القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 359537 / تحميل: 10433
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فلها ما كان يجري عليها في حياتي، إن رأى ذلك، ومن خرجت منهن إلى زوج فليس لها أن ترجع إلى محواي، إلا أن يرى علي غير ذلك، وبناتي بمثل ذلك، ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن من أمهاتهن، ولا سلطان ولا عم إلا برأيه ومشورته، فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله وجاهدوه في ملكه، وهو أعرف بمناكح قومه، فإن أراد أن يزوج زوج، وإن أراد أن يترك ترك، وقد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في كتابي هذا، وجعلت الله عز وجل عليهن شهيدا(1) .

ويستفاد منها أن الأمر حساس وخطير، وهو يتطلب بصيرة نافذة، ومعرفة تامة بمداخل القضايا ومخارجها، ولذلك أوكل أمر زواج بناتهعليه‌السلام إلى الإمام الرضاعليه‌السلام ، وهو المعصوم العالم بحقائق الأمور، وكان الظرف ظرف محنة وابتلاء كما يدل عليه حديث الإمام الكاظمعليه‌السلام ليزيد بن سليط الزيدي حيث قال: ثم قال لي أبو إبراهيمعليه‌السلام :

إني أوخذ في هذه السنة، والأمر هو إلى ابني علي، سمي علي وعلي، فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب، وأما الآخر فعلي بن الحسينعليهما‌السلام ، أعطي فهم الأول وحلمه ونصره ووده ودينه ومحنته، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره(2) ....

____________________

(1) الأصول من الكافي ج 1 باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام الحديث 15 ص 316 - 317.

(2) الأصول من الكافي ج 1 باب الإشارة على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام الحديث 14 ص 315.

١٠١

وليس في هذه الوصية ما يدل على المنع من التزويج، وإنما تدل على أن الأمر إلى الإمام الرضاعليه‌السلام ، فهو الأعرف بمناكح قومه، وهو الأعلم بأحوال زمانه.

فما ذكره اليعقوبي في تاريخه(1) من أن الإمامعليه‌السلام أوصى بعدم تزويج بناته فإن كان مستنده هو وصية الإمامعليه‌السلام التي ذكرناها فقد أخطأ في الاستنتاج، وإن كان غيرها فلم نقف عليه، ولا نستبعد أنه قد التبس عليه الأمر وفهم من الوصية أن الإمام قد منع من تزويج بناته، وليس الأمر كذلك.

ثم إنه من خلال ما تقدم ذكره من الأمور الخمسة يمكننا استفادة السبب وراء عدم زواج بنات الإمام الكاظمعليه‌السلام .

والذي يترجح من جميع ذلك أن السبب أمران أحدهما يكمل الآخر، وهما:

الأول: عدم وجود الكفؤ.

والثاني: الخوف من الإقدام على مصاهرة الإمامعليه‌السلام .

أما الأول فإن الفقهاء وإن اختلفوا في تحديد معنى الكفاءة، ولهم في ذلك أقوال وآراء ذكرها صاحب الجواهر(2) وغيره إلا أنهم اتفقوا على أن المؤمن كفوء المؤمنة.

وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض(3) .

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 415.

(2) جواهر الكلام ج 30 ص 92 - 116.

(3) من لا يحضره الفقيه ج 3 - كتاب النكاح - باب الأكفاء الحديث 5 ص 249.

١٠٢

وخلافهم إنما هو في زواج المرأة الشريفة ممن هو أدنى منها، وأما العكس فلا خلاف بينهم في جوازه، على أن الخلاف في ذلك مما لا يعتد به، كما صرح به صاحب الجواهر حيث قال: (و) كيف كان فلا إشكال ولا خلاف معتد به في أنه (يجوز) عندنا (إنكاح الحرة العبد، والعربية العجمي، والهاشمية غير الهاشمي، وبالعكس، وكذا أرباب الصنائع الدنية) كالكناس والحجام وغيرهما (بذات الدين) من العلم والصلاح (والبيوتات) وغيرهم، لعموم الأدلة، وخصوص ما جاء في تزويج جويبر الدلفاء، ومنجح بن رباح مولى علي بن الحسينعليهما‌السلام بنت ابن أبي رافع...(1) .

والحاصل إجمالا: أن سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام كانت على ذلك، مضافا إلى الروايات الكثيرة الواردة عنهمعليهم‌السلام الدالة على الجواز، نعم اختصت الصديقة الزهراءعليها‌السلام بهذا الشأن من دون سائر النساء، فقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال: إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة، فإن تزويجها نزل من السماء(2) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولا أن الله خلق أمير المؤمنين لم يكن لفاطمة كفو على وجه الأرض، آدم فمن دونه(3) .

وأما ما عدا فاطمة الزهراءعليها‌السلام من النساء فليست لها هذه

____________________

(1) جواهر الكلام ج 30 ص 106 - 107.

(2) الفروع من الكافي ج 5 كتاب النكاح باب نوادر الحديث 54 ص 568.

(3) بحار الأنوار ج 43 ص 107.

١٠٣

الخصوصية، وإنما يتبع فيها الشرائط العامة في الزواج من الدين والخلق وغيرهما مما ذكره الفقهاء ورووه عن الأئمةعليهم‌السلام وتفصيل هذه المسألة بجميع أبعادها مبسوطة في كتب الفقه الاستدلالية.

وغرضنا من ذلك الإشارة إلى أنه لا شك في توفر الشرائط في بعض الأشخاص في زمان الإمام الكاظمعليه‌السلام .

ولكن ما جرى على العلويين من الأحداث حال دون ذلك، فإن حملات الإبادة من القتل والتشريد لبني هاشم ما أبقت منهم إلا القليل، فإن المسلسل الدامي بدأ مع بداية عهد المنصور، وقد تتبع العلويين، فمنهم من قتل في ميادين الحروب، ومنهم من قتل تحت الأنقاض حيث أمر المنصور بهدم السجن عليهم أو وضعوا في أساس البناء أحياء فماتوا اختناقا، ومنهم من اغتيل بالسم، ومنهم من قتل صبرا واحتفظ برؤوسهم في خزانة ولم يطلع عليها إلا بعض أهل بيته.

يقول الطبري في تاريخه لما عزم المنصور على الحج دعا ريطة بنت أبي العباس امرأة المهدي، وكان المهدي بالري قبل شخوص أبي جعفر، فأوصاها بما أراد، وعهد إليها، ودفع إليها مفاتيح الخزائن، وتقدم إليها وأحلفها، ووكد الإيمان أن لا تفتح بعض تلك الخزائن، ولا تطلع عليها أحدا إلا المهدي، ولا هي إلا أن يصح عندها موته، فإذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدي وليس معهما ثالث حتى يفتحا الخزانة، فلما قدم المهدي من الري إلى مدينة السلام، دفعت إليه

١٠٤

المفاتيح، وأخبرته أنه تقدم إليها ألا يفتحه ولا يطلع عليه أحد حتى يصح عندها موته، فلما انتهى إلى المهدي موت المنصور، وولي الخلافة فتح الباب ومعه ريطة، فإذا أزج كبير فيه جماعة من قتلى الطالبيين، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم، وإذا فيهم أطفال، ورجال شباب، ومشايخ عدة كثيرة، فلما رأى ذلك المهدي ارتاع لما رأى، وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا فيها، وعمل فوقها دكان(1) .

