القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 360176 / تحميل: 10449
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

مَن كان مع الله فليس في غُربة!

يوسف الصِّدِّيق ابن النبي يعقوب، هذا الطفل المحبوب، تلقَّى درس الإيمان بالله مِن أبيه العظيم، ونشأ طفلاً مؤمناً في حِجر يعقوب... ولقد نقم إخوته الكِبار منه، وصمَّموا على إيذائه؛ فأخذوا الطفل معهم إلى الصحراء، وبعد أساليب مؤلمة ووحشيَّة فكَّروا في قتله، ثمَّ انصرفوا عن هذه الفكرة إلى إلقائه في البئر...

وكانت النتيجة أنْ بيع الطفل في مِصر بثمنٍ بخسٍ.

ولمعرفة عمره عندما ألقي في البئر يقول أبو حمزة: قلت لعليِّ بن الحسين (عليهما السلام): ابنُ كمْ كان يوسف، يوم ألقوه في الجُبِّ؟

فقال: (ابن تِسع سنين).

ماذا يُتوقَّع مِن طفل، لا يتجاوز عمره التِّسع سنوات، في مِثل هذه الظروف الحَرِجة والمؤلمة؟!

أليس الجواب هو الجَزع والاضطراب؟! في حين أنَّ قوَّة الإيمان، كانت قد منحت يوسف حينذاك مَقدرةً عجيبةً، وتطامناً فائقاً، ففي الحديث: (لمَّا أُخرج يوسف مِن الجُبِّ واشتري، قال لهم قائل: استوصوا بهذا الغريب خيراً.

قال لهم يوسف: مَن كان مع الله فليس في غُربة).

٦١

كهذا...

عاش الجاحظ في القَرن الثالث الهِجري، وله كتب وآثار كثيرة، وقد كان قبيح المنظر جِدَّاً، مُقرَّباً عند الخلفاء العباسيِّين؛ لعداوته لعليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد قال يوماً لتلاميذه: إنَّه لم يُخجلني طيلة عمري أحد، كما فعلت امرأة ثريَّة، فقد لقيت امرأة في بعض الطُّرق، وسألتني أنْ أصحبها ففعلت، حتَّى أتت بي إلى مَحلِّ صانع للتماثيل وقالت له - مُشيرة إليَّ ـ: كهذا... فبقيتُ حائراً مِن أمرها، ولمَّا انصرفت سألت الصائغ عن القِصَّة، فقال: لقد سألتني هذه المرأة أنْ أصوغ لها تِمثالاً للشيطان، فقلت لها: إنِّي لم أرَ الشيطان؛ كي أصوغ تِمثاله، فطلبت مِنِّي أنْ أنتظر حتَّى تجيء بتِمثاله... واليوم جاءت بك إليَّ وأمرتني أنْ أصوغه شبيهاً لمنظرك (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٦٢

... لَتركت القاضي يأكلك!

ونموذج آخر مِن السُّخرية بالأشخاص المُصابين ببعض العيوب الظاهريَّة، نجده في قِصَّة القاضي المصري، رشيد بن الزبير، فقد كان مِن القُضاة الماهرين والكتَّاب العِظام في عصره، وكان ذا خُبرة كافية في علوم الفِقه، والمنطق، والنحو، والتاريخ... عاش في القَرن السادس الهِجري، وقد كان ذا قامة قصيرة، أسود اللون، ذا شفتين غليظتين، وأنفٍ كبيرٍ، ومَنظرٍ قبيحٍ جِدَّاً، كان يعيش في شبابه في القاهرة، ويسكن مع عبد العزيز الإدريسي، وسليمان الديلمي في بيتٍ واحد.

فخرج يوماً وتأخَّر في العودة إلى منزله، وعندما عاد سأله زُملاؤه عن سبب تأخُّره، فأبى أنْ يُجيبهم حتَّى ألحوا عليه، فقال: كنت أعبر مِن المحلِّ الفلاني، فصادفت امرأة ذكيَّةً، كانت تنظر إليَّ بعين الإعجاب، فذهلت مِن شِدَّة الفرح وبتُّ أرقب سَيرها، فأشارت إليَّ بطرف عينها؛ فتبعتها في السِّكَك الواحدة بعد الأُخرى، حتَّى انتهينا إلى دار، ففتحت الباب ودخلت، وأشارت إليَّ بالدخول فدخلت، فكشفت النقاب عن وجهها، وإذا به قِطعة مِن القمر... لم تمضِ فترة طويلة، حتَّى صفقت بيدها، ونادت باسم فتاة، فإذا بطفلة في غاية الجمال نزلت مِن الطاق العُلوي، فخاطبتها المرأة قائلة: لو تبوَّلت في فِراشك هذه المَرَّة؛ فسأُعطيك إلى هذا القاضي ليأكلك؛ فبلغ الخوف والهَلع مِن الطفلة مبلغه، وبلغ الارتباك والاضطراب مِنِّي مبلغه أيضاً. ثمَّ التفتت إليَّ قائلة: لا أعدمني الله إحسانه بفضل سيِّدنا القاضي أدام الله عِزَّه... فخرجتُ مِن الدار مُطأطئاً رأسي خَجلاً؛ ولفَرط ما أصابني مِن خَجلٍ وذهولٍ؛ ولشِدَّة تأثري تِهتُ الطريق إلى البيت، وبقيت أجوب الأزقَّة... ولهذا تأخَّرت في العَودة (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٦٣

سَعد وحِلم

فقد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أمَّه يوم كان رضيعاً، ولم يقبل ثدي مُرضعة قَطُّ، وكان هذا مَبعث حزن وألم في البيت الهاشمي... إلى أنْ جاءت حليمة السعديَّة فعرضت ثديها عليه فقبله، وتكفَّلت برضاعه. عندئذٍ عَمَّ البيت السرور والفرح إلى أقصى حَدٍّ، فقال عبد المُطلَّب مُخاطباً إيَّاها:

ـ مِن أين أنتِ؟

ـ مِن بني سعد.

ـ ما اسمُك؟

ـ حليمة.

ـ بَخٍ بَخٍ، خلقان حسنان... سَعدٌ وحِلم ٌ (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٦٤

مُعاوية اسم للأُثنى مِن الكِلاب

كان أحد رؤساء عشائر الشام يُسمَّى: (جارية) وكان رجلاً قويَّاً صريح اللَّهجة، وكان يُبطِن لمُعاوية حِقداً وعداءً. فسمع مُعاوية بذلك، فأراد أنْ يحتقره أمام مَلأٍ مِن الناس، ويجعل مِن اسمه وسيلة للاستهزاء به والسُّخرية منه، وصادف أنْ التقيا في بعض المجالس، فقال له مُعاوية:

ـ ما كان أهونك على قومك؛ أنْ سمّوك جارية؟

ـ وما كان أهونك على قومك؛ إذ سمّوك مُعاوية، وهي الأُنثى مِن الكِلاب.

