آل نوبخت

آل نوبخت13%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91806 / تحميل: 9497
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

الرابع - فلا يمكن أن يكون حفيداً لأبي سهل بن نوبخت. ومن هنا نحذو حذو العلاّمة الحلّيّ في ذكر اسمه، ولا نَدَع ذلك أبداً ما دمنا لا نملك دليلاً على نقضه، بخاصّة أنّ العلاّمة المجلسيّ يسمّيه في بحار الأنوار(١) : الشيخ إبراهيم. ونستبعد أن يكون العلاّمة أقلّ اطّلاعاً من صاحب رياض العلماء في هذا المجال، ولم يعثر على هذه النقطة وهو الذي كان مطّلعاً اطّلاعاً واسعاً على كتب الشيعة ومصادرها، وكانت له مكتبة كبيرة.

عصر مؤلّف (الياقوت)

يمكننا من خلال مطالعة كتاب الياقوت أن نعرف العصر الذي كان يعيش فيه مؤلّفه على وجه التخمين.

أوّلاّ: أورد مؤلّف الكتاب مبحث الإمامة بعد مبحث النبوّة في آخر كتابه تبعاً لأبي سهل النوبختيّ، وذكر مسألة الغَيبة في ذلك المبحث. وتناول الإشكالات التي وجّهها أهل السنّة إلى الشيعة في هذا المجال وفي اختلاف الشيعة أنفسهم في الفتاوى والأحكام، وأجاب عنها.

وهذا يدلّ على أنّ المؤلّف كان يعيش بعد عصر الغَيبة وبعد العصر الذي كان الخلاف فيه قائماً بين علماء الشيعة حول عدد الأئمّة. وهذا العصر - كما أشرنا من قبل - لم يتقدّم على النصف الأولّ من القرن الرابع، بل كان مقارناً لأواخر حياة أبي سهل اسماعيل بن عليّ النوبختيّ(٢) .

ثانياً: نقض المؤلّف في كتابه آراء الأشاعره ورئيسهم الإمام أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعريّ (٢٦٠-٣٢٤هـ) مرّات عديدة. وهو إن لم يصرّح باسم الأشعريّ لكنّه ذكر فقرات من مقالاته الخاصّة الّتي تفرّد بها ولم يُبدِها قبله أحد،

____________________

١ - ١٤: ١٣٨.

٢ - انظر: ص١٣١ من هذا الكتاب.

٢٠١

بخاصّة مسألة (إثبات الصفات القديمة(١) ، و(الكسب)(٢) ، و(الكلام النفسانيّ)(٣) . وهي من مقالاته وموضوعاته الخاصّة. وردّ عليه الشيخ أبو إسحاق، وعدّ (الكسب) و(الكلام النفسانيّ) هذياناً.

كانت ولادة أبي الحسن الأشعريّ سنة ٢٦٠هـ. وكان حتّى الأربعين من عمره تقريباً يحضر درس أبي عليّ الجبّائيّ، أي حتّى أوائل القرن الرابع. وكان من أتباعه في الاعتزال، ثمّ فارقه بعد ذلك التاريخ، وبثّ مقالاته الخاصّة به، وأنشأ المذهب الأشعريّ.

ويتبيّن من هذا أنّ الأشاعرة لم يكونوا ينشطون حتّى زهاء سنة ٣٠٠هـ، بل إلى مدّةٍ بعدها، ولم ينشروا آراءهم الخاصّة فيردّ عليها أحد. ومن الأدلّة على ذلك أنّنا لا نلحظ في فهرست الكتب الكلاميّة لأبي سهل النوبختيّ وأبي محمّد الحسن بن

____________________

١ - (المسألة التاسعة) من (المقصد الخامس)، من متن كتاب الياقوت. قال الشيخ المفيد في كتاب أوائل المقالات: (وأحدث رجلٌ من أهل البصرة يعرف بالأشعريّ قولاً خالف فيه جميع ألفاظ الموحّدين ومعانيهم فيما وصفناه. وزعم أنّ لله عزّ وجلّ صفات قديمة وأنّه لم يزل بمعنى لا هي هو ولا غيره، من أجلها كان مستحقّاً للوصف بأنّه عالم حيّ قادر سميع بصير متكلّم مريد. وزعم أنّ لله وجهاً قديماً وسمعاً قديماً وبصراً قديماً ويدَين قديمتين، وأنّ هذه كلّها أزليّة قدماء. وهذا قولٌ لم يسبقه إليه أحدٌ من منتحلي التوحيد فضلاً عن أهل الإسلام). وقد تفضّل الأخ شيخ الإسلام الزنجانيّ باستنساخ هذه الفقرة وإرسالها إليّ. انظر: الملل والنحل ٦٦-٦٧.

٢ - المسألة الثالثة، المقصد السابع؛ كان بعض علماء الكلام يرى أنّ عجائب هذا الفنّ ثلاث: القول بالطفرة عن النظّام (الملل والنحل ٣٨)، والقول بالأحوال عن أبي هاشم الجبّائيّ (نفسه ٥٧)، والقول بالكسب عن أبي الحسن الأشعريّ (نفسه ٦٨-٦٩). وقال أحد الشعراء في ذلك:

ممّا يُقال ولا حقيقة تَحتهُ

مَعقولةً تدنو إلى الأفهامِ

الكَسبُ عند الأشعريّ، والحالُ عن

د الهاشمي، وطفرة النظّامِ!

(منهاج السنّة ١: ١٢٧)

ولعلّ الصحيح في عجز البيت الثاني هو (البهشميّ) مكان (الهاشميّ)، وذلك منسوب إلى أبي هاشم.

والبهشميّة اسم لفرقة كانت تتبنّى عقائده (انظر: الملل والنحل ٥٤، والأنساب للسمعانيّ f. ٩٦ b).

٣ - المسألة السادسة، المقصد الخامس، الملل والنحل ٦٨.

٢٠٢

موسى كتاباً أو إشارة في ردّ عقائد الأشعريّ، في حين كان معاصراً لهما. ولعلّه لم ينشر آراءه كما ينبغي في حياتهما التي لم تتجاوز سنة ٣١١هـ. وفي أقرَب الاحتمالات أنّه قام بذلك في الفترة الأخيرة من عمره، أي: بين سنة ٣١٠ و٣٢٤هـ.

ويبدو أنّ أبا إسحاق النوبختيّ ردّ على عقائد الأشعريّ بعد تلك الفترة. وإذا لم يكن عصره بعد عصر الأشعريّ فإنّه أدرك الفترة الأخيرة من عمره. ويُستشفّ من إشارات العلاّمة الحلّيّ في أنوار الملكوت أنّ عصر أبي إسحاق كان متقدّماً على عصر الشريف المرتضى علم الهدى (٣٥٥-٤٣٦هـ)، وأبي الحسين محمّد بن عليّ البصريّ المعتزليّ (المتوفّى سنة ٤٣٦هـ). وهذان المتكلّمان الكبيران وافقا أبا إسحاق في بعض آرائه، وخالفاه في بعضها الأخر.

ثالثاً: سنرى فيما نذكره من شرح أنّ مؤلّف الياقوت قام بنقض القول المشهور لأبي بكر محمّد بن زكريّا الرازيّ في اللذّة؛ ولهذا لا يمكن أن يكون عصره متقدّماً على عصر محمّد بن زكريّا الذي توفّي سنة ٣٢٠هـ.

إنّ إيجاز كتاب الياقوت، وصعوبة فهمه، وغاية اختصاره، كلّ أولئك دليل على قِدَمِه. ويظهر أنّه صُنِّف قبل كتب الشيعة الكلاميّة المفصّلة. وهو من النماذج التي احتذاها الشيخ المفيد، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسيّ في كتبهم.

وكان في الأسرة النوبختيّة رجلٌ يسمّى إبراهيم. وهو والد أحمد بن إبراهيم، وأبي جعفر عبد الله بن إبراهيم. وكان أحمد بن إبراهيم كاتباً عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح. وكان حيّاً مع أخيه حين وفاة الشيخ أبي جعفر العمريّ النائب الثاني للإمام المهديّعليه‌السلام في سنة ٣٠٤ أو ٣٠٥هـ(١) . ولكن هل كان إبراهيم هذا هو مؤلّف كتاب الياقوت نفسه؟ والجواب هو ربّما كان ذلك، ولكن هذا نستبعده؛ لأنّ

____________________

١ - غيبة الطوسيّ ٢٤٢ و٢٤٣.

٢٠٣

عصره متقدّم على سنة ٣٠٤ و٣٠٥هـ. ولا يُعْلَم ما إذا كان حيّاً أيّام انتشار مقالات الأشعريّ وشيوع مذهبه حتّى يتسنّى له أن يؤلّف كتاب الياقوت يومئذٍ وينقض أقوال الأشاعرة.

كتاب أنوار الملكوت

أوّل من شرح كتاب الياقوت، فيما أعلم، هو ابن أبي الحديد المعتزليّ. ويَبدو أنّ هدفه من وراء ذلك هو دعم أفكاره الاعتزاليّة ودحض بعض مقالات الإماميّة في المسائل الكلاميّة، كما هو دأبه في شرح نهج البلاغة وشرح كتاب الذريعة إلى أُصول الشريعة(١) للشريف المرتضى علم الهدى، بَيْد أنّنا لا نجد لهذا الشرح من أثر. والشرح الذي وصل إلينا - من حسن الحظّ - هو شرح العلاّمة الحلّيّ المسمّى أنوار الملكوت في شرح الياقوت. وفيما يأتي قسم من مقدّمة الكتاب المذكور الذي صُنِّف سنة ٦٨٤هـ:

(... وقد صنّف العلماء في ذلك كثيراً من المبسوطات وأطنبوا القول فيه بكتب مختصرات ومطوّلات، إلاّ أنّهم لم يَسلَموا من زيغ في تلك الإيرادات ولم يخلصوا من خطأ في بعض الاعتقادات. وقد صنّفنا في ذلك كتباً متعدّدة أوضحنا فيها سبيل الرشاد، وهَدَينا إلى طريق السداد، نرجو فيها ذخراً للمعاد. وقد صنّف شيخنا الأقدم وأُستاذنا الأعظم أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت قدّس الله روحه الزكيّة ونفسَه العَليّة مختصراً سمّاه الياقوت. قد احتوى من المسائل على أشرفها وأعلاها، ومن المباحث على أجلّها وأسناها، إلاّ أنّه صغير الحجم كثير العلم مستصعب على الفهم في غاية الإيجاز والاختصار، بحيث يعجز عن حلّه أُولو الأنظار. فرأينا أن نضع هذا الكتاب المرسوم بأنوار الملكوت في شرح الياقوت على

____________________

١ - باسم: الاعتبار.

٢٠٤

ترتيبه ونظمه، مُوضِّحاً لِما التَبَس من مشكلاته، مُبيِّناً لِما استبهم من معضلاته، مع زيادات لم توجد في هذا الكتاب).

ولم يقتصر العلاّمة الحلّيّ في شرح كتاب الياقوت - كما قال - على ترتيب الكتاب الأصليّ ونظمه فحسب، بل نقل عبارات المؤلّف نفسها في البداية ثمّ شرحها. ورفض في بعض المواضع رأي المؤلف القريب من مشرب المعتزلة، وأورد في مقابله رأيه الذي يمثّل عصارة اجتهادات متكلّمي الشيعة بعد الشيخ أبي إسحاق، كالشيخ المفيد، والشريف المرتضى، والشيخ الطوسيّ، والخواجه نصير الدين الطوسيّ وأمثالهم.

