القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 360953 / تحميل: 10467
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ـ ٥ ـ

تراجم بعض الأعلام المشاهير من ذرّيّة العبّاس عليه السلام

عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام :

وقد مرّ ذكره وسيأتي مكرّراً ، والّذي ينبغي ذكره هنا وهو ما لم يذكر في مصادر ترجمته ، ما نقل عن محمّد بن سليمان (عن محمّد بن عُبَيْد الله)(١) قال : «وَجَدْتُ في كُتُب جدّي عُبَيْد الله بن العَبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام»(٢) .

أقول : وهذا يدلّ على أنّهُ كانت عندهُ تلك الكُتُبُ إنْ لم يكنْ هو المُؤلِّفُ لها.

وقال التستري : في ولد العبّاس جمعٌ ممدوحون ، فمنهم ابنه «عُبَيْد الله» فعن الزُبير بن بكّار : إنّه كان من العلماء(٣) .

إبراهيم بن محمّد بن عَبْد الله بن عُبَيْد الله بن الحسن بن عُبَيْد الله (٤) بن العبّاس عليه السلام :

قال أبو الفرج الأصفهاني : قُتل إبراهيم بن محمّد بن عَبْد الله بن عُبَيْد الله

__________________

(١) ما بين القوسين من طبعة مؤسسة زيد.

(٢) درر الأحاديث اليحيوية ، في الخاتمة التي ذكر فيها ترجمة الهادي صاحب الأحاديث (ص ١٧٣) من طبعة مؤسسة زيد ، و(ص ١٩٤) من الأعلمي.

(٣) التّستري ، تواريخ النبيّ صلى الله عليه وآله والآل عليهم السلام (ص ١٣٨ ـ ١٤٠).

(٤) كذا الصواب ، وفي المطبوع : عبد الله.

٣٢١

ابن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ. واُمّه اُمّ ولد. قتله طاهر بن عَبْد الله في وقعة كانت بينه وبين الكوكبيّ بقزوين(١) .

إسماعيل (٢) بن عَبْد الله بن عُبَيْد الله بن الحسين بن عُبَيْد الله بن العبّاس ابن عليّ بن أبي طالب عليه السلام :

وهو إسماعيل بن عَبْد الله بن عُبَيد الله بن الحسين بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ ابن أبي طالب عليه السلام وكانت تحته أمّةُ الله بنت أحمد بن عيسى بن زيد.

وأحمد هو المختفي بن عيسى مؤتم الأشبال ابن زيد ، كان عالماً فقيهاً كبيراً زاهداً ، واُمّه عاتكة بنت الفضل بن عَبْد الرحمن بن العبّاس بن الحرب ، الهاشميّة ، ومولده سنة ثمان وخمسين ومِائة ، ووفاته سنة أربعين ومِائتين ، وعَمِيَ في آخر عمره ، وكان قد بقيَ في دار الخلافة منذُ تَسَلَّمَهُ الهادي ، ولمّا مات الهادي كان عند الرشيد إلى أن كبرَ فخرجَ ، وأُخِذَ وجُبَّ ، فخلص واختفى ، إلى أن ماتَ بِالبصرة ، وقد جاوزَ الثمانين ، فلذلك سُمّي المُختفي.

قال شيخنا أبو نصر البخاري : طلبهُ المُتوكّلُ فوُجِدَ في بيت ختنه بالكوفة وقد نزل الماء في عينيه فخلّى سبيله(٣) .

__________________

(١) أبو الفرج ، مقاتل الطالبيّين (ص ٤٣٤).

(٢) لعلّه إسماعيل بن عبد الله بن الحسن بن عُبيد الله بن الحسن بن عُبيد الله بن العبّاس بن علي ابن أبي طالب عليه السلام.

(٣) عمدة الطالب : ٣٩٨.

٣٢٢

ـ حمزة بن القاسم بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس ابن عليّ بن أبي طالب عليه السلام :

قال النّجاشيّ : أبو يعلى ، ثقةٌ جليلُ القدر ، من أصحابنا ، كثيرُ الحديث ، له «كتاب مَن رَوى عن جعفر بن محمّد عليه السلام من الرجال» وهو كتابٌ حسنٌ ، وكتاب (التّوحيد) وكتاب (الزيارات والمناسك) كتاب (الردّ على محمّد بن جعفر الأسديّ). أخبرنا الحُسين بن عُبَيْد الله ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد القلانِسيّ ، عن حمزة بن القاسم ، بجميع كتبه(١) .

أقول : هذا هو المنسوب إليه المرقد المعروف في العراق في قرية تعرف باسم (الحمزة الغربيّ) التابع لناحية (المدحتيّة) في قضاء (الهاشميّة) من مدينة (الحلّة).

وقد فصَّلَ الكلام عن هذا السيّد الشريف في كتاب (المثل الأعلى في ترجمة ابي يعلى) للشيخ الأردوباديّ(٢) .

داود بن محمّد بن عَبْد الله بن عُبَيْد الله بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام :

قال أبو الفرج : قتله إدريس بن موسى بن عَبْد الله بن موسى ، بِيَنْبُع(٣) .

__________________

(١) النّجاشي ، الرّجال (١٠١ ـ ١٠٢).

(٢) وقد طبع الدكتور السيّد جودت القزوينيّ هذا الكتاب محقّقاً ومعلّقاً عليه باستدراكاتٍ قيّمةٍ في لندن عام ١٩٩٢ م وأدرجه الشيخ محمّد عليّ السالكيّ في كتاب «أمّ البنين سلام الله عليها». وطبعه السيّد حسن الأمين في ملاحق دائرة المعارف الشيعية الجزء (٢٧). وكتب الدكتور القزويني كتاباً بعنوان «الحمزة الغربيّ» أورد فيه رأياً آخر ، لابدّ من مراجعته.

(٣) مقاتل الطّالبييّن / ٤٥٤.

٣٢٣

ـ العبّاس بن الحسن بن عُبَيْد الله بن عبّاس ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أبو الفضل ، العلويّ ، المدنيّ :

قال الذهبيّ : قدم بغداد في دولة الرشيد ، وبقي في صُحبته ، ثمّ صحبَ بعدَه وَلَدَهُ المأمون ، وكان شاعراً بليغاً مُفوّهاً ، حتّى قيل : إنّه أشعر آل أبي طالب كلّهم(١) .

وذكره الصّفديّ ، وقال ك توفّي سنة ثلاث وتسعين ومائة(٢) .

وعن الخطيب : كان فاضلاً شاعراً فصيحاً ، وله إخوة علماء فضلاء : محمّد ، وعبيد الله ، والفضل ، وحمزة ـ ـ ـ إلى آخره(٣) .

عُبَيْد الله بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام :

قال الخطيب البغداديّ : من أهل مدينة رسول الله ، قدم بغداد غير مرّةٍ ، وولّاه المأمون القضاء بالحِجاز ، ثمّ عزله ، وببغداد كانت وفاته.

أخبرنا الأزهريّ ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، حدّثنا أحمد بن سليمان الطّوسيّ ، حدّثنا الزّبير بن بكّار ، قال :

وَلَدُ الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

العبّاسُ : كان في صحابة أمير المؤمنين هارون.

ومحمّدٌ : لا بقيّة له.

وأُمّهما أُمّ ولد.

__________________

(١) تاريخ الإسلام للذهبي (٤ / ١١٣٥) رقم ١٤٨.

(٢) الوافي بالوفيّات (١٦ / ٦٤٨ رقم ٦٨٨).

(٣) التستري ، تواريخ النبيّ صلى الله عليه وآله والآل عليهم السلام (ص ١٣٨ ـ ١٤٠).

٣٢٤

وعُبَيْد الله : كان طاهرُ بن الحسين استعمله على وفد أهل المدينة الّذين أوفدهم العبّاس بن موسى بن عيسى إلى أمير المؤمنين المأمون بخراسان ، فزاده فيهم طاهر بن الحسين ، واستعمله عليهم ؛ فلمّا شخص أمير المؤمنين المأمون إلى بغداد ؛ ولّاه المدينة ومكّة وعكّ ، وقضاءهنّ ، وكان عليها سنين ، ثمّ عزله عنها ، فقدم عليه بغداد ، فمات بها في زمن أمير المؤمنين المأمون.

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن يحيى العلويّ ـ حديثاً ـ قال : سمعت محمّد بن يوسف الجعفريّ يقول : ما رأيتُ أحداً في مجلسٍ كان أهيبَ ولا أهْيَأَ ولا أَمْرَأَ من عُبَيْد الله بن حسن(١) .

عُبَيْد الله بن عليّ بن إبراهيم بن الحَسَن بن عُبَيْد الله بن العبّاس :

قال التستريّ : أبو عليّ. فعن ابن الجوزيّ : إنّه كان عالماً فاضلاً جواداً ، طافَ الدُنيا ، وجمع كُتُباً تُسمّى «الجعفريّة» فيها فقهُ أهل البيت عليهم السلام قدمَ بَغداد فأقام بِها وحّدَّثّ ، ثُمّ سافر إلى مصر ؛ فتُوفّي بها سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة. وقال الخطيب : كان يمتنع من التحديث ، ثمّ حدّث وكتبت عنه وعن البغداديّين وكانت عنده كتبٌ تُسمّى «الجعفريّة» فيها فقهٌ على مذهب الشّيعة(٢) .

