ابن عباس و أموال البصرة

ابن عباس و أموال البصرة0%

ابن عباس و أموال البصرة مؤلف:
تصنيف: شخصيات إسلامية
الصفحات: 93

  • البداية
  • السابق
  • 93 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30172 / تحميل: 6588
الحجم الحجم الحجم
ابن عباس و أموال البصرة

ابن عباس و أموال البصرة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ونحن نُشير إلى هذه الأمور المُثْبِتَة لذلك على النّحوالتّالي:

١ - إنّ ممّا يدلّ على أنّ ابن عبّاس كان في الكوفة حين مقتل عليّعليه‌السلام ، ما رواه المفيد: من أنّ عليّاًعليه‌السلام (كان في رمضان الّذي قُتل فيه، يفطر يوماً عند الحسن، ويوماً عند الحسين، وثالث عند عبدالله بن العبّاس، لا يزيد على ثلاث لقم..)(١) .

٢ - ما ورد من أنّه:

(خطب الحسن صبيحة الّليلة الّتي قبض فيها أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: ( لقد قبض....... إلى أن قال: فقام عبدالله بن العبّاس بين يديه ، فقال: معاشر النّاس، هذا ابن نبيكم، ووصى إمامكم؛

____________________

(١) الإرشاد ، المفيد ، ص ١٥١ ،ط سنة ١٣٦٤هـ ، وكشف الغمة ،ص ١٣٠ ، ط حجرية ..، وبعضهم كابن الصّباغ، وابن الطّقطقي ، ذكر عبدالله بن جعفر، بدل عبدالله بن عبّاس.. ، وفي أعلام الورى ، ص ١٦٠: إنّ الرّواية الّتي تذكر عبدالله مشهورة ، لكنّه قال: والأصح: (عبدالله بن جعفر) ؛ فهذا تصحيح واجتهاد منه.

٦١

فبايعوه..(١) ) ، وذلك في يوم الواحد والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة؛ فرتّب العمال، وأمر الأمرة، وأرسل عبدالله بن العبّاس إلى البصرة، ونظر في الأمور..)(٢) .

٣ - أمّا ابن أبي الحديد فيقول: (قال المدائني: ولمّا توفي عليّعليه‌السلام ، خرج عبدالله بن العبّاس بن عبدالمطلب إلى النّاس؛ فقال: إنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام قد تُوفّي، وقد ترك خلفاً؛ فإنْ أحببتم ، خرج إليكم، وإنْ كرهتم ، فلا أحد على أحد؛ فبكى النّاس، وقالوا: بل يخرج إلينا، فخرج الحسنعليه‌السلام ، فخطبهم.. إلى أنْ قال: فبايعه النّاس..)(٣) .

____________________

(١) كشف الغمة ،ص ١٦١ ، ط حجرية ، والفصول المهمة ، لابن الصّباغ ، ص ١٤٦، وإرشاد المفيد ، ص١٦٧، ١٦٨ ، ط سنة ١٣٦٤هـ ، وإثبات الهداة ،ج ٥ ، ص ١٣٤ و١٣٦، وشرح النّهج ، ج ١٦ ، ص ٣٠ عن مقاتل أبي الفرج، مصرّحاً بالإسم: (عبدالله). لكن المقاتل المطبوع ، ص ٥٢ ،اكتفى بلفظ: ابن عبّاس دون تصريح بالإسم. وليراجع: أعلام الورى ، ص ٢٠٨.

(٢) كشف الغمة طبعة حجرية ص ١٦١، والإرشاد ، المفيد ، ص ١٦٨.

(٣) شرح النّهج ،للمعتزلي ،ج ١٦ ، ص ٢٢.

٦٢

٤ -  أمّا ولاؤه للحسن ، فيدلّ عليه: رسالته الّتي أرسلها إليه - والظّاهر أنّه أرسلها إليه من البصرة، لا من مكّة ، كما يقول طه حسين؛ سيما بعد ما عرفت، وما سيأتي من تولّيّه البصرة لهعليه‌السلام - فهو يقول في تلك الرّسالة، يحثّه على ضبط الأمور، والنّهوض لجهاد معاوية: (إنّ المسلمين ولَّوك أمرهم بعد عليّ؛ فشمّر للحرب، وجاهد عدوّك، ودار أصحابك، واشتر من الضّنين دينه بما لا يثلم دينك. وولّ أهل البيوتات والشّرف ، تستصلح بهم عشائرهم، حتّى تكون الجماعة، فإنّ بعض ما يكره النّاس ما لم يتعد الحقّ، وكانت عواقبه تؤدي إلى ظهور العدل وعزّ الدّين، خير من كثير ممّا يحبّون؛ إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور، ووهن الدّين)(١) إلى آخر الرّسالة، الّتي يؤيد فيها حق عليّعليه‌السلام وأهل بيته، ويجرح فيها كل أعدائهعليه‌السلام ومناوئيه..

