آل نوبخت

آل نوبخت20%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92262 / تحميل: 9571
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وهو وليكم بعدي وانه مني وانا منه وهو وليكم بعدي » ( هكذا مكرراً ) وفي لفظ آخر. « من كنت وليه فعلى وليه ». وفي آخر عن بريدة « غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال: يا بريدة ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم قلت: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه » الى غير ذلك(١) .

ولا شك ان المراد بالولي هو المتولي لامور الناس والحاكم عليهم دون الناصر والمحب ونحو ذلك فان قوله « بعدي » اما ان يريد به بعده زمانا و نعلم أن نصرة الامام وحبه للمسلمين لم يختص بما بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بل كان ناصراً للمسلمين ومحباً لهم في عهد الرسالة المجيدة بكامله بل يمكن ان يقال ان نصرته لهم كانت منحصرة في ذلك العهد فقد اعتزل الامور بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله زهاء ثلاثين سنة. واما ان يريد بالبعدية من حيث الرتبة فولايته متأخرة رتبة عن ولاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهذه قرينة واضحة على ان المراد بها ما هو من سنخ ولاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي كونه اولى بالمؤمنين من انفسهم كما وقع التصريح بذلك في احد النصوص كما مر ذكره. هذا مع ان الولاية بمعنى النصرة والمحبة لا يختص بها عليعليه‌السلام بل المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض كما في الكتاب العزيز فالولاية الخاصة به التي امتدحه بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجعله وجه عدم جواز معارضته في هذه النصوص هي الولاية بمعنى الاولوية والحكومة.

وهناك كثير من النصوص المتفرقة التي تدل بتواترها الاجمالي على نص الرسول بخلافة عليعليه‌السلام مثبتة في المجامع الروائية من اراد الوقوف عليها فليراجع المراجعات للامام شرف الدين او الغدير للعلامة الاميني او سائر الكتب المؤلفة لهذا الشأن.

واما اخبار الامامية واحتجاج الائمةعليهم‌السلام فاوضح من الشمس والنص على خلافتهعليه‌السلام واحد عشر اماماً من ولده من ضروريات المذهب وواضحاته والكتب في ذلك كثيرة منها كتاب كفاية الأثر للخزّاز الرازي، والالفين للعلامة الحلي، وغاية المرام والإنصاف للسيد هاشم البحرانى، وبحار الأنوار ( ج ٣٦ )، واثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للحر العامليرحمه‌الله ، وجامع الأثر للسيد حسن آل طه، و....

____________________

(١) المعجم الكبير: ١٢ / ٩٩ ضمن ح ١٢٥٩٣، البداية والنهاية: المجلّد ٤ ج ٧ / ٣٤٥، مجمع الزوائد: ٩ / ١٢٠، منحة المعبود: ٢ / ١٧٨ ح ٢٦٥٢.

٢١

الشورى عند علماء الامامية

واما الشواهد التي تشبث بها الكاتب في ص ١٩ لاثبات « ان تراثهم ( الامامية ) يحفل بنصوص اخرى تؤكد التزام الرسول الاعظم واهل البيت بمبدأ الشورى وحق الامة في انتخاب ائمتها » فهي:

١ - تقول رواية يذكرها الشريف المرتضى - وهو من أبرز علماء الشيعة في القرن الخامس الهجري - إنّ العباس بن عبد المطلب خاطب أمير المؤمنين في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يسأله عن القائم بالأمر بعده « فإن كان لنا بيَّنه وإن كان لغيرنا وصّى بنا »، وإن أمير المؤمنين قال: « دخلنا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين ثقل، فقلنا: يا رسول الله... استخلف علينا، فقال: لا، إنّي أخاف أن تتفرقوا عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون، ولكن إن يعلم الله في قلوبكم خيراً اختار لكم ».

أقول: التمسك بهذه الرواية واسنادها الى الشيعة والى كتاب الشافي للشريف المرتضى يدل على سوء سريرة الرجل وانه ليس كاتبا حراً بل كاتب اجير فهذه رواية يتمسك بها خصوم الشيعة والشريف ذكرها في عداد ما تمسك به الخصم لردّ وجود نصّ على امير المؤمنينعليه‌السلام وردّه الشريف المرتضىرحمه‌الله قال في ص١٥١ من الجزء الثاني ط طهران(١) : « قال صاحب الكتاب ( اي قاضي القضاة المعتزلي ) حكاية عن ابي هاشم: وكيف جاز ان يقول له العباس ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليل: سله عن هذا الامر فان كان لنا بيّنه وان كان لغيرنا وصّى بنا.... ».

واجاب عنه في ص١٥٢: « اما سؤال العباسرضي‌الله‌عنه عن بيان الامر من بعده فهو خبر واحد غير مقطوع عليه ومذهبنا في اخبار الآحاد التي لا تكون متضمنة لما يعترض على الأدلة والاَخبار المتواترة المقطوع عليها معروف فكيف بما يعترض ما ذكرناه من اخبار الآحاد ؟ فمن جعل هذا الخبر المروي عن العباس دافعاً لما تذهب إليه الشيعة من النصّ الذي قد دلّلنا على صحّته، وبيّنا استفاضة الرواية به فقد أبعد. على أنّ الخبر إذا سلّمناه وصحّت الرواية به غير دافع للنصّ، ولا منافٍ له لاَنّ سؤالهرحمه‌الله يحتمل أن يكون عن حصول الأمر لهم وثبوته في أيديهم، لا عن استحقاقه ووجوبه، يجري ذلك مجرى رجل نحل بعض أقاربه نحلاً وأفرده بعطية بعد وفاته، ثمّ حضرته الوفاة فقد يجوز لصاحب النحلة أن يقول له أترى ما نحلتنيه وافردتني به يحصل لي من بعدك، ويصير إلى يدي أم يحال بيني وبينه ويمنع من وصوله إليَّ ورثتك، ولا يكون هذا السؤال دليلاً على شكّه في الاستحقاق، بل يكون دالاً على شكّه في حصول الشيء الموهوب له إلى قبضته والذي يبيّن صحّة تأويلنا، وبطلان ما توهّموه قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في جواب العبّاس على ما وردت به الرواية:

____________________

(١) الارقام هنا تختلف عما ذكره الكاتب في الهامش وما ذكره خطأ.

٢٢

( انكم المقهورون )، وفي رواية اُخرى: ( انكم المظلومون ).

وقال في ص٩١ من الجزء الثالث في كلام طويل نقله عن كتاب المغني ( لقاضي القضاة ) يبدأ من ص٩٠ وينتهي في ٩٦: « والمروي عن العباس انه خاطب اميرالمؤمنينعليه‌السلام في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ان يسأله عن القائم بالامر بعده وانه امتنع من ذلك خوفاً ان يصرفه عن اهل بيته فلا يعود اليهم ابداً.... ».

واجاب عنه الشريف في ص١٠١ بقوله: « فامّا الخبر الذي رواه عن العباس رضى الله عنه من انه قال اميرالمؤمنينعليه‌السلام : لوسألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن القائم بالامر بعده فقد تقدم في كتابنا الكلام عليه وبيّنا انه لو كان صحيحاً لم يدل على بطلان النص فلا وجه لا عادة ما قلناه فيه ».

وما ذكره الشريفرحمه‌الله جواب للكاتب ايضاً وهو ان هذا الخبر لو فرض صحة سنده - ولا سند له - فلا يقاوم هذه الاخبار المتواترة القطعية المتضمنة لنص الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله على اميرالمؤمنينعليه‌السلام . هذا مع ان تشكيك العباس في النص لا يدل على عدم وجود النص كما جاء في التأويل الذي ذكره الشريف.

هذا بالنسبة الى صدر الرواية التي جاء بها الكاتب واما ما ذيّله به من ان اميرالمؤمنينعليه‌السلام قال دخلنا على رسول الله.... الى آخره فهذا ايضاً خبر آخر نقله في كتاب الشافي قبل هذا الخبر عن الخصم اي كتاب المغني ورده الشريف ايضاً بقوله فى ص١٠١: « وبعد فبازاء هذين الخبرين اللذين رواهما في ان اميرالمؤمنينعليه‌السلام لم يوص كما لم يوص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الاخبار التي ترويها الشيعة من جهات عدة وطرق مختلفة المتضمنة لانهعليه‌السلام وصّى الى الحسن ابنه واشار اليه واستخلفه وارشد الى طاعته من بعده وهي اكثر من ان نعدّها ونوردها » ثم ذكر بعض ما روي في هذا الباب.

وهذه ايضاً من مراوغات الكاتب حيث ينسب ما يرويه الشريف عن خصمه - ليرد عليه بعد ذلك الى نفس الشريف وكأنه اعتمد على هذه الرواية واستند اليها!!!

٢ - « ويقول الكليني في الكافي نقلاً عن الإمام جعفر بن محمد الصادق إنّه لما حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين فقال للعباس: يا عم محمد... تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته ؟ فرد عليه فقال: يا رسول الله بأبي واُمّي إني شيخ كبير كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح، قال: فأطرق هنيهة ثمّ قال: يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه ؟ فقال كردّ كلامه... قال: أما إنّي سأعطيها من يأخذها بحقها، ثمّ قال: يا علي، يا أخا

٢٣

محمد، أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه ؟ فقال: نعم بأبي واُمّي ذاك عليّ ولي(١) .

وهذه الوصية كما هو ملاحظ، وصية عادية شخصية آنية، لا علاقة لها بالسياسة والإمامة والخلافة الدينية وقد عرضها الرسول في البداية على العباس بن عبد المطلب فأشفق منها وتحمّلها الإمام أمير المؤمنين طواعية »(٢) .

الرواية مع ضعفها سنداً بسهل بن زياد الآدمى لا تدل على شيء مما يرومه الكاتب فهل اثبات وصية كهذه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينفي نصبه للخلافة ؟! وهل في هذه الرواية جملة تدل على انحصار وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام في ذلك ؟! كلا ولكن الغريق يتشبث بكل حشيش وكم اتعب نفسه هذا الرجل ليؤيد مزعمته هذه أن اهل البيتعليهم‌السلام لم يؤمنوا بالنص بل آمنوا بالشورى فلم يجد الا رواية ضعيفة تدل على ان هناك وصية اخرى للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فاراد بذكرها ان يوهم للقارئ أن ائمة الشيعة لا يدعون ايصاء بالخلافة وانما يدعون ايصاءً بهذه الامور. ولكن كيف يمكن الاستدلال بهذه الرواية على انحصار الوصاية في ذلك ؟! ولو فرض دلالتها فهل تقاوم هذه الرواية عشرات الروايات المتواترات القطعيات التي ملأت كتب الشيعة مما صرح فيها بخلافتهعليه‌السلام بل تجاوزتها فملأت كتب العامة ايضاً ؟!

٣ - « وهناك وصية اخرى ينقلها الشيخ المفيد في بعض كتبه عن الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ويقول إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أوصى بها إليه قبل وفاته، وهي أيضاً وصية أخلاقية روحية عامة وتتعلّق بالنظر في الوقوف والصدقات »(٣) .

وهذه ايضاً كسابقتها وان لم اجدها في الامالي والارشاد ولكنها مهما كانت فانها على فرض الصحة لا تنفي الاستخلاف ولا تعارض الروايات الدالة على خلافتهعليه‌السلام ولو عارضت ايضاً لم يكن لها خطر كما هو واضح ولكن الكاتب يرقص فرحاً فقد وجد في هذه الروايات الثلاث ضالته وهو يدعي ان تراث الشيعة يحفل بنصوص تؤكد التزام اهل البيت بمبدأ الشورى !!! فتراه يقول:

« واذا القينا بنظرة على هذه الروايات التي يذكرها اقطاب الشيعة الامامية كالكليني والمفيد والمرتضى فاننا نرى انها تكشف عن عدم وصية رسول الله للامام علي بالخلافة والامامة وترك الامر شورى... »(٤) .

وقد القينا النظرة بل تأملنا بجد فرأينا الاحاديث لا تدل على ذلك ولا يتوهم منها الدلالة أصلاً بل

____________________

(١) الكافي ١: ٢٣٦.

(٢ - ٤) تطور الفكر... ص ٢٠.

٢٤

وجدناك كاذبا تنسب الحديث الى الشافي وهو لم يذكره الا نقلاً عن الخصم ليردّه.

احجام الامام عن اخذ البيعة لنفسه

ثم قال: « وهو ما يفسرّ احجام الامام علي عن المبادرة الى اخذ البيعة لنفسه بعد وفاة الرسول بالرغم من الحاح العباس بن عبدالمطلب عليه بذلك حيث قال له امدد يدك ابايعك وآتيك بهذا الشيخ من قريش ( يعنى ابا سفيان ) فيقال ان عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك من قريش احد والناس تبع لقريش فرفض الامام علي ذلك »(١) .

أقول: التاريخ يقول لنا ان الامام كان مشتغلا بتجهيز الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما اجتمعت الانصار في السقيفة ثم حضر ابو بكر وعمر وابو عبيدة فمنعوهم من التبايع وساعدهم على ذلك ضغائن الاوس والخزرج كما اسلفناه وتم الامر لابي بكر فهذه البادرة التي اظهرها العباس - لو صحت الرواية - انما كان بعد مؤامرة السقيفة وتمامية الامر لابي بكر ومن الطبيعي ان يرفض الامام (ع) كل اقتراح من هذا القبيل بعد ان بقي منفردا لا يمكنه الصولة إلا بيد جذاء ونتيجته ان لا يبقى موحد ابداً ولا يسمع صوت الشهادة على المآذن.

