الكنى والألقاب الجزء ١

الكنى والألقاب12%

الكنى والألقاب مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 479

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 479 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 498830 / تحميل: 15292
الحجم الحجم الحجم
الكنى والألقاب

الكنى والألقاب الجزء ١

مؤلف:
العربية

الكنى والالقاب

تأليف المحقق الشهير والمؤرخ الكبير الشيخ عباس القمى

الجزء الاول

تقديم محمد هادى الامينى

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب، ليبشر المؤمنين الذى يعملون الصالحات، وينذر الذين لم يؤمنوا بيوم الحساب، والصلاة على نبيه محمد الذي من علينا به دون الامم الماضية والقرون السالفة فأدأب نفسه في تبليغ رسالته واتبعها في الدعاء لملته حتى ظهر امر الله وعلت كلمته وعلى ائمة الهدى وقادة اهل التقى من اهل بيته وعترته، اللهم واصحاب محمد صلى الله عليه وآله خاصة الذين احسنوا الصحابة والذين ابلوا البلاء الحسن في نصره، وكانفوه واسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث اسمعهم حجة رسالته، وفارقوا الازواج والاولاد في اظهار كلمته وقاتلوا الآباء والابناء في تثبيت نبوته، فهجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس اللهم لهم ما تركوا لك وفيك، وارضهم من رضوانك، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه.

(اللهم) واوصل إلى التابعين لهم باحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذى سبقونا بالايمان خير جزائك وفضلك وكرامتك انك ذو رحمة واسعة وفضل كريم.

(وبعد) فيقول المحتاج إلى رحمة ربه العزيز الوهاب عباس بن محمد رضا القمي (اوتيا كتابهما بيمينهما يوم الحساب) (هذا كتاب الكنى والالقاب) جمعت فيه المشهورين بالكنى والالقاب والانساب من مشاهير علماء الفريقين،

٤

وكثير من الشعراء والادباء والامراء المعروفين واقتصرت في تراجمهم على المهم من احوالهم، حذرا من الاختصار المخل، والاطناب الممل، واضفت اليه ضروبا من الآداب ما بين كلام منثور، وشعر مرصوف، وموعظة بالغة، وحكمة جامعة، واحاديث شريفة، وفوائد مهمة علمية، وذكر البلاد وافلاذ اكبادها وضبط اساميها وكثيرا ما اذكر في خلال التراجم سيما في علماء الامامية قدس الله تعالى اسرارهم عند ذكر مشايخهم أو تلاميذهم جماعة من المعروفين بأسمائهم بدون الكنى والالقاب، فجاء بحمد الله تعالى كما اردت واتاني بفضل ربي فوق ما مهدت وقصدت، فعليك به ولو بالعارية، وخذه ولو بقرطي مارية، وتتم مطالبه في ثلاثة ابواب.

والله الملهم للخير والصواب في كل باب.

الباب الاول فيما صدر بأب

(أبوأحمد الموسوى)

الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الامام موسى بن جعفر عليهم السلام والد الشريفين السيد المرتضى والرضي رضي الله تعالى عنهم اجمعين جليل القدر عظيم الشأن اثنى عليه جماعة من العلماء (فمن القاضي نور الله) قال: قال صاحب تأريخ مصر والقاهرة كان الشريف ابواحمد سيدا عظيما مطاعا وكانت هيبته اشد هيبة ومنزلته عند بهاء الدولة ارفع المنازل ولقبه بالطاهر والاوحد وذوي المناقب وكانت فيه كل الخصال الحسنة إلا انه كان رافضيا هو واولاده على مذهب القوم انتهى وكان ابواحمد نقيب السادات العلوية ببغداد وقاضي القضاة وامير الحج، توفي سنة ٤٠٠ (ت) ببغداد ودفن في داره ثم نقل إلى كربلا ودفن في الحائر الشريف قرب قبر ابي عبدالله الحسينعليه‌السلام ، ورثاه جمع كثير منهم ولداه الشريفان الرضي والمرتضى ومهيار الديلمي وابوالعلاء المعري.

٥

(أبواسامة)

زيد الشحام بن يونس الكوفي، روي عن ابي عبدالله وابي الحسنعليه‌السلام ثقة عين له كتاب يرويه عنه جماعة.

روي عنه قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام اسمي في تلك الاسماء يعني في كتاب اصحاب اليمين قال نعم، وعنه ايضا قال: قال لي ابوعبداللهعليه‌السلام يا زيد كم اتى لك سنة قلت كذا وكذا قال يا ابا اسامة ابشر فانت معنا وانت من شيعتنا، اما ترضى ان تكون معنا قلت بلى يا سيدي فكيف لي ان اكون معكم فقال يا زيد ان الصراط الينا وان الميزان الينا وحساب شيعتنا الينا والله يا زيد انى ارحم بكم من انفسكم والله لكأني انظر اليك والى الحرث بن مغيرة النصري في الجنة في درجة واحدة.

(أبواسحاق الاسفرائنى)

انظر إلى الاسفرائنى.

(أبواسحاق الثقفى)

انظر الثقفى.

(أبواسحاق الجوينى)

انظر الجوينى.

(أبوإسحاق السبيعى)

عمرو بن عبدالله بن علي الكوفي الهمدانى من اعيان التابعين، وفي البحار عن الاختصاص روى محمد بن جعفر المؤدب ان ابا اسحاق عمرو بن عبدالله السبيعى صلى اربعين سنة صلاة الغداة بوضوء العتمة وكان يختم القرآن في كل ليلة ولم يكن في زمانه اعبد منه ولا اوثق في الحديث عند الخاص والعام وكان من ثقات علي بن الحسينعليه‌السلام ولد في الليلة التي قتل فيها امير المؤمنينعليه‌السلام .

وقبض وله تسعون سنة، وكان ابواسحاق المذكور ابن اخت يزيد بن حصين من اصحاب الحسينعليه‌السلام وله رواية مرفوعة عن النبى صلى الله عليه وآله انه قال: ألا ادلكم على خير اخلاق الدنيا

٦

والآخرة، تصل من قطعك، وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك وكان له مسجد معروف بالكوفة قرأ ابن عساكر فيه الحديث سنة ٥٠١ (ثا) على الشريف ابي البركات عمر العلوي، قال صاحب رياض العلماء وكان له ولد اسمه يونس كان محدثا زاهدا مثله، توفي سنة ١٦٠ ولولده يونس ولد اسمه (اسرائيل) كان عابدا زاهدا، توفي سنة ١٦٤ (ومن الغريب) ما رواه محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي في كتاب (المسترشد) ان من اعداء امير المؤمنينعليه‌السلام والمبغضين له ابواسحاق السبيعي ولقد خرج بديلا من نفسه فيمن يقاتل الحسينعليه‌السلام والظاهر ان الشيخ حسن بن علي بن محمد الطبرسي ايضا قد نقل كذلك في كتاب كامل البهائي وذكر ان هؤلاء الثلاثة من مشاهير علماء العامة ولكن الظاهر تشيعهم انتهى.

(اقول) ذكره ابن خلكان في تأريخه وقال رأى علياعليه‌السلام وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة، روى عنه الاعمش وشعبة والثوري وغيرهم وكان كثير الرواية ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان وتوفى سنة ١٢٧ وقيل في ١٢٨ وقيل في سنة ١٢٩، والسبيعي بفتح السين المهملة وكسر الموحدة نسبة إلى سبيع وهو بطن من همدان. وكان ابواسحاق المذكور يقول رفعني ابى حتى رأيت علي ابن ابى طالبعليه‌السلام يخطب وهو ابيض الرأس واللحية انتهى.

(أبوإسحاق الشيرازى)

ابراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشافعي الذي كان ينتسب اليه صاحب القاموس، كان معاصرا لامام الحرمين والقشيري، وله كتاب التنبيه في الفقه. حكي انه صلى ركعتين بعدد كل فرع فيه.

ومن شعره:

سألت الناس عن خل وفي

فقالوا ما إلى هذا سبيل

تمسك إن ظفرت بود حر

فان الحر في الدنيا قليل

٧

وحكي ان المقتدى بأمر الله الخليفة جهزه إلى نيسابور سفيرا له في خطبة ابنة الملك جلال الدولة فنجز الغشل، وناظر امام الحرمين استاذ الغزالي هناك، فلما أراد الانصراف من نيسابور خرج امام الحرمين إلى وداعه واخذ بركابه حتى ركب ابواحساق بغلته وظهر له في خراسان منزلة عظيمة وكانوا يأخذون من التراب الذي وطأته بغلته فيتبركون به توفي ببغداد سنة ٤٧٦ (تعو).

(أبوإسحاق الصابى)

انظر الصابى.

(أبواسحاق المروزى)

ابراهيم بن احمد بن اسحاق الفقيه الشافعي، اخذ الفقه عن ابن سريج وبرع فيه وانتهت اليه الرئاسة بالعراق بعد ابن سريج، له شرح مختصر المزني وغيره، اقام ببغداد ردحا ثم ارتحل إلى مصر في اواخر عمره فادركه اجله بها فتوفى سنة ٣٤٠ (شم) ودفن بقرب الشافعي (ضا) وكان ممن اخذ منه الفقه وصار كمثله بارعا فيه هو، القاضي ابوحامد احمد بن عامر بن بشر المرو الروذى الشافعي الفقيه صاحب الجامع الكبير في المذهب وشرح مختصر المزنى نزل البصرة ودرس بها وعنه اخذ فقهاؤها، توفي سنة ٣٦٢ (شسب)، ونسبته إلى (مرو الروذ) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الواو ثم الراء المشددة المضمومة والذال المعجمة بعد الواو وهي مبنية على نهر وهي من اشهر مدن خراسان بينها وبين مرو الشاهجان اربعون فرسخا والنهر يقال له بالعجمية (الروذ) وهاتان المدينتان هما (المروان) وقد جاء ذكرهما في الشعر كثيرا اضيفت احداهما إلى الشاهجان الذي هو بمعنى (روح الملك) وهي العظمى، والنسبة اليها مروذي كماان النسبة إلى الري رازي. (والثانية) إلى النهر المذكور ليحصل الفرق بينهما والنسبة اليها مرو الروذي، ومروذى ايضا كما نقله ابن خلكان عن السمعاني (وانما) نقلته عنه بطوله لئلا يقع الالتباس على احد بين البلدتين وخصوصا في هذا المقام انتهى.

