آل نوبخت

آل نوبخت13%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92145 / تحميل: 9543
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

مبحث الإمامة في الأُصول واحتجّ في ذلك الباب هو أبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ (٢٣٥-٣١١هـ)(١) ، ثمّ تأسّى به المتكلّمون الآخرون، وأدخلوا مبحث الإمامة في المباحث الكلاميّة في ذيل النبوّة.

اتّسع نطاق علم الكلام الشيعيّ بعد طبقة الورّاق، وابن الراونديّ، وآل نوبخت وطلاّبهم، وصنّف المتكلّمون الجدُد كتباً متعدّدة بمناهج وأساليب متنوّعة. وعلى الرغم من أنّ أُصول عقائدهم جميعاً واحدة، وكلّهم يتبعون أُصولاً مدوّنة من قبل المتكلّمين القدامى، لكنّهم كانوا يختلفون أيضاً في كثير من المواطن الجزئيّة، وكان لكلّ منهم مشربه الخاصّ به، وأصبح هذا الاختلاف بينهم في المسائل الكلاميّة حربةً بيد الإخباريّين لمهاجمتهم، وتصريحهم أنّ أُسلوب الكلام في معرفة الأحكام الدينيّة أُسلوب لا يوثق به، ولا يخلو من شبهة، وأراد قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراونديّ (المتوفّى سنة ٥٧٣هـ) شارح نهج البلاغة أن يثبت هذا الرأي فألّف رسالة في ذكر مواضع الخلاف بين الشيخ المفيد والشريف المرتضى، وذكر فيها خمسة وتسعين موضعاً. وقال: إنّه لو أراد أن يستوفي في هذا الباب لطال الكتاب(٢) .

وبعد ذكر هذه المقدّمات نتطرّق فيما يأتي إلى ترجمة مجملة للمتكلّمين الأوائل من الإماميّة أو المنسوبين إليهم ممّن سبق آل نوبخت في هذا المضمار، ويعدّ المتكلّمون النوبختيّون وسطاً بينهم وبين المتكلّمين الكبار في القرن الرابع والخامس.

____________________

١ - نخبة المقال ١٣٢.

٢ - بحار الأنوار ١: ١٥٥-١٥٦، وروضات الجنّات ٣٠١.

١٠١

١ - أبو جعفر مؤمن الطاق

(أواسط القرن الثاني)

كان أبو جعفر محمّد بن النُّعمان من موالي الكوفة، وعرف بمؤمن الطاق؛ لأنّه كان صرّافاً في طاق المحامل بالكوفة، ولقّبه المخالفون شيطان الطاق لحَوَلٍ كان في عينه، عاصر أبا حنيفة (٨٠-١٥٠هـ) وكان أحد أصحاب الإمام الصّادقعليه‌السلام (٨٣-١٤٨هـ)، عُدّ من قدماء شيوخ الشيعة ومن متكلّميهم الأُوَل، وجرت له مناظرات كثيرة مع أبي حنيفة ورؤساء المعتزلة والخوارج، وكان في عداد متكلّمي الشيعة الذين رُموا بعقيدة التشبيه، ونال منه المعتزلة على نحو خاصّ في هذا المجال(١) ، ولمّا كان مؤمن الطاق من قدماء الإماميّة الذين تكلّموا في ذات الباري تعالى وصفاته، وكان علم الكلام لم يدوّن بعد وفقاً لمذهبهم، فقد رفض بعض المتكلّمين من الإماميّة قسماً من عقائده(٢) ، وتوفّي مؤمن الطاق بعد الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكان قد صنّف كتباً في تأييد مذهب الشيعة، وإثبات إمامة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام حسب رأي الشيعة، ودَحْضِ آراء الخوارج والمعتزلة في هذا الحقل، والحُكْم على حرب الجمل وطلحة، والزبير، وعائشة، وكان أصحابه يُسمَّون النُّعمانيّة، أمّا مخالفوه فيُسمَّون الشَّيطانيّة.

للوقوف على سيرته وعقائده، انظر: رجال الكشّيّ: ١٢٢-١٢٦، ورجال النجاشيّ: ٢٢٨، والفهرست للشيخ الطوسيّ ٣٢٣، وفرق الشيعة: ٦٦، والفهرست: ١٧٦ طبعة ألمانيا، وص٨ من مُلحق طبعة مصر، والملل والنحل: ١٤٢-١٤٣، والفَرق بين الفِرق: ٥٣، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٣٧، ٤٢، ٥١، والانتصار: ٦

____________________

١ - الانتصار ٥٨.

٢ - الفهرست ١٧٦.

١٠٢

و٥٨، والفِصَل لابن حزم ٤: ٩٣، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤، وغيرها.

٢- هشام بن سالم الجواليقيّ

(النصف الثاني من القرن الثاني)

أبو الحكم هِشام بن سالم الجواليقيّ من موالي الكوفة، وكان من سبيّ الجَوزَجان، وهو أحد المعدودين في أصحاب الإمامين: الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، وكان في بادئ أمره من القائلين بالتشبيه والصورة في التوحيد، وله آراء في الاستطاعة والمعصية لم يوافقه عليها سائر متكلّمي الشيعة، وصنّف هشام بن الحكم كتاباً في الردّ على بعض عقائده(١) .

للاطّلاع على سيرته وعقائده، تُنظَر الكتب الآتية: رجال الكشّيّ: ١٨١-١٨٤، رجال النجّاشيّ: ٣٠٥، وفهرست الشيخ الطوسيّ: ٣٥٦، وفرق الشيعة: ٦٦، وأُصول الكافي: ٣٧، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ: ٣٤، والملل والنحل: ١٤١-١٤٢، والانتصار: ٦ و٥٧، والفِصَل: ٤: ٩٣، والفَرق بين الفِرَق: ٥١-٥٢، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤، وبحار الأنوار ٢: ١٤٣-١٤٥، وغيرها.

٣- هشام بن الحكم

(وفاته سنة ١٩٩هـ)

أبو محمّد هِشام بن الحكم من موالي الكوفة، نشأ بواسط وترعرع فيها، ثمّ رحل منها إلى بغداد للتجارة، وكان في أوّل أمره من المرجئة ومن أتباع الجهم بن صفوان رئيس مرجئة خراسان (المقتول سنة ١٢٨هـ)، ثمّ أعرض عن هذه الفرقة

____________________

١- الفهرست ١٧٦.

١٠٣

وآمن بعقيدة الشيعة في الإمامة لأدلّة نظريّة، ثمّ أصبح من أجلّة أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام .

كان هشام بن الحكم من أكبر متكلّمي الإماميّة، وهو أوّل من تحدّث في مبحث الإمامة بأدلّة كلاميّة ونظريّة، ووجد حججاً سهلة لإثبات هذا الموضوع، وناظر أكابر المتكلّمين المخالفين في عصره وحاججهم، ولمّا كان من الشيعة القطعيّة - أي من الشيعة الذين قطعوا بوفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام وذهبوا إلى إمامة ولده عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام على عكس الواقفة الذين وقفوا على إمامة الكاظمعليه‌السلام - فإنّه كان يناظر الواقفة، والخوارج، والمعتزلة باستمرار، وكان ذا بديهة، حاذقاً في علم الكلام.

نقل المسعوديّ أنّ عبد الله بن يزيد الأباضيّ كان بالكوفة تختلف إليه أصحابه يأخذون منه، وكان خرّازاً شريكاً لهشام بن الحكم، وكان هشام... يختلف إليه أصحابه من الرافضة يأخذون عنه، وكلاهما في حانوت واحد على ما ذكرنا من التضادّ في المذهب، ولم يَجرِ بينهما مسابَّة ولا خروج عمّا يوجبه العلم وقضيّة العقل وموجب الشرع وأحكام النظر والسير، وذكر أنّ عبد الله بن يزيد الأباضيّ قال لهشام بن الحكم في بعض الأيّام: تعلم ما بيننا من المودّة ودوام الشركة، وقد أحببتُ أن تُنكحني ابنتك فاطمة، فقال له هشام: إنّها مؤمنة، فأمسكَ عبد الله ولم يعاوده في شيء من ذلك، إلى أن فرّق الموت بينهما(١) .

كان هشام بن الحكم أحد مصنّفي الشيعة، وله كتب كثيرة في الموضوعات الدينيّة والتاريخيّة والأدبيّة، وعُدّ من الملازمين ليحيى بن خالد البرمكيّ؛ إذ كان دائم الحضور في مجالس المناظرة التي يعقدها هذا الوزير في بغداد، وكان هشام في أوّل أمره من القائلين بالجبر والتجسيم والتشبيه، ثمّ غيّر عقيدته نتيجة

____________________

١ - مروج الذهب ٢: ١٣٧، طبعة مصر.

١٠٤

لمصاحبته الإمام الصادق والإمام الكاظمعليهما‌السلام ، وتحامل عليه المعتزلة لاعتقاده بالتجسيم والتشبيه وحدوث العلم والبداء، ومن الذين تحاملوا عليه: الجاحظ، والخيّاط، والكعبيّ، وابن أبي الحديد، وكان الجاحظ أكثرهم نقلاً لأقواله(١) ، بل نسب إليه بعض المصنّفين الأوائل من الشيعة هذه الآراء كأبي محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ في كتاب (الآراء والديانات)(٢) ، بَيْد أنّ المتأخّرين منهم يَرَون أنّ هذه تهم رُمي بها هشام، وردّوا عليها بشدّة، ومن هؤلاء: الشريف المرتضى في كتاب الشافي في الإمامة، وصاحب تبصرة العوامّ(٣) ، وسمّى أصحابُ الملل والنحل أتباعَ هشام بن سالم، وهشام بن الحكم بالهشاميّة.

للاطّلاع على سيرة هشام وعقائده وكتبه، انظر: رجال الكشّيّ: ١٦٥-١٨١. ورجال النجاشيّ: ٣٠٥-٣٠٦. والفهرست للشيخ الطوسيّ ٣٥٥-٣٥٦. والفهرست: ١٧٥-١٧٦ من الطبعة الألمانيّة وص٧ من ملحق طبعة مصر، وفرق الشِّيعة: ٦٦، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٣١-٥٥، والملل والنحل: ١٤١-١٤٢، وأُصول الكافي: ٣٧، وكمال الدين وتمام النعمة: ٢٠٦-٢٠٩، والفَرق بين الفِرَق: ٤٨-٥١.

وتبصرة العوامّ: ٤١٩-٤٧٠، والانتصار: ٦، ٤٠-٤١، ١٢٣-١٢٤، ١٠٨-١٠٩، ١٢٥-١٢٦، ١٥٧-١٥٨. والفِصَل لابن حزم ٤٠: ٩٣ و١٥٧. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤-٢٩٥، ومروج الذهب ٢: ١٣٧ طبعة مصر، وبحار الأنوار ٢: ١٤٣-١٤٥، وغيرها.

____________________

١ - الانتصار: ٤١، ٦٠، ١٤١، ١٤٢، ومقالات الإسلاميّين الأشعريّ: ٣١-٣٤.

٢ - بناءً على ما نقل ابن أبي الحديد عن ذلك الكتاب ١: ٢٩٥.

٣ - الشافي: ١٢، تبصرة العوام: ٤١٩.

١٠٥

٤ - أبو الحسن عليّ بن ميثم التمّار

(النصف الثاني من القرن الثاني)

أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن شُعيب بن ميثم التّمار، من أبناء الموالي بالكوفة، وكان جدّه أبو سالم ميثم من الفرس القاطنين فيها، ومن أجلّة أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قتله عبيد الله بن زياد بالكوفة قبل قدوم الإمام الحسينعليه‌السلام إلى العراق بعشرة أيّام.

