الكنى والألقاب الجزء ١

الكنى والألقاب12%

الكنى والألقاب مؤلف:
تصنيف: علم الرجال والطبقات
الصفحات: 479

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 479 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 503898 / تحميل: 15340
الحجم الحجم الحجم
الكنى والألقاب

الكنى والألقاب الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

(أبوحيان التوحيدى)

علي بن محمد بن عباس الشيرازي النيسابوري البغدادي، شيخ الصوفية فيلسوف الادباء، اديب الفلاسفة، والمتفنن في كثير من العلوم كالنحو والادب والفقه والشعر والكلام.

حكي انه كان قليل الورع بل قالوا انه كان من زنادقة(١) عصره. عزم الصاحب بن عباد والوزير المهلي على قتله فاستتر. وتوفي في حدود سنة ٣٨٠ بشيراز وله مصنفات منها: كتاب سماه مثالب الوزيرين ضمنه معايب ابي الفضل بن العميد والصاحب بن عباد.

قال ابن خلكان: تحامل عليهما وعدد نفائصهما وسلبهما ما اشتهر عنهما من الفضائل والافضال وبالغ في التعصب عليهما وما انصفهما وهذا الكتاب من الكتب المحذورة ما ملكه احد إلا وانعكست احواله ولقد جربت ذلك وجربه غيري على ما اخبرني من اثق به انتهى.

والنوحيدي قيل نسبة إلى التوحيد وهو نوع من التمر كان ابوه يبيعه ببغداد وعليه حمل بعض شراح ديوان المتنبي قوله:

يترشفن من فمي رشفات

هن فيه احلى من التوحيدي

 (أبوحية النميرى البصرى)

الهيثم بن ربيع بن زرارة، شاعر فصيح من مخضرمي الدولتين.

حكي انه كان اهوج جبانا وكان له سيف يقال له لعاب المنية ليس بينه وبين الخشبة فرق، ومن حديت جبنه انه دخل إلى بيته ليلة كلب فظنه لصا، فانتضى سيفه لعاب المنية وهو واقف في وسط الدار يقول: ايها المغتر بنا والمجترئ علينا بئس والله ما اخترت لنفسك خير خليل وسيف صقيل لعاب المنية الذي سمعت به مشهورة

____________________

(١) نقل عن تأريخ ابي الفرج بن الجوزي قال زنادقة الاسلام ثلاثة: ابن الراوندي وابوحيان التوحيدي وابوالعلاء، قال واشرهم على الاسلام ابوحيان لانه مجمخ انتهى (رجل مجمخ الاخلاق كمعظم فاسدها).

٦١

ضربته لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك قبل ان ادخل بالعقوبة عليك، وكان يتكلم بمثل هذه المكلمات، ثم فتح الباب على وجل وحذر شديد، فاذا كلب قد خرج، فقال الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفاني حربا.

(اقول) ويشبه ذلك خير المجنون الذي كان مقيما بالكوفة وكان الف دكان طحان فاذا اجتمع الصبيان عليه وآذوه يقول: الآن حمى الوطيس وطاب اللقاء وانا على بصيرة من امري، ثم يثبت ويحمحم ويقول:

اريني سلاحي لا ابا لك انني

ارى الحرب لا تزداد إلا تماديا

ثم يتناول قصبته ليركبها فاذا تناولها يقول:

اشد على الكتيبة لا ابالي

احتفي كان فيها أو سواها

فينهزم الصبيان بين يديه فاذا لحق بعضهم يرمي الصبي بنفسه إلى الارض فيقف عليه ويقول: عورة مسلم وحمى مؤمن ولولا ذلك لتلفت نفس عمرو بن العاص يوم صفين، ثم يقول: لاسيرن فيكم سيرة أميرالمؤمنينعليه‌السلام لا اتبع موليا ولا اجهز على جريح ثم يعود إلى مكانه ويقول:

انا الرجل الضرب الذي تعرفونه

خشاش كرأس الحية المتوقد

حكي عن الاصمعي قال رأيت بعض الاعراب يفلي ثيابه فيقتل البراغيث ويدع القمل فقلت يا اعرابي ولم تصنع هذا؟ فقال اقتل الفرسان ثم اعطف على الرجالة.

(أبوخالد الزبالى)

من اصحاب الكاظمعليه‌السلام روى الشيخ الكليني عنه قال لما اقدم بأبي الحسن موسىعليه‌السلام على المهدي القدمة الاولى نزل زبالة فكنت احدثه فرآنى مغموما فقال يا ابا خالد مالي اراك مغموما فقلت وكيف لا اغتم وانت تحمل إلى هذا الطاغية ولا ادري ما يحدث فيك فقال لي ليس علي بأس فاذا كان شهر كذا وكذا ويوم كذا فوافني في اول الميل فما كان لي هم إلا احصاء الشهور والايام حتى كان

٦٢

ذلك اليوم فوافيت الميل فما زلت عنده حتى كادت الشمس ان تغيب ووسوس الشيطان في صدري وتخوفت ان اشك فيما قال فبينا انا كذلك إذ نظرت إلى سواد قد اقبل من ناحية العراق فاستقبلتهم فاذا ابوالحسنعليه‌السلام امام القطار على بغلة فقال: ايهن يا ابا خالد قلت لبيك يا ابن رسول الله فقال لا تشكن ود الشيطان انك شككت، فقلت الحمد لله الذي خلصك منهم، فقال ان لي اليهم عودة لا اتخلص منهم.

(أبوخالد الكابلى)

قال الفضل بن شاذان ولم يكن في زمن علي بن الحسينعليه‌السلام في اول امره إلا خمسة انفس: سعيد بن جبير، سعيد بن المسيب، محمد بن جبير بن مطعم، يحيى بن ام الطويل، ابوخالد الكابلى واسمه وردان ولقبه كنكر انتهى.

وفي خبر الحواريين انه من حواري علي بن الحسينعليه‌السلام وقد شاهد كثيرا من دلائل الائمهعليه‌السلام ويأتى في الطاقى رواية تتعلق به ويظهر من رسالة ابي غالب الزراري ان آل اعين وهم اكبر بيت في الكوفة من الشيعة ان اول من عرف منهم عبدالملك عرفه من صالح بن ميثم ثم عرفه حمران من ابي خالد الكابلي.

(أبوخديجة)

سالم بن مكرم بن عبدالله مولى بني اسد الجمال كناه ابوعبداللهعليه‌السلام ابا سلمة وثقه (جش) وكان جمالا من اهل الكوفة، ذكر انه حمل ابا عبداللهعليه‌السلام من مكة إلى المدينة، وروي انه كان من اصحاب ابي الخطاب وكان في المسجد يوم بعث عيسى بن موسى بن علي بن عبدالله بن العباس وكان عامل المنصور على الكوفة إلى ابي الخطاب لما بلغة انهم اظهروا الاباحات ودعوا الناس إلى نبوة ابي الخطاب وانهم يجتمعون في المسجد ولزموا الاساطين يرون الناس انهم قد لزموها للعبادة وبعث اليهم رجلا فقتلهم جميعا لم يفلت إلا رجل واحد اصابته جراحات فسقط بين

٦٣

القتلى يعد فيهم فلما جنه الليل خرج من بينهم فتخلص وهو ابوسلمة سالم بن مكرم فذكر بعد ذلك انه تاب وكان ممن يروي الحديث.

(أبوالخطاب)

محمد بن مقلاص الاسدي الكوفي لعنه الله غال ملعون وردت روايات في ذمه ولعنه وكان ممن اعير الايمان.

