القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 360222 / تحميل: 10451
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وترك المُقابلة بالشَّرِّ؛ لتحرز بذلك نعيمها، وتصون بها دينها؛ ثمَّ قالت لزينب: يا بنت عم، كيف رأيت صنيع الله بنا في العقوق فأحببت التأسيِّ بنا. ثمَّ ولَّت باكية وكرهت الخيزران أنْ تُخالف زينب فيها فغمزت الخيزران بعض جواريها، فعدلت بها إلى بعض المقاصير، وأمرت بتغيير حالها والإحسان إليها، فلمَّا دخل المهدي عليها. وقد انصرفت زينب - وكان مِن شأنه الاجتماع مع خواصِّ حرمه في كلِّ عَشيَّة - قصَّت عليه الخيزران قِصَّتها، وما أمرت به مِن تغيير حالها، فدعا بالجارية التي ردَّتها، فقال لها: لمَّا رددتيها إلى المقصورة ما الذي سمعتيها تقول؟ قالت: لحقتها في المَمرِّ الفُلانيِّ وهي تبكي في خروجها مؤتسية، وهي تقرأ ( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ) ، ثمَّ قال للخيزران: والله والله، لو لم تفعلي بها ما فعلت ما كلَّمتك أبداً، وبكى بُكاءً كثيراً، وقال: اللَّهمَّ، إنِّي أعوذ بك مِن زوال النعمة. وأنكر فعل زينب، وقال: لولا أنَّها أكبر نسائنا لحلفت ألا أُكلِّمها. ثمَّ بعث إليها بعض الجواري إلى مقصورتها التي أُخليت لها، وقال للجارية: اقرئي عليها السّلام منِّي، وقولي لها: يا بنت عَمِّ، إن أخواتك قد اجتمعنَ عندي، ولولا أنَّي أغمك لجئناك؛ فلمَّا سمعت الرسالة علمت مُراد المهدي؛ وقد حضرت زينب بنت سليمان؛ فجاءت مزنة تسحب أذيالها؛ فأمرها بالجلوس، ورحَّب بها واستدناها، ورفع منزلتها فوق منزلة زينب بنت سليمان بن علي، ثمَّ تفاوضوا أخبار أسلافهم، وأيَّام الناس، والدول وتنقُّلها، فما تركت لأحد في المجلس كلاماً، فقال لها المهدي: يا بنت عم، والله، لولا أنِّي لا أُحبُّ أنْ أجعل لقوم أنت منهم مِن أمرنا شيئاً لتزوَّجتك، ولكنْ لا شيء أصون لك مِن حِجابي، وكونك مع أخواتي في قصري: لك ما لهنَّ، وعليك ما عليهنَّ، إلى أنْ يأتيك أمر مَن له الأمر فيما حَكم به على الخَلق، ثمَّ أقطعها مِثل ما لهنَّ مِن الإقطاع وأخدمها وأجازها، فأقامت في قصره إلى أنْ قُبِض المهدي وأيَّام الهادي وصدراً مِن أيَّام

٢٨١

الرشيد، وماتت في خلافته، لا يُفرَّق بينها وبين نساء بني هاشم وخواصِّ حرائرهم وجواريهم، فلمَّا قُبِضت جزع الرشيد والحَرم جزعاً شديداً.

لقد كانت مزنة في ذلك اليوم امرأة شابَّة تعيسة ومهزومة، بينما كانت زينب سيِّدة مُسنَّة ذات قُدرة ومكانة، وكانت مكارم الأخلاق والسجايا الإنسانيَّة تستوجب على زينب أنْ تُلاطفها وتحميها، أو على الأقل تسكت في هذا الوضع الحسَّاس، ولا تكون حَجر عَثرة يمنع الآخرين مِن إبراز مَحبَّتهم وعطفهم، لا أنْ تسعى للانتقام مِن خِلال ذكر حادثة مؤلمة، وتُحطِّم قلبها أكثر فأكثر، وبدل مُساعدتها تسعى لسحقها. لقد ارتكبت زينب المُسنَّة هذا الخطأ الكبير؛ فسقطت مِن عَليائها بعمل غير إنسانيٍّ، وفقدت قيمتها وأهميَّتها في عائلة العباسيِّين (١).

____________________

(١) الشيوخ والشباب، ج٢.

٢٨٢

طلب العلم مِن المَهد إلى اللَّحد

في الماضي والحاضر هناك الكثير مِن المُسنِّين المسلمين، مِن العلماء أو الأشخاص العاديِّين، الذين صرفوا مرحلة الشيخوخة في سبيل التكامُل الروحي، والسموِّ المعنويِّ لتأمين السعادة الأبديَّة عِبر العلم وأداء الفرائض والسُّنَن الإلهيَّة.

وقع العالم المشهور أبو ريحان البيروني طريح الفراش في ساعات عمره الأخيرة، وجاءه الفقيه أبو الحسن علي بن عيسى لعيادته، وبينما هو في تلك الحال سأل الفقيه عن مسألة فقال له الفقيه: أتسأل وأنت في هذا الحال؟!

فقال البيروني: يا رجل، قل لي: أيُّهما أفضل، أنْ أعرف هذه المسألة وأموت، أمْ أنْ أموت جاهلاً بها؟

قال الفقيه: ذكرت له المسألة وخرجت ولم أبتعد كثيراً حتَّى سمعت صوت البُكاء يتعالى مِن بيت أبي ريحان (١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٨٣

ما الموت إلاَّ قَنطرةً

قال علي بن الحسين (عليه السلام):

(لمَّا اشتدَّ الأمر بالحسين (عليه السلام) نظر إليه مَن كان معه... وكان الحسين (عليه السلام) وبعض مَن معه مِن خصائصه تُشرق ألوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعضٍ: انظروا لا يُبالي بالموت!

فقال لهم الحسين (عليه السلام):

صبراً بني الكرام! فما الموت إلاَّ قنطرةٌ يعبر بكم عن البؤس والضرَّاء إلى الجِنان الواسعة والنعيم الدائمة).

٢٨٤

السرور بلقاء الله

كان حبيب بن مظاهر الأسدي مِن المؤمنين ومِن الأصحاب الأوفياء للإمام الحسين (عليه السلام) وقد نال شرف الشهادة يوم عاشوراء. عندما كان هذا الشيخ الكبير يستعدُّ لمُنازلة الأعداء والخروج إلى ميدان القتال كان يبتسم.

فقال له يزيد بن حصين الهمداني - وكان أكبر قُرَّاء القرآن ـ: يا أخي، ليست هذه ساعة ابتسام!

قال: فأيُّ موضع أحقُّ مِن هذا بالسرور؟!

والله، ما هو إلاَّ أنْ تميل علينا هذه الطُّغاة بسيوفهم فنُعانق الحُور العين، ونذهب إلى مقرِّنا الأبديِّ عند الله سبحانه وتعالى (١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٨٥

لا يجتمع الشَّراب مع العقل

كان المأمون العباسي، وبهدف الدراسة والتحقيق في المسائل العلميَّة، يعقد مَحفلاً للعلماء في يوم مِن أيَّام الأسبوع. وكان يُحتِّم على العلماء أنْ يجتمعوا في ذلك اليوم أمام الخليفة، كما كان يسمح لعلماء الولايات بالحضور أيضاً.

وفي يوم مِن أيَّام انعقاد هذا المجلس بحضور المأمون، دخل رجل ذو ثياب رَثَّة وجلس في نهاية صَفِّ الحاضرين، فأُلقيت مسألة في المجلس أجاب عليها ذلك الرجل إجابةً كاملة، بحيث اتَّجهت إليه الأنظار واستحسنه جميع العلماء، فأمر المأمون باستقدامه وإجلاسه في مُقدَّمة صفوف العلماء، وطُرِحت مسألة أُخرى أجاب عليها ذلك الرجل أفضل إجابة، فأمر الخليفة أنْ يُقدِّموه ويُجلسوه بالقُرب منه.