كان أبو الحسن الميثميّ من الطبقة الأُولى لمتكلّمي الشيعة، ومن المعاصرين لهشام بن سالم وهشام بن الحكم، ولرؤساء المعتزلة الكبار كأبي الهذيل العلاّف (المتوفّى سنة ٢٢٧ أو ٢٣٥)، وأبي إسحاق إبراهيم النظّام (المتوفّى في سنة ٢٢١ و٢٣١)، وعليّ الأسواريّ، وله مناظرات كثيرة مع معتزلة عصره. وهو أوّل من تكلّم وفقاً لعقائد الإماميّة وحاجج المخالفين بالأدلّة العقليّة والبراهين النظريّة(١) .

وله كتب أشهرها كتاب في الإمامة باسم الكامل، والآخر مجالس هشام بن الحكم، وكان قد جمعه.

للاطّلاع على سيرته وعناوين كتبه، انظر: الفهرست: ١٧٥، ورجال النجاشيّ: ١٧٦، وفهرست الشيخ الطوسيّ: ٢١٢، وكتاب الانتصار: ٦، ٩٩، ١٤٢، ١٧٧، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ: ٤٢ و٥٤، وكتاب الفصول للشريف المرتضى (مخطوط)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤، وغيرها.

٥ - أبو مالك الحضرميّ

(أواسط القرن الثاني)

أبو مالك الضَحّاك الحضرميّ من عرب الكوفة، وأحد أصحاب الإمام الصادق

____________________

١ - الفهرست: ١٧٥. وفهرست الشيخ الطوسيّ: ٢١٢.

١٠٦

عليه‌السلام أو الإمام الكاظمعليهما‌السلام ، ويعدّ من المتكلّمين الثقات، له كتاب في التوحيد برواية الفقيه الواقفيّ المعروف عليّ بن الحسن الطاطريّ.

انظر: رجال النجاشيّ: ١٤٥، ومقالات الإسلاميّين: ٤٢ و٤٣، والفِصَل لابن حزم ٤: ٩٣، وغيرها للاطّلاع على سيرته وعقائده.

٦ - أبو جعفر السَّكّاك

(النصف الأوّل من القرن الثالث)

وهو أبو جعفر محمّد بن خليل المشهور بالسّكّاك، تلميذ أبي محمّد هشام بن الحكم (توفّي سنة ١٩٩هـ تقريباً)، كان معاصراً لعدد من مشاهير المعتزلة كأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (١٦٠-٢٥٥هـ)، وأبي جعفر محمّد بن عبد الله الإسكافيّ (توفّي سنة ٢٤٠هـ)، وأبي الفضل جعفر بن حرب (توفّي سنة ٢٣٦هـ)، وكانت له مناظرات مع الأخيرين(١) ، وهو من رجالات الشيعة المشهورين، ومن مصنّفي كتبهم(٢) .

ورد لقبه في أكثر الكتب القديمة محرّفاً في صورتين هما: الشكّال، والسكّال، ولكنّه - ممّا لا ريب فيه - السّكّاك، ويقصد منه صانع السّكّة(٣) وهي المحراث، وتصحيفه: الشكّاك(٤) .

كان أبو جعفر السكّاك من تلاميذ هشام بن الحكم، ومنه تعلّم الكلام، وكان على عقيدته في الإمامة مع مخالفته إيّاه في بعض المسائل، من كتبه: كتاب (المعرفة)، وكتاب في باب الاستطاعة، وكتاب في الإمامة، وكتاب بعنوان (كتاب

____________________

١ - الانتصار: ١١٠ و١٤٢.

٢ - الملل والنحل: ١٤٥، ومقالات الإسلاميّين: ٦٣.

٣ - رجال النجاشيّ: ٢٣١.

٤ - شرح نهج البلاغة: ٤: ٤٢٩ (انظر الحكاية اللطيفة التي نقلها ابن أبي الحديد عنه وعن الجاحظ).

١٠٧

التوحيد)، وفيه قال السكّاك بالتشبيه، فردّ عليه البعض، وله كتاب في الردّ على من أنكر وجوب الإمامة بالنصّ.

للوقوف على سيرته، يُنظَر: رجال النجاشيّ ٢٣١، والفهرست ١٧٦، والفهرست للشيخ الطوسيّ: ٢٩٢، والانتصار ٦، ١١٠-١١١، ١٤٢، ١٧٨، ومواضع عديدة من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ومروج الذهب ٦: ٣٧٤ من الطبعة الأجنبيّة، وغيرها من الكتب.

٧ - يونس بن عبد الرحمن القمّيّ

(توفّي سنة ٢٠٨)

هو أبو محمّد يونس بن عبد الرحمن القمّيّ من أكابر رجال الشيعة ومصنّفيهم المشهورين(١) ، ولد في عهد هشام بن عبد الملك (١٠٥-١٢٥هـ)، وكان معاصراً للإمام الصادق، والإمام الكاظمعليهما‌السلام ، ومن وكلاء الإمام الرضاعليه‌السلام وخواصّه (١٤٨-٢٠٣هـ)، وله قرابة ثلاثين كتاباً في موضوعات مختلفة منها: الإمامة، والردّ على الغلاة، وكانت الشيعة تنظر إليه كسلمان الفارسيّ - (رضي الله عنه) - في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، ويذهب مخالفو الشيعة إلى أنّ يونس بن عبد الرحمن وأصحابه اليونسيّة من المشبّهة.

للاطّلاع على سيرته، انظر: رجال الكشّيّ ٣٠١-٣١١، ورجال النجاشيّ ٣١١-٣١٢، والفهرست للشيخ الطوسيّ ٣٦٦-٣٦٧، والفَرق بين الفِرَق ٥٢-٥٣، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٣٥، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٥، وغيرها.

____________________

١ - مقالات الإسلاميّين ٦٣، والملل والنّحل ١٤٥.

٢ - رجال الكشّيّ ٣٠٢.

١٠٨

٨ - عليّ بن منصور

(النصف الأوّل من القرن الثالث)

هو أبو الحسن عليّ بن منصور الكوفيّ أحد تلاميذ أبي محمّد هشام بن الحكم وأصحابه، وكان من أقران أبي جعفر السَّكّاك، ومن شيوخ متكلّمي الشيعة ومؤلّفيهم(١) ، أعدّ كتاباً في التوحيد والإمامة من كلام أُستاذه هشام يعرف بكتاب التَّدبير(٢) .

للوقوف على سيرته وعقائده، يُنظَر: رجال النجاشيّ ١٧٦، ومروج الذهب ٦: ٣٧٢ من الطبعة الأجنبيّة، والانتصار ٦ و١٧٨، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد في مواضع عديدة، وغيرها.

٩ - أبو حفص الحدّاد النيسابوريّ

(توفّي سنة ٢٥٢ أو ٢٦٥ أو ٢٧٠هـ)

هو أبو حفص عمرو بن سلمة الصوفيّ النيسابوريّ، أحد الذين رُموا بالزندقة كابن الراونديّ، وأبي عيسى الورّاق، ولصقه المعتزلة بالشيعة وعدّوه مثل هذين من شيوخها(٣) ، في حين كانت الشيعة لا تراه منها؛ إذ لم تظهر منه عقيدة تدلّ على انتمائه إليها، ولم يُنقَل عنه كلام في الإمامة(٤) ، وذكر السمعانيّ نبذة موجزة عن سيرته في كتاب الأنساب، (مادّة الحدّاد)، وكان أبو حفص يروي عن يونس بن عبد الرحمن القمّيّ(٥) .

انظر: تذكرة الأولياء للشيخ العطّار وغيره للاطّلاع على ترجمته؛ إذ ذُكر في طبقة بايزيد البسطاميّ.

____________________

١ - الملل والنحل ١٤٥؛ مقالات الإسلاميّين ٦٣.

٢ - رجال النجاشيّ ١٧٦، ٣٠٤.

٣ - الانتصار ٩٧، ١٥٠، ١٥٢.

٤ - الشافي في الإمامة ١٣.

٥ - رجال الكشّيّ ١٦٧.

١٠٩

١٠ - أبو الأحوَص البصريّ

(أواسط القرن الثالث)

أبو الأحوص داود بن أسد البصريّ(١) من متكلّمي الشيعة وفقهائهم وأصحاب الحديث فيهم، له كتب في الإمامة، وعندما زار أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ النجف الأشرف التقى بأبي الأحوص وأخذ منه العلم.

للاطّلاع على سيرته، يُنظَر: رجال النجاشيّ ١١٣، فهرست الشيخ الطوسيّ ٣٦٩، والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ١٤، وغيرها.

١١ - أبو عيسى الورّاق

(توفّي سنة ٢٤٧هـ)

أبو عيسى محمّد بن هارون الورّاق أُستاذ ابن الراونديّ، وكان كابن الراونديّ وثلّة من علماء ذلك العصر، ذا عقيدة دينيّة متزعزعة، وقد تأثّر بتعاليم الزنادقة (المانويّة) وطالع كتبهم التي تُرجم كثير منها إلى العربيّة، وكانت في متناول أيدي الناس آنذاك، وداخله الشكّ والتردّد، وكان يتلوّن مع الفرق المختلفة، بخاصّة المعتزلة، والشيعة، ويرى ابن النديم أنّه كان مانويّ الباطن مع تظاهره بالإسلام(٢) .

وكان المترجَم له تارةً يؤلّف كتاباً في تأييد المذهب المانويّ والثنويّة(٣) ، وأُخرى يؤلّف في الدفاع عن بعض العقائد الشيعيّة مُبدياً ميله إلى الشيعة(٤) . وصنّف كتاباً في الإمامة ذابّاً فيه عن عقائد الشيعة، ولعلّه ألّفه في الردّ على عقيدة أبي عمرو عثمان بن بحر الجاحظ (١٦٠-٢٥٥هـ) في الإمامة.

____________________

١ - جاء في مقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٦٣ أنّ اسم أبيه راشد، ولعلّ فيه تحريفاً.

٢ - الفهرست ٣٣٨.

٣ - الانتصار ١٤٩.

٤ - مقالات الإسلاميّين ٦٤.

١١٠

وكان الجاحظ من كبار كتّاب المعتزلة في البصرة، وصارت كتبه الأدبيّة واللغويّة والبلاغيّة مضرب الأمثال، وهو أحد المؤلّفين الذين عرضوا عقائد متناقضة في الإمامة، وصنّف كتباً فيها، كان كلّ واحد منها ينافح عن عقائد إحدى الفرق الإسلاميّة في الإمامة(١) ، منها: كتاب بعنوان إمامة ولد العبّاس أو العبّاسيّة في تأييد الشيعة الراونديّة وأنصار بني العبّاس، وقد ألّفه إرضاءً للعبّاسيّين، مع أنّ مضمونه لا ينسجم وعقائده الخاصّة، ومنها: كتاب العثمانيّة في دعم أنصار عثمان بن عفّان وإنكار فضائل عليّ بن أبي طالب، ومنها: كتاب المروانيّة في مناصرة آل مروان ومعاوية ومناوءة عليّ بن أبي طالب والدفاع عن إمامة بني أميّة، ومنها: كتاب المسائل العثمانيّة في إتمام كتاب العثمانيّة، وكتب أُخرى كالفُتيا، وكتاب الرافضة، وكتاب الزيديّة.

لقد أثارت هذه الكتب المتناقضة للجاحظ غضب الفرق الأُخرى بخاصّة الشيعة، ومعتزلة بغداد، فردّوا على أكثرها، وممّن ردّ عليها من معتزلة بغداد: أبو جعفر محمّد بن عبد الله الإسكافيّ(٢) (المتوفّى سنة ٢٤٠هـ) ومن الشيعة أو من المنسوبين إليهم: ابن الراونديّ وأبو عيسى الورّاق وأبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ وأبو الحسن محمّد بن إبراهيم الكاتب الشافعيّ والشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان، وغيرهم.