ومنهم من سلم من القتل ولكنه لم يسلم من التشرد فهام في البلدان متنكرا، وقد أخفى اسمه ونسبه، ومن ذلك ما رواه أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين من أحوال عيسى بن زيد الذي توارى عن المنصور العباسي زمانا طويلا حتى مات متواريا، ولم يطلع زوجته وابنته على اسمه ونسبه.

روى أبو الفرج بسنده عن محمد بن المنصور المرادي قال: قال يحيى بن الحسين بن زيد: قلت لأبي: يا أبه، إني أشتهي أن أرى عمي عيسى بن زيد، فإنه يقبح بمثلي أن لا يلقى مثله من أشياخه، فدافعني عن ذلك مدة، وقال: إن هذا أمر يثقل عليه، وأخشى أن ينتقل عن منزله كراهية للقائك إياه فتزعجه، فلم أزل به أداريه وألطف به حتى طابت نفسه لي بذلك، فجهزني إلى الكوفة، وقال لي: إذا صرت إليها فاسأل عن دور بني حي، فإن دللت عليها فاقصدها في السكة الفلانية،

____________________

(1) تاريخ الطبري ج 8 ص 104 - 105.

١٠٥

وسترى في وسط السكة دارا لها باب، صفته كذا وكذا، فاعرفه واجلس بعيدا منها في أول السكة فإنه سيقبل عليك عند المغرب كهل طويل مسنون (مستور) الوجه، قد أثر السجود في جبهته، عليه جبة صوف، يستقي الماء على جمل [وقد انصرف يسوق الجمل]، لا يضع قدما ولا يرفعها إلا ذكر الله عز وجل، ودموعه تنحدر، فقم وسلم عليه وعانقه، فإنه سيذعر منك كما يذعر الوحش، فعرفه نفسك، وانتسب له، فإنه يسكن إليك، ويحدثك طويلا، ويسألك عنا جميعا، ويخبرك بشأنه ولا يضجر بجلوسك معه، ولا تطل عليه، وودعه، فإنه يستعفيك من العودة إليه، فافعل ما يأمرك به من ذلك، فإنك إن عدت إليه توارى عنك واستوحش منك، وانتقل عن موضعه، وعليه في ذلك مشقة، فقلت: أفعل ما أمرتني، ثم جهزني إلى الكوفة وودعته وخرجت، فلما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر، فجلست خارجها بعد أن تعرفت الباب الذي نعته لي، فلما غربت الشمس إذا أنا به قد أقبل يسوق الجمل، وهو كما وصف لي أبي لا يرفع قدما ولا يضعها إلا حرك شفتيه بذكر الله، ودموعه ترقرق في عينيه، وتذرف أحيانا، فقمت فعانقته فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس، فقلت: يا عم أنا يحيى بن الحسين بن زيد ابن أخيك، فضمني إليه، وبكى حتى قلت:

قد جاءت نفسه، ثم أناخ جمله وجلس معي، فجعل يسألني عن أهله رجلا رجلا، وامرأة امرأة، وصبيا صبيا، وأنا أشرح له أخبارهم، وهو

١٠٦

يبكي، ثم قال: يا بني أنا أستقي على هذا الجمل الماء، فأصرف ما أكتسب يعني من أجرة الجمل إلى صاحبه وأتقوت باقيه، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج إلى البرية، يعني بظهر الكوفة فألتقط ما يرمي الناس به من البقول فأتقوته. وقد تزوجت إلى هذا الرجل ابنته، وهو لا يعلم من أنا إلى وقتي هذا، فولدت مني بنتا، فنشأت، وبلغت وهي أيضا لا تعرفني ولا تدري من أنا، فقالت: لي أمها: زوج ابنتك بابن فلان السقاء - لرجل من جيراننا يسقي الماء - فإنه أيسر منا، وقد خطبها، وألحت علي فلم أقدر على إخبارها بأن ذلك غير جائز، ولا هو بكفؤ لها، فيشيع خبري، فجعلت تلح علي فلم أزل أستكفي الله أمرها حتى ماتت بعد أيام، فما أجدني آسى على شئ من الدنيا أساي على أنها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وذكر أبو الفرج أن عيسى بن زيد بقي متواريا إلى أن مات في زمان المهدي العباسي، روى بسنده عن يعقوب بن داود، قال: دخلت مع المهدي في قبة في بعض الخانات في طريق خراسان، فإذا حائطها عليه أسطر مكتوبة، فدنا ودنوت معه، فإذا هي هذه الأبيات:

والله ما أطعم طعم الرقاد

خوفا إذا نامت عيون العباد

شردني أهل اعتداء وما

أذنبت ذنبا غير ذكر المعاد

آمنت بالله ولم يؤمنوا

فكان زادي عندهم شر زاد

أقول قولا قاله خائف

مطرد قلبي كثير السهاد

١٠٧

منخرق الخفين يشكو الوجى

تنكبه أطراف مرو حداد

شرده الخوف فأزرى به

كذاك من يكره حر الجلاد

قد كان في الموت له راحة

والموت حتم في رقاب العباد

قال: فجعل المهدي يكتب تحت كل بيت: لك الأمان من الله ومني، فاظهر متى شئت، حتى كتب ذلك تحتها أجمع، فالتفت فإذا دموعه تجري على خده فقلت له: من ترى قائل هذا الشعر يا أمير المؤمنين؟

قال: أتتجاهل علي؟ من عسى أن يقول هذا الشعر إلا عيسى بن زيد(1) .

ولكن لما بلغه موت عيسى بن زيد اعتبر ذلك بشرى وحول وجهه إلى المحراب وسجد وحمد الله. وكان يجد في طلبه حتى أنه حبس بعض أصحابه ثم قتلهم لأنهم لم يخبروه بموضع اختفائه(2) .

وعهده وإن لم يكن كعهد أبيه شدة وبطشا إلا أنه ورث منه العداء لأهل البيتعليهم‌السلام ، الذي كان يعتقد أن لا بقاء له في الحكم والسلطان إلا بالقضاء على العلويين وشيعتهم.

حتى إذا جاء عهد ابنه موسى الهادي الذي اتصف بنزعات الشر والطيش والتمادي في سفك الدماء، فنقم عليه القريب والبعيد وبغضه الناس جميعا، وقد حقدت عليه أمه الخيزران، وبلغ بها الغيظ والكراهية له أنها هي التي قتلته(3) .

وفي زمانه حدثت واقعة فخ التي ضارعت مأساة كربلاء في آلامها

____________________

(1) مقاتل الطالبيين ص 408 - 412.

(2) مقاتل الطالبيين ص 422 وص 427.

(3) حياة الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ج 1 ص 457.

١٠٨

وشجونها، وقد تحدث الإمام الجوادعليه‌السلام عن مدى أثرها البالغ على أهل البيتعليهم‌السلام بقوله: لم يكن لنا بعد الطف - يعني كربلاء - مصرع أعظم من فخ(1) .

