليت شعري ، إذا لم يكن قتالهما على وفق القرآن ، ولا لأجل العمل به ، فكيف وليا أمر القتال والأمّة؟! وكيف اتّخذهم الناس أئمّة؟!

فإن قلت : لعلّ المراد بقتال عليّعليه‌السلام على التأويل : قتاله لمن تأوّل

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٥ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٥

القرآن وادّعى الخلافة لنفسه ، فلا يكون نفي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لهذا القتال عن الشيخين منافيا لإمامتهما ؛ لأنّ هذا النفي مطابق للواقع ، إذ لم يقاتلا إلّا المشركين وإن كانا إمامين.

ولعلّه إلى هذا أشار الفضل بقوله : « وكان مقاتلة البغاة والخوارج على تأويل القرآن حيث كانوا يؤوّلون القرآن ويدّعون الخلافة لأنفسهم ».

قلت : لو أريد ذلك ، كان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كما قاتلت على تنزيله » ـ بمقتضى المشابهة ـ أن يكون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل من تنزّل عليه القرآن ؛ وهو كما ترى.

ولا أدري أيّة آية تأوّلها البغاة والخوارج حتّى استباحوا بها قتال أمير المؤمنين ، والخروج على إمام زمانهم؟!

ومتى قاتله الخوارج مدّعين للخلافة؟! وكذا معاوية وعائشة وأنصارها؟! فإنّهم إنّما قاتلوا ـ في ظاهر أمرهم ـ أمير المؤمنينعليه‌السلام طلبا بدم عثمان ، واتّخذوه ـ واقعا ـ وسيلة لبلوغ الرئاسة أو للانتقام من عليّعليه‌السلام ، عداوة له ، كما في عائشة.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فأبو بكر عندهم أيضا حارب المتأوّلين ، فلو كان إماما وحربه حقّا لما أجابه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : « لا ».

ونعني بالمتأوّلين : مانعي الزكاة ؛ لأنّهم قالوا كما في « شرح النهج » لابن أبي الحديد(١) : « إنّ الله قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٢) .

فوصف الصدقة بأنّها من شأنها أن يطهّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس

__________________

(١) ص ١٨٥ من المجلّد الرابع [ ١٧ / ٢٠٨ ]. منهقدس‌سره .

(٢) سورة التوبة ٩ : ١٠٣.

١٥٦

بأخذها ، وبيّن أنّ صلاته سكن لهم ، وهذه الصفات لا تتحقّق في غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وأمّا الحديث الثاني : فهو ـ أيضا ـ دالّ على المدّعى ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وصف فيه الرجل الذي يبعثه الله تعالى بأنّه قد امتحن الله قلبه ، أي ابتلاه بأنواع المحن ، فوجده خالص الإيمان ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يصانع أحدا في دينه.

وهذا يفيد بمفهومه أنّ غير هذا الرجل ليس كذلك ، لا سيّما الشيخان ؛ للتصريح بهما ، ولأنّهما أشارا بردّ المؤمنين إلى بلاد الكفر ، وجعل السبيل للكافرين عليهم خلافا لحكم الله ورسوله ، ووفاقا لرغبة الكافرين ، لا سيّما عمر ، فإنّه وافق أبا بكر على قوله : « صدقوا » ، ولم يبال باستياء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من أبي بكر وتغيّر وجهه الشريف من قوله ، كما سبق في بعض الأخبار المصحّحة عندهم ، المذكورة في الآية الثانية والعشرين(١) .

ولو كانا ممّن امتحن الله قلبه للإيمان وخالصي الإيمان لما فعلا ذلك.

بل يستفاد من وصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي يبعثه الله بأنّه امتحن الله قلبه للإيمان ، ويضرب أعناقهم على الدين ، بعد موافقة الشيخين لقريش ، أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أراد التعريض بهما بأنّهما ليسا بهذا الوصف.