هذا مع انهعليه‌السلام لم يكن بحاجة الى اخذ البيعة لنفسه فقد بايعه المسلمون يوم الغدير بما فيهم ابوبكر وعمر ووجوه الصحابة وقال له عمر: بخ بخ لك يا ابا الحسن اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن - أو كل مسلم - على اختلاف الروايات، وقد رواه جمع كثير من الحفاظ واصحاب السنن جمعهم العلامة الامينيرحمه‌الله في كتاب الغدير حيث قال: وخصوص حديث تهنئة الشيخين رواه من ائمة الحديث والتفسير والتاريخ من رجال السنة كثير لا يستهان بعدتهم بين راوٍ مرسلا له ارسال المسلّم وبين راوٍ اياه بمسانيد صحاح برجال ثقات تنتهي الى غير واحد من الصحابة كابن عباس وابي هريرة والبراء بن عازب وزيد بن ارقم....

ثم عد ستين حافظاً من اهل السنة رووه في مصنفاتهم منهم ابن ابي شيبة المتوفى ٢٣٥ في المصنف والامام احمد في سنده وابن جرير الطبري في تفسيره والحافظ الشهير الدار قطني في سننه والثعلبي في تفسيره والخطيب البغدادي في تاريخه والغزالي في سر العالمين والشهرستاني في الملل والنحل والخوارزمي في مناقبه وابن الجوزى في مناقبه ايضاً والامام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير وابن الاثير في اسد الغابة وسبط ابن الجوزي في تذكرته وابن كثير في البداية والنهاية وغيرهم الى

____________________

(١) تطور الفكر... ص ٢٠.

٢٥

تمام الستين(١) .

ومن الغريب جداً ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نصب خيمة في المكان واجلس فيها علياعليه‌السلام كما في بعض هذه المصادر وامر الناس ووجوه الصحابة رجالا ونساءً حتى امهات المؤمنين على ما في بعضها ايضاً - كما نقله في الغدير - ان يبايعوا عليا ثم يقال انه اراد بذلك اعلامهم انه ناصرهم وان عليهم ان يحبّوه ويوالوه !!!

شعور الامام بالاولوية والاحقية

وفي ص٢١: « وبالرغم من شعور الامام علي بالأحقّية والأولوية في الخلافة، إلاّ أنّه عاد فبايع أبا بكر، وذلك عندما حدثت الردّة، حيث مشى إليه عثمان بن عفان فقال له: « يا ابن عم، إنّه لا يخرج أحد إلى قتال هؤلاء وأنت لم تبايع » ( المرتضى، الشافي، ج٣ ص ٢٤٢ ) فأرسل إلى أبي بكر أن يأتيه فأتاه أبو بكر فقال له: « والله ما نفسنا عليك ما ساق الله إليك من فضل وخير، ولكنّا كنّا نظنّ أن لنا في هذا الأمر نصيباً استبدّ به علينا »، وخاطب المسلمين قائلاً: « إنّه لم يحبسني عن بيعة أبي بكر ألاّ أكون عارفاً بحقّه، ولكنّا نرى أنّ لنا في هذا الأمر نصيباً استبدّ به علينا » ثمّ بايع أبا بكر، فقال المسلمون: اصبت واحسنت ».

يروي الكاتب هاتين الروايتين عن المرتضى في الشافي وكأنه هو الراوي لها مع انه رواها ضمن مجموعة من الروايات في نفس القضية عن البلاذري وقد قال فيه: « وحاله في الثقة عند العامة والبعد عن مقاربة الشيعة والضبط لما يرويه معروف »(٢) . وغرض الشريف من نقل هذه الروايات اثبات ان بيعتهعليه‌السلام لم تكن بطيب خاطر وتأييد لخلافة ابي بكر ولذلك قال في ذيل الحديث المذكور: « ومن تأمل هذا الخبر وما جرى مجراه علم كيف وقعت الحال في البيعة وما الداعي اليها ولو كانت الحال سليمة والنيات صافية والتهمة مرتفعة لما منع عمر ابا بكر ان يصير الى اميرالمؤمنينعليه‌السلام وحده » وهذا امر ورد في الخبر المذكور ولم ينقله الكاتب لانه ينافي غرضه الذي يتوخاه من نقل الحديثين المذكورين. صدر الرواية هكذا: عن عائشة قالت: « لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة بعد ستة

____________________

(١) للاطلاع راجع الغدير ١: ٢٧٠.

وانظر: مسند أحمد بن حنبل: ٤/٢٨١، وذكره عن أحمد في كنز العمّال: ٦/٣٩٧، فضائل أحمد: ١١١، ١٦٤، مصنّف ابن أبي شيبة: ١٢/٧٨/١٢٦٧، تاريخ بغداد: ٨/٢٩٠، البداية والنهاية: ٥/٢١٠، مناقب الخوارزمي: ٩٤، كفاية الطالب: ٦٢، فرائد السمطين: ١/٣٨، ٧١. الرياض النضرة: ٢/١٦٩، وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل: ١٠٩ ( مخطوط ).

(٢) الشافي ٣: ٢٤٠.

٢٦

اشهر فلما ماتت ضرع (!) الى صلح ابي بكر فأرسل اليه ان يأتيه فقال عمر: لا تأته وحدك قال وماذا يصنعون بي....».

ثم يفسر الكاتب ما نفث به صدر الامامعليه‌السلام طيلة ايام خلافته من شكاوى عما صنع به القوم بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول: « ولا شك ان تمنع الامام علي من المسارعة إلى بيعة أبي بكر كان بسبب أنّه كان يرى نفسه أولى وأحقّ بالخلافة وهو كذلك، أو كان يرى ضرورة مشاركته في الشورى وعدم جواز الاستبداد بها دونه، وقد سأله رجل من بني أسد: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به ؟ فقال: يا أخا بني أسد... أما الاستبداد بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً والأشدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نوطاً، فإنّها كانت أثرة شحّت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين ».

ينقل الكاتب هنا بعض الاخبار والخطب مما يوهم انهعليه‌السلام انما كان يرى نفسه احق بالخلافة من جهة الفضل والعلم والجهاد ولا يدعي نصاً على نفسه وانما كان يؤمن بالشورى كمبدأ لتعيين الخليفة ولذلك بايع ابابكر فلنلاحظ الاخبار والخطب:

١ - خطبة ١٦٢ من نهج البلاغة وهي التي نقلناها آنفاً عن الكاتب. وقد قال الامام بعد الجملة المذكورة « والحكم الله والمعود اليه يوم القيامة... » ولنتأمل الخطبة هل معنى العبارة ان الامام يؤمن بالشورى كمبدأ لتعيين الخليفة ؟ فلو صح ذلك فلماذا يشكو الامام المتقمصين للخلافة ؟ وما ذنبهم اذا كان الناس اختاروهم للقيادة ؟ أليس الواجب عليهم القيام باعبائها اذا اختارتهم الامة فلماذا يعبر الامام عنها بالاثرة. والأثرة: الشيء يؤخذ ممن هو حق له او نفس الأخذ من دون استحقاق، وفي الفائق انه الاستئثار بالفيء وغيره. وفي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله للانصار: « انكم ستلقون بعدي اثرة فاصبروا ». واعتقاد الامام انه احق بالخلافة واصلح لها حسب نظرية الشورى لا يعني الا ان الاولى للناس ان يختاروه اماماً فان لم يفعلوا فلا شيء عليهم ولا على الذي يختارونه وليست هنا خلافة مغتصبه او وضع في غير محله فان محله هو الذي يختاره الناس سواء اصابوا الاصلح ام اخطأوا بل لا يجب عليهم ان يتحروا الاصلح فلماذا هذه الشكاوى وممن ؟ ولماذا التعبير بان نفوساً شحت عليها وبخلت بها لو لم يكن لهعليه‌السلام حق ثابت ؟ ولماذا يهددهم بان الحكم الله واليه يوم القيامة ؟

ثم يتابع الكاتب فيروي الخطبة الشقشقية متقطعة ونحن نرويها كاملة ليتضح الامر:

« أما والله لقد تقمصها فلان ( وفي نسخة ابن ابي قحافة ) وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحا. ينحدر عنّي السّيل، ولا يرقى إليّ الطّير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً. وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصّغير ،

٢٧

ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه!

فرأيت أنّ الصّبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجاً، أرى تراثي نهباً، حتّى مضى الأوّل لسبيله، فأدلى بها إلى فلان ( وفي نسخة ابن الخطاب ) بعده. ثم تمثل بقول الاعشى:

شتّان ما يومي على كورها

ويوم حيّان أخي جابر

فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته - لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ! - فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصّعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحّم، فمني النّاس - لعمر الله - بخبط وشماسٍ. وتلوّن واعتراض، فصبرت على طول المدّة. وشدّة المحنة، حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم. فيالله وللشورى ! متى اعترض الرّيب في مع الأول منهم حتّى صرت أقرن إلى هذه النّظائر ! لكنّى أسففت إذ أسفوا. وطرت إذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هنٍ وهنٍ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته !

فما راعني إلاّ والناس كعرف الضّبع إلي، ينثالون علي من كل جانبٍ، حتى لقد وطىء الحسنان، وشقّ عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم. فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون: كأنّهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: « تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّا في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين » بلى ! والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدّنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها !

أما والّذي فلق الحبّة، وبرأ النّسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود النّاصر، وما أخذ الله على العلماء ألاّ يقاروا على كظّة ظالم. ولا سغب مظلومٍ، لالقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ !(١)

ونستعرض الآن العبارات التي وردت في هذه الخطبة وتدل على انهعليه‌السلام يرفض الشورى ولا يرى لغيره حقا بالخلافة لا بشورى ولا بغيرها ويعتقدانه حق غصب منه:

١ - تقمصها... اي لبسها ولا يحق له ذلك... ولو كان الامر موكولاً الى الناس يختارون من يريدون حسب نظرية الشورى لكانت الخلافة بعد اختيارهم - كما يزعمه الزاعمون - حقا له وليس قميصاً لغيره لبسه ابن ابي قحافة غصبا وظلماً.

____________________

(١) شرح نهج البلاغة لمحمد عبدة ١: ٣٤ ( الخطبة الشقشقية ).

٢٨

٢ - وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحى. يشبه الامامعليه‌السلام الخلافة والامامة بالرحى ونفسه الزكية بقطبها والرحى لا تدور الاّ على قطبها فهو يرى لنفسه منزلة لا يمكن للخلافة الا ان تدور عليه وتكون بيده سواء اراد الناس أم ابوا ولو كان الامر موكولاً الى الناس لم يكن لاحد منزلة القطب في رحى الخلافة وانما القطب لها من اختاره الناس سواء كان صالحاً ام غير صالح اذ لا حق لاحد خارج نطاق الشورى وانتخاب الناس. والطريف ان الامامعليه‌السلام يعلن بان ابابكر يعلم ذلك ومن اين علمه ابوبكر مع انهم كانوا يزعمون ان عليّا شاب لا ترضى بزعامته مشايخ العرب فلا معنى لهذه الجملة الا الاشارة الى النص الذي كان يعلم به ابوبكر كما يعلمه سائر الصحابة.

٣ - وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذّاء... هذه العبارة تدل بوضوح على انهعليه‌السلام لو كانت له يد قادرة على الحرب واعوان على الصولة على القوم لحاربهم وقاتلهم واخذ منهم الزعامة بالقوة وانما منعه عن ذلك فقد انصار اقوياء يبذلون النفس في سبيل الحق. وعلى ماذا يقاتل الامام لو لم يكن له حق مغصوب مسلوب ؟! ولو كان الامر شورى وبانتخاب الناس فالحق هو ما اختاروه ولم يكن هناك ما يبرر الصولة على القوم والاطاحة بهم فهذه الجملة صريحة في ان لهعليه‌السلام حقا ثابتا في زعامة المسلمين ليس لاحد ان يغتصبه سواء تجمعت الامة على احد ام تفرقوا.

وقد تكرر من الامامعليه‌السلام القول بهذا المضمون فمنها قوله في الخطبة(٥) من نهج البلاغة: « ايها الناس شقّوا أمواج الفتن بسُفن النجاة، وعرِّجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناحٍ، أو استسلم فأراح، ماءٌ آجن، ولقمة يغصّ بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزَّارع بغير أرضه، فإن أقُل يقولوا: حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا: جزع من الموت.

هيهات بعد اللتيا والتي! والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه، بل اندمجت على مكنون علم لو بُحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة ».

قال ابن ابي الحديد في ذيل الخطبة: « لما قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واشتغل عليّعليه‌السلام بغسله ودفنه، وبويع أبو بكر، خلا الزبير وأبو سفيان وجماعة من المهاجرين بعبّاس وعليعليه‌السلام لإجالة الرأي، وتكلّموا بكلام يقتضي الاستنهاض والتهييج، فقال العباسرضي‌الله‌عنه : قد سمعنا قولكم فلا لِقلّة نستعين بكم، ولا لِظنّةٍ نترك آراءكم، فأمهلونا نراجع الفكر، فإن يكن لنا من الاثم مخرج يصرّ بنا وبهم الحقّ صرير الجُدجد، ونبسط إلى المجد أكفّاً لا نقبضها أو نبلغ المدى، وإن تكن الاُخرى، فلا لِقلّة في العدد ولا لوَهنٍ في الأيد، والله لولا أنّ الاسلام قيّد الفتك، لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العليّ.

٢٩

فحلّ عليعليه‌السلام حبوته، وقال: الصبر حلم، والتقوى دين، والحجّة محمد، والطريق الصراط، ايها الناس شُقّوا أمواج الفتن.... ( الخطبة ).... فدخل الى منزله وافترق القوم »(١) .