فقد حملت فيها رؤوس العلويين وتركت جثثهم في العراء، وسيقت الأسرى من بلد إلى بلد، وقد قيدوا بالحبال والسلاسل، ووضعوا في أيديهم وأرجلهم الحديد، وأدخلوا على الهادي العباسي فأمر بقتل بعضهم فقتلوا صبرا وصلبوا على باب الجسر ببغداد(2) .

ولم يكن عهد الرشيد بأحسن حالا، يقول الشيخ القرشي: وورث هارون من جده المنصور البغض العارم والعداء الشديد للعلويين، فقابلهم منذ بداية حكمه بكل قسوة وجفاء، وصب عليهم جام غضبه، وقد أقسم على استئصالهم وقتلهم، فقال: والله لأقتلنهم - أي العلويين - ولأقتلن شيعتهم.

وأرسل طائفة كبيرة منهم إلى ساحات الإعدام، ودفن قسما منهم وهم أحياء، وأودع الكثيرين منهم في ظلمات السجون، إلى غير ذلك من المآسي الموجعة التي صبها عليهم...

لقد كان الرشيد شديد الوطأة على عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانوا على علم بمقته وبغضه لهم، فحينما علموا بخلافته هاموا على وجوههم

____________________

(1) سر السلسلة العلوية ص 14 - 15.

(2) تاريخ الطبري ج 8 ص 198 - 200 والكامل في التاريخ ج 6 ص 93.

١٠٩

في القرى والأرياف، متنكرين لئلا يعرفهم أحد(1) .

وقد أمر الرشيد حميد بن قحطبة أن يقتل ستين علويا في ليلة واحدة، روى الصدوق بسنده عن أبي الحسين أحمد بن سهل بن ماهان، قال: حدثني عبيد الله البزاز النيسابوري، وكان مسنا قال: كان بيني وبين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة، فرحلت إليه في بعض الأيام فبلغه خبر قدومي، فاستحضرني للوقت وعلي ثياب السفر لم أغيرها، وذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر، فلما دخلت عليه رأيته في بيت يجري فيه الماء، فسلمت عليه وجلست فأتي بطشت وإبريق فغسل يديه، ثم أمرني فغسلت يدي، وأحضرت المائدة وذهب عني أني صائم، وأني في شهر رمضان، ثم ذكرت فأمسكت يدي، فقال لي حميد: مالك لا تأكل؟ فقلت: أيها الأمير هذا شهر رمضان، ولست بمريض ولا بي علة توجب الإفطار، ولعل الأمير له عذر في ذلك، أو علة توجب الإفطار، فقال: ما بي علة توجب الإفطار وإني لصحيح البدن، ثم دمعت عيناه وبكى، فقلت له بعد ما فرغ من طعامه: ما يبكيك أيها الأمير؟ فقال: أنفذ إلي هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب، فلما دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد وسيفا أخضر مسلولا، وبين يديه خادم واقف، فلما قمت بين يديه رفع رأسه إلي فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت:

____________________

(1) حياة الإمام موسى بن جعفرعليهما‌السلام ج 2 ص 74 - 75.

١١٠

بالنفس والمال، فأطرق، ثم أذن لي في الانصراف، فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إلي وقال أجب أمير المؤمنين، فقلت في نفسي: إنا لله، أخاف أن يكون قد عزم على قتلي، وإنه لما رآني استحى مني، قعدت بين يديه فرفع رأسه إلي فقال: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد، فتبسم ضاحكا، ثم أذن لي في الانصراف، فلما دخلت منزلي لم ألبث أن عاد إلي الرسول فقال: أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه وهو على حاله فرفع رأسه إلي وقال لي: كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ فقلت: بالنفس والمال والأهل والولد والدين، فضحك، ثم قال لي: خذ هذا السيف وامتثل ما يأمرك به الخادم، قال: فتناول الخادم السيف وناولنيه، وجاء إلى بيت بابه مغلق، ففتحه، وإذا فيه بئر في وسطه وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة، ففتح باب بيت منه فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور والذوائب شيوخ وكهول وشبان مقيدون، فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء، وكانوا كلهم علوية من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام ، فجعل يخرج إلي واحدا بعد واحد، فأضرب عنقه، حتى أتيت على آخرهم، ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر، ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضا عشرون نفسا من العلوية، من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام مقيدون، فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء، فجعل يخرج إلي واحدا بعد واحد، فأضرب عنقه، ويرمي به في تلك البئر، حتى

١١١

أتيت على آخرهم، ثم فتح باب البيت الثالث فإذا فيه مثلهم عشرون نفسا من ولد علي وفاطمةعليهما‌السلام مقيدون عليهم الشعور والذوائب، فقال لي: إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء أيضا، فجعل يخرج إلي واحدا بعد واحد، فأضرب عنقه، ويرمى به في تلك البئر، حتى أتيت على تسعة عشر نفسا منهم، وبقي شيخ منهم عليه شعر، فقال لي: تبا لك يا ميشوم أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قتلت من أولاده ستين نفسا قد ولدهم علي وفاطمةعليهما‌السلام ؟ فارتعشت يدي وارتعدت فرايصي، فنظر إلي الخادم مغضبا وزبرني فأتيت على ذلك الشيخ أيضا فقتلته، ورمى به في تلك البئر، فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفسا من ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما ينفعني صومي وصلاتي، وأنا لا أشك أني مخلد في النار(1) .

وقيل: إن هذه الواقعة حدثت في زمان المنصور، ولعلها تكررت، ولذا قال الصدوق: للمنصور مثل هذه الفعلة في ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) .

وعلى أي تقدير فإنها إحدى الشواهد على ما نقول.

وبعد: فإذا كان هكذا حال العلويين، فهل يبقى لأحدهم مجال للاقتران بواحدة من بنات الإمامعليه‌السلام ويستقر في حياة زوجية هانئة، وهو يعلم أن حياته في خطر؟!

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 108 - 111.

(2) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 111.

١١٢

إن ما ذكرته بعض المصادر(1) من أن عدم تزويج الإمامعليه‌السلام بناته إنما هو لعدم وجود الكفؤ لم يكن على خلاف الواقع، فإن ما حل بأهل البيتعليهم‌السلام من الكوارث وحملات الإبادة قد أفنتهم ولم تدع منهم إلا القليل.

وربما يقال: إذا كان هذا حال العلويين ففي رجالات الشيعة من توفرت فيه سائر الشرائط، فلم لم يزوج الإمام الكاظمعليه‌السلام بناته من الشيعة، إذ ليس من الضروري أن يكون الزوج علويا ما دامت الكفاءة من الإيمان والخلق في غير العلوي متحققة؟

ونقول: إننا قد ذكرنا أن هناك أمرا آخر نعتبره مكملا للأمر الأول وهو الخوف من الإقدام على مصاهرة الإمامعليه‌السلام ، فلم يكن الشيعة آمنين على أرواحهم، وقد بلغهم أن هارون الرشيد قد أقسم على أن يقتل الشيعة كما أقسم على إبادة العلويين.