وبالضرورة أنّ من ليس كذلك ، ولم يبال بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مواجهة في حياته ، ولا بكتاب الله وحكمه ، أحقّ وأولى بعدم المبالاة بأحكام الله ودينه

__________________

(١) راجع : ج ٥ / ٨٦ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٧

ونبيّه بعد وفاته ، فلا يصلح للإمامة ، وإنّما الصالح لها من ثبت له ذلك الوصف الجميل الجليل.

وقد أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مع ذلك ـ إلى عصمة عليّعليه‌السلام وفضله ، بجعله منه أو مثل نفسه ، كما في رواية « الجمع بين الصحاح » وغيرها ممّا سبق في الآية المذكورة(١) ، فيتعيّن للإمامة.

* * *

__________________

(١) راجع : الصفحة ١٥٢ ـ ١٥٣ من هذا الجزء ، وج ٥ / ٨٨ وما بعدها من هذا الكتاب.

١٥٨

١٨ ـ حديث الطائر

قال المصنّف ـ ضاعف الله أجره ـ(١) :

الثامن عشر : في مسند أحمد بن حنبل ، و « الجمع بين الصحاح الستّة » ، عن أنس بن مالك ، قال : كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله طائر قد طبخ له ، فقال :اللهمّ ائتني بأحبّ الناس إليك يأكل معي ؛ فجاء عليّ فأكل معه(٢) .

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٢٠.

(٢) ينابيع المودّة ١ / ١٧٥ ح ١ وص ١٧٦ ح ٤ عن مسند أحمد وسنن أبي داود ، فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٦٩٢ ـ ٦٩٣ ح ٩٤٥ ، جامع الأصول ٨ / ٦٥٣ ح ٦٤٩٤ عن الجمع بين الصحاح الستّة ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٥ ح ٣٧٢١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٠٧ ح ٨٣٩٨ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٣٥٨ رقم ١١٣٢ وج ٢ / ٢ رقم ١٤٨٨ ، مسند أبي يعلى ٧ / ١٠٥ ح ٤٠٥٢ ، المعجم الكبير ١ / ٢٥٣ ح ٧٣٠ وج ٧ / ٨٢ ح ٦٤٣٧ وج ١٠ / ٢٨٢ ح ١٠٦٦٧ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٣٩ ح ١٧٦٥ وج ٦ / ١٥٣ ح ٥٨٨٦ وص ٤١٨ ح ٦٥٦١ وج ٧ / ٣١٥ ح ٧٤٦٦ وج ٩ / ٢٥١ ح ٩٣٧٢ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٧٨ ، تاريخ جرجان : ١٧٦ رقم ٢٢٨ ، العقد الفريد ٤ / ٧٧ ، طبقات المحدّثين بأصبهان ٣ / ٤٥٤ ح ٦١٣ رقم ٤٥١ ، مروج الذهب ٢ / ٤٢٥ ، تمهيد الأوائل : ٥٤٦ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤١ ـ ١٤٢ ح ٤٦٥٠ و ٤٦٥١ ، المغني ـ للقاضي عبد الجبّار ـ ٢٠ ق ٢ / ١٢٢ ، حلية الأولياء ٦ / ٣٣٩ ، تاريخ أصبهان ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠ رقم ٤٦٨ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ٢ / ٤٥٩ رقم ٤٥٨ ، تاريخ بغداد ٣ / ١٧١ رقم ١٢١٥ وج ٩ / ٣٦٩ رقم ٤٩٤٤ ، مناقب الإمام عليّعليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ١٦٣ ـ ١٧٦ ح ١٨٩ ـ ٢١٢ ، مصابيح السنّة ٤ / ١٧٣ ح ٤٧٧٠ ، تاريخ دمشق ٣٧ / ٤٠٦ رقم ٤٤٢٨ وج ٤٢ / ٢٤٥ ـ ٢٥٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٥ ـ ١٢٦.

١٥٩

ومنه ، أنّه لمّا حضرت ابن عبّاس الوفاة قال : اللهمّ إنّي أتقرّب إليك بولاية عليّ بن أبي طالب(١) .