وفي تذكرة ابن الجوزى: « لما دفن رسول الله.... ونقل الخطبة باختلاف »(٢) .

وقولهعليه‌السلام : افلح من نهض بجناح واستسلم فأراح كالصريح في أنه لو كان له جناح لنهض وقام بالسيف ولكن حيث لا جناح له فهو يستسلم ليريح الناس ولا يوجب ازعاجهم دون جدوى.

وفي الشطر الاخير من الخطبة بينعليه‌السلام ان استسلامه ليس خوفاً من الموت وقد أنس به مليّاً في خضمّ الحروب فهو آنس به من الطفل بثدي امه ولكنه انطوى على مكنون علم يمنعه من المطالبة بالقوة وهو - كما بينه في مواضع كثيرة - خوف الفتنة وانقسام المسلمين، والضغائن الجاهلية بعدُ كامنة في النفوس، فان وجدت لها مخرجا فارت، وعاد الامر جذعة، وارتد الناس الى الجاهلية، والمنافقون يكيدون للدين الحديث المكائد، وفي المسلمين سمّاعون لهم. والخطر محدق بهم من الخارج ايضاً حيث الامبراطوريات المهدّدة تحاول انتهاز الفرص للقضاء على كل خطر يهدد كيانها. ولذلك ردّ الامامعليه‌السلام اقتراح أبي سفيان بانه يملأ المدينة خيلاً ورجلاً.

وقولهعليه‌السلام في الخطبة(٢٦) : « فنظرت فاذا ليس لي معين إلاَّ اهل بيتي فضننت بهم عن الموت واغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على اخذ الكظم وعلى أمرَّ من طعم العلقم »(٣) .

ومثله على اختلاف يسير الخطبة ٢١٧ ففيها: « فنظرت فاذا ليس لي رافد ولا ذابّ ولا ساعد الا اهل بيتي فضننت بهم عن المنيّة فاغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجا وصبرت من كظم الغيظ على امرّ من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار »(٤) .

٤ - أرى تراثي نهباً. وهذه الجملة ايضا صريحة في ان الامامعليه‌السلام كان يرى نفسه وارث الزعامة والولاية فهو لم يتحدث هنا عن ارث المال ولم يكن هو وارث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شرعاً لو كان له مال موروث بل كان المال لزوجاته وابنته مع أن كلامه هنا يدور حول الخلافة وتقمص ابي بكر لها فهي التراث المنهوب وهذا صريح في ان خلافة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فى الولاية والأقرة على المسلمين ليست حقا للناس يختارون من شاؤوا بل تراث يورثه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من شاء وانه اورثها

____________________

(١) نهج البلاغة ١: ٢١٨.

(٢) تذكرة الخواص: ١٢٨، البحار ٢٨:٢٣٣.

(٣) نهج البلاغة ١: ١٢٢.

(٤) نهج البلاغة، صبحي الصالح: ٣٣٦.

٣٠

علياعليه‌السلام بالنص وانّهم غصبوها منه كما قالعليه‌السلام في خطبة اخرى: « فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً عليّ منذ قبض الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يومنا هذا »(١) .

٥ - فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته اذ عقدها لآخر بعد وفاته لشدّ ما تشطّرا ضرعيها... حيث إنّ الامامعليه‌السلام لم يتعجب منه كيف عقد الخلافة لآخر ولم يترك الامر للشورى وانتخاب الناس ولو كان الامام يؤمن بالشورى كمبدأ لتعيين الخليفة لكان هذا هو وجه العجب حيث استند ابوبكر في شرعية خلافته الى الشورى - كما يزعمون - ثم عيّن الخليفة من بعده بالنص ولكنهعليه‌السلام لم يبد عجبا من ذلك وانما تعجب منه كيف عقدها لآخر وهو يستقيل منها في حياته ويشير بذلك الى قول ابي بكر في خطبة له: « اقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم »(٢) .

ويستشهد الكاتب بعد ذلك بهذه الرواية المروية عن زيد بن علي عن الامام اميرالمؤمنينعليه‌السلام يقول: « بايع الناس أبابكر وأنا أولى بهم مني بقميصي هذا فكظمت غيظي وانتظرت امري والزقت كلكلي بالارض » يروي الكاتب هذه القطعة من الحديث عن الشافي للشريف المرتضىرحمه‌الله ( ٣: ١١٠ ) ونحن ننقله كاملاً: «... ثم ان ابابكر هلك واستخلف عمرو قد والله علم أني اولى بالناس مني بقميصي هذا فكظمت غيظي وانتظرت امري ثم ان عمر هلك وجعلها شورى وجعلني فيها سادس ستة كسهم الجدّة فقال: اقتلوا الاقلّ فكظمت غيظي وانتظرت امري والزقت كلكلي بالارض حتى ما وجدت الا القتال او الكفر بالله ».

ويعقب الكاتب على نقل هذه الخطب والكلمات بقوله: « وفي هذه الخطب يشير الامام علي بن ابي طالب الى اولويته بالخلافة واحقيته بها وان اهل البيت هم الثمرة اذا كانت قريش شجرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يشير الى مسألة النص عليه من رسول الله او تعيينه خليفة من بعده... ».

وقد تبين بما مرّ انهعليه‌السلام لا يقصد بهذه العبارات انه اولى بالخلافة بل ان الخلافة حق له غصب منه وكذلك كلامه هذا فانه لا يقول: « وانا اولى بها منهم » كما يتوهمه او يوهمه الكاتب بل يقول: « وانا اولى بهم مني بقميصي هذا » كما صرح بذلك في عبارته التالية « وقد والله علم ( يعني ابابكر ) أني أولى بالناس مني بقميصي هذا... » ومن المعلوم انهعليه‌السلام يملك قميصه فمراده بهذا الكلام ليس اولويته بالخلافة بل المراد انه اولى بالناس من الناس أنفسهم وانه يملك امورهم اكثر مما يملك قميصه.

____________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ٦.

(٢) الإمامة والسياسة ١: ٢٢، كنز العمال ٥: ٥٨٨ ح ١٤٠٤٦، تاريخ الطبري ٣: ٢١٠، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ١: ١٦٩.

٣١

فهذه العبارة غاية في الدلالة والصراحة بانهعليه‌السلام ولي أمر الناس ولاية مطلقة عامة شاملة لجميع شؤونهم ولاية تفوق ملكية الانسان لقميصه الذي يلبسه. هل يمكن ان يحصل هذه الولاية لانسان على الناس الا بجعل من الله تعالى ؟! من الواضح ان ولاية كهذه لاتحصل بانتخاب الناس واختيارهم مع انهم لم يختاروه خليفة وقائداً. فانظر مدى الفرق بين مفاد كلام الامام وما يروم الكاتب ان يحمل عليه كلامهعليه‌السلام .

ثم قال الكاتب: « وينقل الكليني رواية عن الامام محمد الباقر يقول فيها ان الامام عليا لم يدع الى نفسه وانه اقرّ القوم على ما صنعوا وكتم امره » وما وجدت هذا الحديث في الموضع الذي اشار اليه الكاتب اي الروضة من الكافي: ٢٤٦ ولا في مواضع اخرى تعد من مظانّه رغم البحث والفحص ومهما كان فلا يزيد هذا الحديث شيئاً على ما ذكر فمن الواضح انه عليهعليه‌السلام لم يدع الى نفسه علانية بحيث يوجب شق عصا المسلمين وهو الذي يقول لما عزم القوم على بيعة عثمان: « لقد علمتم أنّي احقّ الناس بها من غيري ووالله لاسلمنّ ما سلمت امور المسلمين ولم يكن فيها جور الاّ عليّ خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه » الخطبة ٧٤. وغير ذلك مما قالهعليه‌السلام في ذلك.

يقول الكاتب: « واذا كان حديث الغدير يعتبر أوضح وأقوى نصّ من النبي بحقّ أمير المؤمنين، فإنّ بعض علماء الشيعة الإمامية الأقدمين، كالشريف المرتضى، يعتبره نصّاً خفياً غير واضح بالخلافة، حيث يقول في الشافي: « إنّا لا ندّعي علم الضرورة في النص، لا لأنفسنا ولا على مخالفينا، وما نعرف أحداً من أصحابنا صرّح بادعاء ذلك »(١) .

من الغريب والمخجل ان ينسب الى الشريف ذلك وفي هذا الموضع بالذات من كتابه وهو انما يحاول فيه اثبات النص على خلافة اميرالمؤمنينعليه‌السلام ويرد على قاضي القضاة المعتزلي فلننظر ماذا يقول الشريف ليتبين مدى مراوغة الرجل:

قال الشريف قبل هذه العبارة بصفحات أي في الصفحة ٦٥: « الذي نذهب اليه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على أمير المؤمنينعليه‌السلام بالامامة بعده، ودلّ على وجوب فرض طاعته ولزومها لكلّ مكلّف، وينقسم النصّ عندنا في الأصل إلى قسمين أحدهما يرجع إلى الفعل ويدخل فيه القول، والآخر إلى القول دون الفعل. فأمّا النصّ بالفعل والقول، فهو ما دلّت عليه أفعالهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأقواله المبينة لأمير المؤمنينعليه‌السلام من جميع الاُمّة، الدالّة على استحقاقه من التعظيم والاجلال

____________________

(١) تطور الفكر.... ص ٢٢.

٣٢

( الى ان قال في ص٦٧ ):

« فأمّا النص بالقول دون الفعل ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: ما علم سامعوه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله مراده منه باضطرار، وإن كنّا الآن نعلم ثبوته والمراد منه استدلالاً وهو النصّ الذي في ظاهره ولفظه الصريح بالإمامة والخلافة، ويسمّيه أصحابنا النصّ الجلي كقولهعليه‌السلام « سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين »، و « هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا »(١) .

والقسم الآخر: لا نقطع على أن سامعيه من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله علموا النصّ بالاِمامة منه اضطراراً ولا يمتنع عندنا أن يكونوا علموه استدلالاً من حيث اعتبار دلالة اللفظ، وما يحسن أن يكون المراد أو لا يحسن.

فأمّا نحن فلا نعلم ثبوته والمراد به إلاّ استدلالاً كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» و « من كنت مولاه فعليّ مولاه »، وهذا الضرب من النص هو الذي يسمّيه أصحابنا النصّ الخفيّ.

ثمّ النصّ بالقول ينقسم قسمة اُخرى إلى ضربين:

فضرب منه تفرّد بنقله الشيعة الإمامية خاصة، وإن كان بعض من لم يفطن بما عليه فيه من أصحاب الحديث قد روى شيئاً منه، وهو النصّ الموسوم بالجليّ.

والضرب الآخر رواه الشيعي والناصبي وتلقاه جميع الاُمّة بالقبول على اختلافها، ولم يدفعه منهم أحد يحفل بدفعه يعد مثله خلافاً وان كانوا قد اختلفوا في تأويله وتباينوا في اعتقاد المراد به وهو النصّ الموسوم بالخفي الذي ذكرناه ثانياً »(٢) .

لاحظ هذه العبارة فانه يقول ان النص بالقول على قسمين قسم اوجب العلم الضروري للسامعين في ذلك الوقت وان كان لا يوجب لنا في هذا الزمان علماً ضرورياً لعدم وجود القرائن الحالية الدخيلة في وضوح الدلالة اولم يثبت وقوعه لنا بعلم ضروري ولكنا نعلمه ونعلم دلالته ايضاً بعلم استدلالي. فالفرق بيننا وبينهم انهم يعلمون به وبدلالته ضرورة بمعنى انه لا يحتاج ايجابه للعلم والقطع الى استدلال وترتيب مقدمات لانهم كانوا شاهدين على ذلك فلا حاجة الى اثبات تواتره ولان القرائن الحالية توجب القطع بالمراد واما نحن فيمكننا تحصيل العلم والقطع بذلك ولكن بعد استدلال وترتيب مقدمات يوجب

____________________

(١) وهو حديث يوم الدار، انظر تاريخ الطبري ٢: ٣٢١.

(٢) الشافي ٢: ٦٥ - ٦٨.

٣٣

اثبات تواتر النقل ووضوح الدلالة. فهذا هو الفرق بين النص الجلي والنص الخفي عنده وعند اصحابنا كما يقول.

ولنعد الآن الى عبارته التي نقلها الكاتب وننقل ما قبلها وما بعدها ليتضح المراد:

« قال صاحب الكتاب: ( اي قاضي القضاة المعتزلي ): فان قيل انّا ندَّعي هذا الجنس من الاضطرار لمن فتّش عن الأخبار وأزال عن قلبه الشبهة، ولم يسبق إلى اعتقاد فاسدٍ، فأمّا من حصل فيه بعض هذه الوجوه لم يحصل له الضرورة، ولذلك يحصل الاضطرار لطوائف الشيعة ولا يحصل للمخالفين.

قيل لهم: إذا كان ذلك هو الحجّة وقد أقررتم أنّه لا يحصل للمخالف فيجب أن يكونوا في أوسع العذر في مخالفتكم وأن لا يلحقهم الذم بذلك.

فان قالوا: إنّما نذمّهم من حيث اعتقدوا إمامة غير أمير المؤمنينعليه‌السلام لشبهة.

قيل لهم: فيجب أن لا يلحق من شكّ في ذلك وتوقّف الذم ويكون معذوراً في ذلك وذلك ينقض أصلهم في الإمامة لأنّهم يحعلونها من أعظم أركان الدين وأصلاً لسائر الشرائع ( فكيف يصحّ أن لا يعلمها من خالفهم مع علمه بفروع الدين التي هي الصلاة والصيام وغير ذلك ).