وقد عانى الشيعة من الشدائد ما لا يخفى، وكانوا يعيشون التقية في أمورهم كما أمرهم أئمتهمعليهم‌السلام بذلك، وأصبحت حياتهم آنذاك مهددة بالأخطار، وكان الحكام لهم بالمرصاد.

ومما يدل على ذلك ما ورد في أحوال محمد بن أبي عمير، حيث روي عن الفضل بن شاذان أنه قال: سعي بمحمد بن أبي عمير إلى السلطان أنه يعرف أسامي عامة الشيعة بالعراق، فأمره السلطان أن

____________________

(1) تاريخ قم ص 221 ومنتهى الآمال ج 2 ص 280 - 281.

١١٣

يسميهم فامتنع، فجرد وعلق بين القفازين (العقارين) وضرب مائة سوط، قال الفضل: فسمعت ابن أبي عمير يقول: لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط، أبلغ الضرب الألم إلي فكدت أن أسمي، فسمعت نداء محمد بن يونس بن عبد الرحمن يقول: يا محمد ابن أبي عمير أذكر موقفك بين يدي الله تعالى، فتقويت بقوله فصبرت ولم أخبر، والحمد لله.

وقال: ضرب ابن أبي عمير مائة خشبة وعشرين خشبة بأمر هارون لعنه الله، تولى ضربه السندي بن شاهك على التشيع...(1) ويدل على ذلك أيضا ما جاء في أحوال هشام بن الحكم، فإنه عاش في آخر أيامه مشردا حتى مات من الخوف في قصة طويلة ذكرها علماء الرجال(2) .

وغيرها من القضايا التي كان الشيعة فيها كأئمتهمعليهم‌السلام في المعاناة والخوف.

وإذا كان هذا حال الشيعة فهل ترى أن أحدا منهم يقدم على مصاهرة الإمامعليه‌السلام وقد تربصت العيون بهم الدوائر، والحكام في طلبهم وراء كل حجر ومدر؟

على أنه لم يثبت أن أحدا من العلويين أو من الشيعة تقدم لخطبة إحدى بنات الإمامعليه‌السلام فقوبل بالرفض.

____________________

(1) معجم رجال الحديث ج 15 ص 294 - 295.

(2) معجم رجال الحديث ج 20 ص 301 - 306.

١١٤

هذا ما نرجحه من الأسباب وراء عدم تزويج بنات الإمامعليه‌السلام ، ومنهم السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام .

وهناك احتمالان آخران يختصان بها، وقد يشاركها بعض أخواتها فيهما.

أحدهما: أنها وأباها وأخاها يعلمون أن عمرها قصير، فإن وفاتهاعليها‌السلام كانت سنة 201 هـ فيكون عمرها على أكثر الاحتمالات أقل من ثلاثين عاما، وهو عمر قصير بالقياس إلى الأعمار المتعارفة.

وحيث كانت تعلم بذلك فلم يكن لديها ما يرغبها في الزواج.

وثانيهما: أنها لما كانت تشاهد ما يجري على أهل بيتها وبني عمومتها من حكام بني العباس من القتل والسجن والتشريد، وما يلاقيه أبوها وأخوها من الإيذاء عزفت نفسها عن الزواج، ومن الطبيعي أن في عدم الاطمئنان في الحياة صارفا قويا عن الزواج.

هذا ولعل هناك سببا أو أسبابا أخرى وراء ذلك لم ندركها، وكما ذكرنا أن الأمر شأن خاص قد أريد إخفاء سره عن الناس.

المآسي والآلام:

إن من أقسى ما مر على أهل البيتعليهم‌السلام في تاريخهم الحافل بالمآسي والآلام أن الأيدي الآثمة قد تجاوزت الحد في خصومتها وعدوانها عليهم، فامتدت لتهتك حرماتهم، وتكشف أستارهم،

١١٥

وتعتدي على نسائهم بالضرب والسلب والنهب والأسر والتشهير.

وليس بعد قتل المعصوم ما هو أفظع وأفجع مما جرى على بنات الرسالة وعقائل الوحي، وإذا كان المتآمرون في السقيفة قد وضعوا الأساس حيث استطالت أيديهم فضربوا الزهراءعليها‌السلام ، وهي بضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووكزوها بالسيف وأسقطوا حملها في وحشية عدم فيها الضمير، وإذا كان الأمويون قد ساقوا بنات الزهراء أسارى بعد السلب والنهب، فإن بني العباس جاؤوا ليكملوا ما تبقى من حلقات هذا المسلسل، بل زادوا على أولئك في التعدي والعدوان، فقد مر علينا أن أسرى واقعة فخ لما جئ بهم إلى الهادي العباسي وأدخلوا عليه وهم مقيدون بالحبال والسلاسل ووضعوا أيديهم وأرجلهم في الحديد أمر بقتل بعضهم فقتلوا صبرا وصلبوا بباب الجسر ببغداد(1) .

وقد اعترف المأمون بأن بني العباس فاقوا بني أمية في عدوانهم وظلمهم للعلويين، فقال: فأخفناهم، وضيقنا عليهم، وقتلناهم أكثر من قتل بني أمية إياهم.

ويحكم إن بني أمية إنما قتلوا منهم من سل سيفا، وإنا معشر بني العباس قتلناهم جملا، فلتسألن أعظم الهاشمية بأي ذنب قتلت؟

ولتسألن نفوس ألقيت في دجلة والفرات ونفوس دفنت ببغداد والكوفة أحياء(2) ....

____________________

(1) تاريخ الطبري ج 8 ص 198 - 200 والكامل في التاريخ ج 6 ص 93.

(2) الطرائف ج 1 ص 278.

١١٦

وقد ذكرنا فيما تقدم شيئا مما لاقاه العلويون من بني العباس، والغرض في المقام أن نذكر شيئا مما لاقاه العلويات، ونكتفي بما يرتبط بالسيدة المعصومةعليها‌السلام وما نالها من عدوان بني العباس.

اتفق الرواة على أن محمد بن جعفر خرج في زمان الرشيد أو المأمون، وأعلن الدعوة إلى نفسه، - وقد حذره الإمام الرضاعليه‌السلام من مغبة ذلك وأخبره بأنه أمر لا يتم وأن حركته فاشلة -، فأرسل العباسيون جيشا بقيادة عيسى بن يزيد الجلودي وأمروه إن ظفر به أن يضرب عنقه، وأن يغير على دور آل أبي طالب، وأن يسلب نساءهم، ولا يدع على واحدة منهن إلا ثوبا واحدا، ففعل الجلودي ذلك، وقد كان مضى أبو الحسن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، فصار الجلودي إلى باب دار أبي الحسن الرضاعليه‌السلام (و) هجم على داره مع خيله، فلما نظر إليه الرضا جعل النساء كلهن في بيت ووقف على باب البيت، فقال الجلودي لأبي الحسنعليه‌السلام : لا بد من أن أدخل البيت فاسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين، فقال الرضاعليه‌السلام : أنا أسلبهن لك، وأحلف أني لا أدع عليهن شيئا إلا أخذته، فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتى سكن، فدخل أبو الحسن الرضاعليه‌السلام فلم يدع عليهن شيئا حتى أقراطهن وخلاخيلهن وأزرهن إلا أخذه منهن، وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير(1) .