عُبيد الله بن موسى العلويّ العبّاسيّ :

روى النّعمانيّ في غيبته(٣) عن البندنجي ، عنه ، والظّاهر إماميّته(٤) .

__________________

(١) تاريخ بغداد (١٠ / ٣١٣ ـ ٣١٤).

(٢) التّستري ، تواريخ النبيّ صلى الله عليه وآله والآل عليهم السلام (ص ١٣٨ ـ ١٤٠).

(٣) الغيبة للنّعمانيّ : (ص ٥٢ ح ٣) و(ص ٥٣ ح ٤) و(ص ٥٤ ح ٥ و ٧).

(٤) التّستري ، تواريخ النبيّ صلى الله عليه وآله والآل عليهم السلام (ص ١٣٨ ـ ١٤٠).

٣٢٥

عليّ بن الحسين بن عليّ بن حمزة :

روى أبو الفرج عنه ، عن عمّه محمّد بن عليّ بن حمزة(١) .

عليّ بن حمزة بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس عليه السلام :

وثّقه النّجاشيّ وقال : روى نسخة عن الكاظم عليه السلام وذكر أيضاً ابنه محمّد بن عليّ بن حمزة الشاعر(٢) وسيأتي ذكر ابنه محمد.

عليّ بن محمّد بن عُبَيْد الله بن عَبْد الله بن عُبَيْد الله بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس [قَمَر أهل البيت] ابن أمير المؤمنين [صلوات الله وسلامه عليهم] :

من نُجباء الناشئين في أيّام الهادي [إلى الحقّ من أئمّة الزيديّة] صلوات الله عليه ، ذي المقامات الشهيرة بين يديه ، وأَحَد الشُهداء مع الهادي ، كان يكتبُ كتابه عليه السلام بِنَجْران ، فنُقِلَ من المعركة حيّاً إلى خيوان ، وتُوُفِّيَ بِها ، وقبرُهُ مَشْهورٌ مَزورٌ(٣) .

الفضل بن محمّد بن الفضل بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس ابن أمير المؤمنين عليه السلام :

الشاعرُ الخطيبُ المكنّى أبا العبّاس ، وله ولد بقمّ وطبرستان ، ولأبي العبّاس الفضل هذا في جدّه العبّاس السّقّاء ابن عليّ بن أبي طالب عليه السلام :

__________________

(١) التّستري ، تواريخ النبيّ صلى الله عليه وآله (ص ١٣٨ ـ ١٤٠). وانظر أمالي الطوسي ص ٥٧٠ ح ١١٨٠.

(٢) التستري ، تواريخ النبيّ صلى الله عليه وآله والآل عليهم السلام (ص ١٣٨ ـ ١٤٠).

(٣) كذا في (ص ١٥) من كتاب (سيرة الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين ت ٢٩٨) المطبوع بتحقيق الدكتور سهيل زكّار السوريّ ، دار الفكر ، بيروت سنة ١٤٠١.

٣٢٦

إنِّي لأَذْكُرُ لِلعبّاسِ موقِفَهُ

بِكربلاءَ وهامُ القومِ تُخْتَطَفُ

يحمي الحسينَ ويسقيهِ على ظَمَأٍ

ولا يُولّي ولا يَثني فيَخْتَلِفُ

فلا أرى مشهداً يوماً كمشهدِهِ

معَ الحسين عليهِ الفضلُ والشّرفُ

أكرِمْ بِهِ مشهداً بانَتْ فضائِلُهُ

وما أضاعَ لهُ أفعالَهُ خلفُ(١)

ويقول في جدّه عليه السلام أيضاً :

أحقُّ النّاسِ أنْ يُبكى عليهِ

إذا(٢) أبكى الحسينَ بِكربلاءِ

أخوهُ وابنُ والِدِهِ عليٍّ

أبُو الفضلِ المُضرّجُ بِالدّماءِ

ومَنْ واساهُ لا يَثنيهِ شيءٌ

وجاءَ لَهُ على عَطَشٍ بِماءِ(٣)

قال الأمين : هو شاعرٌ معاصرٌ للمتوكّل الّذي مات سنة ٢٤٧ هـ واُمّه جعفريّة ، وأبوه محمّد بن الفضل من الشعراء المعاصرين للمأمون العبّاسيّ(٤) .

محمّد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس :

ونجم النّاجِمُ بِالبصرة ، فخرج إليه عليّ بن زيد ومعه جماعة من الطالبيِّين ، منهم : محمّد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عُبَيْد الله بن

__________________

(١) المجدي ، / ٢٣٢ = مثله السّماوي ، إبصار العين ، / ٣١ ؛ الأمين ، أعيان الشّيعة ، ٨ / ٤٠١. والأبيات الأوّل والثّاني والرّابع في «معجم الشّعراء» للمرزبانيّ (ص ١٨٤) وفيه :

أكرم به سيّداً بانت فضيلته

وما أضاع له كسب العلا خلف

(٢) ذكر أرباب المقاتل : فتىً أبكى ـ ـ ـ إلى آخره.

(٣) القاضي النعمان ، شرح الأخبار ، (٣ / ١٩٣). وذكر ذلك في تاريخ بغداد (١٢ / ١٣٦) والمقاتل ص ٨٤ ، فهم يؤيّدون المؤلّف في نسبتها إلى الشاعر المذكور.

(٤) ذكره في أعيان الشّيعة (٤٢ / ٢٨٢).

٣٢٧

العبّاس بن عليّ بن أبي طالب. وأُمّه لُبابة بنتُ مُحمّد بن إبراهيم بن الحسن ابن عُبَيْد الله(١) .

محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس بن الحسين بن عُبيد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

يكنّى أبا إسماعيل شاعرٌ يُكثرُ الافتخار بِآبائه رِضوانُ اللهِ عليهم ، وكان في أيّام المُتوكّل وبقي بعده دهراً ، وهو القائل :

إنّي كَريمٌ مِن أكَارِم سادَةٍ

أَكُفُّهُمُ تَنْدَى بِجَزلِ المَواهِبِ

هُمُ خَيرُ مَنْ يَحْفَى وأكْرَمُ ناعِلٍ

وذِرْوَةُ هُضْبِ الغُرِّ مِن آلِ غالِبِ

هُمُ المَنُّ والسَلْوى لِدانٍ بِوُدِّهِ

وكَالسُمِّ في حَلْقِ العَدُوِّ المُجانِبِ

وله :

وجَدّيْ وَزيْرُ المُصْطَفى وابنُ عَمِّهِ

عَلِيٌّ شِهابُ الحَرْبِ في كُلِّ مَلْحمِ

أَلَيْس بِبَدْرٍ كانَ أوّلَ قاحِمٍ

يُطِيْرُ بِحَدِّ السَيْفِ هامَ المُقحّمِ

وأوّلَ مَنْ صَلّى ووَحّدَ رَبّهُ

وأَفْضلَ زُوّارِ الحَطيْمِ وزَمْزَمِ

وصاحِبَ يَوْمِ الدَوْحِ إِذْ قامَ أَحْمَدٌ

فَنادى بِرَفْعِ الصَوْتِ لا بِتَهَمْهُمِ

جَعَلْتُكَ مِنّيْ يا عَلِيُّ بِمَنْزِلٍ

كَهارُونَ مِنْ مُوسَى النَجِيِّ المُكَلَّمِ

فَصَلّى عَلَيْهِ اللهُ ما ذَرَّ شارِقٌ

وأَوْفتْ حَجُوْنَ البَيتِ أَرْكُبُ مُحْرِمِ(٢)

كذا في طبعة عبد الستّار فرّاج من «معجم الشعراء» للمرزبانيّ.

__________________

(١) أبو الفرج ، مقاتل الطّالبيّين (ص ٤٣٦).

(٢) معجم الشعراء للمرزباني.

٣٢٨

لكنّ الدكتور فاروق اسليم ، محقّق «معجم» المرزبانيّ سنة ١٤٢٥ من دار صادر في لبنان ، ذكر أنّ (الترجمة والشعر) هما لشخصٍ علويٍّ آخر ، هو : «محمّد بن جعفر بن محمّد بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب» مُستدلّا على ذلك بما جاء في كتاب (المحمّدون من الشعراء) للقفطيّ ، و(الوافي بالوفيات) للصفديّ ، وهذان ينقلانِ عن المرزبانيّ مُبارةً.

أقول : وقد بحثتُ عن المذكور باسم «محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس بن الحسين بن عبّد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب» في من انتسب إلى أبي الفضل العبّاس عليه السلام فلمْ أجدْ له ذكراً. مع أنّ في هذه السلسلة من التصحيف والتحريف ما ذكره المحقّق د. فاروق اسليم.

فالصوابُ ما أثبته هذا المحقّق في طبعته القيّمة.

محمّد بن حمزة بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

قتله محمّدُ بن طغج في بُستانٍ له ، في خلافة المكتفي العبّاسي.

