القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 359671 / تحميل: 10435
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ضربة كلها تبضع اللحم وتحدر الدم فهذا من ضرب التعزير وروى شعبة عن واصل عن المعرور بن سويد قال أتى عمر بن الخطاب بامرأة زنت فقال أفسدت حسبها اضربوها ولا تحرقوا عليها جلدها فهذا يدل على أنه كان يرى ضرب الزاني أخف من التعزير* قال أبو بكر قد دل قوله( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ) على شدة ضرب الزاني على ما بينا وإنه أشد من ضرب الشارب والقاذف لدلالة الآية على شدة الضرب فيه ولأن ضرب الشارب كان من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجريد والنعال وضرب الزاني إنما يكون بالسوط وهذا يوجب أن يكون ضرب الزاني أشد من ضرب الشارب وإنما جعلوا ضرب القاذف أخف الضرب لأن القاذف جائز أن يكون صادقا في قذفه وإن له شهودا على ذلك والشهود مندوبون إلى الستر على الزاني فإنما وجب عليه الحد لقعود الشهود عن الشهادة وذلك يوجب تخفيف الضرب. ومن جهة أخرى أن القاذف قد غلظت عليه العقوبة في إبطال شهادته فغير جائز التغليظ عليه من جهة شدة الضرب. فإن قيل روى سفيان بن عيينة قال سمعت سعد بن إبراهيم يقول للزهري إن أهل العراق يقولون إن القاذف لا يضرب ضربا شديدا ولقد حدثني أبى أن أمه أم كلثوم أمرت بشاة فسلخت حين جلد أبو بكرة فألبسته مسكها فهل كان ذلك إلا من ضرب شديد. قيل له هذا لا يدل على شدة الضرب لأنه جائز أن يؤثر في البدن الضرب الخفيف على حسب ما يصادف من رقة البشرة ففعلت ذلك إشفاقا عليه.

باب ما يضرب من أعضاء المحدود

قال الله سبحانه وتعالى( فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ) ولم يذكر ما يضرب منه ظاهره يقتضى جواز ضرب جميع الأعضاء وقد اختلف السلف وفقهاء الأمصار فيه فروى ابن أبى ليلى عن عدى بن ثابت عن المهاجر بن عميرة عن على رضى الله عنه أنه أتى برجل سكران أو في حد فقال اضرب وأعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير وروى سفيان بن عيينة عن أبى عامر عن عدى بن ثابت عن مهاجر بن عميرة عن على رضى الله عنه أنه قال اجتنب رأسه ومذاكيره واعط كل عضو حقه فذكر في هذا الحديث الرأس وفي الحديث الأول الوجه وجائز أن يكون قد استثناهما جميعا وروى عن عمر أنه أمر بالضرب في حد فقال أعط كل عضو حقه ولم يستثن شيئا وروى المسعودي عن

١٠١

القاسم قال أتى أبو بكر برجل انتفى من ابنه فقال أبو بكر اضرب الرأس فإن الشيطان في الرأس وقد روى عن عمر أنه ضرب صبيغ بن عسيل على رأسه حين سأل عن الذاريات ذروا على وجه التعنت وروى عن ابن عمر أنه لا يصيب الرأس وقال أبو حنيفة ومحمد يضرب في الحدود الأعضاء كلها إلا الفرج والرأس والوجه وقال أبو يوسف يضرب الرأس أيضا وذكر الطحاوي عن أحمد بن أبى عمران عن أصحاب أبى يوسف أن الذي يضرب به الرأس من الحد سوط واحد وقال مالك لا يضرب إلا في الظهر وذكر ابن سماعة عن محمد في التعزير أنه يضرب الظهر بغير خلاف وفي الحدود يضرب الأعضاء إلا ما ذكرنا وقال الحسن بن صالح يضرب في الحد والتعزير الأعضاء كلها ولا يضرب الوجه ولا المذاكير وقال الشافعى يتقى الوجه والفرج قال أبو بكر اتفق الجميع على ترك ضرب الوجه والفرج وروى عن على استثناء الرأس أيضا وقد روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه وإذا لم يضرب الوجه فالرأس مثله لأن الشين الذي يلحق الرأس بتأثير الضرب كالذي يلحق الوجه وإنما أمر باجتناب الوجه لهذه العلة ولئلا يلحقه أثر يشينه أكثر مما هو مستحق بالفعل الموجب للحد والدليل على أن ما يلحق الرأس من ذلك هو كما يلحق الوجه أن الموضحة وسائر الشجاج حكمها في الرأس والوجه سواء وفارقا سائر البدن من هذا الوجه لأن الموضحة فيما سوى الرأس والوجه إنما تجب فيه حكومة ولا يجب فيها أرش الموضحة الواقعة في الرأس والوجه فوجب من أجل ذلك استواء حكم الرأس والوجه في اجتناب ضربهما ووجه آخر وهو أنه ممنوع من ضرب الوجه لما يخاف فيه من الجناية على البصر وذلك موجود في الرأس لأن ضرب الرأس يظلم منه البصر وربما حدث الماء في العين وربما حدث منه أيضا اختلاط في العقل فهذه الوجوه كلها تمنع ضرب الرأس وأما اجتناب الفرج فمتفق عليه وهو أيضا مقتل فلا يؤمن أن يحدث أكثر مما هو مستحق بالفعل وقال أبو حنيفة وأصحابه والليث والشافعى الضرب في الحدود كلها وفي التعزير مجردا قائما غير ممدود إلا حد القذف فإنه يضرب وعليه ثيابه وينزع عنه الحشو والفرو وقال بشر بن الوليد عن أبى يوسف عن أبى حنيفة يضرب التعزير في إزار ولا يفرق في التعزير خاصة في الأعضاء وقال أبو يوسف ضرب ابن أبى ليلى المرأة القاذفة قائمة فخطأه أبو حنيفة وقال الثوري لا يجرد الرجل ولا

١٠٢

يمد وتضرب المرأة قاعدة والرجل قائما قال أبو بكر في حديث رجم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم اليهوديين قال رأيت الرجل يحنى على المرأة يقيها الحجارة وهذا يدل على أن الرجل كان قائما والمرأة قاعدة وروى عاصم الأحول عن أبى عثمان النهدي قال أتى عمر بسوط فيه شدة فقال أريد ألين من هذا فأتى بسوط فيه لين فقال أريد أشد من هذا فأتى بسوط بين السوطين فقال اضرب ولا يرى إبطك واعط كل عضو حقه وعن ابن مسعود أنه ضرب رجلا حدا فدعا بسوط فأمر فدق بين حجرين حتى لان ثم قال اضرب ولا تخرج إبطك واعط كل عضو حقه وعن على أنه قال للجلاد اعط كل عضو حقه وروى حنظلة السدوسي عن أنس بن مالك قال كان يؤمر بالسوط فتقطع ثمرته ثم يدق بين حجرين ثم يضرب به وذلك في زمن عمر بن الخطاب وروى عن أبى هريرة أنه جلد رجلا قائما في القذف قال أبو بكر هذه الأخبار تدل على معاني منها اتفاقهم على أن ضرب الحدود بالسوط ومنها أنه يضرب قائما إذ لا يمكن إعطاء كل عضو حقه إلا وهو قائم ومنها أنه يضرب بسوط بين سوطين وإنما قالوا أنه يضرب مجردا ليصل الألم إليه ويضرب القاذف وعليه ثيابه لأن ضربه أخف وإنما قالوا لا يمد لأن فيه زيادة في الإيلام غير مستحق بالفعل ولا هو من الحد وروى يزيد بن هارون عن الحجاج عن الوليد بن مالك أن أبا عبيدة بن الجراح أتى برجل في حد فذهب الرجل ينزع قميصه وقال ما ينبغي لجسدى هذا المذنب أن يضرب وعليه قميص فقال أبو عبيدة لا تدعوه ينزع قميصه فضربه عليه وروى ليث عن مجاهد ومغيرة عن إبراهيم قالا يجلد القاذف وعليه ثيابه وعن الحسن قال إذا قذف الرجل في الشتاء لم يلبس ثياب الصيف ولكن يضرب في ثيابه التي قذف فيها إلا أن يكون عليه فرو أو حشو يمنعه من أن يجد وجع الضرب فينزع ذلك عنه وقال مطرف عن الشعبي مثل ذلك وروى شعبة عن عدى بن ثابت عمن شهد عليا رضى الله عنه أنه أقام على رجل الحد فضربه على قبا أو قرطق ومذهب أصحابنا موافق لما روى عن السلف في هذه الأخبار ويدل على صحته أن من عليه حشو أو فرو فلم يصل الألم أن الفاعل لذلك غير ضارب في العادة ألا ترى أنه لو حلف أن يضرب فلانا فضربه وعليه حشو أو فرو فلم يصل إليه الألم إنه لا يكون ضاربا ولم يبر في يمينه ولو وصل إليه الألم كان ضاربا.

١٠٣

في إقامة الحدود في المسجد

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والشافعى لا تقام الحدود في المساجد وهو قول الحسن بن صالح قال أبو يوسف وأقام ابن أبى ليلى حدا في المسجد فخطأه أبو حنيفة وقال مالك لا بأس بالتأديب في المسجد خمسة أسواط ونحوها وأما الضرب الموجع والحد فلا يقام في المسجد قال أبو بكر روى إسماعيل بن مسلم المكي عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لا تقام الحدود في المساجد ولا يقتل بالولد الوالد وروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وشراكم وبيعكم وإقامة حدودكم وجمروها في جمعكم وضعوا على أبوابها المطاهر ومن جهة النظر أنه لا يؤمن أن يكون من المحدود بالمسجد من خروج النجاسة ما سبيله أن ينزه المسجد عنه.