* * *

__________________

(١) فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٨٢٣ ح ١١٢٩ ، وانظر : الرياض النضرة ٣ / ١٣٠ ـ ١٣١.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

كَذِبَ المُنجِّمون ولو صدقوا

كان أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) قد جهَّز جيشاً لمُحاربة الخوارج، وعندما أراد (عليه السلام) الخروج بجيشه جاءه أحد أصحابه، وقال له: يا أمير المؤمنين، أخشى إنْ خرجت في هذه الساعة أنْ لا تبلغ مُرادك وأنْ تٌهزم أمام عدوِّك، وما خشيتي هذه إلاَّ نابعة مِن معرفتي بما سيحصل مِن خلال النجوم.

فقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

(أتَزْعَمُ أنَّكَ تَهْدي إلى السَّاعَةِ التي مَنْ سارَ فيها صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ؟!

وتُخَوِّفُ مِنَ السّاعَةِ التي مَنْ سارَ فيها حاقَ بهِ الضُّرُّ؟!

فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهذا فَقَدْ كَذَّبَ القُرْآنَ واسْتَغْنى عَنِ الاسْتِعانَةِ بِاللهِ في نَيْلِ المَحْبُوبِ ودَفْعِ المَكْرُوهِ، ويَنْبَغي في قَوْلِكَ لِلعامِلِ بِأمْرِكَ أنْ يُولِيَكَ الحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ؛ لأنَّكَ بِزَعْمِكَ أنْتَ هَدَيْتَهُ إلى السَّاعَةِ التي نالَ فيها النَّفْعَ وأمِنَ الضُّرَّ).

ثُمَّ أقْبَلَ (عليه السلام) على الناس فقال: (سيرُوا على اسْمِ اللهِ).

لقد تصوَّر هذا الرجل أنَّ باستطاعته مِن خلال المُحاسبات النجوميَّة أنْ يَعلم الغيب، وأنْ يُحيط الأشخاص بما سيواجهونه في المُستقبل مِن أحداث؛ ومِن هذا المنطلق جاء ليُعرب لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن خشيته مِن هزيمة تتربَّص بجيشه إنْ خرج في الساعة الفُلانيَّة.

ولو كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كغيره مِمَّن يؤمنون بمِثل هذه الخرافات؛ لارتاب عند سماعه هذا الخبر وانصرف عن قراره بخروج الجيش في مِثل تلك الساعة، لكنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ترعرع في مدرسة الإسلام، ولم يُبالِ بما سمعه، ولم يدع الخوف والقلق يُسيطران عليه، فرفض بقاطعيَّة ما تفوَّه به الرجل، وخرج بجيشه في تلك الساعة مُتوكِّلا على الله، فتغلَّب على عدوِّه وعاد مُنتصراً ظافراً (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢١

إنْ كان كما يكفيك لا يُغنيك فكلُّ ما فيها لا يُغنيك

عن حمزة بن حمران قال:

شكا رجلٌ إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّه يطلب فيُصيب ولا يقنع، وتُنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، وقال: علِّمني شيئاً أنتفع به.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام):

(إنْ كان ما يكفيك يُغنيك فأدنى ما فيها يُغنيك، وإنْ كان ما يكفيك لا يُغنيك فكلُّ ما فيها لا يُغنيك).

ونستشفُّ أنَّ تضادَّ عدد مِن الغرائز والرغبات الطبيعيَّة، هو مِن جُملة العوامل التي تَحدُّ مِن حُرِّيَّة الإنسان، وتمنعه مِن تحقيق بعض أمانيه (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢٢

لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّ سُمرة بن جندب كان له عِذق في حائط لرجل مِن الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البُستان، فكان يمرُّ إلى نخلته ولا يستأذن، فكلَّمه الأنصاري أنْ يستأذن إذا جاء، فأبى سُمرة، فلمَّا أبى جاء الأنصاري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه وخبَّره الخبر، فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخبَّره بقول الأنصاري وما شكا، وقال:

(إذا أردت الدخول فاستأذن)، فأبى، فلمَّا أبى ساومه حتَّى بلغ مِن الثمن ما شاء الله، فأبى أنْ يبيع، فقال (صلى الله عليه وآله):

(لك بها عِذق مُذلَّل في الجَنَّة)، فأبى أنْ يقبل،

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصاري:

(اذْهَبْ فَاقْلَعْها وارْمِ بِها إلَيْهِ لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ).