قال أبو الفرج : حدّثني أحمد بن محمّد المسيّب ، قال : كان محمّد بن حمزة من رجالات بني هاشم ، وكان إذا ذكر ابن طغج لا يؤمّره ويثلبه ، ويستطيل عليه إذا حضر مجلسه ، فاحتال ابنُ طغج على غلامٍ لبعض الرجّالة ، فسترهُ ، ثمّ أعلم صاحبه أنّه في دار محمّد بن حمزة ، وغرّاهُ به ، فاستغوى جماعةً من الرجّالة ، فكبسوهُ ـ وهو في بستانٍ ـ فقطّعوهُ

٣٢٩

بِالسكاكين ، وبقي عامّة يومه مطروحاً في البستان ، وهم يتردّدون إليه ؛ فيضربُونه بِسُيوفهم ، هيبةً لهُ وخوفاً أنْ يكون حيّاً أو به رمقٌ فيلحقهم ما يكرهون(١) .

محمّد بن عَبْد الله بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله ابن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

كانَ أُخِذَ في أيّام عليّ بن محمّد صاحب البصرة ، فحُبِسَ ومات في خلافة المُعتضد في حبسهِ(٢) .

محمّد بن عليّ بن حمزة العلويّ الأخباريّ الشاعر :

روى عنه عَبْد الرّحمن بن أبي حاتم ووثّقه. وتوفّي سنة تسعين ومأتين أو ما دونها. ومن شعره :

لو كنتُ من أمري على ثقةٍ

لصبرتُ حتّى ينتهي أمري

لكنْ نوائبُه تُحرّكُني

فاذكُرْ وُقِيتَ نوائبَ الدَهرِ

واجعلْ لِحاجَتِنا وإنْ كَثُرَتْ

أشغالُكُمْ حَظّاً من الذكْرِ

والمرؤُ لا يَخْلُوْ على عقب الْـ

ـأيّامِ من ذَمٍّ ومن شُكْرِ(٣)

وقد مرّ ذكره في المجديّ مع ذكر هذا الشعر له ، والعمدة ، وقد ذكر المرزبانيّ ترجمته ، وقال : شاعرٌ راويةٌ عالمٌ ، يروي كثيراً من أخبار أهله وبني عمّه ، ولقيه جماعةٌ من شيوخنا وحدّثونا عنه ، ومات في سنة سبعٍ

__________________

(١) أبو الفرج ، مقاتل الطّالبيّين (ص ٤٤٨).

(٢) أبو الفرج ، مقاتل الطّالبيّين (ص ٤٤٥).

(٣) الصفديّ ، الوافي بالوفيّات (٤ / ١٠٦ ـ ١٠٧ رقم ١٥٩٠).

٣٣٠

وثمانين ومائتين ، وهو القائل يُعاتب رجلاً ـ ـ ـ ثمّ أورد الشعر(١) .

وقال أبو الفرج : حدّثني حُكيم بن يحيى ، قال : كان الحسين بن الحسين بن زيد شيخَ بني هاشم وذا قعددهم ، وكانت الأموالُ تُحمل إليه من الآفاق. قال : فاجتمعنا يوماً عند جدّك أبي الحسن محمّد بن أحمد الأصبهانيّ ، وجماعة من الطالبيّين ، فيهم الحسين بن الحسين بن زيد بن عليّ ، ومحمّد بن عليّ بن حمزة العلويّ العبّاسي ، وأبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ ؛ فقال جدّك للحسين : يا أبا عَبْد الله ، أنتَ أقْعَدُ وُلد رسول الله صلى الله عليه وآله كلّهم ، وأبو هاشم أقْعَدُ وُلد جعفر ، وأنْتُما شيخا آل رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل يدعو لهما بالبقاء.

قال : فنفسَ مُحمّدُ بنُ عليّ بن حمزة ذلك عليهما ؛ فقال له : يا أبا الحسن ، وما ينفعُهما من القُعدُد في هذا الزمان ، ولو طلبا عليه من أهل العصر باقةَ بقلٍ ما أُعْطَياها!. قال : فغضبَ الحُسينُ بنُ الحسين من ذلك ، ثمّ قال : لِيَ تَقولُ هذا؟ فواللهِ ما اُحِبُّ أنّ نَسبي أَبْعَدُ مِمّا هُوَ بِأبٍ واحدٍ ؛ يُبعدُني من رسول الله صلى الله عليه وآله وأنّ الدُنْيا بحذافيرِها لِيَ!!(٢) .

وقال الخطيبُ البغداديّ : محمّد بن عليّ بن حمزة بن الحسين بن عُبَيد الله ابن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب ، أبو عَبْد الله العلويّ : كان أحدَ الأدباء الشُعراء العُلماء برواية الأخبار ، وحدّثَ عن أبيه ، وعن عَبْد الصّمد

__________________

(١) معجم الشعراء (ص ٤٧٦ برقم ٨٩٩).

(٢) أبو الفرج ، مقاتل الطّالبيّين (ص ٤٤٦ ـ ٤٤٧).

٣٣١

ابن موسى الهاشميّ ، والحسن بن داود بن عَبْد الله الجعفريّ ، وأبي عثمان المازنيّ ، والعبّاس بن الفرج الريّاشيّ ، وعمر بن شبّة النُميريّ. روى عنه : محمّد بن عَبْد الملك التاريخيّ ، ووكيع القاضيّ ، ومحمّد بن مخلد.

وقال ابن أبي حاتم الرازيّ : سمعتُ منه وهو صدوق.

أخبرنا أبو الفرج أحمد بن محمّد بن عمر المعدّل إملاءً : أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عليّ الكاتب : حدّثنا محمّد بن خالد وكيع : حدّثنا محمّد بن عليّ بن حمزة : حدّثني عَبْد الصمد بن موسى : حدّثني عَبْد الوهّاب بن محمّد بن إبراهيم : حدّثني عَبْد الصمد بن عليّ ، عن أبيه ، عن عَبْد الله بن عبّاس ، قال : «إذا أسف اللهُ على خلقٍ من خلقه ؛ فلم يعجل لهم النِقمةَ بمثل ما أهْلَكَ به الأُممَ من الريح وغيرها ؛ خَلَقَ لهم خَلقاً يُعذّبُهم لا يعرفون اللهَ عزّ وجلّ». قرأتُ في كتاب محمّد بن مخلد بخطّه : سنةَ ستٍّ وثمانين ومِائتين ، فيها ماتَ أبو عَبْد الله العلويّ ، محمّد بن عليّ بن حمزة. أخبرنا السِمسار : أخبرنا الصفّار : حدّثنا ابن قانع : أنّ محمّد بن عليّ ابن حمزة ماتَ في سنة سبع وثمانين ومائتين(١) .

وقال ابن حجر العسقلانيّ : محمّد بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب ، الهاشميّ ، أبو عَبْد الله العلويّ البغداديّ.

روى عن أبيه ، وعُمر بن شَبَّة النُميريّ ، والعبّاس بن فرج الرياشيّ ،

__________________

(١) الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، (٣ / ٦٣).

٣٣٢

وأبي عثمان المازنيّ النحويّ ، والحسن بن داود الجعفريّ وغيرهم.

وعنه : محمّد بن خلف ، ووكيع القاضي ، ومحمّد بن عَبْد الملك التاريخيّ ، وأبو محمّد ابن أبي حاتم ، وأبو الحسين عمر بن الحسن الأشنانيّ ، ومحمّد بن مخلد الدوريّ. قال ابن أبي حاتم : صدوقٌ ثقةٌ. وقال الخطيب : كان أحد الأدباء العلماء برواية الأخبار(١) .

وقال العلّامة الحلّيّ : محمّد بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عُبَيْد الله ابن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أبو عَبْد الله ، ثقةٌ ، عينٌ في الحديث ، صحيحُ الاعتقاد(٢) .

وقال الحسن بن داود الحلّيّ : محمّد بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله(٣) بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب ، أبو عبد الله (دي ، كر [كش(٤) ]) له إيصال مكاتبة(٥) وفي داره حصلت أُمّ صاحب الأمر بعد وفاة الحسن عليه السلام(٦) .

وفي (مختصر إثبات الرجعة) ما نصّه : حدّثنا محمّد بن عليّ بن حمزة العلويّ ابن الحسن بن عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال : سمعتُ أبا محمّد عليه السلام : قد ولد وليّ الله وحجّته على عباده ، وخليفتي

__________________

(١) ابن حجر ، تهذيب التّهذيب (٩ / ٣٥٢ ـ ٣٥٣).

(٢) العلّامة الحليّ الخلاصة (ص ١٥٦ رقم ١٠٦).

(٣) ب : عبد الله.

(٤) مصحّف عن جش.

(٥) ألف ، ج : اتصال.

(٦) ابن داود ، الرجال (ص ٣٢٥ رقم ١٤٢٦ رقم ١٤٢٦).

٣٣٣

من بعدي ، مختوناً ، ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر ، وغسّلته عمّتي حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا عليهم السلام.

فسأل محمّدُ بن عليّ بن حمزة ، عن أُمّه عليه السلام؟؟؟

قال : أُمّه «مليكة» الّتي يُقال لها في بعض الأيّام : «سوسن» ، وفي بعضها «ريحانة» وكان «صقيل» و«نرجس» أيضاً من أسمائها(١) .