وقال الصادقعليه‌السلام لعن الله ابا الخطاب وقتله بالحديد فاستجاب الله دعاء‌ه قتله عيسى بن موسى العباسي حكى القاضي نعمان في ذكر قصة الغلاة ان المغيرة بن سعد استزله الشيطان واستحل هو واصحابه المحارم كلها واباحوها وعطلوا الشرائع وتركوها وانسلخوا من الاسلام جملة، واشهر ابوجعفر عليه السلام لعنهم والبراء‌ة منهم وكان أبوالخطاب لعنه الله في عصر مولانا جعفر ابن محمدعليه‌السلام من اجل دعانه ثم اصابه ما اصاب المغيره بن سعيد لعنه الله فانسلخ من الدين فكفر وادعى النبوة وزعم ان جعفراعليه‌السلام إله، تعالى الله عزوجل عن قوله واستحل المحارم كلها ورخص لاصحابه فيها وكانوا كلما ثقل عليهم أداء فرض اتوه فقالوا يا ابا الخطاب خفف عنا فيأمرهم بتركه حتى تركوا جميع الفرائض واستحلوا جميع المحارم واباح لهم ان يشهد بعضهم لبعض بالزور، وقال من عرف الامام حل له كل شئ كان حرم عليه، فبلغ امره جعفر بن محمدعليه‌السلام فلم يقدر عليه بأكثر من ان لعنه وتبرأ منه، وجمع اصحاب فعرفهم ذلك وكتب إلى البلدان بالبرائة منه وباللعنة عليه وعظم امره على ابي عبدالله عليه السلام واستفضعه واستهاله انتهى.

(أبوداود)

سليمان بن الاشعث بن اسحاق السجستاني، احد حفاظ اهل السنة صاحب كتاب السنن المشهور، احد صحاحهم الست.

٦٤

حكي عنه قال: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله خمسمائه الف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني السنن، جمعت فيه اربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح ما يشبه ويقاربه ويكفي الانسان لدينه، ومن ذلك اربعة احاديث قوله صلى الله عليه وآله: انما الاعمال بالنيات، والثاني قوله صلى الله عليه وآله : من حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه، والثالث قوله صلى الله عليه وآله: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لاخيه ما يرضى لنفسه، والرابع قوله صلى الله عليه وآله: الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك امور مشتبهات الحديث بكماله.

قال ابن خلكان قال ابراهيم الحربى: لما صنف ابوداود كتاب السنن الين له الحديث كما الين لداودعليه‌السلام الحديد.

سكن البصرة وتوفي بها سنة ٢٧٥ (رعه) وابنه عبدالله بن سليمان كان من اكابر الحفاظ ببغداد، وشارك اباه في شيوخه، وله كتاب المصابيح توفي سنة ٣١٦ (شيو) والسجستاني تقدم في ابوحاتم السجستاني.

(أبودجانة)

بالضم والتخفيف هو سماك بالكسر والتخفيف ابن خرشة بالفتحات ابن لوزان كسكران صحابي انصاري بطل شجاع عد من الذابين عن الاسلام وقد ظهر منه في جهاده وحروبه ما يدل على ذلك فمما شوهد منه ما حكي عن بعض التواريخ في وقعة اليمامة سنة ١١ ان مسيلمة الكذاب وبني حنيفة لما دخلوا الحديقة واغلقوا عليهم بابها وتحصنوا فيها قال ابودجانة اجعلونى في جنة ثم ارفعونى بالرماح والقوني عليهم في الحديقة فاحتملوه حتى اشرف على الجدار، فوثب عليهم كالاسد فجعل يقاتلهم ثم احتملوا البراء بن مالك فاقتحمها عليهم وقاتل على الباب وفتحه للمسلمين ودخلوها عليهم فاقتتلوا اشد قتال وكثر القتلى في الفريقين لا سيما في بنى حنيفة، فلم يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة، واشترك في قتله وحشي وابودجانة، وقتل في هذه الواقعة جماعة كثيرة من الصحابة، وقتل ايضا ابودجاجة وقيل بل عاش بعد ذلك وشهد صفين مع امير المؤمنين والله اعلم.

وما ظهر منه في احد من اخذه السيف عن النبي صلى الله عليه وآله واختياله في مشيه بين

٦٥

الصفين وقول النبي: إن هذه لمشية يبغضها الله تعالى إلا في مثل هذا الموطن.

وثباته في نصرة النبي مشهور، وينسب اليه الحرز المروي عن النبي لدفع الجن والسحر المعروف بحرز ابي دجانة، وهو حرز طويل.

وفي ارشاد المفيد روى المفضل ابن عمر عن ابي عبداللهعليه‌السلام قال يخرج مع القائمعليه‌السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا خمسة عشر من قوم موسىعليه‌السلام الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من اهل الكهف، ويوشع بن نون وسليمان وابودجانة الانصاري والمقداد ومالك الاشتر فيكونون بين يديه انصارا وحكاما.

(أبوالدرداء)

عامر بن زيد الانصاري الصحابي المعروف، كان يعد من علماء الارض الثلاثة.

حكي ابن قتيبة في كتابه الامامة والسياسة قدوم ابي هريرة وابى الدرداء على معاوية وانهما اتيا علياعليه‌السلام بأمر معاوية وقالا له: ان لك فضلا لا يدفع وقد سرت مسير فتى إلى سفيه من السفهاء ومعاوية يسألك ان تدفع اليه قتلة عثمان فان فعلت ثم قاتلك كنا معك قالعليه‌السلام أتعرفانهم قال نعم قال فخذاهم، فاتيا محمد بن ابى بكر وعمار بن ياسر والاشتر، فقالا انتم من قتلة عثمان وقد امرنا بأخذكم فخرج اليهم اكثر من عشرة آلاف رجل فقالوا نحن قتلة عثمان، فقالا نرى امرا شديدا فانصرفا إلى منزلهما بحمص انتهى ملخصا.

وذكر نصر بن مزاحم ان ابا الدرداء وابا امامة الباهلي رجعا من صفين ولم يشهدا شيئا من القتال.

(اقول) روى الشيخ الصدوق عنه انه شهد علي بن ابي طالب بشويحطات النجار قد اعتزل عن مواليه واختفى ممن يليه فافتقده ثم سمع مناجاته بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنقمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك إلهي ان طال في عصيانك عمري وعظم في

٦٦

الصحف ذنبي فما انا مؤمل غير غفرانك، ولا انا براج غير رضوانك، قال فشغلنى الصوت واقتفيت الاثر فاذا هو علي بن ابي طالبعليه‌السلام فاستترت له فركع ركعات من جوف الليل ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى فكان مما به الله ناجى ان قال إلهي افكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال آه إن انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وانت محصيها فتقول خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته، ويرحمه الملا اذا اذن فيه بالنداء، ثم قال آه من نار تنضج الاكباد والكلى آه من نار نزاعة للشوى آه من غمرة من ملهبات لظى، قال ثم انعم في البكاء فلم اسمع له حسا ولا حركة فقلت غلب عليه النوم لطول السهر فاتيته فاذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك فقلت إنا لله وانا اليه راجعون مات والله علي بن ابى طالب فاتيت منزله وذكرت قصته فقالت فاطمة هي والله يا ابا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله انتهى ملخصا.

(أبودلامة)

بضم الدال زند بن الجون كوفي مولى لبني اسد ادرك آخر بنى امية ونبغ في ايام بنى العباس ومدح عبدالله السفاح والمنصور وهو صاحب البغلة المعروفة التي اشار اليها الحريري بقوله في المقامة التبريزية: وانت تعلم انك احقر من قلامة واعيب من بغلة ابى دلامة.

قالوا من عيوب بغلته انها كانت تحبس بولها، فاذا ركبها ومر بها على جماعة وقفت ورفعت ذنبها وبالت ثم رشتهم ببولها، وكان ابودلامة صاحب نوادر وادب ونظم. وحكي انه كان اسود عبدا حبشيا.

ومن نوادره: انه توفيت لابى جعفر المنصور ابنة عم فحضر جنازتها وجلس لدفنها وهو متألم لفقدها كئيب عليها فاقبل ابو دلامة وجلس قريبا منه فقال له المنصور ويحك ما اعددت لهذا المكان واشار

٦٧

إلى القبر فقال ابنة عم امير المؤمنين فضحك المنصور حتى استلقى ثم قال له ويحك فضحتنا بين الناس.