يتَّضح لنا مِن خلال تحليل هذه القضيَّة والوقوف عند تفاصيلها، أنَّ القوانين الاجتماعيَّة في الإسلام لا تسمح للفرد بأنْ يتمادى بحُرِّيَّته الفرديَّة إلى ما يُسيء بحُرِّيَّة الآخرين (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢٣

الإسلام دين الشباب

في السنوات الثلاث الأُولى مِن بعثة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان النبي يدعو الناس سِرَّاً إلى الإسلام؛ وذلك لتجنُّب شَرَّ المُشركين وعَبدة الأصنام، وخلال هذه الفترة آمن بدعوته أربعون رجُلاً وامرأة، مُعظمهم مِن الصغار والمُراهقين والشباب، الذين تراوحت أعمارهم بين العاشرة والخامسة والعشرين عاماً.

وكان أصحاب الضمائر الحَيَّة والفِطرة الطاهرة، أكثر الناس لياقة لقَبول الدين الإسلامي؛ لأنَّ دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) جاءت مُتطابقة مع طبيعتهم الباحثة عن الحقيقة، والمَحبَّة للخير والفضيلة.

فقد آمن هؤلاء بدعوة النبي، وجذبتهم التعاليم الإسلاميَّة السامية، وترسَّخت الدعوة في أعماقهم حتَّى ارتضوا بالنبيِّ رسولاً وقائداً لهم، فتجمَّعوا حوله ليُشكِّلوا النواة المركزيَّة للإسلام.

ويُمكن القول: إنَّ دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان لها أثرها البالغ في صفوف الفتيان والشُبَّان، الذين كانون يحومون حوله كالفراشات، ويُنفِّذون تعاليمه بكلِّ حُبٍّ وإخلاص، ومِن هنا جاء تأييد النبي (صلى الله عليه وآله) للشابِّ.

وبعد فترة مِن الدعوة السِّرِّيَّة أمر الله سبحانه وتعالى نبيَّه (صلى الله عليه وآله) بأنْ يَجهر دعوته بين الناس، وينشر تعاليم هذا الدين السماويِّ أمام المَلأ، فكان الشباب أيضاً يُشكِّلون غالبيَّة مَن اعتنقوا الدين الإسلامي وآمنوا بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله).

وقد أثار استقبال الشباب المُتزايد لدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) واعتناقهم

٢٢٤

الدين الإسلامي سَخط وغَضب الشيوخ الطاعنين في السِّن، الذين كانوا يغرقون في شِركهم وضلالهم نتيجة تعصبُّهم ولجاجتهم، حتَّى وصل بهم الأمر إلى اتِّهام المسلمين بالفساد والضلالة، وركَّزوا على هذا الاتِّهام في شكواهم مِن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأعربوا بكلِّ صراحة عن قلقهم إزاء ما يجري.

قال عتبة - وهو مِن مُشركي مَكَّة - لأسعد بن زرارة: خَرَجَ فينا رَجُلٌ يَدَّعي أنَّهُ رَسُولُ اللهِ، سَفَّهَ أحْلامَنا وسَبَّ آلِهتَنَا، وأفْسَدَ شُبّانَنا وفَرَّقَ جَماعَتَنا.

ولمَّا اجتمع رجال قريش وشيوخ المُشركين في دار الندوة، لوضع مُخطَّط لمواجهة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والوقوف بوجه الانتشار السريع للإسلام، ومُحاربة أتباع الرسول (صلى الله عليه وآله)، توالت الخُطب العنيفة، ومِن جُملتها خُطبة ألقاها أبو جهل ركَّز فيها على عبارة: (أفسد شُبَّاننا) وأعرب عن قلقه العميق إزاء التأثير البالغ، الذي تتركه دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في نفوس شباب مَكَّة وفتيانها.