إنّ كتاب الياقوت، فيما أعلم، أقدم كتاب كلاميّ موجود للشيعة. وننقل فيما يأتي فهرساً لموضوعاته بالنحو الذي أورده العلاّمة الحلّيّ في أنوار الملكوت نصّاً، ليتبيّن ترتيب المباحث الكلاميّة لمتكلّمي الشيعة يومئذٍ:

المقصد الأوّل في النظر، وفيه ثلاث عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في ماهيّة النظر.

المسألة الثانية: في وجوبه.

المسألة الثالثة: في أنّه مفيد للعلم.

المسألة الرابعة: في أنّ وجوبه عقليّ.

المسألة الخامسة: في أنّه أوّل الواجبات.

المسألة السادسة: في الدليل.

المسألة السابعة: في أنّ الدليل السمعيّ هل يفيد اليقين أم لا.

المسألة الثامنة: في ضبط الاستدلال بالدلائل السمعيّة.

المسألة التاسعة: في حدّ العلم.

المسألة العاشرة: في تقسيم العلم.

المسألة الحادية عشرة: في أنّ العلم بالدليل مغاير للعلم بالمدلول والدلالة.

٢٠٥

المسألة الثانية عشرة: في أنّ النظر يولد العلم.

المسألة الثالثة عشرة: في أنّ المعارف مقدورة لنا.

المقصد الثاني في الجوهر، والعرض، والجسم، وفيه عشرة مسائل:

المسألة الأُولى: في تعريف الجوهر، والعرض، والجسم.

المسألة الثانية: في الجزء الذي لا يتجزّى.

المسألة الثالثة: في تماثل الأجسام.

المسألة الرابعة: في جواز خلوّ الأجسام عن الطعوم والألوان والروائح.

المسألة الخامسة: في أنّ الأجسام مرئيّة.

المسألة السادسة: في إثبات الخلاء.

المسألة السابعة: في تعريف الحركة.

المسألة الثامنة: في تعريف السكون.

المسألة التاسعة: في أنّ حصول الحركة والسكون ليس بمعنى.

المسألة العاشرة: في استحالة الانتقال والبقاء على الأعراض.

المقصد الثالث في أحكام الجواهر والأعراض، وفيه أربع مسائل:

المسألة الأُولى: في حدوث الأجسام.

المسألة الثانية: في إبطال التسلسل.

المسألة الثالثة: في شُبَه الخصوم والردّ عليها.

المسألة الرابعة: في أنّ العالم لا يجب أن يكون أبديّاً.

المقصد الرابع في الموجودات، وفيه سبع مسائل:

المسألة الأُولى: في أنّ الوجود نفس الماهيّة.

المسألة الثانية: في أن المعدوم ليس بشيء.

المسألة الثالثة: في قسمة الوجود إلى القديم والمحدث.

المسألة الرابعة: في أنّ القديم لا يستند إلى المؤثّر.

٢٠٦

المسألة الخامسة: في انقسام الموجود إلى الواجب والممكن.

المسألة السادسة: في خواصّ الواجب لذاته تعالى.

المسألة السابعة: في خواصّ الممكن لذاته.

المقصد الخامس في إثبات الصانع وتوحيده وأحكام صفاته، وفيه تسع عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في إثباته.

المسألة الثانية: في أنّه تعالى قادر.

المسألة الثالثة: في أنّه تعالى عالم.

المسألة الرابعة: في أنّه تعالى حيّ.

المسألة الخامسة: في أنّه تعالى سميع بصير.

المسألة السادسة: في أنّه تعالى مريد.

المسألة السابعة: في أنّه تعالى متكلّم.

المسألة الثامنة: في أنّه تعالى غنيّ.

المسألة التاسعة: في نفي المعاني والأحوال.

المسألة العاشرة: في أنّه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض.

المسألة الحادية عشرة: في أنّه تعالى ليس بمتحيّز.

المسألة الثانية عشرة: في أنّه تعالى ليس حالاًّ في غيره.

المسألة الثالثة عشرة: في أنّه تعالى يستحيل قيام الحوادث بذاته تعالى.

المسألة الرابعة عشرة: في أنّه استحالة رؤيته تعالى.

المسألة الخامسة عشرة: في أنّه تعالى قادر على كلّ مقدور.

المسألة السادسة عشرة: في أنّه تعالى عالم بكلّ معلوم.

المسألة السابعة عشرة: في أنّه تعالى واحد.

المسألة الثامنة عشرة: في أنّه إبطال الماهيّة.

٢٠٧

المسألة التاسعة عشرة: في أنّ كلامه تعالى حادث.

المقصد السادس في استناد صفاته إلى وجوبه تعالى، وفيه خمس مسائل:

المسألة الأُولى: في أنّ المؤثّر واجب الوجود لذاته.

المسألة الثانية: في استناد سلب العرضيّة والجسميّة عنه تعالى إلى الوجوب.

المسألة الثالثة: في أنّه تعالى ليس له صفة زايدة على الماهيّة.

المسألة الرابعة: في أنّه يستحيل عليه التغيّر.

المسألة الخامسة: في أنّه تعالى مبتهج بذاته.

المقصد السابع في العدل، وفيه خمس مسائل:

المسألة الأُولى: في التحسين والتقبيح.

المسألة الثانية: في أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح.

المسألة الثالثة: في أنّا فاعلون.

المسألة الرابعة: في أنّه تعالى لا يريد القبيح.

المسألة الخامسة: في المتولّدات.

المقصد الثامن في الآلام والأعواض، وفيه ثمان مسائل:

المسألة الأُولى: في الوجه الذي يقبح له الألم.

المسألة الثانية: في الوجه الذي يحسن به الألم.

المسألة الثالثة: في الوجه الذي يحسن منه تعالى فعل الألم به.

المسألة الرابعة: في إبطال قول البكريّة والتناسخيّة.

المسألة الخامسة: في إثبات العوض على الله تعالى.

المسألة السادسة: في الانتصاف.

المسألة السابعة: في انقطاع العوض.

المسألة الثامنة: في أنّ العوض (لا يسقط) بالهبة والإبراء.

٢٠٨

المقصد التاسع في أفعال القلوب ونظائرها، وفيه اثنتا عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في العلم.

المسألة الثانية: في جواز تعلّق العلم بمعلومين.

المسألة الثالثة: في اختلاف العلوم باختلاف المعلومات.

المسألة الرابعة: في مباحث متعلّقة بالإرادة.

المسألة الخامسة: في إبطال كلام النفس.

المسألة السادسة: في حدّ اللذّة والألم.

المسألة السابعة: في ماهيّة القدرة.

المسألة الثامنة: في أنّ القدرة قبل الفعل.

المسألة التاسعة: في تعلّق القدرة بالضدّين.

المسألة العاشرة: في متعلّق القدرة.

المسألة الحادية عشرة: في أنّ القدرة غير موجبة للفعل.

المسألة الثانية عشرة: في أنّ القدرة غير باقية.

المقصد العاشر في التكليف، وفيه أربع مسائل:

المسألة الأُولى: في شروطه.

المسألة الثانية: في ماهيّة الإنسان.

المسألة الثالثة: في بيان حسن التكليف.

المسألة الرابعة: في استحالة تكليف ما لا يُطاق.

المقصد الحادي عشر في الألطاف، وفيه خمس مسائل:

المسألة الأُولى: في حدّه.

المسألة الثانية: في وجوبه.

المسألة الثالثة: في أنّه لا يجوز فعل اللطف بالقبيح.

المسألة الرابعة: في أنّه تعالى لا يحسن منه العقاب عند منع اللطف.

٢٠٩

المسألة الخامسة: في الأصلح في الدنيا.

مسائل أربع في التوحيد

المسألة الأُولى: في كونه عالماً في الأزل.

المسألة الثانية: في كونه تعالى قادراً في الأزل.

المسألة الثالثة: في كونه حيّاً أزليّاً.

المسألة الرابعة: في الجواب عن كلام هشام.

المقصد الثاني عشر في اعتراضات الخصوم في التوحيد والعدل والجواب عنها، وفيه ستّ مسائل:

المسألة الأُولى: في الاعتراض على القدرة والجواب عنه.

المسألة الثانية: في تحقيق معنى كَونه تعالى سمعياً بصيراً.

المسألة الثالثة: في كونه تعالى مريداً.

المسألة الرابعة: في إبطال قِدم الكلام.

المسألة الخامسة: في إبطال دليل الأشاعرة في الرؤية.

المسألة السادسة: في جواب شبهة المجبّرة في التحسين والتقبيح.

المقصد الثالث عشر في الوعد والوعيد، وفيه إحدى عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في أنّ وجوب الثواب والعقاب سمعيّ.

المسألة الثانية: في إبطال الإحباط.

المسألة الثالثة: في أنّ عقاب الفاسق منقطع.

المسألة الرابعة: في إثبات الشفاعة.

المسألة الخامسة: في عدم وجوب قبول التوبة.

المسألة السادسة: في أنّ التوبة واجبة.

المسألة السابعة: في أنّ التوبة يصحّ من قبيحٍ دون قبيح.

المسألة الثامنة: في أنّ المؤمن لا يكفر.

٢١٠

المسألة التاسعة: في الفاسق يسمّى مؤمناً وبيان ماهيّة الإيمان.

المسألة العاشرة: في إثبات الصراط والميزان وغيرهما من السمعيّات.

المسألة الحادية عشرة: في اعتراضات الخصوم على مسائل الوعد والوعيد.

المقصد الرابع عشر في النبوّات، وفيه عشرون مسألة:

المسألة الأُولى: في جواز البعثة.

المسألة الثانية: في شرائط المعجز.

المسألة الثالثة: في إثبات نبوّة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

المسألة الرابعة: في جواز الكرامات.

المسألة الخامسة: في أنّ الأنبياء أشرف من الملائكة.

المسألة السادسة: في الاعتراضات على النبوّة والجواب عنها.

المسألة السابعة: في الإعادة وأحكامها.

المسألة الثامنة: في بقاء الجواهر.

المسألة التاسعة: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر.

المسألة العاشرة: في الآجال.

المسألة الحادية عشرة: في الأسعار.

المسألة الثانية عشرة: في الأرزاق.

المسألة الثالثة عشرة: في بيان عصمة الأنبياء.

المسألة الرابعة عشرة: في الردّ على اليهود.

المسألة الخامسة عشرة: في الردّ على النصارى.

المسألة السادسة عشرة: في الردّ على المنجّمين.

المسألة السابعة عشرة: في إبطال قول الثنويّة.

المسألة الثامنة عشرة: في الردّ على المجوس.

المسألة التاسعة عشرة: في الردّ على عبدة الأصنام.

٢١١

المسألة العشرون: في الردّ على الغلاة.

المقصد الخامس عشر في الإمامة، وفيه: اثنتا عشرة مسألة:

المسألة الأُولى: في أنّها واجبة.

المسألة الثانية: في وجوب العصمة.

المسألة الثالثة: في باقي صفات الإمام.

المسألة الرابعة: في وجوب النصّ.

المسألة الخامسة: في جواب الاعتراضات على ما تقدّم.

المسألة السادسة: في تعيين الإمام.

المسألة السابعة: في الجواب عن اعتراضات الخصوم.

المسألة الثامنة: في النصّ الخفيّ.

المسألة التاسعة: في تتّبع اعتراضات الخصوم.

المسألة العاشرة: في نصوص دالّة على إمامته.

المسألة الحادية عشرة: في إمامة باقي الأئمّة الاثني عشر.

المسألة الثانية عشرة: في حكم المخالفين.