بعد ساعة انفضَّ المجلس وأخذ العلماء يُغادرون المكان، فنهض الرجل الفقير وتهيَّأ للذهاب، فأمره الخليفة بالبقاء. ولم يمضِ وقت طويل حتَّى جيء بالشراب وبدأ السُّقاة بتوزيعه، فبان القَلق على وجه الرجل العالم لمُشاهدة ذلك، فنهض وطلب الإذن بالانصراف وقال: إنَّني جِئت اليوم بحالة الفَقر والرِّداء القديم للمُشاركة في مجلس العلماء، وقد أوصلني عقلي القاصر مِن آخر المجلس إلى صفوف الكبار، وأجلسني إلى جوار الخليفة، فليس مِن اللائق أنْ أشرب الشراب، وأفقد عَقلي الذي رفع مقامي، ثمَّ إنَّني أخشى أنْ يُفقدني السُّكْر عِنان نفسي، وأرتكب عملاً غير مُناسب وأُصبح موضع تحقير أمام خليفة المسلمين. وسمع المأمون حديث الرجل العالم فأعفاه مِن الاشتراك في المجلس وأمر بمَنحه مئة ألف درهم (١) .

____________________

(١) كتاب آية الكرسي.

٢٨٦

لا إله إلاَّ الله حِصني

حين وافى الإمام أبو الحسن الرضا (عليه السلام) نيسابور، وأراد أنْ يرحل منها إلى المأمون، اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا: يا بن رسول الله، ترحل عنَّا ولا تُحدِّثنا بحديث نستفيده منك! وكان قد قعد في العماريَّة، فأطلع رأسه وقال:

(سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله عَزَّ وجَلَّ يقول:

(لا إله إلا الله حِصني؛ فمَن دخل حِصني أَمِنَ مِن عذابي).

فلمَّا تحرَّكت الراحلة، نادى:

(بشروطها، وأنا مِن شروطها) (١) .

____________________

(١) كتاب آية الكرسي.

٢٨٧

لا نسجد إلا لله عَزَّ وجَلَّ

قبل أنْ يُهاجر الرسول الكريم مِن مَكَّة، كان ضغط المُشركين الشديد على المسلمين قد جعل حياتهم مُرَّة لا تُطاق. فهاجر فريق منهم بموافقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحبشة لاجئين؛ لكي يأمنوا بعض الوقت مِن كلِّ ذاك الضغط وتلك الشِّدَّة.

فبعث المُشركون بعمارة بن الوليد، وعمرو بن العاص إلى الحبشة، مُحمَّلين بهدايا كثيرة لكي يُعيدوا المُهاجرين إلى مَكَّة فيستأنفوا تعذيبهم.

وصل الرجلان إلى الحبشة ووزَّعا الهدايا على حاشية المَلك، كما قدَّما للملك هدية تُليق به، وطلبا منه أنْ يأمر اللاجئين بالعودة إلى بلادهم.

كان النجاشي - ملك الحبشة - رجلاً حكيماً، فرفض تسليم المُهاجرين إلى المُشركين قبل أنْ يُحقِّق في أمرهم قائلاً: إنَّهم قد قصدوني مِن دون الآخرين. فلا بُدَّ أنْ أُقابلهم بنفسي، وأستمع إلى ما يقولون، وأتعرَّف على طِراز تفكيرهم، ومِن ثمَّ أُقرِّر ما أرى.

وأمر بالمُهاجرين فأحضروا بين يديه.

كان الارتماء على الأرض والسجود يُعتبَر غاية الخضوع والانكسار أمام الملك. غير أنَّ مدرسة الإسلام كانت قد علَّمت أتباعها في كلمة التوحيد درس العِزَّة والكرامة، وأفهمتهم أنَّ السجود لا يكون إلاَّ في حضرة الله تعالى، الذي هو خالق العالم ومالك كلِّ شيء في عالم الوجود، وأنَّ الإنسان المسلم ليس له أنْ يسجد لغير الله، ولا أنْ يُساوم على جوهرة الإيمان الثمينة وعِزَّة نفسه مَهْما تكُن الظروف.

٢٨٨

سُئل أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): أيصلح السجود لغير الله تعالى؟ قال: (لا).

قيل: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟!

فقال: (إنّ مَن سَجَدَ بأمر الله فقد سجد لله فكأنَّ سجوده لله؛ إذ كان عن أمر الله تعالى).

وكان يومئذ مِن الرسوم المالوفة أنْ يسجد للنجَّاشي كلُّ مَن يدخل عليه، كدليل على تذلُّل وخُضوعه له. وقد شقَّ ذلك على المُهاجرين؛ إذ كان السجود للنجّاشي يتعارض والحُرِّيَّة الإسلاميَّة، ويُناقض المبدأ الذي تقوم عليه كلمة التوحيد، كما أنَّ الامتناع عن السجود كان يُمكن أنْ يُثير غضب النجّاشي فيأمر بطردهم مِن البلاد، فكانت حياتهم بذلك تتعرَّض للخطر أو يتعرَّضون للانتقام والتعذيب على أيدي المُشركين. وهكذا كانوا على مُفترق طريقين، وكان عليهم أنْ يتَّخذوا القَرار فوراً. لقد كان الإيمان بالله وبالتوحد على درجة مِن الرسوخ والعُمق في نفوسهم بحيث إنَّهم قرَّروا عدم السجود للنجّاشي، وليكُن ما يكون بعد ذلك.

يقول جعفر الطيَّار - أحد هؤلاء المُهاجرين ـ:

دخلنا مجلس النجّاشي ولم نسجد، فقال مَن حضره: ما لكم لا تسجدون للملك؟

قلنا: لا نسجد إلاَّ لله عَزَّ وجَلَّ (١).

____________________

(١) كتاب آية الكرسي.

٢٨٩

لا أفعل هذا أبداً ولا أسجد لغير الله

مِثل هذا وقع لدحية الكلبي في بلاد الروم. فقد بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أواخر أيَّامه برسائل إلى عدد مِن مُلوك الدول، كان منهم القيصر - ملك الروم - يدعوهم إلى الإسلام، فحمل كلَّ رسالة منها رسولٌ خاصٌّ لإيصاله. ووقع اختيار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على دحية الكلبي ليحمل رسالته للقيصر، وكان دحية مِن المؤمنين الذين تربُّوا في مدرسة الإسلام على هُدى كلمة التوحيد. فرحل حتَّى وصل عاصمة ملك الرُّوم.

فقال قوم مُلك الروم لدحية: إذا رأيت الملك فاسجد له، ثمَّ لا ترفع رأسك حتَّى يأذن لك.

قال دحية: لا أفعل هذا أبداً ولا أسجد لغير الله.

لقد أصبحت هذه الجُرأة والحُرِّيَّة مِن نصيب المسلمين في مدرسة الإسلام، وهي كلَّها مِن بركة الإيمان بالله والتوكُّل على قُدرة الله غير المحدودة (١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٩٠

لو كان عبداً لأطاع مولاه

بشر بن الحارث الحافي، مِن أهالي مَرْو، كان قد أمضى شَطراً مِن عُمره في المعصية والانغماس في الشهوات غير المشروعة. في أحد الأيَّام مَرَّ الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في الزقاق الذي تقع فيه دار بشر هذا، فاتَّفق أنْ فُتح الباب وخرجت منه إحدى جواري بشر، فرأت الإمام وعرفته. وكان الإمام يعرف أنَّ هذه هي دار بشر، فسأل الجارية عن سيِّدها هل هو حُرٍّ أم عبد؟ فقالت: إنَّه حُرٌّ.

قال: (صحيح ما تقولين؛ إذ لو كان عبداً لوفَّى بشروط العبوديَّة وأطاع مولاه).