لقد بات اعتناق الشباب الدين الإسلامي حديث الساعة، ومَحطَّ اهتمام الناس في صدر الإسلام، فكان الآباء والأُمَّهات وعامَّة كِبار السِّنِّ في مَكَّة، غاضبين جِدَّاً مِن استجابة فتيانهم وشُبَّانهم لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله) وتعاونهم معه بكلِّ حُبٍّ وإخلاصٍ. حتَّى إنَّهم لجأوا إلى استخدام شتَّى وسائل التعذيب والضغط بحقِّ أبنائهم لصَدِّهم عن اتِّباع الرسول، وثنيهم عن مسيرتهم وإجبارهم على العودة لعبادة الأصنام آلهة آبائهم وأجدادهم، إلاَّ أنَّ أساليب الضغط والتعذيب، التي استخدمها مُشركو مَكَّة لم يكن لها أدنى تأثير في نفوس الشباب المؤمن، ولم تستطع إرباك إيمانهم وصَدِّهم عن مسيرتهم في اتِّباع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)؛ لأنَّ ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) هو أقرب إلى عقولهم وفطرتهم، وكان بمثابة الضالَّة التي تبحث عنها ضمائر الشباب الحيَّة والطاهرة، وقد جاء الرسول (صلى الله عليه

٢٢٥

وآله) ليُخاطبهم بلسان القلب للقلب، ويَنفذ بالإسلام إلى أعماقهم، وكيف يستطيع التعذيب والتحقير والإهانة تغيير العقيدة التي ترسَّخت جُذورها في الأعماق، وتجريد النفس الطاهرة مِن فطرتها؟ (١)

____________________

(١) الشاب، ج٢.

٢٢٦

الحسَنُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍِ حَسَنٌ،

ومِن الموالين أَحْسنُ

كان رجل يُدعى الشقراني يُبرز حُبَّه للإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وكان يَعدُّ نفسه مِن مُحبِّي أهل البيت (عليهم السلام)، وكان الشقراني مُدمناً على الخمرة، فطلب مِن الإمام (عليه السلام) يوماً أنْ يشفع له عند المنصور الدوانيقي، فلبَّى الإمام طلبه، وأراد (عليه السلام) أنْ ينهاه عن الخمرة، فتحدَّث إليه بكلِّ أدبٍ ولينٍ، وبعيداً عن التوبيخ والتقريع وأنظار الناس، فقال (عليه السلام) له: (إنَّ الحَسَنَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ حَسَنٌ، وإنَّهُ مِنكَ أَحْسنُ لِمَكانِكَ مِنّا، وإنَّ القَبيحَ مِنْ كُلِّ أحدٍ قبيحٌ وإنَّهُ مِنْكَ أَقْبَحُ).

ونُخلص إلى أنَّ أُسلوب التوبيخ والتقريع في المدرسة التربويَّة الإسلاميَّة أُسلوب مذموم ومرفوض، وعلى المسلمين أنْ يتجنَّبوا هذه الطبيعة السيِّئة. أمَّا إذا كان الهدف مِن هذا الأُسلوب صيانة مصلحة الأُمَّة، كتطهيرها مِن شُرور العناصر الضَّالَّة، أو إنقاذها مِن دنس المُعتدِّين الجائرين، فإنَّه يُصبح جائراً شرعاً مَثله مَثل بعض أنواع الكذب والغيبة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢٧

ما أخْسَرَ المشَقَّةَ وَراءها العِقابُ!!

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) - وقَدْ لَقِيَهُ عِنْدَ مَسيرِهِ إلى الشّامِ دَهاقينُ الأنْبارِ فَتَرَجَّلُوا لَهُ واشْتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ ـ: (ما هذا الَّذي صَنَعْتُمُوهُ؟!).

فَقالوا: خُلْقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِه أمراءَنا.