وعندما انتشرت الكتب التي ألّفها الشيعة في الإمامة ردّاً على كتب الجاحظ، انبرى لها أنصاره، فنقضوا ما كتبه ابن الراونديّ، وأبو عيسى. وأشهر من تصدّى منهم لذلك: أبو الحسين عبد الرحيم بن محمّد الخيّاط أُستاذ أبي القاسم الكعبيّ،

____________________

١ - للاطّلاع على تفصيل هذا الموضوع ينظَر: الشافي للشريف المرتضى ١٣ ومروج الذهب ١: ١٥٧-١٥٨، طبعة مصر.

٢ - مروج الذّهب ١: ١٥٨ طبعة مصر، وشرح نهج البلاغة ٤: ١٥٩.

١١١

وهو صاحب كتاب الانتصار(١) ، ويأتي بعده قاضي القضاة عبد الجبّار بن أحمد الأسد آباديّ الهمدانيّ (المتوفّى سنة ٤١٥هـ) مؤلّف كتاب المُغني الذي ردّ عليه الشريف المرتضى علم الهدى (٣٥٥-٤٦٦هـ) في كتاب الشافي ودحض فيه التُّهم الّتي ألصقها المعتزلة بابن الراونديّ وأبي عيسى(٢) ، ومن هذه التُّهم أنّهم كانوا يقولون: إنّ أبا عيسى الورّاق في الوقت الذي كان يدافع فيه عن إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقول عند الخلوة: (بُليتُ بنصرة أبغض الناس إليّ وأعظمهم إقداماً على القتل...)، وقالو أيضاً: لمّا كان أبو عيسى مانويّاً، فإنّه لا يجيز قتل كلّ شيء ولا يجيز إتلاف الكائنات الحيّة(٣) .

ونُقل لأبي عيسى الورّاق كتب أُخرى أيضاً ما عدا كتابه في الإمامة. منها: كتاب السقيفة، وكتاب اختلاف الشيعة، وكتاب الحُكم على سورة لم يكن، وكتاب المقالات(٤) ، وكتاب المجالس(٥) .

وكان كتاباه الإمامة، والسقيفة يوافقان عقيدة الإماميّة، وقد أثنى عليهما علماء الطائفة، وذكر الورّاق فيهما أدلّة عقليّة صريحة لتقرير النصّ الجليّ وتأييده، واثبات إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وحمل فيهما على المعتزلة وأهل السُّنّة في هذه الدعوى.

وكان الشيخ المفيد يقتني كتاب السقيفة وقد وصفه مراراً، وكان قرابة مائتي ورقة، وقال الشيخ المفيد في كتاب الإفصاح في الإمامة: (لم يترك لغيره زيادة عليه فيما يوضح عن فساد قول الناصبة وشُبّههم التي اعتمدوها من الخبر بالصلاة، وأشار إلى كذبهم فيه...)(٦) .

____________________

١ - الانتصار ٩٧.

٢ - الشافي ١٣.

٣ - نقلاً عن كتاب المغني، في كتاب الشّافي: ٢، وكتاب الانتصار ١٥٥.

٤ - رجال النجاشيّ ٢٦٣.

٥ - مروج الذهب ٧: ٢٣٧ (الطبعة الأجنبيّة).

٦ - نقلاً عن رسالة كتبها لي سماحة الميرزا فضل الله شيخ الإسلام الزنجانيّ.

١١٢

ومن أشهر كتب الورّاق كتاب المقالات، وهو تاريخ في الملل والنحل وشرح آراء الفرق المختلفة وعقائدها، ويعدّ هذا الكتاب من أوثق الكتب القديمة في هذا المجال وأشهرها، وكان من المصادر المهمّة للمؤلّفين المتأخّرين ككتاب المقالات لزُرقان المعتزليّ، وشرحِه لأبي القاسم الكعبيّ، ومقالات محمّد بن الهيثم الكرّاميّ، ومقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعريّ، كتاب الآراء والديانات لأبي محمّد النوبختيّ، وكتاب المقالات لأبي الحسن المسعوديّ صاحب مروج الذهب.

وذكر الشريف المرتضى أنّ الورّاق أطنب في تأكيد شبهات الثنويّة ومقالاتهم ممّا أثار شبهة ثنويّته، وكان أغلب المؤلّفين بعده يقتنون كتاب المقالات كالمسعوديّ، وأبي الحسن الأشعريّ، وأبي الريحان البيرونيّ، والشريف المرتضى، والشهرستانيّ، وعبد القاهر البغداديّ، وابن أبي الحديد، ونقلوا منه موضوعات كثيرة.

وذكر الشريف المرتضى له كتابين آخرين هما: المشرقيّ، والآخر النَّوح على البهائم، وقال: (... فهما مدفوعان عنه، وما يبعد أن يكون بعض الثنويّة عملهما على لسانه...، وليس لنا أن نضيف مثل هذه المذاهب القبيحة إلى من لم يكن متظاهراً بها، ولا مجاهراً باعتقادها)(١) .

والكتاب الأوّل الذي ربما اشتمل على دفاع عن قسم من أفكار الثنويّة هو المذكور في الفهرست لابن النديم، وفي الفهرست للشيخ الطوسيّ باسم كتاب الغريب المشرقيّ، وهو الذي كتب عليه أبو محمّد النوبختيّ نقضاً(٢) ، ونلحظ في رجال النجاشيّ نقضاً آخر له على كتاب أبي عيسى بعنوان الردّ على أهل التعجيز(٣) .

____________________

١ - الشافي ١٣.

٢ - الفهرست ١٧٧، والفهرست للشيخ الطوسيّ ٩٩.

٣ - رجال النجاشيّ ٤٧.

١١٣

وسنتحدّث عن هذا الموضوع في ترجمة أبي محمّد النوبختيّ.

ومن كتب أبي عيسى كتاب بعنوان: في الردّ على الفِرَق الثلاث من النصارى، وهو الكتاب الذي ردّ عليه الفيلسوف النصرانيّ المعروف يحيى بن عديّ (٢٨٣-٣٦٤هـ)، وهذا الردّ موجود، ونقل فيه يحيى كتاب أبي عيسى كلّه(١) .

للاطّلاع على ترجمته، تنظر: المصادر المشار إليها في الهامش.

١٢ - ابن الراونديّ

(٢٤٥ أو ٢٩٨هـ)

هو أبو الحسين أحمد بن يحيى بن محمّد بن إسحاق المشهور بابن الراونديّ أو ابن الرونديّ، كان من أهل مرو الروذ في خراسان، وهو من أشهر المتكلّمين، ولا يمكن معرفة انتمائه بوضوح لتزعزع عقيدته، وتغيير منهجه مراراً، وتزلزل إيمانه، وإظهاره الإلحاد والزندقة، وإنّ ما وصمه به المؤرّخون المتعصّبون بالإلحاد أو الزّندقة (بالمعنى الأعمّ المرادف للإلحاد) لا يكفي لتحديد عقائده الدينيّة.

ولعلّنا نستطيع القول: إنّ ابن الراونديّ كغيره من معاصريه أمضى عمره كلّه في التشكيك والتنقيب باحثاً عن عقيدة ثابتة تنسجم مع الفطرة، وكان ينتمي في كلّ مدّة إلى فرقة من الفرق، ثمّ يبدي بعد فترة آراء لا تُرضي تلك الفرقة فيُطرَد من صفوفها، أو إنّه كان ذا أسلوب جميل ومقتدراً في الكلام كالجاحظ تقريباً، فإنّه كان يؤلّف بما يتّفق مع آراء هذه الفرقة أو تلك، وسلخ عمراً في الكفر، وكان يشكّك الناس في عقائدهم، وأفضل دليل على هذا الموضوع هو النقوض الّتي كتبها على مؤلّفاته وفنّد فيها عقائده السابقة.

إنّ سيرة ابن الراونديّ وعقائده غامضة تماماً للأسباب المتقدّمة، ونقل

____________________

١ - L. Massignon, Recueil des texts, p. ١٨٢-١٨٣.

١١٤

المؤرّخون وأصحاب كتب الملل والنحل عنه آراء ومقالات كثيرة، ولمّا كانت الآراء فيه متضاربة ولم تثبت صحّة الآراء المنسوبة إليه، فلا يمكن استنتاج شيء منها، بخاصّة أنّ المؤلّفين المتعصّبين وأعداء ابن الراونديّ ونظائره كانوا يلصقون بأمثال هؤلاء التُّهم باستمرار - على العادة يؤمئذٍ - ويذكرونهم في كتبهم باللعن والامتهان.

إنّ الثابت هو أنّ ابن الراونديّ كان في البداية من المعتزلة كالورّاق، وأخيه، وابن عمّه(١) ، ثمّ مال إلى التشيّع مدّة بعد أن طردوه، وصنّف عدداً من الكتب في دحض المعتزلة، ودعم الشيعة وعقائد المنتمين إليهم، ولمّا كان ملمّاً بآراء المعتزلة وكان أُستاذاً في الكلام والإنشاء، فقد أدّى ما عليه في هذا الطّريق بإحسان، وأثار حسّ الانتقام عند كبار المعتزلة القريبين عهداً منه كأبي هاشم الجبّائيّ، وأبي عليّ الجبّائيّ، وأبي الحسين الخيّاط، والكعبيّ، واستطاع ابن الراونديّ أن يقدّم عوناً كبيراً إلى المذهب الشيعيّ يومئذٍ من خلال تصنيف الكتب المتقنة نسبيّاً، وجمع الأدلّة والآراء الكلاميّة في دعم عقيدة الشيعة، بخاصّة مسألة الإمامة.

ولذلك نجد أنّ تمرّد ابن الراونديّ على المعتزلة ودفاعه عن عقائد الشيعة أثارا المعتزلة والسُّنّة ضدّه فذكره متكلّموهم ومؤلّفوهم في كتبهم بالسوء، لا سيّما أبا الحسين الخيّاط، وأبا هاشم الجبّائيّ، وابنه أبا عليّ من المعتزلة، وأبا الوفاء بن عقيل، وأبا الفرج عبد الرحمن بن الجوزيّ من السُّنّة؛ فقد هاجمه هؤلاء بشدّة، وعدّه ابن الجوزيّ من كبار الملاحدة(٢) وأحد الزنادقة الثّلاثة الكبار الذين ظهروا بين أهل الإسلام(٣) .

أمّا عقيدة مؤلّفي الشيعة فيه فمختلفة؛ فمنهم من أثنى عليه، ومنهم من ذمّه.

____________________

١ - الانتصار ١٤٩.

٢ - تلبيس إبليس ١١٨.

٣ - الآخران هما: أبو حيّان عليّ بن محمّد الصّوفيّ المعاصر لابن العميد والصاحب بن عبّاد، والشاعر المشهور أبو العلاء أحمد بن سليمان المعرّيّ (بغية الوعاة ٣٤٩، وروضات الجنّات ٥٤).

١١٥

ومن الذين دافعوا عن بعض كتبه وعقائده الشريف المرتضى علم الهدى على رغم المعتزلة. مع هذا لمّا كانت عقائده كلّها لا تتّفق مع مذهب متكلّمي الشيعة وكان منبوذاً عند معظمهم، فإنّ عدداً منهم صنّف كتباً في نقض بعضه، وأشهر هؤلاء أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ، وخاله أبو سهل إسماعيل بن عليّ، بل نجد الشريف المرتضى أيضاً قد أشار في كتاب الشافي إلى نقض بعض الأدلّة التي عرضها ابن الراونديّ في موضوع الإمامة.

أجل، لمّا تحرّك ابن الراونديّ للدفاع عن عقائد الإماميّة وألّف لهم كتباً ذكره مخالفوهم في عداد متكلّميهم، مع قذفهم إيّاه بالزندقة والإلحاد، وإنّما أشرنا هنا إلى سيرته وكتبه بإيجاز؛ لأنّنا سنذكره وأبا عيسى الورّاق في ترجمة المتكلّمين النوبختيّين، وشرح النّص الجليّ، وغير ذلك.

ذُكر أنّ والد المترجَم له كان يهوديّاً، وقد أدخل بعض التحريفات في التوراة، وهذه تهمة أُخرى من التهم التي أُلصقت بابن الراونديّ أيضاً، ذلك أنّه وبعض أقاربه كان من المعتزلة كما رأينا، وأنّ اسم جدّه محمّد بن ِإسحاق، ومن هنا نستبعد صحّة التهمة المشار إليها.