٥ - وبعد ذلك يطالعنا موقف معاوية من ابن عبّاس

____________________

(١) عيون الأخبار ، ابن قتيبة ، ج ١ ، ص ١٤، والعقد الفريد ، ج ٣ ، ص ١٢٤، ط سنة ١٣٤٦هـ وذكرها ابن أبي الحديد بتمامها في شرح النّهج ،ج ١٦ ، ص ٢٣، ٢٤.

٦٣

عند صلح الحسن؛ حيث كتب معاوية إلى ابن عبّاس يدعوه إلى بيعته، ويقول: (.. ولعمري، لو قتلتك بعثمان رجوت أن يكون ذلك لله رضا، وأن يكون رأياً صواباً؛ فإنّك من السّاعين عليه، والخاذلين له، والسّافكين دمه، وما جرى بيني وبينك صلح ، فيمنعك مني: ولا بيدك أمان..

فكتب إليه ابن عبّاس جواباً طويلاً، وكان ممّا قاله فيه - بعد ذكره أنّ القاتل الحقيقي لعثمان ، هو معاوية نفسه - : ثم علمت عند ذلك: أنّ النّاس لن يعدلوا بيننا وبينك؛ فطفقت تنعى عثمان وتلزمنا دمه، وتقول: قُتل مظلوماً؛ فإنْ يكُ قُتل مظلوماً ، فأنت أظلم الظالمين. ثم لم تَزل مصوّباً، ومصعّداً، وجاثماً، ورابضاً ، تستغوي الجهّال، وتنازعنا حقنا بالسّفهاء، حتّى أدركتَ ما طلبتَ..)(١) .

وتهديد معاوية لابن عبّاس عند صلح الحسن، إنْ دلَّ على شيء؛ فإنّما يدلُّ على مدى خوف معاوية منه، ورهبته إيّاه، ومعرفته بحقيقة موقفه منه، ومن خلافته، وجده واجتهاده في مناصرة عليّ، وولده الحسنعليهما‌السلام .. ولا نستبعد أنْ تكون هذه

____________________

(١) شرح النّهج ، للمعتزلي ، ج ١٦ ، ص ١٥٤، ١٥٥.

٦٤

الرّسالة قد أرسلها معاوية إليه إلى البصرة، حيث تكمن قدرة ابن عبّاس وقوَّته، الّتي يشير إليها زياد في كلامه اﻵتي؛ ولإنّ ابن عبّاس كان والياً على البصرة حينئذٍ..

٦ - قال ابن أبي الحديد ، نقلاً عن المدائني : (.. ثم وجَّه (أي الحسنعليه‌السلام ) عبدالله بن عبّاس، ومعه قيس بن سعد بن عبادة مقدَّمة له في اثني عشر ألفاً إلى الشّام، وخرج وهو يريد المدائن؛ فطُعن بساباط، وانْتُهب متاعه، ودخل المدائن، وبلغ ذلك معاوية؛ فأشاعه، وجعل أصحاب الحسن الّذين وجّههم مع عبدالله يتسللون إلى معاوية، الوجوه وأهل البيوتات؛ فكتب عبدالله بن العبّاس بذلك إلى الحسنعليه‌السلام ؛ فخطب النّاس، ووبّخهم وقال: خالفتم أبي حتّى حكم وهو كاره الخ..)(١) ، ثم يذكر قضيّة الصّلح..

وهذا الّذي ذكره المدائني ، لا يمكن أنْ ينطبق على ما جرى من عبيدالله بن العبّاس من الخيانة، بل هو شاهد قويّ لما ذكره أولئك الّذين قالوا: إنّ عبدالله نفسه قد شهد صلح الإمام الحسن مع معاوية، ثم عاد إلى البصرة، وثقله بها، فحمله، وتوجّه

____________________

(١) شرح النّهج ، للمعتزلي ، ج ١٦ ، ص ٢٢.