ويبدو أنّ كتاب الياقوت لم يكن كثير الاشتهار بين الشيعة حتّى عصر العلاّمة الحلّيّ مع وجود شرح ابن أبي الحديد. وزاد الاهتمام به وبمؤلّفه بعد انتشار كتاب أنوار الملكوت، وأصبح الاقتباس منه وشرح موضوعاته ونقل أقوال مؤلّفه أموراً مألوفةً. ومن ذلك ما قام ابن أُخت العلاّمة الحلّيّ - وهو السيّد عميد الدين عبد المطّلب الحسينيّ الحلّيّ (٦٨١-٧٥٤هـ) - من شرح الكتاب المذكور. وقضى بين المؤلّف الأصليّ أبي إسحاق والشارح، أي: العلاّمة الحلّيّ(١) .

ونظم الشيخ شهاب الدين إسماعيل بن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله

____________________

١ - روضات الجنّات ٣٧٥.

٢١٢

العُوديّ العامليّ كتاب الياقوت في أرجوزة. وكان هذا الشيخ من أدباء جبل عامل وشعرائه. وعاش قبل سنة ١٠٩٧هـ، وهي سنة تأليف كتاب أمل الآمل(١) . وكان أحد علماء الشيعة قد رتّب مختارات من شرح الياقوت(٢) .

كتاب الابتهاج

كان للشيخ أبي إسحاق النوبختيّ كتاب آخر في أحد المباحث الكلاميّة تحت عنوان الابتهاج، أشار إليه المؤلّف نفسه في كتاب الياقوت. وذكر العلاّمة الحلّيّ أنّ الكتاب لم يصل إليه.

موضوع الكتاب إثبات اللذّة والسرور والابتهاج للباري تعالى. وهو الموضوع الذي نفاه المتكلّمون جميعاً، وجهد الفلاسفة في إثباته. ووافقهم الشيخ أبو إسحاق على ذلك خلافاً لمتكلّمي الشيعة وغيرهم. قال الفلاسفة: (واعلم أنّ كلّ خير مؤثّر وإدراك المؤثّر من حيث هو مؤثّر حبّ له، والحبّ إذا أفرط سُمّي عشقاً. وكلّما كان الإدراك أتمّ والمدرك أشدّ خيريّة كان العشق أشدّ. والإدراك التامّ لا يكون إلاّ مع الوصول التامّ، ويكون ذلك على ما مرّ لذّة تامّة وابتهاجاً تامّاً. فإذن العشق الحقيقيّ هو الابتهاج بتصوّر حضور ذاتٍ ما هي المعشوقة. ثمّ لمّا كان الشوق عندنا من لوازم العشق وربّما يشتبه أحدهما بالآخر أشار إلى الشوق أيضاً, وذكر أنّه الحركة إلى تتميم هذا الابتهاج. ولا يتصوّر ذلك إلاّ إذا كان المعشوق حاضراً من وجه، غائباً من وجه. ثمّ أثبت العشق الحقيقيّ للأوّل تعالى لحصول معناه هناك، فإنّه الخير المطلق وإدراكه لذاته أتمّ الإدراك... فإذن يجوز أن يكون

____________________

١ - أمل الآمل ٤٢٨ (ذيل رجال الاسترآباديّ) وص ٧ (ذيل رجال أبي عليّ). وورد فيهما اسم الشاعر سهواً على أنّه أحمد، في حين جاء في مخطوطة أمل الآمل العائدة لي - التي تمّ استنساخها من النسخة المكتوبة بخطّ المؤلّف سنة ١٢٠٥هـ، وفي كتاب الحجب والأستار ٣٨ أنّ اسمه: إسماعيل.

٢ - بحار الأنوار ٢٦: ١٧٣.

٢١٣

إدراك الغير موجباً للحبّ وإدراكه تعالى غير موجب له. والجواب: إنّ الحبّ ليس هو الإدراك فقط، بل هو إدراك المؤثّر من حيث هو مؤثّر. وإدراك الكمال إنّما يوجب حبّه لكون الكمال مؤثّراً. ولمّا كان الكمال وإدراكه موجودَين للأوّل تعالى حكموا بثبوت الحبّ هناك)(١) .

هذا القول - أعني: إثبات السرور واللذّة لله تعالى - هو قول الفلاسفة كما أشرنا، بَيْد أنّهم استعملوا كلمة (الابتهاج) مكان (اللذّة) و(السرور) المتداولتين وكانوا يَرَون أنّ إثبات ذلك بمنزلة إثبات النقص لله تعالى، ويقولون إنّ اللّذة من توابع اعتدال المزاج ولا تصحّ نسبتها إلى الله تعالى الذي لا يُنسَب إليه المزاج. يضاف إلى ذلك أنّنا إذا اعتبرنا اللذّة قديمة أو حادثة، فهي في الحالة الأُولى تتنافى مع الأزليّة الإلهيّة، وفي الحالة الثانية تجعل الله تعالى محلاًّ للحوادث.

على الرغم من هذا الاعتراض الذي أبداه معظم المتكلّمين فإنّ الفلاسفة وعدداً من أهل الكلام أجابوا عن الاعتراضات المتقدّمة وقاموا بإثبات السرور والابتهاج، بل الغمّ والألم لله تعالى بالأدلّة العقليّة والنقليّة. وكان أبو شعيب - وهو من قدماء المعتزلة - يرى استناداً إلى بعض الآيات القرآنيّة أنّ السرور والغمّ والغَيرة والأسف أمورٌ ثابتة لله تعالى بَيد أنّ سائر المتكلّمين كانوا يؤوّلونها بوجوه أُخرى. وكان حجّة الله الإمام محمّد الغزاليّ - أحد متكلّمي الأشاعرة - يجيز إثبات اللذّة لله تعالى(٢) . وكان لابن أبي الحديد الذي شرح كتاباً آخر للشيخ أبي إسحاق النوبختيّ - هو كتاب الياقوت - رأي في مبحث اللذّة والألم ونسبتهما إلى الباري تعالى، وكتب رسالة أُخرى في هذا الموضوع(٣) لكنّها ليست في متناول

____________________

١ - شرح الإشارات، النمط الثامن، نصير الدين الطوسيّ.

٢ - شرح نهج البلاغة ١: ٢٩٧.

٣ - نفسه ١: ٤٧٥.

٢١٤

أيدينا. ونحتمل أنّ هذه الرسالة شرح لكتاب الابتهاج، ومن قبيل ردّ آرائه. ونقل أبو إسحاق النوبختيّ في كتاب الياقوت، في مبحث اللذّة والألم وإثبات الابتهاج لذات الباري تعالى، قول أبي بكر محمّد بن زكريّا بن يحيى الرازيّ الطبيب والفيلسوف المعروف الذي توفّي - في أصحّ الأقوال - سنة ٣٢٠هـ، في باب اللذّة و ردّ عليه. ومع أنّ اسم الرازيّ غير مذكور في كتاب الياقوت إلاّ أنّ العلاّمة الحلّيّ أشار في شرح الكتاب إلى نسبة ذلك الرأي إليه. وكان الرازيّ الذي يُعدّ من أنصار فورون اللّذيّ(١) في هذا الرأي قد أخذه من الفلاسفة الإغريق الشكّاكين في القرن الثالث قبل الميلاد، وهو مذكور في الكتب الأُخرى باسمه أيضاً(٢) .

ونقض ناصر خسرو في كتاب زاد المسافرين أقوال محمّد بن زكريّا مراراً، وقال في ردّ رأيه في اللذّة: (قال هذا الرجل [محمّد بن زكريّا] في بداية مقالته: إنّ اللذّة الحسّيّة ليست إلاّ الراحة من المشقّة، والمشقّة ليست إلاّ الخروج من الطبيعة، واللذّة ليست إلاّ الرجوع إلى الطبيعة، والرجوع إلى الطبيعة ليس إلاّ الخروج من المشقّة)(٣) .

ولا يتّفق هذا الرّأي مع رأي الفلاسفة الأوائل ومتكلّمي المعتزلة؛ لأنّ هؤلاء يقولون: (الألم إدراك المنافر أو المنافي واللذّة إدراك الملائم)(٤) . وقال أبو إسحاق النوبختيّ في كتاب الياقوت: (الألم إدراك المنافي واللذّة إدراك الملائم، وليس الخلاص من الألم كلذّة المبصر مبتدأً لصورة جميلة).

الشقّ الأوّل من هذا الكلام تعريف للّذّة والألم حسب رأي جمهور الفلاسفة والمعتزلة. والشقّ الثاني منه قول محمّد بن زكريّا الذي ردّ عليه أبو إسحاق بدليلٍ

____________________

١ - pyrrhon.

٢ - مختصر الدول ٧٧؛ القفطيّ ٢٦٠؛ زاد المسافرين ٢٣١-٢٤٤.

٣ - زاد المسافرين ٢٣١.

٤ - التعريفات ١٥، ٨٣؛ مجمع البحرين ٢٤٨.

٢١٥

أتى به. و ذكر أنّ اللّذّة قد تظهر بدون أن يسبقها ألم، كما لو أريت صورة جميلة لأحد بدون أن يُمنى بألم الشوق سابقاً فإنّه يلتذّ برؤيتها، وحينئذٍ ليس في هذه الصورة لذّة الراحة من الألم والخلاص منه.

وكان محمّد بن زكريّا قد كتب مقالة مستقلّة في شرح اللّذّة وأراد أن يثبت أنّ اللّذّة قسم من أقسام الراحة، داخلة في ذيله(١) . ولم تَرُق هذه المقالة متكلّمي عصره وفلاسفته، حتّى نقضها في حياته الفيلسوف والشاعر الفارسيّ أبو الحسن شهيد بن حسين البلخيّ الذي سبق الشاعر الرودكيّ، أي: قبل سنة ٣٢٩هـ، وتوفّي - على قولٍ - سنة ٣٢٥هـ، وكان يتّبع المتكلّم المعتزليّ المعروف أبا القاسم عبد الله بن أحمد الكعبيّ البلخيّ في الفلسفة. وكتب ابن زكريّا نقضاً على نقض شهيد البلخيّ(٢) .

إنّ ذكرنا لرأي محمّد بن زكريّا في باب اللّذّة وردّه من قبل أبي إسحاق النوبختيّ دليل آخر على أنّ مؤلّف كتاب الياقوت كان ممّن عاش بعد زمان ابن زكريّا أو في الأقلّ كان من معاصريه في القسم الأخير من حياته.

____________________

١ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ١: ٣١٥؛ زاد المسافرين٢٣٥.

٢ - الفهرست ٣٠١؛ القفطيّ ٢٧٥.

٢١٦

الفصل التاسع

أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل (المقتول سنة ٣٢٢هـ)

ونجله أبو الفضل يعقوب

كان لأبي سهل إسماعيل بن علي المتكلّم المعروف ولد آخر غير أبي الحسن عليّ الذي مرّت بنا ترجمته في ذيل سيرة أبيه المذكورة في الفصل السادس، وأصبح أشهر من أخيه بسبب نفوذه في جهاز الخلافة وتدخّله في الأعمال الديوانيّة والإداريّة.

ومن المؤسف أنّ تعيين نسب عدد من آل نوبخت وزمانهم أمر عسير، كما أنّ التحقيق الصحيح في ذلك يبدو متعذّراً. ويعود ذلك إلى قلّة المعلومات المفصّلة المنظّمة حول ترجمة أشخاص عديدين منهم، وإلى تعدّد الأسماء المشتركة في هذه الأُسرة، فالطريق مفتوح للحدس والتخمين والوقوع في الخطأ. من هنا لا نطمئنّ إلى أنّنا سنكون مصونين من الخبط في إلحاق نسب بعض الأشخاص غير المشهورين من آل نوبخت بالمشاهير الذين سبقوهم، مع عنائنا الكبير، وتدقيقنا، واحتياطنا في البحث. ولن يتيسّر تحديد صحّة أو سقم بعض هذه الفقرات التي نظّمناها من وحي الاضطرار حدساً وظنّاً إلاّ بالحصول على معلومات أُخرى.