يقال له: قد بيّنا أنا لا ندّعي علم الضرورة في النص لا لأنفسنا ولا على مخالفينا، وما نعرف أحداً من أصحابنا صرّح بادّعاء ذلك ولكنّا نكلّمك على ما يلزمك دون ما نذهب إليه ونعتقده حقّاً.

أمّا ادّعاؤك أن يكون المخالف لنا في أوسع العذر إذا لم يعرف النص ضرورة، فباطل لا يدخل في مثله شبهة على مثلك لأنّا إنّما ألزمناك أن يرتفع العلم الضرورة عنهم بالنصّ على وجهٍ كانوا فيه هم المانعين لأنفسهم منه، وهم مع كونهم مانعين من وقوعه متمكنون من إزالة المانع، والخروج عمّا ارتفع من أجله العلم بالنصّ من الشبهة أو السبق إلى الاعتقاد، ولو شاءوا لفارقوا ذلك فوقع لهم العلم الضروري، فكيف يجب على هذا أن يكونوا معذورين... »(١) .

وخلاصة القول ان قاضي القضاة يدعي ان العلم الضروري بالنص من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله على خلافة عليعليه‌السلام انما يحصل لمن فتش الاخبار وبحث عن النص ولم يكن على شبهة وعقيدة مخالفة قبل ذلك ولا يحصل العلم الضروري لمن لم يفتش عنها او فتش وكان على اعتقاد راسخ بعدم وجود النص فانه يأول ما يراه او يمنع حصول التواتر وعلى ذلك فهو معذور في عدم حصول العلم له واذا كان كذلك فيأتي الاشكال في اصل ثبوت النص بانه كيف لم يحصل الشك والشبهة للمسلمين جميعاً المعترفين بالنبوة في وجوب الصلاة والصوم وحصل لهم الشك في ثبوت نص الخلافة ولم يحصل

____________________

(١) الشافي ٢: ٩٧ - ٩٨.

٣٤

العلم الضروري الا للشيعة وبذلك يتبين انه لا يوجد نص يوجب العلم الضروري بذلك. هذا خلاصة مدعى القاضي.

ويرد عليه الشريف بانا لا ندعي العلم الضروري بالنص لا لنا ولا لمخالفينا بل ندعى ان هذه الاخبار الواردة من طرقكم - ولا نكلّمك على ما نعتقده حقاً - يوجب العلم الاستدلالي اي يحصل العلم بعد ملاحظة الحجج والادلة المثبتة لصحة الاخبار وتواترها ووضوح دلالتها واما قولك: « ان من لم يلاحظ هذه الادلة فهو معذور » غير صحيح لانهم هم المانعون عن تحقق هذا العلم لهم حيث لم يلاحظوا الادلة وكيفية دلالتها على وجه يوجب العلم الضروري لهم ولو من طريق الاستدلال وهذا لا يوجب عذراً.

وما ذكره الشريف صحيح وواضح جداً فان من سمع بالرسالات واحتمل ان يكون هناك شريعة وحساب ومعاد لا يجوز له عقلا التغافل عنه والاشتغال بملاهي الحياة الدنيا ولا يكون معذوراً امام الله تعالى بانه لم يثبت له بالعلم الضروري صحة ما جاء به الرسل فكما ان رجلا كهذا ليس معذوراً قطعاً كذلك لا يعذر المخالف الذي يتغاضى ويتجاهل وجود هذه النصوص ووجود كتب استدلالية علمية لعلماء الشيعة فلا يراجعها لئلا يحصل له العلم بفساد مذهبه الذي بنى عليه شؤون حياته.

وهكذا يتبين انّ ما رامه الكاتب ان يستفيده من عبارة حذف اولها وآخرها في كتاب الشافي للشريف المرتضى هو عكس ما يقصده الشريف تماماً.

قال الكاتب: « ولذلك فإن الصحابة لم يفهموا من حديث الغدير أو غيره من الأحاديث معنى النصّ والتعيين بالخلافة، ولذلك اختاروا طريق الشورى، وبايعوا أبا بكر كخليفة من بعد الرسول، ممّا يدلّ على عدم وضوح معنى الخلافة من النصوص الواردة بحقّ الاِمام علي، أو عدم وجودها في ذلك الزمان »(١) .

تبين مما مرّ في فصل نظام الشورى بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ان بيعة ابي بكر لم تقم على اساس الشورى وانما كانت فلتة وقى الله شرها كما يعتقد الشيخان ابوبكر وعمر. ومهما كان فلقائل ان يقول: ان البيعة وان لم تتم على اساس الشورى يومذاك الا ان المسلمين بايعوا تدريجياً فلم يختلف عليه اثنان وحصل الاجماع ولله الحمد !

ولكن الواقع ان ما حدث في ذلك العهد كان اشبه شيء بانقلاب عسكري لم يترك مجالاً لاحد ان يبدي رأيه او يخالف من دعي باسم خليفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فان ذلك كان يعدّ شقاً لعصا

____________________

(١) تطور الفكر... ص ٢٢.

٣٥

المسلمين ومبرراً لسفك دمه ومع ذلك فان هناك من لم يبايع اصلاً كسعد بن عبادة ومن بايع كرهاً وهم جماعة كثيرة اعلنوا كراهتهم وعلى رأسهم اميرالمؤمنينعليه‌السلام ويكفيك دليلاً على ذلك مامرّ من خطبه اللاذعة التي صرح فيها بانه لم يكن مكرهاً فحسب بل كان عازماً على ثورة دموية تقلب نظام الحكم ولكنه لم يستطع لخذلان الناس اياه وقد ورد في الروايات انه كان يسير على نوادي الانصار ليلا ومعه سيدة النساء سلام الله عليها يستنصرهم على غاصبي حقه فكانوا يعتذرون بسبق بيعتهم لابي بكر وانهم لو سمعوا داعيته قبلها لا جابوا.

وقد ورد ذكر ذلك في كتاب معاوية الى اميرالمؤمنينعليه‌السلام حيث كتب: « وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويداك في يدي ابنيك حسن وحسين يوم بويع أبو بكر، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتهم إلى نفسك، ومشيت إليهم بامرأتك، وأدليت إليهم بابنيك، واستنصرتهم على صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يجبك منهم إلاّ أربعة أو خمسة، ولعمري لو كنت محقّاً لأجابوك ولكنك ادّعيت باطلاً، وقلت ما لا يعرف، ورمت ما لا يدرك، ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حرّكك وهيّجك « لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم » فما يوم المسلمين منك بواحد »(١) .

ومع ذلك فهناك من الصحابة من انكر على ابي بكر جلوسه على منبر الخلافة وان بايع بعد ذلك مكرهاً كما ورد من طرقنا وهم جماعة من المهاجرين والانصار منهم خالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن الاسود وابي بن كعب وعمار بن ياسر وابوذر الغفاري وسلمان الفارسي وعبدالله بن مسعود وبريدة الاسلمي وخزيمة بن ثابت وسهل بن حنيف وابو ايوب الانصاري وابو الهيثم بن التيهان وغيرهم(٢) .

الشورى عند امير المؤمنينعليه‌السلام

يحاول الكاتب ان يثبت ان اميرالمؤمنينعليه‌السلام كان يؤمن بالشورى كنظام لتعيين القائد وقد تبين بما ذكرناه في فصل « الشورى عند اهل البيتعليهم‌السلام » وفصل « شعور الامام بالاولوية والاحقية » انّهعليه‌السلام كان يرى لنفسه حقا ثابتاً بالنص وانه لو كان متمكناً من اخذ حقه بالقوة لحاربهم على ذلك ولو كان يرى ان ذلك حق للناس لم يكن لذلك مبرر وانما كان له الحق في ارشاد الناس وتوجيههم وبيان فضائله لهم ليختاروه ولم يكن له الحق في محاربة من اختاره الناس كما يزعمه

____________________

(١) شرح النهج ١: ١٣١، وج ٣: ٥، البحار ٢٨: ٣١٣.

(٢) راجع البحار ٢٨: ١٨٩ و ٢٠٨.

٣٦

دعاة الشورى.

ولكن الكاتب يحتج بدخول الامام في الشورى الذي عينها عمر لاختيار احدهم خليفة واحتجاجهعليه‌السلام بفضائله ودوره في خدمة الاسلام وعدم اشارته الى موضوع النص عليه او تعيينه خليفة من بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو كان حديث الغدير يحمل هذا المعنى لا شار الامام الى ذلك وحاججهم بما هواقوى من ذكر الفضائل ص ٢٣.

والجواب عن ذلك واضح، فان الإمام ما كان يمكنه هذا الاحتجاج في شورى عيّنها عمر إذ يستوجب ذلك القدح في خلافته وخلافة من سبقه وهو وان صرّح في مواطن عديدة بانهما غصبا حقّه إلاّ انّه لا يمكنه الاحتجاج في مثل هذه الشورى بذلك فانه انّما دخلها بعد التنازل عن حقّه الأول فلا يمكنه الاستناد إليه وهو انما دخل الشورى لئلا يقال انّ انتخاب عثمان انّما تم من جهة عدم اشتراك عليعليه‌السلام في الشورى فلو كان لم يدخل في الشورى لاعترض عليه الناس بذلك فأراد أن يقطع عذرهم ويبطل احتجاجهم ليظهر للناس انّ انتخاب عثمان انّما كان حسب مكيدة لمبتكر الشورى.

اذن فدخوله في الشورى لا يدل على قبوله لها، مع انّ هذه الشورى ليست شورى واقعية فلم يشترك فيها المسلمون بأجمعهم، ولا المهاجرون والأنصار، بل ولا جميع أهل الحل والعقد، مع انّ كل ذلك تخصيص بلا مبرر، ثمّ اختيار هذه المجموعة بما فيهم عبد الرحمن بن عوف مع تمايله إلى صهره عثمان - كما ذكره الإمام عليعليه‌السلام في الشقشقية - وترجيح المجموعة التي فيها عبد الرحمن بنصّ الخليفة من دون أي مبرر أو مرجح يكشف لنا المكيدة التي دبّرها الخليفة لازاحة الحق عن أهله، فهذه لم تكن شورى كيف ما تصورناها بل هي مكيدة سياسية، ودخول الامام فيها لا يفيد دعاة هذا النظام. واحتجاجه بفضائله دون النص أيضاً لا يدل على عدم النص لما ذكرناه من انّه لا يمكن الاحتجاج به في تلك المجموعة. وانما يصحّ أن يسأل عن وجه عدم استناد الامام إلى النص يوم السقيفة واحتجاجاً على الشيخين، دون يوم الشورى واحتجاجاً على مناوئيه ذلك اليوم. والواقع انّ الإمامعليه‌السلام استند إلى النصّ يوم السقيفة ولكنه خرج عن داره متأخراً، وبعد انتهاز الشيخين واتباعهما فرصة اشتغال الامامعليه‌السلام بتجهيز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومع ذلك فقد كان يخرج الامامعليه‌السلام من داره ليلاً يأخذ أهل بيته ويمر على ابواب الصحابة ويذكرهم بالنصوص التي صرّح بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنهم كانوا يعتذرون بسبق بيعتهم لأبي بكر، كما انّ الصحيح الوارد عن طرقنا انّ الإمامعليه‌السلام واصحابه الذين مر ذكرهم احتجوا على ابي بكر وعمر وحزبهما بالنصوص المذكورة ولكن لم يعيروا لذلك اهتماماً واستمروا على نهجهم محتجّين بانّ العرب لا ترضى ان تكون النبوّة والخلافة في

٣٧

بيت واحد، والملاحظ المنصف يحصل له القطع بانّ الشيخين لم يكتفيا بمنع عليعليه‌السلام حقّه بل حاولا أن لا ينال علي ذلك بعد وفاتهما أيضاً، فتجد انّها احتجا عليه بانّه شاب وان مشيخة الصحابة لا يرضون بتأمّر شاب عليهم ومع ذلك فلم يرض عمر أن يجعل الخلافة له من بعده ولم يكن الامام آنذاك شاباً، بل حاول بالمكيدة التي ذكرنا شطراً منها في تعيين عناصر الشورى أن يمنعه من الوصول إليه، ولو لم يقتل عثمان لما آل الأمر إليهعليه‌السلام بعده أيضاً.

هذا وهناك رأي آخر يسلّم انّ الامامعليه‌السلام لم يواجه الحاكمين بنصوص الخلافة ولكنه يرى انّ هناك مبررات لهذا السكوت، ومع انّا لا نوافق على ذلك، بل نعتقد انّ الامام وأصحابه وأهل بيته بما فيهم سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها جابهوا الحاكمين بل وسائر الصحابة بتلك النصوص كما مرّ ذكره ولكنا نذكر هذه الفكرة لانها تستحق الدراسة والتأمّل ومن لم يطمئن بتصريح الامام، له أن يفسر ذلك بهذا الرأي.

يقول المفكر الاسلامي الكبير سيدنا الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه في كتابه القيّم « فدك في التاريخ »:

« ونحن نتبين من الصورة المشوشة التي عرفناها عن تلك الظروف والاوضاع ان الاعتراض بتلك النصوص المقدسة والاحتجاج بها في ساعة ارتفع فيها المقياس الزئبقي للافكار المحمومة والأهواء الملتهبة التي سيطرت على الحزب الحاكم الى الدرجة العالية كان من التقدير المعقول افتراض النتائج السيئة له لأن اكثر النصوص التي صدرت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن الخلافة لم يكن قد سمعها الا مواطنوه في المدينة من مهاجرين وأنصار فكانت تلك النصوص اذن الامانة الغالية عند هذه الطائفة التي لابد أن تصل عن طريقهم الى سائر الناس في دنيا الاسلام يومئذ والى الاجيال المتعاقبة والعصور المتتالية. ولو احتج الامام على جماعة أهل المدينة بالكلمات التي سمعوها من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأنه وأقام منها دليلاً على امامته وخلافته لكان الصدى الطبيعي لذلك أن يكذب الحزب الحاكم صديق الامة في دعواه وينكر تلك النصوص التي تمحو من خلافة الشورى لونها الشرعي وتعطل منها معنى الدين.