فَقالَ: (واللهِ، ما يَنْتَفِعُ بِهذا أمَراؤكُمْ، وإنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلى أنْفُسِكُمْ في دُنْياكُمْ وتَشْقَوْنَ بهِ في آخِرَتِكُمْ، وما أخْسَرَ المَشَقَّةَ وَراءها العِقابُ وأرْبَحَ الدِّعَةَ مَعَها الأمانُ مِنَ النّار) (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢٨

إنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرحيمُ

حينما أراد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إعداد الجيش لخوض معركة تبوك أعلن النفير العامَّ، وتهيَّأ المسلمون للقتال، فخرجوا في اليوم المُحدَّد مُتوجِّهين نحو جَبهة القتال، إلاَّ أنَّ ثلاثة مِن الأنصار هُم: كعب بن مالك، وهلال بن أُميَّة، وابن ربيع مكثوا في المدينة مُتخلِّفين عن المسلمين وما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون مُبرِّر.

ولمَّا عاد الرسول بجيشه إلى المدينة، دخل عليه هؤلاء الثلاثة طالبين منه الصَّفح عَمَّا بدا منهم، إلاَّ أنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يُحدِّثهم، ودعا المسلمين إلى مُقاطعتهم، حتَّى هجرهم جميع المسلمين بصغارهم وكبارهم حتَّى أُسرهم هجرتهم، وكانت تُقدِّم إليهم الطعام في مواقيته دون أنْ تتحدَّث معهم.

واستمرَّت المُقاطعة حوالي خمسين يوماً حتَّى ضاقت عليهم الأرض، فكانوا يُغادرون المدينة أحياناً لشدَّة ما حَلَّ بهم، ويلتجئون إلى التِّلال والمُرتفعات المُحيطة بالمدينة، فيستغفرون الله تعالى نادمين على فعلتهم طالبين منه العفو والصَّفح بأعيُن دامعة، حتَّى تقبَّل توبتهم وعفا عن خطاياهم.

قال تعالى: ( وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .

وذات يوم وعقب صلاة الصُّبح أعلن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن قَبول الله سبحانه وتعالى توبة هؤلاء الثلاثة، وطلب إنهاء المُقاطعة ليعود هؤلاء إلى حياتهم الاجتماعيَّة، ويستعيدوا عِزَّتهم وكرامتهم، وقد أثار هذا النبأ موجة مِن البَهجة والسرور عمَّت أهالي المدينة.

٢٢٩

إنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يُجازِ المُتخلِّفين الثلاثة بالسِّجن والتعذيب أو الإعدام، بلْ استغلَّ مسألة العِزَّة والكرامة الاجتماعيَّة، وعاقبهم بسوء السُّمعة والعار والفضيحة، وكان إعراض الناس عنهم ومُقاطعتهم لهم أصعب بالنسبة لهم مِن السِّجن وأشدَّ ألماً مِن أيِّ عِقاب، وبالرغم مِن أنَّهم كانوا أحراراً غير مُقيَّدين، إلاّ أنَّهم شعروا بأنَّ الأرض قد ضاقت عليهم نتيجة مُقاطعة الناس لهم (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٠

فبِما كسبت أيديكم

إنَّ رجلاً مِن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) لسَعَته حَيَّة، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (أتدري لِما أصابك ما أصابك؟).

قال: لا.

قال: (أما تذكر حيث أقبل قنبر خادمي، وأنت بحضرة فُلان العاتي، فقمت له إجلالاً لإجلالك لي؟

فقال لك: أتقوم لهذا بحضرتي؟!

فقلتَ له: وما بالي لا أقوم! وملائكة الله تضع له أجنحتها في طريقه فعليها يمشي. فلمَّا قلتَ هذا له قام إلى قنبر وضربه وشتمه وآذاه، وتهدَّدني وألزمني الإغضاء على قَذى... فإنْ أردت أنْ يُعافيك الله تعالى مِن هذا فاعقد أنْ لا تفعل بنا ولا بأحدٍ مِن موالينا بحضرة أعدائنا ما يُخاف علينا وعليهم).

فلو كان ذلك الرجل المُخطئ في تصرُّفه فرداً عاقلاً حكيماً، لما قام بذلك العمل ولما أدَّى إلى إهانة قنبر وأذيَّته.