٨

روى الشيخ الطبرسي في محكي اعلام الورى انه قال النبي صلى الله عليه وآله لبريدة الاسلمي (ستنبعث بعوث فكن في بعث يأتي خراسان ثم اسكن مدينة مرو فانه بناها ذو القرنين ودعا لها بالبركة وقال لا يصيب اهلها سوء).

(أبوالاسود الدؤلى)(١)

اسمه ظالم بن عمرو أو ظالم بن ظالم هو احد الفضلاء الفصحاء من الطبقة الاولى من شعراء الاسلام وشيعة امير المؤمنينعليه‌السلام وكان من سادات التابعين واعيانهم صحب علياعليه‌السلام وشهد معه وقعة صفين وهو بصري يعد من الفرسان والعقلاء، وله نوادر كثيرة فمنها انه سمع رجلا يقول من يعشي الجائع فدعاه وعشاه فلما ذهب السائل ليخرج قال له هيهات انما اطعمتك على ان لا تؤذي المسلمين الليلة ثم وضع رجله في الادهم حتى اصبح.

ومنها انه كان له دار بالبصرة وله جار يتأذى منه كل وقت فباع الدار فقيل له بعت دارك فقال بل بعت جارى.

ومنها انه كان يخرج إلى السوق ويجر رجليه لاصابة الفالج وكان موسرا ذا عبيد واساء فقيل له قد اغناك الله تعالى عن السعي في حاجتك فاجلس في بيتك فقال لو جلست في البيت لبالت علي الشاة.

قال ابن خلكان: وكان نازلا في بني قشير بالبصرة فكانوا يرجمونه بالليل لمحبته لعليعليه‌السلام وولده فاذا اصبح يذكر رجمهم قالوا الله رجمك فيقول لهم تكذبون لو رجمني لاصابنى وانتم ترجمون فلا يصيب انتهى وله نادرة لطيفة مع معاوية ذكرها الدميري في حياة الحيوان في دئل وهو: دابة شبيهة بابن عرس، وابوالاسود هو الذي ابتكر النحو باشارة امير المؤمنينعليه‌السلام وله اشعار كثيرة فمنها قوله:

وما طلب المعيشة بالتمني

ولكن الق دلوك في الدلاء

تجئ بملئها طورا وطورا

تجئ بحمأة وقليل ماء

____________________

(١) الديلي، بكسر الدال وسكون المثناة التحتانيه أو الدؤلي بضم الدال وفتح الهمزة، نسبة إلى الدئل بكسر الهمزة وهي قبيلة من كنانة، والدؤل اسم دابة بين ابن عرس والثعلب.

٩

ومن شعره في رثاء أمير المؤمنينعليه‌السلام قصيدة اولها:

ألا ياعين ويحك فاسعدينا

ألا فابكي امير المؤمنينا

روي ان معاوية ارسل اليه هدية منها حلواء، يريد بذلك استمالته وصرفه عن حب امير المؤمنين علىعليه‌السلام فدخلت ابنة صغيرة له خماسي أو سداسي عليه فاخذت لقمة من تلك الحلواء وجعلتها في فمها فقال لها ابوالاسود يا بنتي القيه فانه سم هذه حلواء ارسلها الينا معاوية ليخدعنا عن امير المؤمنين ويردنا عن محبة اهل البيت عليهم السلام فقال الصبية: قبحه الله يخدعنا عن السيد المطهر بالشهد الزعفر تبا لمرسله وآكله.

فعالجت نفسها حتى قاء‌ت ما اكلتها ثم قالت:

أبالشهد المزعفر يا ابن هند

نبيع عليك احسابا ودينا

معاذ الله كيف يكون هذا

ومولانا أميرالمؤمنين

قال السيد الاجل السيد على خان في انوار الربيع في ذكر امثال الحكمة منها قول ابي الاسود الدؤلي لابنه بعد ان قال له يا بنى اذا كنت في قوم فحدثهم على قدر سنك وفاوضهم على قدر محلك ولا تتكلمن بكلام من هو فوقك فيستثقلوك ولا تنحط إلى من دونك فيحتقروك فاذا وسع الله عليك فابسط واذا امسك عليك فامسك ولا تجاود الله فان الله اجود منك. واعلم انه لا شئ كالاقتصاد ولا معيشة كالتوسط ولا عز كالعلم ان الملوك حكام الناس والعلماء حكام الملوك ثم انشأ يقول:

العيش لا عيش إلا ما اقتصدت فان

تسرف وتبذر لقيت الضر والعطبا

والعلم زين وتشريف لصاحبه

فاطلب هديت فنون العلم والادبا

إلى أن قال:

العلم كنز وذخر لانفاد له

نعم القرين اذا ما صاحب صحبا

قد يجمع المرء مالا ثم يسسلبه

عما قليل فيلقى الذل والحربا

وحامل العلم مغبوط به ابدا

ولا يحاذر منه الفوت والسلبا

١٠

يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه

لا تعدلن به درا ولا ذهبا

توفي ابوالاسود بالطاعون الجارف في البصرة سنة ٦٩ (سط).

يروى عنه روايات شريفة منها: ما رواه عن ابن ذر الغفاري الوصية الطويلة التي اوصاها بها النبي صلى الله عليه وآله.

ومنها: ما روي عن امالي ابن الشيخ عن ابى الاسود ان رجلا سأل امير المؤمنينعليه‌السلام عن سؤال فبادر فدخل منزله ثم خرج فقال اين السائل؟ فقال الرجل ها انا يا امير المؤمنين، قال ما مسألتك؟ قال كيت وكيت فاجابه عن سؤاله فقيل يا امير المؤمنين كنا عهدناك إذا سئلت عن المسألة كنت فيها كالسكةالمحماة جوابا فما بالك ابطأت اليوم عن جواب هذا الرجل حتى دخلت الحجرة ثم خرجت فاجبته؟ فقال كنت حاقنا ولا رأي لثلاثة، لا رأي لحاقن ولا حازق ثم انشأ يقولعليه‌السلام :

إذا المشكلات تصدين لي

كشف حقائقها بالنظر

الابيات.

(بيان) كالسكة المحماة هذا كالمثل في السرعة في الامر أي كالحديدة التي حميت بالنار كيف تسرع في النفوذ في الوبر عند الكي كذلك تسرع في الجواب.

(قولهعليه‌السلام ) لا رأي لثلاثة: الظاهر انه سقط احد الثلاثة من النساخ وهو الحاقب (والحازق) الذي ضاق عليه خفه فحزق رجله أى عصرها وضغطها فهو فاعل بمعنى مفعول.

(والحاقن) هو الذي حبس بوله كالحاقب للغايط ويحتمل ان يكون المراد بالحاقن هنا حابس الاخبثين فهو في موضع اثنين منهما والله العالم.

(واعلم) انه يأتى في ابي عمرو بن العلاء ذكر من اخذ النحو عن ابى الاسود فمنهم ابوسليمان يحيى بن يعمر العدوانى البصري احد قراء البصرة وكان عالما بالقرآن الكريم والنحو ولغات العرب.

حكي انه كان لابن سيرين مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر وكان ينطق بالعربية المحضة واللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلف.

١١

قال ابن خلكان: وكان يحيى شيعيا من الشيعة الاول القائلين بتفضيل اهل البيتعليه‌السلام من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم.

حكى عاصم بن ابى النجود المقري ان الحجاج بن يوسف الثقفي بلغه ان يحيى بن يعمر يقول ان الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وكان يحيى يومئذ بخراسان فكتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم والى خراسان ابن ابعث الي بيحيى بن يعمر فبعث به اليه فقام بين يديه فقال: انت الذي تزعم ان الحسن الحسين من ذرية رسول الله، والله لالقين الاكثر منك شعرا او لتخرجن من ذلك، قال فهو اماني ان خرجت قال نعم قال فان الله جل ثناؤه يقول: (ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وايوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى) الآيه قال وما بين عيسى وابراهيم اكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد صلى الله عليه وآله فقال الحجاج وما اراك إلا خرجت والله لقد قرأتها وما علمت بها قط.

وهذا من الاستنباطات البديعة الغريبة العجيبة فلله دره وما احسن ما استخرج وادق ما استنبط.

قال عاصم ثم ان الحجاج قال له اين ولدت فقال بالبصرة قال اين نشأت قال بخراسان قال فهذه العربية انى لك قال رزق قال خبرني عنى هل الحن فسكت فقال اقسمت عليك فقال اما إذ سألتنى ايها الامير فانك ترفع ما يوضع وتضع ما يرفع فقال ذلك والله اللحن السئ قال ثم كتب إلى قتيبة إذا جاء‌ك كتابى هذا فاجعل يحيى بن يعمر على قضائك والسلام.

(أبوامامة الباهلى)

بضم الهمزة اسمه صدي بن عجلان الصحابي، قال ابوعلي في منتهى المقال ابوامامة له صحبة وكان معاوية وضع عليه الحرس لئلا يهرب إلى علي عليه السلام (ي) الظاهر انه الباهلي في (قب) صدي بالتصغير ابن عجلان ابوامامة الباهلي صحابى مشهور سكن الشام ومات بها سنة ٨٦ ست وثمانين انتهي.

يحكى انه آخر من توفي من الصحابة بالشام. ويأتى في ابوالدرداء ذكره.

١٢

(أبوأمية الجعفى)

سويد بن غفلة بالغين المعجمة والفاء مخضرم من كبار التابعين.

قال ابن حجر قدم المدينة يوم دفن النبى صلى الله عليه وآله وكان مسلما في حياته ثم نزل الكوفة ومات سنة ثمانين وله مائة وثلاثون سنة. ونقل عن المير الداماد انه عده من اولياء امير المؤمنينعليه‌السلام وخلص اصحابه ومن اصحاب ابى محمد الحسنعليه‌السلام .

