القصص التربوية

القصص التربوية13%

القصص التربوية مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 421

القصص التربوية
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 359302 / تحميل: 10427
الحجم الحجم الحجم
القصص التربوية

القصص التربوية

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الفقهية المعبرة عن يسر هذا الدين العظيم وروحه السمحة ، ومن بين تلك القواعد الفقهية المتفق عليها ، قاعدة الضرر يُزال ، وقاعدةالضرورات تبيح المحظورات ، وغيرهما من القواعد الفقهية المتفرعة عن قاعدة (لا ضرر ولا ضرار )(1) وقد استمدوا هاتين القاعدتين من أُصول التشريع الإسلامي : قرآناً وسُنّة.

والسؤال المهم هنا ، هو : هل أنّ الشريعة الإسلامية أباحت للمُكْرَهِ أو المضطر كل محرم مهما كان بسبب ذلك الإكراه أو الاضطرار.

وبعبارة أُخرى : هل أن حديث الرفع المشهور عند جميع المذاهب الإسلامية(2) يجري على كل اكراه ، أو أنّ له حدوداً ثابتة لا يمكن تجاوزها بحال؟

والواقع ، إن الإجابة المفصلة على هذا التساؤل المهم جداً في بيان حكم ما يُكرَه عليه ، لا يمكن أن تتم ما لم يُعرَف قبل ذلك نوع الضرر المهدد به المكرَه ، مع معرفة الآثار السلبية الناجمة عن تنفيذ المكرَه للنطق أو الفعل الذي أُكْرِه عليه.

بمعنى ، ان تكون هناك معرفة بحجم الضرر المهدد به المُكْرَه ، مع معرفة المحرّم الذي يراد تنفيذه كرهاً؛ لكي تجري عملية موازنة بين الضررين ، حتى يرتكب أخفهما حرمة في الشريعة.

وفي المسألة صور كثيرة جداً ، إذ قد يكون الإكراه ، على قتل مسلم ، أو

__________________

(1) اُنظر : الأشباه والنظائر / السيوطي : 173 القاعدة الرابعة ، طبعة دار الكتاب العربي.

واُنظر قاعدة لا ضرر / السيد السيستاني 1 : 158.

(2) سيأتي ذكر الحديث في أدّلة التقيّة من السُنّة النبوية.

٢١

زنا ، أو قطع بعض الأطراف ، أو شرب خمر ، أو قذف مؤمن ، أو شهادة زور ، أو سرقة مال ، ونحوها.

وقد يكون التهديد والوعيد ، بالقتل ، أو التعذيب ، أو السجن ، أو النفي ، أو الإهانة ، أو التشهير ، أو الغرامة المالية ، أو هتك العرض ، أو تهديم الدار ، أو الفصل من الوظيفة ، وغيرها.

وهذه الصور الكثيرة يمكن جمعها في ثلاث صور لا رابع لها وهي :الصورة الاُولى : ان يكون الضرر المهدد به المُكْرَه تافهاً وحقيراً ، بينما يكون المحرّم المراد ارتكابه عظيماً وجسيماً.

الصورة الثانية : عكس الاُولى.

الصورة الثالثة : يتساوى فيها الضرران.

وهذا مع قربه من الإجابة على التساؤل السابق إلاّ إنّه لا يكفي في ذلك؛ لوجود جوانب أُخر ذات صلة وثقى بتحديد الجواب ، ويأتي في مقدمتها ، اختلاف الناس وتفاوت رتبهم ودرجاتهم ، فالإمام ليس كالمأموم ، والرئيس يختلف عن المرؤوس ، والعالم ليس كالجاهل ، والفقيه ليس كالمقلد ، والنابه الذكي ليس كالخامل الغبي.

ولاشك ان هذا الاختلاف في رتب الناس ودرجاتهم يؤثر سلباً أو إيجاباً في تقدير موقف المكرَه نفسه أولاً ، مع تأثيره المباشر أيضاً في تقدير الأفعال أو الأقوال المطلوبة منه ثانياً ، وفي تقدير الاُمور المخوف بها ثالثاً.

إذ قد (يكون الشيء اكراهاً في شيء دون غيره ، وفي حق شخص دون

٢٢

آخر)(1) .

فقد يرى بعضهم في نوع الضرر المهدد به ما يبرر له ارتكاب المحرم؛ لأجل التخلص من ذلك الضرر بأية وسيلة.

ويرى الآخر في ارتكاب المحرم البسيط عند الالجاء القهري إليه خطراً جسيماً على العقيدة الإسلامية برمتها ، بناء على موقعه الديني الرفيع مثلاً ، فتراه يقدم على التضحية بكل غالٍ ونفيس ولا يتقي من أحد.

هذا زيادة على أن الاختلاف المذكور له تأثيره المباشر في مسألة التخلص من التقيّة باستخدام التورية ، فيخدع بها المُكرِه ويخلّص نفسه بها من شرّه.

دور القواعد الفقهية في بيان حكم ما يُكرَه عليه :

حاول الفقهاء ان يجدوا الإجابة العامّة الشافية للتساؤل السابق من خلال قواعدهم الفقهية المسلّمة الصحة الخاصة بالضرر وكيفية التعامل معه وازالته ، وسوف نشير إلى أهم تلك القواعد على النحو الآتي :

أوّلاً ـ قاعدة يرتكب أخف الضررين لدفع أعظمهما :

صلة القاعدة بالإكراه والتقيّة :

تصب هذه القاعدة في رافد الإجابة على التساؤل السابق حول حديث الرفع؛ لأنّها تفيدنا في معرفة حكم ما يكره عليه الإنسان ، وقد مرّ ورود لفظ (الإكراه) في الحديث صراحة.

__________________

(1) الأشباه والنظائر / السيوطي : 370.

٢٣

ويتوقف هذا على بيان صلة القاعدة بالإكراه والتقيّة ، إذ قد يقع الإنسان بين ضررين وهو مضطر إلى أحدهما ، فيرتكب أخفهما لدفع أعظمهما بموجب القاعدة وحينئذ لا إكراه في المقام ولا تقية من أحد!!

ولكن القاعدة لم توضع لأجل هذا فحسب ، بل هي عامة تنطبق على موارد الضرر كافة ومن بينها الضرر الناتج بفعل الإكراه الذي لا خلاص منه إلاّ بالتقيّة شأنها بذلك شأن القواعد الفقهية الاُخرى الآتية الخاصة بالضرر.

وتوضيح ذلك يتم من خلال معرفة أقسام الضرر ، كالآتي :

أقسام الضرر تبعا لأسبابه :

يقسم الضرر تبعا للأسباب المؤدّية إلى حصوله إلى ثلاثة أقسام ، وهي :

1 ـ الضرر الناتج من نفس المتضرر ، وهو ما يعبر عنه بالضرر الحاصل من سوء الاختيار كموارد تعجيز الإنسان نفسه مثلاً.

2 ـ الضرر الناتج بفعل العامل الطبيعي كالزلازل ونحوها.

3 ـ الضرر الناتج من شخص آخر ، ويعبر عن الضررين الأخيرين بالضرر الحاصل من غير سوء الاختيار.

ومن الواضح ان الإكراه لا يكون إلاّ من الغير كما تقدم في أركانه ، وهذا يعني صلة الضرر الأخير بالإكراه إذا كان من ظالم؛ لأنّ الضرر الحاصل من الغير قد يكون بإكراه وقد لا يكون. على أن بعض فقهائنا الأعلام أدخل موارد التقيّة حتى في الضرر الناتج عن سوء الاختيار ، كما نجده صريحاً في تقريرات بحث السيد الخوئي الأصولية(1) ، إذ ورد فيها القول بصحة تعجيز الإنسان نفسه في موارد التقيّة. وبما ان القاعدة لم تختص بمورد ضرري معين كما هو حال القواعد الفقهية الاُخرى ، بل ناظرة إلى مطلق الضرر

__________________

(1) محاضرات في اصول الفقه / محمد اسحاق الفياض 4 : 243 ، مبحث الأجزاء ، في مسألة حكم الأضرار بسوء الاختيار.

٢٤

فتكون صلتها بالإكراه والتقيّة واضحة جداً.

وهذه القاعدة الفقهية لا خلاف في صحتها عند جميع الفقهاء ، وهي منسجمة تماماً مع روح التشريع الإسلامي ومرونته ، وجارية على وفق مقتضيات العقل السليم ، فهي على ما يقول السيد الخوئيقدس‌سره : (من القضايا التي قياساتها معها ، فلا تحتاج إلى برهان أو مؤنة الاستدلال)(1) .

وفيها يقول الندوي : (إذا اجتمع للمضطر محرّمان كل منهما لا يباح بدون الضرورة ، وجب تقديم أخفهما مفسدة وأقلهما ضرراً ، لأن الزيادة لا ضرورة إليها فلا يباح)(2) .