قال الإمام ذلك واستأنف السير في طريقه، فعادت الجارية إلى الدار ونقلت إلى سيِّدها ما قاله الإمام، فاضطربت حال بشر وثارت في داخله عاصفة مِن الانفعالات، وأسرع بالخروج مِن الدار يطلب الإمام حتَّى أدركه، وتاب على يديه، وهَجر ما كان يرتكبه مِن آثام، واتَّخذ طريق الله وإطاعته. وعندما خرج للِّحاق بالإمام كان حافي القدمين؛ لذلك ظلَّ منذ ذلك اليوم وحتَّى نهاية عُمره حافياً، إحياءً لذكرى تلك اللحظة واحتراماً للقائه بالإمام، واحتفاءً بعودته إلى الصراط المُستقيم، فعرف بـ (بشر الحافي) بعد ذاك (١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٩١

أين مُكوكبها؟

خرج أعرابي بالليل فإذا بجارية جميلة فراودها عن نفسها، فقالت:

أما لك زاجر مِن عقلك إذا لم يكُن لك واعِظ مِن دينك؟!

فقال: والله، ما يرانا إلاَّ الكواكب.

فأخجله كلامها، فقال لها: إنما كنت مازح.

إنَّ كلام هذه المرأة المسلمة الطاهر الصريح يُبيِّن هذه الحقيقة، وهي كيف أنَّ الإيمان بالله وبإحاطة علمه هو الضمان لتنفيذ القانون الإلهي، بحيث يستطيع أنْ يمنع الإنسان المؤمن مِن ارتكاب عملٍ منافٍ للعِفَّة، حتَّى في ليلة ظلماء وفي صحراء خالية (١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٩٢

أبو ذر يعيش وحيداً ويموت وحيداً

كان أبو ذر الغفاري يقضي ساعات آخر عُمره في صحراء الرَّبذة، وكانت زوجته تبكي عنده فسألها أبو ذر:

ما يبكيك؟!.

فقالت: ستموت وحيداً في هذه الصحراء، فماذا أصنع بجُثَّتك؟! وأنّى لي ما أُكفِّنك به؟!

فقال لها أبو ذر: لا تبكي، فإنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم - وأنا عنده في نَفر - يقول: (ليَموتَنَّ رجلٌ منكم بفلاةٍ مِن الأرض تشهده عِصابةٌ مِن المؤمنين).

ثمَّ قال لها: إنَّ جميع مَن حضروا ذلك المجلس قد ماتوا وهم في الحاضرة بين أهاليهم، ولم يبقَ منهم سواي، وها أنا أموت في فَلاة. فانظري إلى الطريق وسوف ترين صدق ما أخبرتك به.

فقالت زوجته: كيف يُمكن أنْ يمرَّ أُناس في هذه الصحراء، وقد انتهى موسم الحَجِّ؟!

فقال لها أبو ذر: لم أكذِّبك الخبر أبداً. راقبي الطريق. ثمَّ أسلم الروح.

وما انقضت ساعة حتَّى ظهرت قافلة وتقدَّمت إلى صحراء الربذة، وقد كان فيها مالك بن الأشتر، فأخبرتهم زوجة أبي ذر بموت زوجها، فترحَّم عليه الجميع آسفين، ولكنَّهم فرحوا للتوفيق الذي نالوه بتجهيز أحد أولياء الله ودفنه فغسَّلوه وكفَّنوه، ووقف الجميع بإمامة مالك بن الأشتر يُصلُّون عليه ثمَّ دفنوه (١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٩٣

عمَّار تقتله الفئة الباغية

كان عمّار بن ياسر مِن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد تحمَّل بعد إسلامه الكثير مِن العذاب على أيدي المُشركين.

وفي حرب صِفِّين كان عمّار بين صفوف وجند أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونال الشهادة في تلك الحرب. كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته قد أخبر خبرين غيبيَّين عن عمّار، وبعد مضيِّ سوات طويلة تحقَّق الخبران.

الأول: هو أنَّه قال:

(إنَّ عمّاراً سوف تقتله الفئة الباغية).

وكان هذا الخبر قد سمعه أُناس كثيرون مِن النبي مُباشرة، أو مِمَّن سمعه مِن النبي الكريم، حتَّى إنَّ بعضهم اتَّخذ مِن ذلك وسيلة للتمييز بين أتباع الحَقِّ وأتباع الباطل في حرب صِفِّين.

شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسُلُّ سيفاً. وشهد صِفِّين ولم يُقاتل، وقال: لا أُقاتل حتَّى يُقتل عمّار فأنظر مَن يقتله؛ فإنِّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (... تقتله الفئة الباغية).

فلمَّا قُتل عمّار قال خزيمة: ظهرت لي الضلالة. ثمَّ ندم وقاتل حتَّى قُتِل.

قال عمّار بن ياسر يوم صِفِّين: ائتوني بشربةٍ، فأُتي بشربة لبن فقال: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (آخر شربة تشربها مِن الدنيا شربة لبن) (١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٩٤

تأويل خُطبة الإمام عليٍّ (عليه السلام) المعروفة بالزوراء

نقل العلاَّمة الحلِّي (رضوان الله عليه) عن أبيه أنَّه قال: إنَّ ما منع أهل الكوفة والحلَّة وكربلاء والنجف أنْ يُقتلوا قَتلاً عامَّاً في فتنة المغول، ونجوا مِن هُجوم جنود هولاكو عليهم؛ هو أنَّه عندما وصل هولاكو إلى خارج بغداد، وقبل أنْ يفتحها، كان أكثر أهل الحلَّة قد دفعهم الخوف إلى ترك منازلهم واللجوء إلى البطاح، ولم يبقَ فيهم في المدينة إلاَّ القليل، كان منهم أبي، والسيِّد ابن طاوس، والفقيه ابن أبي العِزِّ. فقرَّر هؤلاء الثلاثة أنْ يكتبوا رسالة إلى هولاكو يُعلنون فيها إطاعتهم له.

كتبوا الرسالة وبعثوا بها مع شخصٍ غير عربيٍّ. وعند وصول الرسالة إلى هولاكو أصدر أمراً بأسمائهم وأرسله مع شخصين هما (نكله)، و(علاء الدين) وأوصاهما بأنْ يقولا لكاتبي الرسالة: إذا كان ما كتبتموه مِن صميم القلب، وأنَّ ما في قلوبكم يُطابق ما في رسالتكم، فاقدموا علينا.

جاء مبعوثا هولاكو إلى الحلَّة وأبلغا رسالة هولاكو إلى الثلاثة. إلاَّ أنَّهم شعروا بالخوف مِن لُقيا هولاكو؛ لأنَّهم لم يكونوا يعرفون عاقبة الأمر. فقال أبي للمبعوثين: ألا يكفي أنْ أذهب أنا وحدي إلى هولاكو؟ قالا: بلى، فسافر مع المبعوثيَن. ولم تكن بغداد قد فُتحت بعد، ولم يكن الخليفة العبَّاسي قد قُتل. وعندما وصل أبي إلى هولاكو سأله هذا: كيف بادرتم إلى مُكاتبتي؟ وكيف جئتني قبل أنْ تدري نتيجة الأمر بيني وبين الخليفة؟ أنَّى لكم الثقة بأنَّ الأمر بيني وبين الخليفة لا يؤدِّي إلى التصالح وأنِّي لن أتركه؟

فقال له أبي: كتابة الرسالة إليك ومُثولي بين يديك إنَّما كانا للرواية التي وصلتنا مِن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

٢٩٥

قال في خطبة الزوراء:

(... وما أدراك ما الزَّوراء! أرض ذات أثلٍ، يشتدُّ فيها البُّنيان، وتكثر فيها السكَّان، ويكون فيها مخادم وخزَّان، يتَّخذها وُلد العباس موطناً، ولزخُرفهم مسكناً، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائر، والخوف المُخيف، والأئمَّة الفَجرة، والأُمراء الفسقة، والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه، ولا يتناهون عن مُنكرٍ إذا نكروه، تكتفي الرّجال منهم بالرجال، والنّساء بالنّساء، فعند ذلك الغمِّ العميم، والبُكاء الطويل، والويل لأهل الزّوراء مِن سطوات التُّرك، وهُمْ قومٌ صغار الحدق، وجوههم كالمَجانِّ المُطوَّقة، لباسهم الحديد، جردٌ مُردٌ، يَقدمهم ملكٌ يأتي مِن حيث بدا مُلكهم، جهوريٌّ الصَّوت، قويُّ الصّولة، عالي الهِمَّة، لا يمرُّ بمدينةٍ إلاّ فتحها، ولا تُرفع عليه رايةً إلاّ نكسها، الويل الويل لمَن ناوأه فلا يزال كذلك حتَّى يظفر).