(أبوأيوب الانصارى)

زيد بن خالد الخزرجي من بني النجار شهد العقبة وبدرا وسائر المشاهد وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وآله حين قدم المدينة. وشهد مع امير المؤمنينعليه‌السلام مشاهده كلها وكان في وقعة النهروان معه راية امان فمن خرج من عسكر الخوارج إلى تحت رايته كان آمنا، وله موعظة لاهل الكوفة وتحريضهم على الثبات في نصرة أمير المؤمنينعليه‌السلام بكلمات فصيحة اوردتها مع بعض ما يتعلق بها في سفينة البحار روى صاحب المكارم انه رأي النبي صلى الله عليه وآله ابا ايوب الانصاري يلتقط نثارة المائدة فقال صلى الله عليه وآله له: بورك لك وبورك عليك وبرك فيك.

فقال ابوايوب يا رسول الله وغيرى قال نعم من اكل ما اكلت فله ما قلت لك.

وقال صلى الله عليه وآله: من فعل هذا وقاه الله الجنون والجذام البرص والماء الاصفر والحمق.

وعن امالي الشيخ عن امير المؤمنينعليه‌السلام قال: جاء ابوايوب خالد بن زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله اوصني واقلل لعلي ان احفظ قال اوصيك بخمس: باليأس عما في ايدي الناس فانه الغنى وإياك والطمع فانه الفقر الحاضر وصل صلاة مودع وإياك وما تعتذر منه واحب لاخيك ما تحب لنفسك وعن ابن عبدالبر قال: كان ابوايوب الانصاري مع علي بن ابى طالبعليه‌السلام في حروبه كلها ولما غزا يزيد بن معاوية بلاد الروم اخذ معه ابا ايوب وكان شيخا هرما اخذه للبركة فتوفي عند

١٣

القسطنطينية فامر يزيد ان يدفن بالقرب من سورها ويتخذ له مشهد هناك وكانت وفاته سنة ٥٠ ه‍.

(أبوالبحترى)

كنية رجل مر في نفر من قومه بقبر حاتم طي فنزلوا قريبا منه فبات ابوالبحتري يناديه يا ابا الجعد اقرنا فقال قومه له مهلا ما تكلم من رمة بالية؟ قال إن طيئا تزعم انه لم ينزل به احد قط إلا قراه، وناموا فانتبه صائحا وا راحلتاه فقال له اصحابه ما بدا لك؟ قال خرج حاتم من قبره بالسيف وانا انظر حتى عقر ناقتي، قالوا له كذبت ثم نظروا إلى ناقته بين نوقهم منجدلة لا تنبعث فقالوا له والله قراك، فظلوا يأكلون من لحمها شواء‌ا وطبخا حتى اصبحوا ثم اردفوه وانطلقوا سائرين فاذا راكب بعير يقود آخر قد لحقهم فقال ايكم ابوالبحتري؟ فقال ابوالبحتري انا ذلك، قال انا عدي بن حاتم وان حاتما جاء‌نى الليلة في النوم ونحن نزول وراء هذا الجبل فذكر شتمك إياه وانه قرا اصحابك براحلتك وانشد:

ابا البحتري لانت امرؤ

ظلوم العشيره شتامها

اتيت بصحبك تبغي القرى

لدى حفرة صدحت هامها

أتبغى لدى الرم عند المبيت

وحولك طي وانعامها

فانا سنشبع اضيافنا

وتأتى المطي فنعتامها

وقد امرني ان احملك على بعير مكان راحلتك فدونكه.

وقد ذكر هذا سالم بن زرارة الغطفانى في مدحه عدي بن حاتم في قوله:

ابوك ابوسباقة الخير لم يزل

لدن شب حتى مات في الخير راغبا

به تضرب الامثال في الشعر ميتا

وكان له إذ ذاك حيا مصاحبا

قرى قبره الاضياف إذ نزلوا به

ولم يقر قبر قبله الدهر راكبا

اخذت ذلك من مروج الذهب

١٤

(أبوالبحر)

انظر الاحنف.

(أبوالبخترى)

الوليد بن هاشم او هو العاص بن هشام بن الحرث بن الاسد، وقد لبس السلاح بمكة يوما قبل الهجرة في بعض ما كان ينال النبي صلى الله عليه وآله من الاذى وقال لا يعرض اليوم احد لمحمد بأذى إلا وضعت فيه السلاح فشكر ذلك له النبي صلى الله عليه وآله ونهى يوم بدر عن قتله وقال انما اخرج مستكرها، وكان ايضا فيمن قام في نقض الصحيفة القاطعة، يقال ان المجذر بن زياد قتل ابا البختري وهو لا يعرفه، وقد يطلق ابوالبختري على وهب بن وهب بن وهب بن كثير بن عبدالله بن زمعة ابن الاسود بن المطلب القرشي القاضي العامي، نقل ابن النديم انه يقال ان جعفر ابن محمدعليه‌السلام كان متزوجا بامه، وكان فقيها اخبار يا وولاه هارون القضاء بعسكر المهدي ثم عزله وولاه مدينة الرسول صلى الله عليه وآله بعد بكار بن عبدالله وجعل له جريها مع القضاء ثم عزل فقدم بغداد وتوفي بها وكان ضعيفا في الحديث ثم عد له ستة كتب انتهى.

(اقول) عده علماء الرجال في الكذابين بل عن الفضل بن شاذان انه قال: كان ابوالبختري من اكذب البرية.

وذكر ابوالفرج في مقاتل الطالبيين: ما يدل على انه حكم بقتل يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب وخرق الامان الذي كتبه الرشيد له.

قال شيخنا في المستدرك: انه ضعيف في نفسه إلا إنا اوضحنا اعتبار كتابه واعتماد الاصحاب عليه توفي سنة ٢٠٠ مأتين انتهى.

قال المبرد في الكامل: وكان ابوالبخترى من اجود الناس وكان إذا سمع مدح المادح ضحك وسرى السرور في جوانحه واعطى وزاد فاتاه شاعر فانشأه:

لكل اخي فضل نصيب من العلا

ورأس العلا طراعقيد الندى وهب

١٥

وما ضر وهبا قول من غمط العلا

كما لا يضر البدر ينبحه الكلب

(غمط كفر النعمة وغمط ويقال ايضا تنقص) فثنى له الوسادة وهش اليه ورفده وحمله واضافه فلما ان اراد الرجل الرحلة لم يخدمه احد من غلمان ابي البختري ولا عقد له ولا حل معه فانكر ذلك مع جميل ما فعل به وانه قد تجاوز به امله فعاتب بعضهم فقال له الغلام إنا انما نعين النازل على الاقامة ولا نعين الراحل على الفراق فبلغ هذا الكلام جليلا من القرشيين فقال والله لفعل هؤلاء العبيد على هذا المقصد احسن من رفد سيدهم.

(اقول) ويناسب هنا نقل ابيات ابن الاعسم في المنظومة في آداب الضيف قال رحمه الله:

والضيف يأتى معه برزقه

فلا يقصر احد بحقه

يلقاه بالبشر وبالطلاقه

ويحسن القرى بما اطاقه

يدني اليه كل شئ يجده

ولا يرم مالا تناله يده

وليكن الضيف بذاك راض

ولا يكلفه بالاستقراض

واكرم الضيف ولا تستخدم

وما اشتهاه من طعام قدم

وبالذي عندك للاخ اكتف

لكن إذا دعوته تكلف

فان تنوعت له فلا يضر

فخيره ما طاب منه وكثر

ويندب الاكل مع الضيف ولا

يرفع قبله يدا لو اكلا

وان يعين ضيفه إذ ينزل

ولا يعينه إذا ما يرحل

وينبغي تشييعه للباب

وفي الركوب الاخذ للركاب

البخترى: بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة وفتح المثناة من فوق مأخوذ من البخترة التي هي الخيلاء.

وفي القاموس: البختري الحسن المشي والجسم والمختال.

١٦

(أبوبراء)

عامر بن مالك العامري الكلابي الملقب بملاعب الاسنة وهو الذي كان به استسقاء فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لبيد بن ربيعة مع هدايا فلم يقبلها لانه صلى الله عليه وآله كان لا يقبل هدية مشرك ثم اخذ جثوة(١) من الارض فنقل عليها وقال للبيد دفها بماء ثم اسقها اياه فاخذها متعجبا يرى انه قد استهزئ به فشربها فاطلق من مرضه.

(أبوبردة)

يطلق على جماعة منهم: ابوبردة عامر بن ابى موسى الاشعري كان قاضيا على الكوفة وليها بعد شريح.

ذكره ابن ابى الحديد في المبغضين لامير المؤمنينعليه‌السلام وانه ورث البغضة من ابيه لا عن كلالة، وروى انه قال لابي العادية قاتل عمار ابن ياسر، انت قتلت عمار؟ قال نعم قال فناولني يدك فقبلها وقال لا تمسك النار ابدا.

(اقول) هو احد من سعى في قتل حجر بن عدي الكندي وامره زياد بن ابيه ليكتب شهادته على حجر بما رآه فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما شهد عليه ابوبردة بن ابى موسى لله رب العالمين، شهد ان حجر بن عدى خلع الطاعة وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة وجمع اليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع امير المؤمنين معاوية وكفر بالله كفرة صليعاء(٢) .

توفي سنة ١٠٣ (قج) وابنه بلال بن ابي بردة كان قاضيا على البصرة قال ابن خلكان: وكان بلال احد نواب خالد بن عبدالله القسري فلما عزل خالد وولي موضعه

____________________

(١) الجثوة بالجيم مثلثة الحجارة المجموعة.

(٢) صليعاء كحميراء يعني شنيعه نمايان وفي رواية اخرى عن عبدالرحمن ابن جندب كفر كفرة الاصلع، قال عبدالرحمان انما عني بذلك نسبة الكفر إلى علي عليه السلام لانه كان اصلع.

١٧

يوسف بن عمر الثقفي على العراقين حاسب خالدا ونوابه وعذبهم فمات خالد من عذابه ومات بلال من عذابه ايضا انتهى.

وحكي انه كان اول من جار في الحكم كان يقضي اليه رجلان فيحكم لاحدهما بلا بينة يقول وجدته اخف على قلبي من صاحبه. ولابي بردة أخ ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله روي العامة انه صلى الله عليه وآله سماه وحنكه بتمرة ودعا له بالبركة.