ـ اسكُت لا أُمَّ لك!

ـ لي أُمٌّ ولدتني! أمَّا والله، إنَّ القلوب التي أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها لفي أيدينا، وإنَّك لم تُهلكنا قسوة ولم تملكنا عَنوة... ولكنَّك أعطيتنا عهداً وميثاقاً، وأعطيناك سَمعاً وطاعة، فإنْ وَفَيت لنا وفَينا لك، وإنْ نزعت إلى غير ذلك فإنَّا تركنا وراءنا رجالاً شِداداً وأسنَّة حِداداً.

ـ لا كثر الله في الناس مِثلك، يا جارية (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٦٥

أُميَّة تصغير أمَة

كان شريك بن الأعور سيِّداً في قومه وكبيراً لهم، عاصر مُعاوية... وفي أحد الأيَّام دخل مجلس مُعاوية، فأراد هذا أنْ يحتقره ويسخر به؛ لقُبح اسمه واسم أبيه وللنقص الذي فيه، فقال له:

والله إنَّك لشريك، وليس لله مِن شريك، وإنَّك ابن الأعور، والصحيح خيرٌ مِن الأعور، وإنَّك لدميم والوسيم خيرٌ مِن الدميم، فبم سوَّدك قومك؟!

فقال له شريك: والله، إنَّك لمُعاوية، وليست مُعاوية إلاَّ كَلبة عوت فاستعوت فسُمِّيت مُعاوية، وإنَّك ابن حرب، والسلم خيرٌ مِن الحرب، وإنَّك ابن صَخر، والسهل خيرٌ مِن الصخر، وإنَّك ابن أُميَّة، وما أُميَّة إلاَّ أمة صُغِّرت فسُمِّيت أُميَّة، فكيف صرت أمير المؤمنين؟!

فقال له مُعاوية: أقسمت عليك إلاَّ ما خرجت عنِّي (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٦٦

مُقوُّم الناقة

ربَّما تقع قضايا طيِّبة أو سيِّئة للأشخاص، في أيَّام عمرهم؛ فتترك أثراً حَسناً أو قَبيحاً في الأذهان، ثمَّ يُلخِّص الناس ذلك الأثر في كلمة أو جملة، ويجعلون منها لَقباً لصاحبه. ومِن هذا القبيل ما نُلاحظه في قِصَّة عبيد الله بن الزبير، حيث كان والياً على المدينة مِن قِبَل أخيه عبد الله بن الزبير، وقد شغل هذا المنصب بكلِّ قوَّة وكفاءة... وفي يوم مِن الأيَّام أخطأ في كلامه، أمام جمع غفير مِن الناس، وهو على المنبر، فبينما كان يعظ الناس تطرَّق لقِصَّة ناقة صالح، وظُلْمِ قومه لها، فقال لهم: قد ترون ما صنع الله بقوم في ناقة قيمتها خمسة دراهم؛ فسُمِّي (مُقوُّم الناقة) . لقد كانت الموعظة بذاتها صحيحة، إلاَّ أنَّ تقويمه للناقة كان خطأً؛ فلقَّبه الناس بـ: مُقوُّم الناقة، وشاع هذا اللقب، ولهج به الناس وأورد نقصاً عظيماً في شخصيَّته، فخلعه عبد الله بن الزبير وولَّى مكانه مصعباً. في هذا المثال، نجد أنَّ والي المدينة يسقط مِن الأنظار إثر سَبق لسان بسيط، ولقَّبه الناس بمُقوِّم الناقة؛ مستهزئين به، وذاكرين ذلك في كلِّ مُنتدى ومَجلس.

إنَّ الوالي الذي يتعرَّض لتحقير الناس وإهانتهم، ويشعر في نفسه بالحَقارة؛ لا يتمكَّن مِن مُمارسة السُّلطة والحُكم مَهْما كان ذا سَطوة وقوَّة (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٦٧

في أوائل القَرن الثالث الهِجري، كان هناك رجل في العراق، يُكنَّى بـ: (أبي حفص) ، ولبعض أعماله لقَّبه الناس بـ (اللُّوطي) ، فكانوا يُحقِّرونه بهذا اللقب في غيابه. وقد أدَّت شُهرته هذه بين الناس إلى تأثُّره الشديد، وأوردت على شخصيَّته نقصاً غير قابل للتدارك، فمرض جارٌ له، فعاده أبو حفص والمريض في غاية الضعف، فسأله أبو حفص عن صِحَّته، وقال له: أتعرفني؟

فأجاب المريض بصوت خافت جِدَّاً: ولِمَ لا أعرفك؟ أنت أبو حفص اللُّوطي!

فدهش أبو حفص مِن هذا اللَّقب؛ ومُصارحة المريض له به.

فقال له: لقد جاوزت حَدَّ المعرفة، أرجو أنْ لا تقوم مِن مرضك هذا أبداً...

ثمَّ قام مِن عنده وخرج (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٦٨

قيمة كلِّ امرئ ما يُحسنه

ما أكثر الرجال العلماء والمُثقَّفين، الذين كانت لهم الكفاءة لتسلُّم مناصب عالية في الدولة، والحصول على مقامات شامخة في المُجتمع، لكنَّهم فقدوا جميع قيمهم الاجتماعيَّة؛ إثر لَقبٍ قبيح، أو شُهرة سَيِّئة، وأخذ الناس ينظرون إليهم بعين الانتقاص والاحتقار... وبالتالي لم يستفيدوا مِن المواهب التي كانت تُميِّزهم، بلْ لم يستطيعوا الاستمرار في الحياة كأفراد عاديِّين، فكابدوا الضغط الروحي دائماً، وقضوا حياتهم في حِرمان وشعور بالحَقارة والدناءة.

وكمثال على ذلك، نذكر ما جرى لابن النديم بهذا الصدد، فقد كان إسحاق بن إبراهيم، المعروف بابن النديم، مِن العلماء الذين قَلَّ نظيرهم في عصره، وكان قد أجهد نفسه في علوم كثيرة: كالكلام، والفقه، والنحو، والتاريخ، واللغة، والشعر، وبرع في جميع ذلك بَراعةً تامَّةً، وكان عِملاقاً عظيماً في المُناظرات العلميَّة، وكثيراً ما كان يتغلَّب على فُضلاء عصره، وله في مُختلَف العلوم ما يقرب مِن أربعين مُجلَّداً وآثاره المُهمَّة باقية حتَّى اليوم.