بعد أنْ قرأ والد العلاَّمة الحلِّي الخُطبة قال لهولاكو: إنَّ الأوصاف التي ذكرها عليٌّ (عليه السلام) في الخُطبة نراها جميعاً فيك؛ ولهذا كتبنا الرسالة وسعيت إليك. فتقبَّل هولاكو آراءهم بحسن القَبول، وكتب له أمراً جعل فيه أهل الحلَّة موضع رعايته.

ولم يمضِ طويل وقت حتَّى فتح هولاكو بغداد وقتل المُستعصم، آخر خُلفاء بني العبَّاس. وحسبما يقول البستاني في دائرة معارفه: بأنَّه قَتَل في هذا الحدث الدمويِّ أكثر مِن مليوني شخصٍ، ونُهبت أموال كثيرة، وأُحرقت دور كثيرة. واتَّضح أخيراً أنَّ عُلماء الحلَّة الثلاثة كانوا قد فهموا خُطبة علي (عليه السلام) على حقيقتها وطبَّقوها على هولاكو وجنوده، فكان تمييزهم الصحيح وكتابتهم الرسالة في الوقت المُناسب قد أنقذوا أرواح أهل الحلَّة والكوفة والنجف وكربلاء مِن موت مُحقَّق، فنجوا مِن مذبحة جماعيَّة (١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٩٦

لم يُقدَّم إلا بما عُهِد إليه فيه

غرفة الأزدي، يُقال له: (صحبة)، وهو مِن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، ومِن أصحاب الصُّفَّة

، وهو الذي دعا له النبي (صلى الله عليه وآله) أنْ يُبارك له الله في صفقته، قال: دخلني شَكٌّ مِن شأن عليٍّ، فخرجت معه على شاطئ الفرات، فعدل عن الطريق ووقف ووقفنا حوله، فقال:

(هذا موضع رواحلهم، ومَناخ ركابهم، ومهراق دمائهم، بأبي مَن لا ناصر له في الأرض ولا في السّماء إلاّ الله!).

فلمَّا قُتِل الحسين (عليه السلام) خرجت حتَّى أتيت المكان الذي قُتِلوا فيه، فإذا هو كما قال، ما أخطأ شيئاً.

قال: فاستغفرت الله مِمَّا كان مِن الشَّكِّ، وعلمت أنَّ عليَّاً (رضي الله عنه) لم يُقدَّم إلا بما عُهِد إليه فيه) (١) .

____________________

(١) المصدر السابق.

٢٩٧

مِثالان لخُلق الإنسان الكريم

في حرب اليرموك كان عدد مِن الجنود المسلمين يتقدَّمون إلى ميدان المُبارزة، وبعد بِضع ساعات مِن مُجالدة العدوِّ، يُقتل بعضهم، ويعود بعضهم سالمين أو مجروحين، ويبقى آخرون مُثقلين بالجراح مطروحين على أرض المعركة.

عن حذيفة العدوي أنَّه قال: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمٍّ لي بين القتلى ومعي شيء مِن الماء، وأنا أقول: إنْ كان به رمق سقيته، فإذا أنا به بين القتلى، فقلت: أسقيك؟

فأشار إليَّ أنْ: نعم.

فإذا برجل يقول: آه! فأشار إليَّ ابن عَمِّي أنْ: انطلق إليه واسقِه، فإذا هو هشام بن العاص.

فقلت: أسقيك؟

فأشار إليَّ أنْ: نعم، فسمع آخر يقول: آه! فأشار إليَّ أنْ: انطلق إليه.

فجئته فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمِّي فإذا هو قد مات.

لم يكُن شرب الماء أو عدم شربه ذا تأثير في حياة هؤلاء الجنود الثلاثة وموتهم؛ لأنَّ جراحهم كانت عميقة، والدماء التي نزفت منهم كانت قد اقتربت بهم مِن الموت، ولم يكُن ثَمَّة أملٍ في بقائهم أحياءً.

ولكنَّ العِبرة اللافتة للانتباه في هذه الحكاية التاريخيَّة والجديرة بالتمجيد، هي الأخلاق الكريمة التي تحلَّى بها هذان الجُنديَّان المسلمان في إيثار غيرهما بشرب الماء، على الرَّغم مِن عطشهما ونزف الدَّم منهما، فعاشا حتَّى آخر لحظات حياتهما إنسانين، وفارقا الدنيا وهما مِثالان لخُلق الإنسان الكريم (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٢٩٨

اُلامُ على السخاء وإنَّ هذا لأسخى مِنِّي!

خرج عبد الله بن جعفر يوماً إلى ضيعة له، فنزل على حائط به نخيل لقوم، وفيه غُلام أسود يقوم عليه، فأتى بقوته ثلاثة أقراص، فدخل كلب، فدنا مِن الغُلام، فرمى إليه بقُرص فأكله، ثمَّ رمى بالثاني والثالث فأكلهما، وعبد الله ينظر إليه، فقال: يا غُلام، كمْ قوتُك في اليوم؟

قال: ما رأيت.

قال: فلِمَ آثرت هذا الكلب؟

قال: أرضنا ما هي بأرض كلاب، وإنَّه جاء مِن مسافة بعيدة جائعاً، فكرهت أنْ أرُدَّه.

قال: فما أنت صانع اليوم؟

قال: أطوي يومي هذا.

فقال عبد الله بن جعفر: أُلامُ على السخاء وإنَّ هذا لأسخى مِنِّي.

فاشترى الحائط وما فيه مِن النخيل والآلات، واشترى الغُلام ثمَّ أعتقه ووهب له الحائط بما فيه.

٢٩٩

أعتق مِن العبيد

بقدر ما قتلت مِن بناتك

كان قيس بن عاصم في الجاهليَّة، مِن رؤساء القبائل وأشرافها، أسلم بعد ظهور الإسلام، سعى في أواخر عمره إلى نيل المغفرة مِن الله تعالى على ما كان قد ارتكب مِن آثام، فحضر مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال:

في الماضي، دفعت الجاهليَّة الآباء إلى أنْ يدفنوا بأيديهم بناتهم البريئات وهُنَّ أحياء، وقمتُ أنا نفسي بوأد اثنتي عشرة مِن بناتي، في فترات مُتقاربة، أمَّا الثالثة عشرة فقد وضعتها زوجتي في الخفاء وأظهرت لي أنَّ الوليد نزل ميِّتاً، بينما أرسلت البنت إلى أهلها دون علمي.

مضت السنون حتَّى اتَّفق يوماً أني كنت عائداً مِن رحلة لي، فوجدت صبيَّة صغيرة في داري وإذا لاحظت شبهها الشديد بأولادي، راودني الشكُّ فيها.

وأخيراً علمت أنَّها ابنتي فأخذت بيد البنت وهي تصرخ باكية، وجرجرتها إلى مكانٍ بعيد، دون أنْ ألتفت إلى توسُّلاتها، والعهد الذي قطعته على نفسها بأنَّها سوف تعود إلى أخوالها، ولن تجلس على مائدتي أبداً، ولكنْ مع ذلك دفنتها حيَّة.

سكت قيس ينتظر جواباً.

كانت الدموع تنهمر مِن عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول هامساً:

(مَنْ لا يَرحم لا يُرحَم).

ثمَّ التفت إلى قيس وقال: (ينتظرك يوم سيّئٌ).