٦٥

إلى مكّة.. والّذي يظهر هو ، أنّه قد جاء من البصرة، وجعله الحسن على مقدَّمته، لكن جيشه هو الّذي خان به؛ فكتب بذلك إلى إمامه؛ فكان ذلك من مشجّعات قبولهعليه‌السلام للصّلح، أمّا خيانة عبيدالله ، فلعلها كانت قبل ذلك أو بعده..

٧ - ويدلّ على تولّي ابن عبّاس للبصرة من قبل الحسنعليه‌السلام ، ما ورد من: أنّ معاوية قد دسَّ رجلاً: (من بني حمْيَر إلى الكوفة، ورجلاً من بني القين إلى البصرة، يكتبان إليه باﻷخبار، فدلَّ على الحمْيَري عند لحّام جرير، ودلَّ على القيني بالبصرة في بني سليم؛ فأُخذا، وقُتلا.. إلى أنْ قال: وكتب عبدالله بن العبّاس من البصرة إلى معاوية: أمّا بعد: فإنّك ودسِّك أخا بني قين إلى البصرة، تلتمس من غفلات قريش، مثل الّذي ظفرت به من يمانيتك. لكما قال أميّة بن الأسكر:

لعمرك أنّي والخزاعي طارقاً

كنعجة عاد حتفها تتحفّر

أثارت عليها شفرة بكراعها

فظلّت بها من آخر اللّيل تنحر

شمت بقوم من صديقك أهلكوا

أصابهم يوم من الدّهر أصفر

٦٦

فأجابه معاوية: أمّا بعد: فإنّ الحسن بن عليّ ،قد كتب إليّ بنحو ما كتبت به، وأنبأني الخ..)(١) .

٨ - وأخيراً.. فإنّ ممّا يدلُّ على أنّ ابن عبّاس قد بقي على البصرة إلى ما بعد مقتل عليّعليه‌السلام ، ثمّ ولّيها من بعده للامام الحسن (صلوات الله وسلامه عليه)، ما ورد من: إنّه لما قُتل عليّعليه‌السلام ، بقى زياد على عمله، وخاف معاوية جانبه، وعلم صعوبة ناحيته، وأشفق من ممالاته الحسن بن عليّ؛ فكتب إلى زياد يتهدّده؛ فغضب زياد ، وقام خطيباً؛ فكان ممّا قال:

(كيف أرهبه وبيني وبينه ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وابن ابن(٢) عمّه، في مئة ألف من المهاجرين والأنصار،

____________________

(١) مقاتل الطّالبيين ، ص ٥٢ - ٥٤ ، وشرح النّهج ، للمعتزلي ، ج ١٦ ، ص ٣١، ٣٢، والأغاني ، ج ١٨ ، ص ١٦٢، والإرشاد، المفيد ، ص ١٦٨، وعدم تصريح هذا الأخير باسم عبدالله بن عبّاس لا يضر؛ لأنّه قد نصَّ قبل ذلك بقليل ،على تولّيّه البصرة من قبل الحسنعليه‌السلام ، وأشار ابن الصّباغ إلى هذه القضيّة ، ص ١٤٦، من دون تصريح أيضاً..

(٢) الصّحيح: وابن عمه..

٦٧

والله، لو أذن لي فيه، أوندبني إليه ﻷريته الكواكب نهاراً..)(١) . هذا على ما ذكره ابن أبي الحديد في ذلك..

وعبارة غيره: أنّ زياداً قال: (العجب من ابن آكلة الأكباد ، وكهف النّفاق، ورئيس الأحزاب، يتهدّدني؛ وبيني وبينه ابنا عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله - يعني ابن عبّاس، والحسن بن عليّ - في سبعين ألفاً، واضعي سيوفهم على عواتقهم الخ..)(٢) .

ولكنّه لمّا استلحق زياداً بعد ذلك، مال زياد إليه..(٣)

____________________

(١) شرح النّهج ، للمعتزلي ، ج ١٦ ، ص ١٨٢ و١٨٣.

(٢) الطّبري ،حوادث سنة ٤١ ، ج ٤ ، ص ١٢٩ ، والكامل ، لابن الأثير ، ج ٣ ، ص ٤١٥، ٤١٦، ط صادر. لكنّه في ص ٤٤٤ منه ، ذكر العبارة نفسها من دون تفسير ، بقوله: يعني ابن عبّاس ..الخ ، وذكر: أنّ ذلك كان في حياة عليّعليه‌السلام . وواضح أنّ زياداً قد تولّى فارس في سنة ٣٩هـ و فاته أنّ محاولات معاوية قد تكرّرت لذلك.. والظّاهر: أنّها كانت ثلاث مرّات، كما تدلُّ عليه هذه النّصوص وغيرها.

