آل نوبخت

آل نوبخت20%

آل نوبخت مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 288

آل نوبخت
  • البداية
  • السابق
  • 288 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 91996 / تحميل: 9520
الحجم الحجم الحجم
آل نوبخت

آل نوبخت

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

١ - طبقة المترجمين من اللغة الفارسيّة البهلويّة إلى العربيّة، والمنجّمين، مثل نوبخت، وولده أبي سهل، وعدد من ذراري أبي سهل كعبد الله، وأبي العبّاس فضل.

٢ - متكلّموا الإماميّة، كأبي إسحاق إبراهيم، وأبي سهل إسماعيل بن عليّ، وأبي محمّد الحسن بن موسى.

٣ - أصحاب الأئمة الاثني عشر وخواصّهم، نحو يعقوب بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، وإسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل، وأبي القاسم الحسين بن روح.

٢١

٤ - الأدباء ورواة الشعر، مثل إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، وبعض إخوته، وأبي طالب، ومحمّد بن روح، وأبي الحسين عليّ، وأبي عبد الله حسين.

٥ - الكتّاب كالعلَمين الأخيرين المارّ ذكرهما في الأُدباء ورواة الشعر، وأبي جعفر محمّد بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، وأبي يعقوب إسحاق، وأبي الفضل يعقوب، وعليّ بن أحمد بن عليّ.

٦ - علماء الأخبار الإماميّة، كأبي الحسن موسى بن كبرياء، وأبي محمّد حسن بن حسين، وغيرهما.

وسنرى في الفصول القادمة مفصّلاً أنّ أفراد كلّ طبقة من هذه الطبقات الستّ كانوا محطّ الأنظار ويلهج بذكرهم الخاصّ والعامّ، وعُدّت أقوالهم وكتاباتهم حجّة لمن جاء بعدهم من العلماء، فقيل في منجّميهم إنّهم أعلم الناس بالنجوم(١) ، وقيل في المتكلّمين الذين هم على عقيدة الإماميّة إنّ أقوالهم يُستند إليها(٢) ، وذكر في العلم بالمقالات والآراء والديانات أنّ كتاب أبي محمّد النوبختيّ من الكتب الموثوقة في هذا الفن(٣) ، وصاحبه قدوة تامّة في معرفة الملل والنحل(٤) . وجاء في أخبار الشيعة الإماميّة وتقرير مذهبهم أنّ آل نوبخت كانوا من أركان هذا الدين إذ عُدّوا في مصافّ الشيخ المفيد، وابن بابويه، وأبيه(٥) . وكانوا من أهمّ المراجع وأوثقها في جمع أخبار وأشعار أبي نؤاس، والبحتريّ، وابن الروميّ، ونبغوا في الترجمة حتّى أصبحوا في عداد المترجمين الكبار(٦) .

____________________

١ - ديوان ابن الروميّ ١٢٢-١٢٣.

٢ - بحار الأنوار ١٤: ٣٥٢-٣٥٥.

٣ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١: ٢٩٥، مروج الذهب ٧: ١٥٧-١٥٨، تلبيس إبليس لابن الجوزيّ في مواضع متعدّدة.

٤ - معجم الأدباء ٢: ٢٧٩.

٥ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ٥٩٧.

٦ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ١: ٣٠٩.

٢٢

هذا كلّه حداني على إعداد ترجمة تضمّ أخبار هذه الأُسرة الجليلة؛ فكنت أجمع المعلومات تدريجاً من خلال مطالعة كتب التاريخ والأدب حتّى إذا تمّ لي ما أريد، نظمت هذا الكتاب في فصول مع بعض الملاحظات، وما هو بين يدي القرّاء الكرام لعلّهم يقطفون من ثماره ويكون تذكاراً لهواة المعلومات التاريخيّة والمغرمين بعظمة السلالة الفارسيّة ومجدها.

الفصل الأوّل

نوبخت جدّ الأُسرة

أوّل مَن يُذكر من آل نوبخت ويشار إليه في كتب التاريخ هو نوبخت المجوسيّ الّذي كان عاش عصر المنصور العبّاسيّ (١٣٦-١٥٨هـ)، وإليه ينسب أعضاء هذه الأسرة الكبيرة، وكلّهم أولاده؛ لذا سمّاهم المؤرّخون والكتّاب المسلمون: آل نوبخت، أو بني نوبخت، أو النوبختيّين.

وجاء في منظوم الشعراء ومنثور الأدباء الذين عاصروه أو كانوا قريبين من زمانه أنّ اسمه نوبخت، وضُبط بالياء أيضاً فقيل: نيبخت. ويبدو أنّ كليهما صحيح.

وهذه الكلمة من المفردات الفارسيّة المركّبة، يعني الجزء الأوّل منها (نَو): الطازَج والجديد، والثاني (بخت): الحظّ. وتستعمل الكلمة بجزءيها في الفارسيّة المعاصرة بهذا المعنى أيضاً.

ولعلّ في الفارسيّة القديمة تلفّظاً بين تلفّظ الياء المسبوقة بمتحرّك والواو المسبوقة بمتحرّك في العربيّة، ولمّا كان أداء ذلك متعذّراً حسب الهجاء العربيّ، فقد كانوا يقرأونه بالياء المسبوقة بمتحرّك تارة، وبالواو المسبوقة بمتحرّك تارة أخرى، ولا جرم أنّ كلا الصوتين لا يؤدّي التلفّظ المذكور تماماً، بَيد أنّه لمّا كان أشبه بذلك الصوت من غيره، فقد أُخرج بهاتين الصورتين، وفعل المسلمون العرب ذلك في عدد من ضروب التلفّظ الفارسيّة التي ينعدم نظيرها في العربيّة، وهذا موضوع لا يرتبط ببحثنا.

٢٣

ونحن اليوم لا نعلم على وجه الدقّة كيف كانت تقرأ كلمة (نَو) التي تؤلّف الجزء الأوّل من أسماء وأعلام فارسيّة مركّبة في العصر الساسانيّ؛ ذلك أنّ الأسماء والأعلام المذكورة جميعها وصلت إلينا بإملاء عربيّ، ولا يُعتَمد على تلفّظنا المعاصر من أجل فهم التلفّظ القديم غير أنّنا نعرف أنّ المسلمين العرب كانوا يقرأون الكلمات ذات المقطع الأوّل المماثل لما مرّ بنا بالشكلين المذكورين آنفاً نحو (نوبخت) و(نيبخت)، و(نوروز) و(نيروز) وغيرهما.

وكان آل نوبخت ينسبون أنفسهم إلى (گِبوْ) بن (گودَرْز) بطل (الشاهنامه) المعروف، وأشار الشاعر المشهور البُحتريّ إلى ذلك في قصيدتين من قصائده الّتي مدح بها عدداً من أفراد هذه الأسرة، منها قوله في مدح أبي الفضل يعقوب بن أبي يعقوب إسحاق النوبختيّ:

وإذا أبو الفضل استعار سجيّة

للمكرمات فمن أبي يعقوبِ

لا يحتذي خُلُقَ القصيّ ولا يُرى

متشبّهاً في سؤددٍ بغريبِ

تُمضي صريمتَهُ وتُوقد رأيَهُ

عَزَماتُ جوذَرزٍ وسَوَرةٌ بيبِ(١)

شَرفٌ تتابع كابراً عن كابرٍ

كالرمح أُنبوباً على أُنبوبِ(٢)

وأرى النجابة لا يكون تمامها

لنجيب قوم ليس بابن نجيبِ(٣)

____________________

١ - جوذرز معرّب، وهو أحد أشكال (گودرز) و(بيب) شكل آخر! (گيوا). وكان قلب الواو و(الگاف) الفارسيّة باءً مألوفاً جدّاً على ألسنة الآريّين.

٢ - جرى هذا البيت في آل نوبخت مجرى الأمثال.

٣ - ديوان البحتريّ ١٧٦-١٧٧.

٢٤

وقال هذا الشاعر في قصيدة أُخرى نظمها في مدح أبي الممدوح المذكور، أي: أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت (المقتول سنة ٣٢٢هـ):

ما للمكارم لا تُريد سوى أبي

يعقوبَ إسحاقَ بن إِسماعيلِ؟!

والى أبي سهلِ بنِ نوبختَ انتهى

ما كان من غُررٍ لها وحُجُولِ

نسباً كما اطّردت كُعوبُ مثقَّفٍ

لَدْنٍ يزيدك بسطةً في الطُّولِ

يُفضي إلى بيبِ بن جوذرزٍ الّذي

شهرَ الشجاعةَ بعد فَرطِ خمولِ

أعقابُ أملاكٍ لهم عاداتها

من كلّ نَيلٍ مثل مَدّ النِّيلِ

الوارثون من السرير سُراتَه

عن كلّ ربِّ تحيّةٍ مأمولٍ

والضاربون بسَهمةٍ معروفة

في التاج ذي الشُّرفات والإكليلِ(١)

وكان نوبخت من معاصري المنصور العبّاسيّ، ولمّا كان المنصور أوّل حاكم عبّاسيّ اهتمّ بالتنجيم وأحكام النجوم، ودعا المنجّمين إليه، وعمل بتوجيهاتهم، فقد استقطب أيضاً نوبخت الّذي كان على الدين المجوسيّ، وحثّه على اعتناق الإسلام

ولا يعلم أحد على وجه التحديد متى تعرّف نوبخت على المنصور ومتى انضوى إلى خدمته، وذكر أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغداديّ في تاريخ بغداد(٢) (٣٩٢-٤٦٣هـ)، والسيّد رضيّ الدين عليّ بن طاووس (٥٨٩-٦٦٤هـ) في فرج المهموم(٣) أنّ نوبخت كان مسجوناً في الأهواز قبل أن يحكم المنصور، أي: قبل سنة ١٣٦هـ.

____________________

١ - ديوان البحتريّ ١٧٧-١٧٩.

٢ - تاريخ بغداد ١٠: ٥٤-٥٥.

٣ - مخطوطة في مكتبة الآستانة الرضويّة المقدّسة، مشهد.

٢٥

وحدّث إسماعيل بن عليّ النوبختي تلميذه الحسين بن القاسم الكوكبيّ فقال له: كان جدّنا نوبخت على دين المجوسيّة، وكان في علم النجوم غاية وكان محبوساً بسجن الأهواز، فقال: رأيت أبا جعفر المنصور وقد أُدخل السجن، فرأيت من هيبته، وجلالته، وسيماه، وحسن وجهه، وبنائه ما لم أره لأحد قطّ، فصرت من موضعي إليه فقلتُ: يا سيّدي، ليس وجهك من وجوه أهل هذه البلاد، فقال: أجل يا مجوسيّ، قلت: فمن أيّ بلاد أنت؟ فقال: من أهل المدينة، فقلتُ: أيّ مدينة؟ فقال: مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلتُ: وحقّ الشمس والقمر إنّك لَمن ولد صاحب المدينة! قال: ولكنّي من عرب المدينة، قال: فلم أزل أتقرّب إليه وأخدمه حتّى سألته عن كنيته، فقال: كنيتي أبو جعفر. فقلتُ: أبشر فَوَحقِّ المجوسيّة لَتملكنّ جميع ما في هذه البلدة، حتّى تملك فارس وخراسان والجبال.

فقال لي: وما يدريك يا مجوسيّ؟ قلتُ: هو كما أقول، فاذكر لي هذه البشرى. فقال: إن قضي شيء فسوف يكون، قال: قلت: قد قضاه الله من السماء فطب نفساً، وطلبت دواة فوجدتها، فكتب لي...، فلمّا ولي الخلافة صرتُ إليه فأخرجتُ الكتاب، فقال: أنا له ذاكر، ولك متوقّع، فالحمد لله الّذي صدق وعده، وحقّق الظنّ، وردّ الأمر إلى أهله، فأسلم نوبخت وكان منجّماً لأبي جعفر ومولى)(١) .

وعلى الرغم من أنّ القرائن تدلّ على أنّ نوبخت قد التزم المذهب السنّيّ لا محالة، وهو المذهب الرسميّ لحكّام بغداد، بَيْد أنّ أولاده اشتهروا بالتشيّع، أو أنّهم عُرفوا - في الأقل - بولاية آل عليّ على حدّ تعبير ابن النديم(٢) ، وسوف نرى أنّ عدداً منهم أصبح من كبار علماء الإماميّة فارتقى ذروة المجد.

وكان نوبخت وابنه أبو سهل من خاصّة المنجّمين عند المنصور، وعندما اعتزم المنصور إنشاء بغداد (شرع في بنائها سنة ١٤٤هـ) وضع أساسها في الساعة الّتي اختارها نوبخت، حسب الأحكام النجوميّة(٣) .

____________________

١ - تاريخ بغداد ١٠: ٥٥.

٢ - الفهرست ١٧٧.