وقال المامقاني : عنونه النجاشيّ رحمه الله وقال : ـ ـ ـ ـ له كتاب (مقاتل الطّالبيّين) أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد القلانسيّ ، قال : حدّثنا حمزة بن القاسم عن عمّه محمّد بن عليّ بن حمزة(٢) . وله ذكر في الحديث عن العهد الّذي عقدهُ المأمونُ للإمام الرِضا عليه السلام قال أبو الفرج : أخبرني ببعضه عليّ بن الحسين بن عليّ بن حمزة ، عن عمّه محمّد بن عليّ بن حمزة العلويّ(٣) .

موسى بن محمّد بن إسماعيل بن عُبَيد الله بن العبّاس :

عليّ بن محمّد ، عن بعض أصحابنا ذكر اسمه ، قال : حدّثنا محمّد بن إبراهيم ، قال : أخبرنا موسى بن محمّد بن إسماعيل بن عُبَيْد الله بن العبّاس ابن عليّ بن أبي طالب ، قال : حدّثني جعفر بن زيد بن موسى ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قالوا : جاءت أُمُّ أسلم يوماً إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وهو في منزل أُمّ سلمة ،

__________________

(١) الفضل بن شاذان : مختصر إثبات الرجعة (ص ٢١٢ رقم ١١) وعنه : الحرّ العاملي ، وسائل الشّيعة (٣ / ٥٧٠ رقم ٦٨٣).

(٢) المامقاني ، تنقيح المقال ، (٣ ـ ١ / ١٥٥).

(٣) مقاتل الطّالبيّين (٣٧٤ ـ ٣٧٥).

٣٣٤

فسألتها عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت : خرج في بعض الحوائج والساعة يجيىء ، فانتظرته عند اُمّ سلمة حتّى جاء صلى الله عليه وآله.

فقالت اُمّ أسلم : بأبي أنتَ وأُمّي يا رسول الله ، إنّي قد قرأتُ الكتب وعلمتُ كلّ نبيٍّ ووصيٍّ ، فموسى كان له وصيٌّ في حياته ، ووصيٌّ بعد موته ، وكذلك عيسى ، فمنْ وصيُّك؟ يا رسول الله؟

فقال لها : يا أُمّ أسلم! وصيِّ في حياتي وبعد مماتي واحدٌ ، ثمّ قال لها : يا أُمّ أسلم! مَنْ فَعَلَ فِعْلي هذا ؛ فهوَ وَصِيّي. ثمّ ضرب بيده إلى حصاةٍ من الأرض ، ففَرَكَها بإصبعه ؛ فجعلها شبه الدقيق ، ثمّ عَجَنَها ، ثمّ طبعها بخاتمه ، ثمّ قال : مَنْ فَعَلَ فِعْلي هذا فهو وصيّي في حياتي وبعد مماتي.

[قالت :] فخرجتُ من عنده ، فأتيتُ أمير المؤمنين عليه السلام فقلتُ : بأبي أنت وأُمّي ، أنت وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله؟.

قال : نعم ، يا أُمّ أسلم! ثمّ ضرب بيده إلى حصاةٍ ففَرَكَها ، فجعلها كهيئة الدقيق ، ثمّ عَجَنَها وخَتَمَها بخاتمه ، ثمّ قال : يا أُمّ أسلم! مَنْ فَعَلَ فِعلي هذا ؛ فهو وصيّي.

فأتيتُ الحسنَ عليه السلام ـ وهو غُلام ـ فقلتُ له : يا سيّدي! أنتَ وصيّ أبيك؟

فقال : نعم ، يا أمّ أسلم ، وضرب بيده وأخذ حصاةً ، ففعل بها كفعلهما.

فخرجتُ من عنده ، فأتيتُ الحسينَ عليه السلام ـ وإنّي لمُستَصْغِرةٌ لِسِنِّهِ ـ فقلتُ له : بأبي أنت وأُمّي ، أنت وصيّ أخيك؟

٣٣٥

فقال : نعم ، يا أُمّ أسلم ، إيتيني بحصاةٍ ، ثمّ فعل كفعلهم.

فعمّرتْ أُمّ أسلم حتّى لحقتْ بعليّ بن الحسين بعد قتل الحسين عليه السلام في منصرفه ، فسأَلَتْهُ : أنت وصيّ أبيك؟

فقال : نعم ، ثمّ فعل كفعلهم صلوات الله عليهم أجمعين(١) .

نفيسة بنت عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب :

عن الزبير قال : فولد عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب : أبا جعفر عَبْد الله ، ونفيسة ، وأُمّهما : أُمّ أبيها بنت عَبْد الله بن معبد بن العبّاس ، وأُمّها أُمّ محمّد بنت عُبَيْد الله بن العبّاس.

كانت نفيسة بنت عُبَيْد الله بن العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عند عَبْد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب ، فولدت له : عليّاً ، وعبّاساً ، خرج عليّ بن عَبْد الله بن خالد بدمشق وغلب عليها ، وأمير المؤمنين المأمون بخراسان(٢) .

__________________

(١) الكافي (١ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦) رقم ١٥ من الأصول ، كتاب الحجّة ، باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ والمبطل في أمر الإمامة.

(٢) ابن عساكر ، تاريخ دمشق (٧٤ / ١٠٦ ـ ١٠٧ رقم ٩٧٧).

٣٣٦

ـ ٦ ـ

ما ورد في (موسوعة أنساب آل البيت النبوي)(١)

من أنساب ذرّية العبّاس عليه السلام في الجزء الثاني الفصل الخامس :

عقب العبّاس السقّاء ابن الإمام عليّ بن أبي طالب

أعقب العبّاس السقّاء ابن الإمام علي من خمسة رجال(٢) .

أمّا الرجال فهم : الفضل ، والحسن ، والحسين ، وحمزة ، وأبو محمّد الأمير عبيد الله.

أمّا الفضل بن العبّاس السقّاء : فأُمّه وأُمّ عبيد الله هي : لبابة بنت عبيد الله(٣) بن العبّاس بن عبد المطّلب ، وأخوهما لأُمّهما : القاسم بن الوليد ابن عتبة بن أبي سفيان ، وأُختهما لأُمّهما : نفيسة بنت زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.

__________________

(١) للمؤرّخ النسّابة السيّد فتحي عبد القادر أبو السعود سلطان الصيادي الرفاعي الحسيني ، ولقد رأينا إيراد ما جاء في هذا الكتاب ؛ لكونه أحدث ما جمع من انتسب إلى سيّدنا أبي الفضل عليه السلام.

ولقد وقفنا فيه على بعض النقائص!!! فننبّه القُرّآءَ الكرامَ إلى مراجعة ما ورد فيه بِحَذَرٍ.

(٢) لقّب عقبه بالعبابسة تمييزاً لهم عن العبّاسيين عقب العبّاس بن عبد المطّلب.

(٣) في الموسوعة (عبد الله) وهو غلطٌ بالإجماع من محقّقي الفنّ ، والصواب (عبيد الله) كما أثبتنا في المتن.

٣٣٧

أمّا الحسن بن العبّاس السقّاء : فأعقب من رجلين هما : حمزة ، والعبّاس.

أمّا حمزة بن الحسن : فمن عقبه : محمّد بن علي بن حمزة المذكور ، وكان محدّثاً ثقة ، مات عام ٢٨٧ هـ.

أمّا العبّاس بن الحسن : فكان من صحابة الرشيد ، ومن عقبه : الفضل ابن محمّد بن عبد الله بن العبّاس المذكور ، الّذي كان مع الحسن بن زيد بطبرستان ، ثمّ هرب منه ، فأراد الحسن بن زيد قتله ، فآواه موسى بن مهران الكردي. وكان الفضل المذكور شاعراً ، كثير الهجو للحسن بن زيد(١) .

أمّا الحسين بن العبّاس السقّاء : فمن بنيه : عبيد الله بن الحسين ، الّذي ولي مكّة والمدينة للمأمون العبّاسيّ(٢) .

أمّا حمزة بن العبّاس السقّاء : فكان شاعراً ، أعقب من ابنه أبي الطيّب محمّد ، وله عقب.

عقب أبي محمّد الأمير ، عبيد الله بن العبّاس السقّاء ابن الإمام عليّ

كان أبو محمّد الأمير عبيد الله : ورعاً ، ديّناً ، شجاعاً ، أيّام بني العبّاس ، ومات وله ٥٥ سنة.

وأعقب ولدين هما : أبو جعفر عبد الله ، وأبو محمّد الحسن.

__________________

(١) قلائد الذهب في جمهرة أنساب العرب ، مرجع سابق (ص ٤٨).

(٢) قلائد الذهب في جمهرة أنساب العرب ، مرجع سابق (ص ٤٨).

٣٣٨

أمّا أبو محمّد ، الحسن ابن الأمير عبيد الله :

فكان أميراً بينبع ، ثمّ صار ملك الملوك بمكّة ، والمدينة ، والحجاز ، روى الحديث ، وعاش ٦٧ سنة.