٢١٧

وحينئذٍ تكتمل هذه الرسالة التي هي بمنزلة التمهيد لبحث مفصّل في هذا الموضوع، وتصحّح أخطاؤها بمساعدة العلماء الآخرين وجهودهم.

وكان بين آل نوبخت رجل آخر يُدعى إسحاق بن إسماعيل بن نوبخت وهو من أصحاب الإمام أبي الحسن عليّ بن محمّد الهاديعليه‌السلام (٢١٤-٢٥٤هـ)(١) ومن الطبيعيّ أنّ هذا الرجل لا يمكن أن يكون أبا يعقوب إسحاق بن إسماعيل بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت المقتول سنة ٣٢٢هـ المترجَم له في هذا الفصل؛ لأنّ المدّة الواقعة بين وفاة الإمام العاشرعليه‌السلام وقتل أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل قرابة سبعين سنةً. ومن المستحيل أن يكون الولد من أصحاب الإمامعليه‌السلام في حين كان عمر أبيه أبي سهل إسماعيل سبع عشرة سنةً عند وفاة الإمامعليه‌السلام (كانت ولادة أبي سهل إسماعيل سنة ٢٣٧هـ كما مرّ بنا).

وإسحاق بن إسماعيل بن نوبخت هذا الذي عدّه مؤلّفو كتب الرجال من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام لا يمكن أن يكون إلاّ إسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، وهو ابن إسماعيل نديم أبي نواس وجامع ديوانه وأخباره، وقد استعرضنا سيرته في سياق ترجمة أولاد ابي سهل بن نوبخت. وكان لإسحاق بن إسماعيل هذا ولد أيضاً يُدعى يعقوب، ذكره المرزبانيّ باسم يعقوب بن إسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت. وكان معاصراً للمتكلّم المعروف أبي محمّد الحسن بن موسى (المتوفّى في إحدى السنوات الواقعة بين سنة ٣٠٠ وسنة ٣١٠هـ) ونقل عنه أبو محمّد خبراً حول أبي نواس كان يعقوب قد سمعه من جدّه إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت(٢) . ويبدو أنّ يعقوب بن إسحاق هذا هو الذي روى خبراً صغيراً من أخبار الإمام الرّضاعليه‌السلام (٣) . ولمـّا كان المرزبانيّ قد ذكر نسبه كلّه،

____________________

١ - رجال الاسترآباديّ ٥١؛ رجال التفرشيّ ٣٩ وغيرهما، نقلاً عن رجال الطوسيّ.

٢ - الموشّح ٢٧٤.

٣ - مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٥: ٩٥.

٢١٨

فلا يبقى شكّ في أنّه من فرع آخر من فروع آل نوبخت - أي: من أولاد إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت - لا من أعقاب أبي سهل إسماعيل بن عليّ وأخلافه. وكلّهم أولاد إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت. ومن الطبيعيّ أنّنا ينبغي أن نتنبّه إلى أنّ يعقوب بن إسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت هو غير أبي الفضل يعقوب بن إسحاق بن أبي سهل إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت الذي سنشير إلى ترجمته في ذيل هذا الفصل؛ لأنّ موضوع هذا الفصل هو أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن أبي يعقوب إسحاق. وسنذكر أنّه كان من عمّال السلاطين وكتّابهم، ومن الذين مدحهم البحتريّ الشاعر المشهور.

وكان لإسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت - الذي كان من أصحاب الإمام الهاديعليه‌السلام - ولدان آخران غير يعقوب المارّ ذكره. أحدهما: عليّ بن إسحاق بن إسماعيل الذي روى طَرَفاً من أخبار أبي نواس(١) ، وهو غير عليّ بن إسحاق بن أبي سهل والد المتكلّم الشهير أبي سهل إسماعيل، وإن كان اسم جدّه إسماعيل. والآخر: الحسن بن إسحاق الكاتب الذي كان ولداه أحمد ومحمّد قد تقارن زمانهما مع بداية الغيبة الصغرى، وممّن كانا قد رأيا الإمام القائمعليه‌السلام قبل الغيبة(٢) .

وبعد ذكر هذه المقدّمات التي رأينا ضرورة بيانها رفعاً للخلط والالتباس، نستعرض فيما يأتي ترجمة أبي يعقوب إسحاق بن أبي سهل إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت الذي كان من مشاهير الكتّاب في البلاط العبّاسيّ، وممّن مدحهم البحتريّ.

إنّ أوّل مرّة ذكر التاريخ فيها إسحاق بن إسماعيل هي سنة ٣١٢هـ. أي: بعد وفاة أبيه أبي سهل إسماعيل بسنةٍ. بَيْد أنّ الثابت هو أنّ إسحاق وابنه أبا الفضل يعقوب

____________________

١ - أخبار أبي نواس ١: ١٥٦.

٢ - كمال الدين وتمام النعمة ٢٤٦.

٢١٩

كانا من ذوي الشأن والنفوذ ومن أعيان البلاط والعاملين في الدواوين قبل هذا التاريخ بمدّة، لأنّ البحتريّ الذي مات سنة ٢٨٣ أو ٢٨٤هـ كان قد مدحهما. ويُستشفّ من إحدى مدائح البحتريّ أنّ أبا يعقوب إسحاق بن إسماعيل كان مكلّفاً بمهمّةٍ في أطراف العواصم(١) وقنِّسرين، إذ طهّر حدود قنّسرين من رجلٍ معتدٍ وأراح الرعيّة منه، وجمع الناس بعد فُرقتهم وعامَلَهم بالعدل والإنصاف وكان البحتريّ أحدهم، فقال في قصيدةٍ له مشيراً إلى ذلك:

إنّ العواصمَ قد عُصِمْنَ بأبيضٍ

ماضٍ كصَدرِ الأبيضِ المسلولِ(٢)

أعطى الضَعيفَ مِنَ القويِّ وَرَدَّ مِنْ

نَفْسِ الوحيدِ ومنَّةِ المخذولِ

عزَّ الذليلُ وَقَد رآكَ تَشُدُّ مِن

وَطْءٍ عَلى نَفْسِ العزيزِ ثقيلِ

ورَحضتَ قِنِّسرين حتّى أُنقِيَتْ

جَنَباتُها مِن ذلكَ البِرطيلِ

وكَمَعْتَ شِدقَ الآكِلِ الذَّرْبِ الشَّبَا

حتى حَمَيتَ جُزارَةَ المأكولِ

أحكمتَ ما دَبَّرْتَ بالتقريب

والتبعيدِ والتصعيبِ والتسهيلِ

لو لا التَّبايُنُ في الطَّبائعِ لم يَقُمْ

بُنيانُ هذا العَالَمِ المجبولِ

قولٌ يُتَرجِمُهُ الفِعال وإِنَّما

يُتَتَهَّمُ التّنزيلُ بالتّأويلِ

ماذا نَقُولُ وقَد جَمَعتَ شتاتَنا

وأتَيتَنا بِالعَدلِ والتعديلِ(٣) ؟!

وهذه المهمّة التي نأسف أنّنا لا نعلم متى تحقّقت وما هو موضوعها كانت - حسب ما تفيده القرائن - في أواخر عمر البحتريّ الذي كان يعيش يومئذٍ في أطراف العواصم، وتوفّي في حلب أو مَنْبج سنة ٢٨٣ أو ٢٨٤هـ.

وليس لدينا اطّلاع على حياة أبي يعقوب إسحاق منذ وفاة البحتريّ حتّى سنة

____________________

١ - كانت العواصم مجموعة قلاع بين حلب وأنطاكية، وهي واقعة بين أراضي المسلمين والمناطق الخاضعة لنفوذ النصارى. وكانت ملجأً للمسلمين عند عودتهم من جهاد النصارى.

٢ - هذه الأبيات من قصيدة في مدح أبي يعقوب إسحاق. وقد ذكرنا قسماً منها في الصفحات الأُولى من الكتاب.

٣ - ديوان البحتريّ ١٧٨-١٧٩.

٢٢٠

٣١٢هـ. وعندما أقال المقتدر العبّاسيّ أبا القاسم عبد الله بن أبي عليّ محمّد بن يحيى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان الخاقانيّ من الوزارة سنة ٣١٣هـ، وعيّن مكانه أبا العبّاس أحمد بن عبيد الله الخصيبيّ يوم الخميس، الحادي عشر من شهر رمضان تلك السنة، صادر الوزيرُ الجديد ممتلكاتِ الوزير السابق وممتلكات عمّاله وكتّابه، ومنهم أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ الذي سُجن وحُكم عليه بدفع غرامة(١) .

ثمّ عزل المقتدرُ الخصيبيَّ عن الوزارة في الحادي عشر من ذي القعدة سنة ٣١٤هـ، وعيّن مكانه أبا الحسن عليّ بن عيسى الجرّاح مرّة أُخرى، ونصب أبا القاسم عبد الله بن محمّد الكلواذانيّ نائباً له.

وفي حوار دار بين الخصيبيّ وعليّ بن عيسى حول الشؤون الماليّة في بداية الوزارة الثانية لعليّ بن عيسى طلب الوزير الجديد من الخصيبيّ الأموال التي كانت قد صودرت في أيّام وزارته، فقال الخصيبيّ إنّ نسخة ممّا كتبه الأشخاص المصادرة أموالهم، والذين تكفّلوا بدفع الغرامة اللاّزمة إنّما هي عند هشام بن عبد الله متصدّي ديوان المصادرين. فدفع هشام قائمة بأسماء العمّال والكتّاب الذين تكفّلوا غرامةٍ - وكانوا قد أودعوا تعهّداً خطّيّاً في هذا المجال - إلى عليّ بن عيسى. ومن هؤلاء العمّال أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ الذي كان مسؤولاً عن أموال النهروانات(٢) قبل الوزارة الثانية لعليّ بن عيسى، وكان في ذمّته مال كثير على ما أفاده تقرير هشام بن عبد الله، ولم يدفع إلاّ مبلغاً ضئيلاً منذ تعيين عليّ بن عيسى وزيراً إلى أن جاء الوزير الجديد من الشام إلى العراق(٣) .

____________________

١ - تجارب الأُمم ٥: ١٤٤.

٢ - النهروانات هي النهروان الأعلى، والنهروان الأوسط، والنهروان الأسفل وكانت واقعة شرق السواد على ضفاف دجلة بين بغداد وواسط.

٣ - تاريخ الوزراء للصابي ٣١٢.

٢٢١

يستبين من هذا الكلام أنّ إسحاق بن إسماعيل، بعد أن كان سجيناً في عهد الخصيبيّ - أي: في رمضان سنة ٢١٣هـ - وصودرت أمواله، تولّى مسؤوليّة أموال النهروانات، وظلّ في منصبه حتّى أواخر وزارته التي لم تَدُم أكثر من أربعة عشر شهراً.