(أبوبردة بن عوف الازدى)

عن مجالس الشيخ المفيد، أنه كان عثمانيا تخلف عن امير المؤمنينعليه‌السلام يوم الجمل وحضر معه صفين على ضعف نيته في نصرته. قال ابوالكنود وكان ابوبردة مع حضوره صفين ينافق امير المؤمنينعليه‌السلام ويكاتب معاوية سرا فلما ظهر معاوية اقطعه قطعة بالفلوجه وكان عليه كريما.

(قلت) وهو الذي بعثه ابن زياد بعد وقعة كربلا مع زجر بن قيس (زحر ابن قيس) والرؤوس المطهرة إلى الشام.

(أبوبردة بن نيار)

بالنون المكسورة والياء المثناة من تحت، الانصاري خال البراء بن عازب، صحابي وكان من اصحاب امير المؤمنينعليه‌السلام وشهد العقبة مع السبعين وشهد بدرا وأحدا وسائر المشاهد مع رسو الله صلى الله عليه وآله وشهد حروب امير المؤمنينعليه‌السلام .

(أبوبرزة الاسلمى)

عبدالله بن نضلة ويقال نضلة بن عبدالله مات بخراسان غازيا كذا في المعارف: وعن تقريب بن حجر قال: نضلة بن عبيد ابوبرزة الاسلمي صحابي مشهور بكنيته اسلم قبل الفتح وغزا سبع غزوات ثم نزل البصرة وغزا خراسان ومات بها سنة ٦٥ على الصحيح.

١٨

(أبوالبركات)

كمال الدين عبدالرحمن بن محمد الانباري الذي يأتى ذكره في ابن الشجري، كان من الائمة المشار اليهم في علم النحو، سكن بغداد وقرأ اللغة على ابي منصور الجواليقي وصحب الشريف ابن الشجري واخذ عنه وانتفع بصحبته، وتبحر في علم الادب، واشتغل عليه خلق كثير وصاروا ببركته علماء، وصنف في النحو كتاب اسرار العربية، والميزان ونزهة الالباء في طبقات الادباء، وانقطع في آخر عمره في بيته مشتغلا بالعلم والعبادة معتزلا عن الدنيا واهلها إلى ان توفي ٩ شعبان سنة ٥٧٧ (ثغر) ببغداد.

وقد يطلق ابوالبركات على الشريف عمر بن ابي علي ابراهيم بن محمد المنتهي نسبه إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام الكوفي النحوي صاحب شرح اللمع. وقد تقدم في ابواسحاق السبيعي ان ابن عساكر قرأ عليه الحديث في سنة ٥٠١. وابوه الشريف ابوعلي هو الذي مات سنة ٤٦٦ (تسو) ودفن بمسجد السهلة وله اشعار كثيرة. وقد يطلق على الشيخ ابي البركات الاسترابادي فاضل متكلم امام في العلوم العقلية من اعلام العلماء في علم الكلام.

وعن الرياض قال فاضل متكلم، قد ذكر عنه السيد الامير فخر الدين السماكى الامامي في رسالة تفسير آية الكرسى بالفارسية بعض الابحاث الجيدة الدالة على غاية مهارته في علم الكلام والحكمة والتفسير وصرح باسمه في حاشية تلك الرسالة ودعا له بالرحمة والغفران وهذا يشعر بتشيعه مع ان اهل استراباد جلهم بل كلهم شيعة.

وقد يطلق على ابي البركات المبارك الاربلي الذي يأتى في ابن المستوفي وقد يطلق على ابي البركات هبة الله بن يعلي بن ملكا البلدي البغدادي كان اوحد الزمان في صناعة الطب، كان يهوديا ثم اسلم وكان في خدمة المستنجد بالله، وتصانيفه في نهاية الجودة لا سيما كتابه المعتبر.

١٩

وينقل عنه قصص وحكايات في حسن تدبيره في معالجة المرضى ويعد في اكابر اطباء المائة السادسة.

والمستنجد بالله هو الخليفة ٣٢ العباسي الذي رأى في منامه في حياة والده المقتفي ان ملكا نزل من السماء فكتب في كفه اربع خاء‌ات فطلب معبرا وقص عليه رؤياه فقال له: تلي الخلافة سنة خمس وخمسين وخمسمائة فكان كذلك.

(أبوبصير)

يطلق غالبا على يحيى بن القاسم او ليث بن البخترى.

قال شيخنا صاحب المستدرك في طريق الصدوق إلى ابى بصير: والمراد بأبي بصير ابومحمد يحيى بن القاسم الاسدي بقرينة قائده على الذي صرحوا بانه يرويكتابه وهو ثقة في (جش) و (صه) وفي (كش) اجمع العصابة على هؤلاء الاولين من اصحاب ابى جعفر وابى عبدالله عليهما السلام وانقادوا اليهم بالفقه فقالوا افقه الاولين ستة: زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وابوبصير الاسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي.

وروي عن حمدويه قال حدثنا يعقوب بن يزيد عن ابي عمير عن شعيب العقرقوفي قال قلت لابي عبداللهعليه‌السلام ربما احتجنا ان نسأل عن الشئ فمن نسأل؟ قال: عليك بالاسدي، يعني ابا بصير. والخبر في اعلى درجة الصحة. والعقرقوفي ابن اخته، فلا يصغى بعد ذلك إلى ما ورد أو قيل فيه من الوقف المنافى لوفاته في حياة الكاظمعليه‌السلام والتخليط المنافي للاجماع المتقدم وغير ذلك من الموهنات وقد اطالوا الكلام في ترجمته من جهات بل افرد جماعة لترجمته رسالة مفردة، وما ذكرناه هو الحق الذي عليه المحققون ومن أراد الزيادة فعليه بكتب الاصحاب انتهى.

(قلت) توفي ابوبصير هذا سنة ١٥٠ (قن) بعد ابى عبدالله عليه السلام.

(أبوالبقاء)

محب الدين عبدالله بن الحسين بن ابى البقاء الحنبلي العكبري البغدادي الفقيه المحدث النحوي، اخد النحو عن ابن الخشاب وغيره من مشايخ عصره ببغداد

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

تهامة حيث لا مفرّ لهم من المرور فيه .

وحين انحدر المسلمون في وادي (حنين) باغتتهم كتائب هوازن من كلّ ناحية ، وانهزمت بنو سليم وكانوا في مقدّمة جيش المسلمين وانهزم مَنْ وراءهم ، وخلّى الله تعالى بينهم وبين عدوّهم لإعجابهم بكثرتهم ، ولم يثبت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ نفر قليل من بني هاشم وأيمن بن عبيد(١) .

ووقف عليّعليه‌السلام كالمارد يضرب بسيفه عن يمينه وشماله ، فلم يدن أحد من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إلاّ جَنْدَلَه بسيفه ، وكان لثبات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفاع عليّعليه‌السلام ومن معه أن عادت الثقة إلى نفوس بعض المسلمين ، فأعادوا الكَرّة على هوازن وخرج رجل من هوازن يدعى (أبو جرول) حامل رايتهم وكان شجاعاً ، فتحاماه الناس ولم يثبتوا له ، فبرز إليه عليّعليه‌السلام وقتله ، فدبَّ الذعر في نفوس المشركين كما دبَّ الحماس في نفوس المسلمين ، ووضع المسلمون سيوفهم في هوازن وأحلافها يقتلون ويأسرون وعليّعليه‌السلام يتقدّمهم حتى قتل بنفسه أربعين رجلاً من القوم ، فكان النصر للمسلمين(٢) .

ح ـ عليّعليه‌السلام في غزوة تبوك(*) :

استعدّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمواجهة الروم حين علم أنّهم يريدون الإغارة والهجوم على الجزيرة ، فأعدّ بما يملك من استراتيجية محكمة العدّة والعدد ، وقرّر ـ لأهمية الموقف والنزال ـ أن يكون على رأس الجيش المتقدّم ، ولكنّ الظروف السياسية والعسكرية لم تكن تدعو للاطمئنان التامّ ونفي الاحتمال من هجوم المنافقين أو المرجفين على المدينة أو قيامهم بأعمال تخريبية أخرى ، لذا يتطلّب الأمر أن يبقى في المدينة من يتمتّع بمؤهّلات ولياقات عالية وحكمة بالغة ودراية تفصيلية في جميع الاُمور وحرص على العقيدة كي يتمكّن من مواجهة الطوارئ ، فاختار النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً لهذه المهمّة الحسّاسة كي يقوم مقام النبيّ في غيابه .

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٢ / ٣٤٧ ، وأعيان الشيعة للأمين : ١ / ٢٧٩ .

(٢) روضة الكافي : ص ٣٠٨ رقم الحديث ٥٦٦ ، والمغازي للواقدي : ٢ / ٨٩٥ ، وكشف الغمّة : ١ / ٢٢٦ .

(*) وقعت غزوة (تبوك) في شهر رجب سنة تسعٍ من الهجرة النبويّة .

٨١

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا عليّ ، إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك ) .

ولمّا تحرّك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّجاه (تبوك) ؛ ثقل على أهل النفاق بقاء عليّعليه‌السلام على رأس السلطة المحليّة في عاصمة الدولة الإسلاميّة ، وعظم عليهم مقامه ، وعلموا أنّها في حراسة أمينة ولا مجال لمطمع فيها ، فساءهم ذلك ، فأخذوا يردّدون في مجالسهم ونواديهم أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلفه إلاّ استثقالاً ومقتاً له ، فبهتوا بهذا الإرجاف عليّاً ، كبهت قريش للنبي بالجِنّة والسِّحر .

فلمّا بلغ عليّاً عليه‌السلام إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتهم ، فأخذ سيفه وسلاحه ولحق بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إنّ المنافقين يزعمون أنّك خلّفتني استثقالاً ومقتاً ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارجع إلى مكانك فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك ، فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي ، أما ترضى ـ يا عليّ ـ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي .

فرجع عليّعليه‌السلام ومضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفره(١) .