وله من المعقبين سبعة : علي ، ومحمّد(١) وأبو القاسم حمزة الأكبر الشبيه ، وعبيد الله الأصغر الثاني ، وأبو الفضل العبّاس ، وإبراهيم جردقة ، وأبو جفنة(٢) الفضل.

أمّا علي ابن الأمير أبي محمّد الحسن : فكان يلقّب «حشايا» ، وأعقب أربعة رجال هم : الحسن ، وأحمد الأكبر ، وأحمد الأصغر ، ومحمّد الزاكي الّذي أعقب ولدين هما : علي ، وأحمد (انقرضا)(٣) .

أمّا أبو جفنة الفضل ابن الأمير أبي محمّد الحسن :

فكان لسناً فصحياً ، شديد الدين ، عظيم الشجاعة ، وكان أحد سادات بني هاشم يقال له «ابن الهاشمية» ،

وكان محتشماً عند الخلفاء ، أعقب ثمانية رجال ، وبنتاً واحدة اسمها فاطمة.

أمّا الرجال فهم : علي ، وأحمد ، وعبد الله ، وسليمان ، لم يذكر لهم عقب.

وجعفر ، والعبّاس الأصغر ، ومحمّد الخطيب الشاعر ، والعبّاس الأكبر.

__________________

(١) ذكرهما صاحب المجدي (ص ٢٣١).

(٢) في المجدي في أنساب الطالبيين (أبو حنفنة) (ص ١٦٩).

(٣) الشجرة المباركة في أنساب الطالبية (ص ٢٣٢).

٣٣٩

أمّا جعفر بن أبي جفنة الفضل : فأعقب بينبع ، ومصر ، وأعقب من ابنه الفضل وحده.

أمّا محمّد الخطيب الشاعر ابن أبي جفنة الفضل : فأعقب عدّة بنين منهم : أبو العبّاس الفضل الشاعر الخطيب ، ومن شعره :

إنّي سأذكر للعبّاس موقفه

بكربلاء وهام الطّفّ تختطفُ

يحمي الحسين ويسقيه على ظمأ

ولا يُوَلّي ولا يثني فيختلفُ

فلا أرى مشهداً يوماً كمشهده

مع الحسين عليه الفضل والشرف

أكرم به مشهداً بانت فضائله

وما أضاع له أفعاله خَلَفُ(١)

أعقب أبو العبّاس الفضل الشاعر المذكور ؛ بقم ، وطبرستان ، وبروجرد. ومن عقبه ببروجرد : أبو محمّد عبد الله بن أبي العبّاس الفضل ، المذكور.

أمّا العبّاس الأكبر ابن أبي جفنة الفضل : فأعقب بينبع ، وأعقب أربعة رجال هم : عبد الله ، والفضل ، ومحمّد ، وعبيد الله ، ويقال لعقبهم «بنو الصندوق»(٢) .

عقب أبي القاسم حمزة الشبيه الأكبر ابن أبي محمّد الحسن بن أبي محمّد الأمير عبيد الله

كان أبو القاسم ، حمزة الشبيه : يشبه الإمام علي بن أبي طالب ، وكان ذا

__________________

(١) ويروى :

أكرمْ به سيّداً بانَتْ فضيلتُهُ

وما أضاعَ له كَسْبُ العُلا خَلَفُ

(٢) الفخري في أنساب الطالبيين (ص ١٦٩).

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

لا تَعمى الأبصار ولكنْ تَعمى القلوب

كان أحد جنود الكوفة قد حضر حرب صِفِّين على بعيره، فقرَّر عند رجوعه أنْ يُعرِّج على الشام؛ ليطَّلع عن كثب على نظام حكومة مُعاوية. وعند دخوله دمشق قابل جنديَّاً مِن جنود مُعاوية كان قد رآه في الحرب، ويعرف أنَّه مِن جنود الإمام علي (عليه السلام).

تقدَّم هذا نحوه وأخذ بخناقه زاعماً أنَّ الناقة التي يركبها له، وأنَّه قد انتزعها منه في حرب صِفِّين. فتجمَّع الناس واشتدَّ الكلام بينهما، حتَّى وصل بهما الأمر إلى الرجوع إلى مُعاوية.

عرض الشامي دعواه واستشهد خمسين شاهداً شهدوا جميعاً: بأنَّ الناقة له. فحكم مُعاوية له وأمر الكوفي بتسليمه الناقة.

عندئذ قال الكوفي لمُعاوية: ولكنَّ هذا جمل وليس ناقة، مع أنَّ الدمشقي كان مُنذ البداية قد زعم أنَّ الجمل ناقة وشهد له بذلك خمسون شاهداً.

في الحقيقة كان الكوفيُّ يُريد بهذا أنْ يُلفت نظر مُعاوية إلى أنَّ كلَّ تلك الضجَّة كانت فارغة، وأنَّ الحُكم الذي أصدره كان باطلاً ومُخالفاً للحَقِّ.

غير أنَّ مُعاوية لم يلتفت إليه، وقال: إنَّ الحُكم قد صدر ويجب تنفيذه.

انتهى مجلس القضاء وتفرَّق طرفا الدعوى والشهود، فأرسل مُعاوية سِرَّاً يستدعي الكوفي وسأله عن ثمن الجمل وأعطاه له وأكرمه.

وقال له: أبلغ عليَّاً أنِّي أُقابله بمئة ألف ما فيهم مَن يُفرِّق بين الناقة والجمل.

لقد كان الدمشقي والشهود الخمسون مِثل سائر أهل الشام يؤيِّدون مُعاوية

٣٦١

ويُطيعونه مِن دون قيد ولا شرط. ما كان فيهم مَن يُفكِّر في الحَقِّ والباطل، ولا في الحلال والحرام، ولا في رضى الله وسخطه. كلُّ ما كان يُهمُّهم هو أنْ يفعلوا ما يرضي مُعاوية وأصحابه، ويُصيب بالضرر عليَّاً (عليه السلام) وأصحابه (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٦٢

باع آخرته بدنيا غيره

كان أبو العلاء (يزيد بن أبي مسلم) أخاً في الرضاعة للحَجَّاج بن يوسف، ويُدير له ديوان المكاتيب لقاء مرتَّب شهريٍّ قدره ثلاثمئة درهم ما كانت تكفيه معيشته. ومع ذلك فقد كان يقتل الناس مِن أجل الحَجَّاج.

مَرِض الرجل يوماً فعاده الحَجَّاج في بيته، فرآه قد وضع أمامه كانوناً مِن طين وسراجاً مِن خشب.

قال له: يا أبا العلاء، لا أرى رزقك يكفيك.

فردَّ عليه قائلاً: لئن لم تكفني ثلاثمئه درهم فلن تكفيني ثلاثمئة ألف درهم.

يزيد بن أبي مسلم لم يكن رجل حَقٍّ وحقيقة، ولم يكن يتحمَّل ضنك العيش على سبيل الزُّهد والتقوى في مرضاة الله، بلْ كان هذا الإنسان ذو الحظ المنكود والمعيشة الشقيَّة عبداً مِن عبيد الحَجَّاج، يُريق دماء الأبرياء في سبيل توطيد أركان حُكمه الظالم الجائر. فهو قد اشترى رضى المخلوق بسخط الخالق، وداس بقدمه الكرامة الإنسانيَّة لتنفيذ أغراض غير مشروعة لشخص جبَّار. إنَّه - كما قال رسول الله: ـقد باع آخرته بدنيا غيره فلحق بركب أشقى الناس وأرذلهم (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٦٣

اشترى مرضاة المخلوق بسخط الخالق

بعد واقعة كربلاء الدمويَّة، وفي الوقت الذي كان فيه أهل بيت الإمام الحسين (عليه السلام) في الشام اجتمع الناس في يوم جمعة لأداء الصلاة، وكان قد حضره الإمام السجاد (عليه السلام).

دخل يزيد المسجد ليؤمَّ المُصلِّين، فأمر الخطيب أنْ يرقى المنبر. حمد الخطيب الله وأثنى عليه ثمَّ راح يسبُّ علي بن أبي طالب والحسين (عليه السلام)، وتجرَّأ في كلامه على مقاميهما الإلهيَّين.

ثمَّ أخذ يمدح مُعاوية ويزيد ويُمجِّدهما، ونسب إليهما الكثير مِن الصفات الحميدة والخصال المجيدة، فصاح به السجاد (عليه السلام): (ويلك أيُّها الخاطب! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق) (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٦٤

ثِقْ بحُسن صِنع الله مِن حيث لا تدري

قال محمد بن أبي العتاهية حدَّثني أبي:

لمَّا امتنعت مِن قول الشعر وتركته، أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم، فأُخرجت مِن بين يديه إلى السجن، فلمَّا أُدخلته دُهشت وذهل عقلي ورأيت منظراً هالني، فرميت بطرفي أطلب موضعاً آوي إليه، أو رجلاً آنس بمجالسته، فإذا أنا بكهل هالني فرميت بطرفي أطلب موضعاً آوي إليه أو رجلاً آنس بمُجالسته، فإذا أنا بكهل حَسن السمت نظيف الثوب يُبيَّن عليه سيماء الخير فقصدته، فجلست إليه مِن غير أنْ أُسلِّم عليه أو أسأله عن شيء مِن أمره؛ لما أنا فيه مِن الجزع والحيرة، فمكثت كذلك مليَّاً وأنا مُطرق مُفكِّر في حالي، فأنشد هذا الرجل هذين البيتين. فقال:

تـعوَّدت مَـسَّ الضَّرَّ حتَّى ألفته

أسـلمني حُسن العزاء إلى الصبر

وحـيَّرني يـأسٌ مِن الناس واثقا

بحُسن صُنع الله مِن حيث لا أدري

فاستحسنت هذين البيتين وتبرَّكت بهما وثاب إليَّ عقلي، فأقبلت على الرجل فقلت له: تفضَّل - أعزَّك - الله بإعادة هذين البيتين.