في الذي يعمل عمل قوم لوط

قال أبو حنيفة يعزر ولا يحد وقال مالك والليث يرجمان أحصنا أو لم يحصنا وقال عثمان البتى والحسن بن صالح وأبو يوسف ومحمد والشافعى هو بمنزلة الزنا وهو قول الحسن وإبراهيم وعطاء قال أبو بكر قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث زنا بعد إحصان وكفر بعد إيمان وقتل نفس بغير نفس فحصرصلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل المسلم إلا بإحدى هذه الثلاث وفاعل ذلك خارج عن ذلك لأنه لا يسمى زنا فإن احتجوا بما روى عاصم بن عمرو عن سهيل بن صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الذي يعمل عمل قوم لوط فارجموا الأعلى والأسفل وارجموهما جميعا وبما روى الدراوردى عن عمر وبن أبى عمر وعن عكرمة عن ابن عباس أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به قيل له عاصم بن عمرو وعمرو بن أبى عمرو ضعيفان لا تقوم بروايتهما حجة ولا يجوز بهما إثبات حد وجائز أن يكون لو ثبت إذا فعلاه مستحلين له وكذلك نقول فيمن استحل ذلك أنه يستحق القتل وقوله فاقتلوا الفاعل والمفعول به يدل على أنه ليس بحد وأنه بمنزلة قوله من بدل دينه فاقتلوه لأن حد فاعل ذلك ليس هو قتلا على الإطلاق وإنما هو الرجم عند من جعله كالزنا إذا كان محصنا

١٠٤

وعند من لا يجعله بمنزلة الزنا ممن يوجب قتله فإنما يقتله رجما فقتله على الإطلاق ليس هو قولا لأحد ولو كان بمنزلة الزنا لفرق فيه بين المحصن وغير المحصن وفي تركهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الفرق بينهما دليل على أنه لم يوجبه على وجه الحد.

في الذي يأتى البهيمة

قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد ومالك وعثمان البتى لا حد عليه ويعزر وروى مثله عن بن عمر وقال الأوزاعى عليه الحد قال أبو بكر قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث زنا بعد إحصان وكفر بعد إيمان وقتل نفس بغير نفس ينفى قتل فاعل ذلك إذ ليس ذلك بزنا في اللغة ولا يجوز إثبات الحدود إلا من طريق التوقيف أو الاتفاق وذلك معدوم في مسألتنا ولا يجوز إثباته من طريق المقاييس وقد روى عمر وبن أبى عمر وعن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وعمر وهذا ضعيف لا نثبت به حجة ومع ذلك فقد روى شعبة وسفيان وأبو عوانة عن عاصم عن أبى رزين عن ابن عباس فيمن أتى بهيمة إنه لا حد عليه وكذلك رواه إسرائيل وأبو بكر بن عياش وأبو الأحوص وشريك وكلهم عن عاصم عن أبى رزين عن ابن عباس مثله ولو كان حديث عمر وبن أبى عمرو ثابتا لما خالفه ابن عباس وهو رواية إلى غيره وإن صح الخبر كان محمولا على من استحله.

(فصل) قال أبو بكر وقد أنكرت طائفة شاذة لا تعد خلافا الرجم وهم الخوارج

وقد ثبت الرجم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بفعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبنقل الكافة والخبر الشائع المستفيض الذي لا مساغ للشك فيه وأجمعت الأمة عليه فروى الرجم أبو بكر وعمر وعلى وجابر ابن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وبريدة الأسلمى وزيد بن خالد في آخرين من الصحابة وخطب عمر فقال لو لا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لأثبته في بعض المصحف وبعض هؤلاء الرواة يروى خبر رجم ماعز وبعضهم خبر الجهينية والغامدية وخبر ماعز يشتمل على أحكام منها إنه ردده ثلاث مرات ثم لما أقر الرابعة سأل عن صحة عقله فقال هل به جنة فقالوا لا وإنه استنهكه ثم قال له لعلك لمست لعلك قبلت فلما أبى إلا التصميم على الإقرار بصريح الزنا سأل عن إحصانه ثم لما هرب حين أدركته الحجارة قال هلا تركتموه وفي ترديده ثلاث مرات ثم المسألة عن عقله بعد

١٠٥

الرابعة دلالة على أن الحد لا يجب إلا بعد إقراره أربعا لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب فلو كان الحد واجبا بإقراره مرة واحدة لسأل عنه في أول إقراره ومسألته جيرانه وأهله عن عقله يدل على أن على الإمام الاستثبات والاحتياطيات في الحد ومسألته عن الزنا كيف هو وما هو وقوله لعلك لمست لعلك قبلت يفيد حكمين أحدهما أنه لا يقصر على إقراره بالزنا دون استثباته في معنى الزنا حتى يبينه بصفة لا يختلف فيه أنه زنا وقوله لعلك لمست لعلك قبلت تلقين له الرجوع عن الزنا وأنه إنما أراد اللمس كما روى أنه للسارق ما أخاله سرق ونظيره ما روى عن عمر أنه جيء بامرأة حبلى بالموسم وهي تبكى فقالوا زنت فقال عمر ما يبكيك فإن المرأة ربما استكرهت على نفسها يلقنها ذلك فأخبرت أن رجل ركبها وهي نائمة فقال عمر لو قتلت هذه لخشيت أن تدخل ما بين هذين الأخشبين النار فخلى سبيلها وروى أن عليا قال لشراحة حين أقرت عنده بالزنا لعلك عصيت نفسك قالت أتيت طائعة غير مكرهة فرجمها وقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم هلا تركتموه يدل على جواز رجوعه عن إقراره لأنه لما امتنع مما بذل نفسه له بديا قال هلا تركتموه ولما لم يجلده دل على أن الرجم والجلد لا يجتمعان قوله تعالى( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وروى ابن أبى نجيح عن مجاهد قال الطائفة الرجل إلى الألف وقرأ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) وقال عطاء رجلان فصاعدا وقال الحسن وأبو بريدة الطائفة عشرة وقال محمد بن كعب القرظي في قوله( إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ ) قال كان رجلا وقال الزهري( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ ) ثلاثة فصاعدا وقال قتادة ليكون عظة وعبرة لهم وحكى عن مالك والليث أربعة لأن الشهود أربعة قال أبو بكر يشبه أن المعنى في حضور الطائفة ما قاله قتادة أنه عظة وعبرة لهم فيكون زجرا له عن العود إلى مثله وردعا لغيره عن إتيان مثله والأولى أن تكون الطائفة جماعة يستفيض الخير بها ويشيع فيرتدع الناس عن مثله لأن الحدود موضوعة للزجر والردع وبالله التوفيق.

باب تزويج الزانية

قال الله تعالى( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) قال أبو بكر روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن

١٠٦

جده قال كان رجل يقال له مرثد بن أبى مرثد وكان يحمل الأسرى من مكة حتى يأتى بهم المدينة وكان بمكة بغى يقال لها عناق وكانت صديقة له وكان وعد رجلا أن يحمله من أسرى مكة وإن عناقا رأته فقالت له أقم الليلة عندي قال يا عناق قد حرم الله الزنا فقالت يا أهل الخباء هذا الذي يحمل أسراكم فلما قدمت المدينة أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت يا رسول الله أتزوج عناق فلم يرد على حتى نزلت هذه الآية( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تنكحها فبين عمر وبن شعيب في هذا الحديث أن الآية نزلت في الزانية المشركة أنها لا ينكحها إلا زان أو مشرك وإن تزوج المسلم المشركة زنا إذ كانت لا تحل له وقد اختلف السلف في تأويل الآية وحكمها فحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا يحيى بن سعيد ويزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصارى عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قد نسختها الآية التي بعدها( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) قال كان يقال هي من أيامى المسلمين فأخبر سعيد بن المسيب أن الآية منسوخة قال أبو عبيد وحدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال كان رجال يريدون الزنا بنساء زوان بغايا معلنات كن كذلك في الجاهلية فقيل لهم هذا حرام فأرادوا نكاحهن فذكر مجاهد أن ذلك كان في نساء مخصوصات على الوصف الذي ذكرنا وروى عن عبد الله بن عمر في قوله( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) إنه نزل في رجل تزوج امرأة بغية على أن تنفق عليه فأخبر عبد الله بن عمر أن النهى خرج على هذا الوجه وهو أن يزوجها على أن يخليها والزنا وروى حبيب بن أبى عمرة عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال يعنى بالنكاح جماعها وروى ابن شبرمة عن عكرمة( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ) قال لا يزنى حين يزنى إلا بزانية مثله وقال شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس بغاياكن في الجاهلية يجعلن على أبوابهن رايات كرايات البياطرة يأتيهن ناس يعرفن بذلك وروى مغيرة عن إبراهيم النخعي( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً ) يعنى به الجماع حين يزنى وعن عروة بن الزبير مثله قال أبو بكر فذهب هؤلاء إلى أن معنى الآية الإخبار باشتراكهما في الزنا وأن المرأة كالرجل في ذلك فإذا كان الرجل زانيا فالمرأة مثله إذا طاوعته وإذا زنت المرأة فالرجل مثلها فحكم تعالى في ذلك بمساواتهما في