٣ - تاريخ بغداد ١: ٦٧؛ تاريخ اليعقوبيّ ٢٣٨. de Goeje, B. G. A. Vll؛ الآثار الباقية ٢٧٠؛ آثار البلاد ٢٠٩؛ الكامل ٥: ٤٣٦ (طبعة ليدن)، وكتب تاريخيّة وجغرافيّة أُخرى،

salmon, introd, a la topog. De bagdad p. ١/٧٦.

٢٦

وتحدّث الطبريّ عن وقائع سنة ١٤٥هـ، فقال في سياق حديثه المفصّل حول قتل إبراهيم بن عبد الله المحض بن الحسن المثنّى بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب أخي محمّد النفس الزكيّة: دخل نيبخت المنجّم على أبي جعفر المنصور قبل أن يبلغه مقتل إبراهيم، فقال له: الظفر لك وسيُقتل إبراهيم، فلم يقبل ذلك منه، فقال له: احبسني عندك، فإن لم يكن الأمر كما قلت لك فاقتلني، فبينا هو كذلك إذ جاءه الخبر بهزيمة إبراهيم، فتمثّل ببيت معقر بن أوس بن حمار البارقيّ:

فألقَت عصاها واستقرّت بها النَّوى

كما قرّ عيناً بالإيابِ المسافرُ

فأقطع أبو جعفر نيبخت ألفَي جريب بنهر جَوْبَر(١) .

ورد البيت المذكور الّذي تمثّل به المنصور بعد اطّلاعه على قتل إبراهيم بن عبد الله في مقطوعة نقلها أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني(٢) ، وهذا البيت جرى مجرى الأمثال عند العرب؛ إذ يُستشهد به في المواطن اللازمة، وكانت عائشة قد أنشدته بعد استشهاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وتمثّل به المنصور بعد قتل أبي مسلم الخراساني(٣) .

كان نهر جَوْبَر من المناطق أو الطُّسوج - كما اصطلح عليه الجغرافيّون القُدامى - القريبة من بغداد في الجانب الغربيّ من نهر دجلة(٤) ويبدو أنّ نوبخت وأولاده ابتنوا لهم دوراً وأنشأوا أبنية في الألفَي جريب الّتي أقطعها المنصور نوبخت؛ إذ أُثر أنّ لآل نوبخت - كما يستشفّ من القرائن - أملاكاً ودوراً في بعض ضواحي بغداد وأكناف دجلة، منها: حيّ (نهر طابق) وهو أحد الأحياء الغربيّة ببغداد(٥) ، ومنها:

____________________

١ - تاريخ الطبريّ ٣: ٣١٧-٣١٨ (طبعة ليدن)، والكامل لابن الأثير، وقائع سنة ١٤٥هـ، وكتاب العيون ٢٤٨ في أجزاء من التاريخ العربيّ Fragmenta hist, arabicorum طبعة دغويه de goeje وديونج de jong.

٢ - الأغاني ١٠: ٤٦.

٣ - حياة الحيوان ١: ٧، ٤٣، ٦٨، وكتاب الأذكياء لابن الجوزيّ ٥٣، ووفيات الأعيان ١: ٣٠٧.

٤ - ابن خرداذ به ٧.

٥ - الأغاني ٣: ١٦١.

٢٧

النوبختيّة(١) ، وكانوا يمتلكون منازل أيضاً قرب النعمانيّة (مدينة تقع بين بغداد وواسط على الساحل الغربيّ من دجلة)(٢) .

وليس في أيدينا معلومات أخرى عن سيرة نوبخت غير ما ذكرناه آنفاً وما نقله الحاج خليفة في كشف الظنون، إذ أورد اسمه في عداد المؤلّفين في الأحكام النجوميّة، ونسب إليه كتاباً في أحكام النجوم(٣) .

وإذا صحّ ذلك، فمن المحتمل بعامّة أنّ نوبخت عرّب الكتاب المذكور من الفارسيّة البهلويّة؛ إذ إن بعض المؤرّخين جعله في جملة الأفراد الأُوّل من أعضاء هذه الأسرة المنسوبة إليه الذين تَرجموا الكتب من الفارسيّة البهلويّة إلى العربيّة، ونقل ابنه أبو سهل عدداً من الكتب البهلويّة إلى العربيّة، وفي ضوء ما قاله ابن النديم، فإنّه كان يعوّل في علم النجوم على كتب الفرس في هذا الفنّ(٤) .

وكان نوبخت شيخاً كبيراً أيّام المنصور العبّاسيّ (١٣٦-١٥٨هـ)، وقد أعاقته شيخوخته عن أداء مهامّه حقّ الأداء فخوّل المنصور ولده أبا سهل وظيفة أبيه.

ويبدو أنّ نوبخت لم يعقب ولداً آخر غيره؛ لأنّ نسب آل نوبخت ينتهي إليه، ولم يذكر في الكتب والأشعار ولد لنوبخت سواه.

____________________

١ - تجارب الأمم ٥: ٢٧١ و٦: ١٩٧، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ ٢٥٢.

٢ - تاريخ اليعقوبيّ ٣٢١.

٣ - كشف الظنون ٥: ٣٥.

٤ - الفهرست ٢٧٤.

٢٨

الفصل الثاني

أبو سهل بن نوبخت

قلنا سابقاً إنّ نوبخت عندما شاخ وضعف، وعجز عن خدمة المنصور جلس ابنه أبو سهل مجلسه في صحبة الحاكم العبّاسي بإشارة الحاكم نفسه.

وينقل أبو سهل أنّه لمّا مَثُل بين يدي المنصور، تسمّى له (بخُر شاذماه(١»(٢) ، و(طيماذاما زرياذ)(٣) و(خسروا بهمشاذ)(٤) . فقال له: كلّ ما ذكرت فهو اسمك؟ قال: نعم، فتبسّم وقال: إمّا أن أقتصر بك من كلّ ما ذكرت على (طيماذ)، وإمّا أن تجعل لك كنية تقوم مقام الاسم، وهي أبو سهل، قال أبو سهل: قد رضيت بالكنية(٥) ، فبقيت كنيته وبطل اسمه)(٦) .

____________________

١ - لا جرم أنّ هذه الكلمات مصحّفة ولذا يعسر فهمها، الجزء الأوّل من الكلمة الأُولى (خورشيد) (شمس) وكانت تكتب (خرشيد) بلا واو، والألف بعد الخاء عربيّة كان يستعملها المؤلّفون العرب أحياناً للتعبير عن صوت الياء الفارسيّة المجهولة.

٢ - خ. ل: خرخشاذ.

٣ - خ. ل: مازارباد.

٤ - خ. ل: خسروانهشاه.

٥ - لعلّ اختيار هذه الكنية يعود إلى صعوبة تلفّظ الاسم الطويل، وهو ما تنبّه إليه المنصور.

٦ - ابن أبي أُصيبعة ١: ١٥٢، والقفطيّ ٤٠٩، ومختصر الدول ٢٢٤.

٢٩

وظلّ أبو سهل في خدمة المنصور منذ بناء بغداد (سنة ١٤٤هـ) على ما نقل ياقوت، وهو الذي اختار الطالع عند إنشائها بأمر المنصور، وخبّره بما تدلّ النجوم عليه من طول بقائها وكثرة عمارتها وفقر الناس إلى ما فيها، وأعلمه أيضاً بخلّة من خلالها، هي: أنّه لا يموت بها سلطان حتفَ أنفِه أبداً(١) .

ولبث أبو سهل عند المنصور من سنة ١٤٤ إلى سنة ١٥٨هـ، وهي السنة التي توفّي فيها المنصور، ولم يبارحه، وكان من ندمائه، ولازمه حتّى في آخر حجّة حجّها، وهي الحجّة التي هلك فيها (٢٤ ذي الحجّة سنة ١٥٨هـ).

ونقل أبو سهل نفسه لولده إسماعيل أنّه صاحب المنصور في آخر حجّة حجّها، ومعه ابن اللَّجْلاج طبيب المنصور الخاصّ، وعندما كان المنصور يَخلُد إلى النوم، كان أبو سهل ينادم ابن اللجلاج، وفسأل ابن اللجلاج - وقد عمل فيه النبيذ - أبا سهل عمّا بقي من عمر المنصور، فعزّ ذلك عليه وامتنع عن تناول النبيذ، وعزم على الكفّ عن منادمة ابن اللجلاج، وهجره ثلاثة أيّام، ثم اصطلحا بعد ذلك واستبدلا الصلح والصفاء بالتوتّر والكدر، فلمّا جلسا يحتسيان النبيذ على عادتهما قال ابن اللجلاج معاتباً أبا سهل: (سألتك عن علمك ببعض الأمور فَبخِلتَ به وهجرتني، ولستُ أبخل عليك بعلمي فاسمَعْه)، ثمّ قال: (إنّ المنصور رجل مَحرُور تَزداد يُبوسةُ بدنه كلّما أسَنّ، وقد حلق رأسه بالحيرة وجعل تمكان الشعر الذي حلقه غالية، وهو في هذا الحجاز يداوم الغالية، وما يقبل قولي في تركها، ولا أحسبه يبلغ إلى فَيد حتّى يحدث في دماغه من اليبس ما لا يكون عندي ولا عند أحد من المتطبّبين حيلة في ترطيبه، فليس يبلغ فَيد إنْ بَلَغها إلاّ مريضاً، ولا يبلغ مكّة إنْ بلغها وبه حياة) .

____________________

١ - معجم البلدان ١: ٤٨٥-٦٨٤. ولم يصرّح الخطيب في تاريخ بغداد باسم هذا المنجّم، ونقل النبوءة المذكورة عن أحد المنجّمين دون تصريح باسمه، تاريخ بغداد ١: ٦٧.

٣٠

يقول أبو سهل: فو اللهِ ما بلغ المنصور فيد إلاّ وهو عليل وما وافى مكة إلاّ وهو ميّت، فدُفن ببئر ميمون(١) .

وعاش أبو سهل بن نوبخت بعد وفاة المنصور مدّة، وأدرك عصر هارون الرشيد (١٧٠-١٩٣هـ)، وكان في بيت الحكمة أو خزانة الحكمة، مركز اجتماع الفرس والشعوبيّة(٢) .

قضى أبو سهل خمساً وعشرين سنة من عمره تقريباً في خدمة الحكّام العبّاسيّين الأُوَل، ويبدو أنّه توفّي في أوائل حكومة هارون إذ لم يَرِد له ذكر منذ ذلك الحين، كما لا نجد له أثراً في شعر أبي نواس الذي كان يعيش بين ظهرانّي آل نوبخت، وكان معاشراً لأولاده .

كان أبو سهل من المنجّمين الفرس، وأحد المترجمين من اللغة الفارسيّة البهلويّة إلى العربيّة، ومعوّله في النجوم على معلومات المنجّمين الفرس وكتبهم في العهد الساسانيّ، وذكر له ابن النديم الكتب السبعة الآتية:

١ - كتاب اليَهُبَطان(٣) في المواليد.

٢ - كتاب الفأل النجوميّ.

٣ - كتاب المواليد (مفرد، وهو غير كتاب اليهبطان).

٤ - كتاب تحويل سِني المواليد.

٥ - كتاب المدخل.

٦ - كتاب التشبيه والتمثيل.

٧ - كتاب المنتحل من أقاويل المنجّمين في الأخبار والمسائل والمواليد وغيرها(٤) .

____________________

١ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ١؛ ١٥٢.

٢ - الفهرست ٢٧٤. طبقات الأمم ٦٠.

٣ - ثمّة اختلاف في قراءته: البهطمان والنهمطان، وورد في المخطوطة العائدة للميرزا أبي عبد الله الزنجانيّ (كان عالماً فاضلاً معاصراً للمؤلّف كما ذكر المؤلّف ذلك): اليهبطان كما تقدّم في النّص.

٤ - الفهرست ٢٧٤، والقفطيّ ٢٥٥.

٣١

ويبدو أنّ أشهر هذه الكتب هو الكتاب الأوّل، أي: اليهبطان في المواليد، وقد نقل ابن النديم فصلاً كبيراً منه في كتاب الفهرست(١) .

وضبط عنوان هذا الكتاب في النسخة المطبوعة من الفهرست: النهمطان، بَيْد أنّا آثرنا ما ذكرناه آنفاً، وفي أقرب الاحتمالات أنّ (يهبطان) إحدى الكلمات البهلويّة المأخوذة من اللغة الآراميّة، وقد ترجمت بالعربيّة: (مواليد)، والألف والنون في آخرها علامة الجمع بالفارسيّة.

وذكر ابن النديم أنّ اسم (أبو سهل) هو الفضل، كما حكاه القفطيّ أيضاً، ويبدو أنّ هذا سهو، للأسباب الآتية:

١ - إنّ اسم (أبو سهل) قد أُبطل من قبل المنصور العبّاسيّ لطوله فاختيرت له هذه الكنية كما مرّ بنا سابقاً.

