القصص التربوية

القصص التربوية9%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 359477 / تحميل: 10432
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

بمصالحِ نَفْسِكَ تَضمَنَ ذلك(١٢٠) قَهرَ عَدُوكَ)(١٢١) .

وإيّاك والمعاداةَ، فإنّها تفضحُكَ، وتُضَيّعُ أوقاتَكَ.

وعليكَ بِالتحملِ، لا سيّما من السُفَهاء(١٢٢) .

____________________

(١٢٠) في الخشاب: (تَضْمَنُ بذلك).

(١٢١) قال الزرنوجي: واُنشدتُ:

إذا شِئْتَ أنْ تلقى عدوّكَ راغِما * وتقتُلَه غَمّا وتُحرِقَه همَا

فَرُمْ للعُلى وازْدَدْ من العلم إنَه * مَنِ ازْدادَ عِلما زادَ حاسِدَه غَمَا

وفي باب عَدَمِ الاعتناء بالأعداء والحاسدين، أمثال منظومة، منها قول

بعض الزعماء:

أوَ كُلّما طَنَ الذُبابُ طردْتُه * إنّ الذُبابَ إذَنْ عليَ كريمُ

وقال آخر:

وما كل كلبٍ نابِحٍ يَسْتَفِزني * وما كلَما طَنَ الذُبابُ اُراعُ

وقال ثالث:

لو كل كلبٍ عَوى ألْقَمْتُه حَجَرا * لأصْبَحَ الصَخْرُ مِثقالا بدِينارِ

وقال رابع:

إذا نَطق السفيه فلا تُجِبْه * فخير من إجابته السكوتُ

(١٢٢) قال أمير المؤمنين عليه السلام: (تعلّموا العِلمَ، وتعلّموا الحِلمَ، فإنّ العلمَ خليلُ المؤمنِ، والحلمُ وزيرُه، والعقل دليلُه، والرفقُ أخوه، والعمل رفيقه، والبر والدُه، والصبر أميرُ جنودِه). رواه في نزهة الناظر (ص٢٩) وروى نحوه باختصار عن الإمام الصادق (ص٥٩).

١٠١

[٤٩ - الابتعاد عن سُو الظنّ]

وإيّاك أنْ تَظُنَ بالمؤمِنِ سُوا، فإنَه منشأُ العَداوة.

ولا يحل ذلك، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (ظُنوا بالمُؤْمنينَ خَيْر)(١٢٣) .

____________________

(١٢٣) قال الخشاب: رواه في الفتوحات الربانيّة (٧/ ٢١) وفيه: (بالمؤمن).

واعلم أنّ الأحاديثَ عن المعصومين : في باب سُو الظنّ والنهي عنه، والأمر به، وكذلكَ في باب حُسْن الظنّ والأمر به، والنهي عنه، كثيرة وظاهرها المُعارضة والمُضادّة

فالاَمرة بحُسْن الظَنّ:

منها ما في المتن من حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

ومنها: قول الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: (مَنْ حَسَنَ ظنَه روّح قلبه). رواه في نزهة الناظر (ص٥٤).

ومنها: قول الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (خُذْ من حُسْنِ الظنّ بطَرَفٍ تُروجُ به أمركَ، وتروّحُ به قلبك). رواه في نزهة الناظر (ص٥٣).

وقال البرقي في (باب محبة المسلمين والاهتمام بهم) من المحاسن: في كلام أمير المؤمنين عليه السلام: (لا تظننَ بكلمة خرجت من أخيك سوا، وأنت تجد لها في الخير محمل). رواه عن المحاسن في السرائر باب المستطرفات (٦٤٢٣) ونقله في الوسائل (٠٢١٢٣) باب ١٦١ من أبواب العشرة، ح٣ عن الكافي (٢٦٩٢) ح٣.

ومِن الدافعة على سو الظنّ:

قول الإمام الصادق عليه السلام: (احتَرِسُوا من الناسِ بِسُوِ الظن). رواه في نزهة الناظر (ص٣٠).

١٠٢

____________________

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (الحزْمُ سُوُْ الظَن). رواه في نزهة الناظر (ص٥٤). وابن الرازي في جامع الأحاديث.

ونقل الحلواني صاحب النزهة عن البرادي، أنّه قال: قيل للمقيت الجُرجاني: ما هذه المضادة

فقال: يُريدون بسو الظن: أنْ لا تستتمَ إلى كلّ أحَدٍ فتؤدّي سرّك وأمانتك. ويُريد بحسن الظنّ: أنْ لا تسي ظنَك بأحَدٍ أظهر لك نصْحا وقال لك جميلا، وصحَ عندك باطنه. وهو مثل قولهم: (احْمِلْ أمر أخيك على أحْسنِه حتّى يبدو لك ما يغلبك عليه). نقله في نزهة الناظر (ص٥٤).

أقول: بل الأولى حملُ ذلك على اختلاف الزمان وأهله صَلاحا وفسادا، كما تدلّ عليه أخبار شريفة، والحديث يفسّر بعضه بعضا، وهي: ما روي في حِكَمِ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: (إذا استولى الصلاحُ على الزمانِ وأهله، ثُمَ أسأ رجل الظنَ بِرَجُلٍ - لم تظهر منه خِزية - فقد ظَلَمَ. وإذا استولى الفسادُ على الزمانِ وأهله، ثُمَ أحْسَنَ رَجُل الظنّ بِرَجُلٍ فقد غُررَ). رواه الرضيّ في نهج البلاغة، الحكمة (١١٤).

وما عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: (إذا سأَ الزمانُ وسأ أهلُه، فسوُ الظنّ من حُسْنِ الفِطَنِ).

وما رُوي عن الإمام أبي الحسن الهادي عليه السلام: (إذا كانَ زَمان -العدلُ فيه أغلبُ من السُوء - فليسَ لأحَدٍ أنْ يُظنَ بأَحَدٍ سُوءا، حتّى يَبْدو ذلكَ منه. وإنْ كانَ زَمان - فيه السُوُ أغْلَبُ من العَدْل - فليسَ لأحَدٍ أَنْ يظُنَ بأحَدٍ خَيْرا، حتّى يبدو ذلك منه). رواه في نزهة الناظر (ص٧١).

١٠٣

وإنّما يَنْشَأُ ذَلِكَ من خُبْثِ النِيّةِ(١٢٤) .

____________________

(١٢٤) كذا في أكثر النسخ والزرنوجي، وأضاف فيه: (... وسوء السريرة) وفي بعض النسخ: (من خُبث النفس).

١٠٤

الفصل التاسع

في الاسْتِفادة

[٥٠ - الاستفادة وطريقها]

فينبغي لطالب العلم أنْ يكونَ مستفيدا في كل وَقْتٍ، حتّى يَحصلَ له الفضْلُ.

وطريق الاستفادة: أنْ يكون مَعَه - في كُلّ وَقْتٍ - مَحْبَرة، حتّى يكتبَ ما يسمع من الفوائد(١٢٥) .

____________________

(١٢٥) لاحظ في كتابنا هذا، الفقرة [٥٥] في الفصل العاشر القادم.

ونقل عن بعضهم قوله: (إظهار المحبرة عز) وأشار بعضهم إلى المحابر وقال: (هذه سُرُج الإسلام) وقال آخر: (لولا المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر). وقد جاء ذكر (الحِبْر) و (الدواة) في الحديث الشريف في مقام الترغيب على الكتابة والتدوين، بوفرة، وقد جمعنا طَرَفا من ذلك في كتابنا: (تدوين السنّة الشريفة) فليراجع.

١٠٥

قيلَ: (ما حُفِظَ فَرَ، وما كُتِبَ قَرَ)(١٢٦) .

وقيل: (العلمُ ما يُؤْخَذُ من أفواه الرجال)(١٢٧)

____________________

(١٢٦) هذا أثر منقول عن السلف، لاحظ تدوين السنّة الشريفة (ص٣٨١).

وقد أكّد المعصومون:عليهم السلام على كتابة العِلْم وتدوينه وحثّوا على تقييده وحفظه في الكتب، إلى حدّ التواتُر فعن النبي والوصيّ ٨ أنهما قالا: (قيّدوا العلم بالكتاب).

وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: (القلب يتّكل على الكتابة).