ترى ما حال تلك النسوة آنذاك؟! وما حال الإمام علي بن موسى

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 161.

١١٧

الرضاعليهما‌السلام وهو يرى بنات الرسالة وقد سلبن كل شئ؟

وهل تظن أن الجلودي اكتفى بالهجوم على بيت الإمام الرضاعليه‌السلام دون بقية دور آل أبي طالب؟

والذي ذكرته الروايات أن الجلودي أمر بالغارة على دور آل أبي طالب، وأن يسلب نساءهم، والجلودي كان خادما مخلصا لبني العباس، ولا أظن أنه اكتفى بذلك، بل هجم على بقية الدور، وربما سلب النساء بنفسه، وإن لم تفصح الروايات عن ذلك.

والذي يؤيد ما ذكرنا ما جاء في نفس هذه الرواية، من أنه لما أدخل الجلودي على المأمون، وكان الإمام الرضاعليه‌السلام حاضرا وأراد الإمام أن يشفع فيه، فقالعليه‌السلام : يا أمير المؤمنين هب لي هذا الشيخ، فقال المأمون: يا سيدي هذا الذي فعل ببنات محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما فعل من سلبهن(1) .

فإن فيه إشعاراً بذلك.

وإذا كانت الخصومة بين الرجال فما بال النسوة؟ وما هي جنايتهن ليفعل بهن ذلك؟ وهن بنات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وودائع النبوة!!!

وإذا لم يكن الدين رادعا ولا الضمير وازعا فلا أقل أن النسب يكون صارفا فإن لهن رحما قريبة بأولئك المتسلطين ولكن...

وعلى أي حال فقد نال السيدة فاطمة المعصومةعليها‌السلام من الخوف

____________________

(1) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 161.

١١٨

والترويع والظلم ما جعل أيام حياتها القصيرة تمتزج بالآلام والأحزان والمآسي.

لوعة الوداع:

قد يتوهم البعض بأن الإمام الرضاعليه‌السلام عاش حياة مستقرة آمنة، ولا سيما أنه أمضى السنوات الأخيرة من عمره في البلاط العباسي، فكان في مأمن من ملاحقة السلطة، بل في موقع الزعامة حيث بويع بولاية العهد، فكان الرجل الثاني في دولة واسعة مترامية الأطراف، ولم يكن هناك ما يخشاه.

ولكن الحقيقة أمر آخر غير هذا الظاهر، فإن أقسى السنوات التي مرت عليه هي السنوات الأخيرة من عمره، وعاش في حصار قد فرض عليه لم يستطع الخلاص منه، حتى قيل إن الإمام الرضاعليه‌السلام كان أكثر الأئمةعليهم‌السلام عملا بالتقية، لشدة ما عاناه من سلطة بني العباس.

وتؤكد الدلائل والشواهد التاريخية على أن السياسة العباسية جعلت من الإمام وسيلة لتحقيق أهدافها، حتى إذا بلغت ما أرادته نكبت به، كما نكبت بآبائه من قبله، وبأبنائه من بعده.

إن ما فعله هارون الرشيد وأسلافه من قبله بالعلويين من القهر والبطش والإبادة والتشريد، وما تمخض عن ذلك من الثورات العلوية في أطراف البلاد، ومن النقمة العامة على الحكم العباسي حتى قال

١١٩

أحد الشعراء:

يا ليت ظلم بني مروان دام لنا

وكان عدل بني العباس في النار

كما أن الصراع الدامي بين المأمون وأخيه الأمين الذي أسفر عن مقتل الأخير، وانتقال إدارة الحكم من بغداد العاصمة العباسية إلى منطقة أخرى، واعتماد المأمون على الفرس دون العرب في إدارة شؤون الحكم، الذي أثار نقمة العباسيين وغضبهم عليه، مضافا إلى شعوره بالنقص لكونه ابن أمة فارسية وغير ذلك من الأمور(1) .

جعلت من المأمون ابن الرشيد - وكان ذا نباهة وفطنة وحنكة ودهاء - أن يتنبه ويتخذ سياسة جديدة تخالف في ظاهرها سياسة سلفه، يخمد بها غضب الناقمين، ويحتوي تلك الحركات المناوئة، ويحقق لحكومته استقرارا سياسيا، ويضمن لسلطته قوة تحميه من العباسيين، فيما لو فكروا في مناهضته كما يحقق أغراضا أخرى، ليتمتع بسلطة لا يشعر معها باضطراب، كما كان آباؤه يشعرون بذلك.

وكان الموقف يتطلب منه جرأة في اتخاذ القرار، وحزما في تنفيذه، ومضيا في عزمه.

وأول إجراء اتخذه بعد أن قضى على أخيه الأمين أنه أظهر ميله للعلويين، وكانت هذه البادرة غريبة لم تعهد من حاكم عباسي، الأمر الذي أثار التوجس عند سائر بني العباس، ودفعهم إلى الاعتراض بل

____________________

(1) الحياة السياسية للإمام الرضاعليه‌السلام ص 149.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ويلٌ لأولاد آخر الزمان مِن آبائهم

رُوي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنَّه نظر إلى بعض الأطفال فقال: (ويلٌ لأولاد آخر الزمان مِن آبائهم!).

فقيل: يا رسول الله، مِن آبائهم المُشركين؟

فقال: (لا، مِن آبائهم المؤمنين لا يُعلِّمونهم شيئاً مِن الفرائض، وإذا علَّموا أولادهم منعوهم ورضوا عنهم بعرضٍ يسير مِن الدنيا، فأنا منهم بريءٌ وهُمْ مِنِّي بُرآءُ) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٦١

مَن سعى تفاخراً وتكاثُراً فهو في سبيل الشيطان

كان النبي (صلى الله عليه وآله) جالساً مع أصحابه ذات يوم، فنظر إلى شابٍّ ذي جَلدٍ وقوَّة وقد بكَّر يسعى.

فقالوا: ويحَ هذا! لو كان شبابه وجَلده في سبيل الله!

فقال (صلى الله عليه وآله): (لا تقولوا هذا؛ فإنَّه إنْ كان يسعى على نفسه ليكُفَّها عن المسألة ويُغنيها عن الناس فهو في سبيل الله.

وإنْ كان يسعى على أبوين ضعيفين و ذُرِّيَّةٍ ضعافٍ ليُغنيهم ويكُفَّيهم فهو في سبيل الله

وإنْ كان يسعى تفاخُراً وتكاثُراً فهو في سبيل الشيطان) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٦٢

تارك الطلب لا يُستجاب له دعوات

روى علي بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:

قال لي: (ما فعل عمر بن مسلم؟).

قلت: جُعِلت فِداك! أقبل على العبادة وترك التِّجارة.

فقال: (ويحَه، أما عَلم أنَّ تارك الطلب لا يُستجاب له دعوات؟!) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٦٣

أنا أصبِر عن اللَّحم

روي أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مَرَّ بقصَّابٍ وعنده لحمٌ سَمين.