كان ابن الراونديّ معاصراً لأبي عيسى الورّاق، وذكر أبو الحسين الخيّاط أنّه كان تلميذه، وأنّه هجر الاعتزال، وانتقل إلى الكفر والإلحاد بناءً على تعليماته(١) .

وعدّ له الخيّاط أساتذة آخرين من الزنادقة أيضاً كأبي شاكر الديصانيّ، والنعمان بن طالوت، وأبي حفص الحدّاد(٢) .

وبلغت الكتب التي ألّفها ابن الراونديّ ١١٤ كتاباً على ما نقله المسعوديّ(٣) ، ولا أثر لها اليوم إلاّ بعض فقرات من كتاب فضيحة المعتزلة نقلها أبو الحسين الخيّاط في

____________________

١ - الانتصار ١٥٥.

٢ - نفسه ١٤٢.

٣ - مروج الذهب ٧: ٢٣٧، من الطبعة الأجنبيّة.

١١٦

كتاب الانتصار من أجل الردّ على ما جاء فيها. ونلحظ أنّ بعض الكتب التي ألّفها ابن الراونديّ يقرّر عقائد المعتزلة، وبعضها عقائد الشيعة، وبعضها الآخر يردّ على الإسلام ويدافع عن عقائد الثنويّة أو اليهود وغيرهم، فلا نعلم على وجه الدقّة أيّ الكتب ألّفها ابن الراونديّ نفسه، وأيّها ألّفها غيره ممّن يقترب مشربه من مشرب ابن الرّاونديّ أو ممّن ألّفها ونسبها إلى ابن الرّاونديّ مغرضاً أو مخاصماً.

وبلغت سمعة ابن الراونديّ في الزندقة والإلحاد مبلغاً جعله في عداد القدوة التّامّة لهما، ومن هنا يلاحظ أنّ أكثر الكتب التي كان يُشمّ منها رائحة الكفر والإلحاد، وكان مؤلّفوها قد أخفوا أسماءهم خوفاً على أرواحهم، نسبها الآخرون إلى ابن الراونديّ على سبيل المشاكلة.

وفيما يأتي أسماء الكتب المنسوبة إلى ابن الراونديّ وموضوع كلّ منها:

١-٧ - الأسماء والأحكام، الابتداءُ والإعادة، خَلقُ القرآن، البقاء والفناء، لا شيء إلاّ موجود(١) ، الطبائع، اللُّؤلُؤة (في تناهي الحركات)، وهذه الكتب كلّها تثبّت عقائد المعتزلة، وقد صنّفها ابن الراونديّ يوم كان أحدهم؛ ولذلك يرى مؤلّفو المعتزلة أنّها من كتبِ صلاحِه.

٨ - كتاب الإمامة، وموضوعه يتّفق وعقيدة الإماميّة، وهو الكتاب الذي ألّفه ابن الراونديّ بعد هجر المعتزلة تقرّباً إلى الشيعة، وقيل: إنّه قبض ثلاثين ديناراً جائزةً له من رؤساء الإماميّة على تأليفه.

٩ - كتاب فضيحة المعتزلة في الردّ على كتاب فضيلة المعتزلة للجاحظ، ونلحظ في هذا الكتاب أنّ ابن الراونديّ هاجم فيه المعتزلة والجاحظ وشيوخه بعنف، ودافع عن الإماميّة.

ونال هذا الكتاب شهرة فائقة بين المتكلّمين من الفرق المختلفة وأرباب الملل

____________________

١ - انظر: مقالات الإسلاميّين ٥٠٢ للوقوف على شرح موجز لهذا الموضوع وعقيدة ابن الراونديّ فيه.

١١٧

والنحل، فتحرّك المعتزلة - من جهة - للردّ عليه، وألّفوا الكتب في دحض موضوعاته، ومنها كتاب الانتصار لأبي الحسين الخيّاط، ومن جهة أُخرى، نقل خصوم المعتزلة - بخاصّة الإماميّة والأشاعرة - معظم موضوعاته في كتبهم جاعليها وثيقة لإدانتهم، وأداة لمهاجمتهم.

ويرى الشيعة أنّ هذا الكتاب، وكتاباً آخر له بعنوان العَروس من كتبِ سَدادِه(١) ، ويلاحَظ في كتبهم ذكر لهذا الكتاب وحده، ولعلّ المقصود منه كتاب فضيحة المعتزلة أو كتاب آخر صنّفه ابن الراونديّ في تأييد عقيدة الإماميّة.

وهاجم قاضي القضاة عبد الجبّار المعتزليّ في كتاب المغني ابنَ الراونديّ والورّاق وأمثالهما، وذكر أنّ ابن الراونديّ كان يقصد بسائر ما يؤلّفه في نصرة الإلحاد إلى نشر التشكيك، وأنّه كان يؤلّف بهدف الشُّهرة والمنفعة.

وقال الشريف المرتضى في الدفاع عن ابن الراونديّ: (... إنّه إنّما عمل الكتب التي شُنِّع بها عليه معارضة للمعتزلة، وتحدّياً لهم؛ لأنّ القوم كانوا أساؤا عشرته، واستنقصوا معرفته، فحمله ذلك على إظهار هذه الكتب ليبيّن عجزهم عن استقصاء نقضها، وتحاملهم عليه في رميه بقصور الفهم والغفلة، وقد كان يتبرّأ منها تبرّؤاً ظاهراً، وينتفي من عملها، ويضيفها إلى غيره، وليس يشكّ في خطئه بتأليفها، سواء اعتقدها أم لم يعتقدها.

(وما صنع ابن الراونديّ من ذلك إلاّ ما قد صنع الجاحظ مثله أو قريباً منه، ومَن جمع بين كتبه التي هي العثمانيّة، والمروانيّة، والفُتيا، والعبّاسيّة، والإماميّة، وكتاب الرافضة والزيديّة، رأى من التضادّ واختلاف القول ما يدلّ على شكّ عظيم وإلحاد شديد، وقلّة تفكّر في الدين).

(وليس لأحدٍ أن يقول: إنّ الجاحظ لم يكن معتقداً لما في هذه الكتب

____________________

١ - روضات الجنّات ٥٥٤؛ نخبة المقال ١٥٧.

١١٨

المختلفة، وإنّما حكى مقالات الناس وحِجاجَهم، وليس على الحاكي جريرة، ولا يلزمه تبعة؛ لأنّ هذا القول إن قنع به الخصوم فليقنعوا بمثله في الاعتذار، فإنّ ابن الراونديّ لم يَقُل في كتبه هذه التي شُنِّع بها عليه: إنّي أعتقد المذاهب التي حكيتُها وأذهب إلى صحّتها، بل كان يقول: قالت الدهريّة، وقال الموحّدون، وقالت البراهمة، وقال مثبتو الرسول، فإن زالت التَّبعة عن الجاحظ في سبّ الصحابة والأئمّة والشّهادة عليهم بالضلال والمُروق عن الدين بإخراجه كلامه مَخرجَ الحكاية، فلتزولنّ أيضاً التبعة عن ابن الراونديّ بمثل ذلك...)(١) .

١٠ - كتاب القَضيب أو قَضيب الذَّهب في إثبات حدوث علم الباري تعالى.

١١ - التاج، وهو من أشهر كتبه، وموضوعه إثبات قِدم العالم والأجسام وردّ أدلّة المخالفين(٢) ، ولمّا كان المعتزلة والإماميّة لا يرون رأيه فيه فإنّ عدداً من متكلّميهم صنّفوا كتباً في نقضه، ومن هؤلاء أبو الحسين الخيّاط من المعتزلة، وأبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ من الإماميّة، الذي أسمى كتابه السّبك، ويبدو أنّ ابن أبي الحديد كان يقتني كتاب التاج، وهو الذي ذكر أنّ ابن الراونديّ اقتبس القول بِقِدم العالم من الفلاسفة وأورده في كتاب التاج(٣) .

١٢ - كتاب الزُّمُرّد في إبطال موضوع الرسالة وردّ المعجزات المنسوبة إلى إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونبيّنا صلوات الله عليهم أجمعين، وذكر أبو الحسين الخيّاط أنّ ابن الراونديّ جعل في الكتاب باباً في الردّ (على المحمّديّة خاصّة) يريد أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطعن فيه على القرآن الكريم(٤) . ولعلّ كتابه هذا هو الذي

____________________

١ - الشافي في الإمامة ١٣.

٢ - الانتصار ١٧٢-١٧٣.

٣ - شرح نهج البلاغة ١: ٢٩٩.

٤ - الانتصار ٢-٣.

١١٩

سبّب طرده من صفوف المعتزلة(١) ، وكان أبو القاسم الكعبيّ ينقل أنّ ابن الراونديّ يقول في سبب تسمية الكتاب بالاسم المذكور: من صفة الزمرّد أنّه إذا وقعت عليه عين الحيّة خرجت من حدقتها وذابت(٢) ، فسمّيتُ كتابي بهذا الاسم؛ لأنّ الخصم إذا نظر إليه هلك، وقد نقض ابن الراونديّ نفسه كتابه هذا، كما نقضه أبو الحسين الخيّاط أيضاً.

١٤ - كتاب الفِرَند في الطعن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نقضه أبو الحسين الخيّاط، وأبو هاشم الجبّائيّ.

١٥ - كتاب الدامغ في الردّ على القرآن وترتيبه، وقد ردّ عليه الخيّاط، وأبو عليّ الجبّائيّ، ويبدو أنّ ابن الراونديّ صنّف هذا الكتاب لليهود(٣) ، ثمّ نقضه هو نفسه بعد ذلك(٤) .

١٦ - كتاب التوحيد، ذكر الخيّاط أنّ ابن الراونديّ ألّفه ليتجمّل به عند أهل الإسلام لمّا خاف على نفسه ووُضع الرصد في طلبه(٥) .

١٧ - كتاب في موضوع اجتهاد الرأي، ونقضه أبو سهل إسماعيل النوبختيّ(٦) .

١٨ - كتاب المرجان في اختلاف المسلمين والكتابيّين.

نقل بعض المؤلّفين أنّ ابن الراونديّ مات بعد وفاة الورّاق بقليل، أيّ: بعد سنة ٢٤٧هـ، ومنهم من قال سنة ٢٤٥هـ، وثمّة من ذكر موته سنة ٢٩٨هـ.

للاطّلاع على سيرة ابن الراونديّ وكتبه وعقائده ينظر: كتاب الانتصار الذي لم

____________________

١ - الانتصار، ١٧٣.

٢ - أشار قدماء الشعراء إلى هذه الأسطورة مراراً. ومن هؤلاء منجيك الذي قال:

شنيده ام بحكايت كه ديده افعى

برون جهد چو زمرّد بر او برند فراز

سمعتُ حكاية تذكر بأنّ عين الأفعى تخرج من حدقتها إذا عرضوا عليها الزّمرّد.

٣ - البداية والنهاية.

٤ - ملحق الفهرست ٥، طبعة مصر.

٥ - الانتصار ١٣.

٦ - الفهرست ١٧٧.

١٢٠

تَخْلُ صفحة فيه من ذكر ابن الراونديّ، ومقدّمته النفيسة بقلم نيبرج(١) ، والفهرست ٤-٥ من ملحق طبعة مصر، ومروج الذهب ٧: ٢٣٧ من الطبعة الأجنبيّة، ووفيات الأعيان ١: ٢٨ طبعة طهران، والبداية والنّهاية، والمنتظم، وتلبيس إبليس ٧٢ و١١٨، وتبصرة العوامّ ٣٩٨ و٤٤٠، ومواضع متعدّدة من مقالات الإسلاميّين، وشرح نهج البلاغة، والفَرق بين الفِرق، والملل والنحل، والفِصَل في الملل والنحل، وكتاب الشافي في الإمامة، والفصول، وروضات الجنّات ٥٤، ورسالة ابن القارح في مجموعة رسائل البلغاء ٢١٠ طبعة مصر، وكنز الفوائد ٥١ وغيرها.