١٠٧

الزنا ويفيد ذلك مساواتهما في استحقاق الحد وعقاب الآخرة وقطع الموالاة وما جرى مجرى ذلك وروى فيه قول آخر وهو ما روى عاصم الأحول عن الحسن في هذه الآية قال المحدود لا يتزوج إلا محدودة واختلف السلف في تزويج الزانية فروى عن أبى بكر وعمر وابن عباس وابن مسعود وابن عمر ومجاهد وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير في آخرين من التابعين أن من زنى بامرأة أو زنى بها غيره فجائز له أن يتزوجها وروى عن على وعائشة والبراء وإحدى الروايتين عن ابن مسعود أنهما لا يزالان زانيين ما اجتمعا وعن على إذا زنى الرجل فرق بينه وبين امرأته وكذلك هي إذا زنت قال أبو بكر فمن حظر نكاح الزانية تأول فيه هذه الآية وفقهاء الأمصار متفقون على جواز النكاح وأن الزنا لا يوجب تحريمها على الزوج ولا يوجب الفرقة بينهما ولا يخلو قوله تعالى( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً ) من أحد وجهين إما أن يكون خبرا وذلك حقيقته أو نهيا وتحريما ثم لا يخلو من أن يكون المراد بذكر النكاح هنا الوطء أو العقد وممتنع أن يحمل على معنى الخبر وإن كان ذلك حقيقة اللفظ لأنا وجدنا زانيا يتزوج غير زانية وزانية تتزوج غير الزاني فعلمنا أنه لم يرد مورد الخبر فثبت أنه أراد الحكم والنهى فإذا كان كذلك فليس يخلو من أن يكون المراد الوطء والعقد وحقيقة النكاح هو الوطء في اللغة لما قد بيناه في مواضع فوجب أن يكون محمولا عليه على ما روى عن ابن عباس ومن تابعه في أن المراد الجماع ولا يصرف إلى العقد إلا بدلالة لأنه مجاز ولأنه إذا ثبت أنه قد أريد به الحقيقة انتفى دخول المجاز فيه وأيضا فلو كان المراد العقد لم يكن زنا المرأة أو الرجل موجبا للفرقة إذ كانا جميعا موصوفين بأنهما زانيان لأن الآية قد اقتضت إباحة نكاح الزاني للزانية فكان يجب أن يجوز للمرأة أن تتزوج الذي زنى بها قبل أن يتوبا وأن لا يكون زناهما حال في الزوجية يوجب الفرقة ولا نعلم أحدا يقول ذلك وكان يجب أن يجوز للزاني أن يتزوج مشركة وللمرأة الزانية أن تتزوج مشركا ولا خلاف في أن ذلك غير جائز وأن نكاح المشركات وتزويج المشركين محرم منسوخ فدل ذلك على أحد المعنيين إما أن يكون المراد الجماع على ما روى عن ابن عباس ومن تابعه أو أن يكون حكم الآية منسوخا على ما روى عن سعيد بن المسيب ومن الناس من يحتج في أن الزنا لا يبطل النكاح بما روى هارون بن رئاب عن عبيد الله بن عبيد ويرويه عبد الكريم الجزري عن أبى

١٠٨

الزبير وكلاهما يرسله أن رجلا قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إن امرأتى لا تمنع يد لامس فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالاستمتاع منها فيحمل ذلك على أنها لا تمنع أحد ممن يريدها على الزنا وقد أنكر أهل العلم هذا التأويل قالوا لو صح هذا الحديث كان معناه أن الرجل وصف امرأته بالخرق وضعف الرأى وتضييع ماله فهي لا تمنعه من طالب ولا تحفظه من سارق قالوا وهذا أولى لأنه حقيقة اللفظ وحمله على الوطء كناية ومجاز وحمله على ما ذكرنا أولى وأشبه بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كما قال على وعبد الله إذا جاءكم الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهنأ والذي هو أتقى فإن قيل قال الله تعالى( أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ ) فجعل الجماع لمسا قيل له إن الرجل لم يقل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنها لا تمنع لامسا وإنما قال يد لامس ولم يقل فرج لامس وقال الله تعالى( وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ) ومعلوم أن المراد حقيقة اللمس باليد وقال جريج الخطفى يعاتب قوما :

ألستم لئاما إذ ترومون جارهم

ولولاهمو لم تمنعوا كف لامس

ومعلوم أنه لم يرد به الوطء وإنما أراد إنكم لا تدفعون عن أنفسكم الضيم ومنع أموالكم هؤلاء القوم فكيف ترومون جارهم بالظلم ومن الناس من يقول إن تزويج الزانية وإمساكها على النكاح محظور منهى عنه مادامت مقيمة على الزنا وإن لم يؤثر ذلك في إفساد النكاح لأن الله تعالى إنما أباح نكاح المحصنات من المؤمنات ومن أهل الكتاب بقوله( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) يعنى العفائف منهن ولأنها إذا كانت كذلك لا يؤمن أن تأتى بولد من الزنا فتلحقه به وتورثه ماله وإنما يحمل قول من رخص في ذلك على أنها تائبة غير مقيمة على الزنا ومن الدليل على أن زناها لا يوجب الفرقة أن الله تعالى حكم في القاذف لزوجته باللعان ثم بالتفريق بينهما فلو كان وجود الزنا منها يوجب الفرقة لوجب إيقاع الفرقة بقذفه إياها لا عترافه بما يوجب الفرقة ألا ترى أنه لو أقر أنها أخته من الرضاعة أو أن أباه قد كان وطئها لوقعت الفرقة بهذا القول فإن قيل لما حكم الله تعالى بإيقاع الفرقة بعد اللعان دل ذلك على أن الزنا يوجب التحريم لولا ذلك لما وجبت الفرقة باللعان قيل له لو كان كما ذكرت لوجبت الفرقة بنفس القذف دون اللعان فلما لم تقع بالقذف دل على فساد ما ذكرت فإن قيل إنما وقعت الفرقة باللعان لأنه صار بمنزلة الشهادة عليها بالزنا فلما حكم عليها بذلك حكم بوقوع الفرقة لأجل

١٠٩

الزنا قيل له وهذا غلط أيضا لأن شهادة الزوج وحده عليها بالزنا لا توجب كونها زانية كما أن شهادتها عليه بالإكذاب لا توجب عليه الحكم بالكذب في قذفه إياها إذ ليست إحدى الشهادتين بأولى من الأخرى ولو كان الزوج محكوما له بقبول شهادته عليها بالزنا لوجب أن تحد حد الزنا فلما لم تحد بذلك دل على أنه غير محكوم عليها بالزنا بقول الزوج والله أعلم بالصواب.

باب حد القذف

قال الله تعالى( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) قال أبو بكر الإحصان على ضربين أحدهما ما يتعلق به وجوب الرجم على الزاني وهو أن يكون حرا بالغا عاقلا مسلما قد تزوج امرأة نكاحا صحيحا ودخل بها وهما كذلك والآخر الإحصان الذي يوجب الحد على قاذفه وهو أن يكون حرا بالغا عاقلا مسلما عفيفا ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في هذا المعنى قال أبو بكر قد خص الله تعالى المحصنات بالذكر ولا خلاف بين المسلمين أن المحصنين مرادون بالآية وأن الحد واجب على قاذف الرجل المحصن كوجوبه على قاذف المحصنة واتفق الفقهاء على أن قوله( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) قد أريد به الرمي بالزنا وإن كان في فحوى اللفظ دلالة عليه من غير نص وذلك لأنه لما ذكر المحصنات وهن العفائف دل على أن المراد بالرمي رميها بضد العفاف وهو الزنا ووجه آخر من دلالة فحوى اللفظ وهو قوله تعالى( ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) يعنى على صحة ما رموه به ومعلوم أن هذا العدد من الشهود إنما هو مشروط في الزنا فدل على أن قوله( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) معناه يرمونهن بالزنا ويدل ذلك على معنى آخر وهو أن القذف الذي يجب به الحد إنما هو القذف بصريح الزنا وهو الذي إذا جاء بالشهود عليه حد المشهود عليه ولو لا ما في فحوى اللفظ من الدلالة عليه لم يكن ذكر الرمي مخصوصا بالزنا دون غيره من الأمور التي يقع الرمي بها إذ قد يرميها بسرقة وشرب خمر وكفر وسائر الأفعال المحظورة ولم يكن اللفظ حينئذ مكتفيا بنفسه في إيجاب حكمه بل كان يكون مجملا موقوف الحكم على البيان إلا أنه كيفما تصرفت الحال فقد حصل الاتفاق على أن الرمي بالزنا مراد ولما كان كذلك صار بمنزلة قوله والذين يرمون المحصنات بالزنا إذ حصول الإجماع على أن الزنا مراد بمنزلة ذكره في اللفظ فوجب بذلك أن يكون وجوب حد القذف مقصورا

١١٠

بالزنا دون غيره وقد اختلف السلف والفقهاء في التعريض بالزنا فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد بن شبرمة والثوري والحسن بن صالح والشافعى لا حد في التعريض بالقذف وقال مالك عليه فيه الحد وروى الأوزاعى عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال كان عمر يضرب الحد في التعريض وروى ابن وهب عن مالك عن أبى الرحال عن أمه عمرة أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال أحدهما للآخر والله ما أبى بزان ولا أمى بزانية فاستشار في ذلك عمر الناس فقال قائل مدح أباه وأمه وقال آخرون قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا نرى أن يجلد الحد فجلده عمر الحد ثمانين ومعلوم أن عمر لم يشاور في ذلك إلا الصحابة الذين إذا خالفوا قبل خلافهم فثبت بذلك حصول الخلاف بين السلف ثم لما ثبت أن المراد بقوله( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) هو الرمي بالزنا لم يجز لنا إيجاب الحد على غيره إذ لا سبيل إلى إثبات الحدود من طريق المقاييس وإنما طريقها الاتفاق أو التوقيف وذلك معدوم في التعريض مشاورة عمر الصحابة في حكم التعريض دلالة على أنه لم يكن عندهم فيه توقيف وأنه قال اجتهادا ورأيا وأيضا فإن التعريض بمنزلة الكناية المحتملة للمعاني وغير جائز إيجاب الحد بالاحتمال لوجهين أحدهما أن الأصل أن القائل برىء الظهر من الجلد فلا نجلده بالشك والمحتمل مشكوك فيه ألا ترى أن يزيد بن ركانة لما طلق امرأته البتة استحلفه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أردت إلا واحدة فلم يلزمه الثلاث بالاحتمال ولذلك قال الفقهاء في كنايات الطلاق أنها لا تجعل طلاقا إلا بدلالة والوجه الآخر ما روى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال أدرءوا الحدود بالشبهات وأقل أحوال التعريض حين كان محتملا للقذف وغيره أن يكون شبهة في سقوطه وأيضا قد فرق الله تعالى بين التعريض بالنكاح في العدة وبين التصريح فقال( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ) يعنى نكاحا فجعل التعريض بمنزلة الإضمار في النفس فوجب أن يكون كذلك حكم التعريض بالقذف والمعنى الجامع بينهما أن التعريض لما كان فيه احتمال كان في حكم الضمير لوجود الاحتمال فيه واختلف الفقهاء في حد العبد في القذف فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد ومالك وعثمان البتى والثوري والشافعى إذا قذف العبد حرا فعليه أربعون جلدة وقال الأوزاعي يجلد ثمانين وروى الثوري عن جعفر بن محمد