وقد لا يجد الحق صوتاً قوياً يرتفع به في قبال ذلك الانكار لأن كثيرا من قريش وفي مقدمتهم الامويون كانوا طامحين الى مجد السلطان ونعيم الملك وهم يرون في تقديم الخليفة على اساس من النص النبوي تسجيلا لمذهب الامامة الالهية، ومتى تقررت هذه النظرية في عرف الحكم الاسلامي كان معناها حصر الخلافة في بني هاشم آل محمد الاكرمين وخروج غيرهم من المعركة خاسرا. وقد نلمح

٣٨

هذا اللون من التفكير في قول عمر لابن عباس معللا اقصاء علي عن الامر: ان قومكم كرهوا ان يجمعوا لكم الخلافة والنبوة(١) فقد يدلنا هذا على أن اسناد الامر الى علي في بداية الامر كان معناه في الذهنية العامة حصر الخلافة في الهاشميين وليس لذلك تفسير اولى من أن المفهوم لجمهرة من الناس يومئذ من الخلافة العلوية تقرير شكل ثابت للخلافة يستمد شرعيته من نصوص السماء لا من انتخاب المنتخبين فعلي ان وجد نصيرا من علية قريش يشجعه على مقاومة الحاكمين فانه لا يجد منهم عضدا في مسألة النص اذا تقدم الى الناس يحدثهم ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد سجل الخلافة لأهل بيته حين قال: اني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي الخ.

وأما الانصار فقد سبقوا جميع المسلمين الى الاستخفاف بتلك النصوص والاستهانة بها اذ حدت بهم الشراهة الى الحكم الى عقد مؤتمر في سقيفة بني ساعدة ليصفقوا على يد واحد منهم فلن يجد علي فيهم اذا استدل بالنصوص النبوية جنودا للقضية العادلة وشهودا عليها لانهم اذا شهدوا على ذلك يسجلون على انفسهم تناقضا فاضحا في يوم واحد وهذا ما يأبونه على انفسهم بطبيعة الحال.

وليس في مبايعة الأوس لأبي بكر أو قول من قال: لا نبايع الا عليا مناقضة كتلك المناقضة لأن المفهوم البديهي من تشكيل مؤتمر السقيفة ان مسألة الخلافة مسألة انتخاب لا نص فليس الى التراجع عن هذا الرأي في يوم اعلانه من سبيل.

وأما اعتراف المهاجرين بالامر فلا حرج فيه لأن الأنصار لم يجتمعوا على رأي واحد في السقيفة وانما كانوا يتذاكرون ويتشاورون ولذا نرى الحباب بن المنذر يحاول بث الحماسة في نفوسهم والاستمالة بهم الى رأيه بما جلجل به في ذلك الاجتماع من كلام وهو يوضح انهم جمعوا لتأييد فكرة لم يكن يؤمن بها الا بعضهم.

واذن فقد كان الامام يقدر انه سوف يدفع الحزب الحاكم الى انكار النصوص والاستبسال في هذا الانكار اذا جاهر بها ولا يقف الى جانبه حينئذ صف ينتصر له في دعواه لان الناس بين من قادهم الهوى السياسي الى انكار عملي للنص يسد عليهم مجال التراجع بعد ساعات وبين من يرى ان فكرة النص تجعل من الخلافة وقفا على بني هاشم لا ينازعهم فيها منازع. واذا سجلت الجماعة الحاكمة وانصارها انكارا للنص واكتفى الباقون بالسكوت في الاقل فمعنى هذا ان النص يفقد قيمته الواقعية وتضيع بذلك مستمسكات الامامة العلوية كلها ويؤمّن العالم الاسلامي الذي كان بعيدا عن مدينة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على انكار المنكرين لانه منطق القوة الغالب في ذلك الزمان.

____________________

(١) راجع تاريخ الكامل ج ٣ ص ٢٤.

٣٩

ولنلاحظ ناحية اخرى فان عليا لو ظفر بجماعة توافقه على دعواه وتشهد له بالنصوص النبوية المقدسة وتعارض انكار الفئة الحاكمة كان معنى ذلك ان ترفض هذه الجماعة خلافة ابي بكر وتتعرض لهجوم شديد لكيانه السياسي الى حد بعيد فانه لا يسكت عن هذا اللون من المعارضة الخطرة فمجاهرة علي بالنص كانت تجره الى المقابلة العملية وقد عرفنا سابقا انه لم يكن مستعدا لا علان الثورة على الوضع القائم والاشتراك مع السلطات المهيمنة في قتال.

ولم يكن للاحتجاج بالنص اثر واضح من ان تتخذ السياسة الحاكمة احتياطاتها واساليبها الدقيقة لمحو تلك الاحاديث النبوية من الذهنية الاسلامية لانها تعرف حنيئذ ان فيها قوة خطر على الخلافة القائمة ومادة خصبة لثورة المعارضين في كل حين.

واني اعتقد أن عمر لو التفت الى ما تنبه اليه الأمويون بعد أن احتج الامام بالنصوص في ايام خلافته واشتهرت بين شيعته من خطرها لاستطاع أن يقطعها من اصولها ويقوم بما لم يقدر الأمويون عليه من اطفاء نورها وكان اعتراض الامام بالنص في تلك الساعة ينبهه الى ما يجب أن ينتهجه من أسلوب فأشفق على النصوص المقدسة أن تلعب بها السياسة وسكت عنها على مضض واستغفل بذلك خصومه حتى ان عمر « رضي الله تعالى عنه » نفسه صرح بأن عليا هو ولي كل مؤمن ومؤمنة بنص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

ثم ألم يكن من المعقول ان يخشى الامام على كرامة حبيبه وأخيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تنتقض وهي أغلى عنده من كل نفيس - اذا جاهر بنصوص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو لم ينس موقف الفاروق من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين طلب دواة ليكتب كتابا لا يضل الناس بعده أبدا، فقال عمر: ان النبي ليهجر أو قد غلب عليه الوجع(٢) ، وقد اعترف فيما بعد لابن عباس ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يريد أن يعين عليا للخلافة وقد صده عن ذلك خوفا من الفتنة(٣) .

وسواء أكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يريد ان يحرر حق علي في الخلافة اولا فان المهم ان نتأمل موقف عمر من طلبه فهو اذا كان مستعداً لاتهام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وجها لوجه بما ينزهه عنه نص القرآن وضرورة الاسلام خوفا من الفتنة فما الذي يمنعه عن اتهام آخر له بعد وفاته مهما تلطفنا في تقديره فلا يقل عن دعوى ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصدر عن أمر الله في موضوع الخلافة

____________________

(١) راجع ذخائر العقبى ص ٦٧.

(٢) للحديث مصادر كثيرة تكتفي بذكر واحد منها، راجع صحيح البخاري ١: ٣٧، باب كتابة العلم.

(٣) راجع شرح النهج ج ٢ ص ١١٤.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

مبحث الإمامة في الأُصول واحتجّ في ذلك الباب هو أبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ (٢٣٥-٣١١هـ)(١) ، ثمّ تأسّى به المتكلّمون الآخرون، وأدخلوا مبحث الإمامة في المباحث الكلاميّة في ذيل النبوّة.

اتّسع نطاق علم الكلام الشيعيّ بعد طبقة الورّاق، وابن الراونديّ، وآل نوبخت وطلاّبهم، وصنّف المتكلّمون الجدُد كتباً متعدّدة بمناهج وأساليب متنوّعة. وعلى الرغم من أنّ أُصول عقائدهم جميعاً واحدة، وكلّهم يتبعون أُصولاً مدوّنة من قبل المتكلّمين القدامى، لكنّهم كانوا يختلفون أيضاً في كثير من المواطن الجزئيّة، وكان لكلّ منهم مشربه الخاصّ به، وأصبح هذا الاختلاف بينهم في المسائل الكلاميّة حربةً بيد الإخباريّين لمهاجمتهم، وتصريحهم أنّ أُسلوب الكلام في معرفة الأحكام الدينيّة أُسلوب لا يوثق به، ولا يخلو من شبهة، وأراد قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراونديّ (المتوفّى سنة ٥٧٣هـ) شارح نهج البلاغة أن يثبت هذا الرأي فألّف رسالة في ذكر مواضع الخلاف بين الشيخ المفيد والشريف المرتضى، وذكر فيها خمسة وتسعين موضعاً. وقال: إنّه لو أراد أن يستوفي في هذا الباب لطال الكتاب(٢) .

وبعد ذكر هذه المقدّمات نتطرّق فيما يأتي إلى ترجمة مجملة للمتكلّمين الأوائل من الإماميّة أو المنسوبين إليهم ممّن سبق آل نوبخت في هذا المضمار، ويعدّ المتكلّمون النوبختيّون وسطاً بينهم وبين المتكلّمين الكبار في القرن الرابع والخامس.

____________________

١ - نخبة المقال ١٣٢.

٢ - بحار الأنوار ١: ١٥٥-١٥٦، وروضات الجنّات ٣٠١.

١٠١

١ - أبو جعفر مؤمن الطاق

(أواسط القرن الثاني)

كان أبو جعفر محمّد بن النُّعمان من موالي الكوفة، وعرف بمؤمن الطاق؛ لأنّه كان صرّافاً في طاق المحامل بالكوفة، ولقّبه المخالفون شيطان الطاق لحَوَلٍ كان في عينه، عاصر أبا حنيفة (٨٠-١٥٠هـ) وكان أحد أصحاب الإمام الصّادقعليه‌السلام (٨٣-١٤٨هـ)، عُدّ من قدماء شيوخ الشيعة ومن متكلّميهم الأُوَل، وجرت له مناظرات كثيرة مع أبي حنيفة ورؤساء المعتزلة والخوارج، وكان في عداد متكلّمي الشيعة الذين رُموا بعقيدة التشبيه، ونال منه المعتزلة على نحو خاصّ في هذا المجال(١) ، ولمّا كان مؤمن الطاق من قدماء الإماميّة الذين تكلّموا في ذات الباري تعالى وصفاته، وكان علم الكلام لم يدوّن بعد وفقاً لمذهبهم، فقد رفض بعض المتكلّمين من الإماميّة قسماً من عقائده(٢) ، وتوفّي مؤمن الطاق بعد الإمام الصادقعليه‌السلام ، وكان قد صنّف كتباً في تأييد مذهب الشيعة، وإثبات إمامة أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام حسب رأي الشيعة، ودَحْضِ آراء الخوارج والمعتزلة في هذا الحقل، والحُكْم على حرب الجمل وطلحة، والزبير، وعائشة، وكان أصحابه يُسمَّون النُّعمانيّة، أمّا مخالفوه فيُسمَّون الشَّيطانيّة.

للوقوف على سيرته وعقائده، انظر: رجال الكشّيّ: ١٢٢-١٢٦، ورجال النجاشيّ: ٢٢٨، والفهرست للشيخ الطوسيّ ٣٢٣، وفرق الشيعة: ٦٦، والفهرست: ١٧٦ طبعة ألمانيا، وص٨ من مُلحق طبعة مصر، والملل والنحل: ١٤٢-١٤٣، والفَرق بين الفِرق: ٥٣، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٣٧، ٤٢، ٥١، والانتصار: ٦

____________________

١ - الانتصار ٥٨.

٢ - الفهرست ١٧٦.

١٠٢

و٥٨، والفِصَل لابن حزم ٤: ٩٣، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤، وغيرها.

٢- هشام بن سالم الجواليقيّ

(النصف الثاني من القرن الثاني)

أبو الحكم هِشام بن سالم الجواليقيّ من موالي الكوفة، وكان من سبيّ الجَوزَجان، وهو أحد المعدودين في أصحاب الإمامين: الصادق والكاظمعليهما‌السلام ، وكان في بادئ أمره من القائلين بالتشبيه والصورة في التوحيد، وله آراء في الاستطاعة والمعصية لم يوافقه عليها سائر متكلّمي الشيعة، وصنّف هشام بن الحكم كتاباً في الردّ على بعض عقائده(١) .

للاطّلاع على سيرته وعقائده، تُنظَر الكتب الآتية: رجال الكشّيّ: ١٨١-١٨٤، رجال النجّاشيّ: ٣٠٥، وفهرست الشيخ الطوسيّ: ٣٥٦، وفرق الشيعة: ٦٦، وأُصول الكافي: ٣٧، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ: ٣٤، والملل والنحل: ١٤١-١٤٢، والانتصار: ٦ و٥٧، والفِصَل: ٤: ٩٣، والفَرق بين الفِرَق: ٥١-٥٢، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤، وبحار الأنوار ٢: ١٤٣-١٤٥، وغيرها.

٣- هشام بن الحكم

(وفاته سنة ١٩٩هـ)

أبو محمّد هِشام بن الحكم من موالي الكوفة، نشأ بواسط وترعرع فيها، ثمّ رحل منها إلى بغداد للتجارة، وكان في أوّل أمره من المرجئة ومن أتباع الجهم بن صفوان رئيس مرجئة خراسان (المقتول سنة ١٢٨هـ)، ثمّ أعرض عن هذه الفرقة

____________________

١- الفهرست ١٧٦.