فقال لي: ويحك يا إسماعيل! - ولم يُكنِّني - ما أسوأ أدبك وأقلَّ عقلك ومروءتك، دخلت إليَّ ولم تُسلِّم عليَّ بتسليم المسلم على المسلم، ولا توجَّعت لي توجُّع المُبتلى للمُبتلى، ولا سألتني مسألة الوارد على المُقيم، حتَّى إذا سمعت مِنِّي بيتين مِن الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيراً ولا أدباً، ولا جعل لك معاشاً غيره لم تتذكَّر ما سلف منك فتتلافاه، ولا اعتذرت مِمَّا قَدَّمته وفرَّطت فيه مِن الحَقِّ حتَّى استنشدتني مُبتدئاً كأنَّ بيننا أُنساً قديماً ومعرفة شافية وصُحبة تَبسط المنقبض.

فقلت له: اعذرني مُتفضِّلاً؛ فإنَّ دون ما أنا فيه مُدهش.

قال: وفي أيِّ شيءٍ أنت؟! إنَّما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم، فحبسوك حتَّى تقوله، وأنت لا بُدَّ مِن أنْ تقوله فتُطلق، وأنا يُدعى بي الساعة فأُطالب بإحضار عيسى بن زيد ابن رسول الله، فإنْ دللت عليه فسوف يُقتل

٣٦٥

وبذلك ألقى الله بدمه، وكان رسول الله خصمي فيه وإلاَّ قُتلت فأنا أولى بالحيرة منك وأنت ترى احتسابي وصبري.

فقلت: يكفيك الله، وأطرقت خَجلاً منه.

فقال لي: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع، اسمع البيتين واحفظهما. فأعادهما عليَّ مِراراً حتَّى حفظتهما ثمَّ دُعي به وبيَّ، فلمَّا قُمنا قلت: مَن أنت أعزَّك الله؟

قال: أنا حاضر صاحب عيسى بن زيد.

فأُدخلنا على المهدي فلمَّا وقف بين يديه قال له: أين عيسى بن زيد؟

قال ما يُدريني أين عيسى، طلبته وأخفته فهرب منك في البلاد، وأخذتني فحبستني فمِن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس؟!

فقال له: فأين كان مُتوارياً؟ ومتى آخر عهدك به؟ وعند مَن لقيته؟

فقال: ما لقيته مُنذ توارى ولا أعرف له خبراً.

قال: والله، لتدُلَّني عليه أو لأضربَنَّ عُنقك الساعة.

قال: اصنع ما بدا لك! أنا أدلُّك على ابن رسول الله لتقتله فألقى الله ورسوله يُطالباني بدمه. والله، لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه.

ثمَّ دعاني فقال: أتقول الشعر أو ألحقك به.

فقلت: بلْ أقول الشعر.

فقال: أطلقوه.

تُجيز التعليمات الإسلاميَّة للمسلمين لكي يُحافظوا على حياتهم وعند الضرورة أنْ يرتكبوا بعض المُحرَّمات بقدر الضرورة، ولكنْ ما مِن مسلم يجوز له أنْ يُضحِّي بحياة أخيه في الدين مِن أجل نفسه هو، كأنْ يقتله أو يدفع به للقتل لينجو هو بحياته (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٦٦

المُسلم لا يمكر بالمُسلم

في أيَّام خلافة عبد الله بن الزبير في الحِجاز، ذهب حامل ختم الخليفة عبد الملك بن مروان مِن الشام إلى زيارة بيت الله الحرام، وهناك التقى مع أحد خواصِّ عبد الله بن الزبير ومِن خلال البحث والجدال تنازع الرجلان وافترقا.

وبعد دخول الحَجَّاج بن يوسف مَكَّة وقتل ابن الزبير، ثم القبض على أصحاب ابن الزبير وإلقائهم في السجن بعد إرسالهم إلى الكوفة، كان أحد الأشخاص الذين أُلقي القبض عليهم هو الشخص الذي تنازع مع حامل ختم الخليفة.

وكتب الحَجَّاج مِن العراق برسالة إلى عبد الملك حول مصير السُّجناء، فأمر عبد الملك حاجبه بالرَّدِّ على الرسالة، وذلك بتعيين عددهم وكتابة أسمائهم، فكانت العبارة: أحصهم واكتب أسماءهم. وبعد كتابة الرسالة وتوقيعها مِن قِبَل الخليفة أُعطيت لحامل ختم الخليفة لتدقيقها وختمها.

وكان حامل ختم الخليفة قد عرف أنَّ أحد السُّجناء المذكورين في الرسالة، هو الشخص الذي تنازع معه عند زيارته لبيت الله، فأراد انتهاز الفرصة والانتقام منه؛ ولذلك فكَّر بفكرة شيطانيَّة عجيبة. فقال بصوت عالٍ: لقد نسيت أنْ أضع نقطة على إحدى الكلمات، فهل لي الإذن بوضعها؟ فأُذن له فوضع نقطة على (ح) مِن كلمة أحصهم فأصبحت (أخصهم)، وبعد ذلك أُغلقت الرسالة وهيِّئت للتوشيح مع بقيَّة الرسائل.

وبذلك تغيَّر أمر الخليفة إلى خَصي خواصِّ عبد الله بن الزبير. وعند وصول الرسالة إلى الحَجَّاج تمَّ العمل الهَمجيِّ، وذلك بخصي السُّجناء وحرمانهم مِن الحياة الطبيعيَّة (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٦٧

مَن حَفر حُفرة لغيره وقع فيها

المنصور الدوانيقي (ثاني خُلفاء بني العباس) طرد خالداً البرمكي مِن منصبه في أعمال الديوان، ونصب أبا أيُّوب مكانه، وأرسل خالداً إلى ولاية فارس حيث ظَلَّ والياً عليها سنتين. إلاّ أنَّ أبا أيُّوب - الذي كان عارفاً بفضل خالد وعلمه - كان دائم القَلق مِن أنْ يُعيده الخليفة إلى منصبه السابق، ويُجرَّد هو مِن مقامه الرفيع. فخامرته فكرة الدسّ لخالد كي يحط من قدره عند الخليفة ويحافظ هو على مركزه بأي شكل من الأشكال.

نَجح أبو أيُّوب في دسائسه الخفيَّة وخُططه اللا إنسانيَّة، وأثار سوء ظنِّ المنصور في خالد، فعزله عن ولاية فارس وطالبه بدفع ثلاثة آلاف ألف درهم، فأطلع خالد المنصور على أنَّ كلَّ ما يملكه لا يتجاوز السبعمئة ألف درهم، غير أنَّ هذا رفض قبول ذلك وأمر باستحصال مبلغ الثلاثة ملايين منه.

فتقدَّم لإعانته صاحب المصر بمبلغ خمسين ألف دينار، والتركي بمبلغ ألف ألف درهم. كما أنَّ (الخيزران) أرسلت له عِقداً مِن الجواهر تصل قيمته إلى ألف ألف ومئتي ألف درهم؛ وذلك رعاية لأخوَّة (الفضل) ابن خالد بالرضاعة مع ابنها (هارون) وإذ عرف منصور بالأمر ووثق مِن صحة قول خالد عن مُقدار ما يملك تخلَّى عن مُطالبته بالمبلغ. فصعب ذلك على أبي أيَّوب استدعى صرَّافاً مسيحيَّاً وأعطاه بعض المال، وطلب إليه أنْ يعترف بأنَّ ذلك المال يخصُّ خالداً، ثمَّ أوصل إلى المنصور أنَّ خالداً يحتفظ ببعض المال عند فلان، فاستدعى المنصور الصرَّاف وسأله عن المال، فادَّعى الصرَّاف بأنَّ لخالد عنده بعض المال، فاستدعى المنصور خالداً وسأله عن ذلك المال، فأقسم خالد أنَّه لم يدَّخر مالاً وأنَّه لم يرَ ذلك الصرَّاف مِن قبل.