١٣ - أبو جعفر بن قبّة الرازي

(أوائل القرن الرابع)

أبو جعفر محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازيّ من كتبار متكلّمي الشيعة، كان في بادئ أمره من المعتزلة، ثمّ صَدَف عن الاعتزال وركن إلى المذهب الشيعيّ الإماميّ، وكان أحد تلامذة أبي القاسم الكعبيّ البلخيّ، ثمّ أصبح من مخالفيه، وصنّف عدداً من الكتب في الردّ على الزيديّة وإثبات الإمامة، أشهرها كتاب في الإمامة بعنوان الإنصاف، وهو الكتاب الذي نقل منه بعض العلماء كالشيخ الصدوق في كمال الدين، والشريف المرتضى في الشافي والفصول،وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، وغيرهم.

وينقل أبو الحسين محمّد بن بشر السوسنجرديّ تلميذ أبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ أنّه زار مرقد الإمام الرضاعليه‌السلام في طوس، ثمّ ذهب إلى أبي القاسم الكعبيّ في بلخ، وكان معه كتاب الإنصاف، فقرأه الكعبيّ وصنّف كتاباً في نقضه بعنوان المُستَرشَد، ثمّ عاد إلى الريّ ومعه الكتاب المذكور، فعرضه على أبي جعفر،

____________________

١ - H. S. Nyberg.

١٢١

فصنّف كتاباً في تفنيده عنوانه المُستَثبَت، ولمّا أرجع هذا الكتاب إلى الكعبيّ ردّ عليه بكتاب آخر تحت نقض المُستَثَبت، وعندما عاد إلى الريّ مرّة أُخرى وجد أبا جعفر قد مات(١) ، فوفاته كانت قبل وفاة الكعبيّ، أي: قبل سنة ٣١٩هـ.

للاطّلاع على ترجمته، يُنظَر: رجال الطوسيّ ٢٩٧، رجال النجاشيّ ٢٦٥-٢٦٦، الفهرست ١٧٦، كمال الدين ٣١، ٣٦، الشافي ١٠٠، الفصول (مخطوط)، شرح نهج البلاغة ١: ٦٩، وغيرها.

____________________

١ - رجال النجاشيّ: ٢٦٦.

١٢٢

الفصل السادس

أبو سهل إسماعيل بن عليّ

(٢٣٧-٣١١هـ)

أبو سهل إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، أحد كبار البيت النوبختيّ بل من أشهرهم، كان من رؤساء الشيعة العظام ومن مشاهير متكلّميهم في عصره المتزامن مع الغيبة الصغرى، ويعدّ أحد الشعراء والمصنّفين والمشجّعين على الأدب والشعر، وكان صدراً في الأعمال الإداريّة إذ تَسلّم منصباً قريباً من منصب الوزارة في ديوان الحكومة، وألّف كتباً كثيرة في دعم المذهب الشيعيّ الإماميّ ودحض كتب المناوئين للشيعة.

وهو أحد النوبختيّين الذين نجد معلومات مفصّلة نسبيّاً عن سيرتهم، فقد اهتمّ المؤرّخون القدماء وعلماء الأخبار والرجال بترجمته، ونقل أقواله، وتدوين عناوين كتبه بسبب منصبه المهمّ وكثرة مؤلّفاته.

وعلى الرغم من أنّ أبا سهل كان شاعراً وكاتباً بليغاً(١) ، وكانت له مناصب إداريّة مهمّة في ديوان الحكومة، بَيْد أنّ شهرته تعود إلى اشتغاله في علم الكلام،

____________________

١ - تاريخ الإسلام للذهبيّ fol. ٦٠ b. نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس.

١٢٣

واحتجاجه على مناوئي الإماميّة، ومحاولته إدخال الإمامة في أُصول الدين. وأكثر كتبه ترتبط بهذه الموضوعات، وإذا كان كلام البُحتريّ الشاعر عنه خالياً من الأغراض، فإنّ شعره ليس فيه رقّة، بل هو يشبه مضغ الماء، ليس له طعم ولا معنى، على ما ذكره هذا الشاعر(١) ، ولم يَبقَ أثر من أعماله الإدارية له أهمية تفضي إلى ذيوع صيته.

١ - الحياة الإداريّة لأبي سهل النوبختيّ

إنّ ما في أيدينا من المعلومات عن الحياة الإداريّة لأبي سهل يعود إلى الأشهر الستّة الأخيرة من عمره البالغ أربعاً وسبعين سنة، ومن الثابت أنّه كان يتصدّر بعض الأعمال في الجهاز الحاكم قبل هذا التاريخ، أو كان يُكلّف بإنجاز بعضها في الأمصار مبعوثاً من قبل رؤساء الدواوين، بخاصّة في عهد المقتدر (٢٩٥-٣٢٠هـ) وما رافقه من تبدّلات(٢) ، ذلك أنّ المقتدر وآل الفرات الذين كانت في أيديهم الوزارة والمناصب الإداريّة الأُخرى، كانوا حماة الشيعة المائلين إليهم، وأبو سهل يومئذ رئيس الشيعة في بغداد، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى ذكر بعض المؤلّفين أنّ له منصباً في الشؤون الدنيويّة وأنّه كان بين الكتّاب تالياً منصب الوزراء(٣) . وهذا يدلّ على أنّ أبا سهل كان يتمتّع بنفوذ كبير في البلاط العبّاسيّ خلال الشطر الأوّل من حكومة المقتدر ووزارات ابن الفرات، وكان الإماميّة يعيشون بعزّ يومذاك بتأثير أبي سهل إسماعيل، وكان رجال من آل نوبخت ذوي رئاسة وقدرة في بغداد، كأبي

____________________

١ - الأغاني ١٨: ١٧٠.

٢ - ممّا يدعم ذلك وجوده في الأهواز ومناظراته فيها مع أبي علي الجبّائيّ (٢٣٥-٣٠٣هـ) قبل سنة ٣٠٣هـ التي توفّي فيها أبو عليّ (الفهرست للطوسيّ ٥٨ ورجال النجاشيّ ٢٣)، وكذلك مناظرته مع الحلاّج في الأهواز قبل سنة ٣٠١هـ وبُعده عن بغداد.

٣ - رجال النجاشيّ ٢٣.

١٢٤

الحسين علىّ بن عبّاس (٢٤٤-٣٢٤هـ)، وأبي القاسم الحسين بن روح المتوفّى سنة ٣٢٦هـ.

يعدّ عهد المقتدر من عهود النكسة في الحكم العبّاسيّ؛ لأنّ الأُمور في عصر هذا الحاكم الضعيف، الشهوانيّ، الخائر الإرادة كانت تُدار من قبل نساء القصر وعمّال الديوان والكتّاب والغلمان وأُمراء الجيش، ولمّا كان هؤلاء من المغرضين الطمّاعين اللاهثين وراء المناصب، فإنّهم كانوا يَسْعَون في تحطيم بعضهم بعضاً.

وممّا كان يزيد التنافس بينهم موضوع الخلاف بين الشيعة والسنّة، ذلك أنّ المقتدر كان كالمأمون يُبدي ميلاً إلى بني هاشم وآل عليّ، وأنّ آل الفرات الذين تسلّموا الوزارة والأعمال الديوانيّة المهمّة الأُخرى في عهده مراراً كانوا يدعمون الشيعة بكلّ جدّ، ويسندون الوظائف إلى بني العبّاس وآل أبي طالب. وسنرى لا حقاً أنّ عدد المخالفين لأهل السنّة بعامّة، والإماميّة بخاصّة كان أخذاً بالازدياد في ظلّ دعم آل الفرات، وعلى هذا المنوال نجد أنّ خصماء مذهب آل الفرات من السنّة كانوا يتعاملون مع الشيعة بعنف مستغلّين ضعف السلطان العبّاسيّ عندما كانوا يتقلّدون بعض المناصب، وأهمّ هذه الصراعات السياسيّة والمذهبيّة الصراع الذي كان قائماً بين آل الجرّاح وآل الفرات، حيث كان عملاء السلطان، وهو نفسه، وأنصار الأُسرتين المذكورتين الطامحون إلى الوزارة يوقدون ناره تشفّياً وطمعاً في المال، وكانوا يجرحون كرامة من قلّدهم المناصب ويسلبون أموالهم، ثمّ يستميلونهم، وهكذا تتجدّد اللعبة نفسها.

واستوزر المقتدر أبا الحسن عليّ بن محمّد بن الفرات في ٢١ ربيع الأوّل سنة ٢٩٦هـ، بَيْد أنّه حبسه بعد ثلاث سنين وثمانية أشهر وثلاثة عشر يوماً، أي: في الرابع من ذي الحجّة سنة ٢٩٩هـ، وصادر أمواله وأموال أعوانه وهتك حرمته، واختار أبا عليّ محمّد بن يحيى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان للوزارة، ولما لم يكن هذا الوزير بصيراً، وكانت الأمور قد اضطربت في عهده، قرّر المقتدر استيزار

١٢٥

أبي الحسن بن الفرات ثانية في العاشر من المحرّم سنة ٣٠١هـ، لكنّ بعض الأُمراء حالوا دون هذا الأمر، فاستوزر أبا الحسن عليّ بن عيسى بن داود بن الجرّاح وقبض على الخاقانيّ، وآخَذَه، وصادر أمواله.

واستمرّت وزارة عليّ بن عيسى حتّى سنة ٣٠٤هـ، ولكن لمّا كانت الأوضاع غير قابلة للإصلاح بسهولة بسبب الفساد الإداريّ، ونفوذ الأمراء، وعمّال الدواوين، وطمع قادة الجيش، وعدم لياقة السلطان العبّاسيّ، فإنّ المقتدر كان يستشير أبا الحسن بن الفرات دائماً مع أنّه كان قد حبسه، ولمّا أحسّ عليّ بن عيسى بغلبة أنصار ابن الفرات اعتزل الوزارة، فاستوزر المقتدر أبا الحسن بن الفرات مرّة أُخرى في الثامن من ذي الحجّة سنة ٣٠٤هـ، فسلك نفس المسلك الذي كان عليه أسلافه من حبس، وتكبيل، ومصادرة للأموال، وهكذا تعامل مع أبي الحسن عليّ بن عيسى بن الجرّاح بأمر المقتدر.

ولم تَدُم وزارة ابن الفرات الثانية طويلاً إذ خوّل المقتدر حامدَ بن العبّاس هذا المنصب في جمادى الآخرة سنة ٣٠٦هـ، بعد مضيّ سنة وخمسة أشهر وتسعة عشر يوماً، ولم يكن الوزير الجديد مطّلعاً على شؤون الوزارة فاختار أبا الحسن عليّ بن عيسى نائباً له، فأضحت شؤون الوزارة في الواقع كلّها بيده، واكتفى حامد باسم الوزارة وتولّي خراج واسط وضرائبها، إذ كان قد ضمنها.

وكان أبو محمّد حامد بن العبّاس لئيماً سفيهاً متعصّباً حاقداً، وارتكب أنواع الرذائل عند مؤاخذة أبي الحسن بن الفرات وبطانته بمؤازرة عليّ بن عيسى. كما أنّ بطانته نالت من أبي الحسن بن الفرات وآذته وأرغمته على دفع مال كثير، وعذّبت ولده مُحسّناً وأعوانه بضربهم بالعصا، وحامد بن العبّاس هو الذي صلب الحسين بن منصور الحلاّج في بغداد سنة ٣٠٩هـ، وهو الذي سجن النائب الثالث للإمام المهديّعليه‌السلام أبا القاسم الحسين بن روح النوبختيّ في دار الخلافة في أواخر وزارته.