١٠٣

وآمن بعقيدة الشيعة في الإمامة لأدلّة نظريّة، ثمّ أصبح من أجلّة أصحاب الإمام الصادقعليه‌السلام .

كان هشام بن الحكم من أكبر متكلّمي الإماميّة، وهو أوّل من تحدّث في مبحث الإمامة بأدلّة كلاميّة ونظريّة، ووجد حججاً سهلة لإثبات هذا الموضوع، وناظر أكابر المتكلّمين المخالفين في عصره وحاججهم، ولمّا كان من الشيعة القطعيّة - أي من الشيعة الذين قطعوا بوفاة الإمام الكاظمعليه‌السلام وذهبوا إلى إمامة ولده عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام على عكس الواقفة الذين وقفوا على إمامة الكاظمعليه‌السلام - فإنّه كان يناظر الواقفة، والخوارج، والمعتزلة باستمرار، وكان ذا بديهة، حاذقاً في علم الكلام.

نقل المسعوديّ أنّ عبد الله بن يزيد الأباضيّ كان بالكوفة تختلف إليه أصحابه يأخذون منه، وكان خرّازاً شريكاً لهشام بن الحكم، وكان هشام... يختلف إليه أصحابه من الرافضة يأخذون عنه، وكلاهما في حانوت واحد على ما ذكرنا من التضادّ في المذهب، ولم يَجرِ بينهما مسابَّة ولا خروج عمّا يوجبه العلم وقضيّة العقل وموجب الشرع وأحكام النظر والسير، وذكر أنّ عبد الله بن يزيد الأباضيّ قال لهشام بن الحكم في بعض الأيّام: تعلم ما بيننا من المودّة ودوام الشركة، وقد أحببتُ أن تُنكحني ابنتك فاطمة، فقال له هشام: إنّها مؤمنة، فأمسكَ عبد الله ولم يعاوده في شيء من ذلك، إلى أن فرّق الموت بينهما(١) .

كان هشام بن الحكم أحد مصنّفي الشيعة، وله كتب كثيرة في الموضوعات الدينيّة والتاريخيّة والأدبيّة، وعُدّ من الملازمين ليحيى بن خالد البرمكيّ؛ إذ كان دائم الحضور في مجالس المناظرة التي يعقدها هذا الوزير في بغداد، وكان هشام في أوّل أمره من القائلين بالجبر والتجسيم والتشبيه، ثمّ غيّر عقيدته نتيجة

____________________

١ - مروج الذهب ٢: ١٣٧، طبعة مصر.

١٠٤

لمصاحبته الإمام الصادق والإمام الكاظمعليهما‌السلام ، وتحامل عليه المعتزلة لاعتقاده بالتجسيم والتشبيه وحدوث العلم والبداء، ومن الذين تحاملوا عليه: الجاحظ، والخيّاط، والكعبيّ، وابن أبي الحديد، وكان الجاحظ أكثرهم نقلاً لأقواله(١) ، بل نسب إليه بعض المصنّفين الأوائل من الشيعة هذه الآراء كأبي محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ في كتاب (الآراء والديانات)(٢) ، بَيْد أنّ المتأخّرين منهم يَرَون أنّ هذه تهم رُمي بها هشام، وردّوا عليها بشدّة، ومن هؤلاء: الشريف المرتضى في كتاب الشافي في الإمامة، وصاحب تبصرة العوامّ(٣) ، وسمّى أصحابُ الملل والنحل أتباعَ هشام بن سالم، وهشام بن الحكم بالهشاميّة.

للاطّلاع على سيرة هشام وعقائده وكتبه، انظر: رجال الكشّيّ: ١٦٥-١٨١. ورجال النجاشيّ: ٣٠٥-٣٠٦. والفهرست للشيخ الطوسيّ ٣٥٥-٣٥٦. والفهرست: ١٧٥-١٧٦ من الطبعة الألمانيّة وص٧ من ملحق طبعة مصر، وفرق الشِّيعة: ٦٦، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٣١-٥٥، والملل والنحل: ١٤١-١٤٢، وأُصول الكافي: ٣٧، وكمال الدين وتمام النعمة: ٢٠٦-٢٠٩، والفَرق بين الفِرَق: ٤٨-٥١.

وتبصرة العوامّ: ٤١٩-٤٧٠، والانتصار: ٦، ٤٠-٤١، ١٢٣-١٢٤، ١٠٨-١٠٩، ١٢٥-١٢٦، ١٥٧-١٥٨. والفِصَل لابن حزم ٤٠: ٩٣ و١٥٧. وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤-٢٩٥، ومروج الذهب ٢: ١٣٧ طبعة مصر، وبحار الأنوار ٢: ١٤٣-١٤٥، وغيرها.

____________________

١ - الانتصار: ٤١، ٦٠، ١٤١، ١٤٢، ومقالات الإسلاميّين الأشعريّ: ٣١-٣٤.

٢ - بناءً على ما نقل ابن أبي الحديد عن ذلك الكتاب ١: ٢٩٥.

٣ - الشافي: ١٢، تبصرة العوام: ٤١٩.

١٠٥

٤ - أبو الحسن عليّ بن ميثم التمّار

(النصف الثاني من القرن الثاني)

أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن شُعيب بن ميثم التّمار، من أبناء الموالي بالكوفة، وكان جدّه أبو سالم ميثم من الفرس القاطنين فيها، ومن أجلّة أصحاب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قتله عبيد الله بن زياد بالكوفة قبل قدوم الإمام الحسينعليه‌السلام إلى العراق بعشرة أيّام.

كان أبو الحسن الميثميّ من الطبقة الأُولى لمتكلّمي الشيعة، ومن المعاصرين لهشام بن سالم وهشام بن الحكم، ولرؤساء المعتزلة الكبار كأبي الهذيل العلاّف (المتوفّى سنة ٢٢٧ أو ٢٣٥)، وأبي إسحاق إبراهيم النظّام (المتوفّى في سنة ٢٢١ و٢٣١)، وعليّ الأسواريّ، وله مناظرات كثيرة مع معتزلة عصره. وهو أوّل من تكلّم وفقاً لعقائد الإماميّة وحاجج المخالفين بالأدلّة العقليّة والبراهين النظريّة(١) .

وله كتب أشهرها كتاب في الإمامة باسم الكامل، والآخر مجالس هشام بن الحكم، وكان قد جمعه.

للاطّلاع على سيرته وعناوين كتبه، انظر: الفهرست: ١٧٥، ورجال النجاشيّ: ١٧٦، وفهرست الشيخ الطوسيّ: ٢١٢، وكتاب الانتصار: ٦، ٩٩، ١٤٢، ١٧٧، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ: ٤٢ و٥٤، وكتاب الفصول للشريف المرتضى (مخطوط)، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٤، وغيرها.

٥ - أبو مالك الحضرميّ

(أواسط القرن الثاني)

أبو مالك الضَحّاك الحضرميّ من عرب الكوفة، وأحد أصحاب الإمام الصادق

____________________

١ - الفهرست: ١٧٥. وفهرست الشيخ الطوسيّ: ٢١٢.

١٠٦

عليه‌السلام أو الإمام الكاظمعليهما‌السلام ، ويعدّ من المتكلّمين الثقات، له كتاب في التوحيد برواية الفقيه الواقفيّ المعروف عليّ بن الحسن الطاطريّ.

انظر: رجال النجاشيّ: ١٤٥، ومقالات الإسلاميّين: ٤٢ و٤٣، والفِصَل لابن حزم ٤: ٩٣، وغيرها للاطّلاع على سيرته وعقائده.

٦ - أبو جعفر السَّكّاك

(النصف الأوّل من القرن الثالث)

وهو أبو جعفر محمّد بن خليل المشهور بالسّكّاك، تلميذ أبي محمّد هشام بن الحكم (توفّي سنة ١٩٩هـ تقريباً)، كان معاصراً لعدد من مشاهير المعتزلة كأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (١٦٠-٢٥٥هـ)، وأبي جعفر محمّد بن عبد الله الإسكافيّ (توفّي سنة ٢٤٠هـ)، وأبي الفضل جعفر بن حرب (توفّي سنة ٢٣٦هـ)، وكانت له مناظرات مع الأخيرين(١) ، وهو من رجالات الشيعة المشهورين، ومن مصنّفي كتبهم(٢) .

ورد لقبه في أكثر الكتب القديمة محرّفاً في صورتين هما: الشكّال، والسكّال، ولكنّه - ممّا لا ريب فيه - السّكّاك، ويقصد منه صانع السّكّة(٣) وهي المحراث، وتصحيفه: الشكّاك(٤) .

كان أبو جعفر السكّاك من تلاميذ هشام بن الحكم، ومنه تعلّم الكلام، وكان على عقيدته في الإمامة مع مخالفته إيّاه في بعض المسائل، من كتبه: كتاب (المعرفة)، وكتاب في باب الاستطاعة، وكتاب في الإمامة، وكتاب بعنوان (كتاب

____________________

١ - الانتصار: ١١٠ و١٤٢.

٢ - الملل والنحل: ١٤٥، ومقالات الإسلاميّين: ٦٣.

٣ - رجال النجاشيّ: ٢٣١.

٤ - شرح نهج البلاغة: ٤: ٤٢٩ (انظر الحكاية اللطيفة التي نقلها ابن أبي الحديد عنه وعن الجاحظ).

١٠٧

التوحيد)، وفيه قال السكّاك بالتشبيه، فردّ عليه البعض، وله كتاب في الردّ على من أنكر وجوب الإمامة بالنصّ.

للوقوف على سيرته، يُنظَر: رجال النجاشيّ ٢٣١، والفهرست ١٧٦، والفهرست للشيخ الطوسيّ: ٢٩٢، والانتصار ٦، ١١٠-١١١، ١٤٢، ١٧٨، ومواضع عديدة من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ومروج الذهب ٦: ٣٧٤ من الطبعة الأجنبيّة، وغيرها من الكتب.

٧ - يونس بن عبد الرحمن القمّيّ

(توفّي سنة ٢٠٨)

هو أبو محمّد يونس بن عبد الرحمن القمّيّ من أكابر رجال الشيعة ومصنّفيهم المشهورين(١) ، ولد في عهد هشام بن عبد الملك (١٠٥-١٢٥هـ)، وكان معاصراً للإمام الصادق، والإمام الكاظمعليهما‌السلام ، ومن وكلاء الإمام الرضاعليه‌السلام وخواصّه (١٤٨-٢٠٣هـ)، وله قرابة ثلاثين كتاباً في موضوعات مختلفة منها: الإمامة، والردّ على الغلاة، وكانت الشيعة تنظر إليه كسلمان الفارسيّ - (رضي الله عنه) - في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، ويذهب مخالفو الشيعة إلى أنّ يونس بن عبد الرحمن وأصحابه اليونسيّة من المشبّهة.

للاطّلاع على سيرته، انظر: رجال الكشّيّ ٣٠١-٣١١، ورجال النجاشيّ ٣١١-٣١٢، والفهرست للشيخ الطوسيّ ٣٦٦-٣٦٧، والفَرق بين الفِرَق ٥٢-٥٣، ومقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٣٥، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٥، وغيرها.

____________________

١ - مقالات الإسلاميّين ٦٣، والملل والنّحل ١٤٥.

٢ - رجال الكشّيّ ٣٠٢.

١٠٨

٨ - عليّ بن منصور

(النصف الأوّل من القرن الثالث)

هو أبو الحسن عليّ بن منصور الكوفيّ أحد تلاميذ أبي محمّد هشام بن الحكم وأصحابه، وكان من أقران أبي جعفر السَّكّاك، ومن شيوخ متكلّمي الشيعة ومؤلّفيهم(١) ، أعدّ كتاباً في التوحيد والإمامة من كلام أُستاذه هشام يعرف بكتاب التَّدبير(٢) .

للوقوف على سيرته وعقائده، يُنظَر: رجال النجاشيّ ١٧٦، ومروج الذهب ٦: ٣٧٢ من الطبعة الأجنبيّة، والانتصار ٦ و١٧٨، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد في مواضع عديدة، وغيرها.

٩ - أبو حفص الحدّاد النيسابوريّ

(توفّي سنة ٢٥٢ أو ٢٦٥ أو ٢٧٠هـ)

هو أبو حفص عمرو بن سلمة الصوفيّ النيسابوريّ، أحد الذين رُموا بالزندقة كابن الراونديّ، وأبي عيسى الورّاق، ولصقه المعتزلة بالشيعة وعدّوه مثل هذين من شيوخها(٣) ، في حين كانت الشيعة لا تراه منها؛ إذ لم تظهر منه عقيدة تدلّ على انتمائه إليها، ولم يُنقَل عنه كلام في الإمامة(٤) ، وذكر السمعانيّ نبذة موجزة عن سيرته في كتاب الأنساب، (مادّة الحدّاد)، وكان أبو حفص يروي عن يونس بن عبد الرحمن القمّيّ(٥) .

انظر: تذكرة الأولياء للشيخ العطّار وغيره للاطّلاع على ترجمته؛ إذ ذُكر في طبقة بايزيد البسطاميّ.

____________________

١ - الملل والنحل ١٤٥؛ مقالات الإسلاميّين ٦٣.

٢ - رجال النجاشيّ ١٧٦، ٣٠٤.

٣ - الانتصار ٩٧، ١٥٠، ١٥٢.

٤ - الشافي في الإمامة ١٣.

٥ - رجال الكشّيّ ١٦٧.