وحكي ان روح بن حاتم المهلبي وكان واليا على البصرة خرج إلى حرب الجيوش الخراسانية ومعه ابودلامة فخرج من صف العدو مبارز فخرج اليه جماعة فقتلهم فتقدم روح إلى ابي دلامة بمبارزته فامتنع فالزمه فاستعفاه فلم يعفه فانشد ابودلامة:

اني اعوذ بروح إن تقدمني

إلى القتال فيخزي بي بنو اسد

إن المهلب حب الموت اورثكم

ولم ارث انا حب الموت من احد

إن الدنو إلى الاعداء اعلمه

مما يفرق بين الروح والجسد

لو ان لي مهجة اخرى لجدت بها

لكنها خلقت فردا فلم احد

فاقسم عليه ليخرجن وقال لماذا تأخذ رزق السلطان؟ قال لاقاتل عنه، قال فما بالك لا تبرز إلى عدو الله؟ فقال ايها الامير ان خرجت اليه لحقت بمن مضى، وما الشرط ان اقتل عن السلطان بل اقاتل عنه؟ فحلف الروح لتخرجن اليه فتقتله أو تأسره او تقتل دون ذلك فلما رأى ابودلامة الجد منه، قال ايها الامير تعلم ان هذا اول يوم من ايام الآخرة ولابد فيه من الزوادة فامر له بذلك فاخذ رغيفا مطويا على دجاجة ولحم وسطيحة (أي مزادة) من شراب وشيئا من نقل، وشهر سيفه وحمل وكان تحته فرس جواد، فأقبل يجوك ويلعب في الرمح، وكان مليحا في الميدان والفارس يلاحظ ويطلب منه غرة حتى اذا وجدها حمل عليه والغبار كالليل، فأغمد ابودلامة سيفه وقال للرجل لا تعجل واسمع مني عافاك الله كلمات القيهن اليك فانما اتيتك في مهم فوقف مقابله وقال ما المهم؟ قال اتعرفني؟ قال لا، قال انا ابودلامة، قال قد سمعت بك حياك الله، فكيف برزت إلي وطمعت في بعد من قتلت من اصحابك؟ فقال ما خرجت لاقتلك ولا لاقاتلك ولكني رأيت لياقتك وشهامتك فاشتهيت ان تكون لي صديقا واني لادلك على ما هو احسن من قتالنا، قال قل على بركة الله تعالى، قال اراك قد تعبت وانت بغير شك

٦٨

سغبان ظمآن، قال كذلك هو، قال فما علينا من خراسان والعراق، ان معي خبزا ولحما وشرابا ونقلا كما يتمنى المتمني وهذا غدير ماء نمير بالقرب منا فهلم بنا اليه نصطبح واترنم لك بشئ من حداء الاعراب فقال هذا غاية املي فقال ها انا استطرد لك فاتبعني حتى نخرج من حلق الطعان ففعلا، وروح يتطلب ابا دلامة فلا يجده، والخراسانية تطلب فارسها فلا تجده، فلما طابت نفس الخراسانى قال له ابودلامة: ان روحا كما علمت من ابناء الكرام وحسبك بابن المهلب جوادا وانه يبذل لك خلعة فاخرة وفرسا جوادا ومركبا مفضضا وسيفا محلى ورمحا طويلا وجارية بربرية وينزلك في اكثر العطاء وهذا خاتمه معي لك بذلك، قال ويحك وما اصنع بأهلي وعيالي، قال استخر الله وسر معي ودع اهلك فالكل يخلف عليك فقال سر بنا على بركة الله، فسارا حتى قدما من وراء العسكر فهجما على روح فقال يا ابا دلامة اين كنت؟ قال في حاجتك، اما قتل الرجل فما اطقته، واما سفك دمي فما طبت به نفسا، واما الرجوع خائبا فلم اقدم عليه، وقد تلطفت واتيتك به، اسير كرمك، وقد بذلت له عنك كيت وكيت، فقال ممضي اذا وثق لي، قال بماذا؟ قال بنقل اهله، قال الرجل اهلي على بعد ولا يمكننى نقلهم الآن ولكن امدد يدك اصافحك واحلف لك متبرعا بطلاق الزوجة انى لا اخونك فان لم اف اذا حلفت بطلاقها لم ينفعك نقلها قال صدقت، فحلف له وعاهده ووفى له بما ضمنه ابودلامة وزاد عليه وانقلب معهم الخراسانى يقاتل الخراسانية وينكي فيهم اشد نكاية وكان اكبر اسباب ظفر روح.

ونقل انه اتفق ان ابا دلامة تأخر عن الحضور بباب ابي جعفر اياما ثم حضر فأمر بالزامه القصر، والزمه بالصلاة في المسجد ووكل به من يلاحظه في ذلك، فمر به ابوايوب المرزبانى وزير ابي جعفر فدفع اليه ابودلامة رقعة مختومة وقال هذه ظلامة لامير المؤمنين فاوصلها اليه بخاتمها، فاوصلها اليه فاذا فيها:

ألم تعلموا ان الخليفة لزنى

بمسجده والقصر مالى وللقصر

٦٩

اصلي به الاولى مع العصر دائما

فويلي من الاولى وويلي من العصر

ووالله مالي نية في صلاتهم

ولا البر والاحسان والخير من امري

وما ضره والله يصلح امره

لو ان ذنوب العالمين على ظهري

فضحك المنصور واحضره وقال ما قصتك؟ قال دفعت إلى ابى ايوب رقعة مختومة اسأل فيها اعفائي من لزوم الذي امرتني بلزومه، فقال له ابوجعفر اقرأها قال ما احسن ان اقرأ، وعلم إن قرأها يحده بذكر الصلاة، فلما رآه يتنصل من ذلك قال له احببت لو كنت اقررت لاضربك الحد ثم قال اعفيتك من لزومالمسجد فقال ابودلامة أو كنت ضاربي يا أميرالمؤمنين لو اقررت قال نعم قال مع قول الله عزوجل (يقولون ما لا يفعلون) فضحك منه واعجب من اسراعه ووصله.

حكي انه لما قدم المهدى بن المنصور من الري إلى بغداد دخل عليه ابودلامة للسلام والتهنئة بقدومه فاقبل عليه المهدي وقال له كيف انت يا ابا دلامة؟ فقال يا امير المؤمنين:

إنى حلفت لئن رأيتك سالما

بقرى العراق وانت ذو وفر

لتصلين على النبي محمد

ولتملان دراهما حجري

فقال المهدي: اما الاولى فنعم واما الثانية فلا، فقال جعلنى الله فداك انهما كلمتان لا يفرق بينهما، فقال يملا حجر ابى دلامة دراهم فقعد وبسط حجره فملئ دراهم، فقال له قم الآن يا ابا دلامة، فقال يخترق قميصي يا امير المؤمنين حين اشيل الدراهم واقوم فردها إلى الاكياس، ثم قام وله اشعار كثيرة.

وذكر ابن المنجم في كتاب البارع في اخبار شعر المحدثين منها جملة: وخرج المهدي وعلي بن سليمان إلى الصيد ومعهما ابودلامة فرمى المهدي ظبيا فاصابه، ورمى علي بن سليمان ظبيا فأخطأه واصاب كلبا فضحك المهدي وقال يا ابا دلامة قل في هذا فقال:

قد رمى المهدي ظبيا

شك بالسهم فؤاده

٧٠

وعلي بن سليما

ن رمى كلبا فصاده

فهنيئا لكما كل امـ‍

ـرئ يأكل زاده

فأمر له بثلاثين الف درهم.