وعنه عليه السلام، قال: (اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبو).

وقد شرحنا هذا الحديث، شرحا عميقا في تدوين السنّة الشريفة (ص٣٧٦).

ثمّ إنّ سائر علماء الإسلام أكّدوا على أنّ الكتاب والكتابة لهما أثر بارز في حفظ المعلومات:

قال ابن المبارك: (لولا الكتاب ما حفظن).

وقال الشافعي: (اعلموا - رحمكم الله - إنّ هذا العلمَ ينِد كما تنِد الإبلُ، فاجعلوا الكتب له حماةً، والأقلام عليه رُعاةً).

وقد جمعنا ما يرتبط بالتدوين والكتابة، والمقارنة بينها وبين الحفظ بشكل موسّع، وموثّقا في كتابنا (تدوين السنّة الشريفة) فراجعه، وخاصة الصفحات (٣٦٥ - ٣٩٠).

(١٢٧) أتصوّر أنّ المؤلّف ذكر قولهم: (العلمُ ما يُؤخَذُ من أفواه الرجال) اعتراضا على ما ذكره من لزوم كتابة ما يسمع نظرا إلى أنّ العلم في هذا القول يعتمد على الأقوال الشفهيّة

وأجابَ بقوله: (لأنّهم ...) أي إنّما ذكروا ذلك القول، لأنّ العلماء إنّما ينطقون بالأفضل، بعد انتخابه من محفوظاتهم التي هي - بدورها - أفضل مَسْموعاتهم، وهذا لا يُنافي لزوم كتابة ما يُسمع من أقوالهم، حفاظا عليها من النسيان والضياع.

١٠٦

لاِنّهم يحفَظونَ أحْسَنَ ما يَسْمعونَ، ويقولونَ أحْسَنَ ما يحفَظونَ(١٢٨) .

ووصّى شَخْص ابْنَه بأنْ يحْفَظَ كلَ يومٍ شِقْصا(١٢٩) من العِلم، فإنّه يَسير، وعن قَرِيْبٍ يَصِيْرُ كَثيرا(١٣٠) .

____________________

(١٢٨) عن عملهم هذا لاحظ هذه الاَثار:

روى الراغب الاصفهاني، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (قالت الحكمةُ: مَنْ أرادني فليعمل بأحْسَنَ ما عَلِمَ، ثم تلا: (الَذِيْنَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَبِعُونَ أَحْسَنَه)). مقدّمة جامع التفاسير (ص٩٥).

وروى الخطيب عن ابن عبّاس قوله: العِلمُ كثير، ولن تَعِيَه قلوبكم، ولكن ابتغوا أحسنَه، ألم تسمع قوله تعالي: (الَذِيْنَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَبِعُونَ أَحْسَنَه ُ .[الاَية ١٨ من سورة الزمر]اُوْلَئِكَ الَذِيْنَ هدَاهمُ الله وَاُولَئِكَ همْ اُولُوا الألْبَابِ) رواه في تقييد العلم (ص١٤١).

وكان يقول بعضهم لبنيه: (اُكتب أحْسَنَ ما تسمعُ، واحْفَظْ أحْسَنَ ما تكتبُ، وحَدث بأحْسَنَ ما تحفَظْ). نقله في تقييد العلم (ص١٤١) ونقله في هامشه عن مصادر عديدة.

وراجع حول اختيار الأحسن ما علّقناه على الفقرة .[١١]

(١٢٩) الشِقْصُ: الطائفة من الشي.

وفي الخشاب: (شيئ) بدل (شقص) وقد جمع بينهما في بعض النسخ، ولاحظ الهامش التالي.

(١٣٠) نقل الزرنوجي أنّ هذه الوصيّة وصّى بها الصدرُ الشهيدُ حسام الدين ابنه شمس الدين: أنْ يحفَظَ كلّ يومٍ يسيرا من العلم والحكمة إلى آخر المنقول هنا.

١٠٧

[٥١ - اغتنام الوقت والشيوخ]

والعُمُرُ قصير، والعلمُ كثير، فينبغي أنْ لا يُضيّعَ الطالبُ له الأوقاتَ، والساعاتِ، ويغتَنِمَ اللياليَ والخَلواتِ(١٣١) .

____________________

(١٣١) روى الزرنوجي - هنا - عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أنّه قال: (إذا كُنْتُ في أمْرٍ، فكُنْ فيه).

وقد وردت عن الأئمة عليهم السلام حول (الوقت) أحاديث شريفة ترشد إلى وجوب اغتنامه والاعتزاز به وعدم التفريط به، والمحافظة عليه، فلنتزوّد من فُرات معينها:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (إنّ أوقاتَك أجزأُ عمرك فلا تُنفِدْ لك وقتا إلا فيما يُنجيك).

وقال: (في كلّ وقت فوت) و (في كلّ وقتٍ عمل).

وقال: (إنّ ماضيَ عمرك أجَل، وآتيه أمَل، والوقت عَمَل).

وقال: (أوقات الدنيا - وإن طالَتْ - قصيرة).

وقال: (إنّ ماضِيَ يومِكَ مُنْتقل، وباقيَه مُتّهم، فاغْتَنِمْ وَقْتَكَ بالعمل).

وقال: (ماضي يومِكَ فائِت، وآتيه مُتَهم، ووقتُكَ مُغْتَنَم، فبادِرْ فيه فُرْصَةَ الإمْكانِ، وإيّاكَ أنْ تثِقَ بالزمانِ).

فراجع معجم ألفاظ غرر الحكم، مادة (وقت).

وقال عليه السلام في خطبة له: (أيّها الناس: إنّ الأيّامَ صحائفُ آجالكم، فضمّنوها أحْسَنَ أعمالكم، فلو رأيتم قصيرَ ما بقيَ من آجالكم لزهدتم في طويل ما تعتذرون من آمالكم). رواها في نزهة الناظر (ص١٩).

وقالوا: (الوَقْتُ سَيْف، إنْ لم تَقطُعْه قَطعَكَ). نقله في مَنازل السائرين (ص٣٩٩).

وكان أحد مَشايخنا يَستحثّنا على الطلبِ، ويُنْشِدُنا:

ما فاتَ مَضى وما سَيأتيكَ فأيْنْ * قُمْ فاغتنمِ الفُرْصَةَ بين العَدَمَيْنْ

ما مضى فاتَ والمؤمّلُ غيب * فلكَ الساعةُ التي أنتَ فيها

١٠٨

قيل: (الليلُ طَوِيْل فلا تُقَصرْه بمنامِكَ، والنهارُ مُضي فلا تكَدّرْه بآثامِكَ)(١٣٢) .

وينبغي لطالبِ العلم أنْ يَغْتَنِمَ الشُيوخَ، ويَسْتَفِيْدَ منهم(١٣٣) .

ولا يتحسَرُ لِكُل ما فاتَ(١٣٤) بل يَغْتَنِمُ ما حَصَلَ له في الحالِ والاستِقْبال.

[٥٢ - تحمّل المشاق في سبيل الطلب]

ولابُدَ لطالبِ العلم من تحمل المشاق والمَذَلّةِ في طلب العلم(١٣٥) .

____________________

(١٣٢) نقل الزرنوجي هذا القول عن يحيى بن معاذ الرازي.

(١٣٣) قال أبو غالب الزراري، أحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان - في رسالته إلى حفيده، يوصيه - : واصْحب مشايخ أصحابك مَنْ تتزيّنُ بصُحْبته بين الناس. وإنْ صحبتَ أحَدا من أتْرابكَ، فلا تَدَعْ صُحْبةَ المشايخ مع ذلك.

.اُنظر: رسالة أبي غالب الزراري (ص١٥٤) الفقرة [١٠ج]

(١٣٤) قال أمير المؤمنين عليه السلام: (الاشتغال بالفائت يُضيّع الوقت).

وقال عليه السلام: (لا تُشغل قلبك الهمَ على ما فات فيُشغلك عمّا هو آتٍ).

رواه في معجم غرر الحكم (ص١٢٠٦) و (ص١٢٣٦).

وقيل: (الاشتغال بالندم على الوقت الفائت تضييع للوقت الحاضر). نقله في منازل السائرين (ص٣٩٩).