فقال: يا أمير المؤمنين، هذا اللَّحم سمين اشترِ منه.

فقال (عليه السلام): (ليس الثمنُ حاضراً).

فقال: أنا أصبر يا أمير المؤمنين.

فقال له: (أنا أصبر عن اللَّحم) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٦٤

اعمل واحمل على رأسك

واستغنِ عن الناس

جاء رجلٌ إلى الإمام الصادق (عليه السلام) فقال: إنَّه لا يملك يداً سالمةً، ولا مالاً ليُتاجر به، فأبى عليه أنْ يُضيِّع عِزَّته وشرفه بذل السؤال فقال له:

(اعمل واحمل على رأسك واستغنِ عن الناس) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٦٥

أحسن الناس مَعاشاً

قال علي بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال لي: (يا عليُّ، مَن أحسن الناس معاشاً؟).

قلت: أنت - يا سيدي - أعلم به مِنِّي.

فقال (عليه السلام): (يا عليُّ، مَن حسن معاش غيره في معاشه) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٦٦

أسوأ حالٍ أنْ يُرى المعروف مُنكراً والمُنكر معروفاً

نبيُّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) في حديث له، عن حالة الضلال الخطيرة هذه للمسلمين قال:

(كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفَسق شبَّانكم ولم تأمروا بمعروفٍ ولم تنهوا عن مُنكرٍ؟!).

فقيل له: ويكون ذلك - يا رسول الله ـ؟!

قال: (نعم، وشَرٌّ مِن ذلك، فكيف بكم إذا أمرتم بالمُنكر ونهيتم عن المعروف؟!).

فقيل: يا رسول الله، ويكون ذلك؟!

قال: (نعم، وشَرٌّ مِن ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف مُنكراً والمُنكر معروفاً؟!) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٦٧

لا حاجة للعِباد بالمُحرَّم مِن الأشياء

بعث محمد بن سنان رسالة إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، وسأله فيها عن تصوُّر بعض المسلمين أنَّ الحلال والحلال في الإسلام لا يستند على أساس مصلحة وفساد الناس، بلْ عِبادة وطاعة الله تبارك وتعالى، فكتب إليه الإمام (عليه السلام):

(قد ضَلَّ مَن قال ذلك ضَلالاً بعيداً).

وقال (عليه السّلام) ضمن الرسالة عن مُحرَّمات الإسلام:

(ووجدنا المُحرَّم مِن الأشياء لا حاجة للعباد إليه، ووجدناه مُفسداً داعياً إلى الفَناء والهلاك) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٦٨

الحلال والحرام لمَصلحة العباد

يقول المفضل بن عمر: سألت الإمام الصادق (عليه السلام):

لماذا حرَّم الله تعالى الخَمر، والمِيتة، والدَّم، ولحَم الخِنزير على الناس؟

فقال (عليه السلام):

(إنَّ حرام الله وحلاله لم يكن على أساس الرَّغبة والزُّهد، ولكنَّه خَلق فعَلِم ما تقوم به أبدانهم وما يُصلِحهم؛ فأحلَّه لهم واباحه تفضُّلاً منه عليهم لمصلحتهم، وعَلِم ما يضرُّهم فنهاهم عنه وحرَّمه عليهم) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٦٩

ترحيب المسلمين بتحريم الخَمر

ذات يوم دعا سعد بن أبي وقَّاص أحد الأنصار، وكان قد تآخى معه فتناولا الطعام والشراب وسكر الاثنان، وهُما في حالةِ السُّكر ذكرا مَفاخر الجاهليَّة، وبالتدريج وصل الأمر بينهما إلى الشِّجار، فتناول الأنصاري عِظام فَكِ بعيرٍ كان على المائدة وضرب به وجه سعد فَشَجَّ له أنفه.

بعد هذه الحادثة نزلت آية منع الخَمر: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) (المائدة: ٩٠ - ٩١).

مع نزول آية التحريم زالت عادة شِرب الخَمر وصناعتها، ورحَّب الناس بهذا الأمر الإلهيِّ ترحيباً حارَّاً، وأراقوا الخمر التي في بيوتهم، وحطَّموا كوؤس الشراب، بحيث إنَّ رائحة الخَمر كانت تُشتُّم في طُرقات المدينة عِدَّة أيَّام.

عندما أعلن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أمر التحريم، كان هناك شابٌّ أسرع إلى المنزل ليُخبر والديه بالخبر، وعندما وصل إلى المنزل وجد أباه مع عددٍ مِن الضيوف يتساقون الخَمر، وكان الأبّ يُقرِّبُ قدح الخمر مِن فَمهِ، فصاح فيه الابن: لا تشرب يا أبه؛ لأنَّ الله سبحانه قد حَرَّم شِرب الخَمر، فأطاع الأبّ فوراً وجمع مائدة الشراب، وهكذا فعل بقيَّة المسلمين (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٧٠

هدانا الله بأحمدَ المهديِّ النبيِّ

كان عمرو بن الجَموح سيِّداً مِن سادات بني سلمة، وشريفاً مِن أشرافهم، وكان قد اتَّخذ في داره صَنماً مِن خشب يُقال له: (مَناة) كما كانت الأشراف تصنع، تتَّخذ إلهاً تُعظِّمه وتُقدِّسه، فلمَّا أسلم فتيان مِن بني سلمة، معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو بن الجَموح، في فتيانٍ منهم مِمَّن أسلم وشَهِد العَقبة، كانوا يُدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك، فيحملونه ويطرحونه في بعض حُفر بني سلمة - وفيها عذر الناس - مُنكَّساً على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلَكم! مَنْ عدا على آلهتنا هذه الليلة؟

ثمَّ يغدو يتلمَّسه حتَّى إذا وجده غسله وطهَّرهُ وطيَّبه، ثمَّ قال: أما والله، لو أعلم مَن فعل هذا بك لأُخزينَّه، فإذا أمسى عمرو ونام عدوا عليه، ففعلوا به مِثل ذلك، فيغدو فيجده في مِثل ما كان فيه مِن الأذى، فيغسلهُ ويُطهِّره ويُطيِّبهُ، ثمَّ يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مِثل ذلك، فلمَّا أكثروا عليه استخرجه مِن حيث ألقوه يوماً فغسلهُ وطَهَّرهُ وطَيَّبهُ، ثمَّ جاء بسيفه فعلَّقه عليه، ثمَّ قال: إنِّي - والله - ما أعلم مَن يصنع بك ما ترى، فإنْ كان فيك خير فامتنع، فهذا السيف معك.

فلمَّا أمسى عمرو ونام، عدوا عليه، فأخذوا السيف مِن عُنقه ثمَّ أخذوا كلباً مَيِّتاً فقرنوه به...، ثمَّ ألقوه في بئر مِن آبار بني سلمة فيها عَذر مِن عَذر الناس، ثمَّ غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به.