وقال الزيلعي : (الأصل في جنس هذه المسائل : إنّ من ابتُلِيَ ببليّتين ، وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء ، وإن اختلفتا يختار أهونهما؛ لأنَّ مباشرة الحرام لا تجوز إلاّ للضرورة ، ولا ضرورة في حق الزيادة)(3) .

وفي هذا الصدد ، يقول الغزالي : (وارتكاب أهون الضررين يصير واجباً بالإضافة إلى أعظمهما ، كما يصير شرب الخمر واجباً في حق من غص بلقمة أي : ولم يجد ماءً ، وتناول طعام الغير واجباً على المضطر في المخمصة ، وإفساد مال الغير ليس حراماً لعينه ، ولذلك لو اُكْرِه عليه بالقتل وجب أو جاز)(4) .

وقد صيغت هذه القاعدة بألفاظ أُخرى في كتب القواعد الفقهية وغيرها ، ومن تلك الصياغات ما تجده في شرح القواعد الفقهية إذ وردت

__________________

(1) اُنظر : مصباح الاُصول2 : 562 في التنبيه السابع من تنبيهات قاعدة لا ضرر ، المسألة الاُولى.

(2) القواعد الفقهية / علي أحمد الندوي : 225 ، دار القلم ، دمشق / 1412 هـ ، وأشار في هامشه إلى قواعد ابن رجب الحنبلي : 246 القاعدة رقم 112.

(3) الأشباه والنظائر / ابن نجيم الحنفي : 89.

(4) المستصفى / الغزالي 1 : 89 دار الكتب العلمية / 1403 هـ.

٢٥

بهذه الصيغة : (إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما)(1) وهي نفسها عند ابن نجيم الحنفي(2) ونظيرها عند آخرين(3) .

هذا ، وقد فرّع فقهاء العامّة على هذه القاعدة جملة من الفروع ، نذكر منها ما ذكره الشيخ الزرقا من فروع هذه القاعدة وهي :

أ ـ تجويز السكوت على المنكر إذا كان يترتب على انكاره ضرر أعظم.

ب ـ تجوز طاعة الأمير الجائر إذا كان يترتب على الخروج عليه شرّ أعظم(4) .

ثانيا ـ قاعدة الضرورات تقدّر بقدرها :

صلة القاعدة بالاكراه والتقيّة :

إنّ من أوجه الاتفاق بين الضرورة والاكراه ـ كما سيأتي ـ هو ان مفهوم الضرورة العام يعني تحققها بمجرد حلول خطر لا يندفع إلاّ بمحظور ، وعليه سيكون الاكراه داخلاً بهذا المفهوم العام.

واذا اتضحت صلة الضرورة بالاكراه اتضحت صلتها بالتقيّة أيضاً على أن في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام ما يؤكد هذه الصلة أيضاً.

ففي حديث الإمام الباقرعليه‌السلام : «التقيّة في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به »(5) .

__________________

(1) شرح القواعد الفقهية / أحمد بن محمد الزرقا : 201 القاعدة رقم 28 ، ط2 ، دار القلم ، دمشق / 1409 هـ.

(2) الأشباه والنظائر / ابن نجيم الحنفي : 89.

(3) كالغزالي في إحياء علوم الدين 3 : 138 ، والقرافي المالكي في الفروق 4 : 236 (الفرق الرابع والستون والمائتان). والفرغاني الحنفي في فتاوى قاضيخان 3 : 485 ، مطبوع بهامش الفتاوى الهندية.

(4) شرح القواعد الفقهية : 201 في شرح القاعدة رقم 28.

(5) اُصول الكافي 2 : 219 / 13 باب التقيّة ، من كتاب الإيمان والكفر.

٢٦

وما تعنيه هذه القاعدة ، هو أن ما تدعو إليه الضرورة من المحظورات إنّما يرخّص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فحسب ، فإذا اضطر الإنسان لمحظور لأي سبب مسوّغ كالاكراه ، أو المخمصة ونحوهما ، فليس له أن يتوسع في المحظور ، بل يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط.

ومن ثمرات هذه القاعدة كما صرّح به الشيخ الزرقا : «إنّه من أُكْرِهَ على اليمين الكاذبة فإنّه يُباح له الإقدام على التلفظ مع وجوب التورية والتعريض فيها إنْ خطرت على باله التورية والتعريض»(1) .

وهناك قواعد أُخرى تصب في هذا الاتجاه أيضاً ، سنكتفي بذكرها دون شرحها لأجل الاختصار ، وهي :

ثالثا ـ قاعدة الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف :

وقد ذهب الشيخ الأنصاري إلى أبعد من هذه القاعدة في حال التقيّة ، إذ جوّز التقيّة للمكره في صورة إزالة الضرر عن نفسه حتى مع كون الضرر على الغير أشد ما لم يصل إلى حد القتل ، فقال في حديثه عن قاعدة لاضرر الآتية : (اتفقوا على أنه يجوز للمكره الاضرار على الغير بما دون القتل ، لأجل دفع الضرر عن نفسه ، ولو كان أقل من ضرر الغير)(2) .

وهذا مالم يوافقه عليه جملة من كبار الفقهاء المعاصرين آخذين بهذه القاعدة(3) .

رابعا ـ قاعدة لا ضرر ولا ضرار :

وفي هذه القاعدة قسّم السيد الخوئيقدس‌سره ، والسيد السيستاني الضرر إلى

__________________

(1) شرح القواعد الفقهية / أحمد بن محمد الزرقا : 188 في شرح القاعدة رقم 21.

(2) رسائل الشيخ الأنصاري : 298 ، في آخر البحث عن أصل الاشتغال.

(3) القواعد الفقهية / ناصر مكارم الشيرازي 1 : 89 في قاعدة التقيّة. واُنظر : مصباح الاُصول (تقريراً لبحث السيد الخوئي) 2 : 562 ، والتنبيه السابع من تنبيهات قاعدة لا ضرر.

٢٧

أنواعه المتقدمة مع بيانهما وأسبابه التي ذكرناها سابقاً ، ومن مراجعتها تعلم صلة هذه القاعدة بالتقيّة فضلاً عن اتفاقهم على ادخال الضرر الناتج عن اكراه في موجب هذه القاعدة.

خامسا ـ قاعدة الضرورات تبيح المحظورات :

وهذه القاعدة متفرعة عن قاعدة لا ضرر المتقدمة كما نجده في قاعدة لا ضرر للسيد السيستاني وغيره ، ومن أوضح تطبيقاتها عندهم جواز التلفظ بكلمة الكفر في حال الاكراه عليها(1) .

ولا يخفى بان ما جوّزوه لا يكون إلاّ في حال التقيّة ، وهذا هو معنى صلة القاعدة بموضوع البحث ، وهو التقيّة ، على أن الشيخ الانصاري صرّح في بحث التقيّة بما يفيد المقام جداً وسوف نذكر نص كلامه في الحديث عن صلة حديث الرفع بالتقيّة ، فلاحظ.

وبما أنّ صلة هذه القواعد بالتقيّة صلة وثيقة جداً ، بل هي صلة الضرورة بالاكراه ، ومن هنا لا بدّ من التعرض للعلاقة القائمة بين الضرورة والاكراه ، تحت عنوان :

الفرق والاتفاق بين الضرورة والاكراه :

أولاً ـ الفرق بين الضرورة والاكراه :

ونكتفي هنا بفارقين مهمّين وهما :

الفرق الأوّل ـ اختلافهما في المسبب :

وذلك أن في الاكراه يُدفع المُكرَه إلى إتيان المحظور من قبل شخص آخر بقوة الاكراه.

وأما في الضرورة فلا يدفع المرء إلى ارتكاب المحظور أحد ، وإنما

__________________

(1) قاعدة لا ضرر / السيد السيستاني 1 : 158. والأشباه والنظائر / السيوطي : 92 93.

٢٨

يكون المرء المضطر في ظرف خاص صعب يقتضي الخروج منه ارتكاب المحظور؛ لكي ينقذ نفسه أو عائلته من الهلاك المحتم ، كالاضطرار إلى أكل لحم الميتة في حالة الجوع الشديد مع عدم وجود ما يؤكل غيره.

الفرق الثاني ـ اختلافهما في الحكم :

ويتّضح هذا الفرق من خلال معرفتنا بأنّ امتناع المكرَه عن تنفيذ ما أُكرِه عليه قد يكون في بعض صور الإكراه واجباً عليه كما في الإكراه على القتل مثلاً.

وأما في حالة الاضطرار إلى ارتكاب المحرم لسد الرمق بعد الوقوع في مخمصة فالامتناع عنه حرام يعاقب عليه.