ومِن هنا نقول: إنَّ الصديق الجاهل يؤذي صديقه ويُتعبه، فهو يُحاول أنْ ينفعه فيضرُّه لجهله (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣١

مُشاورة الرجال مُشاركتهم في عقولهم

كان للمُعتصم العباسي وزير يُسمَّى: الفضل بن مروان، قد فاق أقرانه وأضحى موضع اهتمام الخليفة لكفاءته وجَدارته، وذات يومٍ دعا الوزير الخليفة للنزول عليه ضيفاً؛ مِن أجل أنْ يكشف للعامَّة منزلته عند الخليفة، الذي لبَّى بدوره دعوة وزيره المُقرَّب.

وكان الوزير قد أعدَّ قصره وزيَّنه بأفخم الأشياء، وفرشه بأثمن الفرش، وجَلب أوانٍ مِن الذهب وأُخرى مِن الفِضَّة، وهيَّأ أفخر الطعام ورتَّب مجلساً مِن أبهى ما يكون.

ولمَّا دخل الخليفة المجلس بُهت لكلِّ هذه الثروة وهذا الجلال، وأخذته الغيرة والحَسد مِن وزيره، فجلس للحظات والحَسد يعتصره، ثمَّ قام وخرج مِن المجلس بحُجَّة يُعاني مِن آلامٍ في بطنه. فاستبدَّ بالوزير القَلق مِمَّا حصل، وقاده التفكير إلى أنَّ هذا المجلس المشؤوم لا يُمكن أنْ يرفع منزلته عند الخليفة وقد يُطيح به، فأخذ يُفكِّر بما عليه فعله، إلاّ أنَّ اضطرابه قد شُلَّ مِن قُدرته على التفكير.

عند ذاك قرَّر أنْ يُسر صاحبه إبراهيم الموصلي، الذي كان حاضراً المجلس بحقيقة الأمر ليستنير بعقله، فتقدَّم منه وتحدَّث إليه بما جرى. فكَّر إبراهيم قليلاً ثمَّ قال للوزير: أنْ اذهب مع الخليفة ولا تنفصل عنه، واتبعه إلى البلاط لتوديعه والاطمئنان على حاله، وامكث هناك حتَّى تأتيك رسالتي، فإذا وصلتك فافتحها واقرأها بحضور المُعتصم، وإذا سألك عَمَّا في الرسالة أجبه.

نَفَّذ الوزير أمر صاحبه العاقل، وبلغته الرسالة وكان قد كتب فيها إبراهيم يقول:

٢٣٢

إنَّ أصحاب الفرش والصُّحون الذهبيَّة والفضيَّة، قد جاؤوا يسألون عَمَّا كان مجلس ضيافة الخليفة، قد انتهى لكي يأخذوا حاجياتهم وأموالهم.

وحصل ما توقَّعه إبراهيم، فقد سأل المُعتصم عَمَّا تضمَّنته الرسالة، فقرأ عليه الوزير فحواها، فضحك الخليفة دون إرادة وزالت عُقدته الباطنيَّة، لمَّا عرف أنَّ كلَّ هذه الفخامة والأُبَّهة والثروة ليست مِلك الوزير، بلْ استقرضها مِن أصحابها، ثمَّ شكر الخليفة وزيره على حُسن الضيافة، وقد استطاع الصديق الذكيُّ اللبيب بتدبيره وحكمته إنقاذ صاحبه مِن خَطرٍ حقيقيٍّ.

إنَّ المدرسة التربويَّة الإسلاميَّة، تولي اهتماماً كبيراً لمسألة الصُّحبة، وضرورة أنْ يكون الصديق عاقلاً وحكيماً، بحيث إنَّها تُجيز مُصاحبة الإنسان العاقل والمُفكَّر، حتَّى وإنْ افتقد لبعض مكارم الأخلاق (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٣

الكادُّ على عياله كالمُجاهد في سبيل الله

عن أبي عَمْرو الشّيباني قال:

رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وبيده مسحاة، وعليه إزارٌ غليظ يعمل في حائطٍ له والعَرق يتصابُّ عن ظهره.

فقلت: جُعِلت فِداك! أعطني أكفِك.