فخرج يتبعه حتَّى وجده في تلك البئر مُنكَّساً مقروناً بكلبٍ مَيِّتٍ، فلمَّا رآه وأبصر شأنه، وكلَّمه مَن أسلم مِن قومه فأسلم برحمة الله، وحَسُنَ إسلامُهُ، فقال - حين أسلم وعرف مِن الله ما عرف، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر مِن أمره، ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مِمَّا كان فيه مِن العَمى والضلالة ـ:

٢٧١

والله لـو كـنت إلهاً لم تكنْ

أنت وكلبٌ وسْطَ بئرٍ في قَرَنْ

أفٍّ لـمَلقاك إلـهاً مُـسْتَدَنْ

الآن فتَّشناك عن سوء الغَبَنْ

الـحمد لـله العليِّ ذي المِنن

الـواهب الرزَّاق ديَّان الدِّيَنْ

هـو الـذي أنـقذني مِن أنْ

أكـون في ظُلْمَةِ قَبرٍ مُرتَهَنْ

بأحمدَ المهديِّ النبيِّ المؤتَمن (١)

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج١.

٢٧٢

ما رأيت مُعلِّماً أرفق مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتصرَّف برِفقٍ لهداية الناس، ويُذكِّرهم بالتعاليم الإصلاحيَّة بكلِّ أدبٍ ولين، وهذا العمل بحدِّ ذاته كان مِن عوامل نفوذ كلامه (صلى الله عليه وآله) في قلوب الناس.

عن هلال بن الحكم قال: لمَّا قَدِمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) علمت أُموراً مِن أُمور الإسلام، وكان فيما علمت، قيل لي: إذا عطست، فاحمد الله، وإذا عطس العاطس اطلب الرحمة له.

فبينا أنا في الصلاة خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ عطس رجل، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: ما لكم تنظرون إليَّ بعين شَزَر؟! فسبَّح القوم فلمَّا قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاته، قال: (مَن المُتكلِّم؟).

قالوا: هذا الأعرابي، فدعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال:

(إنَّما الصلاة للقراءة ولذكر الله عَزَّ وجَلَّ، وإذا كنت في الصلاة فليكُن ذلك حالك). قال: فما رأيت مُعلِّماً أرفق مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج٢.

٢٧٣

ليس لابنِ البيضاء على ابنِ السوداء فَضلٌ

كان أبو ذر الغفاري مِن الرجال الإلهيِّين، ومِن الأصحاب المُحترمين للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وذات يوم زلَّ في الكلام أمام الرسول (صلى الله عليه وآله) بحَقِّ بلال بن رباح الحبشي، فقال له: يا بن السوداء إشارة إلى أُمِّه.

غضب لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وألقاها في وجه أبي ذر عنيفةً مُخفية: (يا أبا ذر، طُفَّ الصَّاعُ! ليس لابنِ البيضاء على ابنِ السوداء فضل).

أيْ أنْ لا يتصوَّر البِّيض أنَّهم أفضل مِن السود، بلْ إنَّ جميعهم مُتساوون وأفضلهم مَن اتَّصف بالإنسانيَّة والعلم والتقوى، وسار في طريق الفضائل لنيل الكمال اللائق به (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج٢.

٢٧٤

مشورةٌ في وقتها

خالد البرمكي كان مِن أصحاب الرأي والمَشورة، وربطته مع قحطبة عَلاقات اجتماعيَّة. وقد استفاد قحطبة، خلال أيَّام حُكمه، مِن الآراء والأفكار الصائبة لخالد، ومنها:

عندما وصلت الأنباء عن استعداد ابن ضبارة لقتال قحطبة، وأنَّ جيشه عبر الحدود ودخل أراضي قحطبة، تلقَّى الأخير هذه الأنباء بقَلقٍ شديدٍ، فجهَّز خمسين ألف فارس تجهيزاً كاملاً، وتحرَّك حتَّى وصل قُرب الحدود، ولكنَّه لم يجد أثراً لجيش العدوِّ، فاطمأنَّ وأمر جنوده بالاستراحةِ في أرضٍ واسعةٍ مكشوفةٍ، وعزم على البقاء في تلك المنطقة عِدَّة أيَّام.

يقول خالد: ذات ليلة كنت جالساً في خيمتي، فإذا بغزال يُسرع فجأة نحو الخيمة خائفاً مُضطرباً، فقام مَن كان موجوداً في الخيمة للإمساكِ بالغزال، فأمرتهم أنْ يكفُّوا عن الغزال ويُسرعوا لوضع السروج على الخيول ويستعدُّوا للقتال؛ لأنَّ العدوَّ قريب مِنَّا. وأسرعتُ إلى قحطبة وقلت له: أصدر أمرك إلى الجنود ليستعدُّوا؛ فابن ضبارة وجيشه يقتربون مِنَّا. أصدر أوامره، وخرج الجنود مِن الخِيم، وأعدُّوا الخيول واستعدُّوا للقتال، ولم يطل الأمر حتَّى وصل جيش ابن ضبارة، وكان جنودنا مُستعدِّين، وفاجأوا جيش العدوِّ وهجموا عليهم، واحتدم قتال شديد، فقُتِل ابن ضبارة، وكان الانتصار الكبير مِن نصيب جيش قحطبة.

بعد انتهاء القتال سألني قحطبة: مَن أخبرك بقدوم جيش العدوِّ؟!

قلت: لم يُخبرني أحد، ولكنَّني رأيت غزالاً خائفاً في الليل يركضُ داخلاً خيمتي، وكنت أعلم أنَّ الغزال الوحشي يخاف مِن الإنسان، ولكنَّه لا يقترب منه إلاَّ في الأوقات التي يحسُّ فيها بخطر، ثمَّ إنَّ الغزال لا يترك مكانه ولا يبتعد عن

٢٧٥

تلك المنطقة مُسرعاً في ظلام الليل، علمت أنَّ وراءه جيش كبير مُخيف يتحرَّك؛ ولذا التجأ إلينا مِن خوفه.

فتعجَّب قحطبة لذكاء خالد وسُرعة فَهمِهِ؛ فأثنى عليه كثيراً ومنحه الجوائز والعطايا وقرَّبَهُ إليه (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج٢.

٢٧٦

مَن يبخل بفضله يُستغَن عنه ويُذمَّ

كان هناك رجل قويٌّ حُكم منطقةً واسعةً مِن الهند، وكان مولعاً بجمع المال والثروة، مُعتقداً أنَّ الغِنى يعني القوَّة؛ ولذا يُحبُّ أنْ يسعى كثيراً ليزيد مِن ثروته، فيزيد بهذه الطريقة قُدرته وقوَّته.

كان لهذا الحاكم وزير عاقل وذكيٌّ مُخالف لطريقته، فكان يستغلُّ كلَّ فرصة تسنح لينصح الحاكم في أنْ يُعطي مِن ثروته للناس؛ ليكسب قلوبهم ويبعث فيهم السرور، ويجذب إلى نفسه الأنظار، فكان يقول له: ضَحِّ بشيءٍ مِن ثروتك؛ كي لا يتمرَّد عليك الجيش ويسوء حاله، فالمال لا يخلق الرجال ولكنْ بإمكان الرجل أنْ يحصل على الكثير مِن المال.