ثانياً : الاتفاق بين الضرورة والإكراه :

يمكن القول بأنّ الفرق الأخير يُعدُّ من حيثية أُخرى اتفاقاً بين الضرورة والإكراه ، لأنَّ كلاً منهما يهدف إلى صيانة النفوس من التلف.

وهذا لا يعني انعدام الصلة بينهما إلاّ في هذه الحيثية ، بل هناك جوانب اتفاق بين الضرورة والإكراه ، وهي :

1 ـ اتّفاقهما في جهة الفاعل :

لأنّ الفاعل فيهما لا يجد سبيلاً للخلاص من الشر المحدق به غير ارتكاب المحظور.

2 ـ اتّفاقهما في من تترتّب عليه الآثار :

وهو هاهنا واحد ، وهو الفاعل سواءً كانت الآثار سلبا عليه كما في حال امتناعه عن ارتكاب المحظور عن ضرورة أو إكراه ، أو إيجابا له كما لو ارتكبه بسبب أيٍّ منهما كما هو واضح.

٢٩

3 ـ اتّفاقهما في إباحة بعض المحظورات الشرعية :

ومن نقاط الاتفاق الواضحة بينهما هو أن الضرورة تجعل المحظور مباحاً كما مرَّ في قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) ، وكذلك الحال مع الاكراه ، إذ يبيح ارتكاب بعض المحرمات ، ومنها المساس بحقوق الآخرين.

وعلى هذا الوجه يدخل الاكراه في مفهوم الضرورة العام الذي يعني تحققها بمجرد حلول خطر لا يندفع إلاّ بمحظور(1) .

ومن هنا يتبين عدم الفرق بينهما من جهة الملاك ، لأنّ ملاكهما واحد ، وهو رفع الضرر الأهم بارتكاب ترك المهم(2) .

ولهذا علّل بعض فقهاء القانون الوضعي انتفاء المسؤولية في حالة الضرورة بفكرة الاكراه؛ لأنَّ من يكون في حالة ضرورة هو مكره على الفعل الذي يخلصه منها ، وكثير منهم قرن أحدهما بالآخر(3) .

وبهذا العرض الموجز عن الاكراه وصلته بالضرورة والتقيّة ، نعود إلى الحديث عن التقيّة لنتعرف أولاً على أصولها ومصادرها التشريعية عبر بيان أدلتها من القرآن الكريم والسُنّة المطهّرة ، ودليل العقل والإجماع.

__________________

(1) راجع : الضرورة في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي / الدكتور محمد محمود عبدالعزيز الزيني : 59 ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، الاسكندرية / 1993 م.

(2) راجع القواعد الفقهية / ناصر مكارم الشيرازي 2 : 19.

(3) راجع الإحكام العامة في قانون العقوبات / الدكتور السعيد مصطفى السعيد : 417 ، وشرح قانون العقوبات القسم العام / الدكتورمحمود المصطفى : 326 نقلاً عن الضرورة للدكتور محمد محمود الزيني : 223.

٣٠

الفصل الثاني

أدلة التقيّة وأصولها التشريعية

المبحث الأول

أدلة التقيّة من القرآن الكريم

لا شكّ أنَّ من قال بالقرآن الكريم صدَق ، ومن حكم به عَدَل ، ومن عمل به أُجِر ، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم.

وكيف لا ، وهو يهدي للتي هي أقوم ، مع كونه بياناً للناس وهدىً وموعظة للمتقين؟

ومع هذه الحقيقة الناصعة التي طفحت بها آيات الكتاب ، وأكدتها السُنّة النبوية بأعظم التأكيد ، إلاّ إنّك قد تجد من يسيء إلى المفاهيم القرآنية الواضحة فيه أبلغ الإساءة كمفهوم التقيّة ، فيدّعي أنها من النفاق! وهذا يكشف عن كون اتخاذ القرار في التخطيط لأية مسألة فكرية تتصل بعقيدة المسلمين ، أو الأحكام الشرعية وفهمها فهماً دقيقاً لا يناط أبداً بغير المخلص الكفوء ، خشيةً من الوقوع في الانحراف الفكري عن قصد أو بدون قصد.

٣١

والعجب إنّك ترى تلك الإساءة ممن يدّعي العلم والفهم وتلاوة القرآن الكريم ، وكأنه لم يمر في تلاوته أبداً على ما سنتلوه عليك من آيات بينات وما قاله المفسرون بشأنها.

إنَّ الآيات القرآنية الدالة على اليسر ونفي الحرج وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة ، أو المشيرة إلى أنّ المُكرَه أو المضطر إلى المحرم لا جرم عليه ، غير خافية على أحد ، ولا ينكرها إلاّ الجاهل المتعسف أو المعاند الصلف ، وكلامنا ليس مع هذا الصنف ، بل مع من يعي أن نبينا الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث بالحنيفية السمحة ثم يشتبه عليه أمر التقيّة.

ونحن إذ نتعرض هنا للأدلة القرآنية الدالة على مشروعية التقيّة ، نود التذكير بأن الدليل الواحد المعتبر الدال على صحة قضية يكفي لإثباتها ، فكيف لو توفّرت مع إثباتها أدلة قرآنية كثيرة ، لم يُختَلَف في تفسيرها؛ لأنّها محكمة يُنبئ ظاهرها عن حقيقتها ولا مجال لمتأوّلٍ فيها؟

ومع هذا سوف لا نكتفي بدليل قرآني واحد ، بل سنذكر أربع آيات مباركة ، من بين الآيات القرآنية الكثيرة الدالة على مشروعية التقيّة.

والسبب في هذا الحصر والانتقاء ، إنّا وجدنا القرآن الكريم قد تعرض إلى بيان تقية المؤمنين في الاُمم السالفة بآيتين صريحتين ، كما وجدناه قد أمضى تلك التقيّة بتشريعاته الخالدة في أكثر من آية ، انتقينا منها آيتين فقط ، لما فيهما من وضوح تام حول امتداد ظل ذلك التشريع العظيم إلى وقت مبكر من عمر الرسالة الخاتمة.

ومن هنا قسّمنا الأدلة المذكورة على قسمين : أحدهما ، ما اتصل بالتقيّة قبل الإسلام ، والآخر : ما اتصل بها عند انطلاق دعوة الحق من البيت

٣٢

العتيق ، واليك التفصيل :

أولاً : الأدلة القرآنية الدالة على التقيّة قبل الإسلام.

الآية الاُولى : حول تقية أصحاب الكهف.

قال تعالى : «وَكَذلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبثْنَا يَوماً أو بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابعَثُوا أحَدَكُمْ بِوَرَقِكُمْ هذِهِ إلى المَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أيُّها أزكى طَعَاماً فلْيأتِكُمْ بِرِزقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أحَداً * إنَّهُمْ إنْ يَظْهَرُوا عَلَيكُمْ يِرْجُمُوكُمْ أوْ يُعِيدُوكُمْ في مَلَّتِهم وَلَن تُفلِحُوا إذاً أبداً »(1) .

في هاتين الآيتين المباركتين أصدق تعبير على أنّ التقيّة كانت معروفة وجائزة في شرع ما قبلنا (نحن المسلمين) وهي صريحة في تقية أصحاب الكهف رضي اللّه تعالى عنهم ، وقد أفاض المفسرون في بيان قصتهم وكيف أنّهم كانوا في ملّة كافرة وأنهم كانوا يكتمون إيمانهم قبل أن يدعوهم ملكهم إلى عبادة الأصنام ، فلجأوا إلى الكهف بدينهم(2) .

ما يشكل به من القرآن الكريم على عدم تقيّتهم :

قد يقال بأنَّ اللّه عزَّ وجلَّ أورد من نبأهم ما يدل على عدم تقيتهم ، كقوله تعالى : «وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِم إذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمواتِ والأرضِ

__________________

(1) سورة الكهف : 18 / 19 ـ 20.

(2) راجع : تفصيل قصتهم في مجمع البيان / الطبرسي5 : 697 ـ 698. وزاد المسير / ابن الجوزي 5 : 109 ـ 110. والجامع لأحكام القرآن / القرطبي10 : 357 ـ 359. وتفسير الطبري 15 : 50. والدر المنثور / السيوطي5 : 373. والتفسير الكبير / الفخر الرازي21 : 97. وتفسير أبي السعود6 : 209. وقد وردت قصتهم عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وقتادة وغيرهم.

٣٣

لَنْ نَدْعُوا مِن دُونِهِ إلهاً لَقَدْ قُلْنَا إذاً شَطَطاً »(1) وهذا القول دالٌ على عدم تقيتهم.

وقولهم : «رَبُّنَا رَبُّ السَّمواتِ وَالأرضِ لَنْ نَدْعُوا مِنْ دُونِهِ إلهاً » ، هو قول من لا يرى التقيّة أصلاً ، فأين تقية أصحاب الكهف إذن؟!