(٣) وفيّات الأعيان، ج ٢ ، ص ٢٩٥ ، ط سنة ١٣١٠، والفخري في اﻵداب السّلطانية ، ص ١٠٩ ،١١٠ : أنّ معاوية

٦٨

لكن ابن الأثير لم يقبل تفسير الطّبري لقول زياد ، على ذلك النّحو، وأنكر أن يكون قد عنى ابن عبّاس؛ وذلك استناداً إلى رواية السّرقة المتقدمة(١) .

ولكن، عدم قبول ابن الأثير لذلك لا قيمة له ؛ بعد أن كانت سائر الأدلّة والشّواهد ، تثبت كذب تلك الرّواية، وتؤكّد على أنّ ابن عبّاس لم يفارق عليّاً، وأنّه بقى على البصرة من قبل الحسن..

وقول زياد هذا، وذلك الذي نقلناه عن ابن أبي الحديد ، هو من تلك الدّلائل والشّواهد.. الّتي تؤكّد كذب تلك الرّواية وافتعالها، سيما بعد تلك اﻷدلّة الكثيرة، الّتي قدمنا جانباً منها..

المبررات لا تجدي:

وبعد..؛ وإذ قد ثبت بعد هذه الجولة ، كذب تلك الرّواية المتقدِّمة ؛ رواية السّرقة وافتعالها، بما لا مجال معه ﻷيِّ شكٍّ أو توهّم..؛

____________________

® قد حاول استلحاق زياد مرّتين: مرّة في حياة عليّ ، ففشل، ومرّة بعد وفاته ، فنجح. لكن الظّاهر: أنّها ثلاث محاولات ، كما قلنا.

(١) الكامل ، ابن الأثير ، ج ٣ ، ص ٤١٦ ، ط صادر.

٦٩

فلا تبقى ثمّة حاجة إلى تبريرات طه حسين للسّرقة بأنّ:

(ابن عبّاس عندما رأى نجم ابن عمّه في أفول، ونجم معاوية في صعود، لم يشهد النّهروان مع عليّ، وإنّما أقام بالبصرة، واكتفى بأن سرّح الجند إليه، و: (أقام في البصرة يُفكِّر في نفسه أكثر ممّا يفكِّر في ابن عمّه، وفي هذه الخطوب، الّتي كانت تزدحم عليه، وكأنّه آثر نفسه بشيء من الخير، وسار في بيت المال سيرة تخالف المألوف من أمر عليّ، ومن أمره هو، حين كانت الأيام مقبلة على ابن عمّه وعليه..)(١) .

لا حاجة إلى ذلك؛ ﻷنّه لا يعدو أن يكون مجرد توجيه اتهام، لا يستند إلى شيء ، إلاّ إلى تلك الرّواية الّتي لم يعد ثمّة شكٌّ في فسادها، وعدم صحتها..، مضيفاً إلى ذلك دعوى تكذّبها كل الشّواهد التّاريخيّة، وهي أنّ ابن عبّاس لم يكن مع عليّ في النّهروان.. مع أنّ ابن عبّاس قد حاج أهل النّهروان، بإشارة من عليٍّ نفسه، ورجع منهم - على ما قيل - ألفان عن غيّهم وضلالهم.

____________________

(١) راجع: الفتنة الكبرى ،ج ٢ ، ص ١٢١، ١٢٢.

٧٠

مع أنّه - لو فرض جدلاً: أنّه لم يحضر النّهروان؛ فإنّ ذلك لا يثبت ما يدّعيه طه حسين أصلاً؛ وذلك ﻷنّه قد تقدّم أنّه كان عند عليّ بعد ذلك، وفي سنة ٣٩ بالذّات، بل وفي سنة أربعين؛ سنة استشهادهعليه‌السلام حسبما عرفت، إلى آخر ما تقدم ممّا لا نرى حاجة إلى إعادته..