٢ - سنلاحظ أنّ لأبي سهل ولداً يُدعى الفضل، ولعلّ ابن النديم قد شُبّه عليه؛ إذ تصوّر أنّ أبا العبّاس الفضل بن أبي سهل بن نوبخت هو أبو سهل بن نوبخت نفسه.

٣ - لم يذكر المؤلّفون في العصور المتأخّرة اسم (أبو سهل) لضياعه، وكان يشقّ عليهم العثور على اسمه، حتّى أنّ المعاصرين والقريبين من عهده كانوا يجهلون اسمه(٢) .

وذكر أبو العبّاس النجاشيّ صاحب الكتاب الرجاليّ المعروف اسم (أبو سهل) على أنّه طيمارث، متردّداً في ذلك(٣) ، وهذه الكلمة تصحيف لجزء من ذلك الاسم الطويل الذي أورده القفطيّ، وابن العِبريّ، وابن أبي أُصيبعة.

____________________

١ - الفهرست ٢٣٨-٢٣٩.

٢ - عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ١: ١٥٢.

٣ - رجال النجاشيّ ٢٩٠.

٣٢

الفصل الثالث

أبناء أبي سهل بن نوبخت

كان لأبي سهل بن نوبخت أبناء كثيرون، ذُكرت أسماء عشرة منهم في كتب الأخبار والأشعار.

وهؤلاء جميعهم كانوا معاصرين للشاعر المعروف أبي نواس - كما سنأتي عليه - وكانوا على اتّصال به. وهذا الشاعر الظريف الشهير طالما كان يتردّد إلى بيوتهم متنعّماً بموائدهم، وكان يمدحهم أو يهجوهم بما تمليه عليه قريحته الشعريّة، فكان الباعث على بقاء أسماء بعضهم، وخلود ذكرهم في أخباره وأشعاره، وفيما يأتي أسماء أبناء أبي سهل وأخبارهم:

١ - إسماعيل

وهو أشهرهم، وطارت أخباره مع أبي نواس بنحو يفوق التصوّر، وهجاه هذا الشاعر السليط اللسان هجاءً ركيكاً، ويلاحظ في ديوانه أربع قصائد يهجو بها إسماعيل(١) ، وأشهرها القصيدتان الآتيتان اللتان يصفه فيهما بالبخل واللؤم، فيقول في إحداهما:

____________________

١ - ديوان أبي نواس ١٧١-١٧٢ طبعة القاهرة، والجزء الأوّل من شرح ديوانه (مخطوطة في باريس).

٣٣

خبز إسماعيل كالوش

ي إذا ما شُقّ يُرفا

عجباً من أثر الصّن

عة فيه كيف يخفى

إنّ رفّاءك هذا

ألطفُ الأمّةِ كفّا

فإذا قابل بالنِّص

ف من الجِرذَقِ نِصفا

ألطف الصنعة حتّى

لا يُري مطعن أشفى

مثل ما جاء من التنّ

ور ما غادرَ حرفا

وله في الماء أيضاً

عملٌ أبدع ظَرفا

مَزجُهُ العذبُ بماء الب

ئر كي يزدادَ ضِعفا

فهو لا يسقيك منه

مثل ما يَشرب صِرفا(١)

ويقول في الأخرى:

على خبز إسماعيل واقية البُخلِ

فقد حلّ في دار الأمان من الأكلِ

وما خبزه إلاّ كآوى يُرى ابنُهُ

ولم يُرَ آوى في حزونٍ ولا سهلِ

وما خبزُه إلاّ كعنقاء مُغرِبٍ

تُصوَّر في بُسطِ الملوك وفي المثلِ

يُحدّث عنه الناسُ من غير رؤيةٍ

سوى صورةٍ ما إن تُمرّ ولا تُحلي

وما خبزهُ إلاّ كُليبُ بن وائلٍ

ومن كان يحمي عِزُّه منبتَ البقلِ

وإذ هو لا يَستبُّ خصمانِ عندَهُ

ولا الصوتُ مرفوعٌ بجدٍّ ولا هَزلِ

فَإنْ خبزُ إسماعيلَ حلّ به الّذي

أصابَ كُليباً لم يكن ذاك من ذُلِّ

ولكنْ قضاءٌ ليس يُسطاع ردّهُ

بحيلةِ ذي مكرٍ ولا فكرِ ذي عقل(٢)

____________________

١ - أخبار أبي نواس ١: ١٢٥-١٢٧، وشرح ديوانه لحمزة الأصفهاني، نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس ١: الورقة ٢٥٢ b.

٢ - أخبار أبي نواس ١: ١٢٧-١٢٨، وشرح ديوانه ج١، وكتاب الحيوان للجاحظ ٣: ٤٠.

٣٤

هاتان القصيدتان مشهورتان جدّاً بين الأدباء العرب لا سيّما الثانية منهما، وهم ينقلونهما وينشدونهما على سبيل الاستشهاد, كما نجد أنّ أبا زيد المروزيّ عندما ذهب مع أبي حيّان عليّ بن محمّد التوحيديّ إلى منزل ذي الكفايتين عليّ بن محمد بن العميد، واعتذر لهما حاجبه لانشغاله بأكل الخبز، تمثّل بالقصيدة الثانية(١) . وتوهّم مركليوث(٢) الذي طبع معجم الأُدباء أنّها لأبي زيد المروزيّ، وأنّها أُنشدت في الصاحب إسماعيل بن عبّاد، وذكر ذلك في ذيل الصفحة التي ورد فيها اسم إسماعيل، في حين هي لأبي نواس في ذمّ إسماعيل بن أبي سهل، وإنّما تمثّل بها أبو زيد المروزيّ كما نصّ على ذلك ياقوت.

تعرّض أبو نواس إلى لوم الأدباء الذين جاؤا بعده بسبب هجائه إسماعيل ووصفه إيّاه بالبخل، مع أنّه أكرمه وضيّفه، ونجد الجاحظ لم يتوانَ عن ذمّ سلوكه ونكرانه للجميل(٣) ، علماً أنّ إسماعيل هذا فاق إخوته في خدمته لأبي نواس، وضبطه أخبارَه وأشعاره، وروايتها للناس، ونقل حمزة الأصفهاني وغيره أخبار أبي نواس عنه بعدّة وسائط(٤) ، وأبو نواس نفسه عندما مدح إسماعيل، فإنّه أثنى على مجده وحلمه(٥) .

وظلّ إسماعيل بن أبي سهل حيّاً ردحاً من الزمن بعد وفاة أبي نواس (القول الأصحّ سنة ١٩٩هـ)، وقال في حقّ هذا الشاعر: (ما رأيت قطّ أوسع علماً من أبي نواس، ولا أحفظ منه...، ولقد فتّشنا منزله بعد موته فما وجدنا له إلاّ قمطراً فيه جزاز مشتمل على غريب ونحو لا غير).

عاش إسماعيل حتّى سنة ٢٣٢هـ في الأقلّ، وهي سنة وفاة الواثق العبّاسيّ.

____________________

١ - معجم الأُدباء ٥: ٣٨٢.

٢ - Margoliouth.

٣ - البخلاء ٧٧.

٤ - شرح ديوان أبي نواس في مواضع متعدّدة، وأخبار أبي نواس ج٢ (مخطوط)، ووفيات الأعيان ١: ١٩٩ طبعة de slane.

٥ - ديوان أبي نواس ١٠٦ (طبعة مصر سنة ١٣٢٣).

٣٥

وكان من ندماء المأمون، ومن الأُدباء الّذين عاشوا في بلاطه(١) ، وروى عنه أحد تلاميذه، وهو أبو الحسن يوسف بن إبراهيم الكاتب الذي كان بدمشق سنة ٢٥٥هـ، وهو من خدم أبي إسحاق إبراهيم بن المهديّ (١٦٣-٢٢٤هـ).

ونصّ الطبريّ على أنّ الواثق العبّاسيّ عندما احتُضِر سنة ٢٣٢هـ، استُشير فيه جماعة من الأطبّاء والمنجّمين، منهم الحسن بن سهل أخو ذي الرئاستين الفضل بن سهل السرخسيّ، وإسماعيل بن (أبي سهل) بن نوبخت(٢) .

وخلط أبو الفرج بن العبريّ بين الحسن بن سهل السرخسيّ أخي الفضل بن سهل، وبين إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت المذكورين في رواية الطبريّ، وقال إنّ الحسن بن سهل بن نوبخت كان من المنجّمين الذين حضروا عند الواثق حين احتضاره، في حين كان المقصود من الحسن المنجّم كما ذكر الطبريّ - وورد في الكامل: الحسن بن سهل المنجّم(٣) - هو أخو الفضل ذي الرئاستين الذي مات بعد الواثق بأربع سنين، أي في سنة ٢٣٦هـ، وهو الذي كان يأتي الواثق أيّام علّته غالباً ويسأل عنه، ويتحدّث معه حول أقسام الأغذية وضروب الأمراض(٤) .

وحصل هذا السهو نفسه تقريباً لكِلّر(٥) الذي نشر قسماً من تاريخ بغداد لمؤلّفه أحمد بن أبي طاهر طيفور عندما أراد أن ينظّم دليلاً هجائيّاً للكتاب المذكور، علماً أنّ مؤلّف الكتاب يقصد من الحسن بن سهل هو الحسن أخو ذي الرئاستين؛ إذ ذكره مرّة بوصفه منجّماً، وعدّه الناشر أيضاً في مسرد الكتاب من آل نوبخت، ومُني آخرون بهذا الخلط(٦) .

____________________

١ - تاريخ بغداد لابن طيفور ٢٩٩-٣٠٠.

٢ - تاريخ الطبريّ ٤: ١٣٦٤.

٣ - الكامل، وقائع سنة ٢٣٢هـ.

٤ - الأوائل لأبي هلال العسكريّ، نسخة المكتبة الوطنيّة بباريس، الورقة ١٨٤ a.

٥ - keeler.

٦ - L.Massignon, passion d`al-halladj p.١٤٤، ومقدّمة كتاب فرق الشيعة، صفحة ط.

٣٦

٢ - أبو أيّوب سليمان

كان من ندماء أبي نواس ومضيّفي، روى قسماً من أخباره وأشعاره، ونقل حمزة الأصفهاني أكثرها في (شرح ديوان أبي نواس)، كما أوردها ابن منظور المصريّ في الكتاب المتعلّق بأخبار هذا الشاعر، ويستبين من مقطوعة لأبي نواس أنّ سليمان كان يحكم الزاب أيضاً(١) ، وكان في عداد الشعراء المقلّين، ونقل ابن النديم أنّ ديوانه يبلغ خمسين ورقة(٢) .

٣ - داود

نقل قسماً من أخبار أبي نواس، وكان من معاشريه(٣) .

٤ - إسحاق

وهو جدّ المتكلّم المعروف أبي سهل إسماعيل بن عليّ، وأخيه أبي جعفر محمّد لأبيهما، وجدّ أبي محمّد حسن بن موسى لأُمّه، وسنتحدّث عنهم قريباً.

٥ و٦ و٧ - أبو الحسين عليّ، وهارون، ومحمّد

كان عليّ من معاشري أبي نواس أيضاً، وكان هذا الشاعر يمدحه(٤) .

____________________

١ - ديوان أبي نواس المطبوع: ١٨٢.

٢ - الفهرست ١٦٦.

٣ - شرح ديوان أبي نواس، مخطوطة في المكتبة الوطنيّة بباريس، ج٢، الورقة ٢٩٥ b.

٤ - شرح ديوان أبي نواس، ج٢، الورقة ٥١٠ b، وأخبار أبي نواس، ج٢ (مخطوط).

٣٧

وعندما أنشد فيه مازحاً:

أبو الحُشَّين كُنيتُه بحقٍّ

فإن صحّفتُ قلتُ أبو الحسينِ

لم يتحمّل ذلك منه؛ إذ ليس له من الحلم ما كان لإخوته عبد الله، وسليمان، وعبّاس، فانقلب عليه ولاحَقَه ليعاقبه، ففرّ إلى بيت أخيه هارون بن أبي سهل، بَيْد أنّ عليّاً أدركه فأخذه وطرحه على الأرض وركله بشدّة، وتدخّل هارون فخلّصه من يد أخيه، وقال البعض إنّ أبا نواس مات بعد مدّة من جرّاء ذاك الركل(١) .

وروى العلاّمة المجلسيّ في بحار الأنوار نقلاً عن كتاب فرج المهموم للسيّد رضيّ الدين عليّ بن طاووس أنّ هارون بن أبي سهل وأخاه محمّداً كتبا رقعة إلى الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام (٨٣-١٤٨هـ) على أنّهما من أولاد نوبخت، وأنّ أباهما وجدّهما أمضَيا أعمارهما في تحصيل النجوم، فهل يجوز الاشتغال بهذا الفنّ أم لا؟ فأجابعليه‌السلام :«أنّه حلال» (٢) .