ودخل ابودلامة على المهدي فقال يا امير المؤمنين ماتت ام دلامة وبقيت ليس احد يعاطيني، فقال إنا لله اعطوه الف درهم يشتري بها امة تعاطيه، وكان قد دس ام دلامة على الخيزران فقالت يا سيدتي مات ابودلامة وبقيت ضائعة، فأمرت لها بألف درهم، فدخل المهدي على الخيزران وهو حزين، فقالت ما بال امير المؤمنين قال ماتت ام دلامة، فقالت انما مات ابودلامة، فقال قاتل الله ابا دلامة وام دلامة قد خدعانا والله ومما يحكى من اخبار ابي دلامة ايضا: انه مرض ولده فاستدعى طبيبا ليداويه وشرط له جعلا معلوما، فلما برئ قال له والله ما عندنا شئ نعطيك ولكن ادع على فلان اليهودي وكان ذا مال كثير بمقدار الجعل وانا وولدي نشهد بذلك فمضى الطبيب إلى القاضي بالكوفة وكان هو ابن ابي ليلى او ابن شبرمة وادعى على اليهودي ذلك وشهد ابودلامة وابنه له فخاف القاضي من لسان ابي دلامة ان يرد شهادتهما، فقال كلامك مسموع وشهادتك مقبولة ثم غر المبلغ من عنده واطلق اليهودي منه، توفي سنة ١٦١ (قسا) وزند بفتح الزاي وسكون النون، وقيل اسمه زيد بالباء الموحدة والاول اثبت والجون بفتح الجيم وسكون الواو آخرها نون.

(أبودلف)

بضم الدال المهملة وفتح اللام وهو قاسم بن عيسى العجلي، كان سيد اهله ورئيس عشيرته من عجل وغيرها من ربيعة، وكان معدودا من الامراء وكان شاعرا مجيدا شجاعا بطلا.

حكي انه طعن فارسا فنفذت الطعنة إلى ان وصل السنان آخرا كان خلفه فقتلهما فقال بكر بن بطاح:

٧١

قالوا وينظم فارسين بطعنة

يوم الهياج وما تراه كليلا

لا تعجبوا لو ان طول قناته

ميل إذا نظم الفوارس ميلا

وكان جوادا وقد مدحه الشعراء بمدائح عظيمة، ويأتى في العكوك ما يتعلق به وكان شيعيا.

روى المسعودي في مروج الذهب قصة تدل على ان ابنه دلف كان ينتقص علياعليه‌السلام ويضع منه ومن شيعته وكان عدوا لابيه وكان سببه انه كان لزنية وحيضة والقصة معروفة، فعلى هذا الاعتبار بما حكى ابن خلكان عن الدلف الناصب ان رأى اباه بعد موته عريانا واضعا رأسه بين ركبتيه، ثم انشأ ابياتا تدل على وحشته وشدة ما يلاقيه.

والعجب من ابن خلكان ! كيف اعتمد عليه؟ مع نقله قصة من ابي دلف من احسانه إلى العلويين والقاء السرور في قلوبهم رجاء لشفاعة جدهم، والقصة هذه قال: رأيت في بعض المجاميع ان ابا دلف لما مرض مرض موته حجب الناس عن الدخول لثقل مرضه فاتفق انه افاق في بعض الايام فقال لحاجبه من بالباب من المحاويج فقال عشرة من الاشراف وقد وصلوا من خراسان ولهم بالباب عدة ايام لم يجدوا طريقا فقعد على فراشه واستدعاهم، فلما دخلوا رحب بهم وسألهم عن بلادهم واحوالهم وسبب قدومهم فقالوا ضاقت بنا الاحوال وسمعنا بكرمك فقصدناك فامر خازنه باحضار بعض الصناديق واخرج منه عشرين كيسا في كل كيس الف دينار، ودفع لكل واحد منهم كيسين ثم اعطى كل واحد مؤنة طريقه وقال لهم لا تمسوا الاكياس حتى تصلوا بها سالمة إلى اهلكم واصرفوا هذا في مصالح الطريق ثم قال ليكتب لي كل واحد منكم خطه انه فلان بن فلان حتى ينتهي إلى علي بن ابى طالبعليه‌السلام ويذكر جدته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ليكتب يا رسول الله اني وجدت ضائفة وسوء حال في بلدي وقصدت ابا دلف العجلي فاعطانى الفي دينار كرامة لك وطلبا لمرضاتك ورجاء لشفاعتك فكتب كل واحد منهم ذلك وتسلم الاوراق، واوصى من يتولى تجهيزه إذا مات ان يضع تلك الاوراق في كفنه حتى يلقى بها رسول الله ويعرضها عليه. توفى سنة ٢٢٦ (كور).

٧٢

(أبوالدوانيق)

انظر الدوانيقى.

(أبوالذبان)

عبدالملك بن مروان، قال ابن شحنة الحنفي سمي بذلك لانه كان شديد البخر فكان اذا مر الذباب بفمه مات، وكان يلقب لبخله برشح الحجر انتهى.

ونقل ابن خلكان: ان لبابة بنت عبدالله بن جعفر بن ابي طالب كانت عند عبدالملك فعض تفاحة ثم رمى بها اليها وكان ابخر، فدعت بسكين فقال ما تصنعين بها، فقالت اميط عنها الاذى فطلقها فتزوجها علي بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب.

البخر بالموحدة والخاء المعجمة المفتوحتين النتن في الفم وغيره انتهى.

بويع ليلة الاحد غرة شهر رمضان سنة ٦٥ (سه) وتوفي بدمشق يوم السبت لاربع عشرة مضت من شوال سنة ست وثمانين.

حكي انه لما ثقل وكان قصره يشرف على بردى وهو نهر بدمشق رأى غسالا يلوي بيده ثوبا فقال وددت انى كنت غسالا مثل هذا اعيش بما اكتسب يوما فيوما ولم آل الخلافة وتمثل بقول امية بن ابى الصلت:

كل حي وإن تطاول دهرا

آيل امره إلى ان يزولا

ليتني كنت قبل ماقد بدا لي

في رؤوس الجبال ارعى الوعولا

فذكر ذلك لابى حازم فقال الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يتمنون ما نحن فيه ولا نتمنى عند الموت ما هم فيه، وقبره بدمشق بجوار معاوية بن ابى سفيان. ويأتى في ابن الزرقاء ذكر والده مروان.

وكان عبدالملك يحب الشعر والفخر والتفريظ والمدح، وكان عماله على مثل مذهبه قالوا وقد اخبر امير المؤمنين عليه السلام عنه بقوله: كأنى انظر إلى ضليل قد نعق بالشام وفحص راياته في ضواحي كوفان.

٧٣

(أبوذر الغفارى)

وهو جندب بالجيم المضمومة وسكون النون وفتح الدال المهملة ابن جنادة بضم الجيم، وقيل جندب بن السكن، مهاجري احد الاركان الاربعة.

روي عن الباقرعليه‌السلام انه لم يرتد. مات في زمن عثمان بالربذة، له خطبة يشرح فيها الامور بعد النبي.

وقال فيه النبي صلى الله عليه وآله: ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء على ذي لهجة اصدق من ابي ذر.

وما ورد في فضله وفضل صاحبيه سلمان والمقداد اكثر من ان يذكر وقد اشرنا إلى جملة مما يتعلق به في كتاب سفينة البحار، فلتكتف هنا بذكر ثلاث روايات نافعة.

(الاولى) روى الشيخ عن العبد الصالحعليه‌السلام قال بكى ابوذر من خشية الله حتى اشتكت بصره فقيل له لو دعوت الله يشفي بصرك، فقال انى عن ذلك مشغول وما هو بأكبر همي، قالوا وما يشغلك عنه؟ قال العظيمتان، الجنة والنار.

(الثانية) روى الثقة الجليل الحسين بن سعيد الاهوازي عن ابى جعفرعليه‌السلام قال: اتى ابا ذر رجل فبشره بغنم له قد ولدت فقال يا ابا ذر قد ولدت غنمك وكثرت فقال ما يسرنى كثرتها فما احب ذلك فما قل وكفى احب إلي مما كثر وألهى، انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: على حافتي الصراط يوم القيامة الرحم والامانة فاذا مر عليه الوصول للرحم المؤدي للامانة لم يتكفأ به في النار (حافتا الوداي) جانباه) وفي رواية اخرى واذا مر الخائن للامانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل ويكفأ به الصراط في النار.