(١٣٥) ومن حكم الإمام أمير المؤمنين ٧: (مَنْ لم يصبر على مَضَض التعلم بقيَ في ذُلّ الجهل). رواه في غرر الحكم (٤١١٥) اُنظر معجم ألفاظه (٨٩٧١).

وأنشد الشيخ الشهيد الثاني شعر الحماسة:

دَبَبْتَ للمجد والساعون قد بَلَغُوا * جهد النفوس وألْقَوْا دُونَه الأُزرا

وكابَدُوا المجدَ حتّى مَلَ أكثرهم * وفاز بالمجد مَنْ وافى ومَنْ صَبَرا

لا تحسبِ المجدَ تمْرا أنْتَ آكلُه * لن تبلغَ المجد حتّى تَلْعَقَ الصَبِرا

في منية المريد (ص٢٥٠) ونقل محقّقه في هامشه عن الحماسة أنه لرجلٍ من بني أسد، وخرّجه عن مصادر كثيرة.

١٠٩

والَتمَلقُ(١٣٦) مذموم إلا في طلب العلم(١٣٧) فإنّه لابُدَ له من تملق الاُستاذ والشركاء وغيرهم، للاستفادة منهم.

وقيل: (العِلْمُ عِز لا ذُلَ فيه، ولا يُدْرَكُ إلا بذُل لا عِزَ فيه)(١٣٨) .

____________________

(١٣٦) الَتمَلق: مصدر تَمَلَقَه، وتَمَلَقَ له: إذا تودَدَ إليه وتذلَلَ له، وليّنَ كلامَه ليستميلَه، وهو (المَلَقُ) أيضا.

(١٣٧) روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم انّه قال: (ليس من أخلاق المؤمن التَمَلقُ، إلا في طلب العلم). ورواه ابن الأشعث فيما أسنده من الجعفريات (وهي الأحاديث المسندة عن

الإمام جعفر الصادق عليه السلام) مرفوعا، لاحظ الاشعثيات (ص٢٣٥) وزاد بعد قوله (التملّق): (... ولا الحسد). ورواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (ج١، ص٣٢٠) رقم ٣٩١ بسنده إلى رواية الجعفريات هذه. ونقل عن البيهقي في شعب الايمان (٢٥٩١) ولاحظ جامع بيان العلم (ص١٣١) وأدب الدنيا والدين (ص٧٥) وفيه: المَلَقُ. وبحار الأنوار (٤٥٢) وكنوز الحقائق (١٦٥٢).

(١٣٨) إقرأ عن التملقِ في التعلّم، فصلا مفيدا، في أدب الدنيا والدين (ص٧٥ - ٨٠).

١١٠

الفصل العاشر

في الوَرَعِ في التَعَلمِ

[٥٣ - التزام الورع فعلا، وتركا]

رُويَ حديث في هذا البابِ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مَنْ لم يَتَوَرَعْ في تعلمه ابْتلاه الله بأحَدِ ثلاثةِ أشْيأ: إمّا يُميتُه في شَبابه. أوْ يُوقِعُه في الرساتيق(١٣٩) . أوْ يبتليه بخدمة السُلْطان)(١٤٠) .

فمهما كانَ طالبُ العِلمُ أوْرَعَ، كانَ علمُه أنْفَعَ، والتعلمُ له أيْسَرَ، وفوائدُه أَكْثَرَ.

____________________

(١٣٩) الرَساتِيْقُ: القُرَى وما يحيط بها من الأراضي الزراعيّة. جمع رُسْتاق، معرّب كلمة (رُوست) الفارسيّة.

(١٤٠) جاء الحديث في كتاب (الاثنا عشرية في المواعظ العددية) للعاملي (ص٨٦) بلفظ: (مَنْ لم يَتَورّعْ في دين الله ...) وانظر: جامع الأخبار (الباب ١٠٠) (ص١٦٣) وميزان الحكمة (١٢٨٤).

١١١

ومن الوَرَع:

أنْ يحترزَ عن الشبع، وكثرةِ النَوْمِ، وكثرةِ الكلام فيما لا يَنْفَعُ(١٤١) .

وأنْ يَحْتَرِزَ عن أكْلِ طعام السُوْقِ، إنْ أمْكَنَ، لأنَ طعامَ السوقِ أقربُ إلى النجاسة والخباثة(١٤٢) وأبْعَدُ عن ذكر الله تعالي، وأقْرَبُ إلى الغَفْلة.

ولاِنَ أبْصارَ الفُقَراءِ تَقَعُ عليه، ولا يقدرونَ على الشراء، فيتأذّون بذلك، فتذهبُ بركَتُه.

وينبغي أنْ يحترزَ عن الغِيْبَةِ.

وعن مُجالسة المِكْثار(١٤٣) فإنّ مَنْ يُكْثر الكلامَ يَسْرِقُ عُمُرَكَ، ويُضيّعُ أوْقاتَكَ.

ومن الوَرَع:

أنْ يجتنبَ من أهل الفَسادِ والتَعْطيلِ، فإنَ المجاورةَ مؤثّرة، لا مَحالةَ(١٤٤) .

وأنْ يَجْلسَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلةَ، في حالِ التكرار والمطالعة، ويكونَ مستنّا بسُنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

ويَغْتَنِمَ دعوةَ أهلِ الخَيْرِ، ويحترز عن دَعْوة المظلوم، ويطلب الهمَةَ والاستدعاء (من الصالحين)(١٤٥) .

____________________

(١٤١)عن كثرة الكلام ومضارّها راجع الفقرة [ ٥٩ ] وتعاليقها

(١٤٢) كذا في الزرنوجي وبعض النسخ، وفي أكثر النسخ والخشاب: (الخيانة).

(١٤٣) المِكْثار: الشخص الكثير التكلّم، يطلق على المذكّر والمؤنّث.

(١٤٤) حول اختيار الشريك والمُذاكر لاحظ الفقرة .[٣٣] و [١٦]

(١٤٥) ما بين القوسين، لم يرد في الخشاب ولا الزرنوجي.

١١٢

[٥٤ - رعاية الاَداب والسنن]

فينبغي أنْ لا يَتَهاوَنَ برعايةِ الاَدابِ والسُنَنِ، فإنَ (مَنْ تَهاوَنَ بالاَداب، حُرِمَ السُنَنَ، ومَنْ تهاوَنَ بالسُنَنِ حُرِمَ الفرائضَ، ومَنْ تَهاوَنَ بالفرائض حُرِمَ الاَخِرَةَ).

وقال بعضهم: هذا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

(وينبغي أنْ يُكْثِرَ الصَلاة)(١٤٦) ويُصلّيَ صلاةَ الخاشعينَ، فإنّ ذلِكَ عَوْن على التحصيل والتعلّم.

[٥٥ - استصحاب آلات الكتابة والمُطالعة]

وينبغي أنْ يستصحبَ دفترا على كُلّ حالٍ لِيُطالعه.

وقيل: (من لم يكن الدفْتَرُ في كُمه(١٤٧) لم تثبت الحكمةُ في قلبه).

وينبغي أنْ يكونَ في الدفْتَرِ بياض، ويَسْتَصْحِبَ المحبَرَةَ ليكتبَ ما يسمعُ(١٤٨) .

كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهلال بن يَسار - حينَ قَرَرَ له العلمَ والحكمةَ - : (هلْ معك محبرة)(١٤٩) .

____________________

(١٤٦) ما بين القوسين، ليس في الخشاب.

(١٤٧) الكُم: مخرج اليد ومدخلها من الثوب، وكانت الأكمامُ عِراضا تستوعب مثل الدفتر فيحفظونه فيها.

(١٤٨) قارن بما مرّ في الفقرة [٥٠]

(١٤٩) أورده كذلك الزرنوجي في تعليم المتعلّم (ص٣٨) في فصل الاستفادة، وهو الفصل التاسع في كتابنا فلاحظ الفقرة.[٥٠]

١١٣

الفصل الحادي عشر

في ما يُورث الحفظ وما يورث النِسْيان

[٥٦ - أسباب الحفظ]

وأقوى أسْباب الحفظ:(١٥٠)

١ - الجِد.

٢ - والمُواظَبَةُ.

٣ - وتقليلُ الغذأِ.