تبليغ سورة براءة :

استمرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبلّغ رسالته المباركة وينشر الإسلام في ربوع

ــــــــــــ

(١) تأريخ الطبري : ٢ / ٣٦٨ ط مؤسسة الأعلمي ، والإرشاد للمفيد : ١٣٨ ، الفصل ٤٣ ، والسيرة الحلبية بهامش السيرة النبوية : ٣ / ١٣٢ ، وصحيح البخاري : باب غزوة تبوك ٦ / ٣ ، وصحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة : ٥ / ٢٣ الحديث ٢٤٠٤ والترمذي : ٢ / ٣٠٠ ومسند أحمد : ١ / ١٨٥ و ٢٨٤ الحديث ٥٠٨ وسنن ابن ماجة : ١ / ٤٢ الحديث ١١٥ وتاريخ بغداد : ١ / ٤٣٢ رقم ٦٣٢٣ .

٨٢

الجزيرة العربية ، وفي ذات الوقت يطارد فلول الشرك عسكرياً حتى أشرفت السنة التاسعة للهجرة على نهايتها ، فأصبح للإسلام كيان سياسي مستقلّ وأمة تسودها علاقات متينة وأرض مترامية الأطراف وحدود منيعة ، ولم يعد لقوى الشرك وجود معتبر ، فكان لابدّ من تصفيتهم ، ونزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سورة (براءة) الّتي تسنّ التشريعات الّتي تحدّد موقفه من المشركين والعهود والأحلاف الّتي كان قد أبرمها معهم وكان أفضل مكان لإعلان هذا القرار وقراءة هذا البيان الرسمي الإلهي هو البيت الحرام ، وأفضل وقت له هو اليوم العاشر من ذي الحجّة حيث يجتمع المشركون من أطراف الجزيرة ، فأرسل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر ليحجّ بالناس ويبلّغ سورة (براءة) ، ولمّا انتهى إلى (ذي الحليفة ) وهو المكان المعروف اليوم بمسجد الشجرة ، وإذا بالوحي ينزل على النبيّ ويأمره أن يرسل مكانه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فأرسل النبيّ عليّاً وأمره أن يأخذ الآيات من أبي بكر ويبلّغها بنفسه ، فمضى نحو مكّة وهو على ناقة النبيّ حتى التحق بأبي بكر ، فلمّا سمع رغاء الناقة عرفها فخرج فزعاً وهو يظنّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا هو عليّ ، فأخذ منه الآيات ورجع أبو بكر إلى المدينة خائفاً أن يكون قد نزل فيه ما يُغضب النبيّ ، فقال : يا رسول الله ! اَنزل فيَّ شيء ؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :لا ، ولكنّي أمرت أن أُبلّغها أنا أو رجل منّي (١) .

وانطلق عليّعليه‌السلام في طريقه حتى بلغ مكّة ، وعندما اجتمع الناس لأداء مناسكهم ؛ قرأ عليهم الآيات الأولى من السورة ، ونادى في الناس : لا يدخل مكّة مشرك بعد عامه هذا ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدّته(٢) .

ــــــــــــ

(١) الكامل في التأريخ لابن الأثير : ٢ / ٢٩١ ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة : ٢ / ٣٤٣ .

(٢) البداية والنهاية لابن كثير : ٥ / ٤٥ .

٨٣

عليّعليه‌السلام في اليمن :

استمراراً في نشر الإسلام أرسل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليمن خالد بن الوليد وجمعاً من الصحابة ليدعوا قبيلة (همدان) إلى الإسلام ، وظلّ خالد نحواً من ستة أشهر دون أن يحقّق نجاحاً ، فلم يتمكّن من إقناع همدان في اعتناق الإسلام ، فبعث إلى النبيّ يخبره بعدم إجابة القوم له وانصرافهم عنه ، عند ذاك بعث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وطلب منه أن يُعيد خالداً إلى المدينة ويحلّ محلّه في مهمّته ، ويبقي معه من يشاء من المجموعة المرسلة مع خالد .

روي عن البراء بن عازب الّذي كان مع خالد وبقي في سريّة عليّعليه‌السلام : كنت ممّن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا ، ثمّ إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عليّاًعليه‌السلام وأمره أن يقفل خالداً ويكون مكانه ، فلمّا دنونا من القوم ؛ خرجوا إلينا وصلّى بنا عليّعليه‌السلام ثمّ صفّنا صفاً واحداً ثمّ تقدّم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإسلامهم ، فأسلمت همدان جميعاً وأرسل عليّعليه‌السلام إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخبر السارّ ، فخرّ رسول الله ساجداً ثمّ رفع رأسه وقال : السلام على همدان(١) .

وروي : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل عليّاً في مهمّة ثانية إلى اليمن ليدعو (مذحج) إلى الإسلام ، وكان معه ثلاثمائة فارس ، وعقد رسول الله له اللواء وعمّمه بيده ، وأوصاه أن لا يقاتلهم إلاّ إذا قاتلوه ، فلمّا دخل إلى بلاد مذحج ؛ دعاهم إلى الإسلام فأبوا عليه ورموا المسلمين بالنبل والحجارة ، فأعدّ عليّعليه‌السلام أصحابه للقتال ، وهجم عليهم فقتل منهم عشرين رجلاً فتفرّقوا وانهزموا فتركهم ، ثمّ دعاهم إلى الإسلام ثانية فأجابوه لذلك ، وبايعه عدد من رؤسائهم ، وقالوا : له نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حقّ الله .

ــــــــــــ

(١) أعيان الشيعة : ١ / ٤١٠ ، والكامل في التأريخ لابن الأثير : ٢ / ٣٠٠ ، والسيرة النبوية لابن كثير ك ٤ / ٢٠١ .

٨٤

وروي : أنّ عليّاًعليه‌السلام قال :بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، تبعثني إلى قومٍ وأنا حديث السنّ لا أبصر القضاء ، فوضع يده على صدري وقال : اللّهمّ ثبت لسانه واهدِ قلبه ، ثمّ قال : إذا جاءك الخصمان فلا تقضِ بينهما حتى تسمع من الآخر ، فإنّك إذا فعلت ذلك ؛ تبيّن لك القضاء . قال عليّعليه‌السلام :والله ما شككت في قضاءٍ بين اثنين (١) .

ثمّ إنّ عليّاً جمع الغنائم فأخرج منها الخمس وقسّم الباقي على أصحابه ، وبلغه خبر خروج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مكّة لأداء فريضة الحجّ ، فتعجّلعليه‌السلام السير ليلتحق بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة ، وروي أنّ بعض من كان في سريّة عليّعليه‌السلام اشتكى من شدّته في إعطاء الحقّ ، فلمّا سمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك قال :أيّها الناس ، لا تشتكوا عليّاً فو الله إنّه لأخشن في ذات الله من أن يشتكى منه (٢) .

وعن عمرو بن شاس الأسلمي أنّه قال : كنت مع عليّعليه‌السلام في خيله التي بعثه بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليمن ، فوجدت في نفسي عليه(٣) ، فلمّا قدمت المدينة شكوته في مجالس المدينة وعند من لقيته ، فأقبلت يوماً ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس في المسجد ، فلمّا رآني أنظر إلى عينيه نظر إليَّ حتى جلست إليه ، فقال :إيه يا عمرو ، لقد آذيتني ، فقلت :إنّا لله وإنّا إليه راجعون أعوذ بالله والإسلام من أن أؤذي رسول الله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من آذى عليّاً فقد آذاني ) (٤) .

ــــــــــــ

(١) السيرة النبوية لابن كثير : ٤ / ٢٠٧ .

(٢) سيرة ابن هشام : ٤ / ٦٠٣ ، والسيرة النبوية لابن كثير : ٤ / ٢٠٥ مثله .

(٣) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٣٤ .

(٤) السيرة النبوية لابن كثير : ٤ / ٢٠٢ .

٨٥

طبيعة عمل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يعيش همّ الرسالة الإسلامية بذل قصارى جهده في التبليغ والنصح لبناء مجتمع رسالي رصين يقاوم كلّ الظروف حتى يسود الإسلام بقاع الدنيا ، وقد عملصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على محورين رئيسين هما : توعية الأمة بوصفها الرعيّة بالمقدار الذي تتطلبه الرعيّة الواعية من فهم وثقافة وقدرة على ممارسة الحياة الإسلامية كما أرادها الله سبحانه , وكان لعليّعليه‌السلام دور فاعل في هذا المحور ، فانّه يمكننا القول بأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مشغولاً بتوسيع رقعة المجتمع الإسلامي طولياً ، وكان عليّعليه‌السلام مشغولاً بتعميق الرقعة عرضياً ، فكانت مهمّته تكملة لمهمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والمحور الآخر هو إعداد وتوعية الصفوة التي اختارها الله سبحانه لِتَخْلُفَ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غيابه لقيادة المجتمع والرسالة الإسلاميّة وصيانتها عن الانحراف والزيغ ، إعداداً على مستوى قيادة التجربة وعلى مستوى الحاكمية عليها ، وقد أعدّ النبيّ عليّاً ليتسلّم التجربة الإسلاميّة من بعده من خلال إشراكه في كلّ المواقف المهمّة والمعقّدة والصعبة ومن خلال تثقيفه ثقافة خاصة لم يشاركه أحد فيها ، فقد روي عنهعليه‌السلام أنه قال :( علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلم ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب ) (١) .

وكان عليّعليه‌السلام يتمتّع بمؤهّلات ولياقات عالية أهّلته أن ينال ثقة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المطلقة في قوله وفعله ، فنجد أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ عليّاً صغيراً وتعهّده وربّاه ، فلازمه طوال فترة حياته ، وما أن مضت فترة على الدعوة الإسلامية ؛ حتى أعلن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اتّخاذه عليّاًعليه‌السلام أخاً ومؤازراً له في دعوته ، وكرّر هذا الإعلان في مواطن عديدة ، بل اتّخاذه أخاً ومساوياً له في كلّ شيء ما عدا النبوّة .

ــــــــــــ

(١) أئمّة أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف ، الشهيد السيد محمد باقر الصدر ك ٩٥ .