١٢٦

وقرّر المقتدر في ربيع الآخر سنة ٣١١هـ عزل حامد بن العبّاس وعليّ بن عيسى من الوزارة ورئاسة الدواوين، وكانا من حماة السنّة ومن خصوم مخالفيهم، وخلع على أبي الحسن عليّ بن محمّد بن الفرات، وعيّنه وزيراً للمرّة الثالثة.

وأقرّ ابن الفرات حامد بن العبّاس على ما كان عليه في وزارة الخاقانيّ من تولّي خراج واسط وضرائبها، حيث كان ذلك على عاتقه وبضمانه، ولكنّ الوزير سرعان ما أجبره أعداء حامد على مطالبته بالمال الذي كان في ذمّته، فاستجب ابن الفرات الذي كان قد استُوزِر للمرّة الثالثة في الحادي والعشرين من ربيع الآخر سنة ٣١١هـ، وكلّف الإماميّة في بغداد الذي كان له منصب في الديوان أيضاً بالتوجّه إلى واسط ومطالبة حامد بالحسابات الماليّة التي كانت في ذمّته للديوان، وكان ذلك بعد مضيّ فترة قصيرة على تسلّمه مقاليد الوزارة.

وتصرّف أبو سهل مع حامد بن العبّاس في هذا المجال على طريقة كتّاب الدواوين، ولم يخرج عن أُسلوب الرفق والمصانعة، أمّا البزوفريّ فقد تعامل معه بعنف، وطالبه مُغلِظا مقرّعاً، لكنّه لم يستطع أن يأخذ منه شيئاً نتيجة للنفوذ الذي كان يتمتّع به في واسط، فاضطرّ المقتدر إلى إيفاد عدد من غلمانه وجنوده من أجل دعم البزوفريّ وأبي سهل النوبختيّ، لكنّ حامد بن العبّاس فرّ من واسط وقد غيّر هيئته إثر تحذير المقتدر إيّاه فيمّم بغداد، بَيْد أنّ المقتدر قبض عليه وسلّمه أبا الحسن بن الفرات، فتولّى تعذيبه ابن أبي الحسن - وهو محسّن المعروف بقساوته وظلمه وسوء سيرته، والمشهور بالخبيث بن الطيّب - وأرسله إلى واسط مع بعض أعوانه من أجل محاسبته، ثمّ أمر بسمّه في رمضان سنة ٣١١هـ(١) .

ولما لم تتمّ مهمّة محمّد بن عليّ البزوفريّ في واسط حتّى تاريخ وفاة حامد بن

____________________

١ - تاريخ الوزراء ٣٤-٣٥. وتتمّة تاريخ الطبريّ f.٢٤ b (نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس).

١٢٧

العبّاس، وكان أبو سهل النوبختيّ معه كما في السابق على الأعمّ الأغلب فإنّنا نحتمل أنّ أبا سهل كان مشغولاً في أداء مهمّته بواسط حتّى تاريخ وفاة حامد (رمضان سنة ٣١١هـ)، ثمّ وافاه الأجل بعده بقليل، في شوّال من نفس السنة، وهو ابن أربع وسبعين عاماً(١) .

ولعلّ رفق أبي سهل النوبختيّ ومصانعته حامدَ بن العبّاس المتعصّب المعترف بعدائه للرافضة وابن الفرات (صديق أبي سهل والإماميّة وحاميهما) يعودان إلى أسباب سياسيّة؛ لأنّ أبا سهل - كما سنرى - ناهَضَ دعوة الحسين بن منصور الحلاّج بشدّة سواء في وزارة ابن الفرات أم في وزارة حامد بن العبّاس، وعارض هذا الداعية الجديد الذي كان يهدّد الأساس الذي يقوم عليه الكيان الشيعيّ، وكاد أن يجتثّ جذور نفوذه في البلاط. ولم يَدَعْ دعوته تنتظم في بغداد والبلاط ممّا أفضى إلى القبض على الحلاّج، وقتله على يد حامد بن العبّاس سنة ٣٠٩، ويُحتَمل بعامّة أنّ أبا سهل النوبختيّ كان متّفقاً مع حامد بن العبّاس في قتل الحلاّج، ولعلّه كان من محرّضيه على ذلك، وهذه السابقة في وحدة الاتّجاه السياسيّ هي التي دفعت أبا سهل إلى رعاية الحقوق القديمة عند قيامه بمهمّته في واسط.

٢ - حياته العلميّة والأدبيّة

تزامنت حياة أبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ مع برهة من أيّام الغيبة الصغرى من جهة، ومع وقت بلغ الشيعة فيه مستوى من النُّضج بفعل جهاد الطبقة الأُولى من متكلّميهم، ومساعي أنصارهم العاملين في البلاط الحاكم من جهة أُخرى، وعلى الرغم من جميع ضروب المعارضة السياسيّة والدينيّة التي أبدتها الفرق الأُخرى واحتجاجات المعتزلة وردودهم، فقد قام المذهب الشيعيّ على

____________________

١ - تاريخ الإسلام للذهبيّ f.٦٠ b (نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس).

١٢٨

سُوقه، ودوّن رجاله أُسسه المذهبيّة والكلاميّة، واستقرّ على قواعد متّفق عليها عند الشيعة الإماميّة كلّهم.

أمّا مخالفو الإماميّة فإنّهم كانوا ما يزالون يتمتّعون بقدرة تامّة آنذاك، ولم يَرعَووا عن انتقاد عقائد ومقالات الإماميّة ونقضها، يضاف إلى ذلك أنّ الإماميّة أنفسهم تعرّضوا إلى محنة كبيرة في عصر الغيبة الصُّغرى بسبب بروز الخلافات الكثيرة وظهور عدد من الفرق بين الشيعة القطعيّة، فتدخّل أبو سهل الذي انتهت إليه رئاسة الفرقة المذكورة في بغداد يومئذٍ، وكانت له شوكته ومنزلته العلميّة، يعاضده سائر أعضاء الأُسرة النوبختيّة وأفراد من الأُسر الأُخرى، وقام بإزالة التفرقة التي طرأت على الإماميّة، وصدّ مخالفيهم من جهة، ومن جهة أُخرى استعمل علم الكلام، وبذل جهوداً علميّة، فأفلح في الحصول على نتائج كبيرة، وبذل خدمات جُلّى في تثبيت الأُصول الدينيّة للمذهب الشيعيّ الاثني عَشَريّ والمحافظة عليها، فخلد ذكره في تاريخ هذا المذهب، وأصبح جديراً بلقب (شيخ المتكلّمين).

ومع أنّ أبا سهل النوبختيّ كان تلميذ المتكلّمين الأُوّل من الشيعة في علم الكلام، وأنّه دافع عن مسائل كانت مطروحة قبله، ثمّ دوّنها في كتبه بعد تدقيق كثير، لكنّه قام بعملين من أجل اكتمال علم الكلام على مذهب الإماميّة، كما يُستشفّ ذلك من قائمة كتبه وإشارات أُخرى غيرها، وهذان العملان أهمّ الأعمال، وهما لافتان للنظر قابلان للتدوين من كلّ جهة:

١ - دافع أبو سهل عن العقائد التي كان قد دوّنها عدد من متكلّميّ الإماميّة قبله، بعد أن حَظِيت بتأييد أئمّة الهدىعليهم‌السلام وقبول جمهور الإماميّة، يضاف إلى ذلك أنهّ احتذى - أكثر من ذي قبل - أصول الاعتزال في تقرير القضايا الكلاميّة وفقاً لعقيدة الإماميّة، بخاصّة أنّه خلّص الفرقة القطعيّة من بعض التُّهم الّتي رُمي بها عدد من متكلّمي الإماميّة الأُوَل في باب الرّؤية والتّشبيه والتجسيم وغيرها، وأعلن عن نفسه - كالمعتزلة - مناصراً لاستحالة رؤية الله تعالى، و(حدوث العالم)، ومخالفاً

١٢٩

للمجبّرة في باب (المخلوق)، و(الاستطاعة)، كما أنّه سلك سبيل المعتزلة في باب (الإنسان)، والردّ على (أصحاب الصّفات)، ومنذ ذلك الوقت تقارب المذهبان المعتزليّ والإماميّ أكثر من السابق، وبثّ تلاميذ أبي سهل تلك العقائد من بعده من الإماميّة دون تغيير كبير.

٢ - نلحظ في مسألة الإمامة التي كانت من أهمّ المسائل الخلافيّة بين الفرق الإسلاميّة أنّ متكلّمي الشيعة قبل أبي سهل - كما رأينا - قد تحدّثوا عن موضوع النصّ الجليّ والخفيّ، وأثبتوا خلافة الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بلا فصل كما أثبتوا أحقّيّة أولاده في الإمامة بالأدلّة السمعيّة والنقليّة، من خلال المقالات أو الكتب التي صنّفوها، بَيْد أنّ أبا سهل النوبختيّ واثنين من معاصريه هما ابن أُخته أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ، وأبو الأحوَص داود بن أسد البصريّ(١) كانوا أوّل من استخدم الأدلّة العقليّة في إثبات وجوب الإمامة وبيان أوصاف الإمام تبعاً لأبي عيسى الورّاق وابن الراونديّ، وإذا كان قد استظهر بالأدلّة السمعيّة فمن أجل تأييد الأدلّة العقليّة والتصرّف في الاستدلال، وكان الشريف المرتضى يقتني كتب أبي سهل وأبي محمّد النوبختيّ، فكتب في ردّه على القاضي عبد الجبّار المعتزليّ قائلاً: (... وهذه كتب أبي محمّد وأبي سهل رحمهما الله في الإمامة تشهد بما ذكرناه، وتتضمّن نصرة جميع ما ذكره أبو عيسى الورّاق، وابن الراونديّ في كتبهما في الإمامة، بل قد اعتمدا على أكثر ما ذكراه من الأدلّة، وسلكا في نصرة أُصول الإمامة تلك الطرق بعينها، ومَن خَفِي عليه ما ذكرناه من قولهم ظالم لنفسه بالتعرّض للكلام في الإمامة(٢» .

وكان لاحتجاج الورّاق وابن الراونديّ وأبي الأحوص وأبي محمّد وأبي سهل

____________________

١ - انظر ما ذكرناه عن أبي الأحوص في هذا الكتاب.

٢ - الشافي في الإمامة ١٤-١٥.

١٣٠

في إثبات وجوب الإمامة وتقرير صفات الإمام بالأدلّة العقليّة دور في جعل الإمامة من أُصول الدين عند الإماميّة مَثَلها مَثَل التَوحيد، والعدل، والنبوّة، وإدخالها في المباحث الكلاميّة، وأبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ هو الذي ثبّت ذلك وجعله قطعيّاً، وجمع الأدلّة والاحتجاجات التي عرضها السبّاقون في هذا المجال، وصيّر مسألة الإمامة تابعة للنبوّة من المسائل الكلاميّة لمذهب الإماميّة(١) . وصنّف أبو سهل - كما سيأتي لاحقاً - في موضوع الإمامة كتباً عديدة، ووقف عمره على الدفاع عن عقائد الإماميّة و ردّ الغلاة والواقفة وأهل السنَّة، ويمكن القول: إنّ كتبه وآراءه في موضوع الإمامة قد بزّت جميع مؤلّفات المتكلّمين الذين سبقوه، وأصبحت مرجعاً للمتكلّمين الذي جاؤوا بعده، وهذا من بركات الطلاّب الكثيرين الذين تربّوا على يده ونشروا كتبه وعقائده، إضافة إلى ما كان له من منزلة علميّة ونفوذ واعتبار وشوكة.

وكان أبو سهل من الأُدباء والشعراء أيضاً، مضافاً إلى مكانته السياسيّة والعلميّة، وكان معاشراً لاثنين من فحول شعراء العرب هما البحتريّ (٢٠٦-٢٨٣هـ)، وابن الروميّ (٢٢١-٢٨٣هـ)، علماً أنّنا نقلنا سابقاً رأي البحتريّ في شاعريّة أبي سهل، وكان البحتريّ مادحاً لأبي سهل وابنه أبي يعقوب إسحاق (المقتول سنة ٣٢٢هـ )، وآخرين من آل نوبخت، وله قصائد في الثناء عليهم، كنّا قد نقلنا طرفاً منها في فصول متقدّمة.