____________________

(١٥٠) قد ذكروا للحفظ تحصيلا وتقوية أسبابا وعلاجاتٍ عديدة وأدعية وأورادا تجدها في أبوابها، وقد اقتصر كلّ مؤلّفٍ على ما عنَ له، ولئلاّ يطول الكتاب لم نتتبع الموارد لاستيعاب ذلك، وكذا لم نحاول توثيق ما جاء في كتابنا هذا كلّه، بل ذكرنا ما وقفنا على مصدره في عرض عملنا المتواضع هذا، ومن الله نستمدّ التوفيق.

وراجع كلمة (الحفظ) في فهرس المصطلحات في كتابنا هذا لتقف على ما ذكره المؤلّف عن ذلك في سائر الفقرات.

١١٤

٤ - وصلاةُ الليلِ، بالخُضوع والخُشوع.

٥ - وقراءةُ القُرآن من أسْباب الحفظ(١٥١) .

قيلَ: (ليسَ شي أزْيدَ للحفظ من قراءة القرآن لا سيّما آية الكرسيّ).

وقراءةُ القرآن نَظَرا أفضلُ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أفْضَلُ أعمال اُمّتي قراءة القرآن نظر)(١٥٢) .

٦ - وتكثيرُ الصلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

٧ - والسِواكُ(١٥٣) .

٨ - وشرب العَسَل(١٥٤) .

٩ - وأكل الكُنْدُر(١٥٥) مع السُكَر.

____________________

(١٥١) من الأحاديث التي أسندها الإمامُ علي الرضا عليه السلام عن آبائه : عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (ثلاثة يزدن في الحفظ، ويَذْهبن بالبلغَم: قرأة القرآن، والعَسَل، واللُبان). صحيفة الرضا عليه السلام، الحديث (١٢٧) ورواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام (٣٨٢) الحديث ١١١.

(١٥٢) رواه السيوطي في الجامع الصغير (٥١١) بلفظ: (أفضل عبادة أمّتي الحديث).

(١٥٣) لاحظ طبّ الإمام الكاظم عليه السلام (ص٥١) رقم (٩).

(١٥٤) في الحديث عن الإمام الكاظم عليه السلام: (من لعق لعقةَ عَسَلٍ على الريق: يقطع البلغم ويصفّي الذهن، ويجوّد الحفظ إذا كان مع اللُبانِ الذَكَرِ). لاحظ طبّ الإمام الكاظم عليه السلام (ص٢٨٩).

(١٥٥) الكُنْدُر: صَمْغُ شجرة شائكة ورقُها كالاَسِ، ويُسمَى البَسْتج، وسُمّي في الروايات ب-(اللُبان) انظر طبّ الإمام الكاظم عليه السلام (ص٣١٩). لاحظ الحديث المنقول عن صحيفة الرضا عليه السلام في الهامش (٢) والمنقول عن الإمام الكاظم عليه السلام في الهامش (٥) من هذه الفقرة.

١١٥

١٠ - وأكل إحْدى وعِشْرين زَبيبة حَمْرأ - كلّ يوم - على الرِيْق(١٥٦) يُورِثُ الحِفْظ، ويَشْفي كثيرا من الأمراض والأسقام(١٥٧) .

١١ - وكلّ ما يُقلّل البَلْغَمَ والرطوباتِ يزيدُ في الحِفظ(١٥٨) . وكلّ ما يزيدُ في البلغم يُورث النسيان(١٥٩) .

____________________

(١٥٦) الرِيْقُ: لُعاب الفَم، والمراد من قولهم (على الريق) قبل أنْ يأكُلَ شيئا بعد الإفاقة من النوم صباحا.

(١٥٧) في حديث الإمام عليّ الرضا عليه السلام مرفوعا إلى الإمام عليّ أمير المؤمنين انّه قال: (مَنْ أكَلَ إحدى وعشرين زبيبة حمرأ على الريق، لم يجد في جسده شيئا يكرهه). رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام (٤١٢) ح١٣٣، ونقله البيهقي في المحاسن والمساوي (ص٢٩٦) ضمن نصائح طبيّة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

وفي ما اُسند عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام إلى عليّ عليه السلام، قال: (مَنْ يُصْبحْ بِواحدةٍ وعشرين زبيبة حمرأ لم يُصِبْه إلا مرض الموت). رواه ابن الأشعث في الجعفريات (ص٢٤٣).

(١٥٨) نقل السيّد صديق حسن خان القنّوجي الهندي، عن الحكمأ أنّ (الحفظ يستدعي مزيد يبوسة في الدماغ). راجع الحطّة (ص٤٧) وانظر تدوين السنّة الشريفة (ص٣٨٦).

(١٥٩) وراجع ما ذكره المؤلّف عن (البلغم) في هذا الكتاب مكرّرا.

وقد روى الخطيب بسنده عن إبراهيم بن المختار عن عبد الله بن جعفر، قال: جاء رجل إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فشكا إليه النسيان فقال عليه السلام: (عليك بألبان البقر، فإنّه يشجّع القلب ويذهب بالنسيان). في الجامع لأخلاق الراوي ( ٢ / ٣٩٥).

١١٦

[٥٧ - أسباب النِسْيان]

وأمّا ما يُورِثُ النِسْيانَ(١٦٠) :

١ - فالمَعاصي(١٦١) .

٢ - وكثرة الهموم والأحْزان في اُمور الدّنيا(١٦٢) .

____________________

(١٦٠) ذكروا الموجبات للنسيان في مواضع خاصة، ومنها: عند ذكر خواصّ الأغذية، وبعض الأعمال المكروهة شرعا، ولم نتصدّ كذلك لاستيعابها، وإنّما نعرِضُ في الهوامش ما وقفنا عليه عَرَضا.

(١٦١) أضاف في الخشاب ونسخة (أ) هنا كلمة (كثير).

وقد نظم الشافعي هذا المعنى شعرا، فقال:

شكَوْتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفظي * فأومأ بي إلى ترك المعاصي

وقال بأنّ حِفْظَ الشيِء فضل * وفضل الله لا يُؤْتاه عاصِ

وفي الديوان:

وقال بأنَ حفظ الشيءِنُور * ونُورُ الله لا يُهدَى لعاصِ

نقله الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (٣٨٨٢) وهو في ديوان الشافعي (ص٥٤).

(١٦٢) من المناسب أنْ نورد ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (تفرَغوا من هموم الدُنيا ما استطعتُم، فإنّه مَنْ أقبل على الله عزّوجلّ بقلبه، جعل الله قلوب العباد منقادةً إليه بِالبرّ والرحمة، وكانَ إليه بكلّ خيرٍ أسرع). رواه في نزهة الناظر (ص٦).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (إطرحْ عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين). معجم ألفاظ غرر الحكم (ص١٢٣٧) مادة (همم).

١١٧

٣ - وكثرة الاشتغال والعلائق.

وقد ذكرنا(١٦٣) أنّه لا ينبغي للعاقل أنْ يهتمَ باُمور(١٦٤) الدنيا لأنّه يضرّ، ولا ينفعُ.

وهموم الدنيا لا تخلو عن الظُلمة في القلب، وهموم الاَخرة لا تخلو عن النور في القلب، وتحصيل العلوم ينفي الهمَ والحُزْنَ.

٤ - وأكل الكُزْبُرة(١٦٥) .

____________________

(١٦٣) لاحظ الفقرة.[٤١] ، وانظر: وكلمة (الدنيا) في فهرس المصطلحات

(١٦٤) كان في بعض النُسخ: (يهمّ لاُمور ...) وما أثبتناه الأصوب.

(١٦٥) أضاف في الزرنوجي: (... الرطبة).

وقد روى الصدوق مسندا إلى النبيّ ٦ أنّه قال: (تسعةُ أشيأ يُورِثْنَ النسيانَ:

١ - أكل التفاح الحامِض.

٢ - وأكل الكزبرة.

٣ - والجُبن.

٤ - وسُؤر الفارة.

٥ - وقرأة كتابة القُبور.

٦ - والمشيُ بين امْرَأتينِ.

٧ - وطرح القَمْلة.

٨ - والحجامة في النُقرة.

٩ - والبول في الماء الراكد).