كان ابن النديم ذا صوتٍ جميلٍ، ورغبةٍ شديدةٍ بالغناء، وكثيراً ما كان يشترك في مجالس طربِ الخُلفاء ورجال الدولة، ويؤنس الحاضرين بغنائه المُطرِب، ويجذب قلوبهم نحوه... ولاستمراره في هذا العمل تضاءلت قيمة ثقافته العلميَّة شيئاً فشيئاً؛ حتَّى عُرف في المُجتمع بهذه الصِفة، ولقبه الأساس بـ: (المُغنِّي) و (المُطرِب) .

لقد أوردت هذه الشُّهرة ضربة قاصمة على شخصيَّته، ولم يتمكَّن فيما بعد، أنْ يَعُدَّ نفسه في المُجتمع كرجل عالمٍ مُطلع، وأنْ يُظهر كفاءته العلميَّة... وبالرغم مِن قُربه مِن الخُلفاء والوجهاء، فإنَّهم لم يعهدوا إليه بمُهمَّة أو عمل خطير في الدولة؛ وذلك حَذراً مِن اضطراب الرأي العامّ.

٦٩

فكان المأمون العبَّاسي يقول: لو لم يشتهر ابن النديم بالطَّرب والغِناء، لولَّيته القَضاء؛ لأنَّه يفوق قُضاة الدولة، بالفضل، والعلم، وهو أكثرهم استحقاقاً لهذا المنصب (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧٠

أهل الكَرَم والجُود

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لمَّا حضر محمد بن أُسامة الموت، دخلت عليه بنو هاشم.

فقال لهم: قد عرفتم قَرابتي ومَنزلتي منكم، وعليَّ دَيْنٌ، فأُحبُّ أنْ تضمنوه عنِّي.

فقال عليُّ بن الحسين (عليه السلام): أما والله، ثُلُثُ دَيْنك عليَّ.

ثمَّ سكت فسكتوا.

فقال عليُّ بن الحسين (عليه السلام): عليَّ دَيْنك كلُّه.

ثمَّ قال عليُّ بن الحسين: أما إنَّه لم يمنعني أنْ أضمنه أوَّلاً، إلاَّ كراهيَّة أنْ يقولوا: سبقنا) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧١

إمَّا المَنُّ وإمَّا القتل

غَضب عبد الملك بن مروان، على عبَّاد بن أسلم البكري يوماً، فكتب إلى واليه على العراق الحَجَّاج بن يوسف الثقفي أنْ يقتله، ويبعث برأسه إلى الشام، فأرسل الحَجَّاج إلى عبَّاد، يطلب حضوره؛ لتنفيذ ما أمر عبد الملك بشأنه.

تألَّم عبَّاد مِن معرفة الخبر، واضطرب كثيراً، وأقسم على الحَجَّاج أنْ يتخلَّى عن قتله؛ لأنَّه يُعيل أربعاً وعشرين امرأة وطفلاً؛ وبقتله سوف تَختلُّ شؤونهم وتضطرب حياتهم؛ فرقَّ الحَجَّاج لكلامه، وأمر بإحضار عائلته إلى دار الإمارة، وعندما حضر أولئك إلى دار الإمارة، واطَّلعوا على ما عزم عليه الحَجَّاج، وشاهدوا الحالة المُزْرية، التي كان عليها وليُّهم بدأوا بالبكاء والعويل... وفجأة قامت طفلة صغيرة مِن بينهم، كانت في غاية الجَمال، وأرادت أنْ تتكلَّم، فقال لها الحَجَّاج: ما هي صِلتك بعبَّاد؟!

قالت: أنا ابنته.

ثمَّ قالت له بكلِّ جُرأة:

يا أمير اسمع ما أقول... وأنشأت تقول:

أحَـجَّاجُ إمَّا أنْ تَمنُّ بتركه

عـلنيا وإمَّـا أنْ تُقتِّلنا معاً

أحَجَّاجُ لا تفجع به إنَّ قتلته

ثماناً وعشراً واثنتين وأربعاً

أحَجَّاجُ لا تترك عليه بناته

وخالاته يندُبنه الدهر أجمعاً

هذه الكلمات الصريحة والقويَّة، مِن هذه الطفلة الجريئة، أبكت حَجَّاجاً القاسي، وجعلته ينصرف عن قتل عبَّاد، ويُكاتب عبد الملك بشأنه، حتَّى حصل له على عفو الخليفة عنه (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧٢

بَلاغة صَبيٍّ

لمَّا آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، أخذت الوفود تتقاطر عليه مِن أنحاء البلاد لتهنئته... وكان مِن تلك الوفود وفد الحِجاز. وكان في ذلك الوفد صبيٌّ صغير، قام في مجلس الخليفة ليتكلَّم، فقال له الخليفة: ليتكلَّم مَن هو أكبر مِنك سِنَّاً.

فقال الطفل: أيُّها الخليفة، إنْ كان المقياس للكفاءة كِبَر السِّنِّ؛ ففي مجلسك مَن هو أحَقُّ بالخلافة مِنك.

تعجَّب عمر بن عبد العزيز مِن هذا الكلام، ثمَّ أذِنَ له بالكلام، فقال:

لقد قصدناك مِن بلدٍ بعيد، وليس مَجيئنا لطمع فيك، أو خوف مِنك... لأنَّنا مُتنعِّمون بعدلك، ومُستقرُّون في بيوتنا بأمن واطمئنان... ولا نخاف منك؛ لأنَّنا نجد أنفسنا في أمن مِن ظلمك، وإنَّ مجيئنا إليك إنَّما هو لغرض التقدير والشكر.

فقال له عمر بن عبد العزيز: عِظْني.

قال الصبي: لقد أُصيب بعضٌ بالغرور؛ لنعم الله عليهم، وأُصيب آخرون بذلك؛ لمدح الناس إيَّاهم؛ فاحذر مِن أنْ يبعث هذان الأمران الغُرور فيك؛ فتنحرف في تدبير شؤون الدولة.

سُرَّ عمر بن عبد العزيز لهذا الكلام كثيراً، وسأل عن عمر الصبي.