وحدثت جفوة بين المقتدر وخادمه وصاحب شرطته مؤنس المظفّر سنة ٣١٥هـ. وكان مؤنس قد نُصب والياً على الروم، وامتنع عن المثول أمام المقتدر لتوديعه بسبب الجفوة المذكورة. والتفّ حوله عسكر السلطان العبّاسيّ وجميع قادته وحواشيه وغلمانه فاضطرّ المقتدر إلى استعطافه، بَيْد أنّ جماعة من عسكره ظلّوا على تمرّدهم. ومن أسباب ذلك أنّ عليّ بن عيسى كان قد أحال دفع نفقاته ونفقات بطانته إلى أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ، لكنّه لم يدفعها إليهم. ولا حَقَ عليُّ بن عيسى إسحاقَِ بن إسماعيل وقبض عليه فسجنه هو وكاتبه أحمد بن يحيى جلخت وجماعة من أصحابه. ثمّ عزله بعد أن أخذ منه تعهّداً بدفع ٥٠٠٠٠ دينار من المال الذي كان في ذمّته(١) ، وكان يومئذٍ على مال واسط. وفي يوم الثلاثاء الخامس عشر من ربيع الأوّل سنة ٣١٦هـ عزل المقتدرُ عليَّ بن عيسى، ونصب مكانه الكاتب الحَسَن الخطّ والأديب البليغ المعروف أبا علي محمّد بن عليّ بن مُقلة الذي لم يتجاوز الرابعة والأربعين منم عمره آنذاك. وأمره - كخطوة أُولى - أن يردع مسؤولي الدواوين عن المطالبة بالمصادرات والغرامات، وأن يُعيد عدداً من العاملين إلى مناصبهم التي كانوا قد فُصلوا منها. ومن هؤلاء أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ الذي كان عليّ بن عيسى قد عزله، فأقرّه على أموال واسط(٢) .

ومنذ هذا التاريخ حتّى ٣٢٠هـ التي نُصب فيها القاهر العبّاسيّ حاكماً،

____________________

١ - تجارب الأُمم ٥: ١٦٠.

٢ - صلة تاريخ الطبريّ لعريب بن سعد القرطبيّ ١٣٦.

٢٢٢

لا نمتلك معلومات حول سيرة إسحاق بن إسماعيل غير أنّ الذي تفيده القرائن هن أنّ حكومته كانت تسير نحو التقدّم تدريجاً، إلى أن قُتِل المقتدر فأصبح مِن بَعده من ذوي النفوذ والاقتدار في البلاط.

وبعد قتل المقتدر في ٢٨ شوّال سنة ٣٢٠هـ أراد مؤنس المظفّر وسائر رجال البلاط أن ينصبوا أحداً مكانه. وكان رأي مؤنس أن يخلفه ولده أبو العبّاس أحمد، بَيد أنّ إسحاق بن إسماعيل لم يوافقه على ذلك ولم يستحسن الرجوع إلى ما كانوا عليه بعد أن تخلّصوا من شرّ المقتدر الذي كانت له أمّ وخالة وخدم كثيرون على حدّ تعبيره. وذكر أنّ عليهم أن يختاروا من يدبّر حاله وحالهم. وأصرّ على ذلك حتّى أقنع مؤنساً بالعدول عن أبي العبّاس أحمد، واختيار أبي منصور محمّد نجل المعتضد بعد إضفاء لقب (القاهر) عليه(١) .

استهلّ القاهر عمله بمصادرة ممتلكات المقتدر وأُمّه. وأجبر أُمّه على تسليم أموالها جميعاً للديوان، وأوكل أبا الحسين عليّ بن عبّاس النوبختيّ في بيعها. فامتنعت من ذلك وقالت: إنّه كان قد وقف هذه الأموال على الكعبة والأمصار الإسلاميّة والضعفاء والمساكين، فلا يحقّ للقاهر أن يسلبها صفة الوقف. أمّا أملاكي فإنّي أضعها تحت تصرّف عليّ بن عبّاس النوبختيّ لبيعها. وشهد القاضي عمر بن محمّد وغيره برفع الوقفيّة عن تلك الأملاك بحضور القاهر. وأوكل القاضي عليّ بن عبّاس النوبختيّ ببيعها. كما خوّل أبا طالب النوبختيّ، وأبا الفرج أحمد بن يحيى جلخت، وأبا يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ ببيع العقارات التي كانت قد صودرت من أُمّ المقتدر ببغداد(٢) .

وعندما تقلّد القاهر الأمر، استوزر أبا عليّ محمّد بن عليّ بن مقلة الذي كان في

____________________

١ - تجارب الأُمم ٥: ٢٤٢، وسائر كتب التاريخ في وقائع سنة ٣٢٠هـ.

٢ - تجارب الأُمم ٥: ٢٤٥.

٢٢٣

مهمّة ببلدة فارس. وأشار عليه مؤنس أن يُنيب عنه أبا القاسم الكلواذانيّ ريثما يصل إلى بغداد.

وصل أبو عليّ قادماً من شيراز في العاشر من ذي القعدة سنة ٣٢٠هـ، وتسلّم مقاليد الوزارة. وتغيّر على الكلواذانيّ لبعض الأسباب فأوقفه وصادر أمواله. وقبض على جماعة من الكتّاب والعمّال، أحدهم إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ، وأوكل أمرهم جميعاً إلى أبي عبد الله محمّد بن خلف النيرمانيّ الذي كان من عمّاله الحاذقين ليطالبهم بالأموال التي كانت في ذمّتهم، فخاف إسحاق بن إسماعيل ومن معه على أنفسهم لاشتهار محمّد بن خلف بالغلظة والشدّة، ففكّروا في الخلاص منه.

لجأ إسحاق النوبختيّ إلى أبي جعفر محمّد بن شيرزاد الذي كان من العاملين في الديوان ومن أصدقائه القدماء فتحدّث أبو جعفر مع ابن مقلة بشأنه. فقال ابن مقلة إنّه مضطرّ إلى إبقائه في السجن؛ لأنّه كان قد قصّر في أداء مالٍ كان عليه أن يدفعه إلى هارون بن غريب(١) في عهد المقتدر، وذكر أنّه لا يطلقه لئلاّ يفعل ما فعله سابقاً. ثمّ سيّر مع أبي جعفر حاجباً من حجّاب الوزارة وبعث بهما إلى إسحاق. ومذ وقعت عين إسحاق على الحاجب، صاح وأخذ بتلابيب أبي جعفر، وطلب منه أن يذهب إلى مؤنس وأن لا يتركه حتّى يخلّصه من مخالب ذلك المجنون، أي: محمّد بن خلف النيرمانيّ. فذهب أبو جعفر إلى مؤنس وألحّ عليه إلحاحاً شديداً، فأرسل أحد رجال البلاط إلى أبي عليّ بن مقلة ليطلق إسحاق، أو ينقذه من محمّد بن خلف ثمّ يشخصه إليه. فلم يَرَ أبو عليّ بُدّاً من أن يستجيب لطلب مؤنس، ويهتمّ بموضوع إسحاق. واستطاع أبو عبد الله البريديّ خلال ذلك أن يخلّص نفسه وإخوته من قبضة محمّد بن خلف، وأن ينقذ إسحاق بن إسماعيل من محنته

____________________

١ - ابن خال المقتدر وأحد أمرائه.

٢٢٤

أيضاً، فخرج الجميع من سجنهم في يوم واحد(١) . وبعد مضيّ مدّة استدعى ابنُ مقلة إسحاق، وأخذ منه تعهّداً خطّيّاً أن يدفع ٢٠٠٠ دينار إلى الديوان في كلّ شهرٍ. وعليه أن يعمل بتعهّده كما كان يفعل في عهد المقتدر. كما أخذ تعهّداً خطيّاً من أولاد البريديّ بدفع ٤٥٠٠ دينار(٢) .

لم تَدُم وزارة ابن مقلة في عهد القاهر أكثر من تسعة أشهر وثلاثة أيّام، إذ وزر من بعده أبو جعفر محمّد بن القاسم بن عبيد الله بن وهب في غرّة شعبان سنة ٣٢١هـ. فاعتقل أبا جعفر محمّد بن شيرزاد الذي كان قد سعى في خلاص إسحاق من السجن، وكانت له منّة عليه، وطالبه بمال كثير. فهبّ إسحاق لإغاثة صديقه القديم أبي جعفر بن شيرزاد شكراً له على صنيعه، وتوسّط له عند أبي جعفر الوزير. فأنقذه من سجنه وأرسله إلى بيته بعد أن أودع تعهّداً خطّيّاً بخطّ ابن شيرزاد على أن يدفع ٢٠٠٠٠ دينار(٣) .

وكان لإسحاق النوبختيّ نفوذ كبير في عهد وزارة أبي جعفر محمّد بن القاسم وتأثير عظيم في قلب الوزير. يضاف إلى ذلك أنّه لمـّا كان متولّيّاً أمر أملاك واسط وحوالَي الفرات، وكان من أعيان بغداد وأصحاب الأملاك والثروة الطائلة فيها، فقد نافس كبار عصره - بما فيهم السلطان العبّاسيّ - في الثراء. من هنا كان يعدّ ملاذاً للمعزولين والمغضوب عليهم كغيره من بعض أفراد الأُسرة النوبختيّة في عصره، فكان يصلح بينهم وبين الوزير.

ومن أشهر الأُسر التي كانت ضالعة في شؤون الحكومة يومئذٍ وكان لها شأنها الكبير لكفاءتها وكياستها هي أُسرة البريديّ التي كانت تتولّى أمر أموال البصرة والأهواز منذ مدّة، بخاصّة أنّ كعبهم علا كثيراً في وزارات ابن مقلة؛ لأنّ أحدهم

____________________

١ - تجارب الأُمم ٥: ٢٤٦-٢٤٩.

٢ - نفسه ٥: ٢٥٣.

٣ - نفسه ٥: ٢٧٠.

٢٢٥

وهو أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن يعقوب بن إسحاق البريديّ كان قد سعى كثيرا في نصب ابن مقلة وزيراً للمقتدر سنة ٣١٦هـ على رغم عليّ بن عيسى. واستحصل منه أمراً بخراج الأهواز، وأمراً ببعض أعمالها الأُخرى لأخويه أبي يوسف يعقوب، وأبي الحسين عليّ، وذلك بعد إعطائه رشوةً مقدارها ٢٠٠٠٠ دينار. وكان أبو عبد الله المذكور متهوّراً مكّاراً داهيةً. وصودرت أمواله وأموال إخوته مرّتين عندما عُزل ابن مثلة من الوزارة خلال فترتين متواليتين. الأُولى في سنة ٣١٨هـ حين فرض عليه المقتدر الإقامة الجبريّة ببغداد، وطالب الإخوة الثلاثة بدفع ٤٠٠٠٠٠ دينار، وهدفه من ذلك أن يدفعوا مقداراً منه في الأقلّ، لكنّهم دفعوه كلّه وعادوا إلى مناصبهم. أمّا الثانية فكانت في سنة ٣٢١هـ بعد فرار ابن مقلة واستتاره في عصر القاهر ولمّا اختفى ابن مقلة خوفاً من القاهر، أخفى البريديّون أنفسهم أيضاً. وولّى أبو جعفر محمّد بن القاسم أحد أصدقائهم على الأهواز والبصرة. وتوسّط إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ بينهم وبين الوزير وأخذ منه الأمان فخرجوا من مخبئهم. ثمّ حثّ الوزير على أن يتحدّث مع السلطان العبّاسيّ بشأنهم ويُعلمه أنّ المصلحة تقتضي إرجاعهم إلى البصرة والأهواز. فقبل الوزير ذلك وتحدّث مع السلطان، ورغّب القاهر في تحصيل مالٍ أكثر من قِبَله فاستجاب القاهر ووعده بالعمل في أوانه.

واستشار السلطان أحد أطبّاء البلاط، فعزم على عزل أبي العبّاس الخصيبيّ من الوزارة، والقبض على أبي جعفر الوزير، وأولاد البريديّ، وإسحاق النوبختيّ. بَيْد أنّه قرّر في البداية أن يجبر الوزير على أخذ مَن كانوا قد تعهّدوا بدفع الأموال، لئلاّ تضيع الأموال التي كان الوزير قد وعد بأخذها، وذلك بدعوتهم إلى داره، وإذا ما نُفِّذت الخطَّة فإنّه يحبس الوزير.