هذه الرواية تجانب الصواب تاريخيّاً، ذلك أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام توفّي سنة ١٤٨هـ، أي: قبل هلاك المنصور بعشر سنين، وكان أبو سهل بن نوبخت والد هارون ومحمّد - كما ذكرنا سابقاً حيّاً آنذاك، بل كان حيّاً حتّى سنة ١٧٠هـ - في الأقل - وهي السنة الأولى من حكومة الرشيد، فيكف يمكن حينئذٍ أن يذكر ولدا أبي سهل (من معاصري الأمين وأبي نواس) أباهما على أنّه ميّت قبل وفاته بثلاثين سنة تقريباً؟! فمن المحتمل - إذن - أنّهما كتبا هذه الرقعة إلى إمام آخر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام واستفتياه في حلّيّة الاشتغال بعلم النجوم أو حرمته.

٨ - أبو العبّاس الفضل

كان من ندماء أبي نواس، ومن المنجّمين المعاصرين لهارون الرشيد والمأمون(٣) ، له مصنّفات في النجوم أيضاً.

____________________

١ - أخبار أبي نواس، ج٢ (مخطوط).

٢ - بحار الأنوار ١٤: ١٣٢.

٣ - طبقات الأمم ٦٠ وبحار الأنوار ١٤: ١٤٣ نقلاً عن فرج المهموم للسيّد ابن طاووس وعيون أخبار الرضا ٣١٩-٣٢٠.

٣٨

وهو الذي أعلم المأمون بخطأ المنجّمين في اختيار الساعة التي تُفوّض فيها ولاية العهد إلى الإمام الرضاعليه‌السلام فامتعض منه المأمون ونهره، على قول مشهور، وكان السيّد ابن طاووس قد طالع بعض كتبه النجوميّة، وشهد ببراعته في هذا الفنّ(١) .

وكان أبو نواس يمدحه تارةً ويهجوه تارة أخرى، وأشار في إحدى قصائده الهجائيّة إلى أنّ للفضل بن أبي سهل بنتين توأمين(٢) .

٩ - عبد الله

هجاه أبو نواس في إحدى قصائده، فرّد عليه أخوه سليمان بقصيدة أُخرى.

وهاتان القصيدتان في ديوان أبي نواس، وشرحه لحمزة الأصفهاني، وكتاب أخبار أبي نواس(٣) ، ونسب القفطيّ قصّة إخبار المأمون بخطأ المنجّمين - ومنهم الفضل ذو الرئاستين - إلى عبد الله، وذكر سهواً أنّ أباه سهل، ونقل الزمخشريّ في كتاب ربيع الأبرار حكاية عنه(٤) .

١٠ - سهل وابنه حسن

كان سهل من ندماء أبي نواس(٥) ، وابنه حسن من المنجّمين المشهورين وله كتاب في النجوم عنوانه الأنواء(٦) ، وظنّ عدد من المؤلّفين أنّه الحسن بن سهل السرخسيّ أخو ذي الرئاستين.

____________________

١ - فرج المهموم (مخطوط).

٢ - شرح ديوان أبي نواس ج١، ورقة ٢٩٨ b، وأخبار أبي نواس ج٢ (مخطوط).

٣ - الديوان المطبوع ٣٤، وشرحه لحمزة ج١، ورقة ٤٥ b وأخبار أبي نواس ١: ١٩٩-٢٠٠.

٤ - تاريخ الحكماء ٢٢٢.

٥ - أخبار أبي نواس ١١١.

٦ - الفهرست ٢٧٥.

٣٩

ومن هؤلاء: ابن العبريّ الذي عدّه مكان أخي ذي الرئاستين، وذكر أنّه أحد المنجّمين الذين حضروا عند الواثق العبّاسيّ ساعة احتضاره(١) .

ولم يبقَ أثر من كتاب الأنواء المذكور الذي صنّفه الحسن بن سهل بن أبي سهل بن نوبخت، بَيْد أنّ أبا سعيد بن منصور بن عليّ بن بُندار الدامغانيّ الذي كان يعيش في أوائل القرن السادس الهجريّ له كتاب في أحكام النجوم نقل فيه أقوال حسن، وتحتفظ مكتبة مدرسة سپهسالار (سابقاً) في طهران بنسخة من الكتاب المشار إليه المصنّف في سنة ٥٠٧هـ(٢) .

أبو نواس وآل نوبخت

أبو نواس الحسن بن هانئ الشاعر العذب اللسان الفارسيّ الأصل الذي قلّما كان شاعر مثله - في قرون ما بعد الإسلام - في لطافة قوله وجمال ألفاظه وظرافته وذوقه، كما يستشفّ ذلك من ديوانه وشرحه النفيس لحمزة الأصفهاني، وكان على اتّصال وثيق بآل نوبخت، ويُمضي أكثر أيّامه في منازلهم، ويحتسي معهم الخمر متمتّعاً بنعمة وكرم أُولئك النبلاء المحبّين للفضائل، وأشار أبو نواس نفسه إلى ذلك مراراً، وسمّى آل نوبخت ندماءه على الشراب(٣) ، بَيد أنّه لم يتورّع عن الإساءة إليهم وذمّهم بما كان عليه من خليقة الهجاء وذلاقة اللسان، فهجا أبناء أبي سهل - لا سيّما إسماعيل - بسفساف من الشعر، وبلغ به الأمر أنّه قدح بأعراضهم.

____________________

١ - مختصر الدول ٢٤٥.

٢ - گاهنامه ١٩٣٢م، ص١٦١.

٣ - شرح ديوان أبي نواس، ج١، الورقة ٢٥٣ b.

٤٠

أبى جوده لا البخل واستعجلت به

نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله

نعم لم يوافقهم الزمخشري على زعمهم لزيادة (لا) في قوله تعالى في سورة الأنعام ١٠٩( وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ ) وقوله تعالى فيها ١٥٢( قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ألّا تُشْرِكُوا ) . ومن شواهد ذلك انك سمعت كلام الكشاف في دخول لا النافية على القسم واستفاضته في كلامهم وأشعارهم وما ذكره من الشواهد في الشعر ومع ذلك قال في تفسير سورة النساء في قوله تعالى( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ) معناه فو ربك كقوله تعالى( فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ ) و «لا» مزيدة لتأكيد معنى القسم كما زيدت في( لِئَلَّا يَعْلَمَ ) لتوكيد وجوب العلم انتهى فانظر فيه واعتبر وقل أين ما ذكرته من الاستفاضة واين مضى الاستشهاد بالشعر. ولو لا الحمل على التحامل لذكرنا عن الكشاف وغيره اكثر من ذلك وفي ذلك كفاية لأولي الألباب : ومن ذلك ما نقله السيد الرضي في حقائق التأويل من قول بعضهم بزيادة الواو في قوله تعالى في سورة آل عمران ٨٥( وَلَوِ افْتَدى بِهِ ) . وابراهيم ٥٢( وَلِيُنْذَرُوا بِهِ ) . والزمر ٧٣( وَفُتِحَتْ أَبْوابُها ) . أقول ولمثل هذه الواو في القرآن موارد وهي فيها كلها واو العطف على محذوف يدل عليه سياق القرآن بكرامة نهجه وبراعة أسلوبه في مناحي البلاغة ويجلوه المقام باشراق تلك البراعة بأجلى المظاهر كما سيأتي التنبيه عليه في موارده ان شاء الله. ومن شواهد ذلك مما جناه القصور ان جماعة وقفوا عن الوصول في بعض ما في القرآن الكريم من فرائد البراعة وفوائد البلاغة حتى صار يلوح من ترددهم ان ذلك مخالف لقواعد العربية فاغتنم اعداء القرآن من ذلك فرصة الاعتراض وقد ساعد التوفيق على التعرض لتلك الاعتراضات وبيان خطأها بإيضاح براعة القرآن الكريم في مواردها بأسرار البلاغة ولباب الأدب العربي وبواهر اساليبه وقد كتب شيء من ذلك في الجزء الأول من كتاب الهدى وفي خصوص المقدمة الثالثة عشرة من صفحة ٣٢١ حتى آخره ومن شواهد ذلك ان كثيرا من مجازات القرآن الكريم واستعاراته للواضحة العلاقة والفائقة في لحاظ التشبيه ومرمى الإشارة والمؤيدة بأحكام العقل ومحكمات الكتاب هذه الاستعارات التي كانت من ازهار الأدب العربي الغريزي حين ما كان روضه زاهيا زاهرا عادت بعد ما ذوى خميله معركة للآراء وهدفا للجحود وإن حامت عنها محكمات الكتاب ونصرتها البراهين العقلية في تقديس الله وتفرده بالكمال. فمن ذلك ما في القرآن من نسبة الإضلال إلى الله جل اسمه في عدة آيات منها السابعة والعشرون

٤١

من سورة الرعد والثانية والثلاثون من سورة إبراهيم ونحوهما. فإن التعبير في ذلك بالإضلال مجاز فائق في الحسن يمثل ببراعته حاجة الإنسان مع نفسه الأمارة إلى لطف الله به وعنايته في توفيقه ويشير إلى ما في اللطف والتوفيق من الأثر الشريف الكبير في النعمة على الإنسان وينبه إلى ان خذلان الله للإنسان المتمرد برفع العناية في التوفيق وايكاله إلى نفسه شبيه بإضلاله في قوة الأثر. كل ذلك لأجل التنويه والامتنان بنعمة الله في توفيقه لعباده ولأجل هذه المزايا الفائقة استعير الإضلال لخذلان الله لعبده المتمرد وإيكاله إلى نفسه والعياذ بالله

ولقد كان يكفي في القرينة على التجوز في لفظ الإضلال هنا وصرفه عن مقتضى وضعه ما في القرآن من المحكمات مثل قوله تعالى في سورة الأعراف ٢٧( إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ) وفي سورة النحل ٩٢( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فإن تمجد الله بذلك كاف في كونه قرينة على ان الإضلال المنسوب لله تعالى شأنه إنما هو مجاز. وإن مجده والطافه جلت آلاؤه تعين المراد منه وهو ما ذكرناه. وكيف يكون الإضلال المنسوب إلى الله على حقيقته مع أن الله يذم الضالين ويعذبهم على ضلالهم ويوبخهم بقوله تعالى( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ. لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ. لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ. فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ. فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ. وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا ) وتمام الكلام في الكتب الكلامية. وقد ذكر شيء منه في الجزء الثالث من الرحلة المدرسية صفحة ٢٩ إلى ٤٢ : ومن ذلك ان الفرقة الظاهرية لم تلتفت إلى المجاز ووجهه الواضح في قوله تعالى( الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) ولم يصرفهم عن المعاني الحقيقة لهذه الألفاظ ضرورة العلم من القرآن والبراهين القطعية في ان الله منزه عن الجسم والأين والمكان لكي يعرفوا ان المراد بالعرش هنا هو شأن القدرة والجلال واستيلاء السلطان على الملكوت في الأزل والأبد. ولأجل إحضار هذا الشأن العظيم في أذهاننا القاصرة وملأ قلوبنا بعظمته مثل القرآن لتصورنا المحدود بتشبيهه بما نعرفه ونعرف آثاره من العرش الجسماني للملك الأرضي الذي بالصعود عليه صعودا زمنيا ينفذ سلطانه وتعم قدرته. ومن آثار الظاهريين العجيبة ما أخرجه ابن مردويه والخطيب في تاريخه وابن منصور في سننه من مسند عمر عن النبي (ص) في قوله تعالى( عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ) قال حتى يسمع له اطيط الرحل. وانظر إلى كنز العمال الجزء الأول صفحة ٢٢٦ وكذا منتخب الكنز واطيط

٤٢

الرحل والقتب صوته أي صوت أخشابه من ضغط ثقل الراكب والحمل وسيأتي شبيه ذلك في تفسير آية الكرسي. وفي ميزان الذهبي من أنكر ما جاء عن مجاهد في التفسير في قوله( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) قال يجلسه معه على العرش. وفي شواهد الحق كتاب الشيخ يوسف النبهاني صفحة ١٣٠ قال ومن كتب ابن تيمية كتاب العرش قال في كشف الظنون ذكر فيه إن الله يجلس على العرش وقد أخلى فيه مكانا يقعد معه فيه رسول الله (ص) كما ذكر ذلك أبو حيان فى قوله تعالى( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) وقال يعني أبا حيان قرأت في كتاب العرش لأحمد بن تيمية بخطه ما صورته ما ذكرناه ونقلها كشف الظنون من طريق آخر عن السبكي انتهى. وعلى هذا الوتر ضرب محمد بن عبد الوهاب في رسالته المطبوعة في ضمن مجموعة فيها عدة من الرسائل طبعت في مكّة فانظر إلى صفحة ١٥٥ و ١٥٦ من المجموعة وكذا عبد الرحمن بن حسن الوهابي في صفحة ٣٦ من المجموعة المذكورة

المقام الثالث

جاء في القرآن شيء كثير من الألفاظ العامة التي يراد بها الخاص أو التي هي نص في خاص باعتبار نزولها في شأنه وغير ذلك مما كان معروفا في عصر نزوله ثمّ صارت أسباب الخفاء تختلسه شيئا فشيئا وتجعل ضده كما في خرافة الغرانيق وآية التمني.