فقيل له: هو ابن اثنتي عشرة سنة (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧٣

تضرُّع الأعرابي

رأى النبي (صلى الله عليه وآله) أعرابيَّاً يدعو في صلاته، ويتضرَّع إلى الله تعالى بعبارات عميقة ومضامين عالية. فأثَّرت كلماته المتينة، وعباراته المُشيرة إلى وعي صاحبها، والكاشفة عن درجة الإيمان والكمال التي هو عليها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فعيَّن شخصاً لانتظار الأعرابي، حتَّى يفرغ مِن صلاته، فيأتي به إليه. وما أنْ فرغ الأعرابي حتَّى مَثُل بين يديه، فأهداه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قطعة مِن الذهب، ثمَّ سأله مِن أين أنت؟

ـ مِن بني عامر بن صَعصعة.

ـ هل عرفت لماذا أعطيتك الذهب؟! إنَّ للرحم حَقَّاً، ولكنْ وهبته لك لحُسن شأنك على الله عَزَّ وجَلَّ.

يبعث استحسان النبي وتشجيعه، الرغبة في عمل الخير في نفس الأعرابي، أكثر مِن السابق هذا مِن جِهةٍ، ومِن جِهة أُخرى يؤدِّي إلى أنْ يُقتدي الآخرون به (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧٤

عقل العباس وزينب

كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) جالساً يوماً في بيته، وقد جلس إلى جانبيه طِفلان صغيران: العباس، وزينب.

قال علي ٌّ(عليه السلام) للعباس: (قُلْ: واحد).

ـ واحد.

ـ (قُلْ: اثنان).

ـ أستحيي أنْ أقول باللسان الذي قُلت به: واحد، أنْ أقول اثنان!

ـ فقبَّل عليٌّ (عليه السلام) عينيه... ثمَّ التفت إلى زينب، وكانت على يساره فقالت: يا أبتا، أتُحبُّنا؟

ـ (نعم يا بُنيَّتي، أولادُنا أكبادُنا!).

ـ يا أبتاه، حُبَّان لا يجتمعان في قلب المؤمن: حُبُّ الله، وحُبُّ الأولاد، وإنْ كان لا بُدَّ، فالشَّفقة لنا والحُبُّ لله خالصاً.

فازداد عليٌّ (عليه السلام) بهما حُبَّاً.

إنَّ تقبيل الإمام (عليه السلام) عيني طفله الصغير، على صراحته واستقامته، وازدياد حُبِّه له ولأُخته الصغيرة، مُكافأة جميلة لهما؛ على ما صدر منهما. وفي الواقع فإنَّ بيت عليٍّ (عليه السلام) كان طافحاً بالتوحيد والإيمان، مليئاً بالحُبِّ الإلهيِّ والفَناء في ذاته... ولذلك؛ فإنَّ الأطفال قد تلقُّوا تربيةً سليمة، وطفحت قلوبهم كأبيهم - بحُبِّ الله وتوحيده (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧٥

عِزُّ الإسلام

لقد أنقذ الإسلام كثيراً مِن المسلمين، الذين كانوا ينتمون إلى عوائل وضيعة، بمنعه مِن ذَمِّ بعضهم البعض، وهكذا نجد أنَّ هؤلاء يتواصلون مع الناس، ويُعاشرونهم دون شعور بالخَجل والانحطاط، وإذا كان أحدٌ مِن المسلمين يوجِّه الذَّمَّ نحوهم، فإنَّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمنعه مِن ذلك بصراحة.

كلُّنا نعلم ما كان يقوم به أبو جهل في صدر الإسلام، مِن مُعارضة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نشر دعوته، وقد اشتهر بسبب ما أضمر، وفظاعة الجرائم التي قام بها، بالخيانة والدنس بين المسلمين.

وقد حضر ابنه عكرمة بعد موت أبيه، بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واعتنق الإسلام، فقبل النبي إسلامه، واحتضنه وأثنى عليه، لكنْ لمَّا كان عكرمة ينتمي إلى أُسرة أصرَّت على الكُفر، واشتهرت بسوء السُّمعة بين المسلمين، فإنَّ ذلك كان داعياً إلى احتقاره مِن قبل المسلمين، وفي رواية أنَّ المسلمين كانوا يقولون: (هذا ابن عدوِّ الله أبي جهل؛ فشكا ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فمنعم مِن ذلك، ثمَّ استعمله على صدقات هوازن) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧٦

أستحيي أنْ تَغلب مسألته جودي

كان أبو هريرة مِن المُعارضين لحكومة الإمام (عليه السلام)، وقد كان في الأسابيع الأُولى مِن خلافة الإمام، يجلس على مَقربة مِن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويتكلَّم مع أصحابه بكلمات يشوبها الطعن، وكان يُصرُّ على الكلام بصوت عالٍ جِدَّاً، بحيث يسمع الإمام تلك الكلمات.

كان أصحاب الإمام يُشاهدون هذا المنظر ويتألَّمون، وفي يوم مِن الأيَّام جاء أبو هريرة إلى الإمام طالباً بعض الحوائج، فلبَّى الإمام جميع حوائجه.

عند ذلك عاتب أصحاب أمير المؤمنين على ذلك، فقال:

(إنِّي لأستحيي أنْ يغلب جَهله عِلمي، وذنبه عفوي ومسألته جودي).

إنَّ عليَّاً (عليه السلام) أعظم مِن أنْ يتغلَّب عليه أمثال أبي هريرة، بالكلمات المشوبة بالطعن والسُّخرية.. (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧٧

قيمة مُعاوية عند علقمة بن وائل

توجَّه علقمة بن وائل إلى المدينة المنوَّرة؛ للقاء النبي (صلى الله عليه وآله)، فتشرَّف بحضرته، وعرض عليه حاجته، ثمَّ قصد الذهاب إلى دار أحد كبار الأنصار في المدينة، ولكنَّه لم يكن يعرف الدار، وكان مُعاوية بن أبي سفيان حاضراً في المجلس، فأمره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإرشاد علقمة إلى دار الأنصاري.

يقول مُعاوية: خرجت بصحبة علقمة مِن عند النبي، فركب ناقته، وأخذت أسير بقدمين حافيتين على شِدَّة الحَرِّ، فقلت له في أثناء الطريق: لقد احترقت قدماي مِن شِدَّة الحَرِّ؛ فأردفني خلفك.

قال علقمة: إنَّك لا تليق بأنْ تركب رِدف السلاطين والعُظماء.

قلت: أنا ابن أبي سفيان.

قال علقمة: أعلم ذلك. لقد ذكر لي النبي هذا الأمر مُسبقاً.

ـ إذا كنت لا تسمح لي بالركوب خلفك، فانزع خُفَّيك لألبسهما وأتَّقي وَهَج الأرض.