فقال لي: (إنِّي أُحبُّ أنْ يتأذَّي الرَّجُل بحَرِّ الشِّمس في طَلب المَعيشة) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٤

العمل باليد عمل النبيِّين والمُرسلين والصالحين

عن علي بن أبي حمزة قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يعمل في أرضٍ له قد استنقعت قَدماه في العرق.

قلت: جُعِلت فِداك! أين الرِّجال؟

فقال: (يا عليُّ، عَمِلَ باليد مَن هو خيرٌ مِنِّي ومِن أبي في أرضه).

فقلت له: ومَن هو؟

فقال: (رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين، وآبائي كلُّهم قد عملوا بأيديهم، وهو مِن عمل النَّبيِّين والمُرسلين والصَّالحين).

لقد كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يحترم العامل الكادح، ويُشجِّعه بشتَّى الطُّرق، ويحتقر العاطل عن العمل ويُبدي استياءه منه، وكلُّ ذلك كان بهدف حَثِّ المسلمين على العمل والمُثابرة وتحذيرهم مِن الكَسل والبطالة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٥

يد الكادِّ على عِياله لا تمسُّها النار

أنس بن مالكٍ روى:

أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمَّا أقبل مِن غزوة تبوك، استقبله سعد الأنصاريِّ فصافحه النبي (صلى الله عليه وآله) ثمَّ قال له:

(ما هذا الذي أكنب يديك؟!).

قال: يا رسول الله، أضرب بالمَرِّ والمِسحاة فأُنفقه على عِيالي.

فقبَّل يده رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقال: (هذه يَدٌ لا تمسُّها النَّار) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٦

احمل على رأسك واستغن عن النَّاس

زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام):

إنَّ رجُلاً أتاه فقال: إنَّني لا أُحسن أنْ أعمل عملاً بيدي ولا أُحسن أنْ أتَّجر وأنا مُحتاجٌ.

فقال (عليه السلام): (اعمل واحمل على رأسك واستغنِ عن النَّاس) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٧

مَن سعى على نفسه أو أبويه أو ذُرِّيَّته فهو في سبيل الله

كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) جالساً مع أصحابه ذات يوم، فنظر إلى شابٍّ ذي جَلدٍ وقوَّة وقد بكَّر يسعى.

فقالوا: ويحَ هذا! لو كان شبابه وجَلده في سبيل الله.

فقال (صلى الله عليه وآله): (لا تقولوا هذا، فإنَّه إنْ كان يسعى على نفسه ليكفَّها عن المسألة ويُغنيها عن النّاس فهو في سبيل الله، وإنْ كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذُرِّيَّةٍ ضعافاً ليُغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى تفاخراً وتكاثُراً فهو في سبيل الشيطان) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٨

ليس هذا طلب الدُّنيا

هذا طلب الآخرة!!

قال رجل لأبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام):

والله، إنّا لنطلب الدُّنيا ونُحبُّ أنْ نؤتاها.

فقال (عليه السلام): (تُحبُّ أنْ تصنع بها ماذا؟).

قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأصل بها، وأتصدَّق بها، وأحِجَّ وأعتمر، فقال (عليه السلام): (ليس هذا طلب الدُّنيا، هذا طلب الآخرة) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٩

مَهلاً يا أُمَّاه فإنَّ مَعي مَن يَحفظني

في قِصَّة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مع مُرضعته حليمة السعديَّة، تقول حليمة لمَّا بلغ محمد (صلى الله عليه وآله) الثالثة مِن عُمره قال لي:

ـ (أُمَّاه، أين يذهب إخوتي نهار كلِّ يوم؟).

ـ يخرجون إلى الصحراء لرَعي الأغنام.

ـ (لماذا لا يَصحبونني معهم؟).

ـ هل ترغب في الذهاب معهم؟

ـ (أجل).

فلمَّا أصبح دهَّنته وكحَّلته وعلَّقت في عُنقه خيطاً فيه جزع يمانيَّة فنزعها، ثمَّ قال لي: (مَهْلاً يا أُمَّاه، فإنَّ معي مَن يَحفظني).

الإيمان بالله هو الذي يجعل الطفل في الثالثة حُرَّاً وقويَّ الإرادة بهذه الصورة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421