١١١

عن أبيه أن عليا قال يجلد العبد في الفرية أربعين وروى الثوري عن ابن ذكوان عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال أدركت أبا بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء فلم أرهم يضربون المملوك في القذف الأربعين قال أبو بكر وهو مذهب ابن عباس وسالم وسعيد بن المسيب وعطاء وروى ليث بن أبى سليم عن القاسم بن عبد الرحمن أن عبد الله بن مسعود قال في عبد قذف حرا أنه يجلد ثمانين وقال أبو الزناد جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في الفرية ثمانين ولم يختلفوا في أن حد العبد في الزنا خمسون على النصف من حد الحر لأجل الرق وقال الله تعالى( فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ) فنص على حد الأمة وأنه نصف حد الحرة واتفق الجميع على أن العبد بمنزلتها لوجود الرق فيه كذلك يجب أن يكون حده في القذف على النصف من حد الحر لوجود الرق فيه واختلفوا في قاذف المجنون والصبى فقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح والشافعى لاحد على قاذف المجنون والصبى وقال مالك لا يحد قاذف الصبى وإن كان مثله يجامع إذا لم يبلغ ويحد قاذف الصبية إذا كان مثلها تجامع وإن لم تحصن ويحد قاذف المجنون وقال الليث يحد قاذف المجنون قال أبو بكر المجنون والصبى والصبية لا يقع من واحد منهم زنا لأن الوطء منهم لا يكون زنا إذ كان الزنا فعلا مذموما يستحق عليه العقاب وهؤلاء لا يستحقون العقاب على أفعالهم فقاذفهم بمنزلة قاذف المجنون لوقوع العلم بكذب القاذف ولأنهم لا يلحقهم شين بذلك الفعل لو وقع منهم فكذلك لا يشينهم قذف القاذف لهم بذلك ومن جهة أخرى أن المطالبة بالحد إلى المقذوف لا تجوز ولا يجوز أن يقوم غيره مقامه فيه ألا ترى أن الوكالة غير مقبولة فيه وإذا كان كذلك لم تجب المطالبة لأحد وقت القذف فلم يجب الحد لأن الحد إذا وجب فإنما يجب بالقذف لا غير فإن قيل فللرجل أن يأخذ بحد أبيه إذا قذف وهو ميت فقد جاز أن يطالب عن الغير بحد القذف قيل له إنما يطالب عن نفسه لما حصل به من القدح في نسبه ولا يطالب عن الأب وأيضا لما اتفقوا على أن قاذف الصبى لا بحد كان كذلك قاذف الصبية لأنهما جميعا من غير أهل التكليف ولا يصح وقوع الزنا منهما فكذلك المجنون لهذه العلة واختلفوا فيمن قذف جماعة فقال أبو حنيفة وابو يوسف وزفر ومحمد ومالك والثوري والليث إذا قذفهم بقول واحد فعليه حد واحد وقال ابن أبى ليلى إذا قال لهم يا زناة فعليه حد واحد وإن قال لكل

١١٢

إنسان يا زاني فلكل إنسان حد وهو قول الشعبي وقال عثمان البتى إذا قذف جماعة فعليه لكل واحد حد وإن قال لرجل زنيت بفلانة فعليه حد واحد لأن عمر ضرب أبا بكرة وأصحابه حدا واحدا ولم يحدهم للمرأة وقال الأوزاعى إذا قال يا زاني ابن زان فعليه حدان وإن قال لجماعة إنكم زناة فحد واحد وقال الحسن بن صالح إذا قال من كان داخل هذه الدار فهو زان ضرب لمن كان داخلها إذا عرفوا وقال الشافعى فيما حكاه المزني عنه إذا قذف جماعة بكلمة واحدة فلكل واحد حد وإن قال لرجل واحد يا ابن الزانيين فعليه حدان وقال في أحكام القرآن إذا قذف امرأته برجل لاعن ولم يحد للرجل قال أبو بكر قال الله تعالى( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ) ومعلوم أن مراده جلد كل واحد من القاذفين ثمانين جلدة فكان تقدير الآية ومن رمى محصنا فعليه ثمانون جلدة وهذا يقتضى أن قاذف جماعة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين ومن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فهو مخالف لحكم الآية ويدل عليه من جهة السنة ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد ابن بشار قال حدثنا ابن أبى عدى قال انبأنا هشام بن حسان قال حدثني عكرمة عن هلال ابن أمية قذف امرأته عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بشريك بن سمحاء فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم البينة أوحد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة فجعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول البينة وإلا فحد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إنى لصادق ولينزلن الله في أمرى ما يبرئ ظهري من الحد فنزلت( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ) وذكر الحديث وروى محمد بن كثير قال حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن ابن سيرين عن أنس أن هلال بن أمية قذف شريك بن سمحاء بامرأته فرفع ذلك إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ائت بأربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك قال ذلك مرارا فنزلت آية اللعان قال أبو بكر قد ثبت بهذا الخبر أن قوله تعالى( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ) الآية كان حكما عاما في الزوجات كهو في الأجنبيات لقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لهلال بن أمية ائت بأربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك ولأن عموم الآية قد اقتضى ذلك ثم لم يوجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على هلال إلا حدا واحدا مع قذفه لامرأته ولشريك بن سمحاء إلى أن نزلت آية اللعان فأقيم اللعان في الزوجات مقام الحد في الأجنبيات ولم ينسخ موجب الخبر من وجوب الاقتصاد على حد واحد إذا قذف

«8 ـ احكام مس»

١١٣

جماعة فثبت بذلك أنه لا يجب على قاذف الجماعة إلا حد واحد ويدل عليه من جهة النظر أن سائر ما يوجب الحد إذا وجد منه مرارا لا يوجب إلا حدا واحدا كمن زنى مرارا أو سرق مرارا أو شرب مرارا لم يحد إلا حدا واحدا فكان اجتماع هذه الحدود التي هي من جنس واحد موجبا لسقوط بعضها والاقتصار على واحد منها والمعنى الجامع بينهما أنها حد وإن شئت قلت إنما يسقط بالشبهة فإن قيل حد القذف حق لآدمى فإذا قذف جماعة وجب أن يكون لكل واحد منهم استيفاء حده على حياله والدليل على أنه حق لآدمى أنه لا يحد إلا بمطالبة المقذوف قيل له الحد هو حق لله تعالى كسائر الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر وإنما المطالبة به حق لآدمى لا الحد نفسه وليس كونه موقوفا على مطالبة الآدمي مما يوجب أن يكون الحد نفسه حقا لآدمى ألا ترى أن حد السرقة لا يثبت إلا بمطالبة الآدمي ولم يوجب ذلك أن يكون القطع حقا للآدمي فكذلك حد القذف ولذلك لا يجيز أصحابنا العفو عنه ولا يورث ويدل على أنه حق لله تعالى اتفاق الجميع على أن العبد يجلد في القذف أربعين ولو كان حقا لآدمى لما اختلف الحر والعبد فيه إذ كان الجلد مما ينتصف ألا ترى أن العبد والحر يستويان فيما يثبت عليهما من الجنايات على الآدميين فإذا قتل العبد ثبت الدم في عنقه فإذا كان عمدا قتل وإن كان خطأ كانت الدية في رقبته كما لو قتله حر وجبت الدية فلو كان حد القذف حقا لآدمى لما اختلف مع إمكان تنصيفه الحر العبد وكذلك العبد والحر لا يختلفان في استهلاك الأموال إذ ما يثبت على الحر فمثله يثبت على العبد وقد اختلف في إقامة حد القذف من غير مطالبة المقذوف فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والأوزاعى والشافعى لا يحد إلا بمطالبة المقذوف وقال ابن أبى ليلى يحده الإمام وإن لم يطالب المقذوف وقال مالك لا يحده الإمام حتى يطالب المقذوف إلا أن يكون الإمام سمعه يقذف فيحده إذا كان مع الإمام شهود عدول قال أبو بكر حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن داود المهري قال أخبرنا ابن وهب قال سمعت ابن جريج يحدث عن عمر وبن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمر وبن العاص أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب فثبت بذلك أن ما بلغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من حد لم يكن يهمله ولا يقيمه فلما قال لهلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سمحاء ائتني بأربعة يشهدون وإلا

١١٤

فحد في ظهرك ولم يحضر شهودا ولم يحده حين لم يطالب المقذوف بالحد دل ذلك على أن حد القذف لا يقام إلا بمطالبة المقذوف ويدل عليه أيضا ما روى في حديث زيد بن خالد وأبى هريرة في قصة العسيف وإن أبا الزاني قال إن ابني زنى بامرأة هذا فلم يحده النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بقذفها وقال اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ولما كان حد القذف واجبا لما انتهك من عرضه بقذفه مع إحصانه وجب أن تكون المطالبة به حقا له دون الإمام كما أن حد السرقة لما كان واجبا لما انتهك من حرز المسروق وأخذ ماله لم يثبت إلا بمطالبة المسروق منه وأما فرق مالك بين أن يسمعه الإمام أو يشهد به الشهود فلا معنى له لأن هذا إن كان مما للإمام إقامته من غير مطالبة المقذوف فواجب أن لا يختلف فيه حكم سماع الإمام وشهادة الشهود من غير سماعه.