ورغم أنَّ الوزير عَلِم أنَّ الحاكم قد أغاظه تكرار نصحه، لكنَّه لم يكفَّ عن أداء واجبه واستمرَّ في تقديم نصائحه.

وذات يوم أصرَّ الوزير أكثر مِن الأيَّام السابقة على نصائحه، وبدون أنْ يُجيب الحاكم على الوزير أمر بإحضار قدح مِن العَسل، ثمَّ وضعه أمام الوزير، ولم يمضِ وقت طويل حتَّى اجتمع ذُباب كثير على العَسل، بعد أنْ شاهد الوزير ذلك طلب الإذن بالانصراف، وخرج مِن المجلس وهو يقول في نفسه: لقد عرفت ما يقصده الحاكم، فقد أراد إفهامي أنَّ الذهب كالعسل، فكما يجتمع الذُّباب على العسل، يجتمع الناس بوجود الذهب، ولهذا السبب بادرتُ إلى جمع الثروة.

وصبر الوزير حتَّى المساء، وعندما أرخى الليل سدوله مَلأ قدحاً بالعسل وأخذه إلى بيت الحاكم، وطلب اللقاء به لأمرٍ مُهمِّ، فَسُمِح له، ومَثُلَ أمام الحاكم ووضع قدح العسل أمامه على الأرض، وجلس هو على جانب في صمت وبما أنَّ الوقت كان ليلاً، لم تقترب ذُبابة واحدة مِن العسل، وبعد ساعةٍ تحدَّث الوزير

٢٧٧

وقال: أيُّها الحاكم الكبير، إنَّ الناس يأتون لأخذ الذهب عندما يُعطى لهم، تماماً مِثل الذُّباب عندما يجتمع على العسل في النهار، أمَّا في غير وقتهِ فلا يوجد مَن يهتمُّ بالذهب تماماً، مِثل هذا الليل المُظلم لا توجد ذُبابة واحدة تحطُّ على العسل.

اهتزَّ الحاكم بشِدَّة لكلام الوزير الذكي، وانتبه لنفسه، وما كان منه إلاَّ أنْ أثنى عليه واستحسنه، وشمله بعطفه وعنايته الخاصَّة. بعد ذلك سلك الحاكم أُسلوباً جديداً، إذ بدأ يبذل ثروته في سبيل رفاه الناس وتحسين معيشة جنوده وموظَّفيه، وهكذا اكتسب قلوب الناس ومحبَّتهم له (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج٢.

٢٧٨

التحرُّز عن الزَّلل والخطأ أمام الأعداء

كان هناك رجل يُدعى جميل يعمل كاتباً لسنواتٍ طويلة في بلاطِ الساسانيِّين، وقد أدرك عصر الإمام علي (عليه السلام)، وفي زمن خلافته (عليه السلام) كان جميل قد بلغ أرذل العمر وعندما عاد أمير المؤمنين (عليه السلام) مِن النهروان، وسأل عن حال جميل أخبروه أنَّه لا زال على قيد الحياة، فأمر بإحضاره، وعند مثوله بين يدي الإمام علي (عليه السلام)، وجده الإمامُ (عليه السلام) يحتفظ بذكائِهِ، ولم يفقد إلاَّ بصره فسأله (عليه السلام): (كيف ينبغي للإنسانِ - يا جميل - أنْ يكون؟).

قال: يجب أنْ يكون قليل الصديق كثير العدوِّ.

ـ (أحسنتَ يا جميل، فقد أجمع الناس على أنَّ كثرة الأصدقاء أولى).

فقال: ليس الأمر على ما ظنُّوا؛ فإنَّ الأصدقاء إذا كُلِّفوا السعي في حاجة الإنسان لم ينهضوا بها كما يجب وينبغي.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (قد امتحنت هذا فوجدته صواباً. فما منفعة كثرة الأعداء؟).

قال: إنَّ الأعداء إذا كثروا يكون الإنسان مُتحرِّزاً أنْ ينطق بما يؤاخَذ عليه، أو تبدر منه زَلَّة يؤاخَذ عليها، فيبقى على هذه الحالة سليماً مِن الخطايا والزَّلل. فاستحسن ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) (١) .

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج٢.

٢٧٩

كفرتْ بأنعُم الله فأذاقها لِبَاس الجُوع والخَوف

كانت الخيزران أُمُّ الهادي والرشيد في دارها المعروفة اليوم بأشناس، وعندها أُمَّهات أولاد الخُلفاء وغيرهنَّ مِن بنات بني هاشم، وهي على بساطٍ أرمنيٍّ وهُنَّ على نمارق أرمنيَّة، وزينب بنت سليمان بن علي أعلاهُنَّ مرتبة، فبينا هُنَّ كذلك إذ دخل خادم لها فقال:

بالباب امرأة ذات حُسنٍ وجَمال في أطمار رَثَّةٍ، تأبى أنْ تُخبر باسمها وشأنها غيركنَّ، وتروم الدخول عليكنَّ، وقد كان المهدي تقدَّم إلى الخيزران بأنْ تَلزم زينب بنت سليمان بن علي، وقال لها: اقتبسي مِن آدابها، وخُذي مِن أخلاقها؛ فإنَّها عجوز لنا قد أدركت أوائلنا، فقالت الخيزران للخادم: ائذَن لها، فدخلت امرأة ذات بَهاء وجَمال في أطمار رَثَّةٍ، فتكلَّمت فأوضحت عن بيان، قالوا لها: مَن أنت؟ قالت: أنا مُزنَة امرأة مروان بن محمد، وقد أصارني الدهر إلى ما تَرَيْنَ. ووالله، ما لأطمار الرثَّة التي عليَّ إلاَّ عارية، وإنَّكم لمَّا غلبتمونا على هذا الأمر وصار لكم دوننا، لم نأمَن مِن مُخالطة العامَّة على ما نحن فيه مِن الضرر على بادرة إلينا ذيل موضع الشرف، فقصدناكم لنكون في حِجابكم على أيَّة حالة كانت، حتَّى تأتي دعوة مِن له الدعوة، فاغرورقت عَيْنَا الخيزران ونظرت إليها زينب بنت سليمان بن علي، فقالت لها: لا خفّف الله عنك يا مزنة، أتذكرين وقد دخلت عليك بحرَّان وأنت على هذا البساط بعينه، ونساء قرابتكم على هذه النمارق، فكلَّمتك في جثّة إبراهيم الإمام، فانتهرتيني وأمرت بإخراجي، وقلت: ما للنساء والدخول على الرجال في آرائهم؟! فوالله، لقد كان مروان أرعى للحَقِّ منك؛ لقد دخلت إليه فحلف أنَّه ما قتله، وهو كاذب، وخيَّرني بين أنْ يدفنه أو يدفع إليَّ جُثَّته وعرض عليَّ مالاً فلم أقبله.

فقالت مزنة: والله، ما نظنُّ هذا الحالة أدَّتني إلى ما ترينه إلاّ بالفِعال التي كانت منِّي وكأنَّكِ استحسنتِه، فحرَّضت الخيزران على فعل مثله، إنَّما كان يجب أنْ تُحضيها على فعل الخير

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421