أرسل القاهر أحد خدمه إلى دار أبي جعفر الوزير ليقبض على أولاد البريديّ وإسحاق النوبختيّ الذين كان يظنّ أنّهم فيها. وكان أولاد البريديّ على علمٍ بهذا

٢٢٦

الأمر بواسطة جواسيسهم فاختبأوا قبل وصول مبعوث القاهر. وذهب الخادم إلى دار إسحاق فطفق يفتّشها بحجّة أنّ القاهر قد أُخبر بوجود عدد من الجواري المغنيّات والعازفات على العود فيها(١) . وأمره أن يركب معه ويتوجّه إلى السلطان. وبعد أن علم إسحاق بالأمر، وكان لا يظنّ أنّ الهدف من ذلك إيذاؤه شخصيّاً، أمر جواريه أن لا يَحُلْن دون الخادم في طلب العازفات، ويَدَعْنَه ينجز مهمّته. ثمّ توجّه إلى دار الوزير، فجاء الخادم إليها مباشرة، وقبض عليه وأودعه السجن.

وأرسل السلطان العبّاسيّ مأمورين آخرين لتفتيش دور أولاد البريديّ وإسحاق النوبختيّ. ففتّشوا دور إسحاق في االنوبختيّة وضفاف دجلة، فاستسلم حرمه وأولاده، وقُبض على كاتبه أبي عبد الله أحمد بن عليّ الكوفيّ، وكلّف القاهر عليَّ بن عيسى بتولّي أعمال واسط والأراضي التي تُروى من الفرات، بدل إسحاق النوبختيّ(٢) .

إنّ أبا يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ بنصبه القاهر وإجباره مؤنساً على ذلك، إنّما كان يسعى في دمه. ذلك أنّه لقي حتفه على يد القاهر الناكر للجميل بعد سنتين؛ إذ قتله شرّ قتلة وجحد حقّ نعمة من له فضل عظيم عليه. وكان أبو منصور محمّد القاهر - قبل تقلّده الأمر - يريد أن يشتري جارية تسمّى (رتبة) كانت معروفة بجمالها وحسن غنائها. لكنّ إسحاق النوبختيّ غلاّ في ثمنها واشتراها، فاستاء أبو منصور محمّد من هذا العمل وأضمر له حقداً. وكان قد حدث مثل ذلك بين القاهر وأبي السرايا نصر بن حمدان.

قرّر القاهر أن يقتل أبا السرايا، وإسحاق النوبختيّ سنة ٣٢٢هـ وجاء نفسه

____________________

١ - مع أنّ القاهر كان يعاقر الخمرة ويسمع الأغاني ويعاشر الجواري العازفات لكنّه حرّم الخمر والنّبيذ سنة ٣٢١هـ. وقبض على المغنّين رجالاً ونساءً، ونفاهم.

٢ - تجارب الأُمم ٥: ٢٧٠-٢٧١.

٢٢٧

ووقف على البئر التي أراد أن يلقي فيها هذين المسكينين. فجيء بإسحاق مصفّداً وأُلقي فيه حيّاً. ثمّ أُحضر أبو السرايا، ولمّا أرادوا إلقاءه، تضرّع كثيراً فلم ينفعه. فتعلّق بسعفة نخلة كانت قريبة من البئر فراراً من الموت، فبادر الجلاوزة إلى قطع يده فوقع في البئر. ثمّ طُمّت البئر بالتراب إلى حافّتها، وخُتمت حياة إسحاق الذي كان من أعيان عصره ومن رجالات الأُسرة النوبختيّة بهذا النحو المروِّع. وأشعر هذا العمل عامّة الذين كانوا قد سَعَوا في نصب القاهر سلطاناً أنّهم ارتكبوا خطأً كبيراً. وفي آخر المطاف أُطيح بالقاهر نتيجةً لهذه الممارسات الشنيعة، ونُصب مكانه أبو العبّاس أحمد نجل المقتدر في جمادى الأُولى سنة ٣٢٢هـ بعد إضفاء لقب (الراضي بالله) عليه.

وليس بأيدينا معلومات عن نجل أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل - وهو أبو الفضل يعقوب - إلاّ عن طريق المدائح التي أنشدها البُحتريّ بحقّه. ولمّا كان تاريخها قبل سنة ٢٨٢هـ التي توفّي فيها البُحتريّ، ولم يَرد ذكره في التواريخ، فمن المحتمل أنّه توفّي يومئذٍ ولم يدرك عهد اقتدار أبيه. ونقرأ في ديوان البُحتريّ مديحتين لهذا الشاعر بحقّ أبي الفضل يعقوب. نقلنا قسماً من إحداهما في الفصل الأوّل من هذا الكتاب، أمّا الثانية فقد أنشدها الشاعر أيّام بؤس يعقوب، منها هذان البيتان:

تَفديك أنفُسُنا اللاتي نضُنُّ بها

مِن مؤلماتِ الذي تشكو وأوصابِهْ

لستَ العليلَ الذي عُدناهُ تكرِمَةً

بل العليلُ الذي أصبحتَ تُكْنى بِه(١)

____________________

١ - ديوان البحتريّ ١٩٢. إشارة إلى أبي الفضل، وهي كنية يعقوب بن إسحاق.

٢٢٨

الفصل العاشر

أبو الحسين عليّ بن عبّاس (٢٤٤-٣٢٤هـ)

ونجله أبو عبد الله حسين (وفاته في سنة ٣٢٦هـ)

أبو الحسين عليّ بن العبّاس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت من فرع آخر من السلالة النوبختيّة. يتّصل نسبه ونسب أولاد المتكلّم المعروف أبي سهل إسماعيل بن عليّ وأعمامه بأبي سهل بن نوبخت؛ إذ تفيد المعلومات الواصلة إلينا أنّ اثنين من أولاد أبي سهل بن نوبخت الكثيرين - وهما إسماعيل وإسحاق - كانت لهما أُسرتان وجيهتان. فإسحاق والد عليّ بن إسحاق وجدّ أبي سهل إسماعيل، وأخيه أبي جعفر محمّد لأبيهما، وجدّ أبي محمّد الحسن بن موسى لأُمّه. وكان لأخيه إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت ولدان: أحدهما عبّاس، وهو والد أبي الحسين عليّ المترجَم له في هذا الفصل، والجدّ الأعلى لأبي الحسن موسى بن حسن بن محمّد بن عبّاس المعروف بابن كبرياء الذي سنشير على سيرته في الفصل الثالث عشر، والآخر إسحاق والد يعقوب، وعليّ والحسن الذين تقدّم ذكرهم في الفصل الماضي.

كان أبو الحسين عليّ بن عبّاس من كبار الكتّاب والأعيان والشعراء في بغداد،

٢٢٩

ومن الكرماء الذين يرعون الأدب، وقد عاصر أبا سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ، وكانت تربطهما علاقة واحدة؛ إذ كان والد أبي الحسين عليّ، وهو عبّاس بن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، ووالد أبي سهل إسماعيل، وهو عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت يعدّان ابني عمّ. وكان أبو الحسين عليّ ينظر بعين الاحترام إلى أبي سهل إسماعيل الذي كان عميد الأُسرة النوبختيّة ورئيس الإماميّة في عهده، وقال في مدحه شعراً.

وكان أبو الحسين عليّ تلميذاً في الشعر والأدب لاثنين من كبار شعراء العرب، هما البُحتريّ، وابن الروميّ. وهذان كانا من خاصّة آل نوبخت، ومدّاحيهم، وأغذياء نعيمهم. وجمع أبو الحسين قسماً من أخبارهما وأشعارهما في حياتهما ونقلها إلى الآخرين بالرواية(١) .

ذكره ابن النديم في مصافِّ الشعراء الكتّاب وقال إنّ دفتر شعره كان يبلغ مائتي ورقة(٢) . وذهب الذهبيّ وأبو بكر محمّد بن يحيى الصوليّ (المتوفّى ٣٣٥ أو ٣٣٦هـ) صاحب كتاب الأوراق وتلميذ أبي سهل إسماعيل بن عليّ - الذي كان من معاصريه وكان يعيش معه في مدينة واحدة - إلى أنّ شعره كان سلساً فصيحاً(٣) .

نقل ياقوت الأبيات الآتية من شعره في حقّ أبي سهل إسماعيل بن عليّ عندما كان أبو سهل قد شرب دواءً.

يا محييَ العارفات والكَرَم

وقاتلَ الحادثاتِ والعدمِ

كيف رأيتَ الدواءَ أعقبكَ اللهُ

شفاءً به من السّقمِ

لئن تخطّت إليكَ نائبةٌ

حَطّت بقلبيَ ثقلاً من الألمِ

____________________

١ - معجم الأُدباء ٥: ٢٢٩؛ تاريخ الإسلام للذهبيّ f. ٣٦ a (مخطوطة المكتبة الوطنيّة بباريس).

٢ - الفهرست ١٦٨.

٣ - تاريخ الإسلام f. ٣٦ a؛ كتاب الأوراق f. ١٠٣ a (نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس).

٢٣٠

شَرِبتَ فيها الدواءَ مُرتجياً

دفعَ أذىً من عِظامكَ العِظَمِ

والدهرُ لا بدَّ مُحدِثٌ طَبِعاً

في صفحَتَي كلِّ صارمٍ خَذِمِ(١)

ونقل أبو إسحاق الحصريّ القيروانيّ في زهر الآداب الأبيات الآتية له:

إنْ يخدِم القَلَمَ السَّيفُ الذي خَضِعَت

له الرّقابُ ودانَت خوفَهُ الأُمَمُ

فالموتُ والموتُ لا شيءٌ يغالِبُهُ

مَا زالَ يَتبَعُ مَا يجري بِهِ القَلَمُ

بذا قضى اللهُ للأقلام مُذ بُرِيَت

إنّ السُّيوفَ لها مُذ أُرهِفَت خَدَمُ

وقال الشاعر المشهور أبو الطيّب أحمد بن الحسين المتنبّي (٣٠٣-٣٠٥هـ) معارضاً مضمون ما ورد في شعر أبي الحسين النوبختيّ. ومضمون شعره في الحقيقة هو مقلوب مضمون شعر أبي الحسين:

مازِلتُ أُضْحِكُ إبلي كلّما نَظَرتْ

إلى مَن اختضبت أخفافُها بِدَمِ

أسيرُها بين أصنامٍ أُشاهِدُها

ولا أُشاهِدُ فيها عِفَّةَ الصَّنَمِ

حتّى رجعتُ وأقلامي قوائل لي:

المجدُ للسيفِ، ليس المجدُ للقلمِ

اكتُبْ بنا أبداً بعد الكتابِ بهِ

فإنّما نحن للأسيافِ كالخدم(٢)

وقد وَهِم بعض الرواة في نقل أبيات أبي الحسين عليّ بن عبّاس النوبختيّ باسم أبي الحسن عليّ بن عبّاس بن الروميّ. وهذا الوهم ناتج عن تشابه اسميهما واسمَي أبويهما(٣) . كما أنّ كنيتيهما تتماثلان أيضاً. ولعلّ هذه النقطة من الأسباب التي أدّت إلى اختلاف المؤلّفين في كنية عليّ بن عبّاس، إذ ذكر بعضهم أنّه

____________________

١- معجم الأُدباء ٥: ٣٢٩.

٢- من قصيدة مطلعها:

حتّام نحن نُساري النجم في الظُّلَمِ

وما سراهُ على خُفٍّ ولا قدمِ

انظر ديوان المتنبي، طبعة الشيخ ناصيف اليازجي ٥٣٦-٥٤٠ في مرثية أبي شجاع فاتك (المتوفّى سنة ٣٥٠).

٣- زهر الآداب ٢: ١٢٧.

٢٣١

أبو الحسين، وذكر بعض آخر أنّه أبو الحسن. ونحن نرجّح كنية أبي الحسين للأسباب التي سنذكرها.