(الثالثة) في البحار عن الدعائم عن جعفر بن محمدعليه‌السلام قال: وقف ابوذر رحمه الله عند باب الكعبة فقال ايها الناس انا جند بن السكن الغفارى انى لكم ناصح شفيق فهلموا فاكتنفه الناس فقال: ان احدكم لو اراد سفر لاتخذ من الزاد

٧٤

ما يصحله ولا بد منه فطريق يوم القيامة احق ما تزودتم له، فقام رجل فقال فارشدنا يا ابا ذر، فقال: حج حجة لعظائم الامور وصم يوما لزجرة النشور وصل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور وكلمة حق تقولها وكلمة سوء تسكت عنها صدقة منك على مسكين فلعلك تنجو من يوم عسير. توفي سنة ٣١ أو ٣٢.

(أبوذويب الهذلى)

خويلد بن خالد ينتهي نسبه إلى نزار، شاعر مخضرمي ادرك الجاهلية والاسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وآله في حال حياته.

روى الشيخ الاجل الاقدم عبيد الله ابن عبدالله الاسد آبادي باسناده عن ابى عمرو بن العلاء قال قال ابوذويب الهذلي: بلغنا ان رسول الله عليل فأوجسنا ذلك خيفة واشعرنا حزنا وغما فبت بليلة ثابتة النجوم طويلة الاناء لا ينجاب ديجورها ولا يطلع نورها فصرت اقاسي طولها ولا افارق غولها حتى إذا كان دون المسفر وقرب السحر هتف هاتف:

خطب جليل فت في الاسلام

بين النخيل ومقعد الاصنام

قبض النبي محمد فعيوننا

تذري الدموع عليه بالاسجام

قال ابوذويب فوثبت من نومي مزؤدا (اي مذعورا) فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعد الذابح فتفألت وقلت ذبحا وقتلا تقع في العرب فعلمت ان النبي قبض أو هو مقبوض في علته تلك، فركبت ناقتي وسرت حتى اذا اصبحت طلبت شيئا ازجر عليه فعن لي شيهم (اي قنفذ كبير) قد لزم على صل (اي حية رفيعة) وهو يتلوى والشيهم يقضمه حتى اكله فتفألت ذلك شيئا هما، وقلت تلوي الصل انفلات الناس عن الحق إلى القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تأولت قضم الشيهم قضمه الامر وضمه اليه فحثثت راحلتي حتى قدمت المدينة ولاهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج اذا اهلوا بالاحرام فقلت مه فقيل قبض رسول الله صلى الله عليه وآله فجئت إلى المسجد فوجدته خاليا واتيت بيت رسول الله فاصبت بابه مرتجا وقيل هو

٧٥

مسجى وقد خلا به اهله فقلت اين الناس؟ فقيل هم في سقيفة بني ساعدة صاروا إلى الانصار، فجئت إلى السقيفة فاصبت ابا بكر وعمر والمغيرة بن شعبة وابا عبيدة الجراح وجماعة من قريش ورأيت الانصار فيهم سعد بن دلهم ومعه شعراؤهم امامهم حسان بن ثابت فآويت إلى قريش، وتكلمت الانصار فاطالوا ولم يأتوا بالصواب، ثم بايع الناس ابا بكر في كلام طويل قال ثم انصرف ابوذويب إلى باديته ومات في ايام عثمان بن عفان انتهى.

قالوا: اشعر الاحياء هذيل، واشعر هذيل ابوذويب. وتقدم جميع الشعراء بقصيدته العينية التي قالها وقد هلك له خمسة بنين في عام واحد بالطاعون وكانوا فيمن هاجر إلى مصر فرثاهم بها منها قوله:

أمن المنون وريبة تتوجع

والدهر ليس بمعتب من يجزع

اودى بني فأعقبوني حسرة

عند الرقاد وعبرة لا تقلع

فالعين بعدهم كأن حداقها

كحلت بشوك فهي عور تدمع

سبقوا هواي واعتفوا لهواهم

فتحزموا ولكل جنب مصرعوا

ولقد حرمت بأبن ادافع عنهم

فاذا المنية اقبلت لا تدفع

وإذا المنية انشبت اظفارها

الفيت كل تميمة لا تنفع

وتجلدي للشامتين اريهم

اني لريب الدهر لا اتضعضع

حتى كأنى للحوادث مروة

بصفا المشرق كل يوم تقرع

والدهر لا يبقى على حدثانه

جون السحاب له حدائد اربع

وهي طويلة.

حكي المنصور لما مات ابنه جعفر الاكبر مشى في جنازته إلى مقابر قريش حتى دفنه ثم رجع إلى قصره وقال للربيع انظر من في اهلي ينشدنى قصيدة ابي ذويب العينية حتى اتسلى عن مصيبتي، فخرج الربيع إلى بنى هاشم وهم بأجمعهم حضور فلم يجد فيهم احدا يحفظها فرجع فاخبره، فقال ان مصيبتي في اهل بيتي لا يكون فيهم احد يحفظ هذه القصيدة لقلة رغبتهم في الادب اعظم

٧٦

واشد علي من مصيبتي بابنى، ثم قال انظر هل في القواد والعوام من يعرفها، فاني احب ان اسمعها من انسان ينشدها، فخرج الربيع فوجد شيخا مؤدبا كان يحفظها فاوصله إلى المنصور فانشده إياها فلما قال (والدهر ليس بمعتب من يجزع) قال صدق والله، فانشدني هذا البيت مائة مرة لتردد هذا المصراع علي، فانشده ثم مر فيها فلما انتهى إلى قوله (والدهر لا يبقى.. الخ) قال سلى ابوذويب عند هذا القول ثم امر الشيخ بالانصراف.

(اقول) اعلم اني نقلت في كتاب سفينة البحار كلمات عن اهل بيت النبوة عليهم السلام في التعزية فمنها قول الرضاعليه‌السلام للحسن بن سهل وقد عزاه بموت ولده: التهنية بأجل الثواب اولى من التعزية على عاجل المصيبة.

وعن الصادقعليه‌السلام انه عزى رجلا بابن له فقال له: الله خير لابنك منك وثواب الله خير لك منه.

ونقل ابن خلكان ان الفضل بن سهل اصيب بابن له يقال له العباس، فجزع عليه جزعا شديدا فدخل عليه ابراهيم بن موسى بن جعفر العلوي يعنى اخا ابى الحسن الرضا عليه السلام وانشده:

خير من العباس اجرك بعده

والله خير منك للعباس

(قلت) هذا كلام جده الصادقعليه‌السلام كما عرفت. وتقدم في ابوالحسن التهامي ما يناسب ذلك، ويأتي في ابن الزبير ايضا ما يناسبه، قيل توفي ابوذويب في ايام عثمان في غزوة الروم بمصر سنة ٢٧.

(أبورافع)

القبطي مولى النبي صلى الله عليه وآله اختلف في اسمه والمشهور انه ابراهيم وقيل اسلم، كان مولى العباس عم النبي فوهبه للنبي، واعتقه النبي لما بشر باسلام العباس وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ان لكل نبي امينا وان اميني ابورافع.

٧٧

وشهد مع النبي صلى الله عليه وآله مشاهده، ولم يشهد بدرا لانه كان مقيما بمكة فيما ذكروا، ولزم امير المؤمنين بعده. وكان من خيار الشيعة وشهد معه حروبه، وكان صاحب بيت ماله بالكوفة، وكان ابناه عبيد الله وعلى كاتبي امير المؤمنينعليه‌السلام وله كتاب السنن والاحكام والقضايا هو اول من جمع الحديث ورتبه بالابواب.

قال العلامة انه ثقة اعمل على روايته.

(أبوالرضا ضياء الدين الراوندى)

انظر ضياء الدين.

(أبوالريحان البيرونى)

محمد بن احمد الخوارزمي الحكيم الرياضي الطبيب المنجم المعروف كان فيلسوفا عالما بالفلسفة اليونانيه وفروعها وفلسفة الهنود، وبرع في علم الرياضيات والفلك، بل قيل انه اشهر علماء النجوم والرياضيات من المسلمين، كان معاصرا لابن سينا وبينهما مراسلات وابحاث، كان اصله من بيرون بلد في السند، وسافر إلى بلاد الهند اربعين سنة اطلع فيها على علوم الهنود، واقام مدة في خوارزم، واكثر اشتغاله في النجوم والرياضيات والتأريخ، وخلف مؤلفات نفيسة منها: الآثار الباقية عن القرون الخالية، الفه لشمس المعالي قابوس.