جواب الإشكال :

أوّلاً ـ من القرآن الكريم :

وبيان ذلك أنَّ ما صدر عنهم من أقوال معبِّرة عن عدم تقيتهم إنّما صدر بعد انكشاف أمرهم ، إذ كانوا قبل ذلك يكتمون إيمانهم عن ملكهم كما في لسان قصتهم ، على أن في القصة ذاتها ما يعبر بوضوح عن إيصائهم لمن بعثوه بعد انتهاء رقدتهم بالتقيّة ، كما يفهم من عبارة «وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أحَداً ».

ثانيا ـ من حديث الإمام الصادقعليه‌السلام الصريح بشدّة تقيّتهم :

ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله : «ما بلغت تقية أحد تقية أصحاب الكهف ، إنْ كانوا ليشهدون الأعياد ، ويشدّون الزنانير ، فأعطاهم اللّه أجرهم مرتين »(2) .

إذن ، تقية أصحاب الكهف لا مجال لانكارها في جميع الأحوال سواء قبل تصميمهم على ترك المداراة مع القوم واللجوء إلى الكهف ، أو بعد انتهاء رقدتهم ، ولكن الحق ، أن تقيتهم الاُولى كانت قاسية على نفوسهم

__________________

(1) سورة الكهف : 18 / 14.

(2) اُصول الكافي 2 : 174 ـ 175 / 14 و 19 كتاب الإيمان والكفر باب التقيّة ، المكتبة الإسلامية ، طهران / 1388 هـ.

٣٤

لما فيها من مجاهدة نفسية عظيمة؛ لا سيّما إذا علمنا أنهم من أعيان القوم ومن المقربين إلى الملك الكافر دقيانوس قبل أن ينكشف أمرهم.

ولا ريب بان تقية المسلم من المسلم لا تكون مثل تقية المسلم من الكافر ، بل وما يُكرَه عليه المسلم من كافر مرة واحدة أو مرات لا يُقاس بمعاناة الفتية الذين آمنوا بربهم ، لأنهم قضوا شطراً من حياتهم بين قوم عكفوا على عبادة الأصنام والأوثان.

وبهذا يتّضح الوجه في شدّة تقيّتهم كما مرّ عن الإمام الصادقعليه‌السلام ؛ إذ كيف لا يشدّون الزنّار على وسطهم وهم عاشوا في أوساطهم؟ وكيف لا يشهدون أعيادهم وهم من أعيانهم؟

ثالثا ـ من تصريح علماء العامّة بتقيّتهم :

وهو ما ذهب إليه عمدة المفسّرين من العامّة كما يظهر من :

1 ـ تصريح الرازي بتقيّتهم :

قال الفخر الرازي : (وقوله : «وَلْيَتَلَطَّفْ » أي : يكون ذلك في سر وكتمان ، يعني دخوله المدينة وشراء الطعام)(1) .

2 ـ تصريح القرطبي بتقيّتهم :

وأوضح من هذا ما صرّح به القرطبي المالكي بشأن توكيل أصحاب الكهف لأحدهم بشراء الطعام مع إيصائه بالتقيّة من القوم الكافرين باخفاء الحقيقة عنهم بالتكتم عليها ، فقال ما هذا نصه :

(في هذه الآية نكتة بديعة ، وهي أن الوكالة إنّما كانت مع التقيّة خوف ان يشعر بهم أحد لما كانوا عليه من خوف على أنفسهم ، وجواز توكيل

__________________

(1) التفسير الكبير / الفخر الرازي 21 : 103.

٣٥

ذوي العذر متفق عليه)(1) .

الآية الثانية : حول تقية مؤمن آل فرعون.

قال تعالى : «وقالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَونَ يَكْتُمُ إيمَانَهُ أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُم بالبَيِّناتِ مِن رَبِّكُم وإنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وإنْ يَكُ صَادِقاً يُصبكُمْ بَعْضُ الّذي يَعِدُكُمْ إنَّ اللهَ لا يَهدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ »(2) .

هذه الآية المباركة هي الاُخرى تحكي مشروعية التقيّة قبل بزوغ شمس الإسلام بقرون.

وعلى الرغم من وضوح دلالة الآية على التقيّة سوف نذكر طائفة من أقوال المفسرين بشأنها؛ ليُعلم اتفاقهم على مشروعية التقيّة قبل الإسلام ، وسيأتي تصريحهم ببقائها إلى يوم القيامة ، كالآتي :

1 ـ ما قاله الماوردي بشأن تقيّة مؤمن آل فرعون :

نقل الماوردي في تفسيره عن الحسن البصري ، أنّ هذا الرجل كان مؤمناً قبل مجيء موسىعليه‌السلام ، وكذلك امرأة فرعون ، فكتم إيمانه.

وأورد عن الضحاك ، بأنّه كان يكتم إيمانه للرفق بقومه ، ثم أظهره فقال ذلك في حال كتمه(3) .

ولا شكّ أنَّ ما يعنيه كتمان الإيمان هو التقيّة لا غير؛ لأنه إخفاء أمر ما خشية من ضرر إفشائه ، والتقيّة كذلك.

__________________

(1) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي 10 : 376 ـ 377.

(2) سورة غافر : 40 / 28.

(3) النكت والعيون / الماوردي 5 : 153 ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

٣٦

2 ـ ما قاله ابن الجوزي :

أورد ابن الجوزي عن مقاتل بشأن مؤمن آل فرعون : (إنّه كتم إيمانه من فرعون مائة سنة)(1) .

لقد بيّن لنا القرآن الكريم قبل الآية المذكورة السبب الذي دفع مؤمن آل فرعون إلى قوله المذكور ، وهو رغبة فرعون بقتل موسىعليه‌السلام ، قال تعالى : «وقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُوني أقتُل موسى وَليَدَعُ رَبَّهُ إنِّي أخَافُ أنْ يُبدِّلَ دِينَكُمْ أوْ أن يُظهِرَ في الأرضِ الفَسَادَ »(2) .

3 ـ ما قاله الرازي :

وهنا قد يقال كما في تفسير الرازي : (إنّه تعالى حكى عن ذلك المؤمن أنّه كان يكتم إيمانه ، والذي يكتم إيمانه كيف يمكنه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون؟).

وقد بيّن الرازي أن في المسألة قولين :

الأول : إنّ هذا المؤمن لما سمع قول فرعون : «ذَرُوني أقْتُلْ مُوسى »لم يصرح بأنه على دين موسىعليه‌السلام بل أوهم أنه مع فرعون وعلى دينه ، مبيّناً ان المصلحة تقتضي ترك قتله ، لأنه لم يرتكب ذنباً وإنما كان يدعو إلى اللّه عزَّ وجلَّ ، وهذا لا يوجب القتل.

الثاني : إنّه كان يكتم إيمانه ، ولما علم بقول فرعون المذكور أزال الكتمان وأظهر كونه على دين موسى وشافه فرعون بالحق(3) .

__________________

(1) زاد المسير / ابن الجوزي 7 : 312.

(2) سورة غافر : 40 / 26.

(3) التفسير الكبير / الرازي 27 : 60.

٣٧

على أن تقيته واضحة جداً حتى على القول الثاني؛ لأنّهرضي‌الله‌عنه كان قد أظهر إيمانه وشافه فرعون بالحق بعد أن كتمه بتصريح القرآن الكريم ، وكتمان الحق وإظهار خلافه هو التقيّة بعينها.

ثناء القرآن على مؤمن آل فرعون :

وهذا الرجل العظيم لم يصفه القرآن الكريم بالنفاق ، ولا بالمحتال المخادع ، بل وصفه بأشرف الصفات وأعظمها عند اللّه عزَّ وجل ، صفة الإيمان.

وكيف كان ، فقد أخرج المتقي الهندي في كنز العمال ، عن ابن النجار ، عن ابن عباس ؛ وعن أبي نعيم في الحلية ، وابن عساكر ، عن ابن أبي ليلى مرفوعاً قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، ومؤمن آل فرعون الذي قال : «أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبِّي اللهُ »والثالث : علي ابن أبي طالب ، وهو أفضلهم »(1) .

وفي تفسير المحرر الوجيز : قال الجوهري : (وقد أثنى اللّه على رجل مؤمن من آل فرعون كتم إيمانه وأسرّه ، فجعله اللّه تعالى في كتابه ، وأثبت ذكره في المصاحف لكلام قاله في مجلس من مجالس الكفر)(2) .

وفي تفسير القرطبي في تفسيره الآية المذكورة قال : (إن المكلف إذا نوى الكفر بقلبه كان كافراً وإن لم يتلفظ بلسانه ، وأما إذا نوى الإيمان بقلبه

__________________

(1) كنز العمال / المتقي الهندي 11 : 601 / 32897 و 32898 ، ط5 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت. وفي حاشية كشف الأستار / محمد حسين الجلال : 98 ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت / 1405 هـ ، قال : (وحسّنه السيوطي).