والمفزع في تفسير ذلك هو ما يحصل به العلم من إجماع المسلمين أو اتفاقهم في الرواية للتفسير. أو في الرواية عن الرسول (ص) في الدلالة على من يفزع إليه بعده في تفسير كتاب الله وذلك كحديث الثقلين المتواتر القطعي الذي ذكره إخواننا من أهل السنة في كتبهم وأوردوا من روايته عن الصحابة الذين سمعوه من رسول الله (ص) اكثر من ثلاثين صحابيا وبقي على ذلك متواترا في كل عصر إلى العصر الحاضر وهو قوله (ص) «إني تارك فيكم الثقلين أو الخليفتين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا أبدا فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» وان لفظ العترة والأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة في تعيين أهل البيت يعينان المراد من أهل البيت فضلا عن دلالة العرف والمحاورات. وقوله (ص) ما ان تمسكتم بهما لن تضلّوا ابدا مع قوله (ص) فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يعينان الأئمّة الاثني عشر المعصومين من عترة الرسول وذريته. ومن دلائل ذلك اجماع المسلمين على ان من عدا هؤلاء ليس معصوما ولا يتصف بانه مثل كتاب الله لا يضل من تمسك به

٤٣

وهاك أسماء الصحابة السامعين لهذا الحديث عن رسول الله (١) علي (ع) امير المؤمنين (٢) عبد الله بن عباس (٣) أبو ذر الغفاري (٤) جابر الأنصاري (٥) عبد الله بن عمر (٦) حذيفة بن أسيد (٧) زيد بن أرقم (٨) عبد الرحمن بن عوف (٩) ضميرة الأسلمي (١٠) عاصم ابن ليلى (١١) أبو رافع (١٢) أبو هريرة (١٣) عبد الله بن حنطب (١٤) زيد بن ثابت (١٥) أمّ سلمة (١٦) ام هاني أخت امير المؤمنين علي (ع) (١٧) خزيمة بن ثابت (١٨) سهل بن سعد (١٩) عدي بن حاتم (٢٠) عقبة بن عامر (٢١) أبو أيوب الأنصاري (٢٢) أبو سعيد الخدري (٢٣) أبو شريح الخزاعي (٢٤) أبو قدامة الأنصاري (٢٥) أبو ليلى (٢٦) أبو الهيثم بن التيهان. وهؤلاء الذين ذكرنا أسماءهم من بعد ام هاني قد رواه كل منهم منفردا كمن تقدمه وقاموا في رحبة الكوفة مع سبعة من قريش فشهدوا انهم سمعوه من رسول الله فهؤلاء ثلاثة وثلاثون. ورواه أبو نعيم الأصبهاني في كتاب منقبة المطهرين مسندا عن جبير بن مطعم وأسنده أيضا عن أنس بن مالك وأسنده عن البراء بن عازب ورواه موفق بن أحمد اخطب خوارزم عن عمرو بن العاص. وقلّ ما يخلو عن رواية هذا الحديث مسند أو جامع أو كتاب في الفضائل لأهل السنة من أول ما اخرج الحديث من الحفظ وصدور الحفاظ إلى صحف المحدّثين ولا زال يروي فيها عن صحابي واحد أو أكثر وربما روي في واحد منها عن أكثر من عشرين صحابيا اما مجملا كما في الصواعق واما مسندا مفصلا كما في كتب السخاوي والسيوطي والسمهودي وغيرهم ومن أراد الاطلاع فليرجع إلى الجزأين المكتوبين في أسانيد هذا الحديث من كتاب العبقات

ورواه الإمامية في كتبهم بأسانيدهم المتكررة عن الباقر (ع) والرضا (ع) والكاظم (ع) والصادق (ع) عن آبائهم (ع) عن رسول الله (ص). وبالأسانيد الأخر عن أمير المؤمنين (ع) وعمر وأبي ذر وجابر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت وحذيفة بن أسيد وأبي هريرة وغيرهم عن رسول الله (ص) كما في غاية المرام وتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني طاب ثراه وغير ذلك.

ولعلك تقول: إنَّ البخاري لم يذكر هذا الحديث في جامعه فاعرف إذن أنَّ المحدّثين لا يلتفتون إلى استفاضة الحديث وتواتره وافادته للعلم من هذه الجهة كما هو شأن العالم المحقّق في حجّته وبحثه عن الحقائق. وإنمّا المهم للمحدّث والموضوع في فنه هو الحديث الآحادي

٤٤

الذي يأخذه بما عندهم في طرق الأخذ من رجل عن آخر على شروط يقررها في السند فكأن البخاري لم يحصل شرطه في سند من أسانيد الحديث الآحادية ولكن الحاكم في مستدركه استدرك عليه وعلى مسلم حديث زيد بن أرقم من طريق حبيب عن أبي الطفيل قال لما رجع رسول الله (ص) عن حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال (ص): إني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ثم قال إن اللهعزوجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد عليّ فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله. ومن طريق مسلم بن صبيح عنه قال قال رسول الله (ص) إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله واهل بيتي وانهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. وقال الحاكم أيضا هذا صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه قلت: ولم أجد من تعقب الحاكم على استدراكه بهذين الحديثين فيكون ذلك موافقة ممن عاصر الحاكم ومن بعده على الإستدراك وصحة الحديثين على شرط البخاري ومسلم. ومن طريق سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أنّه سمع زيد بن أرقم يقول وساق نحو الحديث الأول وفيه إني تارك فيكم أمرين لن تضلّوا إن اتّبعتموهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي الحديث وتعقّبه الذهبي بأن في طريقه محمد بن سلمة وقد وهاه السعدي وذكر له ابن عدي أحاديث منكرة. ومراده من السعدي هو إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني كما ذكره في ترجمة محمد بن سلمة. قلت: وما ادراك ما السعدي فإنه معروف بالنصب وفي الميزان عن ابن عدي كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي (ع) وقد قال في إسماعيل ابن أبان الوراق شيخ البخاري أنّه كان مائلا عن الحق قال ابن عدي ولم يكن يكذب الجوزجاني يريد به ما عليه الكوفيون من التشيع إذن فاعرف السبب في تحامل الجوزجاني وابن عدي على محمد بن سلمة. ولعمر العلم الحق أنَّ الحديث بتواتره في غنى عن التعرض له في جامع البخاري ـ هذا وأما الرجوع في التفسير وأسباب النزول إلى أمثال عكرمة ومجاهد وعطا وضحّاك كما ملئت كتب التفسير بأقوالهم المرسلة فهو مما لا يعذر فيه المسلم في أمر دينه فيما بينه وبين الله ولا تقوم به الحجّة. لأن تلك الأقوال إن كانت روايات فهي مراسيل مقطوعة ولا يكون حجّة من المسانيد إلّا ما ابتنى على قواعد العلم الديني الرصينة ولو لم يكن

٤٥

من الصوارف عنهم إلّا ما ذكر في كتب الرجال لأهل السنة لكفى. وإن الجرح مقدم على التعديل إذا تعارضا. أما عكرمة فقد كثر فيه الطعن بأنه كذاب غير ثقة ويرى رأي الخوارج وغير ذلك. وقيل للأعمش ما بال تفسير مجاهد مخالف أو شيء نحوه قال أخذه من أهل الكتاب. ومما جاء عن مجاهد من المنكرات في قوله تعالى( عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) قال يجلسه معه على العرش. وأما عطا فقد قال أحمد ليس في المراسيل أضعف من مراسيل الحسن وعطا كانا يأخذان عن كل أحد وقال يحيى بن القطان مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطا بكثير، كان عطا يأخذ من كل ضرب وروي انه تركه ابن جريح وقيس بن سعد. وأما الحسن البصري فقد قيل انه يدلس وسمعت كلام أحمد فيه وفي عطا. وأما الضحّاك ابن مزاحم المفسر فعن يحيى بن سعيد قوله: الضحّاك ضعيف عندنا وكان يروي عن ابن عباس وأنكر ملاقاته له حتى قيل انه ما رآه قطّ. وأما قتادة فقد ذكروا انه مدلس. وأما مقاتل بن سليمان فقد قال فيه وكيع: كان كذّابا. وقال النسائي: كان مقاتل يكذب وعن يحيى قال: حديثه ليس بشيء وقال ابن حيان: كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم. وأما مقاتل بن حيان فعن وكيع انه ينسب إلى الكذب وعن ابن معين ضعيف وعن أحمد بن حنبل لا يعبأ بمقاتل بن حيان ولا بابن سليمان فانظر إلى ميزان الذهبي من كتب الرجال أقلا ودع عنك أنَّ أصول العلم عندنا تأبى من الركون إلى روايتهم فضلا عن أقوالهم إلّا في مقام الجدل أو التأييد أو حصول الاستفاضة والتوافق في الحديث.

هذا وإن كثيرا من كتب التفسير قد لهج بأكذوبة شنيعة وهي ما زعموا من أن الرسول (ص) قرأ سورة النجم في مكّة في محفل من المشركين حتى إذا قرأ قوله تعالى( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) قال (ص) في تمجيد هذه الأوثان وحاشا قدسه «تلك الغرانيق الأولى منها الشفاعة ترتجى» فأخبره جبرائيل بما قال فاغتمّ لذلك فنزل عليه في تلك الليلة أية تسلية ولكن بماذا تسليه بزعمهم تسليه بما يسلب الثقة من كل نبي وكل رسول في قراءته وتبليغه. والآية هي قوله تعالى في سورة الحج ٥١( وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) فقالوا معنى ذلك إذا تكلم أو حدث أو تلا وقرأ ادخل الشيطان ضلاله في ذلك.

إذن فما حال الأمم المساكين وما حال هداهم مع هذا الإدخال الذي لم يسلم بزعمهم

٤٦

منه نبي أو رسول ولم يسلم منه شيء من كلامهم أو حديثهم أو تلاوتهم على ما يزعمون «ما هكذا تورد يا سعد الإبل» أفلا صدهم من ذلك اقلا أنَّ سورة الحج مدنية أمر فيها بالأذان بالحج ٢٧ واذن فيها بالقتال ٤٠ وأمر فيها بالجهاد ٧٧ ولم يكن هذا الأمر وهذا الاذن إلّا بعد الهجرة بأعوام. وإنّ الذي بين ذلك وبين الوقت الذي يجعلونه لخرافة الغرانيق وخرافة نزول الآية هذه في ليلتها يكون اكثر من عشرة أعوام وقد ذكر شيء من الكلام في ذلك في الجزء الأول من كتاب الهدى صفحة ١٢٣ ـ ١٢٩ فلا بأس بمراجعته

ومن ذلك أنَّ جملة من المفسرين والقرّاء يترددون في الوقف على بعض الكلمات لترددهم في ارتباطها بما بعدها أو بما قبلها. فلم يراعوا في ذلك مناسبات الكلام وجودته والحاجة إلى التقدير أو حسنه ومن ذلك كلمة «فيه» من قوله تعالى في أول سورة البقرة( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ ) زعما منهم انها تكون خبرا مقدما لقوله تعالى( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) ويقدرون مثلها لقوله تعالى( لا رَيْبَ ) مع ان الوقف على لا ريب يجعل الكلام قلقا مبتورا بنحو لا يجدي فيه التقدير. ومع انه لا حاجة لجعل الظرف خبرا مقدما لهدى وجملته تكون خبرا ثانيا لذلك الكتاب. فإن كلمة هدى هي بنفسها تكون خبرا وهذا هو الأنسب بكرامة الكتاب المجيد فقد قال الله انه( هُدىً وَرَحْمَةً ) كما في الأعراف ٥٠ والنحل ٦٦ و ٩١ وغير ذلك وإن القرآن( هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ) و( هُدىً لِلنَّاسِ ) و( هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) و( لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ) كما في سورة البقرة ٩١ و ١٨١ والنمل ٢٩ وحم السجدة ٤٤

ومن ذلك كلمة «هذا» من قوله تعالى في سورة (يس) من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن. فكأنهم لا يلتفتون إلى أنّ المقام غني عن وصف المرقد باسم الإشارة حتى للإيضاح لأنهم يقولون ذلك عند خروجهم من الأجداث ومراقد القبور. وان إخراج اسم الإشارة عن كونه مبتدءا وما وعدنا خبره ليخرج الكلام عن الانتظام ويجعل صورته الحسنى مشوشة هي للنفي اقرب منها للاثبات وهو ضد المعنى الذي سيقت لبيانه الآية. هذا وأما الذين تهاجموا بآرائهم على تفسير القرآن بما يسمونه تفسير الباطن ركونا بآرائهم إلى مزاعم المكاشفة والوصول ونزعات التفلسف أو التجدد أو حب الانفراد والشهرة بالقول الجديد وإن كان فيها ما فيها فقد آثروا متاهة الرأي على النهج السويّ عن أصول العلم وفارقوه من أول خطوة