حكي انه كان مكبا على تحصيل العلوم متفننا على التصنيف لا يكاد يفارق يده القلم، وعينه النظر، وقلبه الفكر، وكان مشتغلا في تمام ايام السنة إلا يوم النيروز ويوم المهرجان.

حكي انه دخل عليه بعض اصحابه وهو يجود بنفسه فقال له في تلك الحال كيف قلت لي يوما حساب الجدات الثمانية فقال أفي هذه الحال؟ قال يا هذا اودع الدنيا وانا عالم بها، أليس خيرا من ان اخليها وانا جاهل بها قال فذكرتها له وخرجت فسمعت الصراخ عليه وانا في الطريق توفي حدود سنة ٤٣٠.

حكى (ضا) عن الشيخ صلاح الدين الصفدي انه قال: كان أبوالريحان البيرونى حسن المعاشرة لطيف المحاضرة خليعا في الفاظه عفيفا في افعاله لم يأت الزمان بمثله علما وفهما.

٧٨

واورد له الياقوت في معجم الادباء قوله لشاعر اجتداه:

يا شاعرا جاء‌نى يجزي على الادب

وافى ليمدحنى والذم من ادبي

وجدته ضارطا في لحيتي سفها

كلا فلحيته عثنونها ذنبي

وذاكرا في قوافي شعره حسبي

ولست والله حقا عارفا نسبي

إذ لست اعرف جدي حق معرفة

وكيف اعرف جدي إذ جهلت ابي

ابى ابولهب شيخ بلا ادب

نعم ووالدتى حمالة الحطب

المدح والذم عندي يا ابا حسن

سيان مثل استواء الجد واللعب

(اقول) الريحان نبت طيب الرائحة أو كل نبت كذلك كما في القاموس.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال: من تناول ريحانة فشمها ووضعها على عينيه ثم قال اللهم صل على محمد وآل محمد لم تقع على الارض حتى يغفر له.

وفي كتاب حلية الابرار للسيد البحرانى عن ابي هاشم الجعفري قال: دخلت على ابي الحسن صاحب العسكرعليه‌السلام فجاء صبي من صبيانه فناوله وردة فقبلها ووضعها على عينيه ثم ناولنيها، ثم قال يا ابا هاشم من تناول وردة أو ريحانة ووضعها على عينيه ثم صلى على محمد والائمة صلى الله عليهم كتب الله تعالى له من الحسنات مثل رمل عالج ومحى عنه من السيئات مثل ذلك انتهى. العالج موضع به رمل.

وفي عجائب المخلوقات للقزويني ان الريحان الفارسي لم يكن قبل كسرى انو شيروان وانما وجد في زمانه، وسببه ان كان ذات يوم جالسا للمظالم إذ اقبلت حية عظيمة تنساب تحت سريره فهموا بقتلها فقال كسرى كفوا عنها فانى اظها مظلومة فمرت تنساب فاتبعها كسرى بعض اساورته فلم تزل حتى نزلت على فوهة بئر فنزلت فيها ثم اقبلت تتطلع فنظر الرجل فاذا في قعر البئر حية مقتولة وعلى متنها عقرب اسود فادلى رمحه إلى العقرب ونخسها به واتى الملك فاخبره بحال الحية فلما كان في العام القابل اتت تلك الحية في اليوم الذي كان كسرى جالسا فيه للمظالم وجعلت تنساب حتى وقفت بين يديه فأخرجت من فيها

٧٩

بزرا اسود فأمر الملك ان يزرع فنبت منه الريحان وكان الملك كثير الزكام واوجاع الدماغ فاستعمل منه فنفعه جدا.

(أبوزكريا التبريزى)

انظر الخطيب التبريزى.

(أبوالزناد)

عبدالله بن ذكوان، عالم اهل المدينة بالحساب والفرائض والنحو والشعر والحديث والفقه. وذكوان هو اخو ابولؤلؤة.

ففي الرياض عن الذهبي قال في رجاله: عبدالله بن ذكوان ابوعبدالرحمن هو الامام ابوالزناد المدنى مولى بني امية، وذكوان هو اخو ابولؤلؤة قاتل عمر ثقة ثبت، روى عنه مالك والليث والسفيانى.

مات فجأة في شهر رمضان سنة ١٣١ انتهى.

قال ابن الاثير في الكامل: في سنة ١٠٦ وحج بالناس هذه السنة هشام بن عبدالملك وكتب له ابوالزناد سنن الحج قال ابوالزناد لقيت هشاما فانى لفي الموكب إذ لقيه سعيد بن عبدالله بن الوليد بن عثمان بن عفان فسار إلى جنبه فسمعته يقول يا امير المؤمنين ان الله لم يزل ينعم على اهل بيت امير المؤمنين وينصر خليفته المظلوم ولم يزالوا يلعنون في هذه المواطن ابا تراب فانه مواطن صالحة وامير المؤمنين ينبغي ان يلعنه فيها، فشق على هشام قوله وقال لا قدمنا لشتم احد ولا للعنه، قدما حجاجا، ثم قطع كلامه واقبل علي فسألني عن الحج فاخبرته بما كتبت له قال وشق على سعيد ان سمعته يتكلم بذلك، وكان منكسرا كلما رأني انتهى.

قال ابن قتيبة في المعارف: كان عمر بن عبدالعزيز ولاه خراج العراق مع عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب.

ومات ابوالزناد فجأة في مغتسله في شهر رمضان سنة ١٣٠، وابنه عبدالرحمن بن ابى الزناد يكنى ابا محمد ولي خراج المدينة، وقدم بغداد ومات بها سنة ١٧٤ واخوه ابوالقاسم بن ابى الزناد وقد روي عنه.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

يَكُن لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ) (١) عن مقاتل قوله: الشفاعة إلى الله انّما هي دعوة المسلم(٢) .

وقال الإمام الرازي في تفسير قوله سبحانه:( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ ) (٣) انّ هذه الآية تدل على حصول الشفاعة للمذنبين، والاستغفار طلب المغفرة، والمغفرة لا تذكر إلّا في إسقاط العقاب، أمّا طلب النفع الزائد فانّه لا يسمّى استغفاراً، وقال: قوله تعالى:( وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) يدل على أنّهم يستغفرون لكل أهل الإيمان، فإذا دللنا على أنّ صاحب الكبيرة مؤمن وجب دخوله تحت هذه الشفاعة(٤) .

وهذه الجمل تفيد أنّ الإمام الرازي جعل قول الملائكة في حق المؤمنين والتائبين من أقسام الشفاعة، وفسر قوله:( فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا ) بالشفاعة وهذا دليل واضح على أنّ الدعاء في حق المؤمن، شفاعة في حقه، وطلبه منه طلب الشفاعة منه، ويوضح ذلك ويؤيده ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي: « ما من ميت يصلّي عليه أُمّة من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلّا شفّعوا فيه »(٥) .

وفسّر الشارح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « يشفعون له » بقوله: أي يدعون له، كما فسّر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إلّا شفّعوا فيه » بقوله: أي قبلت شفاعتهم.

__________________

(١) النساء: ٨٥.

(٢) تفسير النيسابوري: ١ والمطبوع في إيران غير مرقم.

(٣) غافر: ٧.

(٤) مفاتيح الغيب: ٧ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦، طبعة مصر في ثمانية أجزاء.

(٥) صحيح مسلم: ٣ / ٥٣، طبعة مصر، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده.

٢٨١

وروي أيضاً عن عبد الله بن عباس أنّه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلّا شفّعهم الله فيه »(١) أي قبلت شفاعتهم في حق ذلك الميت فيغفر له.

وعلى ذلك فلا وجه لمنع الاستشفاع من الصالحين إذا كان مآله إلى طلب الدعاء، ولو كان للشفاعة معنى آخر من التصرف التكويني في قلوب المذنبين، وتصفيتهم في البرزخ، ومواقف القيامة فهو أمر عقلي لا يتوجه إليه إلّا الأوحدي من الناس، فكل من يطلب من النبي الشفاعة لا يقصد منه إلّا المعنى الرائج.