(2) المحرر الوجيز / ابن عطية 14 : 132 ، تحقيق المجلس العلمي بفاس / 1407 هـ.

٣٨

فلا يكون مؤمناً بحال حتى يتلفظ بلسانه ، ولا تمنعه التقيّة والخوف من أن يتلفظ بلسانه فيما بينه وبين اللّه تعالى ، إنما تمنعه التقيّة من أن يسمعه غيره ، وليس من شرط الإيمان أن يسمعه الغير في صحته من التكليف ، وإنّما يشترط سماع الغير له ؛ ليكف عن نفسه وماله)(1) .

وبالجملة ، فإنّ جميع المفسرين الذين وقفت على تفسيرهم اعترفوا بتقية مؤمن آل فرعون ، ولولا خشية الاطالة لأوردنا المزيد من أقوالهم ، ويكفي أن الخوارج الذين زعم بعضهم بأنهم ينكرون التقيّة قد صرّح أباضيتهم بالتقيّة في تفسيرهم لهذه الآية :

قال المفسر الاباضي محمد بن يوسف اطفيش عن الرجل المؤمن : (فمعنى كونه من آل فرعون أنه فيهم بالتقيّة مظهراً أنّه على دينهم ، وظاهر قوله «ياقَوم » أنّه منهم إلى أن قال واستعمل الرجل تقية على نفسه ، ما ذكر اللّه عزَّ وجلَّ عنه بقوله : «وإنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيهِ كَذِبُهُ »)(2) .

ثانياً : الأدلة القرآنية الدالة على امضاء التقيّة في الإسلام :

الآية الاُولى : حول جواز الكفر باللّه تقيةً :

ويدل عليه قوله تعالى : «مَنْ كَفَرَ باللهِ مِنْ بَعْدِ إيمانِهِ إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلبُهُ مُطْمَئنٌ بالإيمانِ وَلكِن مَنْ شَرَحَ بالكُفرِ صَدْرَاً فَعَلَيهِمْ غَضَبٌ مَنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »(3) .

__________________

(1) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي 15 : 307.

(2) تيسير التفسير / محمد بن يوسف بن اطفيش الأباضي 1 : 343 ـ 345.

(3) سورة النحل : 16 / 106.

٣٩

نزول الآية بمكة بشأن عمار بن ياسر وأصحابه :

نزلت هذه الآية المباركة باتفاق جميع المفسرين في مكة المكرمة وفي البدايات الاُولى من عصر صدر الإسلام ، يوم كان المسلمون يعدون بعدد الأصابع ، ومن مراجعة ما ذكروه بشأن هذه الآية يُعلم أن التقيّة قد أُبيحت للمسلمين أيضاً في بدايات الإسلام الأولى ، وانها أُبقيت على ما كانت عليه في الأديان السابقة ولم تنسخ في الإسلام ، بل جاء الإسلام ليزيدها توكيداً ورسوخاً لكي يتترس بها أصحاب الدين الفتي أمام طغيان أبي سفيان وجبروت أبي جهل كما تترس بها من قبل أهل التوحيد أمام ظلم المشركين فيما اقتص خبره القرآن الكريم ، وصرّح به سائر المفسرين.

فقد أخرج ابن ماجة بسنده عن ابن مسعود ما يؤكد نزول الآية بشأن عمار بن ياسر وأصحابه الذين أخذهم المشركون في مكة وأذاقوهم ألوان العذاب حتى اضطروا إلى موافقة المشركين على ما أرادوا منهم.

وقد علّق الشيخ محمد فؤاد عبدالباقي على هامش حديث ابن ماجة المذكور ، بقوله (أي : وافقوا المشركين على ما أرادوا منهم تقية ، والتقيّة في مثل هذه الحال جائزة ، لقوله تعالى : «إلاَّ مَنْ أُكرِهَ وَقَلبُه مُطمئنٌ بالإيمان »(1) .

الآية أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه :

وقال الجصاص الحنفي في تفسير الآية المذكورة : (هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه ، والإكراه المبيح لذلك هو أن يخاف على

__________________

(1) سنن ابن ماجة 1 : 53 ، 150 باب 11 في فضل سلمان وأبي ذر والمقداد ، دار إحياء الكتب العربية ، وانظر التعليق عليه في الهامش رقم (1) من الصفحة المذكورة.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الإنسان أوَّله نُطفة وآخره جِيفة

ونموذج آخر نجده في قِصَّة المهلب بن أبي صفرة، والي عبد الملك على خُراسان، فقد كان في بعض الأيَّام مُرتدياً ثوباً مِن الخَزِّ، ويسير بكِبرياء في الطريق ويتبختر، فقابله رجل مِن عامَّة الناس، وقال له: يا عبد الله، إنَّ هذه المشية مَبغوضة مِن قِبَل الله ورسوله.

فقال له المهلب: أما تَعرِفني؟

قال: بلى أعرفك... أولك نُطفة مَذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تَحمل العَذرة.

فمضى المهلب، وترك مشيته تلك دون أنْ يتعرَّض للرجل بسوء (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨١

يجمع كلَّ الناس خير الآباء آدم وأفضل الأديان الإسلام

روي عن موسى بن جعفر (عليه السلام)، أنَّه مَرَّ برجل مِن أهل السَّواد، دميم المنظر، فسلَّم عليه، ونزل عنده، وحادثه طويلاً، ثمَّ عرض عليه القيام بحاجته إنْ عُرِضت له، فقيل له: يا ابن رسول الله، أتنزل إلى هذا، ثمَّ تسأله عن حوائجه، وهو إليك أحوج؟!

فقال (عليه السلام): (عبد مِن عبيد الله، وأخٌ في كتاب الله، وجارٌ في بلاد الله، يجمعنا وإيَّاه خير الآباء آدم، وأفضل الأديان الإسلام) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٢

الرَّبُّ واحد والجزاء بالأعمال

عن رجل مِن أهل بَلخ قال: كنت مع الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة له، فجمع عليها مواليه مِن السودان وغيرهم.

فقلت: جُعلت فداك، لو عزلت لهؤلاء مائدة!!

فقال: (مَه، إنَّ الرَّبَّ تبارك وتعالى واحد، والأُمُّ واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٣

قولوا السَّداد مِن القول ولا تغلوا

عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج على نفرٍ مِن أصحابه، فقالوا:

مرحباً بسيدنا ومولانا.

فغضب رسول الله غَضباً شديداً، ثمَّ قال:

لا تقولوا: هكذا، ولكنْ قولوا: مرحباً بنبيِّنا ورسول رَبِّنا، قولوا السَّداد مِن القول، ولا تغلوا في القول فتمرقوا) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٤

أخاف أنْ يَدخلني ما دخلك

لقد كان أكثر أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فُقراء في صدر الإسلام، لكنَّ القرآن الكريم تعهَّد بتربيتهم على عِزَّة النفس، وقوَّة الشخصيَّة؛ بحيث لم يكونوا يخسرون أنفسهم مُقابل الزَّخارف المادِّيَّة، بالرَّغم مِمَّا كانوا عليه مِن الفَقر.

وكشاهد صريح على ما أقول، نذكر القصة التالية: روي أنَّ رجلاً موسِراً، دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ دخل رجل فقير، وجلس إلى جنبه، فجمع الموسِر ملابسه...

كان النبي مُنتبهاً إلى ذلك، فسأل الموسِر: (أخشيت مِن اتِّصال فقره بك؟!).

ـ كَلاَ.

ـ (أخشيت مِن انتقال شيءٍ مِن ثروتك إليه؟!).

ـ كَلاَ.

ـ (أخشيت مِن تلوِّث ملابسك؟!).

ـ كَلاَ.

ـ (فلِمَ جمعت ملابسك؟).

ـ الثروة التي تُلازمني في كلِّ حين، منعتني مِن رؤية الحَقِّ، وحبَّبت إليَّ عيوبي؛ ولأتدارك هذا فقد وهبت له نِصف ما أملِك.

فقال رسول الله للفقير: (أتقبل؟).

قال: لاَ.

فقال له الرجل: ولِمَ؟!!

قال: أخاف أنْ يدخلني ما دخلك!! (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٥

الطِّيرَة ليست بحَقٍّ

ولِدت طفلة في اليوم الثالث عشر مِن الشهر، وعندما شَبَّت وترعرعت، وعلمت بأنَّ ولادتها تُصادف اليوم الثالث عشر؛ بدأ الاضطراب يَدبُّ في نفسها.