١٠٩

١٠ - أبو الأحوَص البصريّ

(أواسط القرن الثالث)

أبو الأحوص داود بن أسد البصريّ(١) من متكلّمي الشيعة وفقهائهم وأصحاب الحديث فيهم، له كتب في الإمامة، وعندما زار أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ النجف الأشرف التقى بأبي الأحوص وأخذ منه العلم.

للاطّلاع على سيرته، يُنظَر: رجال النجاشيّ ١١٣، فهرست الشيخ الطوسيّ ٣٦٩، والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ١٤، وغيرها.

١١ - أبو عيسى الورّاق

(توفّي سنة ٢٤٧هـ)

أبو عيسى محمّد بن هارون الورّاق أُستاذ ابن الراونديّ، وكان كابن الراونديّ وثلّة من علماء ذلك العصر، ذا عقيدة دينيّة متزعزعة، وقد تأثّر بتعاليم الزنادقة (المانويّة) وطالع كتبهم التي تُرجم كثير منها إلى العربيّة، وكانت في متناول أيدي الناس آنذاك، وداخله الشكّ والتردّد، وكان يتلوّن مع الفرق المختلفة، بخاصّة المعتزلة، والشيعة، ويرى ابن النديم أنّه كان مانويّ الباطن مع تظاهره بالإسلام(٢) .

وكان المترجَم له تارةً يؤلّف كتاباً في تأييد المذهب المانويّ والثنويّة(٣) ، وأُخرى يؤلّف في الدفاع عن بعض العقائد الشيعيّة مُبدياً ميله إلى الشيعة(٤) . وصنّف كتاباً في الإمامة ذابّاً فيه عن عقائد الشيعة، ولعلّه ألّفه في الردّ على عقيدة أبي عمرو عثمان بن بحر الجاحظ (١٦٠-٢٥٥هـ) في الإمامة.

____________________

١ - جاء في مقالات الإسلاميّين للأشعريّ ٦٣ أنّ اسم أبيه راشد، ولعلّ فيه تحريفاً.

٢ - الفهرست ٣٣٨.

٣ - الانتصار ١٤٩.

٤ - مقالات الإسلاميّين ٦٤.

١١٠

وكان الجاحظ من كبار كتّاب المعتزلة في البصرة، وصارت كتبه الأدبيّة واللغويّة والبلاغيّة مضرب الأمثال، وهو أحد المؤلّفين الذين عرضوا عقائد متناقضة في الإمامة، وصنّف كتباً فيها، كان كلّ واحد منها ينافح عن عقائد إحدى الفرق الإسلاميّة في الإمامة(١) ، منها: كتاب بعنوان إمامة ولد العبّاس أو العبّاسيّة في تأييد الشيعة الراونديّة وأنصار بني العبّاس، وقد ألّفه إرضاءً للعبّاسيّين، مع أنّ مضمونه لا ينسجم وعقائده الخاصّة، ومنها: كتاب العثمانيّة في دعم أنصار عثمان بن عفّان وإنكار فضائل عليّ بن أبي طالب، ومنها: كتاب المروانيّة في مناصرة آل مروان ومعاوية ومناوءة عليّ بن أبي طالب والدفاع عن إمامة بني أميّة، ومنها: كتاب المسائل العثمانيّة في إتمام كتاب العثمانيّة، وكتب أُخرى كالفُتيا، وكتاب الرافضة، وكتاب الزيديّة.

لقد أثارت هذه الكتب المتناقضة للجاحظ غضب الفرق الأُخرى بخاصّة الشيعة، ومعتزلة بغداد، فردّوا على أكثرها، وممّن ردّ عليها من معتزلة بغداد: أبو جعفر محمّد بن عبد الله الإسكافيّ(٢) (المتوفّى سنة ٢٤٠هـ) ومن الشيعة أو من المنسوبين إليهم: ابن الراونديّ وأبو عيسى الورّاق وأبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ وأبو الحسن محمّد بن إبراهيم الكاتب الشافعيّ والشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان، وغيرهم.

وعندما انتشرت الكتب التي ألّفها الشيعة في الإمامة ردّاً على كتب الجاحظ، انبرى لها أنصاره، فنقضوا ما كتبه ابن الراونديّ، وأبو عيسى. وأشهر من تصدّى منهم لذلك: أبو الحسين عبد الرحيم بن محمّد الخيّاط أُستاذ أبي القاسم الكعبيّ،

____________________

١ - للاطّلاع على تفصيل هذا الموضوع ينظَر: الشافي للشريف المرتضى ١٣ ومروج الذهب ١: ١٥٧-١٥٨، طبعة مصر.

٢ - مروج الذّهب ١: ١٥٨ طبعة مصر، وشرح نهج البلاغة ٤: ١٥٩.

١١١

وهو صاحب كتاب الانتصار(١) ، ويأتي بعده قاضي القضاة عبد الجبّار بن أحمد الأسد آباديّ الهمدانيّ (المتوفّى سنة ٤١٥هـ) مؤلّف كتاب المُغني الذي ردّ عليه الشريف المرتضى علم الهدى (٣٥٥-٤٦٦هـ) في كتاب الشافي ودحض فيه التُّهم الّتي ألصقها المعتزلة بابن الراونديّ وأبي عيسى(٢) ، ومن هذه التُّهم أنّهم كانوا يقولون: إنّ أبا عيسى الورّاق في الوقت الذي كان يدافع فيه عن إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام كان يقول عند الخلوة: (بُليتُ بنصرة أبغض الناس إليّ وأعظمهم إقداماً على القتل...)، وقالو أيضاً: لمّا كان أبو عيسى مانويّاً، فإنّه لا يجيز قتل كلّ شيء ولا يجيز إتلاف الكائنات الحيّة(٣) .

ونُقل لأبي عيسى الورّاق كتب أُخرى أيضاً ما عدا كتابه في الإمامة. منها: كتاب السقيفة، وكتاب اختلاف الشيعة، وكتاب الحُكم على سورة لم يكن، وكتاب المقالات(٤) ، وكتاب المجالس(٥) .

وكان كتاباه الإمامة، والسقيفة يوافقان عقيدة الإماميّة، وقد أثنى عليهما علماء الطائفة، وذكر الورّاق فيهما أدلّة عقليّة صريحة لتقرير النصّ الجليّ وتأييده، واثبات إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وحمل فيهما على المعتزلة وأهل السُّنّة في هذه الدعوى.

وكان الشيخ المفيد يقتني كتاب السقيفة وقد وصفه مراراً، وكان قرابة مائتي ورقة، وقال الشيخ المفيد في كتاب الإفصاح في الإمامة: (لم يترك لغيره زيادة عليه فيما يوضح عن فساد قول الناصبة وشُبّههم التي اعتمدوها من الخبر بالصلاة، وأشار إلى كذبهم فيه...)(٦) .

____________________

١ - الانتصار ٩٧.

٢ - الشافي ١٣.

٣ - نقلاً عن كتاب المغني، في كتاب الشّافي: ٢، وكتاب الانتصار ١٥٥.

٤ - رجال النجاشيّ ٢٦٣.

٥ - مروج الذهب ٧: ٢٣٧ (الطبعة الأجنبيّة).

٦ - نقلاً عن رسالة كتبها لي سماحة الميرزا فضل الله شيخ الإسلام الزنجانيّ.

١١٢

ومن أشهر كتب الورّاق كتاب المقالات، وهو تاريخ في الملل والنحل وشرح آراء الفرق المختلفة وعقائدها، ويعدّ هذا الكتاب من أوثق الكتب القديمة في هذا المجال وأشهرها، وكان من المصادر المهمّة للمؤلّفين المتأخّرين ككتاب المقالات لزُرقان المعتزليّ، وشرحِه لأبي القاسم الكعبيّ، ومقالات محمّد بن الهيثم الكرّاميّ، ومقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعريّ، كتاب الآراء والديانات لأبي محمّد النوبختيّ، وكتاب المقالات لأبي الحسن المسعوديّ صاحب مروج الذهب.

وذكر الشريف المرتضى أنّ الورّاق أطنب في تأكيد شبهات الثنويّة ومقالاتهم ممّا أثار شبهة ثنويّته، وكان أغلب المؤلّفين بعده يقتنون كتاب المقالات كالمسعوديّ، وأبي الحسن الأشعريّ، وأبي الريحان البيرونيّ، والشريف المرتضى، والشهرستانيّ، وعبد القاهر البغداديّ، وابن أبي الحديد، ونقلوا منه موضوعات كثيرة.

وذكر الشريف المرتضى له كتابين آخرين هما: المشرقيّ، والآخر النَّوح على البهائم، وقال: (... فهما مدفوعان عنه، وما يبعد أن يكون بعض الثنويّة عملهما على لسانه...، وليس لنا أن نضيف مثل هذه المذاهب القبيحة إلى من لم يكن متظاهراً بها، ولا مجاهراً باعتقادها)(١) .

والكتاب الأوّل الذي ربما اشتمل على دفاع عن قسم من أفكار الثنويّة هو المذكور في الفهرست لابن النديم، وفي الفهرست للشيخ الطوسيّ باسم كتاب الغريب المشرقيّ، وهو الذي كتب عليه أبو محمّد النوبختيّ نقضاً(٢) ، ونلحظ في رجال النجاشيّ نقضاً آخر له على كتاب أبي عيسى بعنوان الردّ على أهل التعجيز(٣) .

____________________

١ - الشافي ١٣.

٢ - الفهرست ١٧٧، والفهرست للشيخ الطوسيّ ٩٩.

٣ - رجال النجاشيّ ٤٧.

١١٣

وسنتحدّث عن هذا الموضوع في ترجمة أبي محمّد النوبختيّ.

ومن كتب أبي عيسى كتاب بعنوان: في الردّ على الفِرَق الثلاث من النصارى، وهو الكتاب الذي ردّ عليه الفيلسوف النصرانيّ المعروف يحيى بن عديّ (٢٨٣-٣٦٤هـ)، وهذا الردّ موجود، ونقل فيه يحيى كتاب أبي عيسى كلّه(١) .

للاطّلاع على ترجمته، تنظر: المصادر المشار إليها في الهامش.

١٢ - ابن الراونديّ

(٢٤٥ أو ٢٩٨هـ)

هو أبو الحسين أحمد بن يحيى بن محمّد بن إسحاق المشهور بابن الراونديّ أو ابن الرونديّ، كان من أهل مرو الروذ في خراسان، وهو من أشهر المتكلّمين، ولا يمكن معرفة انتمائه بوضوح لتزعزع عقيدته، وتغيير منهجه مراراً، وتزلزل إيمانه، وإظهاره الإلحاد والزندقة، وإنّ ما وصمه به المؤرّخون المتعصّبون بالإلحاد أو الزّندقة (بالمعنى الأعمّ المرادف للإلحاد) لا يكفي لتحديد عقائده الدينيّة.

ولعلّنا نستطيع القول: إنّ ابن الراونديّ كغيره من معاصريه أمضى عمره كلّه في التشكيك والتنقيب باحثاً عن عقيدة ثابتة تنسجم مع الفطرة، وكان ينتمي في كلّ مدّة إلى فرقة من الفرق، ثمّ يبدي بعد فترة آراء لا تُرضي تلك الفرقة فيُطرَد من صفوفها، أو إنّه كان ذا أسلوب جميل ومقتدراً في الكلام كالجاحظ تقريباً، فإنّه كان يؤلّف بما يتّفق مع آراء هذه الفرقة أو تلك، وسلخ عمراً في الكفر، وكان يشكّك الناس في عقائدهم، وأفضل دليل على هذا الموضوع هو النقوض الّتي كتبها على مؤلّفاته وفنّد فيها عقائده السابقة.

إنّ سيرة ابن الراونديّ وعقائده غامضة تماماً للأسباب المتقدّمة، ونقل

____________________

١ - L. Massignon, Recueil des texts, p. ١٨٢-١٨٣.

١١٤

المؤرّخون وأصحاب كتب الملل والنحل عنه آراء ومقالات كثيرة، ولمّا كانت الآراء فيه متضاربة ولم تثبت صحّة الآراء المنسوبة إليه، فلا يمكن استنتاج شيء منها، بخاصّة أنّ المؤلّفين المتعصّبين وأعداء ابن الراونديّ ونظائره كانوا يلصقون بأمثال هؤلاء التُّهم باستمرار - على العادة يؤمئذٍ - ويذكرونهم في كتبهم باللعن والامتهان.

إنّ الثابت هو أنّ ابن الراونديّ كان في البداية من المعتزلة كالورّاق، وأخيه، وابن عمّه(١) ، ثمّ مال إلى التشيّع مدّة بعد أن طردوه، وصنّف عدداً من الكتب في دحض المعتزلة، ودعم الشيعة وعقائد المنتمين إليهم، ولمّا كان ملمّاً بآراء المعتزلة وكان أُستاذاً في الكلام والإنشاء، فقد أدّى ما عليه في هذا الطّريق بإحسان، وأثار حسّ الانتقام عند كبار المعتزلة القريبين عهداً منه كأبي هاشم الجبّائيّ، وأبي عليّ الجبّائيّ، وأبي الحسين الخيّاط، والكعبيّ، واستطاع ابن الراونديّ أن يقدّم عوناً كبيراً إلى المذهب الشيعيّ يومئذٍ من خلال تصنيف الكتب المتقنة نسبيّاً، وجمع الأدلّة والآراء الكلاميّة في دعم عقيدة الشيعة، بخاصّة مسألة الإمامة.