٤٧

المقام الرابع

ان القرآن الكريم كثيرا ما ينسب التعقل والإدراك والاهتداء ونحو ذلك إلى القلب والمتجددون ينسبون الإدراك وآثاره إلى الدماغ ويعتمدون في حدسهم في ذلك على انهم رأوا تلافيف الدماغ اي عقده في الإنسان اكثر منها في سائر الحيوانات وان الأعصاب الجمجمية المتصلة بظاهر الدماغ والمنتشرة أليافها في باطنه مرتبطة بأعصاب آلات الحس كالأذن والعين وغيرهما : ولكن مباحث التشريح تقف دون حدسهم هذا. فإن المجموع العصبي والنخاع الممتد إلى الفقرة القطنية الأولى التي هي تحت الفقرة الثانية عشرة من الظهر هذه كلها كمخ الدماغ في كونها مكوّنة من الجوهر السنجابي والجوهر الأبيض فلا ميزة لتكوين الدماغ لكي يحدس امتيازه عنها بكونه كرسي الإدراك والتعقل دونها. وإن الأعصاب كما ترتبط بآلات الحس ترتبط أيضا بالقلب والكبد والمعدة بل حتى الأسنان وأعضاء البدن إلى أنامل اليدين والرجلين. وأما ما يتراءى من أن صغر الدماغ يقارن ضعف الإدراك والتعقل إلى أن يصل الحال إلى البله فلا يدلّ على مدّعاهم بل يجوز أن يكون خروجه عن المقدار الطبيعي للإنسان ككثير من العوارض البدنية موجبا لضعف الجزء الآخر العاقل في أداء وظيفته. وأما التفاوت بين أدمغة الرجال وبين أدمغة النساء فهو جار في قلوب الصنفين أيضا. هذا مع أن الدماغ يزيد نموه في زمان قلة القوة العاقلة إلى السنة السابعة ثمّ ينمو بطيئا إلى الرابعة عشرة ويتقهقر نموه إلى العشرين ومنها إلى الثلاثين ويقف عند الأربعين ثمّ ينقص وزنه في كل عشر سنين نحو اوقية مع أنّ الإنسان من العشرين فما زاد يزداد في قوة التعقل ويترقى في كونه أقوى وأحسن تعقلا وإدراكا. والقلب لا يزال يأخذ بالنمو والزيادة إلى الأدوار الأخيرة من الحياة ولا سيما في الذكور. وهذا أنسب بأزمنة حسن التعقل وجودة الإدراك. مضافا إلى أنّ القلب هو مبدء الحركة الحيوية المديرة للدورة الدموية وأسباب الحياة والنمو وتوزيع القوى على جميع أجزاء البدن فهو أنسب من غيره بأن تستخدمه الروح الحيوانية في أعمالها العقلية. وأيضا انّ بناء القلب مؤلف من حلفات ليفية والياف عضلية وكلها على نوع مدهش من التغمم والتصالب والتشبك بحيث يقال انّ البناء العضلي للقلب لم يعرف كما ينبغي إلى الآن. وانّ بناء القلب وأليافه العضلية أكثر وأكثر تضمما وتصالبا وتشبكا من البناء الذي امتازت به عضلات الحياة الحيوانية الحساسة للإرادة التي هي من أعمال النفس والممتثلة في أعمالها لأمرها. وهذا كله يشير إلى

٤٨

أنّ لعضلية القلب وميزة بنائه عمل نفسي كبير فائق يفوق ما ذكر لعضلات الحياة الحيوانية وأنسب ما يكون بذلك هو الإدراك والتعقل. نعم يمكن أن يكون الدماغ محفظة لصور المدركات التي يستودعها القلب إياه.

وخلاصة الحجّة في ذلك هو ان وجوه الإعجاز في القرآن الكريم حجّة على انه منزل من الله خالق القلب والدماغ بعلمه وحكمته. وقد اخبر بأنّ محلّ الإدراك والتعقل وآثاره هو القلب خاتمة من جملة ما يحضرني عند كتابتي لهذا التفسير من كتب الشيعة من كتب التفسير وانقل عنه تفسير القمّي عليّ بن ابراهيم. والجزء الخامس من كتاب حقائق التأويل في متشابهات التنزيل للسيد الرضي طاب ثراه وهذا هو المقدار الموجود منه وابتداؤه من الآية الخامسة من سورة آل عمران إلى نهاية تأويل الحادية والخمسين من سورة النساء. وكتاب مختصر التبيان للشيخ الطوسي. وهو قليل النسخة جدا وفيه احالات على كتابيه الخلاف وشرح جمل العلم. وكتاب مجمع البيان للطبرسي. وكتاب البرهان للسيد هاشم البحريني وهو تفسير بالحديث وهو مع الوسائل واسطتي إلى تفسير العياشي. واما التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (ع) فقد أوضحنا في رسالة منفردة في شأنه أنه مكذوب موضوع ومما يدل على ذلك نفس ما في التفسير من التناقض والتهافت في كلام الراويين وما يزعمان انه رواية وما فيه من مخالفة الكتاب المجيد ومعلوم التاريخ كما أشار إليه العلامة في الخلاصة وغيره. ومن كتب آيات الأحكام كنز العرفان للمقداد وزبدة البيان للأردبيلي. والقلائد للجزائري. ومن كتب الحديث. الكافي. والفقيه. والتهذيبان. والوسائل. وعدة من كتب الصدوق وغيرها ومن كتب أهل السنة من كتب التفسير تفسير الطبري. والكشاف. والدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي. ومن كتب الحديث جوامعهم السنة. وموطأ مالك. ومسند احمد. ومستدرك الحاكم. وكنز العمال. ومختصره. وان الدر المنثور اجمع من غيره للمأثور في التفسير باعتبار الأحاديث ورواتها ومخرجيها في كتبهم فلذا كانت احالتي في الغالب عليه وان اخرج الحديث عن صحاحهم التي هي أعلى منه سمعة. وقد انقل عنها ما لم يذكره. وإنما اذكر عنه ما أسنده عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وسلم . أو عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم. واما ما يرويه موقوفا على التابعين ومن بعدهم فلا حاجة لي فيه والله الموفق والمعين ولنشرع بعون الله وتوفيقه في المقصود

٤٩

فاتحة الكتاب

____________________________________

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (٦)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (٧)

____________________________________

تسميتها

تواترت تسميتها بفاتحة الكتاب ومن ذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا صلاة لمن لم يقرء بفاتحة الكتاب ونحو ذلك. وتكاثرت روايات الفريقين من الشيعة واهل السنة عن رسول الله (ص) وامير المؤمنين (ع) والصادق (ع) في تسميتها بأم الكتاب. وأمّ القرآن. والسبع المثاني. والقرآن العظيم. وعن أبي عبد الله الصادق (ع) إنما سميت المثاني لأنها تثنى في الركعتين

بركتها

واستفاضت الرواية من الفريقين عن رسول الله (ص) والباقر (ع) والصادق (ع) بل كادت ان تكون متواترة المعنى أن في قراءتها شفاء من الداء

محل نزولها

ذكر الواحدي في اسباب النزول وعن الثعلبي في تفسيره عن عليّ (ع) قد نزلت فاتحة الكتاب بمكّة الحديث. وروي عن عمرو بن شرجيل ما حاصله ان نزولها كان في أول الرسالة ونزول جبرائيل بالوحي. ولكن في مضامين الرواية ما فيها. وعن رجل من بني سلمة ما يقضي بأنها كانت تتلى قبل الهجرة. وقال الله تعالى في سورة الحجر ٨٧( وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ) وإذا كانت سورة الحجر كلها مكية قبل الهجرة ففي ذلك بضميمة ما ذكره في تسميتها دلالة على انها نزلت في مكّة قبل الهجرة ولكن مرسوم في عناوين المصاحف انها مدنية وقبل انها مكية مدنية وهي سبع آيات باتفاق المسلمين وتضافر الأحاديث زيادة على أحاديث السبع المثاني بل الأحاديث في روايات الفريقين متواترة في ذلك

بسملتها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ جزء من السورة باتفاق الإمامية والشافعية واجماع أهل البيت

٥٠

والروايات المتكاثرة عنهم (ع) وباتفاق المسلمين على رسمها في المصاحف من أول الأمر إلى الآن. والأخبار من طرق أهل السنة عن رسول الله وفيها الصحاح والحسان باصطلاحهم متكاثرة في ذلك كما في أحاديث علي (ع) وام سلمة وعمار وجابر وبريدة وطلحة بن عبيد الله وابن عمر وأبي هريرة وانس والنعمان ابن بشير كما روي أيضا عن علي (ع) وابن عباس ومحمد بن كعب القرضي

الجهر بالبسملة

يجهر بها باتفاق الإمامية واجماع أهل البيت وعملهم وحديثهم وحديث أهل السنة عن رسول الله (ص) من طريق علي (ع) وعمار وعائشة والحكم بن عمير وابن عمرو انس وأبي هريرة والنعمان بن بشير : وان تفسير البرهان للسيد هاشم البحريني من الإمامية وتفسير الدر المنثور للسيوطي من أهل السنة قد ذكر فيهما الكثير مما أشرنا إليه من الأحاديث فليرجع إليها من أراد الاطلاع على التفصيل

اعراب البسملة

(بسم الله) يتعلق بمحذوف يشير إليه ظاهر المقام. وقيل تقديره ابدءوا أو اقرأوا. أو قولوا. قلت على تقدير اقرأوا أو قولوا تكون الباء بمعنى الاستعانة باسم الله كما يقال اكتبوا بالقلم وذلك لجلالة اسم الله وبركته بجلال المسمى جل وعلا وبركته. ويكون المقروء والمقول هو ما بعد البسملة من السورة (ويرد) على هذا النحو من التقدير أولا انه مناف لجزئية البسملة من السورة ومساواتها لسائر آياتها في حكم القراءة. وان التخلص يجعل البسملة معمولة أيضا لا قرءوا أو مقولة لقولوا يستلزم تقدير عامل آخر تتعلق به الباء ومجرورها فما هو اذن. كما يرد أيضا ما ذكرنا على تقدير الكشاف اقرأ أو اتلو من كلام القاري والتالي ويكون المقروء والمتلو هو ما بعد البسملة : ويرد الجميع ثانيا حتى ابدأوا للأمر انه لا يتجه اطراد هذه التقادير في السورة المصدرة بخطاب النبي (ص) نحو( يا أَيُّهَا النَّبِيُ ) .( يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) .( قُلْ أُوحِيَ ) بل وسائر السور المصدرة بكلمة (قل) وما أشبه ذلك من السور. وكذا السور المصدرة بخطاب عير النبي نحو( يا أَيُّهَا النَّاسُ ) .( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) فإن أمر الله للعباد بالقراءة أو القول يخرجها عن كونها في أول نزولها خطابا إنشائيا من الله لرسوله أو للناس أو للذين آمنوا. وكذا إذا كان المقدر اقرأ أو اتلو بصيغة المضارع. مضافا إلى أن كلمة اقرأ أو اتلو لا يصح ان تكون

٥١

من الله لأنّه جلّ شأنه هو المتكلم بالقرآن والمنشئ له فكيف تنسب إليه القراءة والتلاوة : فإن قلت انا في السور المشار إليها نجعل المقدر ما لا ينافي خطابها وفي غيرها نجعل المقدر كلمة اقرأ أو اتلو بصيغة المضارع من قول الناس. قلنا أولا ماذا تصنع بما أوردناه أولا (وثانيا) ما هو الذي تقدره في السور المشار إليها بحيث لا ينافي مقام خطابها وإنشاءه فإنه ينبغي بيانه (وثالثا) يلزم من ذلك ان تفكك بين سياق البسملات التي في القرآن بلا دليل ولا حاجة ملزمة. مع أن الظاهر كونها في جميع السور على سياق واحد متسق كما ان الظاهر ان المقدر في تلك السور وغيرها في حال النزول ووحي الله وفي حال تلاوة الناس وقراءتهم هو واحد. كما ان الظاهر ان التالي يتلو البسملة على ما تعلقت به حال النزول وان ما تعلقت به هو من القرآن المنزل الذي أمر الناس بتلاوته وان كان مقدرا.