فسأله قيس: ماذا أفعل لأخُفِّف مِن آثامي؟

قال النبي: (أعتق مِن العبيد بقدر ما قتلت مِن بناتك) (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٠٠

٦

الشفاعة في الأدب العربي

لم يكن شعر السلف الصالح مجرد ألفاظ مسبوكة في بوتقة النظم، أو كلمات منضّدة على أسلاك القريض فحسب، بل كان شعرهم حافلاً بالأبحاث الراقية من المعارف المستقاة من الكتاب والسنّة وشاملاً لدروس عالية من الفلسفة والعبر والموعظة الحسنة والأخلاق(١) .

كما أنّ الشعر يؤرّخ الأحداث أصدق تاريخ، ويخلد الوقائع أبعد تخليد، ألست عندما تسمع أحداً ينشد قول الأنصار عند طلوع النبي في هجرته إلى المدينة :

طلع البدر علينا

من ثنيّات الوداع

تتذكر قدوم الرسول وهجرته من دار موطنه إلى دار هجرته، وتلك الحفاوة الجماهيرية البالغة، وذلك الاحتفال العظيم بشكل لا يمكن أن تصوره الكلمات المبعثرة المنثورة.

على أنّ الشعر الذي يدور حول المعارف الموجودة في الكتاب والسنّة خير مرآة للمراد من الآيات والأحاديث الواردة في هذا المضمار، فإنّ العرب كانوا بفطرتهم السليمة يفهمون ما هو المقصود من الآية والحديث، ثم يصوغونه في

__________________

(١) اقتباس من ما ذكره العلّامة المحقق الأميني في غديره: ٢ / ٣.

٣٠١

شعرهم من دون أن يتأثروا في فهمه بالآراء المسبقة أو الأفكار المفروضة عليهم، مثلاً اتفق المؤرخون على أنّ النبي الأكرم قام في يوم الغدير وألقى خطابه في ذلك المحتشد، وقال في حق عليعليه‌السلام :

« من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه » ولكن المتأخرين عن زمن الرسالة اختلفوا فيما يقصده النبي من تلك الجملة في هذا المحتشد العام، ولكن إذا رجعنا إلى ما صاغه حسان بن ثابت شاعر عهد الرسالة حول هذا الموضوع وكان حاضراً في ذلك المشهد، يتجلّى مفاد الحديث بأجلى مظاهره، ويصير شعره مرآة اللغة، وقرينة على المراد فإنّه قام ـ بعد ما ألقى النبي خطابه التاريخي ـ وألقى شعراً ارتجالياً في محضره وقال :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم واسمع بالنبيِّ مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبينا

ولم تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

ولأجل ذلك أفردنا فصلاً لذكر الآبيات الواردة حول الشفاعة التي نظمت في العهود السابقة، وبالتدبّر فيها يرتفع كثير من الإبهامات التي نسجتها أوهام المتأخرين حولها، ويُعلم أنّ الشفاعة كانت أمراً مسلماً عند السلف الصالح، وكان طلبها من أصحابها أمراً جائزاً رائجاً، ولا نأتي في هذا الفصل إلّا بقليل من كثير، فإنّ الإشباع وبسط الكلام لا تتحملهما هذه الرسالة.

٣٠٢

١. ونبدأ بما أنشأه عبد الله بن رواحة في محضر النبي ارتجالاً وقال :

انّي تفرست فيك الخير أعرفه

والله يعلم ان ما خانني البصرُ

أنت النبي ومن يحرم شفاعَته

يوم الحساب فقد أزْرَى به القدرُ

فثبَّتَ الله ما آتاك من حسن

تثبيتَ مُوسى ونَصْراً كالذي نصروا(١)

٢. قالت صفية بنت عبد المطلب في قصيدتها التي رثت بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :

ألا يا رسول الله أنت رجاؤنا

وكنت بنا برّاً ولم تك جافياً

والمقصود من قولها: أنت رجاؤنا كون النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرجو الشفاعة.

٣. قال الشاعر المفلق أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الملقب بالسيد المتوفّى عام ١٧٣ ه‍.

إنّي امرؤٌ حميريٌّ حين تنسبني

جدي رعين وأخوالي ذوو يزن

ثم الولاء الذي أرجو النجاة به

يوم القيامة للهادي أبي حسن(٢)

وقال :

على آل الرسول وأقربيه

سلام كلّما سجع الحمام

أليسوا في السماء وهم نجوم

وهم أعلام عز لا يرام

( إلى أن قال ) :

أُولئك في الجنان بهم مساغي

وجيرتي الخوامس والسلام(٣)

__________________

(١) الاستيعاب: ٣ / ٩٠٠.

(٢) ذكره المرزباني في معجم الشعراء كما في الغدير: ٢ / ٢١٠.

(٣) ذكره العلّامة الأربلي في كشف الغمة كما في الغدير: ٢ / ٢٢٨.

٣٠٣

وقال :

ان تسأليني بقومي تسألي رجلا

في ذروة العز من أحياء ذي يمن

حولي بها ذو كلاع في منازلها

وذو رعين وهمدان وذو يزن

إلى أن قال :

ثم الولاء الذي أرجو النجاة به

من كبّة النار للهادي أبي حسن(١)

وقال :

يا أهل كوفان إنّي وامقٌ لكمُ

مذ كنت طفلاً إلى السبعين والكبرِ

أهواكم وأُواليكم وأمد حكم

حتماً عليّ كمحتوم من القدرِ

لحبِّكم لوصيِّ المصطفى وكفى

بالمصطفى وبه من سائر البشرِ

هو الإمام الذي نرجو النجاة به

من حر نار على الأعداء مستعرِ

عسى الإله ينجّيني برحمته

ومدحي الغرر الزاكين من سقرِ(٢)

٤. وقال أبو محمد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي من شعراء أهل البيت الطاهرين المتقربين إليهم بولائه وشعره المقبولين عندهم لصدق نيته، وانقطاعه إليهم :

يا سادتي يا بني علي

يا آل طه وآل صادِ

أنتم نجوم الهدى اللواتي

يهدي بها الله كلّ هادِ

إلى أن يقول :

__________________

(١) الأغاني: ٧ / ٢٥٠، كما في الغدير: ٢ / ٢٣٦.

(٢) الأغاني: ٧ / ٢٧٧، كما في الغدير: ٢ / ٢٤٧.

٣٠٤

وما تزؤدتُ غير حبّي

إيّاكم وهو خير زادِ

وذاك ذخري الذي عليه

في عرصة الحشر اعتمادي(١)

ومن شعره أيضاً :

وان ضامنا دهرٌ فعذنا بعزِّكم

فيبعد عنّا الضيمَ لـمّا بكم عُذنا

وإن عارضتنا خفيةٌ من ذنوبنا

براةٌ لنا منها شفاعتكم أمنا(٢)

٥. وقال أبو جعفر دعبل بن علي بن رزين الخزاعي في تائيته المعروفة :

مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصاتِ

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالركن والتعريف والجمرات

إلى أن قال :

فيا وارثي علم النبي وآله

عليكم سلامٌ دائم النفحات

لقد آمنت نفسي بكم في حياتها

وأنّي لأرجو الأمن بعد مماتي(٣)

٦. قال الشاعر بقراط بن أشوط الوامق النصراني :

يا حبَّذا دوحة في الخلد نابتة

ما في الجنان لها شبه من الشجر

المصطفى أصلها والفرع فاطمة

ثم اللقاح علي سيد البشر

والهاشميان سبطاها لها ثمر

والشيعة الورق الملتف بالثمر

هذا مقال رسول الله جاء به

أهل الروايات في العالي من الخبر

إنّي بحبهم أرجو النجاة غداً

والفوز مع زمرة من أحسن الزمر(٤)

__________________

(١) الغدير: ٢ / ٢٨٥.

(٢) الغدير: ٢ / ٢٩٢.

(٣) الغدير: ٢ / ٣٢٢.

(٤) الغدير: ٣ / ١٠.