ولذلك نجد أنّ تمرّد ابن الراونديّ على المعتزلة ودفاعه عن عقائد الشيعة أثارا المعتزلة والسُّنّة ضدّه فذكره متكلّموهم ومؤلّفوهم في كتبهم بالسوء، لا سيّما أبا الحسين الخيّاط، وأبا هاشم الجبّائيّ، وابنه أبا عليّ من المعتزلة، وأبا الوفاء بن عقيل، وأبا الفرج عبد الرحمن بن الجوزيّ من السُّنّة؛ فقد هاجمه هؤلاء بشدّة، وعدّه ابن الجوزيّ من كبار الملاحدة(٢) وأحد الزنادقة الثّلاثة الكبار الذين ظهروا بين أهل الإسلام(٣) .

أمّا عقيدة مؤلّفي الشيعة فيه فمختلفة؛ فمنهم من أثنى عليه، ومنهم من ذمّه.

____________________

١ - الانتصار ١٤٩.

٢ - تلبيس إبليس ١١٨.

٣ - الآخران هما: أبو حيّان عليّ بن محمّد الصّوفيّ المعاصر لابن العميد والصاحب بن عبّاد، والشاعر المشهور أبو العلاء أحمد بن سليمان المعرّيّ (بغية الوعاة ٣٤٩، وروضات الجنّات ٥٤).

١١٥

ومن الذين دافعوا عن بعض كتبه وعقائده الشريف المرتضى علم الهدى على رغم المعتزلة. مع هذا لمّا كانت عقائده كلّها لا تتّفق مع مذهب متكلّمي الشيعة وكان منبوذاً عند معظمهم، فإنّ عدداً منهم صنّف كتباً في نقض بعضه، وأشهر هؤلاء أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختيّ، وخاله أبو سهل إسماعيل بن عليّ، بل نجد الشريف المرتضى أيضاً قد أشار في كتاب الشافي إلى نقض بعض الأدلّة التي عرضها ابن الراونديّ في موضوع الإمامة.

أجل، لمّا تحرّك ابن الراونديّ للدفاع عن عقائد الإماميّة وألّف لهم كتباً ذكره مخالفوهم في عداد متكلّميهم، مع قذفهم إيّاه بالزندقة والإلحاد، وإنّما أشرنا هنا إلى سيرته وكتبه بإيجاز؛ لأنّنا سنذكره وأبا عيسى الورّاق في ترجمة المتكلّمين النوبختيّين، وشرح النّص الجليّ، وغير ذلك.

ذُكر أنّ والد المترجَم له كان يهوديّاً، وقد أدخل بعض التحريفات في التوراة، وهذه تهمة أُخرى من التهم التي أُلصقت بابن الراونديّ أيضاً، ذلك أنّه وبعض أقاربه كان من المعتزلة كما رأينا، وأنّ اسم جدّه محمّد بن ِإسحاق، ومن هنا نستبعد صحّة التهمة المشار إليها.

كان ابن الراونديّ معاصراً لأبي عيسى الورّاق، وذكر أبو الحسين الخيّاط أنّه كان تلميذه، وأنّه هجر الاعتزال، وانتقل إلى الكفر والإلحاد بناءً على تعليماته(١) .

وعدّ له الخيّاط أساتذة آخرين من الزنادقة أيضاً كأبي شاكر الديصانيّ، والنعمان بن طالوت، وأبي حفص الحدّاد(٢) .

وبلغت الكتب التي ألّفها ابن الراونديّ ١١٤ كتاباً على ما نقله المسعوديّ(٣) ، ولا أثر لها اليوم إلاّ بعض فقرات من كتاب فضيحة المعتزلة نقلها أبو الحسين الخيّاط في

____________________

١ - الانتصار ١٥٥.

٢ - نفسه ١٤٢.

٣ - مروج الذهب ٧: ٢٣٧، من الطبعة الأجنبيّة.

١١٦

كتاب الانتصار من أجل الردّ على ما جاء فيها. ونلحظ أنّ بعض الكتب التي ألّفها ابن الراونديّ يقرّر عقائد المعتزلة، وبعضها عقائد الشيعة، وبعضها الآخر يردّ على الإسلام ويدافع عن عقائد الثنويّة أو اليهود وغيرهم، فلا نعلم على وجه الدقّة أيّ الكتب ألّفها ابن الراونديّ نفسه، وأيّها ألّفها غيره ممّن يقترب مشربه من مشرب ابن الرّاونديّ أو ممّن ألّفها ونسبها إلى ابن الرّاونديّ مغرضاً أو مخاصماً.

وبلغت سمعة ابن الراونديّ في الزندقة والإلحاد مبلغاً جعله في عداد القدوة التّامّة لهما، ومن هنا يلاحظ أنّ أكثر الكتب التي كان يُشمّ منها رائحة الكفر والإلحاد، وكان مؤلّفوها قد أخفوا أسماءهم خوفاً على أرواحهم، نسبها الآخرون إلى ابن الراونديّ على سبيل المشاكلة.

وفيما يأتي أسماء الكتب المنسوبة إلى ابن الراونديّ وموضوع كلّ منها:

١-٧ - الأسماء والأحكام، الابتداءُ والإعادة، خَلقُ القرآن، البقاء والفناء، لا شيء إلاّ موجود(١) ، الطبائع، اللُّؤلُؤة (في تناهي الحركات)، وهذه الكتب كلّها تثبّت عقائد المعتزلة، وقد صنّفها ابن الراونديّ يوم كان أحدهم؛ ولذلك يرى مؤلّفو المعتزلة أنّها من كتبِ صلاحِه.

٨ - كتاب الإمامة، وموضوعه يتّفق وعقيدة الإماميّة، وهو الكتاب الذي ألّفه ابن الراونديّ بعد هجر المعتزلة تقرّباً إلى الشيعة، وقيل: إنّه قبض ثلاثين ديناراً جائزةً له من رؤساء الإماميّة على تأليفه.

٩ - كتاب فضيحة المعتزلة في الردّ على كتاب فضيلة المعتزلة للجاحظ، ونلحظ في هذا الكتاب أنّ ابن الراونديّ هاجم فيه المعتزلة والجاحظ وشيوخه بعنف، ودافع عن الإماميّة.

ونال هذا الكتاب شهرة فائقة بين المتكلّمين من الفرق المختلفة وأرباب الملل

____________________

١ - انظر: مقالات الإسلاميّين ٥٠٢ للوقوف على شرح موجز لهذا الموضوع وعقيدة ابن الراونديّ فيه.

١١٧

والنحل، فتحرّك المعتزلة - من جهة - للردّ عليه، وألّفوا الكتب في دحض موضوعاته، ومنها كتاب الانتصار لأبي الحسين الخيّاط، ومن جهة أُخرى، نقل خصوم المعتزلة - بخاصّة الإماميّة والأشاعرة - معظم موضوعاته في كتبهم جاعليها وثيقة لإدانتهم، وأداة لمهاجمتهم.

ويرى الشيعة أنّ هذا الكتاب، وكتاباً آخر له بعنوان العَروس من كتبِ سَدادِه(١) ، ويلاحَظ في كتبهم ذكر لهذا الكتاب وحده، ولعلّ المقصود منه كتاب فضيحة المعتزلة أو كتاب آخر صنّفه ابن الراونديّ في تأييد عقيدة الإماميّة.

وهاجم قاضي القضاة عبد الجبّار المعتزليّ في كتاب المغني ابنَ الراونديّ والورّاق وأمثالهما، وذكر أنّ ابن الراونديّ كان يقصد بسائر ما يؤلّفه في نصرة الإلحاد إلى نشر التشكيك، وأنّه كان يؤلّف بهدف الشُّهرة والمنفعة.

وقال الشريف المرتضى في الدفاع عن ابن الراونديّ: (... إنّه إنّما عمل الكتب التي شُنِّع بها عليه معارضة للمعتزلة، وتحدّياً لهم؛ لأنّ القوم كانوا أساؤا عشرته، واستنقصوا معرفته، فحمله ذلك على إظهار هذه الكتب ليبيّن عجزهم عن استقصاء نقضها، وتحاملهم عليه في رميه بقصور الفهم والغفلة، وقد كان يتبرّأ منها تبرّؤاً ظاهراً، وينتفي من عملها، ويضيفها إلى غيره، وليس يشكّ في خطئه بتأليفها، سواء اعتقدها أم لم يعتقدها.

(وما صنع ابن الراونديّ من ذلك إلاّ ما قد صنع الجاحظ مثله أو قريباً منه، ومَن جمع بين كتبه التي هي العثمانيّة، والمروانيّة، والفُتيا، والعبّاسيّة، والإماميّة، وكتاب الرافضة والزيديّة، رأى من التضادّ واختلاف القول ما يدلّ على شكّ عظيم وإلحاد شديد، وقلّة تفكّر في الدين).

(وليس لأحدٍ أن يقول: إنّ الجاحظ لم يكن معتقداً لما في هذه الكتب

____________________

١ - روضات الجنّات ٥٥٤؛ نخبة المقال ١٥٧.

١١٨

المختلفة، وإنّما حكى مقالات الناس وحِجاجَهم، وليس على الحاكي جريرة، ولا يلزمه تبعة؛ لأنّ هذا القول إن قنع به الخصوم فليقنعوا بمثله في الاعتذار، فإنّ ابن الراونديّ لم يَقُل في كتبه هذه التي شُنِّع بها عليه: إنّي أعتقد المذاهب التي حكيتُها وأذهب إلى صحّتها، بل كان يقول: قالت الدهريّة، وقال الموحّدون، وقالت البراهمة، وقال مثبتو الرسول، فإن زالت التَّبعة عن الجاحظ في سبّ الصحابة والأئمّة والشّهادة عليهم بالضلال والمُروق عن الدين بإخراجه كلامه مَخرجَ الحكاية، فلتزولنّ أيضاً التبعة عن ابن الراونديّ بمثل ذلك...)(١) .

١٠ - كتاب القَضيب أو قَضيب الذَّهب في إثبات حدوث علم الباري تعالى.

١١ - التاج، وهو من أشهر كتبه، وموضوعه إثبات قِدم العالم والأجسام وردّ أدلّة المخالفين(٢) ، ولمّا كان المعتزلة والإماميّة لا يرون رأيه فيه فإنّ عدداً من متكلّميهم صنّفوا كتباً في نقضه، ومن هؤلاء أبو الحسين الخيّاط من المعتزلة، وأبو سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ من الإماميّة، الذي أسمى كتابه السّبك، ويبدو أنّ ابن أبي الحديد كان يقتني كتاب التاج، وهو الذي ذكر أنّ ابن الراونديّ اقتبس القول بِقِدم العالم من الفلاسفة وأورده في كتاب التاج(٣) .

١٢ - كتاب الزُّمُرّد في إبطال موضوع الرسالة وردّ المعجزات المنسوبة إلى إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونبيّنا صلوات الله عليهم أجمعين، وذكر أبو الحسين الخيّاط أنّ ابن الراونديّ جعل في الكتاب باباً في الردّ (على المحمّديّة خاصّة) يريد أُمّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطعن فيه على القرآن الكريم(٤) . ولعلّ كتابه هذا هو الذي

____________________

١ - الشافي في الإمامة ١٣.

٢ - الانتصار ١٧٢-١٧٣.

٣ - شرح نهج البلاغة ١: ٢٩٩.

٤ - الانتصار ٢-٣.

١١٩

سبّب طرده من صفوف المعتزلة(١) ، وكان أبو القاسم الكعبيّ ينقل أنّ ابن الراونديّ يقول في سبب تسمية الكتاب بالاسم المذكور: من صفة الزمرّد أنّه إذا وقعت عليه عين الحيّة خرجت من حدقتها وذابت(٢) ، فسمّيتُ كتابي بهذا الاسم؛ لأنّ الخصم إذا نظر إليه هلك، وقد نقض ابن الراونديّ نفسه كتابه هذا، كما نقضه أبو الحسين الخيّاط أيضاً.

١٤ - كتاب الفِرَند في الطعن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد نقضه أبو الحسين الخيّاط، وأبو هاشم الجبّائيّ.

١٥ - كتاب الدامغ في الردّ على القرآن وترتيبه، وقد ردّ عليه الخيّاط، وأبو عليّ الجبّائيّ، ويبدو أنّ ابن الراونديّ صنّف هذا الكتاب لليهود(٣) ، ثمّ نقضه هو نفسه بعد ذلك(٤) .

١٦ - كتاب التوحيد، ذكر الخيّاط أنّ ابن الراونديّ ألّفه ليتجمّل به عند أهل الإسلام لمّا خاف على نفسه ووُضع الرصد في طلبه(٥) .

١٧ - كتاب في موضوع اجتهاد الرأي، ونقضه أبو سهل إسماعيل النوبختيّ(٦) .

١٨ - كتاب المرجان في اختلاف المسلمين والكتابيّين.

نقل بعض المؤلّفين أنّ ابن الراونديّ مات بعد وفاة الورّاق بقليل، أيّ: بعد سنة ٢٤٧هـ، ومنهم من قال سنة ٢٤٥هـ، وثمّة من ذكر موته سنة ٢٩٨هـ.

للاطّلاع على سيرة ابن الراونديّ وكتبه وعقائده ينظر: كتاب الانتصار الذي لم

____________________

١ - الانتصار، ١٧٣.

٢ - أشار قدماء الشعراء إلى هذه الأسطورة مراراً. ومن هؤلاء منجيك الذي قال:

شنيده ام بحكايت كه ديده افعى

برون جهد چو زمرّد بر او برند فراز

سمعتُ حكاية تذكر بأنّ عين الأفعى تخرج من حدقتها إذا عرضوا عليها الزّمرّد.

٣ - البداية والنهاية.

٤ - ملحق الفهرست ٥، طبعة مصر.

٥ - الانتصار ١٣.

٦ - الفهرست ١٧٧.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288