باب شهادة القذف

قال الله عز وجل( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) قال أبو بكر حكم الله تعالى في القاذف إذا لم يأت بأربعة شهداء على ما قذفه بثلاثة أحكام أحدها جلد ثمانين والثاني بطلان الشهادة والثالث الحكم بتفسيقه إلى أن يتوب واختلف أهل العلم في لزوم هذه الأحكام له وثبوتها عليه بالقذف بعد اتفاقهم على وجوب الحد عليه بنفس القذف عند عجزه عن إقامة البينة على الزنا فقال قائلون قد بطلت شهادته ولزمته سمة الفسق قبل إقامة الحد عليه وهو قول الليث بن سعد والشافعى وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد ومالك شهادته مقبولة ما لم يحد وهذا يقتضى من قولهم إنه غير موسوم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد لأنه لو لزمته سمة الفسق لما جازت شهادته إذ كانت سمة الفسق مبطلة لشهادة من وسم بها إذا كان فسقه من طريق الفعل لا من جهة التدين والإعتقاد والدليل على صحة ذلك قوله تعالى( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً ) فأوجب بطلان شهادته عند عجزه عن إقامة البينة على صحة قذفه وفي ذلك ضربان من الدلالة على جواز شهادته وبقاء حكم عدالته ما لم يقع الحد به أحد هما قوله( ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) وثم للتراخي في حقيقة اللغة فاقتضى ذلك أنهم متى أتوا بأربعة شهداء متراخيا عن حال القذف أن يكونوا غير فساق بالقذف لأنه قال( ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) الآية فكان تقديره ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فأولئك هم الفاسقون

١١٥

فإنما حكم بفسقهم متراخيا عن حال القذف في حال العجز عن إقامة الشهود فمن حكم بفسقهم بنفس القذف فقد خالف حكم الآية وأوجب ذلك أن تكون شهادة القاذف غير مردودة لأجل القذف فثبت بذلك أن بنفس القذف لم تبطل شهادته وأيضا فلو كانت شهادته تبطل بنفس القذف لما كان تركه إقامة البينة على زنا المقذوف مبطلا لشهادته وهي قد بطلت قبل ذلك والوجه الآخر أن المعقول من هذا اللفظ أنه لا تبطل شهادته مادامت إقامة البينة على زناة ممكنة ألا ترى أنه لو قال رجل لا مرأته أنت طالق إن كلمت فلان ثم لم تدخلي الدار أنها إن كلمت فلانا لم تطلق حتى تترك دخول الدار إلى أن تموت فتطلق حينئذ قبل موتها بلا فصل وكذلك لو قال أنت طالق إن كلمت فلانا ولم تدخلي الدار كان بهذه المنزلة وكان الكلام وترك الدخول إلى أن تموت شرطا لوقوع الطلاق ولا فرق بين قوله أنت طالق إن كلمت فلانا ثم دخلت الدار وبين قوله إن كلمت فلانا ثم لم تدخليها وإن افترقا من جهة أن شرط اليمين في أحدهما وجود الدخول وفي الآخر نفيه ولما كان ذلك كذلك وكان قوله تعالى( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) مقتضيا لشرطين في بطلان شهادة القاذف أحدهما الرمي والآخر عدم الشهود على زنا المقذوف متراخيا عن القذف وفوات الشهادة عليه به فما دامت إقامة الشهادة عليه بالزنا ممكنة بخصومة القاذف فقد اقتضى لفظ الآية بقاءه على ما كان عليه غير محكوم ببطلان شهادته وأيضا لا يخلو القاذف من أن يكون محكوما بكذبه وبطلان شهادته بنفس القذف أو أن يكون محكوما بكذبه بإقامة الحد عليه فلو كان محكوما بكذبه بنفس القذف ـ ولذلك بطلت شهادته ـ فواجب أن لا يقبل بعد ذلك بينة على الزنا إذ قد وقع الحكم بكذبه والحكم بكذبه في قذفه حكم ببطلان شهادة من شهد بصدقه في كون المقذوف زانيا فلما لم يختلفوا في حكم قبول بينته على المقذوف بالزنا وأن ذلك يسقط عنه الحد ثبت أن قذفه لم يوجب أن يكون كاذبا فواجب أن لا تبطل شهادته إذ لم يحكم بكذبه لأن من سمعناه بخبر يخبر لا نعلم فيه صدقه من كذبه لم تبطل به شهادته ألا ترى أن قاذف امرأته بالزنا لا تبطل شهادته بنفس القذف ولا يكون محكوما بكذبه بنفس قذفه ولو كان كذلك لما جاز إيجاب اللعان بينه وبين امرأته ولما أمر أن يشهد أربع شهادات بالله إنه لصادق فيما رماها به من الزنا مع الحكم بكذبه ولما وعظ في ترك اللعان الكاذب منهما ولما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد

١١٦

ما لاعن بين الزوجين الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فأخبر أن أحدهما بغير عينه هو الكاذب ولم يحكم بكذب القاذف دون الزوجة وفي ذلك دليل على أن نفس القذف لا يوجب تفسيقه ولا الحكم بتكذيبه ويدل عليه قوله عز وجل( لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) فلم يحكم بكذبهم بنفس القذف فقط بل إذا لم يأتوا بالشهداء ومعلوم أن المراد إذا لم يأتوا بالشهداء عند الخصومة في القذف فغير جائز إبطال شهادته قبل وجود هذه الشريطة وهو عجزه عن إقامة البينة بعد الخصومة في حد القذف عند الإمام إذ كان الشهداء إنما يقيمون الشهادة عند الإمام فمن حكم بتفسيقه وأبطل شهادته بنفس القذف فقد خالف الآية فإن قيل لما قال الله تعالى( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ ) دل ذلك على أن على الناس إذا سمعوا من يقذف آخر أن يحكموا بكذبه ورد شهادته إلى أن يأتى بالشهداء قيل له معلوم أن الآية نزلت في شأن عائشة رضى الله عنها وقذفتها لأنه قال تعالى( إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ) ـ إلى قوله( لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ) وقد كانت بريئة الساحة غير متهمة بذلك وقاذفوها أيضا لم يقذفوها برؤية منهم لذلك وإنما قذفوها ظنا منهم وحسبانا حين تخلفت ولم يدع أحد منهم أنه رأى ذلك ومن أخبر عن ظن في مثله فعلينا إكذابه والنكير عليه وأيضا لما قال في نسق التلاوة( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) فحكم بكذبهم عند عجزهم عن إقامة البينة علمنا أنه لم يرد بقوله( وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ ) إيجاب الحكم بكذبهم بنفس القذف وإن معناه وقالوا هذا إفك مبين إذ سمعوه لم يأت القاذف بالشهود والشافعى يزعم أن شهود القذف إذا جاءوا متفرقين قبلت شهادتهم فإن كان القذف قد أبطل شهادته فوجب أن لا يقبلها بعد ذلك وإن شهد معه ثلاث لأنه قد فسق بقذفه فوجب الحكم بتكذيبه وفي قبول شهادتهم إذا جاءوا متفرقين ما يلزمه أن لا تبطل شهادتهم بنفس القذف ويدل على صحة قولنا من جهة السنة ما روى الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدودا في قذف فأخبرصلى‌الله‌عليه‌وسلم ببقاء عدالة القاذف ما لم يحد ويدل عليه أيضا حديث ابن منصور عباد عن عكرمة عن ابن عباس في قصة هلال بن أمية لما قذف امرأته عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أيجلد هلال

١١٧

وتبطل شهادته في المسلمينفأخبر أن بطلان شهادته معلق بوقوع الجلد به ودل بذلك أن القذف لم يبطل شهادته واختلف الفقهاء في شهادة المحدود في القذف بعد التوبة فقال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف والثوري والحسن بن صالح لا تقبل شهادته إذا تاب وتقبل شهادة المحدود في غير القذف إذا تاب وقال مالك وعثمان البتى والليث والشافعى تقبل شهادة المحدود في القذف إذا تاب وقال الأوزاعى لا تقبل شهادة محدود في الإسلام قال أبو بكر روى الحجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) ثم استثنى فقال( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) فتاب عليهم من الفسق وأما الشهادة فلا تجوز. حدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا حجاج وقد ورد عن ابن عباس أيضا ما حدثنا جعفر ابن محمد قال حدثنا ابن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية ابن صالح عن على بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) قال ثم قال( إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ) قال فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله مقبولة قال أبو بكر ويحتمل أن لا يكون ذلك مخالفا لما روى عنه في الحديث الأول بأن يكون أراد بأن شهادته مقبولة إذا لم يجلد وتاب والأول على أنه جلد فلا تقبل شهادته وإن تاب وروى عن شريح وسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير قالوا لا تجوز شهادته وإن تاب إنما توبته فيما بينه وبين الله وقال إبراهيم رفع عنهم بالتوبة اسم الفسق فأما الشهادة فلا تجوز أبدا وروى عن عطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والقاسم ابن محمد وسالم والزهري أن شهادته تقبل إذا تاب وروى عن عمر بن الخطاب من وجه مطعون فيه أنه قال لأبى بكرة إن تبت قبلت شهادتك وذلك أنه رواه ابن عيينة عن الزهري قال سفيان عن سعيد بن المسيب ثم شك وقال هو عمر بن قيس أن عمر قال لأبى بكرة إن تبت قبلت شهادتك فأبى أن يتوب فشك سفيان بن عيينة في سعيد بن المسيب وعمر بن قيس ويقال إن عمر بن قيس مطعون فيه فلم يثبت عن عمر بهذا الإسناد هذا القول ورواه الليث عن ابن شهاب أنه بلغه أن عمر قال ذلك لأبى بكرة وهذا بلاغ لا يعمل عليه على مذهب المخالف وقد روى عن سعيد بن المسيب أن شهادته غير مقبولة