كانت تتصوَّر أنَّ نحوسة يوم ولادتها (اليوم الثالث عشر) تؤدِّي إلى تعاستها، وقد اضطرَّ الوالدان؛ لتهدئة الفتاة إلى أخذها إلى عيادة طبيب نفساني، وبَذَلَ الطبيب كلَّ جهوده؛ لاقتلاع جذور القَلق مِن نفس الفتاة، ولكنَّ جهوده باءت بالفَشل في جميع مُحاولاته.

تزوَّجت هذه الفتاة بعد إنهاء دراستها الجامعيَّة، وولدت طفلاً، ولكنَّها بقيت تحترق بنار القَلق والاضطراب.

وصادف يوماً أنْ كانت في سيَّارتها، بصُحبة زوجها وطفلها، حين شاهدها الطبيب النفساني، فاستوقفهم واقترب مِن الشابَّة، وقال لها: أرأيت كيف صَدقت أقوالي فيك، وأنَّ اضطرابك كان لا مُبرِّر له؟

انظري كيف أنَّك سعيدة بجوار زوجك وطفلك.

أجهشت الشابَّة بالبكاء، وقالت: سيِّدي الطبيب، إنِّي مُتيقِّنة مِن أنَّ نَحْس العدد (١٣) ستؤدِّي إلى تعاستي ودماري!!

يعتقد علماء النفس، أنَّ التشاؤم وليد جهل الإنسان، وليس خطراً حقيقيَّاً، أو آفة واقعيَّة، إنَّهم يقولون: إنَّه عِبارة عن إيحاء مؤلِم، يؤدِّي إلى إضعاف الروح، ويُسيطر على قلب المُعتقد به وفكره.

كذلك الأئمَّة عليهم السلام، فإنَّهم اعتبروا التشاؤم حقيقة نفسيَّة، قد تؤدِّي إلى أمراض ومشاكل كثيرة.

قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (الطِّيرَة ليست بحَقٍّ) (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٦

يا رَبِّ أنت حولي ومِنك قوَّتي

أبو طيَّار تاجر مِن تُجَّار الكوفة، وتدهور وضعه المالي مَرَّة، فذهب إلى المدينة، وتشرَّف بلقاء الإمام الصادق (عليه السلام)، وذكر حالته له، وطلب مِن الإمام عِلاجاً لذلك.

أوَّل سؤال بَدأ به الإمام (عليه السلام)، هو أنَّه: (هل عندك حانوت في السوق؟).

قال: نعم، ولكنِّي هجرته مُنذ مُدَّة؛ لأنَّي لا أملك ما أبيع فيه.

فقال (عليه السلام): (إذا رجعت إلى الكوفة، فاقعُد في حانوتك واكنسه).

لا يوجد طريق لتدارك التدهور الاقتصادي، الذي أصاب تاجراً، بغير استعادة العمل والنشاط، وهذا لا يحصل مع اليأس والتردُّد، بلْ لا بُدَّ مِن العَزْم والاستقرار؛ ولذلك فإنَّ الإمام (عليه السلام) قال له: (إذا أردت أنْ تخرج إلى سوقك، فصَلِّ رَكعتين، ثمَّ قُلْ في دُبُر صلاتك:

توجَّهت بلا حول مِنِّي ولا قوَّة، ولكنْ بحولك يا رَبِّ وقوَّتك، فأنت حولي ومِنك قوَّتي).

عَمِل أبو طيَّار بوصيَّة الإمام (عليه السلام)، ففتح حانوته، ولم تمض ساعة حتَّى جاء إليه بزَّاز، وطلب منه أنْ يؤجِره نِصف حانوته، فوافق على ذلك شَريطة أنْ يدفع أُجرة الحانوت كلِّه، فجاء البزَّاز وبسط أمتعته في نِصف الحانوت، وهذا جعل الحانوت يبدو بشكل جديد.

كان البزَّاز يملك عِدَّة عِدول مِن القماش لم تفتح بعد، فطلب أبو طيَّار منه أنْ يسمح له ببيع عِدل منها، على أنْ يأخذ الأُجرة لنفسه، ويُعيد لجاره قيمة العِدل، فوافق على ذلك، وسلَّمه عِدلاً، فأخذ أبو طيَّار العدل وعرضه في النِّصف الآخر مِن الحانوت، وصادف أنَّ الجوَّ أصبح بارداً جِدَّاً في ذلك اليوم، بحيث أقبل الناس على

٨٧

السوق يشترون الأقمشة؛ لوقاية أجسامهم مِن البرد، وما أنْ غرُبت الشمس، حتَّى كانت الأقمشة كلُّها قد بيعت.

وفي هذا يقول أبو طيَّار: فما زلت آخذ عِدلاً وأبيعه وآخذ فضله، وأردُّ عليه رأس المال، حتَّى ركبت الدوابَّ واشتريت الرَّقيق وبنيت الدور (١) .

____________________

(١) الطفل، ج٢.

٨٨

في أحد الأيَّام، وبينما كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يُصلِّي بالناس صلاة الصبح في المسجد، وعندما فَرغ مِن الصلاة، التفت إلى شابٍّ كان يُصلِّي خلفه، وقد اصفرَّ وجهه، وبدا عليه التعب مِن كثرة السَّهر، وبدا عليه أنَّه لم يَنمْ طوال الليل، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

(كيف أصبحت يا حارث؟).

فأجابه الشابُّ: لقد أصبحت وأنا على يقين.

فتعجَّب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن كلام الشابِّ وقال له: (إنَّ كلَّ يقين يقترن بحقيقة، فما هي حقيقة يقينك؟).

قال الشابُّ: يا رسول الله، إنَّ يقيني هو ما دعاني أنْ أسهر الليل، وأنْ أتغاضى عن مُغريات الدنيا. كأنِّي أنظر إلى عرش رَبِّي قد نصب للحساب، وحَشر الخلائق لذلك، وأنا فيهم، وكأنِّي أنظر إلى أهل الجَنَّة يتنعَّمون فيها ويتعارفون على الأرائك مُتَّكئين، وكأنِّي أنظر إلى أهل النار، فيها مُعذِّبون ويصطرخون، وكأنِّي أسمع الآن زفير النار يدور في مسامعي.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (هذا عبد نوَّر الله قلبه بالإيمان)، ثمَّ قال له: (إلزم ما أنت عليه).

فقال الشابُّ: ادعُ الله لي يا رسول الله، أن أُرزق الشهادة معك.

فدعا له بذلك، فلم يلبث أنْ خرج في بعض غزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاستُشهد بعد تسعة نفرٍ وكان هو العاشر (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٨٩

جاءت مجموعة مِن قريش بينهم العتبة بن ربيعة، وأُبي بن خلف، والوليد بن المغيرة، والعاص بن سعيد جاؤوا إلى النبي، وتحدَّثوا أمامه عن المعاد بطريقة تنمُّ عن إنكارهم له، ثمَّ تقدَّم أُبي بن خلف نحو النبي، وهو يحمل بيده قطعة عَظم فهشَّمها بين أنامله بقوَّة، ثمَّ نفخ فيها فتناثرت ذرَّاتها في الهواء وقال:

أتزعم أنَّ رَبَّك يُحيي هذا بعد ما ترى؟!

لقد تصوَّر أُبيّ بن خلف، أنَّ تهشيمه قطعة العَظم، ونثر ذرَّاتها في الهواء، قد أقام الدليل القاطع على عدم وجود المَعاد واستحالته؛ ولهذا نراه يقول للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): بعد الذي شاهدته، هل لازلت مُصرَّاً على رأيك، بأنَّ الناس يُبعثون يوم القيامة؟

وهنا جاء الرَّدُّ الإلهي مِن خِلال القرآن الكريم: ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (يس) (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩٠

لقِّنوا موتاكم شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله والولاية

عن أبي بصير، عن أبي جعفر الباقر (عليهما السلام) قال: كنَّا عنده، وعنده حَمران، إذ دخل عليه مولى له، فقال: جُعلت فِداك هذا عَكرمة في الموت.

وكان يرى رأي الخوارج، وكان مُنقطعاً إلى أبي جعفر.

ـ (أنظروني حتَّى أرجع إليكم).

فقلنا: نعم. فما لبث أنْ رجع.

فقال: (أما إنِّي لو أدركت عَكرمة، قبل أنْ تقع النفس موقعها لعلَّمته كلمات ينتفع بها، ولكنِّي أدركته، وقد وقعت النفس موقعه).

قلت: جُعلِت فِداك، وما ذاك الكلام؟

قال: (هو - والله - ما أنتم عليه، فلقِّنوا موتاكم شهادة أنْ لا إله إلاّ الله والولاية).