رواه في الخصال (ص٤٢٣) الحديث (٢٣)، وفي كتاب مَنْ لا يحضره الفقيه ( ٤/ ٣٦١ ) في حديث وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام. ورواه في الخصال (ص٤٢٢) الحديث (٢٢) موقوفا على أبي الحسن الكاظم ، فلاحظ طبّ الإمام الكاظم عليه السلام (ص٣٧٦).

وروى الكليني بسنده عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال: (أكل التُفّاح، والكزبرة، يورث النسيان). الكافي (٦٦ - ٣٦٧).

واقرأ عن الحفظ وأسبابه، وما يزيده: الجامع لأخلاق الراوي للخطيب (ج٢، ص٣٨٥ - ٣٩٨).

١١٨

٥ - والتفّاح الحامِض.

٦ - والنظر إلى المَصْلُوب.

٧ - وقراءة لَوْح القُبور.

٨ - والمُرُور بَيْنَ قطار الجمل.

٩ - وإلقاء القَمْل الحيّ على الأرض.

١٠ - والحِجامة على نُقْرَة القَفا(١٦٦) .

كل ذلك يُورِثُ النِسْيانَ.

____________________

(١٦٦) في كنوز الحقائق ( ١/ ١٢٠): (الحجامة في نقرة الرأس تورث النسيان) (عن الفردوس للديلمي). وانظر الهامش السابق الرقم (٨) في الحديث.

١١٩

الفصل الثاني عشر

في ما يجلب الرزقَ، وما يمنع الرزقَ وما يزيد في العُمُر، وما ينقص

ثمَ لابُدَ لطالب العلم من القُوْت(١٦٧) ومعرفة ما يزيد فيه، وما يزيدُ في العمر وينقص، والصحّة، ليكونَ فارِغَ البالِ(١٦٨) في طَلَب العلم.

وفي كلّ ذلكَ صَنّفوا كُتُبا(١٦٩) .

فأوردتُ البعضَ هاهنا على الاختصار:

____________________

(١٦٧) كذا في عدّة نسخ وفي (ف، ب، ع): القُوَة.

(١٦٨) كذا في بعض النسخ، وفي الباقي: (فراغ البال) وفي الزرنوجي: (ليتفرغ لطلب العلم) بدل (ليكون العلم).

(١٦٩) كذا في الزرنوجي، وفي أكثر النسخ: كتابا.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الأدب خير مِن الذهب

يقول علي الإسكافي:

كنت حاجب أمير بغداد، وكنت أؤدِّي وظائف الحجابة وقد ساءت أوضاعي وأخذ الأمير يشكُّ بي، فأصدر أمراً بسجني ومُصادرة أموالي كلِّها، وسُجنت فترةً مِن الزمن وعانيت الذِّلَّ واليأس والألم.

في أحد الأيَّام أخبرني شرطة السجن بمجيء إسحاق بن إبراهيم الطاهري، رئيس شرطة بغداد وذلك لإحضاري، فانتابني القلق كثيراً، وخفت على حياتي فيئستُ مِن الحياة، ثمَّ اقتادوني إليه فسلَّمت عليه باحترام.

ضحك إسحاق وقال: إنَّ أخي عبد الله بن طاهر بعث لي برسالة مِن خراسان يتشفع لك، وقد وافق أمير بغداد على شفاعتي.

أصدر الأمير أمراً بإطلاق سراحي مِن السجن وأرجع جميع أموالي، ثمَّ قال لي: الآن يُمكنك الذهاب إلى بيتك فشكرت الله، ومِن شِدَّة الفرح انهمرت دموعي.

في اليوم الثاني ذهبت لزيارة الأمير إسحاق الطاهري، وشكرته على صنيعه الحسن، ودعوت الله له بالخير وقلت له: إنِّي لم أحضر لزيارة عبد الله وهولا يعرفني، فما هو السبب في عَطفه عليَّ وعنايته بيَّ.

فقال: قبل عِدَّة أيَّام وصلت رسالة مِن أخي وكتب فيها ما يلي: كانت مكاتيب أمير بغداد قبل الآن تُشعر باللُّطف والمُودَّة والمحبَّة، وكان حاجب الأمير يكتب عبارات رائقة، وكانت تلك الرسائل السبب في استحكام العَلاقات الحَسنة وتقوية العواطف والأُلفة فيما بيننا، وبعد مُدَّة تغيَّرت لهجة الرسائل، وبدت فيها الخشونة والسماجة.

ويقول: إنَّ هذه التغيُّرات كانت مِن قِبَل الأمير، حيث عزل الحاجب وسجنه

٣٠١

واستبدل بغيره، ولكن الحاجب السابق كان شخصاً عارفاً بوظيفته، وله أُسلوب خاصٌّ بكتابة الرسائل، وكان يُراعي مراتب الأدب والاحترام؛ فتجب مُساعدته ومعرفة معصيته، فإذا كانت قبالة للعفو فأنا أعفو عنه، وإذا كانت لمال فيُسدَّد مِن حسابي. اطُلب مِن الأمير العفو عنه وإرجاعه إلى عمله السابق.

وأنا قد أدَّيت رسالة أخي إلى الأمير، ولحُسن الحظِّ فقد قُبلت شفاعته عند الأمير.

بعد هذا التفصيل مِن قبل إسحاق الطاهري، أعطاني عشرة آلاف درهم، وقال: هذه هديَّة الأمير لحُبِّه لك، وبعد عِدَّة أيَّام رجعت إلى عملي السابق حاجباً للأمير، ورجعت عِزَّتي مَرَّة أُخرى، وحُلَّت مشاكلي واحدة تلو الأُخرى (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٠٢

.. والعافين عن الناس

والله يُحبُّ المُحسنين

أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد، قال: حدَّثني جَدَّي، قال: حدَّثني محمد بن جعفر وغيره، قالوا: وقف على علي بن الحسين (عليه السلام) رجل مِن أهل بيته، فأسمعه وشتمه، فلم يُكلِّمه. فلمَّا انصرف قال لجُلسائه: (قد سمعتم ما قال الرجل، وأنا أُحبُّ أنْ تبلغوا معي إليه حتَّى تسمعوا مِنِّي رَدِّي عليه).

قال: فقالوا له: نفعل، وقد كنَّا نُحبُّ أنْ تقول له وتقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: ( ... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

فعلمنا أنَّه لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج حتَّى أتى منزل الرجل، فنادى عليه، قال: (قولوا له: هذا علي بن الحسين).

قال: فخرج إلينا مُتوثِّباً للشَّرِّ، وهو لا يشكُّ أنَّه إنَّما جاء مُكافئاً له على ما كان منه: فقال له علي بن الحسين (عليه السلام):

(يا أخي، إنَّك كنت وقفت عليَّ آنفاً وقلت، فإنْ كنتَ قد قلتَ ما فيَّ، فأنا أستغفر الله منه، وإنْ كنتَ قلتَ ما ليس فيَّ، غَفر الله لك).

قال: فقبَّل الرجل ما بين عينيه وقال: بلى، قلت ما ليس فيك، وأنا أحقُّ به.

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) قادراً على التحدُّث مع ذلك الرجل بخشونة، وعلى معُاقبته بموجب الموازين الشرعيَّة، ولكنَّه - فَضلاً عن كونه لم يشتدَّ في الكلام معه ولم يُعاقبه، فإنَّه - واجهه بكلِّ نُبل وأدب، وقابل عمله السيِّئ بالإحسان، فناداه أوَّلاً بـ: (يا أخي)، فأوجد بذلك جوَّاً مِن المَحبَّة والتفاهُم، ومِن ثمَّ أشار إلى أقواله. وعلى الرغم مِن وضوح الحقيقة، ومِن معرفة كليهما بمَن هو المُذنب، فإنَّ الإمام السّجاد (عليه السلام) لم يتَّهمه بالذنب، بلْ طلب مِن الله المغفرة للمُذنب الحقيقيِّ، بادئاً بنفسه (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٠٣

ما دخلت المسجد إلاَّ لأستغفرنَّ لك

حُكي أنَّ مالكاً الأشتر كان يجتاز سوق الكوفة، وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السَّوقة فازدرى زيَّه، فرماه ببندقة تهاوناً به.

فمضى ولم يلتفت. فقيل له: ويلك! أتدري مَن رميت؟!

فقال: لا.