٣٦٨

أمر المنصور خالداً بالبقاء في مجلسه، وطلب إحضار الصرَّاف وسأله عمّا إذا كان يعرف خالداً إذا رآه فردَّ هذا بالإيجاب قائلاً: إنَّه يعرفه إذا رآه، عندئذ التفت المنصور إلى خالد وقال لقد أظهر الله براءتك، وقال للنصراني هذا هو خالد، فكيف لم تعرفه؟

فقال الصرَّاف: يا أمير المؤمنين، أعطني الأمان لأذكر لك الحقيقة، فآمنه المنصور، فسرد له الحكاية كما حدثت، فتغيَّرت نظرة المنصور نحو أبي أيُّوب، وساء الظنُّ به ولم يعد يثق بأقواله (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٦٩

عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان

وصل هارون الرشيد إلى مَكَّة، فقضى حَجَّه وشهد مناسكه ومشاعره ثمَّ انصرف قافلاً إلى بغداد، وذلك في آخر شهر ذي الحجة من سنة ثمانين ومئة، فلمَّا همَّ بالانصراف وذكر القفول إلى العراق. رفع إليه أهل مَكَّة كتاباً يسألونه فيه أنْ يولِّي عليهم قاضياً عادلاً، فأدخلهم على نفسه فقال: إنْ شئتم فاختاروا منكم رجلاً صالحاً أولِّيه قضاءكم، وإنْ أحببتم بعثت إليكم مِن العراق رجلاً لا آلوكم فيه إلاَّ خيراً، فخرجوا فاختاروا رجلاً فاختلفوا فيه، فاختارت طائفة منهم رجلاً واختارت أُخرى رجلاً آخر.

فلمَّا اختلفوا ارتفعوا إلى الرشيد يذكرون اختلافهم، فقال لهم هارون: أدخلوا عليَّ هذين الرجلين اللذين اختلفتم فيهما، فإذا برجلين أحدهما شيخ مِن قريش والآخر غُلام حديث مِن الموالي.

فلمَّا نظر إليهما الرشيد قال للشيخ: ادْنِ منِّي فدنا منه، فقال له الرشيد: أيُّها القاضي، إنَّ بيني وبين وزيري هذا خصومة ونزاعاً فاقض بيننا بالحَقِّ.

فقال الشيخ: قصَّا عليَّ قصَّتكما فقصَّا عليه.

فقال الشيخ: تُقيم البيِّنة - يا أمير المؤمنين - على ما ذكرته، أو يحلف وزيرك هذا.

فقال له هارون: إنَّ أخي لا يُدافعني ما أقول ولا يُنكر إلاَّ قليلاً مِمَّا أدَّعي، فلم يزالا يُردِّدان القول بيهما ويتنازعان حتَّى قضى القاضي لأمير المؤمنين على الوزير.

فقال له: قُمْ. فقام عنه.

ثمَّ دعا بالغُلام الحَدَث الذي دعته الطائفة الأُخرى فدخل عليه، فقال له: ادْن منِّي فدنا منه.

٣٧٠

فقال له هارون: إنَّ بيني وبين وزيري تنازعاً وخصومة، فاسمع منَّا قولنا، ثمَّ اقض بيننا بالحَقِّ.

فقال لهما: إنَّ مقعدكما مُختلف ومجلسكما مُتنائي، وأخشى إذا اختلف مجلسكما أنْ يختلف قولكما، فإذا تفاضل مجلس الخصوم اختلف بينهما القول، وكان صاحب المجلس الأرفع ألحن بحُجَّته وأدحض لحُجَّة صاحبه، وكان إصغاء الحاكم إلى صاحب المجلس الأرفع أكثر إليه وأميل، ولكن تقومان مِن مَجلسكما هذا الذي قد استعليتما فيه فتجلسا بين يديَّ، ثمَّ أسمع منكما قولكما وأقضي لمَن رأيت الحقَّ له، ثمَّ لا أُبالي على مَن دار منكم.

فقال الرشيد: صدقت وبررت في قولك.

فقام الرشيد وقام عمرو بن مسعدة حتَّى صارا بين يديه جالسين، فلمَّا جلسا بين يديه ذهب الرشيد ليتكلَّم، فقال له القاضي: لو تركت هذا يتكلَّم؛ فإنَّه أسنُّ منك. فقال الرشيد: إنَّ الحقَّ أسنُّ منه.

فقال القاضي: بلى، ولكنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لحويصة ومحيصة كبر كبر، يُريد: ليتكلَّم عَمُّكما؛ لأنَّه أسنُّ منكما وأكبر، فتكلَّم عمرو بن سعدة ثمَّ تكلَّم الرشيد وتنازعا الخصومة وترافعا الحُجَّة بينهما، حتَّى رأى القاضي أنَّ الحقَّ لعمروٍ، وقضى لهبه على الرشيد فلمَّا قضى عليه قال لهما: عودا إلى مجلسكما.

فعادا، فعُجب الرشيد مِن قضائه وعدله، واحتفاظه وقِلَّة ميله، فالتفت إلى عمرو فقال: إنَّ هذا أحقُّ بقضاء القضاة مِن الذي استقضيناه.

فقال عمرو: بلى والله، ولكنَّ القوم أحقُّ بقاضيهم، إلاَّ أنْ يأذنوا فيه.

فدعا الرشيد برجال مَكَّة، فأدخلهم على نفسه وأجزل لهم العطاء، وأحسن على قاضيهم الثناء، ثمَّ قال لهم: هل لكم أنْ تأذنوا أولِّيه قضاء القُضاة فيسير إلى العراق يقضي بينهم؟

فقالوا: نعم يا أمير المؤمنين، أنت أحقُّ به نؤثرك على أنفسنا.

فأرسل إليه الرشيد فقال: إنِّي قد ولَّيتك قضاء القُضاة، فسر إلى العراق لتقضي

٣٧١

بينهم وتولِّي القُضاة في البُلدان والأمصار مِن تحت يدك، وتوليتهم إليك وعزلهم عليك.

فقال القاضي: إنْ يُجبرني أمير المؤمنين على ذلك فسمعاً وطاعة، وإنْ يُخيِّرني في نفسي اخترت العافية وجوار هذا البيت الحرام.

ـ خذ على نفسك، فإنِّي مُصبِح على ظهر إنْ شاء الله.

فخرج الرشيد ومعه الفتى حتَّى قَدِم العراق فولاَّه القضاء، وجعل إليه قضاء القُضاة، فلم يزل بها قاضياً حتَّى توفِّي، وذلك بعد ثلاثة أعوام مِن توليته، فلمَّا توفِّي اغتمَّ الرشيد وشَقَّ عليه، فجعل الناس يعزوُّنه فيه علماً منهم بما بلغ منه الغَمِّ عليه.

فسأل عن قاضٍ يولِّيه قاضي القُضاة والعراق بعد ذلك، فرُفعت إليه تسمية عشرة رجال مِن خِيار الناس وعلمائهم وأشرافهم.

فلمَّا دُفِعت إليه التسمية أمر بهم فأُدخلوا عليه رجلاً رجلاً، يتفرَّس فيهم مَن يولِّيه القَضاء، فنظر إلى رجل منهم توسَّم فيه الخير والعلم فأمر به فقُدِّم إليه، فلمَّا صار بين يديه قال له ما اسمك؟

قال: معشوق.

قال: فما كنيتك؟

قال: (أبو الهوى).

قال: فما نقشُ خاتمك؟

قال: دام الحُبُّ دام، وعلى الله التمام.

فقال له: قُمْ لا قُمْت.

ثمَّ دعا بالآخر وكان قد تفرَّس فيه ما تفرَّس في صاحبه، فقال له: ما نقشُ خاتمك؟

فقال: ما لي لا أرى الهدهد؟ أم كان مِن الغائبين؟

٣٧٢

فقال: له اخرُج.

فدعا الرشيد بيحيى بن خالد بن برمك، وكان مِمَّن رَفَع إليه أسماءهم، فعنَّفه بهم وقال: رفعت إليَّ أسماء المجانين.

قال له: والله، ما في العراقييِّن أعقل مِن الرجلين اللذين سألت ولا أفضل منهم.

فقال: ويحك! إنِّي اختبرت منهما جُنوناً.

قال يحيى: إنَّهما - والله - كانا كارهين لما دعوتهما إليه، وإنَّما أرادا التخلُّص منك.

قال: ويحك! أعدهما عليَّ، فطُلبا فلم يوجدا (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٧٣

الرياء مُفسد للعمل

وقد حدَّثني أوثق مشايخي أنَّ رجلاً كان لا يقدر على الإخلاص في العمل وترك الرياء، فاحتال وقال: إنَّ في طرف البلد مسجداً مهجوراً لا يدخله أحد، فأمضي إليه ليلاً وأعبد الله فيه.

مضى إليه في ليلة مُظلمة، وكانت ذات رعد وبرق ومطر، فشرع في العبادة، فبينما هو في الصلاة إذ دخل عليه داخل، فأحسَّ به، فدخله السرور برؤية ذلك الداخل له، وهو على حالة العبادة في الليلة الظلماء، فأخذ في الجَدِّ والاجتهاد في عبادته إلى أنْ جاء النهار، فنظر إلى ذلك فإذا هو كلب أسود قد دخل المسجد مِمَّا أصابه مِن المَطر.

تندَّم الرجل على ما دخله حال دخوله وقال:

يا نفس، إنِّي فررت مِن أنْ أُشرك بعبادة ربِّي أحداً مِن الناس، فوقعت في أنْ أشركت معه في العبادة كلباً أسود يا أسفاه! ويا ويلاه على ذلك ! (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٧٤

أنا عبد لله أوَّلاً

كان أبو منصور وزير السلطان طغرل رجلاً عالماً وخائفاً مِن الله، وكان بعد كلِّ فريضة يجلس على السجَّادة، ويشتغل بالتسبيح والدعاء حتَّى طلوع الشمس، ثمَّ كان يذهب بعدها إلى السلطان طغرل.