فالإمام الباقر (عليه السلام) يقول: لو أنِّي وصلت إلى عَكرمة، قبل أنْ تصل روحه إلى مكانها وموقعها الروحاني، في عالم ما بعد الموت، لعلَّمته كلمات يستفيد منها، وهنا سأله أبو بصير:

وما هو الكلام الذي أردت أنْ تُعلِّمه له؟

فقال الباقر (عليه السلام): والله، أردت أنْ أُعلِّمه الذي تؤمنون به أنتم، أيْ: إنَّ الإمام أراد أنْ يُعرِّف السائل، ويُلفت انتباهه إلى المقام الشامخ لولاية علي (عليه السلام)، ويُطلعه على الخطأ الذي ارتكبه الخوارج بحَقِّ عليٍّ (عليه السلام)، لعلَّه يرجع عن تأييده لموقف الخوارج، ويُنزِّه ويُطهِّر ضميره مِن سوء الظَّنِّ بالإمام عليٍّ (عليه السلام)، ويُغادر هذه الدنيا بقلب سليم ونقي ٍّ (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩١

مَن يتَّقِ الله يجعل له مَخرجاً

ذكر أحد القُضاة في مدينة همدان: أنَّه تعرَّف إلى شخصٍ مرموقٍ في هذه المدينة، واقترض هذا مبلغاً مِن المال مِن أحد الأشخاص، وأعطاه إيصالاً بخطِّ يده، تعهَّد فيه بتسديد مبلغ القرض في التاريخ الفُلاني، وفي التاريخ المُحدَّد أحضر المَدين المبلغ الذي اقترضه، وجاء إلى الدائن؛ ليُسلِّمه المبلغ، ويسترجع منه الإيصال، ولكنَّ الدائن قال له: إنِّي لا أدري أين وضعت إيصالك، وإذا توافق فإنِّي أُعطيك إيصالاً آخر، بدل إيصالك القديم. ووافق المَدين واستلم الإيصال مِن الدائن.

يقول القاضي: إنِّي كنت على علم بهذه القضيَّة، وبعد فترة توفِّي صديقي، وبعدها عثر الشخص الذي أُعطي القرض (الدائن) على الإيصال، الذي سبق أنْ أعطاه له المَدين (المُتوفَّى) فأخذ الإيصال، وذهب إلى زوجة المُتوفَّى، وطالبها بالمبلغ المذكور في الإيصال، وبما أنَّ الزوجة كانت على علم بالأمر، قالت للدائن: إنَّ زوجي عندما كان على قيد الحياة، دفع لك ما بذمَّته واستلم منك إيصالاً بذلك. فقال لها الدائن: إذنْ، أعطيني إيصالي. ولكنَّ الزوجة لم تعثر على الإيصال، فأقام الدائن دعوى أمام المحكمة ضِدَّ المَدين (المُتوفَّى) ، وطلب مِن قاضي المحكمة - وهو صديق المُتوفَّى - النظر في القضيَّة، والقاضي كان يعلم بأنَّ صديقه قد سَدَّد دينه، ولكنَّه وافق على النظر في القضيَّة؛ استناداً إلى القوانين القضائيَّة، وأبلغ زوجة صديقه المُتوفَّى بأنَّ عليها أنْ تعثر على إيصال المُدَّعي، وتُسلِّمه إلى المحكمة.

بحثت الزوجة كثيراً عن الإيصال، ولكنْ دون جدوى، وكان القاضي على وَشك أنْ يُصدِّر حُكمه لصالح المُدَّعي، عندها رأت الزوجة زوجها في المنام وسألته: هل سَدَّدت قرض فُلان؟

٩٢

فقال لها: نعم، سَدَّدت الدَّين، واستلمت إيصالاً مِن الدائن، فسألته زوجته: إذنْ، أين الإيصال؟ لقد فتَّشت جميع أرجاء البيت ولم أعثر عليه.

قال لها الزوج: الإيصال ليس في البيت، لقد أعطيته لفلان المُحامي، الذي وضع الإيصال داخل كتاب الدُّعاء، اذهبي إليه وخُذي الإيصال منه.

وفي صباح اليوم التالي، ذهبت الزوجة إلى بيت المُحامي، الذي أخرج الإيصال مِن الكتاب، كما أخبر بذلك زوجها، وسلَّمه للزوجة التي سلَّمته بدورها للمَحكمة، وأُغلق بذلك ملفَّ القضية (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩٣

إنْ كان كما نقول نجونا ونجوتَ

ابن أبي العوجاء، كان دهريَّاً معروفاً في زمن الإمام الصادق (عليه السلام)، وكان يعيش في المدينة، وكثيراً ما كان يتشرَّف بلقاء الإمام الصادق (عليه السلام)، ويطرح عليه بعض الأسئلة، ويستفيد مِن الأجوبة التي كان يُقدِّمها الإمام. وكان ابن أبي العوجاء في بعض السنين، يذهب إلى مَكَّة في موسم الحَجِّ، لكي يُشاهد ما يفعله الناس. ولكنَّه بقي ماديَّاً حتَّى آخر حياته، ولم يؤمن بالله خالق هذا الكون، كما لم يؤمن بتعاليم الإسلام، وفي آخر سنة مِن حياته ذهب إلى مَكَّة أثناء موسم الحَجِّ، وكانت هي المَرَّة الأُولى التي يلتقي فيها بالإمام، وهو في طريقه إلى الحَجِّ، حيث أدَّى واجب الاحترام وخاطبه عبارة: (يا سيدي ومولاي) .

فقال له الإمام: (ما جاء بك إلى هذا الموضع؟).

قال: عادة الجَسد، وسُنَّة البلد؛ ولننظر ما الناس فيه مِن الجنون والحَلق ورمي الحِجارة.

قال الإمام: (أنت بعد على عتوِّك وضلالك يا عبد الكريم).

فذهب يتكلَّم، فقال الإمام له: (لا جِدال في الحَجِّ)، ونفض رِداءه مِن يده وقال: (إنْ يكن الأمر كما تقول - وليس كما تقول - نجونا ونجوت، وإنْ يكن الأمر كما نقول - وهو كما نقول - نجونا وهلكت).

فأقبل عبد الكريم على مَن معه فقال: وجدت في قلبي حَزازة فردُّوني.

فردُّوه فمات (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩٤

لو عاينتم ما قد عاين مَن مات منكم

لجزعتم ووهلتم وسمعتم وأطعتم

قبل سنوات تعرَّفت على رجل مُثقَّف ومؤمن، كان يُتقن ثلاث لُغات، ويُحبُّ المُطالعة كثيراً، وكان يُحاول دائماً الحصول على مزيد مِن الكتب والمَجلاَّت العلميَّة، التي تصدر في مُختلف دول العالم؛ ليطَّلع مِن خلالها على الاختراعات والاكتشافات العلميَّة الجديدة في العالم، ولأنَّه كان رجلاً مُتديِّناً ومؤمناً؛ فإنَّه كان يأتي إلى بين الحين والآخر؛ ليسألني حول موضوع جديد قرأه في الكُتب والمَجلاَّت، وما إذا كان القرآن الكريم والأئمَّة (عليهم السلام) قد تطرَّقوا إلى مِثل هذا الموضوع أم لاَ.

وفي ظهيرة أحد أيَّام الصيف الحارَّة اتَّصل بي، وقال: أُريد أنْ أراك بسُرعة؛ حيث لديَّ موضوع جديد، أُريد أنْ أُطلعك عليه.

وبعد عِدَّة ساعات جاءني الرجل، وهو يحمل في يده مَجلَّة أجنبيَّة، ثمَّ فتح المَجلَّة وإذا فيها صورة رجل جالس على كرسيٍّ، وعلى رأسه قُبَّعة خاصَّة، تتفرَّع منها أسلاك عديدة تتَّصل بلوحة قريبة مِن الكُرسي، وفي نفس الصفحة مِن المَجلَّة عدد مِن لوحات الحفر الزنكوكرافي (الغرافر) مساحة كلَّ واحد منها، كمساحة علبة كبريت، وتظهر على كلِّ واحد منها خطوط بيضاء مُنكسرة، عريضة ورفيعة، ورفيعة جِدَّاً مُتباعدة ومُتقاربة، ومُتقاربة جِدَّاً، وهي تختلف مِن حيث قطرها وسماكتها وأشكالها.

لقد قاموا بتصميم وصنع هذه الأجهزة؛ لتقوم بتسجيل الموجات المُنبعثة مِن دماغ المريض، على شريط مِن ورق، يوضع تحت تصرُّف الطبيب؛ ليتمكَّن بواسطته مِن التعرَّف على طبيعة المرض الدماغي، الذي يُعاني منه المريض، وبالتالي وصف العلاج الذي تتطلَّبه حالة المريض، ولكنَّ لوحات الغرافر المطبوعة في هذه المجلَّة

٩٥

لا تصلح لأمراض الدماغ، بلْ إنَّهم قاموا بتسجيل هذه الموجات الدماغيَّة؛ ليعرفوا كيف تكون عليه موجات دماغ الإنسان، في حالات الهيجان: كالغضب، والخوف، والاضطراب، والتألُّم وسائر الحالات الأُخرى المُماثلة.