قيل له: هذا مالك، صاحب أمير المؤمنين (عليه السلام) فارتعد الرجل ومضى إليه ليعتذر منه، فرآه وقد دخل مسجداً وهو قائم يُصلِّي فلمَّا انفتل، أكبَّ الرجل على قدميه يُقبِّلهما، فقال: ما الأمر؟

قال: أعتذر إليك مِمَّا صنعت.

فقال: لا بأس عليك؛ فوالله، ما دخلت المسجد إلاَّ لأستغفرنَّ لك (١).

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٠٤

مَن أنصف مِن نفسه لم يزده الله إلاَّ عِزَّاً

عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) قال:

(كان علي (عليه السلام) إذا صلَّى الفجر لم يزل مُعقبِّاً إلى أنْ تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفُقراء والمساكين وغيرهم مِن الناس فيُعلِّمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه مِن مجلسه ذلك، فقام يوماً فمَرَّ برجل فرماه بكلمةِ هجوٍ - قال: ولم يُسمِّه محمد بن علي (عليه السلام) - فرجع عَوده على بدئه، حتَّى صعد المنبر وأمر فنودي: الصلاة جامعة.

فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال:

أيُّها الناس، إنَّه ليس شيء أحبُّ إلى الله، ولا أعمَّ نفعاً مِن حِلم إمام وفقهه.

ولا شيء أبغض إلى الله ولا أعمَّ ضرراً مِن جهل إمام وخرقِهِ.

ألاْ وإنَّه مَن لم يكن له في نفسه واعظ لم يكن له مِن الله حافظ.

ألاْ وإنَّه مَن أنصف مِن نفسه لم يزده الله إلاَّ عِزَّاً.

ألا وإنَّ الذِّلَّ في طاعة الله أقرب إلى الله مِن التعزُّز في معصيته.

أما إنِّي لو أشاء لقلت..

فقال رجل: أو تعفو وتصفح فأنت أهلٌ لذلك.

فقال: عفوت وصفحت).

كثيراً ما اتَّفق في حياة الإمام علي (عليه السلام) أنْ تَجرَّأ عليه بعض الجَهلة، وافتروا عليه بعض الأقاويل، فعفا عنهم الإمام وقابل إساءتهم بالإحسان؛ إذ إنَّ العفو عنهم

٣٠٥

والتغاضي عن إساءاتهم لم يكن ليَنتج عنهما أيُّ ضررٍ، بلْ كانا أحياناً يُعتبران نوعاً مِن العقاب لهم على ترك هذه الرذيلة. ولكنْ في مثل هذه الحالات كان العفو مع السكوت يُسبب أضراراً، لأنَّ العفو مِن دون قيد ولا شرط كان كفيلاً بأنْ يُحمل على ضعف الإمام، وربَّما حمل المُسيء على المضيِّ في إساءاته أكثر؛ ولهذا عزم الإمام على تعنيف المُسيء وإخراج فِكرة الأعمال العدوانيَّة مِن رأسه (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٠٦

الإيمان عمل كلُّه والقول بعضه

عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: قلت له:

أيُّها العالِم، أخبرني أيُّ الأعمال أفضل عند الله؟

قال: (ما لا يقبل الله شيئاً إلاَّ به).

قلت: وما هو؟

قال: (الإيمان بالله الذي لا إله إلاّ هو أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسناها حَظَّاً).

قال: قلت: ألا تُخبرني عن الإيمان، أهو قول وعمل، أم قول بلا عمل؟

فقال: (الإيمان عمل كلُّه، والقول بعض ذلك العمل، بغرض مِن الله بُيِّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حُجَّته، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه).

قال: قلت: صِفه لي، جُعلت فداك! حتَّى أفهمه.

قال: (الإيمان حالات ودرجات وطبقات منازل، فمنه التامُّ المُنتهي تمامه، ومنه الناقص البيِّن نُقصانه، ومنه الراجح الزائد رُجحانه).

قلت: إنَّ الإيمان ليتمُّ وينقص ويزيد؟

قال: (نعم).

قلت: كيف ذلك؟

قال: (لأنَّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح (١) ابن آدم وقسَّمه عليها

____________________

(١) الجوارح في اللُّغة: هي الأعضاء التي بها يقوم الجسم بفعاليَّاته الإراديَّة، والتي يكسب بها الخير والشَّرَّ.

٣٠٧

وفرَّقه فيه، فليس مِن جوارحه حاجةً إلاَّ وقد وكِّلت مِن الإيمان بغير ما وكِّلت به أُختها، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم، وهو أمير بدنه الذي لا تَرِد الجوارح ولا تصدر إلاَّ عن رأيه وأمره...) (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٠٨

مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله

إنَّ أعرابيَّاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:

يا رسول الله، الرجل يُقاتل للمَغنم، والرجل يُقاتل ليُذكر، والرجل يُقاتل ليُرى مكانه، فمَن في سبيل الله؟

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا فهو في سبيل الله) (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣٠٩

الأمر إلى الله يضعه حيثُ يَشاء

كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قبل الهِجرة، يغتنم فرصة تجمع القبائل والعشائر العربيَّة، التي كانت تَفِد على مَكَّة مِن كلِّ حَدبٍ وصوبٍ ليزورهم في مضاربهم يدعوهم إلى عبادة الأحد، وإلى التحرُّر مِن عبوديَّة الأصنام، ويُعلن لهم رسالة نبوَّته.

وذات مَرَّة، عندما كان التجمُّع قد اشتدَّ في مِنى، بدأ بإعلان دعوته، مُتَّجهاً أوَّلاً إلى مضارب بني كلب، ومِن ثمَّ إلى مضارب بني حنيفة، عارضاً على هاتين القبيلتين الدخول في الإسلام، ولكنَّهما رفضتا دعوته وردَّتاه، فاتَّجه إلى بني عامر وعرض عليهم الإسلام.

وكان رجل مِن رؤسائهم اسمه (بحيرة) قد جذبه مظهر الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولهجته الرصينة النافذة، فقال: لو أُتيح لي أنْ أستميل هذا الرجل عن قريش إليَّ، لاستطعت وبقُدرته أُسيطر على العرب جميعاً وأستحوذ على طاعتهم.

ثمَّ التفت إلى رسول الله وقال: أرأيت إنْ نحن بايعناك على أمرك، ثمَّ أظهرك الله على مَن خالفك، أيكون لنا الأمر مِن بعدك؟

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (الأمر إلى الله يضعه حيثُ يَشاء).

فقال له: أفتُهدَفُ نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه.

لم يكن بنو عامر يُدركون ما في قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يفهموا معنى أنْ يكون الأمر لله يضعه حيثُ يشاء. ولو أنَّ نبيَّ الإسلام قَبِلَ - يومذاك - ما طلبه (بحيرة) لكان يَعد بني عامر مِن بعده، ويُحيي آمالهم بالمُستقبل، ولالتفَّ حوله أبناء تلك

٣١٠

القبيلة، يضعون تحت أمره كلَّ ما كان فيهم مِن قوَّة وسلاح، ولكنَّ الإسلام ينتشر بسُرعة، وكان هذا بذاته يُعدُّ نجاحاً كبيراً، وفائدة عُظمى. وكان قائد الإسلام، المبعوث مِن الله لتربية الإنسان، والقدوة في مكارم الأخلاق، ما كان ليخطو خُطوة لا تَّتفق وشرف الإنسانيَّة، ولا يَعِدُ بما لا حقيقة له (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣١١

الماء لا يُمنَع عن أحد

صِفِّين أرض تقع غرب نهر الفرات بين (الرقة) و(بالس)، حيث دارت رحى حربٍ ضَروسٍ بين جيش الإمام علي (عليه السلام) وجيش مُعاوية، أصابت كلا الطرفين بخسائر كبيرة، فقد جاء في بعض الروايات أنَّ جيش علي (عليه السلام) ضَمَّ تسعين ألف جنديٍّ، بينما بلغ جيش مُعاوية مِئة وعشرون ألفاً.

كانت أرض صِفِّين مُرتفعة عن نهر الفرات، فكانوا يستخدمون الدلاء للاستقاء. ولكنْ في المناطق المزدحمة بالقوافل وبالأنعام والأغنام التي ترد الماء، لم يكن للدلاء نفع كبير، فكان الناس قد شقُّوا طريقاً في المناطق المُنخفضة للوصول إلى شريعة الماء بحيواناتهم وإبلهم فيَردِونها ويحملون مِن الماء ما يحتاجونه في رحلتهم.