قال علقمة: إنَّ خُفَّي أكبر مِن قدميك... ولكنْ أسمح لك بالسير في ظِلِّ ناقتي، وفي هذا تسامح كبير مِنِّي تِجاهَك، وفي نفس الوقت مُدعاة للفخر والاعتزاز لك، فتستطيع التباهي أمام الناس، أنَّك سِرت في ظِلِّ ناقتي (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧٨

الفَرق بين المجنون والمُبتلى

روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أنَّه قال: مَرَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) برجل مصروع، وقد اجتمع عليه الناس ينظرون إليه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (علامَ اجتمع هؤلاء؟).

فقيل: على مجنون يُصرع.

فنظر إليه فقال: (ما هذا بمجنون، ألاْ أُخبركم بالمجنون حَقَّ الجنون!).

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: (إنَّ المجنون حَقَّ الجنون، المُتبختر في مشيه، الناظر في عِطفيه، المُحرِّك جنبيه بمنكبيه، فذاك المجنون، وهذا المُبتلى) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٧٩

الذُّباب يذلُّ الجَبابرة

كان المنصور الدوانيقي، مِن الخُلفاء المُتجبِّرين في الأُسرة العباسيَّة، وقد جعلت ذُبابة يوماً وجهه مَسْرَحاً لنشاطها وتنقُّلها، فأخذت تطير مِن شَفته إلى عينيه، ومِن عينيه إلى أنفه، ومِن أنفه إلى جَبهته، حتَّى ضاق بها ذَرعاً، وتألَّم كثيراً؛ فقال لخَدمه: انظروا مَن ينتظرنا بالباب؟

فقالوا له: مُقاتل بن سلمان.

كان مُقاتل هذا، مِن كبار المُحدِّثين والمُفسِّرين في ذلك العصر، فأمر المنصور بالسَّماح له في الدخول. وما أنْ دخل حتَّى وجَّه له المنصور السؤال التالي:

هل تعلم لماذا خَلق الله الذباب؟!

قال: نعم؛ لُيذلَّ الجبابرة!

... فسكت المنصور.. (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

- مجمع الزوائد ج ٧ ص ١٢٨

قوله تعالى:يوم يكشف عن ساق ، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: يوم يكشف عن ساق، قال عن نور عظيم يخرون له سجداً. رواه أبو يعلى وفيه روح بن جناح وثقه دحيم وقال فيه ليس بالقوي، وبقية رجاله ثقات.

- وقال في مجمع الزوائد ج ٦ ص ٣٠٣، ونحوه في ج ٩ ص ٢٧٧

وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال: خرج نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه، حتى قدموا مكة فإذا هم بعبد الله بن عباس قاعداً قريباً من زمزم وعليه رداء له أحمر وقميص، فإذا أناس قيام يسألونه عن التفسير يقولون يا أبا عباس ما تقول في كذا وكذا، فيقول هو كذا وكذا، فقال له نافع به الأزرق: ما أجرأك يا ابن عباس على ما تخبر به منذ اليوم!

فقال له ابن عباس: ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك! ألا أخبرك من هو أجرأ مني؟

قال: من هو يا ابن عباس؟

قال: رجل تكلم بما ليس له به علم، أو كتم علماً عنده.

قال صدقت يا ابن عباس، أتيتك لأسألك.

قال: هات يا ابن الأزرق فسل.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل:(يرسل عليكما شواظ من نار) ما الشواظ؟

قال: اللهب الذي لا دخان فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت:

ألا من مبلغ حسان عني

مغلغلةً تدبُّ إلى عُكاظِ

أليس أبوك قيناً كان فينا

إلى الفتيات فَسْلاً في الحفاظ

يمانياً يظل يشب كيراً

وينفخ دائباً لهب الشواظ

٣٨١

قال: صدقت فأخبرني عن قوله:ونحاس فلا تنتصران ، ما النحاس؟

قال: الدخان الذي لا لهب فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم.

قال: نعم، قال أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:

يضيء كضوء سراج السليط

لم يجعل الله فيه نحاسا

يعني دخاناً.

قال: صدقت فأخبرني عن قول الله:أمشاج نبتليه ؟

قال: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا في الرحم كانا مشجاً.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول:

كأن النصل والفوقين فيه

خلاف الريش سيط به مشيج

قال: صدقت، فأخبرني عن قول الله عز وجل:والتفت الساق بالساق ، ما الساق بالساق؟

قال: الحرب.

قال: هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها

وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

- الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٤

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال قال ابن عباس: يكشف عن أمر عظيم، ثم قال: قد قامت الحرب على ساق.

٣٨٢

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب. وقامت الحرب بنا على ساق، قال ابن عباس: هذا يوم كرب وشدة.

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله:يوم يكشف عن ساق ....

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس....

وأخرج ابن منده عن ابن عباس....

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن مجاهد في قوله:يوم يكشف عن ساق ....

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قرأ:يوم يكشف عن ساق ، قال: يريد القيامة والساعة لشدتها.

وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله:يوم يكشف عن ساق ، قال: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة وكشف الأمر عنه.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مندة من طريق عمرو ابن دينار قال كان ابن عباس يقرأ: يوم تكشف عن ساق بفتح التاء، قال أبو حاتم السجستاني: أي تكشف الآخرة عن ساقها يستبين منها ما كان غائباً.

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ: يوم يكشف عن ساق، بالياء ورفع الياء.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن عكرمة أنه سئل عن قوله: يوم يكشف عن ساق....

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله: يوم يكشف عن ساق، فغضب غضباً شديداً وقال: إن أقواماً يزعمون أن الله يكشف عن ساقه، وإنما يكشف عن الأمر الشديد. انتهى. ورواه أيضاً عن مجاهد والنخعي. ورواه في ج ٦ ص ٢٩٢ عن قتادة.

٣٨٣

- الأحاديث القدسية للمجلس الأعلى المصري ج ١ ص ٩٨

قوله: فيكشف عن ساق، فسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة الساق هنا بالشدة، أي يكشف عن الشدة. انتهى.

وقد تقدمت رواياتهم التي فيها تجسيم، في الفصل الثالث في بازار الأحاديث، وهي كثيرة. وقد تبنى علماء الوهابية تفسيرها بساق اللّه تعالى عما يصفون!

* *

تفسير آيات الإستواء على العرش

قال الله تعالى:إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ . الأعراف - ٥٤

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . يونس - ٣

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ . الرعد - ٢

طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى . طه ١ - ٦

الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا . الفرقان - ٥٩

٣٨٤

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ . السجدة - ٤

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ . الحديد - ٤ - ٥

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننا للاستواء على العرش تحت عنوان (بازار الأحاديث والآراء في الرؤية )

تفسير أهل البيتعليهم‌السلام

الإستواء على العرش: استواء نسبة الله إلى العالم

- روى الكليني في الكافي ج ١ ص ١٢٧

علي بن محمد، ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسى الخشاب عن بعض رجاله، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: الرحمن على العرش استوى، فقال استوى على كل شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء.