وما نعرفه عن الحياة الإدارية لأبي الحسين النوبختيّ هو أنّه لمّا عاد المقتدر العبّاسيّ إلى العرش مرّة أُخرى سنة ٣١٧هـ واستوزر أبا عليّ بن مقلة، وكانت الأموال لا تكفي لدفع رواتب العسكر، فقد وكلّ عليّ بن عبّاس النوبختيّ في بيع بُرودٍ كانت في الخزانة، وبيع بعض الأملاك العائدة له(١) . وعندما أراد القاهر العبّاسيّ - كما قلنا سابقاً - أن يعرض أملاك السيّدة أمّ المقتدر للبيع سنة ٣٢٠هـ أجبرها أن توكّل علي بن عبّاس النوبختيّ في بيعها(٢) .

ذكر الصوليّ أنّ عليّ بن عبّاس النوبختيّ توفّي في سنة ٣٢٤هـ وعمره يناهز الثمانين. بَيد أنّ الذهبيّ الذي نقل لفظ ياقوت نفسه في معجم الأُدباء ذكر أنّه مات سنة ٣٢٧هـ (ذكر السنة بالحروف) في حين جاء في النسخة المطبوعة من معجم الأدباء أنّه مات سنة ٣٢٩ (ذكر السنة بالأرقام). ويبدو أنّ الاختلاف بين رواية الذهبيّ، وما جاء في معجم الأدباء المطبوع نابع من أُسلوب الناشر غير المقبول في استبدال الحروف بالأرقام، لذلك نلحظ أخطاء كثيرة وردت في معجم الأدباء المطبوع لهذا السبب. على أيّ حال يترجّح قول الصوليّ الذي كان من معاصري عليّ بن عبّاس النوبختيّ ومعاشريه على أقوال غيره في تاريخ وفاة النوبختيّ؛ ولهذا اخترناه. وذكر ياقوت أيضاً أنّ كنية عليّ بن عبّاس أبو الحسن (لو ركنّا إلى صحّة النسخة المطبوعة) غير أنّ ابن النديم ذكر أنّ كنيته أبو الحسين. وقوله أقرب إلى الصواب؛ لأنّ عليّ بن عبّاس كان له ولد يُدعى أبا عبد الله حسين، وعصر ابن النديم كان قريباً من عصره.

____________________

١ - تجارب الأُمم ٥: ٢٠٠.

٢ - تجارب الأُمم ٥: ٢٤٥، وص٢٢٣ من هذا الكتاب.

٢٣٢

آل نوبخت والبُحتريّ

كان أبو عُبادة الوليد بن عبيد البُحتريّ الشاعر الكبير (٢٠٦-٢٨٣هـ) - كما أشرنا مراراً - كأبي نواس، وابن الروميّ - ممّن مدح آل نوبخت، وكان من خاصّتهم ومعاشريهم. ومن الذين مدحهم: أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل، وأبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن إسماعيل. وكان بين آل نوبخت من اهتمّ بجمع أشعاره وأخباره. وأكثر من اعتنى منهم بذلك أبو الحسين عليّ وابنه أبو عبد الله حسين كما يبدو. وكان أبو الحسين عليّ يقرأ الأدب والشعر في شبابه على البُحتريّ وابن الروميّ. ولمّا كان نفسه ذا قريحة شعريّة متعلّقاً بالأدب والشعر فقد كان يجمع أخبارهما وأشعارهما. ونقل أبو الفرج الأصفهانيّ في الأغاني حكاية حول البُحتريّ كان عليّ بن عبّاس النوبختيّ قد نقلها إلى عمّه(١) . وأورد أبو إسحاق القيروانيّ حكاية أُخرى في هذا الباب، في كتاب زهر الآداب. وهي في الحقيقة درس صغير علّمه البُحتريّ أبا الحسين عليّ بن عبّاس في الأدب عندما دار الحديث حول مقطوعة مشهورة لأبي نواس.

روى الصوليّ أنّ أبا نواس مرّ ذات يومٍ بالمدائن ومعه عدد من أصحابه، فنزلوا بساباط (بلاش آباد)، ودخلوا مكاناً طيّباً من إيوان كسرى، فشاهدوا آثار جماعة كانوا قد اجتمعوا هناك. ومكثوا خمسة أيّام أمضَوها في شرب الخمر. ثمّ طلبوا من أبي نواس أن ينشدهم في وصف ما شاهدوا فقال:

ودارِ نَدامى عَظّلوها وأدلَجوا

بها أثرٌ منهم جديدٌ ودارِسُ

مَساحِبُ مَنْ جَرِّ الزقاقِ على الثّرى

وأضغافُ رَيحانٍ جَنِيٌّ ويابُ

ولَمْ أرَ منهم غير ما شهدت به

بِشَرقيِّ ساباطَ الدّيارُ البَسابِسُ

حبستُ بها صحبي فجمّعتُ شملَهُم

وإنّي على أمثال تِلكَ لَحَابسُ

أقَمنا بها يوماً ويوماً وثالثاً

ويوماً له يوم التّرحُّلِ خامِسُ

____________________

١ - الأغاني ١٨: ١٦٩.

٢٣٣

تُدارُ علينا الرّاحُ في عَسجديّةٍ

حَبَتْها بأنواعِ التصاويرِ فارسُ

قرارتُها كِسرى، وفي جَنباتِها

مَهاً تَدَّريها بالقِسيِّ الفَوارسُ

فلِلرّاحِ ما زُرَّتْ عليها خُيوبُها

وللماءِ ما دارت عليها القوانِسُ(١)

يقول عليّ بن عبّاس النوبختيّ: (قال لي البُحتريّ: أتعلم من أين أخذ أبو نواس مضمون البيت الثالث؟ قلت له: لا قال: من بيت أبي خراش:

ولم أدرِ مَنْ ألقى عليه رداءهُ

سِوى أنّه قد سُلَّ عن ماجدٍ محضِ(٢)

قلتُ: يختلف هذا عن ذلك. قال: (طريقة الكلام واحدة وإن اختلف المعنى)(٣) .

ونقل الخطيب البغداديّ أيضاً مقطوعة شعريّة تدور حول أخبار البُحتريّ عبر عدد من الوسائط، عن أبي عبد الله الحسين بن عليّ النوبختيّ(٤) .

آل نوبخت وابن الروميّ

كان الشاعر الشيعيّ المعروف أبو الحسن عليّ بن العبّاس بن الروميّ من المتربّين عند آل نوبخت ومن مادحيهم، وكان أكثر تعامله مع أبي سهل إسماعيل بن عليّ وأخيه أبي جعفر محمّد الكاتب، وأبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل، ونجله أبي الفضل. وقد ذكرنا سابقاً مدحه لهم.

____________________

١ - عُدّ شعره هذا آية على ميل الشاعر إلى إيران والآداب الفارسيّة (أخبار أبي نواس ١: ٣٨-٣٩). وكان الجاحظ يقول ما مضمونه: لم يسبق أحد أبا نواس في إيراد هذا المضمون وتقدّمُه في هذا المعنى ثابت. (زهر الآداب ٣: ١٥٨).

٢ - أبو خِراش خويلد بن مرّة الهُذَليّ من شعراء صدر الإسلام توفّي في عهد الخليفة الثاني (الشعر والشعراء ٤١٨). وهذا البيت من قصيدةٍ له في رثاء أخيه عروة، وهي موجودة كاملةً في زهر الآداب للقيروانيّ ٣: ١٥٩؛ وشرح ديوان الحماسة لأبي تمّام ٢: ١٤٣-١٤٥. وبعض أبياتها موجود في كتاب الشعر والشعراء وديوان الحماسة للبُحتريّ ٢٥٦.

٣ - تاريخ بغداد ١٣: ٤٤٧.

٤ - زهر الآداب ٣: ١٥٨.

٢٣٤

وتلمذ أبو الحسين عليّ بن عبّاس النوبختيّ لابن الروميّ أيضاً؛ لذلك نقل قسماً من أخباره وأشعاره لمعاصريه.

وذكر ابن الروميّ في مدائحه لآل نوبخت عطاياهم وفواضلهم وهباتهم مراراً، منها أنّه خاطب أبا جعفر محمّد بن عليّ عند التماس الكسائيّ له:

عجائبُ هذا الدهرِ عندي كثيرةٌ

فيابنَ عليٍّ لا تَزِدْني عَجَائبا

عَلَينا بنُعماكُم مِن اللهِ أنعُمٌ

فلا تَجعلوها بالجفاءِ مَصائبا(١)

ووصف نفسه في قصيدة أُخرى أنّه خادم آل نوبخت، وسمّى أبا جعفر محمّد بن عليّ المُنعِمَ عليه في الغيبة والحضور(٢) . مع هذا من العجب أن يستنتج ماسينيون من كلام ورد في مروج الذهب - ونقلنا فقرة منه في ترجمة أبي سهل إسماعيل سابقاً - أنّ أبا سهل كان متّهماً بِسَمِّ ابن الروميّ(٣) . وننقل فيما يأتي كلام المسعوديّ نصّاً لدحض هذه التهمة الواهية:

قال، بعد أن ذكر وفاة أبي الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير المكتفي العبّاسيّ الذي كان سفّاكاً عظيم الهيبة، وبعد أن نقل قتل عبد الواحد بن الموفّق على يده، ونسبة سمّ ابن الروميّ إلى الوزير المذكور:

(ولابن الروميّ أخبار حِسانٌ مع القاسم بن عبيد الله وأبي الحسن عليّ بن سليمان الأخفش النحويّ، وأبي إسحاق الزجّاج النحويّ. وكان ابن الروميّ الأغلب عليه من الأخلاط السوداء، وكان شَرِهاً نَهماً وله أخبارٌ تدلّ على ما ذكرناه من هذه الجمل مع أبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ وغيره من آل نوبخت)(٤) .

إنّ هذا الكلام لا يُشعِر أبداً أنّ أبا سهل إسماعيل بن عليّ النوبختيّ كان ضالعاً

____________________

١ - ديوان ابن الروميّ ١٨٢ طبعة كامل الكيلانيّ.

٢ - نفسه ١٩٣.

٣ - passion s,al-Halladj, p. ١٤٧, note.

٤ - مروج الذهب ٧: ٢٣٣ (طبعة أجنبيّة).

٢٣٥

في سمّ ابن الروميّ أو أنّه كان متّهماً بذلك. يضاف إليه أنّ قصّة ابن الروميّ، والقاسم بن عبيد الله مِنَ القصص المشهورة في التاريخ. ولم يَرد في أيّ كتاب أنّ أبا سهل النوبختيّ كان له أدنى دورٍ في قتل ابن الروميّ، أو كان متّهماً بذلك في الأقلّ.

أبو عبد الله الحسين بن عليّ (نجل أبي الحسين عليّ بن عبّاس)

المتوفّى سنة ٣٢٦هـ

كان أبو عبد الله الحسين بن عليّ نجل أبي الحسين عليّ بن عبّاس المذكور من الكتّاب وعمّال الدواوين أيضاً. أصبح ذا شخصيّة مهمّة في السنين الخمس أو الستّ الأخيرة من عمره، وصار من رجالات الطراز الأوّل في بغداد ونائباً للوزراء فيها أيّام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح الذي كان يومئذٍ ذا نفوذ واقتدار بالغ.