١١٨

بعد التوبة فإن صح عنه حديث عمر فلم يخالفه إلا إلى ما هو أقوى منه ومع ذلك فليس في حديث عمر أنه قال ذلك لأبى بكرة بعد ما جلده وجائز أن يكون قاله قبل الجلد قال أبو بكر ما ذكرنا من اختلاف السلف وفقهاء الأمصار في حكم القاذف إذا تاب فإنما صدر عن اختلافهم في رجوع الاستثناء إلى الفسق أو إلى إبطال الشهادة وسمة الفسق جميعا فيرفعهما والدليل على أن الاستثناء مقصور الحكم على ما يليه من زوال سمة الفسق به دون جواز الشهادة أن حكم الاستثناء في اللغة رجوعه إلى ما يليه ولا يرجع إلى ما تقدمه إلا بدلالة والدليل عليه قوله تعالى( إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ ) فكانت المرأة مستثناة من المنجين لأنها تليهم ولو قال رجل لفلان على عشرة دراهم إلا ثلاثة دراهم إلا درهم كان عليه ثمانية دراهم وكان الدرهم مستثنى من الثلاثة وإذا كان ذلك حكم الاستثناء وجب الاقتصار به على ما يليه ويدل عليه أيضا أن قوله( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَ ) في معنى الاستثناء وهو راجع إلى الربائب دون أمهات النساء لأنه يليهن فثبت بما وصفنا صحة ما ذكرنا من الاقتصار بحكم الاستثناء على ما يليه دون ما تقدمه وأيضا فإن الاستثناء إذا كان في معنى التخصيص وكانت الجملة الداخل عليها الاستثناء عموما وجب أن يكون حكم العموم ثابتا وأن لا نرفعه باستثناء قد ثبت حكمه فيما يليه إلا أن تقوم الدلالة على رجوعه إليها فإن قيل قال الله تعالى( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً ـ إلى قوله ـإِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ) فكان الاستثناء راجعا إلى جميع المذكور لكونه معطوفا بعضه على بعض وقال تعالى( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) ثم قال( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) فكان التيمم لمن لزمه الاغتسال كلزومه لمن لزمه الوضوء بالحدث فكذلك حكم الاستثناء الداخل على كلام معطوف بعضه على بعض يجب أن ينتظم الجميع ويرجع إليه قيل له قد بينا أن حكم الاستثناء في اللغة رجوعه إلى ما يليه ولا يرجع إلى ما تقدمه إلا بدلالة وقد قامت الدلالة فيما ذكر على رجوعه إلى جميع المذكور ولم تقم الدلالة فيما اختلفنا فيه على رجوعه إلى المذكور فإن قيل إذا كنا قد وجدنا الاستثناء تارة يرجع إلى بعض المذكور وتارة إلى جميعه وكان ذلك متعالما مشهورا في

١١٩

اللغة فما الدلالة على وجوب الاقتصار به على بعض الجملة وهو الذي يليه دون رجوعه إلى الجميع قيل له لو سلمنا لك ما ادعيت من جواز رجوعه إلى الجميع لكان سبيله أن يقف موقف الاحتمال في رجوعه إلى ما يليه وإلى جميع المذكور وإذ كان كذلك وكان اللفظ الأول عموما مقتضيا للحكم في سائر الأحوال لم يجز رد الاستثناء إليه بالاحتمال إذ غير جائز تخصيص العموم بالاحتمال ووجب استعمال حكمه في المتيقن وهو ما يليه دون ما تقدمه فإن قيل ما أنكرت أن لا يكون اللفظ الأول عموما مع دخول الاستثناء على آخر الكلام بل يصير في حيز الاحتمال ويبطل اعتبار العموم فيه إذ ليس اعتبار عمومه بأولى من اعتبار عموم الاستثناء في عوده إلى الجميع وإذا بطل فيه اعتبار العموم وقف موقف الاحتمال في إيجاب حكمه فسقط اعتبار عموم اللفظ فيه قيل له هذا غلط من قبل أن صيغة اللفظ الأول صيغة العموم لا تدافع بيننا فيه وليس للاستثناء صيغة عموم يقتضى رفع الجميع فوجب أن يكون حكم الصيغة الموجبة للعموم مستعملا فيه وأن لا نزيلها عنه إلا بلفظ يقتضى صيغته رفع العموم وليس ذلك بموجود في لفظ الاستثناء فإن قيل لو قال رجل عبده حر وامرأته طالق إن شاء الله رجع الاستثناء إلى الجميع وكذلك قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا إن شاء الله فكان استثناؤه راجعا إلى جميع الأيمان إذ كانت معطوفة بعضها على بعض قيل له ليس هذا مما نحن فيه في شيء لأن هذا الضرب من الاستثناء مخالف للاستثناء الداخل على الجملة بحروف الاستثناء التي هي إلا وغير وسوى ونحو ذلك لأن قوله إن شاء الله يدخل لرفع حكم الكلام حتى لا يثبت منه شيء والاستثناء المذكور بحرف الاستثناء لا يجوز دخوله إلا لرفع حكم الكلام رأسا ألا ترى أنه يجوز أن يقول أنت طالق إن شاء الله فلا يقع شيء ولو قال أنت طالق إلا طالق كان الطلاق واقعا والاستثناء باطلا لاستحالة دخوله لرفع حكم الكلام ولذلك جاز أن يكون قوله إن شاء الله راجعا إلى جميع المذكور المعطوف بعضه على بعض ولم يجب مثله فيما وصفنا فإن قيل فلو كان قال أنت طالق وعبدى حر إلا أن يقدم فلان كان الاستثناء راجعا إلى الجميع فإن لم يقدم فلان حتى مات طلقت امرأته وعتق عبده وكان ذلك بمنزلة قوله إن شاء الله قيل له ليس ذلك على ما ظننت من قبل أن قوله إلا أن يقدم فلان وإن كانت صيغته صيغة الاستثناء فإنه في معنى الشرط

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

كَذِبَ المُنجِّمون ولو صدقوا

كان أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) قد جهَّز جيشاً لمُحاربة الخوارج، وعندما أراد (عليه السلام) الخروج بجيشه جاءه أحد أصحابه، وقال له: يا أمير المؤمنين، أخشى إنْ خرجت في هذه الساعة أنْ لا تبلغ مُرادك وأنْ تٌهزم أمام عدوِّك، وما خشيتي هذه إلاَّ نابعة مِن معرفتي بما سيحصل مِن خلال النجوم.

فقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

(أتَزْعَمُ أنَّكَ تَهْدي إلى السَّاعَةِ التي مَنْ سارَ فيها صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ؟!

وتُخَوِّفُ مِنَ السّاعَةِ التي مَنْ سارَ فيها حاقَ بهِ الضُّرُّ؟!

فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهذا فَقَدْ كَذَّبَ القُرْآنَ واسْتَغْنى عَنِ الاسْتِعانَةِ بِاللهِ في نَيْلِ المَحْبُوبِ ودَفْعِ المَكْرُوهِ، ويَنْبَغي في قَوْلِكَ لِلعامِلِ بِأمْرِكَ أنْ يُولِيَكَ الحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ؛ لأنَّكَ بِزَعْمِكَ أنْتَ هَدَيْتَهُ إلى السَّاعَةِ التي نالَ فيها النَّفْعَ وأمِنَ الضُّرَّ).

ثُمَّ أقْبَلَ (عليه السلام) على الناس فقال: (سيرُوا على اسْمِ اللهِ).

لقد تصوَّر هذا الرجل أنَّ باستطاعته مِن خلال المُحاسبات النجوميَّة أنْ يَعلم الغيب، وأنْ يُحيط الأشخاص بما سيواجهونه في المُستقبل مِن أحداث؛ ومِن هذا المنطلق جاء ليُعرب لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن خشيته مِن هزيمة تتربَّص بجيشه إنْ خرج في الساعة الفُلانيَّة.

ولو كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كغيره مِمَّن يؤمنون بمِثل هذه الخرافات؛ لارتاب عند سماعه هذا الخبر وانصرف عن قراره بخروج الجيش في مِثل تلك الساعة، لكنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ترعرع في مدرسة الإسلام، ولم يُبالِ بما سمعه، ولم يدع الخوف والقلق يُسيطران عليه، فرفض بقاطعيَّة ما تفوَّه به الرجل، وخرج بجيشه في تلك الساعة مُتوكِّلا على الله، فتغلَّب على عدوِّه وعاد مُنتصراً ظافراً (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢١

إنْ كان كما يكفيك لا يُغنيك فكلُّ ما فيها لا يُغنيك

عن حمزة بن حمران قال:

شكا رجلٌ إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنَّه يطلب فيُصيب ولا يقنع، وتُنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، وقال: علِّمني شيئاً أنتفع به.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام):

(إنْ كان ما يكفيك يُغنيك فأدنى ما فيها يُغنيك، وإنْ كان ما يكفيك لا يُغنيك فكلُّ ما فيها لا يُغنيك).

ونستشفُّ أنَّ تضادَّ عدد مِن الغرائز والرغبات الطبيعيَّة، هو مِن جُملة العوامل التي تَحدُّ مِن حُرِّيَّة الإنسان، وتمنعه مِن تحقيق بعض أمانيه (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢٢

لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ

عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنَّ سُمرة بن جندب كان له عِذق في حائط لرجل مِن الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البُستان، فكان يمرُّ إلى نخلته ولا يستأذن، فكلَّمه الأنصاري أنْ يستأذن إذا جاء، فأبى سُمرة، فلمَّا أبى جاء الأنصاري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه وخبَّره الخبر، فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخبَّره بقول الأنصاري وما شكا، وقال:

(إذا أردت الدخول فاستأذن)، فأبى، فلمَّا أبى ساومه حتَّى بلغ مِن الثمن ما شاء الله، فأبى أنْ يبيع، فقال (صلى الله عليه وآله):

(لك بها عِذق مُذلَّل في الجَنَّة)، فأبى أنْ يقبل،

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصاري:

(اذْهَبْ فَاقْلَعْها وارْمِ بِها إلَيْهِ لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ).