٣٠٥

٧. قال الشاعر أبو الحسن علي بن عباس بن جريح البغدادي الشهير بابن الرومي في عينيته :

تتجافى جنوبهم

عن وطيء المضاجع

إلى أن قال:

أعف عنا ذنوبنا

للوجوه الخواشع

أعف عنا ذنوبنا

للعيون الدوامع

أنت إن لم تكن لنا

شافع غير شافع(١)

٨. وقال الشاعر أبو القاسم أحمد بن محمد الشهير بالصنوبري في قصيدته :

وشافع الملك الراجي شفاعته

إذ جاءه ملك في خلق ثعبان(٢)

٩. قال الشاعر أبو القاسم علي بن إسحاق البغدادي الشهير بالزاهي :

أبا حسن جعلتك لي ملاذاً

ألوذ به ويشملني الزَّماما

فكن لي شافعاً في يوم حشري

وتجعل دار قدسك لي مقاماً(٣)

١٠. قال الأمير أبو فراس الحارث بن أبي علا الحمداني في قصيدته :

لست أرجو النجاة من كل ما

أخشاه إلّا بأحمد وعلي

وببنت الرسول فاطمة الطهر

وسبطيه والإمام علي

إلى أن قال :

__________________

(١) الغدير: ٣ / ٤.

(٢) الغدير: ٣ / ٣٢٤.

(٣) الغدير: ٣ / ٣٤٦.

٣٠٦

بهمُ ارتجي بلوغ الأماني

يوم عرضي على الإله العلي(١)

وله أيضاً :

شافعي أحمد النبي ومولاي علي

والبنت والسبطان(٢)

١١. قال الشاعر الصاحب كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عباد :

بمحمّد ووصيه وابنيهما

وبعابد وبباقرين وكاظم

ثم الرضا ومحمد ثم ابنه

والعسكري المتّقي والقائم

أرجو النجاة من المواقف كلها

حتى أصير إلى نعيم دائم(٣)

وقال في مقطوعة أُخرى :

شفيع إسماعيل في الآخرة

محمد والعترة الطاهرة(٤)

١٢. وقال الشاعر أبو عبد الله الحسين بن أحمد الشهير بابن الحجاج البغدادي المتوفّى عام ٣٩١ ه‍ :

يا صاحب القبة البيضاء في النجف

من زار قبرك واستشفى لديك شُفي

إلى أن قال :

انّي أتيتك يا مولاي من بلدي

مستمسكاً من حبال الحق بالطرف

راج بأنّك يا مولاي تشفع لي

وتسقني من رحيق شافي اللهف(٥)

__________________

(١) الغدير: ٣ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

(٢) الغدير: ٣ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

(٣) الغدير: ٤ / ٦٠.

(٤) مناقب آل أبي طالب: ٢ / ١٦٥.

(٥) الغدير: ٤ / ٧٨.

٣٠٧

١٣. وقال الشاعر أبو النجيب شداد بن إبراهيم بن حسن الملقب بالطاهر الجزري المتوفّى عام ٤٠١ ه‍ :

حسبي عليّان ان ناب الزمان وإن

جاء المعاد بما في القول والعمل

فلي عليُّ بن عبد الله منتجعُ

ولي عليُّ أمير المؤمنين ولي(١)

١٤. وقال الشاعر أبو الحسن مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي المتوفّى عام ٤٢٨ ه‍ :

يزوّر عن حسناء زورة خائف

تعرُّض طيف آخر الليل طائف

إلى أن قال :

هواكم هو الدنيا واعلم انّه

يبيض يوم الحشر سود الصحائف(٢)

١٥. وقال الشاعر أبو الغارات الملك الصالح المستشهد عام ٥٥٦ ه‍ :

محمد خاتم الرسل الذي سبقت

به بشارة قس وابن ذي يزن

إلى أن قال :

ظل الإله ومفتاح النجاة وينبو

ع الحياة وغيث العارض الهتن

فاجعله ذخرك في الدارين معتصماً

به وبالمرتضى الهادي أبي الحسن(٣)

١٦. قال الشيخ عبد الله الشبراوي الشافعي ( المتوفّى عام ١١٧٢ ه‍ ) في قصيدته التي أنشأها في حق الحسينعليه‌السلام التي مطلعها :

__________________

(١) الغدير: ٤ / ١٥٨.

(٢) الغدير: ٤ / ٢١٦.

(٣) الغدير: ٤ / ٣١١.

٣٠٨

آل طه ومن يقل آل طه

مستجيراً بجاهكم لا يُردُّ

حبّكم مذهبي وعقد يقيني

ليس لي مذهبٌ سواه وعقدُ

منكم أستمدُّ بل كل من في الك‍

‍ون من فيض فضلكم يستمد

وله قصيدة أُخرى مطلعها :

يا نديمي قم بي إلى الصهباءِ

واسقنيها في الروضة الغنّاءِ

ويقول في آخرها :

يا ابن بنت الرسول إنّي محبٌّ

فتعطّف واجعل قبولي جزائي

يا كرام الأنام يا آل طه

حبّكم مذهبي وعقد ولائي

ليس لي ملجأ سواكم وذخرٌ

أرتجيه في شدّتي ورخائي(١)

١٧. قال الجزري الشافعي ( المتوفّى عام ٢٠٤ ه‍ ) في طبقات القرّاء ج ٢ ص ٩٧ والدعاء عند قبره ( أي قبر الشافعي ) مستجاب، ولـمّا زرته قلت :

زرت الإمام الشافعي

لأنّ ذلك نافعي

لأنال منه شفاعة

أكرم به من شافع(٢)

١٨. قال صفي الدين الحلي ( ٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه‍ ) في قصيدة في حق النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله مطلعها :

خمدت لفضل ولادك النيران

وانشق من فرح بك الإيوان

__________________

(١) الغدير: ٥ / ١٦٥ ـ ١٦٦ نقلاً عن كتابه الإتحاف بحب الأشراف: ٢٥.

(٢) الغدير: ٥ / ١٧٥.

٣٠٩

إلى أن قال في آخره :

فاشفع لعبد شأنه عصيانه

انّ العبيد يشينه العصيان

فلك الشفاعة في محبكم إذا

نصب الصراط وعلق الميزان

فلقد تعرض للإجازة طامعاً

في أن يكون جزاؤه الغفران(١)

١٩. قال الشيخ مغامس بن داغر الحلي من شعراء القرن التاسع في قصيدة مطلعها :

حيا الإله كتيبة مرتادها

يطوى له سهل الفلا ووهادها

إلى أن قال :

فتشفَّعوا لكبائر أسلفتها

قلقت لها نفسي وقل رقادها

جرماً لو أنّ الراسيات حملنه

دكت وذاب صخورها وصلادها

هيهات تمنع من شفاعة جدكم

نفس وحب أبي تراب زادها

صلى الإله عليكم ما أرعدت

سحب واسبل ممطراً أرعادها(٢)

وله في قصيدة يمدح بها النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول في آخرها :

فهل أنال مفازاً في شفاعتكم

ممّا احتقبت له في سائر الحقب

فيا مغامس أحبس في مدائحكم

تلك القوافي وأجر الله فاحتسب(٣)

٢٠. قال الشيخ الحافظ البرسي رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي من شعراء القرن التاسع في مسمطه في حق أهل البيت ( صلوات الله عليهم ) :

__________________

(١) الغدير: ٦ / ٣٨ نقلاً عن ديوانه: ٤٧.

(٢) الغدير: ٧ / ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) المصدر نفسه: ٣٢.