٨٦

وحين توضّحت شخصيّة عليّعليه‌السلام ؛ بدأ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكلّفه نيابةً عنه في المهمّات التي لا يمكن أن يقوم بها أحد غير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو شخص كنفسه ، مثل : المبيت في فراش النبيّ ليلة الهجرة ؛ وردّ الودائع ، وحمل الفواطم إلى المدينة ومن درجة اهتمام النبيّ بعليّ في هذه المرحلة ؛ أنّه لم يدخل المدينة عند هجرته إليها ، وصرّح بعدم اتّخاذها مقرّاً جديداً له حتى يلتحق عليّ به ، وتبليغ سورة (براءة) مثال آخر فقد أخذ عليّعليه‌السلام السورة من أبي بكر وبلّغها .

وحين اضطرّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمواجهات العسكرية لم يكن يعطي رايته إلاّ لعليّعليه‌السلام ، وكان يرسله في كلّ المواقف المستعصية التي تتطلّب كفاءة عالية ، فكان عليّعليه‌السلام يؤدّيها على أتمّ وجه .

وفي مرحلة جديدة بعد أن امتاز عليّعليه‌السلام من غيره من الصحابة بصدق سريرته وعمق إيمانه وتفانيه من أجل العقيدة والمبدأ أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أهميّة أهل بيتهعليهم‌السلام ووجودهم وعظيم حبّه لهم ، وميّز عليّاًعليه‌السلام ، وقد دعم القرآن الكريم موقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) (١) .

وأشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى طهارة عليّ وأهل بيته من الرجس المادي والمعنوي ، ولم يأذن لأحد بالمرور بمسجده على كلّ حال إلاّ لعليّ .

ولم يزل النبيّ يوجّه القاعدة الشعبية للالتفات حول عليّ ، ويأمرهم بحبّه والتعلّق به عند حلول المشاكل أو المستجدات المستعصية ، ووضّح لهم ضرورة فهم شخصية عليّعليه‌السلام في شدّة إيمانه وقوّته في ذات الله وعمق فهمه للعقيدة الإسلامية وسعة علمه ، فكانت الأحاديث :(أقضاكم عليّ أعلمكم عليّ أعدلكم عليّ ) وقد أثبتت الأحداث والوقائع صحّة ذلك .

ــــــــــــ

(١) الشورى (٤٢) : ٢٣ .

٨٧

وفي آخر منسك من مناسك الإسلام أشرك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً في حجّة دون غيره من المسلمين وقد صرّح بذلك ، وقاما معاً بنحر الهدي .

كانت هذه الخطوات إعداداً وتهيئة الأرضية لإعلان الغدير حين وقف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إتمام مراسم حجّة الوداع ليعلن للملأ أنّه سيغادر الدنيا ويخلف عليّاً كقائد ومرجع للاُمّة بعده ، وأنّ هذا الإعلان والتنصيب صادر عن الله تعالى ، وتمّت بيعة الناس لعليّعليه‌السلام بإمرة المؤمنين ونزل الوحي الإلهي ببلاغ تمام النعمة وكمال الدين .

عليّعليه‌السلام في حجّة الوداع :

بشوق غامر وغبطة تملأ القلوب تطلّع المسلمون إلى اللقاء العبادي السياسي الذي لم يشهد التأريخ نظيراً له من قبل عندما تحرّك موكب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة باتجاه مكّة ليؤدّي مناسك الحجّ وحيث اللقاء مع الجموع القادمة من أطراف الجزيرة العربية يحدوها هدف واحد وتحت راية واحدة يردّدون شعاراً إلهياً واحداً(١) :

وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كتب إلى عليّعليه‌السلام في اليمن يأمره أن يلتحق به في مكّة ليحجّ معه ، وأسرع عليّ بالخروج من اليمن ومعه الغنائم والحلل التي أصابها من اليمن ، والتقى بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أشرف على دخول مكّة ، فاستبشر بلقائه وأخبره بما صنع في اليمن ، ففرح النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك وابتهج وقال له :بِمَ أهللت ؟

ــــــــــــ

(١) يرى بعض المؤرّخين أنّ من خرج مع النبيّ يبلغ تسعين ألفاً ، والبعض الآخر مائة وعشرين ألفاً ، عدا من حجّ من أهالي مكّة وضواحيها واليمن وغيرها راجع السيرة الحلبية : ٣ / ٢٥٧ ، وكنز العمّال : ١١ / ٦٠٩ .

٨٨

فقال عليّعليه‌السلام :يا رسول الله ! إنّك لم تكتب إليّ بإهلالك ولا عرفته فعقدتث نيّتي بنيّتك ، وقلت اللّهمّ إهلالاً كإهلال نبيّك ، وسقت معي من البدن أربعاً وثلاثين ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :الله أكبر وأنا قد سقت معي ستاً وستين ، فأنت شريكي في حجّي ومناسكي وهديي ، فأقم على إحرامك وعد إلى جيشك وعجّل به حتى نجتمع بمكّة ، وكان عليّعليه‌السلام قد سبق الجيش حينما بلغ مشارف مكّة وأَمّر عليهم رجلاً منهم(١) .

وأدى النبيّ مناسك العمرة والحجّ وعلي معه ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :منى كلّها منحر ، فنحر بيده الكريمة ثلاثة وستين ، ونحر عليّعليه‌السلام سبعة وثلاثين تمام المائة ، ثمّ اجتمع الناس فخطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطاباً جامعاً وعظ المسلمين فيه ونصحهم(٢) .

أتمَّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون مناسكهم في منى ، ثمّ رجع إلى مكّة فدخل فيها ، وطاف طواف الوداع ، ثمّ اتّجه إلى المدينة .

عليّعليه‌السلام في غدير خم أميراً للمؤمنين :

ولمّا انصرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راجعاً إلى المدينة ومعه تلك الحشود الغفيرة من المسلمين ؛ وصل إلى غدير خمّ من الجحفة التي تتشعّبُ فيها طرق أهل المدينة والعراق ومصر ، وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، نزل إليه الوحي عن الله بقوله :( يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ ) (٣) وأمره أن يقيم عليّاً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد ، وقد ضمن الوحي للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكفيه شرّ الحاقدين والحاسدين من الناس ، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة ، فأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من

ــــــــــــ

(١) الإرشاد للمفيد : ١ / ١٧٢ ، والسيرة النبوية لابن كثير : ٤ / ٢٠٥ .

(٢) السيرة الحلبية : ٣ / ٢٨٣ ن والسيرة النبوية لابن كثير : ٤ / ٢٩١ .

(٣) المائدة (٥) : ٦٧ .

٨٩

تأخّر عنهم في ذلك المكان الذي لم يكن منزلاً لأحد من قبله ، ولم يكن هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل فيه لو لا خطاب الوحي له ، ثمّ وقفصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين تلك الجموع وقال بصوت يسمعه الجميع :أيّها الناس كأنّي قد دعيت فأجبت ، إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض .. ثمّ قال :إنّ الله مولاي وأنا وليُّ كلّ مؤمن ومؤمنة ، وأخذ بيد عليّعليه‌السلام وقال :( من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأنصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأَدر الحق معه حيث دار ، أَلا فليبلّغ الشاهد الغائب ) .

ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين الوحي بقوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً ) .

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي والولاية لعلّي من بعدي) ثمّ طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنينعليه‌السلام وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر ، كلٌّ يقول :بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (١) .

وروي : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بنصب خيمة لعليّعليه‌السلام وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل ذلك كلّهم حتّى من كان معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أزواجه ونساء المسلمين(٢) .

ــــــــــــ

(١و٢) السيرة الحلبية بهامشه السيرة النبوية : ٣ / ٢٧٤ ، والمناقب لابن المغازلي الشافعي ك ١٦ ، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي : ٤٠ ، وينابيع المودة للقندوزي : ٤٠ .

وقد ورد حديث الغدير في مصادر كثيرة جدّاً يضاف لما ذكرنا منها : أسباب النزول للنيشابوري ، مطالب السؤول لكمال الدين الشافعي ، تفسير مفاتيح الغيب للرازي ، تفسير المنار لمحمّد عبده ، تفسير ابن شريح ، تذكرة الخواص لابن الجوزي ، مسند الإمام أحمد ، ذخائر العقبى للطبري ، الرياض النضرة لمحبّ الدين الطبري وغيرها من الجوامع الحديثية والتأريخية والتفسيرية ، راجع الغدير للعلامة الأميني.

٩٠

واقعة الحارث بن النعمان ونزول آية( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) :

لمّا شاع وانتشر قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) فَبلغ الحارث ابن النعمان الفهري ، فأتى النبيّ على ناقته وكان بالأبطح ، فنزل وعقل ناقته وقال للنبيّ وهو في ملأ من الصحابة : يا محمّد ! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلنا منك ، ثمّ ذكر سائر أركان الإسلام وقال : ثمّ لم ترض بهذا حتّى مددت بضبعي ابن عمك وفضّلته علينا وقلت :( من كنت مولاه فعليّ مولاه ) فهذا منك أم من الله ؟

فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( والله الذي لا إله إلاّ هو ، هو أمر الله ) فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللّهمّ إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامّته وخرج من دبره ، وأنزل الله تعالى :( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) (١) (٢)

محاولات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتثبيت بيعة عليّعليه‌السلام :

لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على علمٍ تامٍّ بما سيؤول إليه وضع المسلمين من بعده ، لأنّه كان يراقب العلل والأمراض التي ابتلي بها هذا المجتمع ن وكان على يقين بأن أوّل ضربة من بعده ستوجّه إلى الخطّ الرسالي الذي أرسى قواعده هو وعليّ ، وإلى الزعامة التي أشار إليها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن تخلفه في الخطّ الصحيح للدعوة الإسلاميّة ، لانّ هذا يهدّد مصالح الكثير ممّن كانوا يريدون أن يستفيدوا من الإسلام ويتنعّموا بإشباع رغباتهم في ظلاله لا أن يقدّموا جهداً وفائدة للإسلام ، ويتزّعموا هذا الكيان الكبير الذي بناه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ــــــــــــ

(١) المعارج (٧٠) : ١ .