وكان الشاعر الشيعيّ المشهور عليّ بن العبّاس بن جريج الروميّ ربيب نعمة آل نوبخت، بخاصّة أبي سهل وأخيه أبي جعفر محمّد، وله معهم أخبار أشار إليها المسعوديّ باختصار(٢) . منها أنّ ابن الروميّ نظم مرّةً مقطوعة في مدح آل نوبخت ذكر فيها أنّهم اعلم الناس بالنجوم، فشكره أبو سهل بن عليّ في مقطوعة أُخرى وقال:

____________________

١ - نخبة المقال ١٣٢.

٢ - مروج الذهب ٨: ٢٣٣ (الطبعة الأجنبيّة).

١٣١

إنّ آل نوبخت عاجزون عن نظم جواب لشعر ابن الروميّ بما فيه من ماء ورواء(١) .

يضاف إلى ذلك أنّ أبا سهل كان معاشراً لكثير من العلماء والمتكلّمين والشعراء والأُدباء المعاصرين له، وكانت له مراسلات شعريّة، وقرأ عليه الأدبَ جماعة من الأُدباء ورواة الشعر، ونلحظ في كتب الرجال والتاريخ ذكراً لمجالسه مع أبي علي الجُبّائيّ في الأهواز، ومع الحكيم الرياضيّ المعروف ثابت بن قرّة، كما نقرأ فيها قصيدة أبي الحسين عليّ بن العبّاس النوبختيّ (المتوفّى سنة ٣٢٤هـ) في مدحه، وسنأتي على ذلك كلّه في موضعه.

ونزيد على ما مرّ أنّ أبا سهل نفسه كان من رواة الأشعار، وقد رويَ عنه قسم من أخبار أبي نواس(٢) ، وكان له تلاميذ كثر أيضاً كلّهم من الكتّاب والشعراء والمتكلّمين المعروفين، أخذوا منه الأدب والشعر والكلام، وتلمذوا له في هذه العلوم.

٣ - تلاميذه

كان لأبي سهل عدد من التلاميذ في الكلام والأدب، قد بثّوا آراء أُستاذهم بين الإماميّة وطلاّب العلم والأدب، وذكرت كتب الأدب والتاريخ أسماء ستّة منهم على النحو الآتي:

١ -عليّ بن إسماعيل ولده: أخذ العلم والأدب عن أبيه(٣) ، ودرس أيضاً عند العالم النحويّ اللغويّ الشهير أبي العبّاس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب (٢٠٠-٢٩١هـ)، وكنّاه الخطيب البغداديّ أبا الحسين تارةً، وأبا الحسن تارة أُخرى.

____________________

١ - المقطوعتان كلتاهما في ديوان ابن الروميّ ١: ١٢٢-١٢٣ (طبعة مصر، سنة ١٩٢٧م).

٢ - الجزء الثاني من كتاب أخبار أبي نواس (مخطوط).

٣ - تاريخ الإسلام الذهبيّ، fol. ٦٠ b، نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس.

١٣٢

وكان يروي الشعر عن أبيه أبي سهل، وعن ثعلب، وسمع أبو محمّد الحسن بن الحسين بن عليّ بن العبّاس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت (٣٢٠-٤٠٢هـ) منه بعض أشعار ثعلب ودوّنها وروى الخطيب البغداديّ بواسطةٍ واحدة مقطوعةً شعريّة لثعلب عن أبي محمّد النوبختيّ الذي ستأتي ترجمته، وكان أبو محمّد قد أخذها من عليّ بن إسماعيل النوبختيّ(١) .

٢ -أبو الحسين عليّ بن عبد الله بن وصيف: الناشئ الأصغر (٢٧١-٣٦٥هـ)(٢) الشاعر والمتكلّم المعروف الذي كان من مشاهر المدّاحين لأهل البيت الأطهارعليهم‌السلام ، ومن مصنّفي الشيعة المعروفين. وكان تلميذ أبي سهل النوبختيّ في الكلام(٣) ، وألّف كتاباً في الإمامة(٤) .

وكان المترجَم له أُستاذ الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان وشيخه في الرواية(٥) ، ويُعدّ الشيخ المفيد تلميذاً لأبي سهل النوبختيّ عن طريقين: الأوّل: تلمذته للناشئ الأصغر، والثاني: تعلّمه على أبي الجيش مظفّر بن محمّد البلخيّ (م٣٦٧هـ)(٦) .

٣ -أبو الحسن محمّد بن بشر السوسنجرد يّ: صاحب كتاب الإنفاذ في الإمامة(٧) .

____________________

١ - تاريخ بغداد ١١: ٣٤٧.

٢ - أو ٣٦٦.

٣ - وفيات الأعيان ١: ٣٨٩.

٤ - فهرست الطوسيّ ٢٣٣؛ رجال النجاشيّ ١٩٣.

٥ - فهرست الطوسيّ ٢٣٣.

٦ - الناشئ الأصغر في مقابل الناشئ الأكبر، وهو أبو العبّاس عبد الله بن محمّد الملقّب بابن شرشير، شاعر ومتكلّم مشهور من أهل الأنبار، توفّي سنة ٢٩٣هـ، وتعود شهرته غالباً إلى مخالفته أهلَ المنطق والشعراء وعلماء العَروض، وإنكاره عموم المعاني المسلّمة عندهم، وله كتاب في نقض المنطق، ونظم قصيدة نونيّة في أربعة آلاف بيت تقريباً ذكر فيها أهل الآراء والنحل والمذاهب والملل، (للاطّلاع على ترجمته، انظر: مروج الذهب ٢: ٢٦٦ طبعة مصر، الفِصَل ٤: ١٩٤؛ تاريخ بغداد ١٠: ٩٢-٩٣).

٧ - انظر: ص١١٥ من هذا الكتاب، والفهرست ١٧٧، ورجال النجاشيّ ٢٦٦.

١٣٣

٤ -أبو عليّ الحسين بن القاسم الكوكبيّ: الكاتب (المتوفّى في ربيع الأوّل سنة ٣٢٧هـ)(١) .

٥ -أبو الجيش مظفّر بن محمّد بن أحمد البلخيّ: (المتوفّى سنة ٣٦٧هـ) أُستاذ الشيخ المفيد، له كتاب في الإمامة(٢) .

٦ -أبو بكر محمّد بن يحيى الصُّوليّ: (المتوفّى سنة ٣٣٥هـ) الكاتب والأديب المشهور(٣) .

وكان جميع المتكلّمين الكبار من الإماميّة في القرن الرابع والخامس كالشيخ المفيد، والنجاشيّ، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسيّ، وغيرهم تلاميذ أبي سهل النوبختيّ بواسطةٍ واحدة أو بواسطتين؛ لذلك نجد أنّ آراءهم في موضوع الإمامة وغيره من المسائل الكلاميّة تُشبه إلى حدٍّ ما آراء أبي سهل التي شرحها ودوّنها في كتبه العديدة.

٤ - أبو سهل النوبختيّ وموضوع الغَيبة

ولد أبو سهل النوبختيّ سنة ٢٣٧هـ في عصر الإمام العاشر أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي (٢٢٠-٢٥٤هـ)، وعندما توفّي الإمام الحادي عشر أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ سنة ٢٦٠هـ، كان له من العمر ثلاث وعشرون سنة، وكانت وفاة أبي سهل سنة ٣١١هـ، وهو ابن أربع وسبعين، أمضى منها إحدى وخمسين سنة من عمره في أيّام الغيبة الصُّغرى، وصادفت وفاته في أيّام سفارة النائب الثالث الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح النوبختيّ، وهما من بيت واحد.

____________________

١ - تاريخ الإسلام fol. ٦٠ b، نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس، وتاريخ بغداد ٨: ٨٧.

٢ - الفهرست ١٧٨، رجال النجاشيّ ٢٩٩؛ روضات الجنّات ٣١.

٣ - تاريخ الإسلام fol. ٦٠ b.

١٣٤

وتعدّ الفترة التي أمضاها أبو سهل في عصر الغيبة الصغرى - وهي إحدى وخمسون سنة كانت له في الأيام الأخيرةِ منها الرئاسة على الإماميّة الاثني عشريّة، ويكاد يكون هو الموجّه لهذه الطائفة هو وسائر أفراد البيت النوبختيّ - من أشدّ الفترات توتّراً بالنسبة إلى الطائفة المذكورة، ذلك أنّ أعداءها من جانب، والسلطان العبّاسيّ من جانب آخر قد بذلوا قصارى جهودهم من أجل تقويض الكيان الشيعيّ، ولم يدّخروا وسعاً في إذاقة الشيعة شتّى صنوف الأذى والعذاب، والذي أثارهم أكثر في هذه المرحلة هو حادث وفاة الإمام الحادي عشرعليه‌السلام واختفاء ولده، وهذا الأمر لم يُجرّئ مناوئي الشيعة على معارضتهم فحسب، بل ترك المؤمنين بهذا المذهب يموجون في قلق وحيرة عجيبة، فبرز الخلاف بين صفوفهم وبلغ بهم مبلغاً أنّهم صاروا أربع عشرة فرقة يكفّر بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، وكاد الكيان الشيعيّ الذي كانت أركانه قد توطّدت بجهود بذلها رجاله على امتداد السنين يتقوّض بفعل تلك الخلافات، ومضافاً إلى مكائد الأعداء، وإقبال الدنيا على مناوئي هذه الفرقة وعلى السلطان العبّاسيّ الذي سئم من تحكّم الكتّاب والعاملين الفرس الشيعة في الجهاز الحكوميّ، ونفد صبره من طعن رؤساء الإماميّة ولومهم المتواتر، وكان يفكّر بعموم الوسائل والخطط لإنقاذ نفسه من هذه الورطة.

روى الشيعة أنّ الإمام الحادي عشر أبا محمّد الحسن بن عليّ العسكريّ توفّي في سُرّ من رأى يوم الجمعة لثمانٍ خلون من ربيع الأوّل سنة ٢٦٠هـ بعد خمس سنين وثمانية أشهر وخمسة أيّام مضت على إمامته، وأعقب ولداً مكتوماً أمره لم يَرَه عامّة الناس، من هنا أمر المعتمد العبّاسيّ (٢٥٦-٢٧٩هـ) بتفتيش دار الإمام وحجراتها، وكبس جميع ما فيها، وجَدَّ رجاله في البحث عنه، وكلّفوا القوابل بالتحقيق من جواري الإمام، وعندما ذكرت إحداهنّ أنّ جارية من جواري الإمام حامل، جعلوها في غرفة خاصّة من غرف الدار، ووكّلوا بها أحد الخدم مع أصحابه وعدداً من النسوة، وصلّى أبو عيسى بن المتوكّل أخو المعتمد على جنازة الإمام.

١٣٥

وأشهدَ كبار العلويّين والعبّاسيّين, وأُمراء الجيش، والكتّاب، والقضاة، والفقهاء، والمعدّلين على أنّ الإمام مات حتف أنفه، ثمّ دفنوا جثمانه الطاهر في البيت الذي دُفن فيه أبوه، وبذل الحاكم العبّاسيّ وأعوانه قصارى جهودهم في البحث عن ابن الإمام، ولمّا لم تُثمر جهودهم شيئاً، ولم تلد تلك الجارية التي توهّموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين أو أكثر، عزم السلطان العبّاسيّ على تقسيم ميراث الإمام العسكريّعليه‌السلام ، فنشب نزاع بين حديث والدة الإمام وبين أخيه جعفر لأجل ذلك، ومع أنّ والدة الإمام أثبتت عند القاضي أنّها الوارثة الوحيدة للإمام لكنّ جعفر عارضها وسعى بها عند السلطان، واستعان به في الحصول على ميراث أخيه، ومكث السلطان سبع سنين، ثمّ قسّم تركة الإمام بين حديث وجعفر(١) .