في أحد الأيَّام اتَّفقت حادثة مُهمَّة للسلطان قبل طلوع الشمس، فطلب الوزير فذهبت الخدم إلى منزله، فشاهده جالساً على السجَّادة مشغولاً بالذِّكر، فأبلغوه أمر السلطان العاجل بالحضور بين يديه، فلم ينتبه لهم.

كرَّروا له الأمر مَرَّتين وثلاث فلم ينتبه، فعزموا على الرجوع وقالوا للسلطان: بأنَّه رجل مغرور ومُتمرِّد لم يستجب لأمر السلطان وقوله.

وبهذا الكلام اشتعلت نيران غضب السلطان. وبعد طلوع الشمس وإتمام الوزير قراءة الأدعية ذهب إلى السلطان.

صرخ السلطان في وجهه وقال: لماذا أتيت متأخِّراً؟

أجاب الوزير: أيُّها السلطان، أنا عبد لله وخادم للسلطان طغرل: يجب عليَّ أوَّلاً أداء وظيفة العبودية لله، ثمَّ خدمتك.

خرج هذا الكلام مِن أعماق قلب الوزير بنيَّة خالصة، فأثَّر بشكل عميق بقلب السلطان وضميره ودمعت عيناه. وقام السلطان بمدح الوزير وقال: عبادة الله مُقدَّمة وببركة هذا العمل تنتظم أعمالنا وتُحرَس المَملكة (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٧٥

وضع جرَّة ماءٍ مسكورة وبرقع

كان الأصمعي مِن شُعراء العصر العباسي المشهورين، وكان أيضاً مُقتدراً وذو استعداد في قصصه المُضحكة والمزاح. وكان يُلقي القصائد في مجالس رجال الدولة، وأحياناً يحكي القصص الفكاهيَّة فيُضحك الحاضرين.

في أحد الأيَّام قال جعفر البرمكي رئيس وزراء هارون الرشيد لأحد خُدَّامه: اجلب لي ألف دينار، أُريد أنْ أذهب إلى منزل الأصمعي، فإذا حكى لي قصَّة وأضحكني سأضع كيس الذهب في حاشية قميصه.

دخل جعفر البرمكي ومعه أنس بن شيخ بيت الأصمعي، حيث حكى الأصمعي قَصصاً مُختلفة وكانت، كلُّ قصَّة تحكي جانباً مِن الحياة.

وبعد الخروج مِن البيت قال أنس لجعفر: لقد سعى الأصمعي لإضحاكك ولكنْ لم تضحك فلم يكن هدفك ذلك (إعطاء كيس الذهب للأصمعي)، قال جعفر: أُفٍّ لك! أرسلت له خمسمائة درهم قبل وصولنا إلى بيته لتهيئة الطعام، ولكنَّك شاهدته كيف وضع جرَّة ماء مسكورة وبرقع، وفرش سجَّادة قذرة.

حيث لاحظت وجود النعمة والإحسان والمدح على لسانه، ولكن لم أُلاحِظ ظهور الإحسان شكراً للنعمة، فلماذا نُعطيه المال؟

على الرغم مِن أنَّ الأصمعي كان مُوسراً، إلاَّ أنَّه أظهر نفسه وكأنَّه مِن أفقر الفُقراء. فهل كان هدفه مِن ذلك هو أنْ يَظهر بمظهر الزاهد الراغب عن الدنيا ليُلفت انتباه الآخرين إلى صلاحه وتقواه؟ أم أنَّ أنَّه كان يُريد أنْ يبدو في نظر القادمين فقيراً مسكيناً؛ لكي ينال شيئاً مِن عطاءاتهم السخيَّة، أمْ كان هناك ثَمَّة هدف آخر حمله على أنْ يفعل ما فعل؟

على كلِّ حال كان انطباع البرمكي عن الوضع الداخلي للأصمعي ومعيشته

٣٧٦

انطباع مَن يرى شخصاً مُنافقاً ذا وجهين، فأساء به الظنَّ وبمُشاهدة ذلك المشهد المُصطنع انقبضت نفسه، وتألَّم أشدَّ الألم، بحيث إنَّ قصصه الفَكهة لم تستطع أنْ تنتزع منه ابتسامة، وغادر المنزل في النهاية بمرارة وتأثُّر (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٧٧

الرياء هو الشِّرك كلُّه

قال ابن أوس:

دخلت على رسول الله فرأيت في وجهه ما ساءني، فقلت: ما الذي أرى بك؟!

فقال: (أخاف على أُمَّتي الشِّرك).

فقلت: أيُشركون مِن بعدك.

فقال: (أما إنَّهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً ولا حجراً، ولكنَّهم يُراؤون بأعمالهم والرِّياء هو الشِّرك كلُّه).

فمَن يرجو لقاء ربِّه فليعمل عملاً صالحاً، ولا يُشرك بعبادة ربِّه أحداً) (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٧٨

النفاق أشدُّ مِن الكُفر

في الأيَّام التي كان فيها مسلم بن عقيل (عليه السلام) في الكوفة مبعوثاً مِن قِبَل الإمام الحسين لأخذ البيعة له من الناس، وصل الكوفة عبيد الله بن زياد والياً عليها مِن قِبَل يزيد بن مُعاوية، وهدَّد الناس بالقتل إنْ هُمْ خالفوا أوامره، وأخذ العُرفاء أخذاً شديداً مُعِدَّاً نفسه لقمع حركة التشيُّع والقضاء عليها.

ولمَّا سمع مسلم بمجيء عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها، وما أخذ به العُرفاء والناس قرَّر أنْ يترك دار المُختار - التي كان قد اتَّخذها مَقرَّاً لنشاطه - وينتقل إلى دار هاني بن عروة، فدخلها فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هاني على تستُّر واستخفاء مِن عبيد الله بن زياد وتواصوا بالكتمان.

دعا ابن زياد مولى له يُقال له: (معقل) وقال له: خُذْ ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم (عليه السلام) والتمس أصحابه، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، وقُلْ لهم: استعينوا بها على حرب عدوِّكم، وأعلمهم أنَّك منهم، فإنَّك لو أعطيتهم إيَّاها لاطمأنُّوا إليك ووثقوا بك، ولم يكتموك شيئاً مِن أخبارهم، ثمَّ أغدُ عليهم وراوح، حتَّى تعرف مُستقرَّ مسلم (عليه السلام) وتدخل عليه.

ففعل ذلك وجاء حتَّى جلس على مسلم (عليه السلام) ابن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يُصلّي، فسمع قوماً يقولون هذا يُبايع للحسين (عليه السلام).

فجاء وجلس إلى جنبه حتَّى فرغ مِن صلاته، ثمَّ قال: يا عبد الله، إنِّي امرؤٌ مِن أهل الشام أنعم الله عليَّ بُحبِّ أهل البيت وحُبِّ مَن أحبَّهم وتباكى له، وقال:

معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنَّه قَدِم الكوفة، رجل يُبايع لابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكنت أُريد لقاءه فلم أجد أحداً يدلُّني عليه ولا أعرف مكانه. وإنِّي لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفراً مِن المؤمنين يقولون

٣٧٩

: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت، وإنِّي أتيتك لتقبض منِّي هذا المال وتُدخلني على صاحبك، فإنِّي أخٌ مِن إخوانك وثقة عليك، وإنْ شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال له ابن عوسجة:

أحمد الله على لقائك إيَّاي، فقد سرَّني ذلك لتنال الذي تُحبُّ ولينصر الله بك أهل بيت نبيِّه (عليه وعليهم السلام) ولقد ساءني معرفة الناس إيَّاي بهذا الأمر قبل أنْ يتمَّ مَخافة هذا (يعني ابن زياد).

وأخذ عليه المواثيق المُغلَّظة ليُناصحنَّ وليكتمنَّ، فأعطاه مِن ذلك ما رضي به، ثمَّ قال له: اختلفْ إليَّ أيَّاماً في منزلي، فإنِّي طالب لك الإذن على صاحبك.

وأخذ يختلف مع الناس فطلب له الإذن فأذن له، فأخذ مسلم (عليه السلام) بيعته وأمر أبا ثمامة الصائدي يقبض المال منه، وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يُعين به بعضهم بعضاً، ويشري لهم السلاح وكان بصيراً وفارساً مِن فُرسان العرب ووجوه الشيعة.

وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم، فهو أوَّل داخل وآخر خارج، حتَّى فَهم ما احتاج إليه ابن زياد مِن أمرهم فكان يُخبر به أوَّلاً بأول.

إنَّ نفاق هذا المُنافق قد أدَّى إلى مفاسد كبيرة ما كان بالإمكان جبرها، كمَقتل مسلم (عليه السلام) وهاني بن عروة، والتمهيد لواقعة كربلاء الدامية التي قُتِل فيها الحسين (عليه السلام) وأصحابه العظام، وهُمْ مِن أكرم أبناء الإسلام، وبذلك مَكَّن لتوطيد سُلطان يزيد وأعماله الفاسدة (١) .

____________________

(١) الأخلاق، ج٢.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421