يتَّضح لنا مِن خلال تحليل هذه القضيَّة والوقوف عند تفاصيلها، أنَّ القوانين الاجتماعيَّة في الإسلام لا تسمح للفرد بأنْ يتمادى بحُرِّيَّته الفرديَّة إلى ما يُسيء بحُرِّيَّة الآخرين (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢٣

الإسلام دين الشباب

في السنوات الثلاث الأُولى مِن بعثة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان النبي يدعو الناس سِرَّاً إلى الإسلام؛ وذلك لتجنُّب شَرَّ المُشركين وعَبدة الأصنام، وخلال هذه الفترة آمن بدعوته أربعون رجُلاً وامرأة، مُعظمهم مِن الصغار والمُراهقين والشباب، الذين تراوحت أعمارهم بين العاشرة والخامسة والعشرين عاماً.

وكان أصحاب الضمائر الحَيَّة والفِطرة الطاهرة، أكثر الناس لياقة لقَبول الدين الإسلامي؛ لأنَّ دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) جاءت مُتطابقة مع طبيعتهم الباحثة عن الحقيقة، والمَحبَّة للخير والفضيلة.

فقد آمن هؤلاء بدعوة النبي، وجذبتهم التعاليم الإسلاميَّة السامية، وترسَّخت الدعوة في أعماقهم حتَّى ارتضوا بالنبيِّ رسولاً وقائداً لهم، فتجمَّعوا حوله ليُشكِّلوا النواة المركزيَّة للإسلام.

ويُمكن القول: إنَّ دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان لها أثرها البالغ في صفوف الفتيان والشُبَّان، الذين كانون يحومون حوله كالفراشات، ويُنفِّذون تعاليمه بكلِّ حُبٍّ وإخلاص، ومِن هنا جاء تأييد النبي (صلى الله عليه وآله) للشابِّ.

وبعد فترة مِن الدعوة السِّرِّيَّة أمر الله سبحانه وتعالى نبيَّه (صلى الله عليه وآله) بأنْ يَجهر دعوته بين الناس، وينشر تعاليم هذا الدين السماويِّ أمام المَلأ، فكان الشباب أيضاً يُشكِّلون غالبيَّة مَن اعتنقوا الدين الإسلامي وآمنوا بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله).

وقد أثار استقبال الشباب المُتزايد لدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) واعتناقهم

٢٢٤

الدين الإسلامي سَخط وغَضب الشيوخ الطاعنين في السِّن، الذين كانوا يغرقون في شِركهم وضلالهم نتيجة تعصبُّهم ولجاجتهم، حتَّى وصل بهم الأمر إلى اتِّهام المسلمين بالفساد والضلالة، وركَّزوا على هذا الاتِّهام في شكواهم مِن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأعربوا بكلِّ صراحة عن قلقهم إزاء ما يجري.

قال عتبة - وهو مِن مُشركي مَكَّة - لأسعد بن زرارة: خَرَجَ فينا رَجُلٌ يَدَّعي أنَّهُ رَسُولُ اللهِ، سَفَّهَ أحْلامَنا وسَبَّ آلِهتَنَا، وأفْسَدَ شُبّانَنا وفَرَّقَ جَماعَتَنا.

ولمَّا اجتمع رجال قريش وشيوخ المُشركين في دار الندوة، لوضع مُخطَّط لمواجهة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والوقوف بوجه الانتشار السريع للإسلام، ومُحاربة أتباع الرسول (صلى الله عليه وآله)، توالت الخُطب العنيفة، ومِن جُملتها خُطبة ألقاها أبو جهل ركَّز فيها على عبارة: (أفسد شُبَّاننا) وأعرب عن قلقه العميق إزاء التأثير البالغ، الذي تتركه دعوة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في نفوس شباب مَكَّة وفتيانها.

لقد بات اعتناق الشباب الدين الإسلامي حديث الساعة، ومَحطَّ اهتمام الناس في صدر الإسلام، فكان الآباء والأُمَّهات وعامَّة كِبار السِّنِّ في مَكَّة، غاضبين جِدَّاً مِن استجابة فتيانهم وشُبَّانهم لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله) وتعاونهم معه بكلِّ حُبٍّ وإخلاصٍ. حتَّى إنَّهم لجأوا إلى استخدام شتَّى وسائل التعذيب والضغط بحقِّ أبنائهم لصَدِّهم عن اتِّباع الرسول، وثنيهم عن مسيرتهم وإجبارهم على العودة لعبادة الأصنام آلهة آبائهم وأجدادهم، إلاَّ أنَّ أساليب الضغط والتعذيب، التي استخدمها مُشركو مَكَّة لم يكن لها أدنى تأثير في نفوس الشباب المؤمن، ولم تستطع إرباك إيمانهم وصَدِّهم عن مسيرتهم في اتِّباع الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)؛ لأنَّ ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) هو أقرب إلى عقولهم وفطرتهم، وكان بمثابة الضالَّة التي تبحث عنها ضمائر الشباب الحيَّة والطاهرة، وقد جاء الرسول (صلى الله عليه

٢٢٥

وآله) ليُخاطبهم بلسان القلب للقلب، ويَنفذ بالإسلام إلى أعماقهم، وكيف يستطيع التعذيب والتحقير والإهانة تغيير العقيدة التي ترسَّخت جُذورها في الأعماق، وتجريد النفس الطاهرة مِن فطرتها؟ (١)

____________________

(١) الشاب، ج٢.

٢٢٦

الحسَنُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍِ حَسَنٌ،

ومِن الموالين أَحْسنُ

كان رجل يُدعى الشقراني يُبرز حُبَّه للإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وكان يَعدُّ نفسه مِن مُحبِّي أهل البيت (عليهم السلام)، وكان الشقراني مُدمناً على الخمرة، فطلب مِن الإمام (عليه السلام) يوماً أنْ يشفع له عند المنصور الدوانيقي، فلبَّى الإمام طلبه، وأراد (عليه السلام) أنْ ينهاه عن الخمرة، فتحدَّث إليه بكلِّ أدبٍ ولينٍ، وبعيداً عن التوبيخ والتقريع وأنظار الناس، فقال (عليه السلام) له: (إنَّ الحَسَنَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ حَسَنٌ، وإنَّهُ مِنكَ أَحْسنُ لِمَكانِكَ مِنّا، وإنَّ القَبيحَ مِنْ كُلِّ أحدٍ قبيحٌ وإنَّهُ مِنْكَ أَقْبَحُ).

ونُخلص إلى أنَّ أُسلوب التوبيخ والتقريع في المدرسة التربويَّة الإسلاميَّة أُسلوب مذموم ومرفوض، وعلى المسلمين أنْ يتجنَّبوا هذه الطبيعة السيِّئة. أمَّا إذا كان الهدف مِن هذا الأُسلوب صيانة مصلحة الأُمَّة، كتطهيرها مِن شُرور العناصر الضَّالَّة، أو إنقاذها مِن دنس المُعتدِّين الجائرين، فإنَّه يُصبح جائراً شرعاً مَثله مَثل بعض أنواع الكذب والغيبة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢٧

ما أخْسَرَ المشَقَّةَ وَراءها العِقابُ!!

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) - وقَدْ لَقِيَهُ عِنْدَ مَسيرِهِ إلى الشّامِ دَهاقينُ الأنْبارِ فَتَرَجَّلُوا لَهُ واشْتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ ـ: (ما هذا الَّذي صَنَعْتُمُوهُ؟!).

فَقالوا: خُلْقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِه أمراءَنا.

فَقالَ: (واللهِ، ما يَنْتَفِعُ بِهذا أمَراؤكُمْ، وإنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلى أنْفُسِكُمْ في دُنْياكُمْ وتَشْقَوْنَ بهِ في آخِرَتِكُمْ، وما أخْسَرَ المَشَقَّةَ وَراءها العِقابُ وأرْبَحَ الدِّعَةَ مَعَها الأمانُ مِنَ النّار) (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٢٨

إنَّ الله هُوَ التَّوَّابُ الرحيمُ

حينما أراد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) إعداد الجيش لخوض معركة تبوك أعلن النفير العامَّ، وتهيَّأ المسلمون للقتال، فخرجوا في اليوم المُحدَّد مُتوجِّهين نحو جَبهة القتال، إلاَّ أنَّ ثلاثة مِن الأنصار هُم: كعب بن مالك، وهلال بن أُميَّة، وابن ربيع مكثوا في المدينة مُتخلِّفين عن المسلمين وما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون مُبرِّر.

ولمَّا عاد الرسول بجيشه إلى المدينة، دخل عليه هؤلاء الثلاثة طالبين منه الصَّفح عَمَّا بدا منهم، إلاَّ أنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يُحدِّثهم، ودعا المسلمين إلى مُقاطعتهم، حتَّى هجرهم جميع المسلمين بصغارهم وكبارهم حتَّى أُسرهم هجرتهم، وكانت تُقدِّم إليهم الطعام في مواقيته دون أنْ تتحدَّث معهم.

واستمرَّت المُقاطعة حوالي خمسين يوماً حتَّى ضاقت عليهم الأرض، فكانوا يُغادرون المدينة أحياناً لشدَّة ما حَلَّ بهم، ويلتجئون إلى التِّلال والمُرتفعات المُحيطة بالمدينة، فيستغفرون الله تعالى نادمين على فعلتهم طالبين منه العفو والصَّفح بأعيُن دامعة، حتَّى تقبَّل توبتهم وعفا عن خطاياهم.

قال تعالى: ( وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .

وذات يوم وعقب صلاة الصُّبح أعلن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن قَبول الله سبحانه وتعالى توبة هؤلاء الثلاثة، وطلب إنهاء المُقاطعة ليعود هؤلاء إلى حياتهم الاجتماعيَّة، ويستعيدوا عِزَّتهم وكرامتهم، وقد أثار هذا النبأ موجة مِن البَهجة والسرور عمَّت أهالي المدينة.