فالظاهر ان البسملة في جميع السور متعلقة بكلمة «ابدء» للمتكلم من قول الله جل اسمه تنويها بجلال اسمه الكريم وبركاته وتعظيما له لجلال المسمى وعظمته جلّ شأنه وله الأسماء الحسنى كما أمر في القرآن بذكر اسمه وتسبيحه كما في سورة المائدة والحج والمزّمل والدهر والأعلى. فينتظم المقدر في جميع السور وجميع الأحوال بنظام واحد على نسق واحد. ولا يعتري ما استظهرناه غرابة ولا إشكال وكيف يعتريه ذلك وقد نسب الله الابتداء لذاته المقدسة في خلقه كما في قوله جل اسمه( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ) .( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ ) وقد اقسم جل اسمه بمخلوقاته كالشمس والقمر والنفس وغيرها تعظيما لها لأنها مظاهر قدرته وآيات حكمته

خلق القرآن

وان لوحي الله بالسور إلى رسوله بداية ونهاية كما للسور كما قال الله تعالى في سورة الأحقاف في شأن القرآن( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى ) ودع عنك ان القرآن الكريم كلام مؤلف من الحروف والكلمات ولا بد من أن يكون لها ولتأليفها بداية ونهاية ولا بد من أن يكون له علة في إيجاده ووجوده لأنّه ليس بواجب الوجود فإن واجب الوجود واحد هو الله. وليست علة وجود الموحى منه إلّا خلق الله خالق كل شيء قال الله في سورة الزخرف( إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) والجعل هو الخلق وكل مجعول ومخلوق له بداية.

(الله) علم لواجب الوجود إله العالمين جلت أسماؤه وعظمت آلاؤه. وتفخم لامه بعد الفتح والضم (الرحمن) لا أظنك تشك في ان معنى الرحمة تتلقاه افهام الناس من لفظه

٥٢

في المحاورات على حدوده ومزاياه وتتناوله غرائزهم في اللغة على خصائصه وتميز في كل مقام ما يراد منه. بيد ان مقام التفسير قد يشوش الذهن لعدم اللفظ المرادف وعدم الاستقصاء في البيان لمزايا المعنى وحدوده. وقد فسرت الرحمة بالعطف والحنوّ. أو الرأفة والحنان. أو الرقة والتعطف. وكل هذه التفاسير إنما تحوم حول المعنى وتشير إلى شيء منه من بعيد. ألا ترى أنّ كلا من التفاسير الثلاثة تختلف كلمتاه في المعنى وإن هذه المذكورات قاصرة مع ان الرحمة تتعدى إلى المفعول. وان الأساس لمعنى الرحمة ودعامه ان تتعلق بالمحتاج إلى ما لا يقدر عليه من نيل الخير ودفع الأذى والضر. ويكون الداعي للراحم هو احتياج ذلك المحتاج والرغبة في إسعافه وإعانته فيه من دون أن يرجع إلى أغراض الراحم من نحو حاجة أو محبة أو ارتباط خاص به. ويعرف من تعديتها إلى المفعول انها ليست عبارة عن الانفعال النفسي بل هي تستعمل في حالة نفسية تتعلق بالمحتاج على الوجه المذكور وبالنسبة لله جل شأنه نحو من كماله الذاتي يتعلق بالمحتاجين على الوجه المذكور. ولأجل قصور البشر نوعا عن فهم صفات الله جلّ اسمه على ما هي عليه جرى القرآن الكريم على التعبير عنها بما يعبر به عما يناسبها في الشبه بالآثار والمزايا من صفات البشر الحميدة وجرى على ذلك في المبدأ والاشتقاق. وتستعمل الرحمة أيضا بنفس الاسعاف أو بنفس المسعف به. ومن الثالث بحسب الظاهر قوله تعالى في سورة آل عمران( وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) وفي سورة الكهف( رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ) وغير ذلك. وفي القرآن أيضا ما يصلح انطباقه على المعنى الأول والثاني. فالرحمن فعلان لذي الصفة الفعلية البينة ذات الأثر الظاهر ولها بقاء واستمرار كغضبان وريّان وفرحان. فيدل على فعلية الراحمية البينة واستمرارها. وان إهمال المتعلق مع اشتقاقها من المتعدّي ليدل على عموم هذه الراحمية ذات الأثر الظاهر وشمولها لكل محتاج إليها والكل محتاج إليها. ومن ذا الذي تكون راحميته أو رحمته بمعنى اسعافه فعلية بينة ظاهرة الأثر مستمرة شاملة مطلقة ومن ذا الذي يقدر على هذا الإسعاف غير الله جلت آلاؤه ولأجل ذلك اختص هذا الاسم الكريم بالله جلّ شأنه (الرحيم) صفة مشبهة تؤخذ بهذه الصيغة من المعاني الثابتة كالسجايا والأخلاق فتدل على ثبوت الرحمة ودوامها لله كدوام السجايا والأخلاق للبشر ولزومها وبهذه الدلالة وهذه المزية كانت ابلغ في المدح وبهذه الجهة صح الترقي إليها بالتمجد والمدح ولا يمتنع أخذ الصفة المشبهة بهذه الصيغة من الوصف المتعدي بحسب وضعه لأنّه قد يجعل لازما بتضمينه معنى السجية

٥٣

والخلق فيؤول إلى معنى فعل بضم العين كقوله تعالى في سورة المؤمن ١٥( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ ) اي رفيعة درجاته فأضيفت الصفة إلى فاعلها كحسن الوجه على ما هو من خصائص الصفة المشبهة كما قال الشريف في حاشية الكشاف وحكاه عن صرف المفتاح وفائق الزمخشري ومما يشهد بأن لفظ الرحيم ضمن معنى غير المتعدي هو انه حيث ذكر في القرآن متعلقا بمعمول ذكر متعلقا بواسطة الباء على سنة غير المتعدي دون لام التقوية كما في سورة البقرة ١٣٨( إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) وفي سورة الحج ١٦٤( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إلّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) وفي سورة الحديد ٨( وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ ـ ٩وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) وفي سورة بني إسرائيل ٦٨( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ٦٩وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً ٧٠أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ ـ ٧١أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ ـفَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ) وفي سورة التوبة( إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) وفي سورة النساء( إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ) وفي سورة الأحزاب( وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً ) وهذه الصفة غير مختصة بالله فقد جاء في سورة التوبة في وصف الرسول (ص) ١٢٩( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ )

وقد عرفت مما ذكرناه من سورة البقرة والحج وبني إسرائيل والحديد ما ينبغي أن تطرح الرواية التي تذكر ان الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصة ومما ذكرناه من سورتي بني إسرائيل والحج ينبغي ان تطرح أيضا الرواية التي تذكر ان الرحمن رحمان الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة كما أمرنا بذلك في عرض الحديث على كتاب الله

( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) الحمد ثناء بالخير معروف يضعه المتكلم بحسب مرتكزاته في اللغة مواضعه ويعرف معناه بمزاياه ويفرق بينه وبين ما يقارنه في الاستعمال والفهم. ولكن الاضطراب يجيء من ناحية التفسير فمن قائل انه أخو المدح أي مرادفه. ومنهم من فسره بالشكر مستشهدا بقولهم الحمد لله شكرا جاعلا قولهم شكرا مفعولا مطلقا لا مفعولا لأجله. ومنهم من قال ان الحمد والمدح والشكر متقاربة. ومنهم من جعله على صفات المحمود الذاتية وعلى عطائه. ومنهم من خصه بالثناء على الفعل الجميل الاختياري. والظاهر من التدبر في موارد الاستعمال والتبادر

٥٤

ان الحمد هو الثناء باللفظ بالخير على فعل الجميل الاختياري إذا كان للجميل نحو مساس بالحامد وإلّا فهو مدح. وأما الشكر فهو مقابلة الإحسان بنوع إحسان يتضمن الاعتراف سواء كان عملا أو قولا ولو بنحو من الاعتراف بذلك الإحسان وفضله لا مجرد الاعتراف بذات الفعل لا من حيث انه احسان وتفضل. ولا أظن قولهم الحمد لله شكرا إلّا أنّ شكرا مفعول لأجله نحو سبحته تعظيما. وإن فاعل الجميل من الناس إنما يستحق الحمد إذا فعله لحسنه أو لوجه الله وهو روح الإتيان بالفعل لحسنه «وقليل ما هم» بل لا يستحقه حتى في الظاهر إذا عرف انه لم يفعله لله ولا لحسنه وذلك القليل لا يستحق الحمد إلّا من حيث مباشرته لفعل الجميل واختياره له. فإن القوى التي فعل بها والإدراك الذي عرف به حسنه والإرشاد إلى فعل الجميل والأعيان التي تكون محققة لاسداء الجميل هي كلها لله ومن الله جلت آلاؤه ولذا كان الحمد كله وبحقيقته لله الغني المطلق جليل النعم التي لا تحصى نعماؤه ولا يخلو من عظائمها إنسان في حال من الأحوال. وجملة الحمد لله خبرية ان كانت من كلام الله في تمجيده لذاته وتنويهه بجلاله جلّ شأنه ولكن روى الصدوق في الفقيه من كتاب العلل للفضل بن شاذان عن الرضا (ع) ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد وذلك ان قولهعزوجل ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) إنما هو أداء لما أوجب اللهعزوجل من الشكر وشكر لما وفق له عبده من الخير( رَبِّ الْعالَمِينَ ) توحيد له وتحميد واقرار بأنه هو الخالق المالك لا غيره( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) استعطاف وذكر لآلائه ونعمائه على جميع خلقه( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) اقرار له بالبعث والحساب والمجازاة الحديث. إذن فجملة الحمد لله إلى آخره إنما هي عن لسان العباد وتعليم لهم كيف يحمدون ويوحدون ويقرون فهي خبرية تتضمن إنشاء الحمد بانه كله وبحقيقته لله( رَبِّ الْعالَمِينَ ) الرب المالك المدبر أو المربي والعالمين جمع عالم( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) تقدم تفسيره( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) مالك يوم القيامة وبيده أمره يتصرف فيه بعدله أو برحمته كيف يشاء وفي التبيان والكشاف ومجمع البيان أن إضافة مالك إلى يوم الدين من اضافة اسم الفاعل إلى الظرف نحو قولهم «يا سارق الليلة أهل الدار». ولا أرى حاجة ماسة إلى ما ذكروه. وروي في التبيان ومجمع البيان مرسلا عن الباقر (ع) والقمي مسندا عن أبي عبد الله (ع) واخرج ابن جرير والحاكم وصحّحه مسندا عن ابن مسعود وناس من الصحابة ان يوم الدين يوم الحساب وأظن ذلك لبيان انه يوم القيامة. وفي التبيان والبيان الدين الحساب والجزاء وفي

٥٥

الكشاف الجزاء واستشهدوا لذلك بقولهم كما تدين تدان وبيت الحماسة المنسوب لشهل بن ربيعة

صفحنا عن بني ذهل

وقلنا القوم اخوان

عسى الأيام ان ير

جعن قوما كالذي كانوا

ولما صرح الشر

وأمسى وهو عريان

ولم يبق سوى العدوا

ن دناهم كما دانوا

على معنى كما تجازي غيرك إذا أساء فإنك تجازى أيضا إذا أسأت وإنا جازينا بني ذهل على عدوانهم كما جازوا غيرنا فإن ظاهر الشعر ان قوم شهل كانوا قد صفحوا عن بني ذهل ولم يسبق منهم ما يكون به اعتداء بني ذهل عليهم مجازاة ولعل من معنى الدين المذكور في قول الأعشى «هودان الرباب أذكر هو الدين دراكا بغزوة وصيال» ولعل من هذا الباب الديان من أسماء الله له الأسماء الحسنى وديان يوم الدين وقول الأعشى مخاطبا لرسول الله (ص) «يا سيد الناس وديان العرب» والحديث كما ذكره في النهاية كان على ديان هذه الأمة. والأمر في تفسير الدين في الآية سهل فإنه يتراوح بين هذه المعاني وما يقرب منها. ولا غرو إذا تشابهت علينا هاهنا حقيقة معنى الدين بحدودها بواسطة التوسع في الاستعمال. ولا ينبغي أن يخفى أن قولهعزوجل ( رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) . هو بمنزلة الحجّة على ان الحمد له جلت آلاؤه وبمنزلة الحجّة على انحصار العبادة والاستعانة به في قوله جلت عظمته( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) وهل يعبد أو يستعان به بما هو رب العالمين غير رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين. وهل يصح في الشعور ان يرغب عن عبادته أولا تغتنم الاستعانة به. وقد كررت كلمة (إياك) لوجهين الأول للتصريح والنص على انحصار كل من العبادة والاستعانة به. ولو قيل إياك نعبد ونستعين لأوهمت صورة اللفظ ان المنحصر هو مجموع الأمرين من العبادة والاستعانة لا كل واحد منهما والثاني لأن الحصر فيهما مختلف فإنه بالنسبة للعبادة حصر لجميع أفرادها وبالنسبة للاستعانة حصر باعتبار بعض افرادها كما سيأتي إن شاء الله. وهذا الأسلوب في الآية الكريمة من قسم الالتفات من الغيبة إلى الخطاب. والالتفات في كلام العرب وشعرهم كثير وهم يعدونه من محاسن الكلام ومزاياه في البلاغة وهو متفاوت في الحسن ولكنه مهما بلغ فإنه لا يكاد ان يبلغ ما بلغه هذا الالتفات من الحسن الباهر والجودة الفائقة وأعلى درجات البلاغة. فإنه يمثل العبد شاخص البصر إلى جلال مولاه ومتوجها إلى حضرته بالاعتراف بأنه لا معبود سواه ولا مستعان إلّا هو ومتضرعا بخطاب العبودية والمسكنة ومناجاة الرهبة والرغبة خاضعا لربوبيته مادّا إلى رحمته يد الانقطاع في المسألة والاستعانة