إذاً، فعمليَّة تخطيط الدماغ أو الرأس (وهي عمليَّة تسجيل الموجات الكهربائيَّة المُختلفة المُنبعثة مِن أجزاء الدماغ) تتمُّ لهذا الغرض، فهم قد أخذوا أجزاءً صغيرة مِن الأشرطة، المُسجَّلة عليها هذه الموجات الدماغيَّة الكهربائيَّة، على شكل لوحات الحفر الزنكوكرافي (الغرافر)، وطبعوها في هذه المجلَّة، وكتبوا تحت كلِّ لوحة مِن لوحات الكرافر عبارة: هذا هو شكل الموجات الدماغيَّة، لشخص في حالة الغضب، أو في حالة الخوف، أو في حالة الاضطراب، أو في حالات أُخرى مُشابهة.

وكتب أيضاً في تلك الصفحة مِن المجلَّة، بأنَّه مِن المُمكن إجراء تخطيط لدماغ إنسان، وهو في حالة النوم، وبالتالي التأكُّد مِمَّا إذا كان هذا الشخص النائم، هو في عالم الرؤيا، أو في وضع عادي، أو في حالة اضطراب وقلق وهيجان، وهل أنَّه يرى الآن أحلاماً مُزعجة ومُرعبة (كوابيس) أم لا؟

والأمر المُثير للانتباه، هو أنَّ الصفحة الأخيرة مِن تلك المِلَّة، تضمَّنت لوحة الحفر الزنكوكرافي - الكليشية - وعليها خطوط تختلف مِن حيث العدد، ومِن حيث الشكل مع تلك المرسومة على سائر اللوحات الغرافر الأُخرى، بحيث إنَّ لوحة الغرافر هذه محشوَّة ومُكتظَّة بالخطوط الكثيرة، وكتب تحتها عبارة هذه موجات دماغ إنسان مُحتضر (يُنازع الموت).

الوضع الاستثنائي، الذي كان يُشير إليه المُخطَّط البياني (الغرافر)، للشخص الذي يُنازع الموت، يُشير إلى هذه الحقيقة: وهي أنَّ الضغوط التي يتعرَّض لها الفرد المُحتضر، هي مِن الشِّدَّة والقوَّة، بحيث لا يُمكن مُقارنتها مع أقوى الضغوط التي يتعرَّض لها الإنسان، نتيجة الغضب والخوف والألم، وسائر الاضطرابات التي يواجهها خلال حياته.

وبعد أنْ قدَّم هذا الصديق المُحترم، توضيحاته حول لوحات الغرافر سألني

٩٦

قائلاً: ماذا تقول الروايات والأحاديث المنقولة عن الأئمَّة (عليهم السلام) عن مصاعب وشدائد الموت؟

قلت له: هناك روايات وأحاديث كثيرة في هذا المجال، مذكورة في نهج البلاغة، وفي سائر كتب الحديث، وقرأت عليه هذه الكلمة للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام):

(... فإنَّكم لو عاينتم ما قد عاين مَن مات منكم؛ لجزعتم ووهلتم، وسمعتم وأطعتم، ولكنْ محجوب عنكم ما قد عاينوا، وقريب ما يُطرح الحِجاب) (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

٩٧

إنَّ الله يُحبُّ عبداً إذا عمل عملاً أتقنه

أُخبِر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم مِن الأيَّام، بأن سعد بن معاذ قد توفِّي؛ فنهض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن مكانه على الفور، ولحق به الصحابة الذين كانوا معه، فأمر بتغسيل سعد وتكفينه، وسار خلف جنازته، وهو يحمل الطرف الأيسر مِن النعش تارة، والطرف الأيمن تارة أُخرى، حتَّى وضعوا الجنازة إلى جانب القبر، فنزل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه إلى داخل القبر، وأخذ جسد سعد ووضعه في اللحد، وأخذ يُغطِّي اللحد بالحَجر والطين، ويَسدُّ المنافذ الموجودة فيه.

لعلَّ البعض مِن الذين شاهدوا ما قام به رسول الله، تساءلوا مع أنفسهم:

ما الفائدة مِن سَدِّ منافذ القبر بالأحجار والطين، طالما أنَّ اللِّحد سوف ينهار ويتلاشى تلقائيَّاً، عندما يُغطَّى بالأحجار والتراب؛ وذلك بسبب ثقل هذه الطبقة مِن الأحجار والتراب؟

بعد أنْ انتهى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن وضع التراب على القبر، قال للحاضرين ما معناه: إنِّي أعلم بأنَّ القبر سينهار ويتلاشى، ولكنَّ الله يُحبُّ عبداً إذا عمل عملاً أتقنه .

في أحد الأيَّام كنت أتحدَّث على المنبر، فقرأت هذا الحديث الشريف، وكان المجلس يعجُّ بالحاضرين، فجلست قليلاً حتَّى يفتح الطريق ويخفُّ الازدحام، وفي هذه الأثناء جاءني أحد الأشخاص، مِن الذين حضروا المجلس، وسلَّم عليّ وقال لي: إنِّي لم أفهم حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل جَيِّد، وأرجو أنْ توضِّح لي هذا الحديث.

فقلت: لا بأس، اجلس إلى جانبي.

٩٨

ثمَّ قلت له: إنَّني غالباً ما أسأل الأشخاص الذين لديهم أسئلة، يُريدون طرحها عليَّ، غالباً ما أسألهم عن طبيعة أعمالهم ومِهنهم التي يعملون فيها؛ وذلك لكي أذكر لهم بعض الأمثلة مِن نفس المجال، الذي يعملون فيه، الأمر الذي يُساعدهم على فهم الأجوبة التي أُعطيها لهم، فهل توافق على أنْ أسألك عن طبيعة عملك؟

قال: إنِّي أعمل طبيباً جرَّاحاً.

فكَّرت للحظة، وقلت في نفسي: إنَّ المِهنة التي يُزاولها هذا الشخص، يُمكن أنْ تُعينني على توضيح هذا الحديث، وبالتالي إفهامه فقلت: يا دكتور، إنَّ الشخص المحكوم عليه بالإعدام مِن قِبَل المحكمة، إذا أُصيب بمرض قبل تنفيذ حُكم الإعدام، تتمُّ مُعالجته ثمَّ يُنفَّذ فيه حُكم الإعدام، وهو بصحَّة جَيِّدة. والآن نفترض أنَّك رئيس قسم الجراحة في المَشفى، والشخص المحكوم مِن المُقرَّر أنْ يُعدم في الساعة الرابعة فجراً، ولكنَّه في الساعة العاشرة مساءً استلزم نقله إلى المَشفى، بعارضٍ مرضيٍّ شديد، فذهبت إلى المَشفى، ونُقل المريض إلى غرفة العمليَّات، فهل تُجري له العمليَّة الجراحيَّة بشكل دقيق، ووفقاً للأصول العلميَّة والطبيَّة المُتعارفة أم لا؟

أجاب الجراح: نعم بالتأكيد.

قلت: ولماذا تُجري له العمليَّة بدِقَّة وعناية، أليس هذا الشخص يجب أنْ يُعدم بعد عِدَّة ساعات؟

أجاب: إنَّ الإعدام لا عَلاقة له بعملي، فالعمليَّة الجراحيَّة يجب أنْ تتمَّ بصورة صحيحة ودقيقة، سواء أُعْدِم الشخص بعد ذلك أم لاَ.

قلت له: إنَّ هذا هو ما يُريد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يقوله؛ فهو يُريد القول: بأنَّ خراب وانهيار القبر لا عَلاقة له بعملي؛ لأنَّ الله يُحبُّ عبداً إذا عَمِل عملاً أنْ يُتقنه، ومِثل هذا الشخص الذي يُحبُّه الله لا يتخلَّى عن التدريب على إتقان العمل، تحت أيِّ ظرفٍ مِن الظروف.

٩٩

شكرني الطبيب الجرَّاح، على الجواب الذي قدَّمته له وانصرف.

وبعد أنْ انتهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن دفن سعد بن معاذ، خاطبت أُمُّ سعد ولدها قائلة له: هنيئاً لك الجَنَّة.

فقال رسول الله: (يا أُمَّ سعد، مَهْ، لا تجزمي على رَبِّك، فإنَّ سعداً قد أصابته ضَمَّة).

ورجع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمُشيِّعون مِن المقبرة، فسأله البعض: يا رسول الله، لقد بالغت في إكرام سعد بن معاذ، وقُمتَ مِن أجله بعمل لم تَقُمْ بمثله مع أحدٍ غيره، وقلت بعد ذلك: إنَّ سعداً تعرَّض لضغطة القبر!

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (نعم، إنَّه كان في خُلُقه مع أهله سوء) (١) .

____________________

(١) المعاد، ج١.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421