وكان جعفر مقبلاً على الدنيا لاهياً، طالباً لمنصب أخيه، فتشبّث بشتّى الحيل كي يُعرَفَ بهذا المنصب، وكان يشي عند المعتمد بأصحاب الإمام العسكريّ الذين كانوا يَرَون أنّ ولده الصغير الغائب هو الإمام الثاني عشر وهو حجّة الحقّ على الخلق، وممّا قام به أنّه حرّض السلطان على تكبيل صَيقل(٢) جارية الإمام العسكريّ ووالدة الإمام المهديّ، ومطالبتها بولدها القائم، فأنكرت ذلك وادّعت الحَبل لتردع جلاوزة السلطان عن التجسّس في أمر الإمام، فأوقفها المعتمد في حرمه، وتولّى نساؤه وجواريه وأخوه الموفّق وخدمه ونساء القاضي ابن أبي الشوارب(٣) رعايتها والقيام بأمرها. واستمرّت هذه الحالة إلى أن تضعضعت أركان الحكومة سنة ٢٦٣هـ، بفعل الهزّات التي تعرّضت لها، كاستيلاء يعقوب بن ليث الصفّار على

____________________

١ - كمال الدين ٢٥-٢٦ و٣٤ و٤٧ و٢٦١ و٢٦٢، فرق الشيعة ٧٩، الغيبة للشيخ الطوسيّ ١٤١-١٤٢؛ الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل ٤: ٩٣.

٢ - اختلف الرواة والمؤلّفون في اسم أُمّ الإمام، فمنهم من قال: صيقل، ومنهم من قال: ريحانة، ومنهم من قال: سوسن، ومنهم من قال: نرجس.

٣ - المقصود عليّ بن أبي الشوارب محمّد الذي نُصب قاضياً للقضاة في سنة ٢٦٢هـ.

١٣٦

الأهواز ومحاولته الهجوم على بغداد، وفتنة صاحب الزنج، وموت الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأةً؛ ولذلك أُنسِيَت صيقل فنجت من مخالب جلاوزة السلطان(١) .

وبرز خلاف وعداء شديد بين أصحاب جعفر، وأصحاب صيقل، وانحاز جماعة من أفراد الحكومة وجلاوزة السلطان إلى جانب جعفر، وجماعة إلى جانب صيقل، واصّاعد لهب الفتنة، فقام أحد النوبختيّين - وهو الحسن بن جعفر الكاتب - بإخفاء صيقل في داره، وآلَ الأمرُ إلى أن قام المعتضد (٢٧٩-٢٨٩هـ) - الذي كان مناوئاً شديداً للإماميّة كالمتوكّل - بإخراجها من بيت الحسن بن جعفر النوبختيّ بعد مضيّ بضع وعشرين سنة على وفاة الإمام الحسن العسكريّعليه‌السلام ، فأقامت في قصره حتّى وافاها الأجل أيّام حكم المقتدر (٢٩٥-٣٢٠هـ)(٢) .

إنّ وفاة الإمام العسكريّعليه‌السلام ، وغيبة ولده القائم، وادّعاء أخيه جعفر الذي لقّبه الإماميّة: الكذّاب، كما أشرنا إلى ذلك سلفاً، كلّ أولئك مهّد الأرضيّة لمناوئي الإماميّة - بخاصّة المعتزلة، والزيديّة، وأصحاب الحديث والسُّنّة، والحاكم العبّاسيّ - لأن ينالوا من الإماميّة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، أدّى إلى انقسامها أربع عشرة فرقة، منها من أنكر وجود ولد للإمام العسكريّ، ومنها من تردّد في ذلك، ومنها من اعتقد بانتهاء الإمامة، لكن أفراد هذه الفرقة الأخيرة لم يتّفقوا على ذلك، فمنهم من اعتقد بأنّه خليفة أبيه العسكريّ، ومنهم من رأى أنّه منصوب للإمامة من قِبل أخيه الآخر محمّد الذي كان قد مات في حياة أبيه الإمام الهادي، ومنهم من ذهب إلى أنّ أباه هو الذي اختاره إماماً، وهبّ جماعة من الفَطحيّة والمحمّدية (أصحاب محمّد بن الإمام الهادي توفّي قبل أبيه) إلى تأييد جعفر

____________________

١ - كمال الدين ٢٦٢ و٢٦٣.

٢ - الفصل ٤: ٩٣-٩٤.

١٣٧

على رغم الإماميّة الاثني عشريّة، والتفّ حوله جمع من متكلّمي الفطحيّة الحاذقين، وأُخت فارس بن حاتم بن ماهَوَيه القزوينيّ، وهي من أصحاب الإمام الهادي، وكان الإمامعليهم‌السلام قد لعنها وطردها؛ لإظهارها الغلوّ والفساد، لكنّ جعفر برّأها وزكّاها(١) . وأفضى التفافهم حوله إلى تقويته، وإلى خلق المتاعب للشيعة الاثني عشريّة.

ومن الملاحَظ في ذلك العصر الذي نشبت فيه الفتنة الممتدّة من عهد المعتمد إلى عهد المقتدر، وعانى فيه الإماميّة ما عانَوا من الجور والاضطهاد، أنّ للأُسرة النوبختيّة الشيعيّة دورها بما كانت تتمتّع به من نفوذ مطلق في بغداد يعود إلى منزلتها العلميّة والرسميّة، وهيبتها الشخصيّة وما كانت تمتلكه من عقارات وثروات. فتطلّع إليها الشيعة وعقدوا عليها الأمل في الذبّ عنهم و ردّ مخالفيهم، وكان رئيس الأُسرة والموجّه للشيعة الإماميّة في فترة من فترات ذلك العصر المتكلّم الشاعر الأديب المعروف أبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ.

وقد أمضى أبو سهل القِسم الأعظم من حياته في تحصيل علم الكلام والاحتجاج على المخالفين ومناظرتهم، وكان فَطِناً واعياً، ومن الطبيعيّ أنّه لم يكن بوسعه في تلك الظروف المحفوفة بالأخطار أن يسكت، ولا يدافع عن مسألة الإمامة التي كان قد دوّن لها صورة تامّة وفقاً للأُصول المذهبيّة عند الإماميّة، ولا يُبرز العقيدة الصحيحة في الغيبة - وكان يراها حقّاً - في حين كان كلّ شخص يُبدي رأياً في الغَيبة ممّا يبعث على تشتّت الشيعة.

وبلغ الخلاف بين الشيعة في موضوع الإمامة والغَيبة يومئذٍ درجة أنّهم اختلفوا حتّى في عدد الأئمّة أيضاً. فذهبت طائفة منهم إلى أنّهم ثلاثة عشر استناداً إلى

____________________

١ - فرق الشيعة ٨٢، كمال الدين ٣٤.

١٣٨

حديث رواه سُلَيم بن قيس الهلاليّ(١) ، وهو من أصحاب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، ومن وحي هذا الحديث عدّ أبو نصر هبة الله بن محمّد الكاتب - وهو من المعاصرين لأبي القاسم الحسين بن روح النوبختيّ في أيّام الغيبة الصغرى وسيأتي ذكره - زيدَ بنَ عليّ بن الحسين في الأئمّة(٢) ، وكان الحسين بن منصور الحلاّج الصوفيّ المعروف يعتقد باثني عشر إماماً ويقول: إنّ الإمام الثاني عشر قد مات، ولن يظهر إمام، وانّ أمر الساعة قريب(٣) .

ونسب ابن النديم في الفهرست رأياً خاصّاً لأبي سهل في الغيبة لم يُسبَق إليه، وهو أنّه كان يقول: (أنا أقول: إنّ الإمام محمّد بن الحسن ولكنّه مات في الغيبة، وقام بالأمر في الغيبة ابنه، وكذلك فيما بعد من ولده إلى أن يُنفِذ اللهُ حكمَه في إظهاره)(١) .

ولعلّ نسبة هذا الرأي إلى أبي سهل بالشكل المذكور مثار شكّ وترديد؛ لأنّه لم يَرد في أي من كتب الشيعة. ويضاف إليه أنّ الشيخ الصدوق نقل في كتاب كمال الدّين مقطوعة في باب الإمامة عن كتاب التنبيه لأبي سهل، وهي تتّفق مع عقيدة علماء الإماميّة الاثني عشريّة في الغيبة(٢) ، بل يمكن القول: إنّ أبا سهل الذي كان ممّن شهد على ولادة الإمام الثاني عشر(٣) ورؤيته وغيبته، وممّن أيّد نيابةَ السفير الثالث أبي القاسم الحسين بن روح النوبختيّ(٤) ، كان من أعظم العلماء الذين دافعوا عن مسألة الغيبة حسب عقيدة الإماميّة، ثمّ دوّنوها في كتبهم، وسار على خطاه مَن جاء بعده من علماء الطائفة، ولو صحّ ما نسبه إليه ابن النديم، وكان له مثل ذلك

____________________

١ - وهو راوٍ لأوّل كتاب شيعيّ، للاطّلاع على ترجمته، انظر: الفهرست ٢١٩، وكتب الرجال المعتبرة.

٢ - رجال النجاشيّ ٣٠٨.

٣ - Louiz Massignon, passion d`al-Hallady p. ١٥١.

٤ - الفهرست ١٧٦.

٥ - كمال الدين ٥٣-٥٥.

٦ - الغيبة للطوسيّ ١٧٥-١٧٦.

٧ - نفسه ٣٢٥.

١٣٩

الرأي في بادئ أمره، فإنّه تراجع عنه فيما بعد، وأقرّ بما يقرّ به جمهور الإماميّة ودافع عنه.

٥ - أبو سهل النوبختيّ والحسين بن منصور الحلاّج

نلحظ في أيّام الغيبة الصغرى - حيث كان الإماميّة ينتظرون نهاية الغيبة وظهور الإمام الغائب، وحيث كان زمام شؤونهم الدينيّة والدنيويّة بيد النوّاب الأربعة - أنّ الحسين بن منصور الحلاّج البيضاويّ الصوفيّ المعروف كان يبثّ آراءه وعقائده في المراكز المهمّة للشيعة، بخاصّة قمّ وبغداد، فأفلح في استقطاب عدد من الشيعة، ورجال البلاط الحاكم بعد سنين أمضاها في السفر والتبليغ والوعظ.

وكان في بداية أمره يزعم أنّه رسول الإمام الغائب ووكيله وبابه، كما ذكر ذلك مصنّفو الإماميّة؛ من هنا أوردوا اسمه في عداد مدّعي البابيّة(١) ، وعندما التقى برؤساء الإماميّة في قمّ، ودعاهم إلى قبول العنوان المذكور، أبدى رأيه في الأئمّة - كما تطرّقنا إلى ذلك سلفاً - فتبرّأ الشيعة في قمّ منه وطردوه من مدينتهم.

وكان ادّعاء الحلاّج البابيّة، وإبداء رأيه الخاصّ حول عدد الأئمّة، بمنزلة إعلان العداء السافر لآل نوبخت، ذلك أنّ أحدهم - وهو أبو القاسم الحسين بن روح - كان نائباً للإمام الغائب منذ سنة ٣٠٥هـ، وكان قبل ذلك من خاصّة النائب الثاني أبي جعفر محمّد بن عثمان، والشخص الآخر من هذه الأُسرة هو أبو سهل إسماعيل بن عليّ، وكان يعدّ رئيساً للإماميّة في بغداد عند تحرّك الحلاّج، كما كان له نفوذ بين الوزراء وكتّاب البلاط والعاملين في الأجهزة الحكوميّة، وكان راعياً للأُصول المذهبيّة الشيعيّة ومدافعاً عنها، ويضاف إلى ما كان عليه سياسيّاً

____________________

١ - الغيبة للطوسيّ ٢٦٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288