٣١٠

أنتم رجائي وحبكم أملي

عليه يوم المعاد متكلي

فكيف يخشى حر السعير ولي

وشافعاه محمد وعلي

أو يعتريه من شرها شرر(١)

هذه الروائع الشعرية التي تضمنت الولاء الصادق لآل البيت: وطلب الشفاعة منهم ومن جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله مما وقفنا عليه في مجلدات الكتاب القيم « الغدير » ونقلناها غالباً حسب القرون والأعصار، غير انّ هناك نظائر لها تتضمن إظهار الولاء الصادق لأصحابه أو طلب الشفاعة منهم بصريح القول، مما وقفنا عليه في بعض الكتب نذكرها :

٢١. قال الخطيب ابن الفرار المطيري في قصيدته :

بدين المصطفى أرجو نجاتي

وحب المرتضى من يوم شين

بفاطمة البتول أتاك رشداً

وبالحسن الزكي وبالحسين

بزين العابدين وصلت حبلي

علي بن الحسين ومن كذين(٢)

٢٢. وقال أبو الرضا الحسيني في قصيدة مطلعها :

يا رب مالي شفيع يوم منقلبي

إلاّ الذين إليهم ينتهي نسبي

المصطفى وهو جدي ثم فاطمة

أُمّي وشيخي علي الخير وهو أبي(٣)

٢٣. وقال كشاجم :

__________________

(١) المصدر نفسه: ٧ / ٤٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ١ / ٣١٨، وكذين بمعنى من كهاذين.

(٣) المصدر نفسه: ١ / ٣٢٢.

٣١١

نبيي شفيعي والبتول وحيدر

وسبطاه والسجاد والباقر المجد

بجعفر بموسى بالرضا بمحمّد

نجل الرضا والعسكريين والمهدي(١)

٢٤. قال أبو الواثق العنبري في مقطوعته :

شفيعي إليك اليوم يا خالق الورى

رسولك خير الخلق والمرتضى علي(٢)

٢٥. قال زيد المرزكي في مقطوعته :

منهم رسول الله أكرم من وطأ

الحصى وأجل من أصف

إلى أن يقول :

وشفاعة السجاد يشملني

وبها من الآثام أكتنف(٣)

٢٦. وقال ابن مكي في مقطوعته :

ومحمد يوم القيامة شافع

للمؤمنين وكل عبد مقلت(٤)

٢٧. ويقول الشريف الرضي في مقطوعته :

يا بني أحمد أناديكم اليوم

وأنتم غداً لردِّ جوابي

ألف باب أُعطيتم ثم أفضى

كل باب منها إلى ألف باب

لكم الأمر كله وإليكم ولديكم

يؤول فصل الخطاب(٥)

__________________

(١) المصدر نفسه: ١ / ٣٢٦.

(٢) المصدر نفسه: ١ / ٣٣٠.

(٣) المصدر نفسه: ١ / ٣٣١.

(٤) المصدر نفسه: ١ / ٣٣١.

(٥) المصدر نفسه: ٢ / ٣٧.

٣١٢

٢٨. وقال أبو نؤاس في قصيدة مطلعها :

يا رب ان عظمت ذنوبي كثرة

فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم

إلى أن يقول :

ثم الشفاعة من نبيك أحمد

ثم الحماية من علي أعلم(١)

٢٩. قال الشيخ شعيب الحريفيش في قصيدة مطلعها :

من زار قبر محمد

نال الشفاعة في غد

إلى أن يقول :

وهو المشفع في الورى

من هول يوم الموعد(٢)

٣٠. قال العلامة السيد محسن الأمين العاملي في أُرجوزته التي طبعت آخر كتاب كشف الارتياب :

وكذلكم طلب الحوائج عندها

من ربنا أرجى لنيل المقصد(٣)

هذا بعض ما عثرنا عليها في المجامع الأدبية والتاريخية مما يتضمن الاعتراف بأصل الشفاعة وطلبها من أصحابها كما يتضمن إظهار الولاء لأصحابه، إلى غير ذلك مما يجده فيها المتدبر، وكلّها تعرب عن أنّ الاعتقاد بالشفاعة وطلبها وإظهار الولاء للنبي وآله كان أمراً راسخاً في أذهان المسلمين من أوائلهم إلى أواخرهم وما كانوا يرونه أمراً مخالفاً للتوحيد، ولسائر السنن الإسلامية.

__________________

(١) المصدر نفسه: ٢ / ١٦٥.

(٢) الروض الفائق: ٢ / ١٣٨.

(٣) العقود الدرية في رد الشبهات الوهابية المطبوع في ذيل كشف الارتياب: ١٥.

٣١٣

ونود في خاتمة هذا الفصل أن نذكر بفضل الأخ العلّامة الشيخ محمد رضا الأميني ابن العلّامة الحجة الشيخ عبد الحسين الأميني قدس الله سره حيث تكرم علينا بجمع كثير من هذه الشواهد الشعرية من غدير والده وسائر المصادر، فشكراً له ثم شكراً.

٣١٤

٧

الشفاعة في الأحاديث الإسلامية

لقد اهتم الحديث بأمر الشفاعة وحدودها وشرائطها وأسبابها وموانعها اهتماماً بالغاً لا يوجد له مثيل إلّا في موضوعات خاصة تتمتع بالأهمية القصوى وأنت إذا لاحظت الصحاح والمسانيد والسنن وسائر الكتب الحديثية لوقفت على جمهرة كبرى من الأحاديث حول الشفاعة بحيث تدفع الإنسان إلى الإذعان بأنّها من الأصول المسلمة في الشريعة الإسلامية، ولأجل هذا التضافر نرى أنفسنا في غنى عن المناقشة في الأسناد.

نعم لو كانت هناك رواية اختصت بنكتة خاصة غير موجودة في الروايات الأخر، فإثبات النكتة الخاصة يحتاج إلى ثبوت صحة سندها كما هو المعلوم في علم الحديث.

ولما كانت الأحاديث حول الشفاعة وفروعها كثيرة جداً، ومبثوثة في الكتب جمعناها في هذه الصحائف تحت عناوين خاصة، ولسنا ندّعي انّنا قد أحطنا بكل الأحاديث في هذا المجال وانّما ندّعي أنّا قد جئنا بقسم كبير من الأحاديث(١) .

__________________

(١) لقد جمع العلامة المجلسي أحاديث الشفاعة الواردة من طرق أئمّة أهل البيت في موسوعته « بحار الأنوار »: ٨ / ٢٩ ـ ٦٣، كما انّه أورد بعضها في الأجزاء التالية من موسوعته: بحار الأنوار: ١٠٠ / ١١٦، ١٦٢، ١٧٠، ٢٦٥، ٣٠٣، ٣٠٧، ٣٣١، ٣٤٠، ٣٤٥، ٣٤٩، ٣٥١، ٣٧٦، ٣٧٩ ؛ ولاحظ ج ١٠١ / ٨، ٢١١، ٢١٢، ٢١٣، ٢٩٣، ٢٩٧، ٢٩٨، ٢٩٩، ٣٧٢، ٣٧٤ ؛ و ج ١٠٢ / ٣١، ٣٢، ٣٣، ٣٥، ٣٦، ٤٤، ٤٧، ٧١، ١٧١، ١٨١، ١٨٣ ؛ إلى غير ذلك من الموارد.

وعقد أحمد بن محمد بن خالد البرقي باباً للشفاعة في موسوعته « المحاسن » فلاحظ: ١ / ١٨٤.

٣١٥

أحاديث الشفاعة عند أهل السنة(١)

١. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لكلّ نبي دعوة مستجابة، فتعجّل كل نبي دعوته، وانّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي، وهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئاً »(٢) .

٢. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أُعطيت خمساً وأُعطيت الشفاعة فادّخرتها لأمّتي، فهي لمن لا يشرك بالله شيئاً »(٣) .

٣. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « شفاعتي نائلة ان شاء الله من مات ولا يشرك بالله شيئاً »(٤) .

٤. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير قوله:( عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) « هو المقام الذي أشفع لأمّتي فيه »(٥) .

__________________

(١) وقد عقد العلّامة علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي ( المتوفّى ٩٧٥ ه‍ ) باباً خاصاً للشفاعة نقل فيه طائفة من الأخبار، فلاحظ كنز العمال: ٤ / ٦٣٨ ـ ٦٤٠.