٢٢٩

إنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يُجازِ المُتخلِّفين الثلاثة بالسِّجن والتعذيب أو الإعدام، بلْ استغلَّ مسألة العِزَّة والكرامة الاجتماعيَّة، وعاقبهم بسوء السُّمعة والعار والفضيحة، وكان إعراض الناس عنهم ومُقاطعتهم لهم أصعب بالنسبة لهم مِن السِّجن وأشدَّ ألماً مِن أيِّ عِقاب، وبالرغم مِن أنَّهم كانوا أحراراً غير مُقيَّدين، إلاّ أنَّهم شعروا بأنَّ الأرض قد ضاقت عليهم نتيجة مُقاطعة الناس لهم (١).

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٠

فبِما كسبت أيديكم

إنَّ رجلاً مِن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) لسَعَته حَيَّة، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (أتدري لِما أصابك ما أصابك؟).

قال: لا.

قال: (أما تذكر حيث أقبل قنبر خادمي، وأنت بحضرة فُلان العاتي، فقمت له إجلالاً لإجلالك لي؟

فقال لك: أتقوم لهذا بحضرتي؟!

فقلتَ له: وما بالي لا أقوم! وملائكة الله تضع له أجنحتها في طريقه فعليها يمشي. فلمَّا قلتَ هذا له قام إلى قنبر وضربه وشتمه وآذاه، وتهدَّدني وألزمني الإغضاء على قَذى... فإنْ أردت أنْ يُعافيك الله تعالى مِن هذا فاعقد أنْ لا تفعل بنا ولا بأحدٍ مِن موالينا بحضرة أعدائنا ما يُخاف علينا وعليهم).

فلو كان ذلك الرجل المُخطئ في تصرُّفه فرداً عاقلاً حكيماً، لما قام بذلك العمل ولما أدَّى إلى إهانة قنبر وأذيَّته.

ومِن هنا نقول: إنَّ الصديق الجاهل يؤذي صديقه ويُتعبه، فهو يُحاول أنْ ينفعه فيضرُّه لجهله (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣١

مُشاورة الرجال مُشاركتهم في عقولهم

كان للمُعتصم العباسي وزير يُسمَّى: الفضل بن مروان، قد فاق أقرانه وأضحى موضع اهتمام الخليفة لكفاءته وجَدارته، وذات يومٍ دعا الوزير الخليفة للنزول عليه ضيفاً؛ مِن أجل أنْ يكشف للعامَّة منزلته عند الخليفة، الذي لبَّى بدوره دعوة وزيره المُقرَّب.

وكان الوزير قد أعدَّ قصره وزيَّنه بأفخم الأشياء، وفرشه بأثمن الفرش، وجَلب أوانٍ مِن الذهب وأُخرى مِن الفِضَّة، وهيَّأ أفخر الطعام ورتَّب مجلساً مِن أبهى ما يكون.

ولمَّا دخل الخليفة المجلس بُهت لكلِّ هذه الثروة وهذا الجلال، وأخذته الغيرة والحَسد مِن وزيره، فجلس للحظات والحَسد يعتصره، ثمَّ قام وخرج مِن المجلس بحُجَّة يُعاني مِن آلامٍ في بطنه. فاستبدَّ بالوزير القَلق مِمَّا حصل، وقاده التفكير إلى أنَّ هذا المجلس المشؤوم لا يُمكن أنْ يرفع منزلته عند الخليفة وقد يُطيح به، فأخذ يُفكِّر بما عليه فعله، إلاّ أنَّ اضطرابه قد شُلَّ مِن قُدرته على التفكير.

عند ذاك قرَّر أنْ يُسر صاحبه إبراهيم الموصلي، الذي كان حاضراً المجلس بحقيقة الأمر ليستنير بعقله، فتقدَّم منه وتحدَّث إليه بما جرى. فكَّر إبراهيم قليلاً ثمَّ قال للوزير: أنْ اذهب مع الخليفة ولا تنفصل عنه، واتبعه إلى البلاط لتوديعه والاطمئنان على حاله، وامكث هناك حتَّى تأتيك رسالتي، فإذا وصلتك فافتحها واقرأها بحضور المُعتصم، وإذا سألك عَمَّا في الرسالة أجبه.

نَفَّذ الوزير أمر صاحبه العاقل، وبلغته الرسالة وكان قد كتب فيها إبراهيم يقول:

٢٣٢

إنَّ أصحاب الفرش والصُّحون الذهبيَّة والفضيَّة، قد جاؤوا يسألون عَمَّا كان مجلس ضيافة الخليفة، قد انتهى لكي يأخذوا حاجياتهم وأموالهم.

وحصل ما توقَّعه إبراهيم، فقد سأل المُعتصم عَمَّا تضمَّنته الرسالة، فقرأ عليه الوزير فحواها، فضحك الخليفة دون إرادة وزالت عُقدته الباطنيَّة، لمَّا عرف أنَّ كلَّ هذه الفخامة والأُبَّهة والثروة ليست مِلك الوزير، بلْ استقرضها مِن أصحابها، ثمَّ شكر الخليفة وزيره على حُسن الضيافة، وقد استطاع الصديق الذكيُّ اللبيب بتدبيره وحكمته إنقاذ صاحبه مِن خَطرٍ حقيقيٍّ.

إنَّ المدرسة التربويَّة الإسلاميَّة، تولي اهتماماً كبيراً لمسألة الصُّحبة، وضرورة أنْ يكون الصديق عاقلاً وحكيماً، بحيث إنَّها تُجيز مُصاحبة الإنسان العاقل والمُفكَّر، حتَّى وإنْ افتقد لبعض مكارم الأخلاق (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٣

الكادُّ على عياله كالمُجاهد في سبيل الله

عن أبي عَمْرو الشّيباني قال:

رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وبيده مسحاة، وعليه إزارٌ غليظ يعمل في حائطٍ له والعَرق يتصابُّ عن ظهره.

فقلت: جُعِلت فِداك! أعطني أكفِك.

فقال لي: (إنِّي أُحبُّ أنْ يتأذَّي الرَّجُل بحَرِّ الشِّمس في طَلب المَعيشة) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٤

العمل باليد عمل النبيِّين والمُرسلين والصالحين

عن علي بن أبي حمزة قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يعمل في أرضٍ له قد استنقعت قَدماه في العرق.

قلت: جُعِلت فِداك! أين الرِّجال؟

فقال: (يا عليُّ، عَمِلَ باليد مَن هو خيرٌ مِنِّي ومِن أبي في أرضه).

فقلت له: ومَن هو؟

فقال: (رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين، وآبائي كلُّهم قد عملوا بأيديهم، وهو مِن عمل النَّبيِّين والمُرسلين والصَّالحين).

لقد كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يحترم العامل الكادح، ويُشجِّعه بشتَّى الطُّرق، ويحتقر العاطل عن العمل ويُبدي استياءه منه، وكلُّ ذلك كان بهدف حَثِّ المسلمين على العمل والمُثابرة وتحذيرهم مِن الكَسل والبطالة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٥

يد الكادِّ على عِياله لا تمسُّها النار

أنس بن مالكٍ روى:

أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمَّا أقبل مِن غزوة تبوك، استقبله سعد الأنصاريِّ فصافحه النبي (صلى الله عليه وآله) ثمَّ قال له:

(ما هذا الذي أكنب يديك؟!).

قال: يا رسول الله، أضرب بالمَرِّ والمِسحاة فأُنفقه على عِيالي.

فقبَّل يده رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقال: (هذه يَدٌ لا تمسُّها النَّار) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٦

احمل على رأسك واستغن عن النَّاس

زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام):

إنَّ رجُلاً أتاه فقال: إنَّني لا أُحسن أنْ أعمل عملاً بيدي ولا أُحسن أنْ أتَّجر وأنا مُحتاجٌ.

فقال (عليه السلام): (اعمل واحمل على رأسك واستغنِ عن النَّاس) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٧

مَن سعى على نفسه أو أبويه أو ذُرِّيَّته فهو في سبيل الله

كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) جالساً مع أصحابه ذات يوم، فنظر إلى شابٍّ ذي جَلدٍ وقوَّة وقد بكَّر يسعى.

فقالوا: ويحَ هذا! لو كان شبابه وجَلده في سبيل الله.

فقال (صلى الله عليه وآله): (لا تقولوا هذا، فإنَّه إنْ كان يسعى على نفسه ليكفَّها عن المسألة ويُغنيها عن النّاس فهو في سبيل الله، وإنْ كان يسعى على أبوين ضعيفين أو ذُرِّيَّةٍ ضعافاً ليُغنيهم ويكفيهم فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى تفاخراً وتكاثُراً فهو في سبيل الشيطان) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٨

ليس هذا طلب الدُّنيا

هذا طلب الآخرة!!

قال رجل لأبي عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام):

والله، إنّا لنطلب الدُّنيا ونُحبُّ أنْ نؤتاها.

فقال (عليه السلام): (تُحبُّ أنْ تصنع بها ماذا؟).

قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأصل بها، وأتصدَّق بها، وأحِجَّ وأعتمر، فقال (عليه السلام): (ليس هذا طلب الدُّنيا، هذا طلب الآخرة) (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٣٩

مَهلاً يا أُمَّاه فإنَّ مَعي مَن يَحفظني

في قِصَّة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مع مُرضعته حليمة السعديَّة، تقول حليمة لمَّا بلغ محمد (صلى الله عليه وآله) الثالثة مِن عُمره قال لي:

ـ (أُمَّاه، أين يذهب إخوتي نهار كلِّ يوم؟).

ـ يخرجون إلى الصحراء لرَعي الأغنام.

ـ (لماذا لا يَصحبونني معهم؟).

ـ هل ترغب في الذهاب معهم؟

ـ (أجل).

فلمَّا أصبح دهَّنته وكحَّلته وعلَّقت في عُنقه خيطاً فيه جزع يمانيَّة فنزعها، ثمَّ قال لي: (مَهْلاً يا أُمَّاه، فإنَّ معي مَن يَحفظني).

الإيمان بالله هو الذي يجعل الطفل في الثالثة حُرَّاً وقويَّ الإرادة بهذه الصورة (١) .

____________________

(١) الشابُّ، ج٢.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421