في صِفِّين كانت الشريعة عريضة تَفي لسقي كلا الجيشين دون عناء، ولوصول الفُرسان إلى الماء، هُمْ وخيولهم، لحمل ما يحتاجون مِن الماء. وقبل اندلاع حرب صِفِّين، عزم مُعاوية بن أبي سفيان على الاستيلاء على شريعة الفرات، ومنع جيش علي (عليه السلام) مِن الوصول إلى الماء، للتضييق عليهم، والانتصار في الحرب. ونفَّذ معاوية عزمه، فوَكَل لحراسة الشريعة جيشاً قوامه أربعون ألف جنديٍّ بإمرة أبي الأعور؛ ليمنعوا جيش علي (عليه السلام) عن الماء.

وإذ حاول نفر مِن جنود الإمام الوصول إلى الماء، منعهم جنود مُعاوية، وتجالدوا ساعة، ثمَّ عاد جنود الإمام إلى مُعسكرهم دون ماء. وانتشر خبر ضرب الحصار على شريعة الفرات، فغضب جنود الإمام، وأرادوا أنْ يبدأوا الهجوم بأسرع ما يُمكن لطرد جيش مُعاوية عن شريعة الماء، ولكنَّ الإمام علي (عليه السلام) لم يكن يُريد أنْ يكون هو البادئ بالحرب، فيحتكم إلى السيف قبل إتمام الحُجَّة على مُعاوية وجيشه.

٣١٢

ولكي يُبيِّن الموقف، استدعى عبد الله بن بديل، وصعصعة بن صوحان وشبث بن ربعي، وطلب إليهم الذهاب إلى مُعاوية ليقولوا له: إنَّه لم يأت بجيشه ليُحارب على الماء، فليأمر مُعاوية جنوده بإخلاء طريقهم إلى الماء.

انطلق أعضاء الوفد إلى مُعاوية وأبلغوه رسالة الإمام (عليه السلام)، وتحدَّثوا بأنفسهم عن الأمر أيضاً، وراحوا يُحذِّرون مُعاوية مِن إراقة الدماء وإشعال الفتنة. كما أنَّ بعضاً مِن حاشية مُعاوية الذين حضروا المجلس أوردوا بعض الكلام، وكان بعضهم شديد المُعارضة لاحتكار الماء، غير أنَّ مُعاوية ظلَّ مُصرَّاً على موقفه وردَّ الوفد خائباً.

رجع أعضاء الوفد وشرحوا للإمام ما جرى في مجلس مُعاوية.

وإذ سمع الجيش بالخبر اشتدَّ به الغضب، وتهيَّأ لخوض معركة دامية. وبعد أنْ أرخى الليل سُدوله وغَطَّى الظلام كلَّ شيء، خرج الإمام علي (عليه السلام) مِن خيمته يتفقَّد العسكر، فسمع الجنود في خيامهم يتحدَّثون عن ظلم مُعاوية، ومُحاصرة شريعة الماء، ومُشكلة العطش. كانوا يترنَّمون بالشعر الحماسيِّ، ويتحاورون في شؤون الحرب وهم ينتظرن صدور الأمر بالحرب.

وعند عودته إلى خيمته، دخل عليه الأشعث بن قيس، ثمَّ مالك الأشتر وأخذا يشرحان ظروف فُقدان الماء واستعداد الجنود للمُباشرة بالحرب، وطلبا مِن الإمام أنْ يُصدِر أمره بالهجوم على جيش مُعاوية لتحرير شريعة الماء، وإنهاء هذه الحالة الشائنة. كان الإمام قد أوفد وفده إلى مُعاوية وأتمَّ الحُجَّة عليه دون أنْ ينصاع مُعاوية للحقِّ، فلم يجد الإمام (عليه السلام) بُدَّاً مِن أنْ يأمر ببدء الحرب، فخاطبهم قائلاً:

(فإن القوم قد بدأوكم بالظلم، وفاتحوكم بالبغي واستقبلوكم بالعُدوان).

عاد مالك والأشعث إلى جنودهما قائلين لهم: مَن لا يخاف الموت فليتهيَّأ لبزوغ الفجر. فتطوَّع لذلك نحو اثني عشر ألف جنديٍّ. وبدأت الحرب عند بزوغ

٣١٣

الشمس. وكانت حرباً شديدة، قُتِل فيها مِن الجانبين خَلق كثير، ولكنَّ قتلى جيش الشام كان أكثر عدداً. وانتصر جيش الإمام (عليه السلام)، ودُحر جيش مُعاوية وانهزم ووقعت شريعة الماء بيد جيش الإمام.

بعد هذه الهزيمة سأل مُعاوية عمرو بن العاص: ما رأيك؟ ألا ترى أنَّ عليَّاً سيمنع الماء عنَّا؟ فردَّ عليه عمرو بن العاص قائلاً: لا أرى عليَّاً يمنع الماء عن مخلوق.

مضى على ذلك يومان مِن دون حادث بشأن الماء. وفي اليوم الثالث أرسل مُعاوية وفداً مؤلَّفاً مِن اثني عشر رجلاً إلى الإمام علي (عليه السلام) يستجيزونه في الاستسقاء، فقال قائلهم في حضرة الإمام (عليه السلام): ملكتَ فامنح، وجُد علينا الماء، وأعفُ عمَّا سلف مِن مُعاوية.

فقال لهم الإمام (عليه السلام): عودوا إلى مُعاوية وأبلغوه أنَّ أحداً لا يمنعهم عن الماء. وأمر أنْ يُنادى بذلك بين الجنود. فاستتبَّ الهدوء على شطِّ الفرات ثلاثة أيَّام، يَرِده كلا الطرفين. ولكنْ عادت إلى مُعاوية فِكرة الاستيلاء على الشطِّ واحتكار الماء، فبادر إلى خدعة يبعد بها جنود الإمام عن مواضعهم عند الشريعة، ليحتلَّ مواضعهم. فأمر أنْ يكتب على شاخص خشبي: يُحذِّركم واحد مِن عباد الله المُحبِّين لأهل العراق مِن أنَّ مُعاوية ينوي كسر سَدِّ الفرات ليَغرق الجنود على الشطَّ، فكونوا على حذر.

وفي الليل وضِع الشاخص في قوس ورُمي به بين جنود العراق. وعند طلوع الفجر لاحظ جنديٌّ الشاخص وقرأ ما عليه، وناوله غيره، حتَّى أوصلوه إلى الإمام (عليه السلام)، فقال: (هذه خدعة مِن مُعاوية، يُريد إرعابكم ليُشتَّتكم).

وعند الصُّبح شاهد العراقيُّون مئتين مِن جنود مُعاوية الأشدَّاء يحملون المعاول والمجارف، يقدمون إلى حيث سدِّ الفرات، وبدأوا التخريب فيه وهُمْ يتصايحون،

٣١٤

فصدَّق العراقيُّون مقولة صاحب الشاخص، وأنَّه قد نصح لهم، فارتأى القادة ورؤساء القبائل أنْ الصلاح في ترك شريعة الماء لينجوا بأنفسهم مِن خطر مُحتمل. ولم يأت المغرب حتَّى كانت الشريعة قد أُخليت مِن الجند ومِمَّا حولها مِن الخيام والمرابض.

وعند مُنتصف الليل أمر مُعاوية جنوده باحتلال الشريعة، وأنْ ينصبوا خيامهم بمكان خيام جند الإمام (عليه السلام). وعند الصُّبح أدرك العراقيُّون أنَّ مُعاوية قد خدعهم، وخجلوا مِن عدم تصديق الإمام، وندموا على ما فرط منهم، وجاء بعض الرؤساء يطلبون العفو مِن الإمام، ووعدوه ببذل كلِّ ما يستطيعون لجبر هذا الكسر الشائن. وتقدَّم مالك والأشعث يخطبان في الجنود، الذين كانوا يشعرون بالخجل وبالغضب، فأثارتهم خُطبهما وأهاجتهم، حتَّى إنَّهم جرَّدوا سيوفهم مِن أغمادها وتعاهدوا على الموت، وانحدروا نحو الميدان كالأسود الهائجة، واشتبكوا مع جُند مُعاوية في حرب ضَروس دمويَّة، فقُتل عدد مِن الجانبين، ولم ينقض النهار حتَّى ضعف جنود مُعاوية على المُقاومة وولُّوا الأدبار حتَّى ثلاثة فراسخ، وانتصر جيش الإمام علي (عليه السلام)، واستعاد سيطرته على شطِّ الفرات.