(٢) تفسير المنار : ٦ / ٤٦٤ ، وتذكرة الخواص : ص ٣١ مع اختلاف في اللفظ ، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ٤٢ ، أبو اسحاق الثعلبي في تفسيره والحاكم الحسكاني في كتابه دعاة الهداة ، والقرطبي في تفسيره ، والحمويني في فرائد السمطين ، والزرندي الحنفي في معارج الوصول ودرر السمطين ، والسمهودي في جواهر العقدين ، والعماري في تفسيره ، والشربيني القاهري الشافعي في تفسيره ، والمناوي الشافعي في فيض القدير ، والحلبي في السيرة الحلبية والحفني الشافعي في شرح الجامع الصغير ، والزرقاني المالكي في شرح المواهب اللدنية ، والشبلنجي الشافعي في نور الأبصار ، وغيرهم كما تجد تفصيل ذلك في الجزء الأول من موسوعة (الغدير) .

٩١

وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتخوّف من أن تتحول الشريعة الإسلامية إلى شيء آخر غير الذي أنزله الله عليه ، وتكون خاضعة للأهواء والرغبات ، وكمصداق على تخوف النبيّ هو واقعة الحارث بن النعمان الذي جاء يشكّك ويستنكر على النبيّ مواقفه .

فما كان منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ وأن يعلن موقفه من الاتّجاه الصحيح لخطّ الدعوة الإسلامية عبر مراحل وفترات عديدة ، فكان يكرّر لأصحابه : غن تستخلفوا عليّاً ـ وما أراكم فاعلين ـ تجدوه هادياً مهدياً يحملكم على المحجّة البيضاء(١) .

وروي أنّ سعد بن عبادة قال في ملأ من الناس : فو الله لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :إذا أنا متُّ تضلّ الأهواء بعدي ويرجع الناس على أعقابهم ، فالحقّ يومئذٍ مع عليّ عليه‌السلام .

وحديث الثقلين شاهد آخر على ضرورة التمسّك بطاعة عليّعليه‌السلام والسير على هَدْيه ومنهاج ولايته لضمان سلامة العقيدة الإسلامية وتحصينها من الانحراف .

ثمّ بدأ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعداد خطّة جديدة لإتمام الأمر الإلهي بتنصيب عليٍّ أميراً للمؤمنين ، فحاول أن يعدّ جيشاً كبيراً يضمّ فيه كلّ العناصر التي من الممكن أن تدخل في حلبة الصراع السياسي مع الإمام عليّعليه‌السلام وتناوئه على زعامة الساحة الإسلاميّة ، ومن ثَمّ سينحرف مسار الرسالة الإسلامية عن طريقها القويم ، أو على الأقل أنّها تطالب بمكانة سياسية أو إدارية في جهاز الدولة ، وقد تظهر موقفاً معادياً في حالة رفض الإمام عليّعليه‌السلام ذلك ، ممّا قد يثير الكثير من المشاكل للأمة وهي في حالة ارتباك بفقدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ــــــــــــ

(١) حلية الأولياء لأبي نعيم : ١ / ٦٤ ، ومختصراً تأريخ دمشق لابن عساكر : ١٨ / ٣٢ .

٩٢

مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسريّة أسامة :

حياة عليّعليه‌السلام هي حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والرسالة الإسلامية ، فالمواقف المهمّة والصعبة في الكثير من الصراعات والأزمات والمنعطفات التي وقف فيها عليّ بكلّ بسالة وشجاعة مع رسول الله حتى آخر لحظات عمره الشريف تكشف عن مدى القرب والاتصال والتلاحم المصيري بين الرسول وعليّ ، وتفهّمنا جيّداً من خلال الآيات والروايات وحوادث التأريخ أنّ عليّاً هو الامتداد الطبيعي لرسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو المؤهّل لقيادة الأمة الإسلامية بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس ثمة إنسان آخر .

لقد أودع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام أسرار النبوّة وتفاصيل الرسالة وحمّله عبء مسؤولية رعايتها وصيانتها ، حتى أنّه أوكل إليه أمر تجهيزه ودفنه دون غيره ، لعلمه وثقته بأنّ عليّاًعليه‌السلام سينفّذ أوامره ولا يحيد عنها قيد أنملة ولا يتردّد طرفة عين ، ولم يكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطمئنّ لغيره هذا الاطمئنان .

وكان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُصرّ على تبيان خلافة عليّعليه‌السلام وأنّه الوصيّ من بعده حتى في آخر لحظات حياته المباركة مضافاً إلى كلّ التصريحات والتلميحات التي أبداها في شتى المناسبات ومختلف المواقف .

لمّا رجع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجّه إلى (يثرب) ، أقام فيها أيّاماً حتى اعتلّت صحّته واشتدّ به ألم المرض ، وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السمّ ) (١) وتقاطر المسلمون عليه يعودونه وفي نفوسهم القلق والأسى وفي أذهانهم الحيرة والتساؤل عن مصير الأيّام الآتية والرسالة السماوية ، فنعىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم نفسه وأوصاهم بما يضمن لهم استمرار مسيرة الرّسالة وتحقيق السعادة والنجاح ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(أيها الناس ! يوشك أن أُقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي وقدّمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إنّي مخلّف فيكم كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي) ثمّ أخذ بيد عليّعليه‌السلام وقال :(هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض) .

ــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٥٨ .

٩٣

وأرادصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتمّم مساعيه لكي يهيئ الأمور لتنصيب عليٍّ خليفةً من بعده من دون أن تؤثّر عليه قوى التنافس أو مؤامرات المغرضين ودسائس المنحرفين ، فقد أجمع المؤرّخون على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأيّام الأخيرة من حياته المباركة لم يكن يعنيه شيء أكثر من تجهيز جيش يضمّ أكبر عدد من المسلمين بما في ذلك أبو بكر وعمر ووجوه المهاجرين والأنصار ، وأمّر عليهم أسامة بن زيد وإرساله إلى الحدود الشمالية لمنطقة الجزيرة العربية واستثنى عليّاًعليه‌السلام .

ولكنّ عدداً من الصحابة لم يَرُقْ لهم أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتثاقلوا عن الخروج في جيش أسامة واعتذروا بأعذار واهية ، وانطلقت ألسنتهم بالنقد اللاذع والاعتراض المرّ على تأمير أسامة ، فخرجصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ رغم كلّ الآلام ـ وخطب فيهم وحثّهم على الانضواء تحت قيادة أسامة ، وقد بدا عليه الانفعال والتصلّب ، واستمرّ يلحّ على إنفاذ الجيش والخروج نحو هدفه ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أنفذوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة (١) .

ونجد هنا غرابةً في الموقف ، وهي إلحاح الرسول على ضرورة مسير جيش أسامة إلى الوجهة التي وجّهها إيّاه على الرغم من مرضه وعلمه بدنوّ أجله ، فلو كان لأحد ممّن كان تحت إمرة أسامة أهميّة في حالة وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لاستثناه .

ــــــــــــ

(١) السيرة الحلبية : ٣ / ٣٤ .

٩٤

وأعجب من ذلك هو تلكّؤ القوم وتملّصهم عن تنفيذ أمر النبيّ ، فكأن هناك أمراً خفياً يريدون إبرامه(١) .

ويبدو أنّ الرسول استشفّ من التحركات التي صدرت من الصحابة أنّهم يبغون لأهل بيته الغوائل ويتربّصون بهم الدوائر ، وأنّهم مجمعون على صرف الخلافة عنهم ، فرأىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يصون أمته عن الانحراف ويحميها من الفتن ، فأراد أن يحاول معهم محاولة جديدة لتثبيت ولاية عليّعليه‌السلام وخلافته لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :( إئتوني بالكتف والدواة أكتب إليكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ) .

فتنازعوا ـ ولا ينبغي عند نبيّ أن يتنازع ـ فقالوا : ما شأنه ؟ أَهَجَر ؟ استفهموه فذهبوا يردّدون عليه القول : فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه وأوصاهم بثلاث ، قال :أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت اُجيزهم . وسكت عن الثالثة عمداً أو قال : فنسيتها(٢) .

رأي :

دوّن أكثر المؤرّخين هذا الحديث في كتبهم على هذا النحو ، ولم يذكروا من وصاياه إلاّ وصيّتين وسكتوا عن الثالثة أو تناسوها مجاراةً للحاكمين الّذين تقمّصوا الخلافة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حين أنّه لم يسبق لأحد من الرواة لأحاديثهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسي شيئاً أو فاته دون أن يدوّنه حتى يمكن القول بأنّهم

ــــــــــــ

(١) وممّا يؤكّد هذا الظنّ أنّ الصحابة الذين أبوا الخروج في جيش أسامة كانوا يخشون تكرار الموقف الذي حصل في غزوة تبوك عندما استخلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً في المدينة ومن ثمّ تصريحه(أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي) ممّا أثار الريب والحسد في نفوسهم .

بل إنّهم أدركوا أنّ الأمر في هذه المرّة يحمل أبعاداً أخرى تتعدّى مسألة الخروج مع جيش أسامة ، خاصةً بعد أن رأوا الرسول يصرّ على خروجهم ويستثني عليّاً ، وعلامات المرض تشتد عليه ، وفي هذه الفترة كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرّر عليهم بأنّي أوشك أن أُدعى فأجيب .

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد : ٤ / ٦٠ ، وتأريخ الطبري : ٢ / ٤٣٦ ط مؤسسة الأعلمي ، والكامل في التأريخ لابن الأثير : ٢ / ٣٢٠ ، والإرشاد للمفيد : ١ / ١٨٤ .

٩٥

أحصوا حتى أنفاسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف نسي الحاضرون على كثرتهم وازدحامهم عنده وصيّته الثالثة وهو في حالة الوداع لهم ؟ وهم ينتظرون كلّ كلمة تصدر منه تهدّئ من روعهم وتبعث الأمل في نفوسهم نحو المستقبل ؟ ولولا أنّ الثالثة تأكيد لنصوصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السابقة على خلافة عليّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لم ينسها أو لم يتغافل عنها أحد من الرواة أولئك(١) !

عليّعليه‌السلام مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اللحظات الأخيرة:

اشتدّ المرض على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأغمي عليه ، فلمّا أفاق قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(أُدعوا لي أخي وصاحبي) وعاوده الضعف فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر ، وقالت حفصة : لو بعثت إلى عمر ، فاجتمعوا عنده جميعاً فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(انصرفوا فإن تك لي حاجة أبعث إليكم) (٢) .