إنّ ما نعرفه عن أبي عبد الله الحسين النوبختيّ يعود إلى السنين الخمس أو الستّ الأخيرة من عمره، في حين يستبين من القرائن أنّه كان في عداد الكتّاب في بعض الولايات قبل هذا التاريخ أيضاً، بخاصّة أنّه كان ينوب عن الأُمراء والشخصيّات التي كانت تتولّى الأعمال الديوانيّة المهمّة في تلك الأرجاء بتكليفٍ من دار الحكومة، كما كان يعمل تحت إشراف أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ. وقبل مقتل هارون بن غريب ابن خال المقتدر العبّاسيّ كان يدير أعمال واسط و(صلح) و(مبارك) نيابة عنه، أي: قبل سنة ٣٢٢هـ. وهذه الأعمال هي التي كانت مِن قبلُ في عهدة أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ، وبعد القبض عليه قلّدها القاهر أبا الحسن عليّ بن عيسى سنة ٣٢١هـ.

عندما تقلّد الراضي بالله الأمرَ سنة ٣٢٢هـ تعهّد أبو يوسف يعقوب البريديّ بالأعمال المذكورة، وأبقى أبا عبد الله الحسين بن عليّ الذي كان يديرها سابقاً من

٢٣٦

قبل هارون بن غريب، نيابة عنه في واسط(١) .

ولا ندري كم ظلّ الحسين بن عليّ النوبختيّ في خدمة أبي يوسف البريديّ، بَيد أنّ ما نعرفه هو أنّه أصبح من خاصّة كتّاب أبي بكر محمّد بن رائق سنة ٣٢٣هـ. وانبرى لمخاصمة آل البريديّ، وحصل على منزلة رفيعة ونفوذ فائق لدى ابن رائق.

وكان أبو بكر محمّد وأخوه أبو إسحاق إبراهيم ولدا رائق غلامَي المعتضد العبّاسيّ. وعندما استعاد المقتدر قدرته سنة ٣١٧هـ ولاّهما على شرطة بغداد فأبليا بلاءً حسناً وبقياً في منصبهما حتّى سنة ٣١٨هـ.

ثمّ استعملهما سنة ٣١٩هـ على البصرة وإدارة أعمالها. ولكن لم تمض فترة قصيرة حتى أجبر مؤنسُ المظفّرُ المقتدرَ على إخراج ياقوت وابنه محمّد، فخرجا من بغداد يوم الأربعاء الثامن من رجب سنة ٣١٩هـ، واستحوذ مؤنس على المقتدر، واستدعى ولدَي رائق وجعلهما حاجبين للمقتدر فشكراه على ذلك. بَيد أنّ المقتدر عزلهما بعد مدّة، وأرجع ياقوتاً إلى منصبه.

توتّرت العلاقة بين مؤنس والمقتدر سنة ٣١٩هـ، وكانت بين محمّد بن ياقوت ومؤنس منافسة قديمة. وعندما عيّنه المقتدر على شرطة بغداد ومحتسبيها، وعيّن أباه ياقوتاً حاجباً، طلب مؤنس من المقتدر أن يعزلهما، فاستجاب المقتدر مضطرّاً وأعاد ابنَي رائق إلى الحجابة. وبعد فترة قصيرة تولّيا ضمان أعمال واسط من الديوان وآزرا المقتدر في الحرب التي انتهت بمقتله سنة ٣٢٠هـ.

وعندما قُتل المقتدر وفرّ أُمراء جيشه، هرب ولدا رائق مع هارون بن غريب ومحمّد بن ياقوت نحو واسط. ثمّ استبدّ محمّد بن ياقوت وكاتبه أبو إسحاق محمّد بن أحمد القراريطيّ الإسكافيّ (٢٨١-٣٥٧هـ)، ولم يعاملا الرؤساء الآخرين

____________________

١ - تكملة تاريخ الطبريّ f. ٥٧ a (نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس).

٢٣٧

- بخاصّة ولدَي رائق - معاملة حسنة، ممّا أدّى إلى استياء سائر الأُمراء من محمّد بن ياقوت. واستغلّ أبو عبد الله البريديّ الخلاف القائم بين أُمراء جيش المقتدر سنة ٣٢١هـ وكانت له صداقة قديمة بأبي عليّ بن مقلة وزير السلطان العبّاسيّ الجديد القاهر بالله فاستمدّ الوزير على العُصاة فأمدّه، واستطاع أن يبدّد شملهم بالمكر والتدبير وذلك المَدَد. وخوّل ولدَي رائق حكومة البصرة ففصلهما عن محمّد بن ياقوت، واستسلم ابن ياقوت. وبعد فترة قصيرة أمر ابن مقلة بإطلاق أملاك ابن رائق التي كانت قد أُوقفت.

استولى ولدا رائق في الأيّام الأخيرة من حكومة القاهر على البصرة والأهواز تدريجاً، وعَظُمت شوكتهما فأخضعا جميع المناطق الواقعة في نطاق هاتين المدينتين لسلطتهما وبعثا بالرسل إلى شتّى المناطق.

ولمـّا تقلّد الراضي العبّاسيّ الأمر اختار أبا بكر محمّد بن رائق حاجباً له. فقدم هذا من الأهواز إلى واسط. وفوّض ابنُ مقلة حكومةَ الأهواز إلى أولاد البريديّ.

وتزامن دخول محمّد بن رائق إلى واسط مع هجوم أبي الحسن عليّ بن بويه الديلميّ عليها واحتلالها. فخرج ابن رائق منها ودخلها ابن بويه بعد هزيمة محمّد بن ياقوت (سنة ٣٢٢هـ).

وحينما صالح ابن بويه السلطان العبّاسيّ وعاد إلى فارس، تقلّد ابن رائق أعمال واسط والبصرة مرّة أُخرى كمعاون فيهما. وفي تلك البرهة ذاتها عيّن أبا عبد الله الحسين بن عليّ النوبختيّ كاتباً له. وأوكل تدبير أُموره إلى ذلك الرجل الكفوء الذي جمع إلى فنّ الإنشاء وطهر الفطرة، كفاءة الإدارة والخبرة. ولكن لمّا ارتقى عمل ابن رائق تدريجاً بفضل تدبيره، فإنّ حسد الآخرين لكاتبه كان يتزايد على مرّ الأيّام. وأكثر مَن كان يسعى في هذا السبيل هو أبو عبد الله أحمد بن عليّ الكوفيّ الكاتب السابق لأبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختيّ وربيب نعمته، الذي دخل - بعد قتل وليّ نعمته - في خدمة أبي إسحاق القراريطيّ كاتب محمّد بن

٢٣٨

ياقوت. ولمـّا حبس الوزير أبو عليّ بن مقلة أخا محمّد بن ياقوت بتدبيره سنة ٣٢٣هـ، صار أبو عبد الله الكوفيّ في خدمة أبي الحسين نجل الوزير، وأصبح من كتّابه.

وعندما توجّه أبو عليّ بن مقلة في هذه السنة إلى الموصل وخَلَف ولده أبا الحسين مكانه في بغداد، ظلّ أبو عبد الله الكوفيّ ملازماً له، بَيْد أنّه كان يفضّل الابتعاد عن البلاط والوزارة. وحين وصل كتاب أبي عبد الله البريديّ من الأهواز معرباً فيه عن تعذّر إرسال المال المقرّر إلى الديوان، ورأى أبو عبد الله الكوفيّ ملامح الغضب على وجه أبي الحسين الوزير، بالغ في تضخيم مضمون الكتاب في عينه وتطوّع للذهاب إلى الأهواز وجمع مال عظيم والإتيان به إلى بغداد. وكتب أبو الحسين كتاباً إلى أبي عبد الله البريديّ يذكر فيه رفض عذره ويُعلمه بمهمّة أبي عبد الله الكوفيّ. ثمّ ذهب الكوفيّ إلى الأهواز بعد إرسال الكتاب. ولمّا كان خائفاً من أبي عبد الله البريديّ، حاول أن يعبّر عن عدائه لخصومه كي يسلم منه. فطفق يعيب ابن مقلة وينتقص منه ويتحدّث عن اضطراب الوضع في بلاط السلطان العبّاسيّ. وممّا ذكره أنّ ابن مقلة بدّد موارد واسط والبصرة بعد تفويض أمرهما إلى محمّد بن رائق. وأعلمه أنّ المسؤول عن تخلخل الوضع، وتعاظم نفوذ ابن رائق هو كاتبه ومدبّر أُموره أبو عبد الله الحسين بن عليّ النوبختيّ. فأحسن إليه أبو عبد الله البريديّ وحثّه على الإطاحة بأبي عبد الله النوبختيّ، بسبب العداء الدفين الذي كان بين أُسرته وبين النوبختيّ، وأبدى له استعداده لبذل المال مهما كان من أجل ذلك. ثمّ اتّخذه نديماً ومستشاراً له تنفيذاً لهذه الخطّة.

وأمضى سنةً كاملةً عنده معزّزاً محترماً، وكان همّه يومئذٍ التخلّص من ثلاث شخصيّات كان لها فضل كبير عليه. ولمـّا كان طموحاً محبّاً للجاه والسمعة فقد أعدّ العدة لإيذاء أبي عليّ بن مقلة، وابنه أبي الحسين، وأبي عبد الله النوبختيّ الذين كانوا من أكبر رجال الدولة آنذاك واستطاع أخيراً أن يقمعهم.

٢٣٩

أمّا محمّد بن رائق فقد كان نفوذه في واسط والبصرة يتعاظم على كرور الأيّام. ولمـّا توفّي أبو بكر محمّد بن ياقوت في حبسه، وكان منافساً قويّاً له، زاد طغيانه واستبداده حتّى جمع حوله جيشاً جرّاراً. ودعا سريّة من جنود مرداويج بن زيار - وكانت قد بقيت بلاد رئيس بعد قتله - ووعدها خيراً وأمّر عليها بَجْكم، وجعلها في خدمته. واستدعى بَجْكم عدداً آخر من أهل الديلم والترك إلى واسط بأمر ابن رائق، وأخضعهم لحكومته. فاستظهر ابن رائق بهم وأبى إرسال المال الذي كان في ذمّته إلى عاصمة الحكم العبّاسيّ سنة ٣٢٤هـ وأعلم السلطان العبّاسيّ بحاجته إلى المال ليصرفه على الجند.

اقترح أبو عليّ بن مقلة على السلطان العبّاسيّ أن يأذن له بالذهاب إلى واسط والبصرة على رأس جيش من أجل تطويع ابن رائق وأخذ المال منه، فوافق السلطان على ذلك. بَيد أنّه كان قد بعث إليه رسولين، وطلب منه أن يُرسل أبا عبد الله النوبختيّ إلى بغداد لمحاسبته. فأبى ابن رائق إرساله، لكنّه عطف إليه الرسولين بهبات أغدقها عليهما. وأعطاهما رسالة سرّيّة إلى السلطان مضمونها أنّ السلطان إذا استدعاه إلى بغداد فسيكفيه تدبير الأعمال عامّة، ويريح باله من نفقات الجيش وواجباته.

ولمـّا رأى ابن مقلة رفض ابن رائق مبعوثه، عزم على مواجهة السلطان؛ ليبعث رسولاً إلى ابن رائق، وللحؤول دون قلقه من تحرّك الوزير والجيش أخذ يطمئنه أنّ الوزير يريد التوجّه نحو الأهواز. وبينا هو عازم على الذهاب عند السلطان لأربع عشرة بقين لجمادى الأُولى سنة ٣٢٣هـ، قام مظفّر بن ياقوت أخو محمّد بن ياقوت - الذي كان يظنّ أنّ الوزير هو السبب في حبس أخيه وقتله - بالقبض عليه بمؤازرة قراولان حجريّة، وأرغم السلطان على عزله، فاستجاب الراضي العبّاسيّ الذي كان دُمية بيد أُمراء الجيش والعاملين في البلاط.

وفي تلك المعمعة قَتَل أبو عبد الله البريديّ - بحيلةٍ وتدبيرٍ ما - ياقوتاً أبا محمّد

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288