وعنه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى: الرحمن على العرش استوى، فقال: استوى في كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوى في كل شيء.

وعنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من زعم أن الله من شيء، أو في شيء، أو على شيء، فقد كفر، قلت:

٣٨٥

فسر لي، قال: أعني بالحواية من الشيء له أو بإمساك له أو من شيء سبقه.

وفي رواية أخرى: من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصوراً، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً.

- وروى في الكافي ج ١ ص ١٢٨

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي رفعه، قال: سأل الجاثليق أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أو العرش يحمله فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وذلك قول الله عز وجل: إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفورا.

قال: فأخبرني عن قوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، فكيف قال ذلك وقلت إنه يحمل العرش والسماوات والأرض؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة: نور أحمر، منه احمرت الحمرة، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أبيض منه ابيض البياض، وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصرت قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، فكل شيء محمول، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا، والمحيط بهما من شيء وحياة كل شيء ونور كل شيء، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

قال له: فأخبرني عن الله عز وجل أين هو؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من

٣٨٦

ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى، وذلك قوله تعالى: وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم.

فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه، وليس يخرج عن هذه الأربعة شيء خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليلهعليه‌السلام فقال: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين، وكيف يحمل حملة العرش الله، وبحياته حييت قلوبهم، وبنوره اهتدوا إلى معرفته!

- التوحيد للصدوق ص ٢٤٧ من حديث عن الإمام الصادقعليه‌السلام :

قال السائل: فله كيفية؟

قال: لا، لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة، ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه، لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لابد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره، ولا يشارك فيها، ولا يحاط بها، ولا يعلمها غيره.

قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة، لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا تجيء الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالى نافذ الإرادة والمشية، فعال لما يشاء.

قال السائل: فله رضى وسخط؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : نعم، وليس ذلك على ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضا والسخط دَخَالٌ يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شيء مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه، وإنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً.

٣٨٧

قال السائل فقوله: الرحمن على العرش استوى؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ولا أن يكون العرش حاوياً له، ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول: هو حامل العرش وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: وسع كرسيه السموات والأرض، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاوياً له، أو يكون عز وجل محتاجاً إلى مكان، أو إلى شيء مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه.

قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش، لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والإخبار عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال: إرفعوا أيديكم إلى الله عز وجل، وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلها.

- التوحيد للصدوق ص ٣١٥

روى الحديثين المتقدمين في لكافي ثم قال:

استعمل الإستواء في معان: استقرار شيء على شيء، وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الإمامعليه‌السلام في أخبار من هذا الباب، لأنه من خواص الجسم. والعناية إلى الشيء ليعمل فيه، وعليه فسر في بعض الأقوال قوله تعالى: ثم استوى إلى السماء. والإستيلاء على الشيء، كقول الشاعر:

فلما علونا واستوينا عليهم

تركناههم صرعى لِنِسْرٍ وكاسرِ

والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الأقوال، وفي الحديث الأول من الباب الخمسين.

والإستقامة، وفسر بها قوله تعالى: فاستوى على سوقه، وهذا قريب من المعنى

٣٨٨

الأول. والإعتدال في شيء وبه، فسر قوله تعالى: ولما بلغ أشده واستوى. والمساواة في النسبة، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى: وما يستوي الإحياء ولا الأموات. وفسر الإمامعليه‌السلام الآية بها في هذا الباب، وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان، لأنه تعالى في كل مكان وليس في شيء من المكان بمحدود، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات، وإنما الإختلاف من قبل حدود الممكنات، ولا تبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى.

حدثنا أبوالحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي قال: حدثنا عبد الله بن عاصم قال: حدثنا عبد الرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فسأله عنها فأجابه، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن الرب أين هو وأين كان؟

فقال عليعليه‌السلام : لا يوصف الرب جل جلاله بمكان، هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان إلى مكان، ولا أحاط به مكان، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف.

قال: صدقت، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة؟

قال عليعليه‌السلام : لم يزل ربنا قبل الدنيا، ولا يزال أبداً، هو مدبر الدنيا، وعالم بالآخرة، فأما أن تحيط به الدنيا والآخرة فلا، ولكن يعلم ما في الدنيا والآخرة.

قال: صدقت يرحمك الله، ثم قال: أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل؟

فقال عليعليه‌السلام : إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل.

٣٨٩

قال النصراني: فكيف ذاك ونحن نجد في الإنجيل (كذا): ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية؟

فقال عليعليه‌السلام : إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر، وربك عز وجل مالكه، لا أنه عليه ككون الشيء على الشيء. وأمر الملائكة بحمله فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه.

قال النصراني: صدقت رحمك الله.. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة....

حدثنا محمد بن علي ماجيلويهرحمه‌الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: من زعم أن الله عز وجل من شيء أو في شيء أو على شيء فقد أشرك، ثم قال: من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شيء فقد زعم أنه محصور، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً.

قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً. ولا حجة لها في ذلك لأنه عز وجل عنى بقوله: ثم استوى على العرش، أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له، وقوله عز وجل (ثم) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للإستواء، فلا يجوز أن يكون معنى قوله استوى استولى لأن استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك وعلى الأشياء ليس هو بأمر حادث، بل لم يزل مالكاً لكل شيء ومستولياً على كل شيء، وإنما ذكر عز وجل الإستواء بعد قوله ثم وهو يعني الرفع مجازاً، وهو كقوله: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين، فذكر (نعلم) مع قوله (حتى) وهو عز وجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك، لأن حتى لا يقع إلا على فعل حادث، وعلم الله عز وجل بالأشياء لا يكون حادثاً. وكذلك ذكر قوله عز وجل: استوى على

٣٩٠

العرش، بعد قوله (ثم) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لإستيلائه عليه، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لأن الله لا يجوز أن يكون جسماً ولا ذا بدن، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

- الإقتصاد للشيخ الطوسي ص ٣٧

وقوله: الرحمن على العرش استوى، معناه استولى عليه لما خلقه، كما قال الشاعر:

قد استوى بشرٌ على العراق

من غير سيف ودمٍ مُهْرَاق

وقوله: لما خلقت بيدي، معناه أنه تولى خلقه بنفسه، كما يقول القائل هذا ما عملت يداك، أي أنت فعلته. وقيل: معناه لما خلقت لنعمتي الدينية والدنيوية وقوله: في جنب الله معناه في ذات الله وفي طاعته.