ثمّ دُعي عليّعليه‌السلام فلمّا دنا منه أومأ إليه ، فأكبَّ عليه ، فناجاه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلاً ، ثمّ ثقل النبيّ وحضره الموت ، فلمّا قارب خروج نفسه قال لعليّعليه‌السلام :( ضع رأسي في حجرك ، فقد جاء أمر الله تعالى ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك ، وامسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني إلى القبلة وتولّ أمري وصلِّ عليَّ أوّل الناس ، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي ، واستعن بالله تعالى ) (٣) .

وهكذا انتقل الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جوار ربّه راضياً مرضيّاً بعد أن أدّى رسالته بأحسن وجه ، وأوضح السبيل للأمة من بعده وعلي بن أبي طالبعليه‌السلام يلازمه ملازمته الظل لذي الظل ويتابعه متابعة التلميذ لأستاذه في جميع لحظات حياته الرسالية المباركة .

ــــــــــــ

(١) سيرة الأئمة الإثني عشر ، للحسني : ١ / ٢٥٥ .

(٢) تأريخ الطبري : ٢ / ٤٣٩ ط مؤسسة الأعلمي .

(٣) الإرشاد للمفيد : ١ / ١٨٦ .

٩٦

الباب الثالث : فيه فصول :

الفصل الأوّل : عصر الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام

الفصل الثاني : الإمام عليّعليه‌السلام في عهد أبي بكر

الفصل الثالث : الإمام عليّعليه‌السلام في عهد عمر

الفصل الرابع : الإمام عليّعليه‌السلام في عهد عثمان

الفصل الأوّل: عصر الإمام عليّعليه‌السلام

حديث الوفاة :

لم يكن حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اللحظات الأخيرة من حياته سوى عليّعليه‌السلام وبني هاشم ، وقد علم الناس بوفاته من الضجيج وعويل النساء ، فأسرعوا وتجمّعوا في المسجد وخارجه وهم في حالة من الارتباك والدهشة لا يحيرون جواباً إلاّ البكاء والنواح ، وهم على هذه الحالة وإذا بموقف غريب يصدر من عمر إذ خرج بعد أن دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والسيف في يده يهزّه ويقول : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله قد مات ، إنّه والله ما مات ولكنّه قد ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران(١) ولم يهدأ عمر حتى وصل أبي بكر(٢) إلى بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكشف عن وجه النبيّ وخرج مسرعاً ، وقال : أيّها الناس ، من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ، ثمّ تلا الآية : ( وَمَا مُحمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ ... ) (٣) .

ثمّ خرج عمر وأبو بكر وأبو عبيدة الجرّاح من البيت الذي فيه جثمان النبي المبارك وتركوه إلى عليّ وأهل بيته المفجوعين بوفاته ، وقد أذهلهم المصاب عن كلّ شيء ن وقام عليّعليه‌السلام وأهل بيتهعليهم‌السلام بتجهيز النبيّ والصلاة عليه ودفنه ، وفي الوقت نفسه كانت قد عقدت الأنصار اجتماعاً لها في سقيفة بني ساعدة لتدبير أمر الخلافة .

ــــــــــــ

(١) الكامل في التأريخ : ٢ / ٣٢٣ .

(٢) يروى أنّ أبا بكر كان في (السنح) وهو محل يبعد عن المدينة بميل واحد أو أكثر قليلاً .

(٣) آل عمران (٣) : ١٤٤ .

٩٧

الحزب القرشي والأنصار في السقيفة :

ما أن سمع عمر خبر اجتماع الأنصار في السقيفة ؛ حتى أتى منزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيه أبو بكر ، فأرسل إليه أن أُخرج إليَّ ، فأجابه بأنّه مشغول ، فأرسل إليه عمر ثانيةً أن أُخرج فقد حدث أمر لا بدّ أن تحضره .

فخرج إليه أبو بكر ، فمضيا مسرعين نحو السقيفة ومعهما أبو عبيدة ومن ثَمّ لحقهم آخرون ، فأدركوا الأنصار في ندوتهم ولمّا يتمّ بعدُ الاجتماع ولم ينفضّ أصحابه ، فتغيّر لون سعد بن عبادة وأُسقط ما في أيدي الأنصار وساد عليهم الوجوم والذهول ، ونفذ الثلاثة في تجمّع الأنصار أتمّ نفوذ وأتقنه ، ينمّ عن معرفتهم بالنفوس ونوازعها ورغباتها ومعرفتهم بنقاط الضعف التي من خلالها تسقط ورقة الأنصار .

أراد عمر أن يتكلّم فنهره أبو بكر لعلمه بشدّته وغلظته والموقف خطير وملبّد بالأحقاد والأضغان ، ويجب أن يستعمل فيه البراعة السياسية والكلمات الناعمة لكسب الموقف أوّلاً ثمّ يأتي دور الشدّة والغلظة .

وافتتح أبو بكر الحديث بأسلوب لبق فخاطب الأنصار باللطف ، ولم يستعمل في خطابه أيّ كلمة مثيرة فقد قال : نحن المهاجرون أوّل الناس إسلاماً ، وأكرمهم أحساباً ، وأوسطهم داراً ، وأحسنهم وجوهاً ، وأمسّهم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحماً ، وأنتم إخواننا في الإسلام ، وشركاؤنا في الدين ، نصرتم وواسيتم ، فجزاكم الله خيراً ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا نفتات عليكم بمشورة ، ولا نقضي دونكم الأمور ، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح : يا معشر الأنصار ! املكوا عليكم أمركم ، فإنّ الناس في ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولا يصدر أحد إلاّ عن رأيكم ، أنتم أهل العزّة والمنعة ، وأولو العدد والكثرة ، وذوو البأس والنجدة ، وإنّما ينظر الناس ما تصنعون فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم ، فإن أبى هؤلاء إلاّ ما سمعتم فمنّا أمير ومنهم أمير ، فقال عمر : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد ، والله لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ، ولا تمتنع العرب أن تولّي أمرها من كانت النبوّة منهم ، فمن ينازعنا سلطان محمّد ونحن أولياؤه وعشيرته .

فقال الحباب بن المنذر : يا معشر الأنصار ! املكوا أيديكم ، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ؛ فاجلوهم من هذه البلاد ، وأنتم أحقّ بهذا الأمر منهم ، فإنّه بأسيافكم دانَ الناس بهذا الدين ، أنا جذيلها المحكك وعُذيقها المرجَّب ، أنا أبو شبل في عرينة الأسد ، والله إن شئتم لنعيدها جذعة .

٩٨

وهنا تأزّم الموقف وكاد أن يقع الشرّ بين الطرفين ، فوقف أبو عبيدة بن الجرّاح ليحول دون ذلك ويتدارك الفشل ، فقال بصوت هادئ مخاطباً الأنصار : يا معشر الأنصار ! أنتم أوّل من نصر وآوى ، فلا تكونوا أوّل من بدّل ، وانسلت كلماته هادئةً إلى النفوس ، فسادَ الصمت لحظات على الجميع ، فاغتنمها بشير بن سعد لصالح المهاجرين هذه المرّة ، يدفعه لذلك حَسده لسعد بن عبادة فقال : يا معشر الأنصار ! ألا إنّ محمّداً من قريش وقومه أولى به ، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر .

فاغتنم المهاجرون الثلاثة هذه الثغرة في جبهة الأنصار ، فطفقوا يقدّم بعضهم بعضاً ، فبدا أنّهم لم يروا أنّ واحداً منهم يدعمه نصّ شرعيّ أو يختص بميزة ترفع من رصيده مقابل غيره فتؤهّله للخلافة .

فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة بايِعوا أيّهما شئتم(١) ، وقال عمر:

ــــــــــــ

(١) الإمامة والسياسة : ١ / ١٥ ، وتأريخ الطبري : ٢ / ٤٥٨ ط مؤسسة الأعلمي ، والكامل في التأريخ : ٢ / ٣٢٥ .

٩٩

يا أبا عبيدة، ابسط يدك أبايعك ، فأنت أمين هذه الأمة(١) ، فقال أبو بكر : يا عمر ! ابسط يدك نبايع لك ، فقال عمر : أنت أفضل منّي ، قال أبو بكر : أنت أقوى منّي ، قال عمر : قوّتي لك مع فضلك ابسط يدك أبايعك(٢) فلمّا بسط يده ليبايعاه سبقهما بشير بن سعد فبايعه ، فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير ! عَقَّتك عقاق، أنفِستَ على ابن عمّك الإمارة ؟

ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير وما تطلب الخزرج من تأمير سعد ؛ قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن خضير وكان نقيباً : والله لئن وليتها الخزرج مرّة ؛ لا زالت عليكم بذلك الفضيلة أبداً ، فقوموا فبايعوا أبا بكر ، فانكسر على سعد والخزرج ما أجمعوا عليه ، وأقبل أصحاب أسيد يبايعون أبا بكر(٣) ، وقالت بعض الأنصار : لا نبايع إلاّ عليّاً(٤) .

ثم أقبل أبو بكر والجماعة التي تحيط به يزفّونه إلى المسجد زفاف العروس(٥) والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لازال ملقىً على فراش الموت ، وعمر يهرول بين يديه وقد نبر حتى أزبد شدقاه وجماعته تحوطه وهم متّزرون بالأُزر الصنعانية ، لا يمرّون بأحد إلاّ خبطوه وقدّموه ، فمدّوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى(٦) .

لقد كانت حجّة الحزب القرشي في السقيفة ضد الأنصار مبنيّة على أمرين :

١ ـ إنّ المهاجرين أوّل الناس إسلاماً .

٢ ـ إنّهم أقرب الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمسّهم به رحماً .

ــــــــــــ

(١) الطبقات الكبرى : ٣ / ١٨١ .

(٢) تأريخ الخلفاء للسيوطي : ٧٠ .

(٣) الكامل في التأريخ : ٢ / ٣٣٠ .

(٤) تأريخ الطبري : ٢ / ٤٤٣ ط مؤسسة الأعلمي .

(٥) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٦ / ٨ .

(٦) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١ / ٢١٩ ط دار إحياء الكتب العربية .

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479