كما عقد الشيخ منصور علي ناصف في كتابه « التاج الجامع للأصول » أبواباً للشفاعة لاحظ التاج: ٥ / ٣٤٨ ـ ٣٦٠. وقد جاء فيها بأحاديث طوال قد أخذنا موضع الحاجة منها، غير انّ ملاحظة مجموع الأحاديث لا تخلو من فائدة. وعقد النسائي في سننه أبواباً أربعة خاصةً للشفاعة لاحظ: ٣ / ٦٢٢ ط دار إحياء التراث الإسلامي.

(٢) سنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤٠. وبهذا المضمون راجع مسند أحمد: ١ / ٢٨١، وموطأ مالك: ١ / ١٦٦، وسنن الترمذي: ٥ / ٢٣٨، وسنن الدارمي: ٢ / ٣٢٨، وصحيح مسلم: ١ / ١٣٠، وصحيح البخاري: ٨ / ٨٣ و ٩ / ١٧٠.

(٣) مسند أحمد: ١ / ٣٠١ و ٤ / ٤١٦ و ٥ / ١٤٨. وبهذا المضمون سنن النسائي: ١ / ١٧٢، وسنن الدارمي: ١ / ٣٢٣، و ٢ / ٢٢٤، وصحيح البخاري: ١ / ٩٢ و ١١٩.

(٤) مسند أحمد: ٢ / ٤٢٦.

(٥) مسند أحمد: ٢ / ٥٢٨، ٤٤٤، ٤٧٨، وسنن الترمذي: ٣ / ٣٦٥.

٣١٦

٥. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أول شافع وأوّل مشفّع »(١) .

٦. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلّا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه »(٢) .

٧. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أُمّتي »(٣) .

٨. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « رأيت ما تلقى أُمّتي بعدي ( أي من الذنوب ) فسألت الله أن يوليني شفاعة يوم القيامة فيهم ففعل »(٤) .

٩. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلّا الله خالصاً من قلبه أو نفسه »(٥) .

١٠. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا أوّل شافع في الجنة »(٦) .

١١. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « شفاعتي لكل مسلم »(٧) .

١٢. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر »(٨) .

__________________

(١) سنن الترمذي: ٥ / ٤٤٨، وسنن الدارمي: ١ / ٢٦ و ٢٧.

(٢) مسند أحمد: ٢ / ٣٠٧ و ٥١٨.

(٣) سنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤١. وبهذا المضمون مسند أحمد: ٣ / ٢١٣، وسنن أبي داود: ٢ / ٥٣٧، وسنن الترمذي: ٤ / ٤٥.

(٤) مسند أحمد: ٦ / ٤٢٨.

(٥) صحيح البخاري: ١ / ٣٦.

(٦) صحيح مسلم: ١ / ١٣٠، وسنن الدارمي: ١ / ٢٧.

(٧) سنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤٤.

(٨) سنن الترمذي: ٥ / ٢٤٧، وسنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤٣.

٣١٧

١٣. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا سيد ولد آدم وأوّل شافع وأوّل مشفّع ولا فخر »(١) .

١٤. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّي لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من شجرة ومدرة »(٢) .

١٥. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليخرجنّ قوم من أُمّتي من النار بشفاعتي يسمون الجهنّميّين »(٣) .

١٦. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « خيّرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أُمّتي الجنة، فاخترت الشفاعة لأنّها أعم وأكفى، أترونها للمتقين، لا، ولكنّها للمذنبين الخطّائين المتلوّثين »(٤) .

١٧. وحكى أبو ذر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها:( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) (٥) فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها، قال: « إنّي سألت ربي عزّ وجلّ الشفاعة لأمّتي فأعطانيها، فهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عزّ وجلّ شيئاً »(٦) .

١٨. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار: بقيت شفاعتي »(٧) .

__________________

(١) سنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤٠. وبهذا المضمون صحيح مسلم: ٧ / ٥٩، ومسند أحمد: ٢ / ٥٤٠.

(٢) مسند أحمد: ٥ / ٣٤٧.

(٣) سنن الترمذي: ٤ / ١١٤، وسنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤٣. وبهذا المضمون مسند أحمد: ٤ / ٤٣٤، وسنن أبي داود: ٢ / ٥٣٧.

(٤) سنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤١.

(٥) المائدة: ١١٨.

(٦) مسند أحمد: ٥ / ١٤٩.

(٧) صحيح البخاري: ٩ / ١٦٠. وبهذا المضمون مسند أحمد: ٣ / ٩٤.

٣١٨

١٩. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله يخرج قوماً من النار بالشفاعة »(١) .

٢٠. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يشفع يوم القيامة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء »(٢) .

٢١. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فإذا فرغ الله عزّ وجلّ من القضاء بين خلقه وأخرج من النار من يريد أن يخرج، أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم: انّ النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلّا موضع السجود »(٣) .

٢٢. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « فيؤذن للملائكة والنبيّين والشهداء أن يشفعون فيشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان »(٤) .

٢٣. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا ميز أهل الجنّة وأهل النار، فدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار قامت الرسل وشفّعوا »(٥) .

٢٤. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يشفع الأنبياء في كل من يشهد أن لا إله إلّا الله مخلصاً، فيخرجونهم منها »(٦) .

٢٥. ذكرت الشفاعة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: « إنّ الناس يعرضون على جسر جهنم وبجنبتيه الملائكة يقولون: أللّهمّ سلم سلم »(٧) .

٢٦. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث: « أمّا أهل النار الذين هم أهلها فلا

__________________

(١) صحيح مسلم: ١ / ١٢٢. وبهذا المضمون صحيح البخاري: ٨ / ١٤٣.

(٢) سنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤٣.

(٣) سنن النسائي: ٢ / ١٨١.

(٤) مسند أحمد: ٥ / ٤٣ بتخليص منّا.

(٥) مسند أحمد: ٣ / ٣٢٥.

(٦) مسند أحمد: ٣ / ١٢.

(٧) مسند أحمد: ٣ / ٢٦.

٣١٩

يموتون فيها ولا يحييون ولكن ناس أصابتهم نار بذنوبهم أو بخطاياهم فأماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحماً أُذن في الشفاعة فيخرجون ضبائر ضبائر »(١) .

٢٧. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث: « فيشفعون حتى يخرج من قال لا إله إلّا الله ممّن في قلبه ميزان شعيرة »(٢) .

٢٨. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يشفع الشهيد في سبعين إنساناً من أهل بيته »(٣) .

٢٩. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من تعلم القرآن ( من قرأ القرآن ) فاستظهره فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت لهم النار »(٤) .

٣٠. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث: « إذا بلغ الرجل التسعين غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وسمّي أسير الله في الأرض، وشفّع في أهله »(٥) .

٣١. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أُمتي أكثر من بني تميم »(٦) .

٣٢. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ من أُمّتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر »(٧) .

__________________

(١) مسند أحمد: ٣ / ٧٩. وبهذا المضمون سنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤١، وسنن الدارمي: ٢ / ٣٣٢، ومسند أحمد: ٣ / ٥.

(٢) مسند أحمد: ٣ / ٣٤٥.

(٣) سنن أبي داود: ٢ / ١٥. وبهذا المضمون: مسند أحمد: ٤ / ١٣١، وسنن الترمذي: ٣ / ١٠٦.

(٤) سنن الترمذي: ٤ / ٢٤٥، وسنن ابن ماجة: ١ / ٧٨، ومسند أحمد: ١ / ١٤٨ و ١٤٩.

(٥) مسند أحمد: ٢ / ٨٩، وبهذا المضمون ما في ٣ / ٢١٨.

(٦) سنن الدارمي: ٢ / ٣٢٨، وسنن الترمذي: ٤ / ٤٦، وسنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٤٤، ومسند أحمد: ٣ / ٤٧٠، و ٥ / ٣٦٦.

(٧) مسند أحمد: ٤ / ٢١٢.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421