وقوله: والسماوات مطويات بيمينه، أي بقدرته، كما قال الشاعر:

إذا ما رايةٌ رفعت لمجد

تلقاها عَرَابةُ باليمين

وقوله: تجري بأعيننا، أي ونحن عالمون.

ولا يجوز أن يكون تعالى بصفة شيء من الأعراض، لأنه قد ثبت حدوث الأعراض أجمع، فلو كان بصفة شيء من الأعراض لكان محدثاً، وقد بينا قدمه. ولأنه لو كان بصفة شيء من الأعراض لم يخل من أن يكون بصفة ما يحتاج إلى محل أو بصفة ما لا يحتاج إلى المحل كالغني وإرادة القديم تعالى وكراهته، فإن كان بصفة القسم الأول أدى إلى قدم المحال وقد بينا حدوثها، ولو كان بصفة القسم الثاني لاستحال وجوده وقتين كاستحالة ذلك على هذه الأشياء. وأيضاً لو كان بصفة الغني لاستحال وجود الأجسام معه، وذلك باطل....

ولا يجوز أن يكون تعالى في جهة من غير أن يكون شاغلاً لها، لأنه ليس في الفعل ما يدل على أنه في جهة لا بنفسه ولا بواسطة، وقد بينا أنه لا يجوز وصفه بما يدل عليه الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

٣٩١

ولا يجوز عليه تعالى الحاجة، لأن الحاجة لا تجوز إلا على من يجوز عليه المنافع والمضار، والمنافع والمضار لا يجوزان إلا على من تجوز عليه الشهوة والنفار، وهما يستحيلان عليه تعالى. والذي يدل على أنه يستحيل عليه الشهوة والنفار أنه ليس في الفعل لا بنفسه ولا بواسطة ما يدل على كونه مشتهياً ونافراً، وقد بينا أنه لا يجوز إثباته على صفة لا يقتضيها الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

وأيضاً فالشهوة والنفار لا يجوزان إلا على الأجسام، لأن الشهوة تجوز على من إذا أدرك المشتهي صلح عليه جسمه وإذا أدرك ما ينفر عنه فسد عليه جسمه، وهما يقتضيان كون من وجدا فيه جسماً، وقد بينا أنه ليس بجسم، فيجب إذا نفي الشهوة والنفار عنه. وإذا انتفيا عنه انتفت عنه المنافع والمضار، وإذا انتفيا عنه انتفت عنه الحاجة ووجب كونه غنياً، لأن الغني هو الحي الذي ليس بمحتاج.

- تفسير التبيان ج ٤ ص ٣٤

والإستواء على أربعة اقسام: استواء في المقدار، واستواء في المكان، واستواء في الذهاب، واستواء في الإنفاق. والإستواء بمعنى الإستيلاء راجع إلى الإستواء في المكان، لأنه تمكن واقتدار.

- تفسير التبيان ج ٧ ص ١٥٩

الرحمن على العرش استوى، قيل في معناه قولان: أحدهما، أنه استولى عليه، وقد ذكرنا فيما مضى شواهد ذلك. الثاني، قال الحسن: استوى لطفه وتدبيره، وقد ذكرنا ذلك أيضاً فيما مضى وأوردنا شواهده في سورة البقرة، فأما الإستواء بمعنى الجلوس على الشيء فلا يجوز عليه تعالى، لأنه من صفة الأجسام والأجسام كلها محدثة. ويقال: استوى فلان على مال فلان وعلى جميع ملكه أي احتوى عليه، قال الفراء: يقال كان الأمر في بني فلان ثم استوى في بني فلان، أي قصد إليهم وأنشد:

أقول وقد قَطَعْنَ بنا شرورى

ثواني واستويْنَ من النُّجوعِ

أي خرجن وأقبلن.

٣٩٢

- كتاب العين ج ٧ ص ٣٢٦

والمساواة والإستواء واحد، فأما يسوى فإنها نادرة.... ويقال: هما على سوية من الأمر أي: على سواء وتسوية واستواء.

- مفردات الراغب ص ٢٥١

واستوى يقال على وجهين، أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعداً نحو استوى زيد وعمرو في كذا أي تساويا، وقال: لا يستوون عند الله. والثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته نحو: ذو مرة فاستوى، وقال: فإذا استويت أنت. لتستووا على ظهوره. فاستوى على سوقه. واستوى فلان على عمالته واستوى أمر فلان.

ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الإستيلاء كقوله: الرحمن على العرش استوى، وقيل معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض، أي استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه، كقوله: ثم استوى إلى السماء فسواهن. وقيل معناه استوى كل شيء في النسبة إليه فلا شيء أقرب إليه من شيء، إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان.

وإذا عدي بإلى اقتضى معنى الإنتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير، وعلى الثاني قوله: ثم استوى إلى السماء وهي دخان.

معنى العرش والكرسي عند أهل البيتعليهم‌السلام

- الكافي للكليني ج ١ ص ١٣٠

أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فأستأذنته فأذن لي، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له: أفتقرُّ أن الله محمول؟ فقال أبو الحسنعليه‌السلام : كل محمول للمفعول مضاف، إلى غيره محتاج، والمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة، وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلا

٣٩٣

وأسفل، وقد قال الله:وله الأسماء الحسنى فادعوه بها ، ولم يقل في كتبه إنه المحمول، بل قال: إنه الحامل في البر وبالبحر والممسك السماوات والأرض أن تزولا، والمحمول ما سوى الله، ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه: يا محمول!

قال أبوقرة: فإنه قال:ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، وقال: الذين يحملون العرش.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة، وعرش فيه كل شيء، ثم أضاف الحمل إلى غيره خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه، وهم حملة علمه، وخلقاً يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعمال عباده، واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته، والله على العرش استوى كما قال، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش، الله الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم على كل نفس وفوق كل شيء وعلى كل شيء، ولا يقال محمول ولا أسفل، قولاً مفرداً لا يوصل بشيء فيفسد اللفظ والمعنى.

قال أبوقرة: فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله على كواهلهم فيخرون سجداً، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلى مواقفهم؟

فقال أبوالحسنعليه‌السلام : أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن إبليس إلى يومك هذا هو غضبان عليه فمتى رضي، وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلى أوليائه وعلى أتباعه! كيف تجتريء أن تصف ربك بالتغير من حال إلى حال وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين! سبحانه وتعالى لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين ولم يتبدل مع المتبدلين، وَمَنْ دونَه يدُه وتدبيره، وكلهم إليه محتاج وهو غني عمن سواه!

محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي ابن

٣٩٤

عبد الله، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وسع كرسيه السماوات والأرض ، فقال: يا فضيل كل شيء في الكرسي، السماوات والأرض وكل شيء في الكرسي.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وسع كرسيه السماوات والأرض ، السماوات والأرض وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش، وكل شيء وسع الكرسي.

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل:وسع كرسيه السماوات والأرض ، السماوات والأرض وسعن الكرسي أو الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: إن كل شيء في الكرسي.

- التوحيد للصدوق ص ١٠٨

- حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرحمه‌الله ، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبد اللهعليه‌السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

- التوحيد للصدوق ص ٣١٩

باب معنى قوله عز وجل: وكان عرشه على الماء.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق؛، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا جذعان بن نصر

٣٩٥

أبونصر الكندي قال: حدثني سهل بن زياد الآدمي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الرحمن بن كثير عن داود الرقي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله عز وجل:وكان عرشه على الماء ، فقال لي: ما يقولون في ذلك. قلت: يقولون إن العرش كان على الماء والرب فوقه. فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولاً ووصفه بصفة المخلوقين، ولزمه أن الشيء الذي يحمله أقوى منه! قلت: بين لي جعلت فداك.فقال: إن الله عز وجل حمل علمه ودينه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربكم فكان أول من نطق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام والأئمة صلوات الله عليهم، فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثم قيل لبني آدم: أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة، فقالوا: نعم ربنا أقررنا، فقال للملائكة: إشهدوا، فقالت الملائكة شهدنا على أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.

حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام عن قول الله عز وجل: وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السموات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء على الله عز وجل، ثم جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه على كل شيء قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السموات السبع، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، وهو مستول على عرشه، وكان قادراً على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل

٣٩٦

خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئاً بعد شيء، وتستدل بحدوث ما يحدث على الله تعالى ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه، لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون على العرش لأنه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علواً كبيرا.

وأما قوله عز وجل:ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ، فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا على سبيل الإمتحان والتجربة، لأنه لم يزل عليماً بكل شيء.

فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.

- التوحيد للصدوق ص ٣٢١

باب العرش وصفاته.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن العرش والكرسي فقال: إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة على حدة. فقوله: رب العرش العظيم، يقول: الملك العظيم، وقوله:الرحمن على العرش استوى ، يقول: على الملك احتوى، وهذا ملك لكيفوفية الأشياء.

ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي، لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعاً غيبان، وهما في الغيب مقرونان، لأن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والأين والمشية وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ والحركات والترك، وعلم العود والبدء، فهما في العلم بابان مقرونان، لأن ملك العرش سوى ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: رب العرش العظيم، أي صفته أعظم من صفة الكرسي، وهما في ذلك مقرونان.

٣٩٧

قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟

قال: إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها وحد رتقها وفتقها، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف وبمثل صرف العلماء (كذا) وليستدلوا على صدق دعواهما لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.

فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارك وتعالى: رب العرش عما يصفون، وهو وصف عرش الوحدانية لأن قوماً أشركوا كما قلت لك، قال تبارك وتعالى: رب العرش، رب الواحدانية عما يصفون. وقوماً وصفوه بيدين فقالوا: يد الله مغلولة. وقوماً وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء. وقوماً وصفوه بالأنامل فقالوا: إن محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: إني وجدت برد أنامله على قلبي!

فلمثل هذه الصفات قال: رب العرش عما يصفون، يقول رب المثل الأعلى عما به مثلوه، ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهم، فذلك المثل الأعلى، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به، فلذلك قال: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، فليس له شبه ولا مثل ولا عدل، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره، وهي التي وصفها في الكتاب فقال: فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه، جهلاً بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم، ويكفر به وهو يظن أنه يحسن، فلذلك قال: وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها.

يا حنان إن الله تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء، فهم الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله فكان الدليل على الله بإذن الله عز وجل، حتى مضى دليلاً هادياً، فقام من بعده وصيهعليه‌السلام دليلاً هادياً على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الأئمة الراشدونعليهم‌السلام .

٣٩٨

- التوحيد للصدوق ص ٣٢٤

باب أن العرش خلق أرباعاً.

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسينعليهم‌السلام قال: إن الله عز وجل خلق العرش أرباعاً، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار، ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين، ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة، ولو أذن للسانٍ منها فأسمع شيئاً مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون، ولخسف البحار ولأهلك ما دونه.

له ثمانية أركان على كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصى عددهم إلا الله عز وجل، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو أحس شيء مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين. بينه وبين الإحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم، وليس وراء هذا مقال.

حدثنا أبيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل:وسع كرسيه السموات والأرض فقال: السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره.

- أخبار مكة للازرقي ج ١ ص ٥٠

عن أبي الطفيل قال: شهدت علياًرضي‌الله‌عنه وهو يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به. وسلوني عن كتاب الله فوالله

٣٩٩

ما منه آية إلا وأنا أعلم أنها بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل. فقام ابن الكواء وأنا بينه وبين عليرضي‌الله‌عنه وهو خلفي قال: أفرأيت البيت المعمور ما هو قال: ذاك الضراح فوق سبع سموات، تحت العرش، يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

- تفسير البيضاوي ج ٣ ص ١٢

ثم استوى على العرش: استوى أمره أو استولى، وعن أصحابنا أن الإستواء على العرش صفة لله بلا كيف، والمعنى: أن له تعالى استواء على العرض على الوجه الذي عناه، منزهاً عن الإستقرار والتمكن.

والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام، سمي به لإرتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك، فإن الأمور والتدابير تنزل منه، وقيل الملك.

- سير أعلام النبلاء ج ٢٠ ص ٨٧

قال أبو موسى المديني: سألت إسماعيل يوماً (إسماعيل بن محمد الحافظ): أليس قد روي عن ابن عباس في قوله استوى، قعد قال: نعم. قلت له: إسحاق بن راهويه يقول: إنما يوصف بالقعود من يمل القيام. قال: لا أدري أيش يقول إسحاق.

وسمعته يقول: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.

قال أبوموسى: أشار بهذا إلى أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لأجل زلته، ترك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يفعل.

- إرشاد الساري ج ٣ ص ٢٤

إضافة الظل إليه سبحانه وتعالى إضافة تشريف.... والله تعالى منزه عن الظل لأنه من خواص الأجسام، فالمراد ظل عرشه، كما في حديث سلمان.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421