الرّأي الأمثل:

وبعد كلِّ ما قدمناه.. فإنّ ممّا تجدر الإشارة إليه هنا: أنّه لو فرض أنّ لهذه القضيّة أساس من الصّحة؛ فإنّ ما يمكن أنّ يكون قد حصل هو: إمّا ما ذكره اليعقوبي، أو ما ذكره ابن أعثم الكوفي في كتابه: الفتوح، على ما نُقل عنه، وهو:

أنّه لما ذهب عبدالله بن عبّاس إلى الحج، واستخلف زياداً على الخراج، وأبا اﻷسود على الصّلاة، وقع بينهما بعد خروجه تنافر؛ فهجاه أبو الأسود؛ فلمّا رجع ابن عبّاس شكاه زياد، وقرأ عليه أهاجيه فيه؛ فغضب ابن عبّاس، وسبَّ أبا اﻷسود، فاحتال أبو الأسود، فكتب إلى أمير المؤمنين: إنّ ابن عمّك خان في بيت المال..،

٧١

فكتبعليه‌السلام إلى ابن عبّاس: بلغني عنك أمور، الله أعلم بها، وهي منك غير منتظرة؛ فاكتب إليَّ بمقدار بيت المال..

فأجابه ابن عبّاس: (إنّ ذلك باطل، واعلِم من كتب إليك، ولا أتصدى بعد ذلك للعمل). واعتزل في بيته؛ فكتب عليّعليه‌السلام إليه:((لا تكن واجداً ممّا كتبت إليك؛ فإنّ ذلك كان من اعتمادي عليك، وتبيّن لي: أنّ ما كتبوا إليّ فيك باطل؛ فارجع إلى عملك)) ، فلمّا وصل الكتاب إلى ابن عبّاس، سرّ، واشتغل بعمله..(١) .

وهذا.. وإنْ كان يبدو أنّه ، هو المعقول والمقبول، وأنّ القصّاصين، وذوي الأغراض والأهواء - كما عودونا - قد زادوا فيه، وحرّفوه بما يخدم أغراضهم، ومصالحهم..، لكنّه لا يخلو أيضاً من بعض الإشكال، سيما بملاحظة ما تقدم من إنكار بعض المؤرّخين: أنْ يكون ابن عبّاس قد حجّ في زمن عليّعليه‌السلام أصلاً..

إلاّ أنّ الظّاهر أنّه يمكن أن يكون ثمّة اشتباه من الرّاوي؛ وأنّ الصّحيح ، هو:

أنّ ابن عبّاس كان عند عليّعليه‌السلام

____________________

(١) قاموس الرّجال ، ج ٦ ، ص ١٨، ١٩ عن ابن أعثم.. ، وتاريخ أعثم ، من ص ٣٠٧ حتى ٣٠٩ (التّرجمة الفارسيّة) ، وقد أطال الكلام في تفصيل ذلك، والمذكور هنا مختصر منه.

٧٢

في الكوفة حين اختلاف زياد وأبي الأسود، لا في الحجّ، ويظهر قرب هذا الإحتمال ممّا قدَّمناه في مطاوي هذا البحث..

ونخلص بعد ذلك إلى هذه النّتيجة، وهي:

إنّ الكتب المتبادلة بين عليّ والرّجل الآخر؛ إنّ لم تكن موضوعة؛ فلابدّ وأنْ تكون قد تبودلت بين عليّعليه‌السلام ورجل آخر، غير ابن عبّاس، ممّن كان يثق به عليّعليه‌السلام ؛ لكنّها حُرّفت لتنطبق على ابن عبّاس ؛ لحاجة في أنفس المحرفين.. لا تخفى..

٧٣

٧٤

لماذا الكذب والإفتعال إذن؟!

تاريخ افتعال الرّواية

سر اختلاق الأُسطورة عند بعض

مبرّرات الوضع الحقيقيَّة

الحقّ يعلو ولا يُعلى عليه

٧٥

٧٦

تاريخ افتعال تلك الرّواية:

وأمّا تلك الأسطورة الطّويلة العريضة، فلا يمكن أنْ تصحَّ بأيِّ وجه من الوجوه، وكلّ الدّلائل والشّواهد متضافرة على أنّها مختلقة، ومفتعلة..، أمّا عن تاريخ وضعها وافتعالها..

فلا نكاد نشكُّ في أنّه قد حصل في أيّام الأمويّين، وعلى الخصوص في أيّام المروانيّين منهم.. ، ويدلُّنا على أنّها وضعت في أيّام الأمويّين ، السّؤال والجواب المتقدم ، المتبادل بين سليمان بن عليّ، وعمرو بن عبيد ؛ المُتوَفّى في مطلع الدّولة العباسيّة سنة ١٤٢، أو ١٤٣هـ عن هذه القضيّة.