وتقدَّم الأشعث إلى الإمام علي (عليه السلام) يُهنِّئه بالانتصار ويستأذنه في منع الماء عن جيش مُعاوية، فرفض الإمام ذلك وقال: إنَّ الماء يجب أنْ يكون في مُتناول الجميع. ولكيلا يظنَّ مُعاوية أنَّه ممنوع مِن الماء، لم ينتظر الإمام مجيء وفد مِن مُعاوية، بلْ بادر بإرسال مبعوث يُخبر مُعاوية بأنَّه لا يُقابل عمله القبيح بمثله، وله أنْ يستقي لجنوده كالسابق.

٣١٥

هي حُرَّة لِمَمْشاك

عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: (جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد بلي ثوبه، فحمل إليه اثني عشر درهماً فقال: يا علي خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً ألبسه.

قال علي (عليه السلام): فجئت إلى السوق، فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً، وجئت به إلى رسول الله، فنظر إليه، فقال:

يا عليُّ غَيْرُ هذا أحبُّ إليَّ؛ أترى صاحبه يُقيلنا؟

فقلت: لا أدري.

فقال: انظُر.

فجئت إلى صاحبه، فقلت: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كره هذا، يُريد ثوباً دونه؛ فأقلنا فيه، فردَّ عليَّ الدراهم وجئت بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمشى معي إلى السوق ليبتاع قميصاً، فنظر فإذا جارية تبكي، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما شأنك؟

قالت: يا رسول الله، إنَّ أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت، فلا أجسر أنْ أرجع إليهم.

أعطاها رسول الله أربعة دراهم وقال لها: إرجعي إلى أهلك.

ومضى رسول الله إلى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه وحمد الله. وخرج فرأى رجلاً عُرياناً يقول: مَن كساني كساه الله مِن ثياب الجَنَّة، فخلع رسول الله قميصه الذي اشتراه وكسا السائل، ثمَّ رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر فلبسه وحمد الله.

ورجع إلى منزله فإذا الجارية قاعدة على الطريق.

فقال لها رسول الله: ما لك لا تأتين أهلك؟

٣١٦

قالت: يا رسول الله، إنِّي قد أبطأت عليهم وأخاف أنْ يضربوني.

فقال لها رسول الله: مُرِّي بين يديَّ ودُلِّيني على أهلك.

فجاء رسول الله حتَّى وقف بباب دارهم، ثمَّ قال:السلام عليكم يا أهل الدار. فلم يُجيبوه، فأعاد السلام فلم يُجيبوه، فأعاد السلام، فقالوا: عليك السلام يا رسول الله، ورحمة الله وبركاته، فقال لهم: ما لكم تركتم إجابتي في أوَّل السلام والثاني.

قالوا: يا رسول الله، سمعنا سلامك فأحببنا أنْ نستكثر منه.

فقال رسول الله: إنَّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها.

فقالوا: يا رسول الله، هي حُرَّة لممشاك) (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣١٧

الآن يدخل كلامي في أُذنك

في القَرن السادس الهِجري وصل (ابن سلاَّر) - وكان ضابطاً في الجيش المصري - إلى مقام الوزارة، وراح يحكم الناس بكلِّ اقتدار.

كان هذا مِن جِهة شجاعاً نشيطاً ذكيَّاً، وكان مِن جِهة أُخرى أنانيَّاً فظَّاً ظالماً، وقد خدم أثناء حُكمه كثيراً، كما ظلم كثيراً.

عندما كان (ابن سلار) ضابطاً في الجيش، حكم عليه بدفع غرامة، فشكا الأمر إلى (أبي الكرم) مُحاسب الديوان وأوضح له الأمر. غير أنَّ أبا الكرم أهمل كلامه بحَقٍّ أو بدون حَقٍّ، وقال له: إنَّ كلامك لا يدخل في أُذني. فغضب ابن سلار منه وحقد عليه، وما أنْ تسلَّم مقام الوزارة حتَّى انتهز الفرصة للانتقام، فألقى القبض عليه، وأمر أنْ يدقَّ في أُذنه مسمار طويلاً، فدقَّ حتَّى خرج مِن أُذنه الأُخرى. ومع كلِّ صرخة مِن صرخات أبي الكرم عند طَرق المسمار في أُذنه، كان ابن سلار يقول له: الآن يدخل كلامي في أُذنك. ثمَّ أمر بشنق جُثَّته الهامدة بتعليقه مِن المسمار الداخل في رأسه.

لقد جرح أبو الكرم خاطر ابن سلار وأصاب قلبه بكلامه. ولو كان ابن سلار مِن ذوي السجايا الإنسانيَّة، سليم الفكر، لبرئ جُرح قلبه بعد بضعة أسابيع أو شهور، ولنَسي تلك الحادثة المُرَّة، ولكنَّه كان مُصاباً في فكره بفساد الأخلاق، فلم يلتئم جُرحه بسبب أنانيَّته وحِقده وحُبِّه للانتقام.

ولهذا، وبعد مرور عِدَّة سنوات ووصوله إلى الوزارة، ونيله فرصة للانتقام، انتقم مِن ذلك الكلام الجارح، وشفى غليله، ولكنَّه في سبيل ذلك ارتكب عملاً وحشيَّاً بعيداً عن الإنسانيَّة، فقتل رجلاً شَرَّ قتلة بسبب ما تفوَّه به (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣١٨

لم يُعطَ أحدٌ شيئاً أضرَّ له في آخرته

مِن طلاقة لسانه

أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعرابيٌّ وقال له:

ألستَ خيرنا أباً وأُمَّاً، وأكرمنا عقباً، ورئيسنا في الجاهليَّة والإسلام؟

فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: (يا أعرابيُّ، كمْ دون لسانك مِن حجاب؟).

قال: اثنان، شَفتان وأسنان.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (فما كان في واحد مِن هذين ما يردُّ عنَّا غرب لسانك هذا؟ أما إنَّه لم يُعطَ أحد في دنياه شيئاً هو أضرُّ له في آخرته مِن طلاقة لسانه. يا عليُّ، قُمْ فاقطع لسانه).

فظنَّ النّاس أنَّه يقطع لسانه، فأعطاه دراهم.

لقد كان كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث إنَّ الحاضرين حسبوا أنَّ عليَّاً (عليه السلام) سوف يقطع لسانه فعلاً، ولكنَّ قائد الإسلام أعرب بكلماته الشديدة عن عدم استحسانه لما تفوَّه به الأعرابي مِن جِهة، وأفهم الحُضَّار، مِن جِهة أُخرى، أنَّ التملُّق والمُداجاة مِن العيوب الخلقية الكبيرة وأنَّ على المسلمين أنْ يحذروا التخلُّق بمثل هذا الخُلق المُذلِّ الشائن (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج١.

٣١٩

المجالس بالأمانة

قيل لعلي بن الحسين (عليه السلام): إنَّ فلاناً ينسبك إلى أنَّك ضالٌّ مُبتدعٌ.

فقال للقائل: (ما رعيت حَقَّ مُجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أدَّيت حَقِّي حيث أبلغتني عن أخي ما لستُ أعلمه).

عندما يسمع البعض أحداً يغتاب صاحباً له ينقلون إليه الغيبة، بدلاً مِن أنْ يدافعوا عنه، ظانِّين أنَّهم بهذا يُقدِّمون خِدمة لصاحبهم مِن جِهة بإطلاعه على ما يُقال عنه، ويكشفون له، مِن جِهة أُخرى، مقدار ما يُكنُّونه له مِن حُبٍّ وصداقة، ولكنَّ الإمام السجاد (عليه السلام) اعتبر هذا العمل مُثيراً للفتنة ومِن العيوب المعنويَّة والسيِّئات الأخلاقيَّة، فقبَّح فعل النمَّام وانتقد عمله مِن جِهتين.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421