الثاني: انّ الأحاديث الإسلامية وسيرة المسلمين تكشفان عن جواز هذا الطلب، ووجوده في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد روى الترمذي في صحيحه عن أنس قوله: سألت النبي أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: « أنا فاعل »، قال: قلت: يا رسول الله فأين أطلبك ؟ فقال: « اطلبني أوّل ما تطلبني على الصراط »(٢) .

فإنّ السائل يطلب بصفاء ذهنه، وسلامة فطرته من النبي الأعظم، الشفاعة من دون أن يخطر بباله أنّ في هذا الطلب نوع عبادة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كما زعمه الوهابيون.

وهذا سواد بن قارب، أحد أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول مخاطباً إياه :

فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب(٣)

وروى أصحاب السير والتاريخ، انّ رجلاً من قبيلة حمير عرف أنه سيولد في أرض مكة نبي الإسلام الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولـمّا خاف أن لا يدركه، كتب رسالة وسلّمها لأحد أقاربه حتى يسلّمها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حينما يبعث، وممّا جاء في تلك

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) صحيح الترمذي: ٤ / ٦٢١، كتاب صفة القيامة، الباب ٩.

(٣) نقله « زيني دحلان » عن الطبراني في الكبير كما في التوصل إلى حقيقة التوسل: ٢٩٨.

٢٨٢

الرسالة قوله: « وإن لم أدركك فاشفع لي يوم القيامة ولا تنسني »(١) . ولـمّا وصلت الرسالة إلى يد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « مرحباً بتبّع الأخ الصالح » فإنّ توصيف طالب الشفاعة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأخ الصالح، أوضح دليل على أنّه أمر لا يصادم أُصول التوحيد.

وروي أنّ أعرابياً قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : جهدت الأنفس، وجاع العيال، وهلك المال، فادع الله لنا، فإنّا نستشفع بالله عليك، وبك على الله، فسبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه وقال: « ويحك أنّ الله لا يستشفع به على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك »(٢) . وأنت إذا تدبرت في الرواية ترى أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أقرّه على شيء وأنكر عليه شيئاً آخر، أقرّه على قوله: إنّا نستشفع بك على الله، وأنكر عليه: نستشفع بالله عليك، لأنّ الشافع يسأل المشفوع إليه، والعبد يسأل ربه، ويستشفع إليه، والرب تعالى لا يسأل العبد، ولا يستشفع به.

وروى المفيد عن ابن عباس أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام لما غسّل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وكفّنه، كشف عن وجهه وقال: « بأبي أنت وأُمي طبت حياً وطبت ميتاً اذكرنا عند ربك »(٣) .

وروي أنّه لـمّا توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل أبو بكر فكشف عن وجهه، ثمّ أكبّ عليه فقبّله، وقال: بأبي أنت وأُمّي طبت حياً وميتاً، اذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن من بالك(٤) .

وهذا استشفاع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في دار الدنيا بعد موته.

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب: ١ / ١٢، السيرة الحلبية: ٢ / ٨٨.

(٢) كشف الارتياب: ٢٦٤، نقلاً عن زيارة القبور: ١٠٠.

(٣) مجالس المفيد: ١٠٣، المجلس الثاني عشر.

(٤) كشف الارتياب: ٢٦٥ نقلاً عن خلاصة الكلام.

٢٨٣

ونقل عن شرح المواهب للزرقاني انّ الداعي إذا قال: أللّهمّ إنّي استشفع إليك بنبيك يا نبي الرحمة اشفع لي عند ربك، استجيب له(١) .

وقد روى الجمهور في أدب الزائر إنّه إذا جاء لزيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: جئناك لقضاء حقّك، والاستشفاع بك، فليس لنا يا رسول الله شفيع غيرك، فاستغفر لنا واشفع لنا(٢) .

كل هذه النصوص تدل على أنّ طلب الشفاعة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان أمراً جائزاً ورائجاً، وذلك لأنّهم يرونه مثل طلب الدعاء منه، ولا فرق بينها وبينه إلّا في اللفظ، وقد عرفت صحة إطلاق لفظ الشفاعة على الدعاء والاستشفاع على طلب الدعاء حتى أنّ صحيح البخاري عقد بابين بهذين العنوانين :

إذا استشفعوا ليستسقى لهم لم يردهم.

إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط.

فنرى أنّ البخاري يطلق لفظ الشفاعة والاستشفاع على الدعاء وطلبه من الإمام في العام المجدب من دون أن يخطر بباله أنّ هذا التعبير غير صحيح.

وعلى الجملة انّ طلب الشفاعة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله داخل فيما ورد من الآيات التالية :

( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيمًا ) (٣) .

( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ *قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ) (٤) .

__________________

(١) نفس المصدر.

(٢) الغدير: ٥ / ١٢٤ ـ ١٢٧، وقد نقله عن جمع لا يستهان بعدتهم.

(٣) النساء: ٦٤.

(٤) يوسف: ٩٧ ـ ٩٨.

٢٨٤

وقوله سبحانه:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُسْتَكْبِرُونَ ) (١) .

فكلّما يدل على جواز طلب الدعاء من المؤمن الصالح يمكن الاستدلال به على صحة ذلك.

وقد عقد الكاتب محمد نسيب الرفاعي مؤسس الدعوة السلفية والمدافع القوي عن الوهابية باباً تحت عنوان: « توسل المؤمن إلى الله تعالى بدعاء أخيه المؤمن له ». واستدل بالقرآن والسنّة الصحيحة، فإذا كان ذلك جائزاً فلم لا يجوز طلب الشفاعة من النبي وآله بعد كون الجميع مصداقاً لطلب الدعاء.

وليعلم أنّ البحث هنا مركّز على طلب الشفاعة من الأخيار، وأمّا التوسل بذواتهم أو بمقامهم أو غير ذلك فخارج عن موضوع بحثنا، وقد أفردنا لجواز تلك التوسلات رسالة مفردة أشبعنا الكلام فيها قرآناً وحديثاً، وقد طبعت وانتشرت.

وإذا وقفت على ذلك فهلمّ معي إلى ما لفّقه القوم وزعموه دلائل قاطعة على حرمة طلب الشفاعة من الأولياء، ونحن ننقلها واحداً بعد واحد على سبيل الإجمال، وقد أتينا ببعض الكلام في الجزء الأوّل من هذه الموسوعة(٢) .

ما استدل به على حرمة طلب الشفاعة

استدل القائلون بحرمة طلب الشفاعة بوجوه :

١. انّ طلب الشفاعة من الشفعاء عبادة لهم وهي موجبة للشرك، أي الشرك في العبادة، فإنّك إذا قلت يا محمد اشفع لنا عند الله، فقد عبدته بدعائك ،

__________________

(١) المنافقون: ٥.

(٢) راجع معالم التوحيد: ٤٩١ ـ ٥٠١.

٢٨٥

والدعاء مخ العبادة، فيجب عليك أن تقول: أللّهمّ اجعلنا ممن تناله شفاعة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

والجواب عن هذا الاستدلال واضح كل الوضوح بعد الوقوف على ما أوردناه في الجزء الأوّل من هذه الحلقات، حيث قلنا: إنّ حقيقة العبادة ليست مطلق الدعاء، ولا مطلق الخضوع، ولا مطلق طلب الحاجة، بل هو عبارة عن الدعاء أو الخضوع أمام من يعتقد بإلوهيته وربوبيته وانّه الفاعل المختار والمتصرف بلا منازع في الأمور التي ترجع إلى الله سبحانه.

وإن شئت قلت: العبادة هي الخضوع عن اعتقاد بإلوهية المسؤول وربوبيته واستقلاله في ذاته أو في فعله.

وبعبارة ثالثة: العبادة هي الخضوع اللفظي أو العملي أمام من يعتقد بأنّه يملك شأناً من شؤون وجوده وحياته وعاجله وآجله.

إلى غير ذلك من التعابير التي توضح لنا مفهوم العبادة وحقيقتها.