٧٧

كما أنّ المأمون نفسه ، قد أشار إليها في رسالته ، الّتي أرسلها للعباسيّين من مرو إلى بغداد..(١) .

هذا بالإضافة إلى أنّنا لا نجد لهذه القضيّة ذكراً من معاوية، أو من يزيد، أو من غيره من السفيانيّين.. ولا نجد مبرراً لوضع العباسيّين لمثل هذه الأسطورة، سيما بالنّسبة لجدّهم عبدالله بن العبّاس، الّذي ما زالوا يعتزّون ويفتخرون به.. ونجد الكثير من المبرّرات الدّالة على أنّ من مصلحتهم وضع ما يناقضها وينافيها..

سر اختلاق هذه اﻷسطورة عند بعض:

وأمّا عن سر اختلاق هذه الرّواية وافتعالها، فيرى بعضالمحقّقين(١) رأياً في ذلك لا نوافقه عليه:

____________________

(١) طرائف ابن طاووس، التّرجمة الفارسيّة ، ص ١٣٣ نقلاً عن كتاب نديم الفريد، والبحار، المجلسي ، ج ٤٩ ، ص٢١٠، وقاموس الرّجال ، ج ١٠ ، ص ٣٥٧.

٧٨

ومُلَخَّص رأيه:

أنّه قد جاء في العقد الفريد: أنّ عبد الله بن العبّاس كان من أحبِّ النّاس إلى عمر. وكان يقدّمه على اﻷكابر من أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يستعمله قط ، فقال له يوماً: (كدتُ استعملك، ولكن أخشى: أن تستحلّ الفيء على التّأويل؛ فلمّا صار الأمر إلى عليّ، إستعمله على البصرة؛ فاستحلّ الفيء على تأويل قوله تعالى:(وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْ‏ءٍ فَأَنّ للّهِ‏ِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى) واستحله من قرابته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ..)(٢) ، ثم ساق في العقد قضيّة سرقته الأموال على النّحو المتقدّم..

____________________

(١) هو العلاّمة الشّيخ محمد تقي التّستري..

(٢) العقد الفريد ، ج ٣ ، ص ١٢٠، ط سنة ١٣٤٦هـ ، والفتنة الكبرى ، ج ٢ ، ص ١٢٨، ١٢٩. وردَّ ذلك طه حسين: بأنّ ابن عبّاس لم يكن بحيث يجهل أنّ حقّه لا يعدو حقَّ غيره من المذكورين، وأنّه لا يحل له أنْ يأخذ شيئاً إلاّ بإذن إمامه، وأنّه كان أعلم بدينه من هذا التّأويل..

.. ولكنّنا قد قلنا: إنّ الإختلاف في قضيّة الخمس، وتفسير الآية المذكورة ،حاصل قبل ذلك بزمان، وقد استوفى الكلام في =

٧٩

فأراد واضعو هذه الرّواية - بنظر ذلك البعض : أنْ يجدوا عذراً لعمر في عدم توليته أهل بيت النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سيما مثل ابن عبّاس ؛ الّذي كان مقرَّباً إليه كلَّ التقريب ؛ رغم أنّه كان يولّي غيرهم: ممّن عُرفوا بالإنحراف، وعدم الإستقامة، والبغض لهم : كالمُغيرة بن شعبة، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وغيرهم..(١) .

فإذا وضعوا هذه الرّواية؛ فإنّ نبوءة الخليفة الثّاني تتحقّق، وتصُّح فراسته، ويثبُت من الجهة الأخرى، أنّ الخمس ليس حقاً ﻷهل البيت، وقد استحلَّ ابن عبّاس الفيء..

ويُلاحظ: أنّ ابن عبد ربّه قد ذكر رواية السّرقة بعد ذكره للعبارة المتقدّمة مباشرة؛ ليُثبت الدّعوى بالدّليّل - وإن كان فاسداً - كعادته في دسّ السّم في الدّسم.

ويلاحظ ذلك منه في موارد أخرى ، سيما في ذلك الّذي يرتبط باﻷئمة الطّاهرينعليهم‌السلام ..

____________________

= اختلافاتهم هذه ، العلاّمة المحقّق الشّيخ عليّ الأحمدي، في مكاتيب الرسول ، ج ٢ ، ص ٥٣٩ ، ونقل أقوالهم ووجهات نظرهم عن أحكام القرآن للجصاص، وتفسير الطّبري، وغير ذلك؛ فليراجع.

(١) قاموس الرّجال ، ج ٦ ، ص ٢٢.

٨٠