٥٦

العبادة

لا يزال العوام والخواص يستعملون لفظ العبادة على رسلهم ومجرى مرتكزاتهم على طرز واحد كما يفهمون ذلك المعنى بالتبادر ويعرفون بذوقهم مجازه ووجه التجوز فيه. وإن المحور الذي يدور عليه استعمالهم وتبادرهم هو ان العبادة ما يرونه مشعرا بالخضوع لمن يتخذه الخاضع إلها ليوفيه بذلك ما يراه له من حق الامتياز بالإلهية. أو بعنوان انه رمز أو مجسمة لمن يزعمونه إلها تعالى الله عما يشركون. ولكن الخطأ والشرك. أو البهتان والزور. أو الخبط في التفسير وقع هنا في مقامات ثلاثة (الأول) الإتيان بما تتحقق به حقيقة العبادة لما ليس أهلا لذلك بل هو مخلوق لله كعبادة الأوثان مثلا (الثاني) مقام البهتان والافتراء وخدمة الأغراض الفاسدة لترويج التحزبات الأثيمة فيقولون لمن يوفي النبي أو الإمام شيئا من الاحترام بعنوان انه عبد مخلوق لله مقرّب عنده لأنّه عبده وأطاعه ويرمونه بأنه عبد ذلك المحترم وأشرك بالله في عبادته. ألا تدري لمن يبهتون بذلك؟ يبهتون من يحترم النبي أو الإمام تقربا إلى الله لأنّه اختاره وأكرمه بمقام الرسالة أو الإمامة التي هي بجعل الله وعهده كما وعد الله بذلك إبراهيم في قوله تعالى في سورة البقرة( وَإِذِ ابْتَلى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) وهذا الاحترام المعقول المشروع لا يقل عنه ولا يخرج من نوعه ما هو المعلوم والمشاهد من احترام هؤلاء المتحزبين لملوكهم وزعمائهم وحكامهم وخضوعهم لهم بالقول والعمل مهما بلغوا من النخوة الاعرابية. ولقد سرت هذه البادرة السوءى موروثة من ضلال الخوارج في تحزبهم إذ نسبوا الشرك والكفر لأمير المؤمنينعليه‌السلام إذ ألجأوه عند رفع المصاحف إلى السكوت عن تحكيم رجلين يعملان بما يوجبه القرآن في شقاق معاوية في حربه. كما ألجأوه إلى كون الحكمين أبا موسى وابن العاص. وكما نسبوا الشرك ثانيا إلى ولده الحسن السبطعليه‌السلام لما نافق قومه وزعماء جنده وانحاز بعضهم إلى معاوية وكاتبه آخرون وواعدوه تسليم الحسن له قبض اليد فخطب الحسن (ع) في معسكره المحشو بالنفاق مستشيرا ومقيما للحجة ومختبرا لهم لكي يعرف الناس نفاقهم فيكونوا على بصيرة من أمرهم في الحرب أو الهدنة.

وهذه المباهتة الوخيمة والدسيسة الوبيئة في التحزب الأثيم صارت في العصور المتأخرة وسيلة للتهاجم على ما حرم الله من دماء المسلمين وأموالهم واعراضهم وعلى حرمات الرسول والأئمة

٥٧

عليهم‌السلام وجرى من جرّاء ذلك ما تقشعر منه الجلود. ولو لا أن ملكهم قمع طغيانهم لجرى من عدوانهم والدفاع لهم حوادث في المسلمين مزعجة والله المستعان اللهم إياك نعبد وإياك نستعين. (المقام الثالث) كثيرا ما فسرت العبادة بأنها ضرب من الشكر مع ضرب من الخضوع. أو الطاعة. وهل يخفى عليك أن هذه التفاسير مبنية على التساهل بخصوصيات الاستعمال أو الارتباك في مقام التفسير وهل يخفى أن اغلب الافراد من كل واحد مما ذكروه لا يراه الناس عبادة ويغلطون من يسمّيها أو بعضها عبادة إلّا على سبيل المجاز. وإن لفظ العبادة وما يشتق منه كعبد ويعبد لا تجدها مستعملة على وجه الحقيقة إلّا فيما ذكرناه من معاملة الإنسان لمن يتخذه إلها معاملة الإله المستحق لذلك بمقامه في الإلهية. ولم أجدها في القرآن الكريم مستعملة في غير ذلك إلّا في ثلاثة موارد ولكنها لم تخرج عن النظر إلى مناسبة المعنى الحقيقيّ المذكور والتجوز بلفظه. وهي قوله تعالى في سورة مريم ٤٥( يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا ) وفي سورة يس ٦٠( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ ) . فاستعير اسم العبادة للطاعة العمياء للشيطان على الدوام كما يلقي المؤمنون قياد طاعتهم لله على بصيرة من أمرهم لأنّه إلههم على نحو التجوز الواقع في قوله تعالى في سورة الفرقان ٤٥( أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) . والجاثية ٢٢( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) فإنهم لم يكونوا يعبدون الشيطان ولم يتخذوا هواهم إلها على سبيل الحقيقة. وثالثها قوله تعالى في سورة المؤمنون ٤٩( فَقالُوا ) (اي فرعون وملائه)( أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ ) اي دائبون على العمل في تسخيرنا كما يدأب المؤمن في طاعة الله وعبادته. أو باعتبار ان فرعون كان يدعي الإلهية فجعلوا بالتشبيه والتمويه خضوع بني إسرائيل بالقهر والغلبة عبادة لفرعون هذا وان الشيخ محمد عبده خاض في هذا المقام في البحث على ما حكاه عنه تلميذه في تفسيره لسورة الفاتحة وقارب الغرض في كلامه ولما يقرطس. قال ما ملخصه مهما غالى العاشق في تعظيم معشوقه والخضوع له وتفانى في هواه وارادته. أو بالغ بعض الناس في تعظيم الملوك والزعماء فترى من خضوعهم لهم ما لا تراه من خضوع القانتين لله فإن العرب لم يكونوا يسمون شيئا من هذا الخضوع عبادة فما هي العبادة اذن. وقال : تدل الأساليب الصحيحة والاستعمال العربي الصراح أن العبادة ضرب من الخضوع بالغ حد النهاية ناشئ عن استشعار القلب عظمة للمعبود لا يعرف منشأها واعتقاده بسلطة لا يدرك كنهها وماهيتها وقصارى ما يعرفه منها انها محيطة به

٥٨

ولكنها فوق إدراكه انتهى كلامه ولو انه صارح بجامع كلامه وملاك صحته واستقامته «وهو ما قدمنا من تقيد العبادة بالتعلق بمن يراه العابد إلها» لما عادت جمله فلا متدافعة يشلها الانتقاد وان اعتصم بعد ذلك بصائب قوله «للعبادة صور كثيرة في كل دين شرعت لتذكير الإنسان بذلك الشعور بالسلطان الإلهي الأعلى» فإنه لا يتسق قوله هذا إلّا أن يعتبر في معنى العبادة كونها ناظرة إلى توفية من يتخذه إلها حقه من التعظيم والخضوع واي شعور مذكر فيها لو لا ذلك الاعتبار. وان لم يعتبر ما ذكرناه فلا مفرّ لجملة المتقدمة عن النقد. فإن صور كثير من العبادات لا تبلغ حد النهاية من الخضوع ولا تقاربه كما ذكر في عبادة المتحنثين القانتين بالنسبة لخضوع ذلك العاشق لمعشوقه وخضوع أولئك في تعظيم الملوك والزعماء. وأيضا ان عابد الله يعرف أن منشأ العظمة وملاكها هي السلطة الإلهية ولئن كانت فوق إدراكه فباعتبار عمومها لما لا يعدّ ولا يحدّ من الممكنات لا بما هي سلطة إلهيّة عظيمة يمكن عرفانها ونيلها بالإدراك من هذه الوجهة. وفي مقام الفرق بين العبادة والعبودية قال ومن هنا قال بعض العلماء أنَّ العبادة لا تكون في اللغة إلّا لله تعالى «أقول» يريد ان العبادة من حيث ان معناها الحقيقي في اللغة مأخوذ فيه التعلق بالإلهية والإله لا يصح تعلقها إلّا بالله الذي لا إله إلّا هو ولا يريد أنها لم تنسب في اللغة إلّا لله. وكيف يخفى عليه أنها جاءت في نفس محاورات القرآن منسوبة لغير الله في اكثر من سبعين موردا. فالظاهر أنه لا وقع لاعتراضه عليه بقوله ولكن استعمال القرآن يخالفه. نعم يرد على من قال ان لفظ العباد مأخوذ من العبادة انه غفل عن قوله تعالى في سورة النور ٣٢( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ )

حصر الاستعانة بالله جلّ اسمه

قال الله تعالى في سورة المائدة ٣( تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى ) واما المعاونة في المباحات فهي إحسان أمر الله به أيضا في كتابه بقوله تعالى في سورة النحل ٩٢( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ) وفي سورة البقرة ٩١ وآل عمران ١٢٨ والمائدة ١٥( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) . والمعلوم بالضرورة من سيرة النبي (ص) وأصحابه والأئمة والمسلمين انهم يستعينون في غالب أمورهم المباحة بالآلات والدابة والخادم والزوجة والصاحب والرسل والأجراء وغيرهم وفي سورة البقرة ٤٢ و ١٢٨( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) وفي سورة النساء ٦٧( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً ) فقد لامهم الله على

٥٩

عدم مجيئهم للاستعانة على المغفرة باستغفار الرسول. وهذا يكفي في الحجّة والدلالة على ان الإعانة ليست بجميع أقسامها منحصرة بالله. وعلى انه لا يلزمنا أن نقصر استعانتنا بقول مطلق على الله. وتفصيل ذلك هو انا ننظر إلى استعانات البشر قولا وعملا فنراها تكون على نحوين (النحو الأول) هو الاستعانة بالوسائل المجعولة من الله لنيل المقصود التي هي وما فيها من التسبيب من جعل الله وخلقه. (والنحو الثاني) هو الاستعانة بالإله بما هو إله معين بإلهيته وقدرته الذاتية المطلقة الفائقة. ولا ريب في ان النحو الثاني من الاستعانة هو المتيقن في قصره على الله. لأن الاستعانة بهذا النحو إذا كانت بغير الله كانت تأليها لذلك الغير واشراكا بالله. ومما ذكرنا من الآية والسيرة واقتران( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) في سياق توحيد الله وتمجيده بالمجد الإلهي تقوم الحجّة وتتضح الدلالة على ان هذا النحو من الاستعانة هو تمام المقصور على الله دون النحو الأول

الاستشفاع إلى الله

ولا ريب في أن الاستشفاع إلى الله في دعائه والتوسل إليه بالنبي (ص) والأئمة والأولياء في الحوائج إنما هو من الاستعانة بالنحو الأول. وإنك إذا سألت حتى من الهمج عما يفعلون في توسلهم بالنبي (ص) والأئمة والأولياء قالوا انا نستشفع بهم إلى الله ونقدمهم أمام تضرعاتنا إليه لكرامتهم عليه ووجاهتهم عنده لأنهم من عباده المكرمين. فإن قلت لهم انكم ربما تخاطبونهم بالتضرع والتمجيد وطلب الحاجة منهم فما هذا. قالوا لك تخاطبهم بالضراعة ليشفعوا وبالتمجيد بما هم أهل له احتراما لمقامهم عند الله وبطلب الحاجة منهم إلحاحا عليهم وتأكيدا في الاستشفاع. وبيانا لأن شفاعتهم وسيلة ناجحة كما تقول لمقرّب الملك فيما يرجع أمره إلى الملك أريد هذا الأمر منك. فإن قلت لهم هلا تسألون طلباتكم منهم. قالوا لك كيف وإنهم بشر لا يقدرون على ما يختص الله بالقدرة عليه من حيث الإلهية ولا إله إلّا الله : فإن قيل ان الله ارحم الراحمين فما هي الحاجة إلى الاستشفاع. قلنا شرع الاستشفاع لأجل الحكمة التي شرع لأجلها الدعاء كما قال الله وهو أرحم الراحمين عالم الغيب والشهادة في سورة المؤمن ٦٢( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ـ ٦٧( فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) وفي سورة الأعراف ٢٨( وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ـ ٥٤( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ) فإن دعاء الله تمرين على عبادته والالتجاء إليه والفزع إلى إلهيته وقدرته فإن قيل أين شرع الاستشفاع. قلنا يكفي في الدلالة

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288