فمن الغريب أن نفسّر العبادة بمطلق الخضوع أو الخضوع النهائي وإن كان غير صادر عن الاعتقاد بإلوهية المدعو وربوبيته وإلاّ يلزم أن يكون خضوع الملائكة أمام آدم، وخضوع الإنسان أمام والديه من الشرك الواضح.

وما ورد في الحديث من أنّ الدعاء مخ العبادة، فليس المراد منه مطلق الدعاء، بل المراد دعاء الله مخ العبادة، وما ورد في الروايات من أنّه: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان ينطق عن الله فقد عبد الله، وان كان ينطق عن غير الله فقد عبد غير الله(١) . فليس المراد من العبادة هنا: العبادة المصطلحة، بل استعيرت في المقام لمن يجعل نفسه تحت اختيار الناطق.

__________________

(١) الكافي: ٦ / ٤٣٤، الحديث ٤، وعيون أخبار الرضا: ١ / ٣٠٣، الحديث ٦٣، الوسائل: ١٨ الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي، الحديث ٩ و ١٣.

٢٨٦

وعلى ذلك فطلب الشفاعة إنّما يعد عبادة للشفيع إذا كان مقروناً بالاعتقاد بإلوهيته وربوبيته وانّه مالك لمقام الشفاعة. أو مفوض إليه، يتصرف فيها كيف يشاء، وأما إذا كان الطلب مقروناً باعتقاد أنّه عبد من عباد الله الصالحين يتصرف بإذنه سبحانه للشفاعة، وارتضائه للمشفوع له، فلا يعد عبادة للمدعو، بل يكون وزانه وزان سائر الطلبات من المخلوقين، فلا تعد عبادة بل طلباً محضاً غاية الأمر لو كان المدعو قادراً على المطلوب يكون الدعاء أمراً صحيحاً عقلاً، وإلاّ فيكون أمراً لغواً فلو تردّى الإنسان وسقط في قعر البئر وطلب العون من الواقف عند البئر القادر على نجدته وإنقاذه، يعد الطلب أمراً صحيحاً ولو طلبه من الأحجار المنضودة حول البئر يكون الدعاء والطلب منها لغواً مع كون الدعاء والطلب هذا غير مقترن بشيء من الإلوهية والربوبية في حق الواقف عند البئر، ولا الأحجار المنضودة حوله.

هذا من جانب، ومن جانب آخر نرى أنّه سبحانه حثّ على ابتغاء الوسيلة وقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ ) (١) ومن المعلوم انّ المراد من الوسيلة ليست الأسباب الدنيوية الموصلة للإنسان إلى غاياته المادية، إذ ليس هذا أمراً خفياً على الإنسان حتى يحثّه عليه القرآن كما أنّه ليس من الأمور التي يكسل عنها الإنسان حتى يحض عليه، بل المراد: التوسل بالأسباب الموصلة إلى الأمور المعنوية ومن المعلوم إنّ أحد الأسباب هو التوسل بدعاء الأخ المؤمن، والولي الصالح، وعلى ذلك فيرجع طلب الشفاعة إلى طلب الدعاء، الذي اتفق المسلمون قاطبة على جوازه.

وإن شئت قلت إنّه سبحانه يقول:( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٢) .

__________________

(١) المائدة: ٣٥.

(٢) الزخرف: ٨٦.

٢٨٧

ومن الواضح إنّ جملة( إِلا مَن شَهِدَ بِالحَقِّ ) تدل على أنّ الطائفة الموحدة لله تملك الشفاعة بإذنه سبحانه، وعندئذ فلماذا لا يصح طلبها ممن يملك الشفاعة بإذنه ؟ غاية الأمر إنّ الطالب لو كان في عداد من ارتضاه سبحانه نفعه الاستشفاع وإلاّ فلا، ومن العجب قول محمد بن عبد الوهاب: « إنّ الله أعطى النبي الشفاعة ونهاك عن هذا وقال:( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) وأيضاً الشفاعة أُعطيها غير النبي فصح أنّ الملائكة والأولياء يشفعون فإن قلت: الله أعطاهم الشفاعة، وأطلبها منهم، رجعت [ عندئذ ] إلى عبادة الصالحين، التي ذكرها الله تعالى في كتابه »(١) إذ هذه الكلمة من العجائب فإنّه إذا أعطاه الله سبحانه الشفاعة فكيف يمنع طلبها منه ؟! وهذا بمنزلة من ملّك أحداً شيئاً ليستفيد منه الآخرون ولكن منع الآخرين عن طلبه منه، فهذا لو كان صحيحاً عقلاً فهو غير متعارف عرفاً.

أضف إليه انّه في أي آية وأي حديث منع طلب الشفاعة عنهم. وتصور انّ طلبها عبادة قد عرفت الإجابة عنها، وانّ العبادة عبارة عن الطلب اللفظي أو الخضوع العملي عمن يعتقد بنحو من الأنحاء بإلوهيته وربوبيته، وذلك الاعتقاد لا ينفك عن الاعتقاد في استقلال المطلوب منه ذاتاً وفعلاً، وكونه متصرفاً في الأمور الإلهية تصرفاً بلا منازع، وليس هذا الاعتقاد موجوداً في الاستشفاعات المتعارفة بين المسلمين.

٢. انّ طلب الشفاعة يشبه عمل عبدة الأصنام في طلبهم الشفاعة من آلهتهم الكاذبة الباطلة وقد حكى القرآن ذلك العمل منهم، قال سبحانه:( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ ) (٢) وعلى ذلك فالاستشفاع من غيره سبحانه عبادة لهذا الغير.

__________________

(١) كشف الشبهات: ٦ / ٩.

(٢) يونس: ١٨.

٢٨٨

والجواب عن هذا بيّن أيضاً، فانّك إذا أمعنت النظر في مفاد الآية لا تجد فيها أيّة دلالة على أنّ شركهم كان لأجل الاستشفاع بالأصنام وكان هذا هو المحقق لشركهم وجعلهم في عداد المشركين، وإليك توضيح ذلك فنقول :

إنّ المشركين كانوا يقومون بعملين: ( العبادة ) ويدل عليه( وَيَعْبُدُونَ ) و ( طلب الشفاعة ) ويدل عليه:( وَيَقُولُونَ ) وكان علة اتصافهم بالشرك هو الأوّل لا الثاني، ولو كان الاستشفاع بالأصنام عبادة لها بالحقيقة، لما كان هناك مبرر للإتيان بجملة أُخرى، أعني قوله:( وَيَقُولُونَ هَٰؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا ) بعد قوله:( وَيَعْبُدُونَ ) إذ لا فائدة لهذا التكرار، وتوهم انّ الجملة الثانية توضيح للأولى خلاف الظاهر، فإنّ عطف الجملة الثانية على الأولى يدل على المغايرة بينهما إذ لا دلالة للآية على أنّ الاستشفاع بالأصنام كان عبادة فضلاً عن كون الاستشفاع بالأولياء المقربين عبادة لهم.

نعم ثبت بأدلّة أُخرى ( لا من الآية ) بأنّ طلب الاستشفاع بالأصنام يعد عبادة لهم وذلك لما قلنا من أنّ المشركين كانوا يعتقدون بإلوهيتها وربوبيتها واستقلالها في الأفعال(١) .

٣. طلب الحاجة من غيره سبحانه حرام، فإنّ ذلك دعاء لغير الله وهو حرام قال سبحانه:( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) (٢) وإذا كانت الشفاعة ثابتة لأوليائه وكان طلب الحاجة من غيره حراماً فالجمع بين الأمرين يتحقق بانحصار جواز طلبها عن الله سبحانه خاصة، ويوضح ذلك قوله سبحانه:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) (٣) ، فقد عبر عن

__________________

(١) وان أردت المزيد من التوضيح، فلاحظ الجزء الأوّل من هذه الحلقات: معالم التوحيد في القرآن: ٤٩٣ ـ ٥٠١.

(٢) الجن: ١٨.

(٣) غافر: ٦٠.

٢٨٩

العبادة في الآية بلفظ الدعوة في صدرها وبلفظ العبادة في ذيلها، وهذا يكشف عن وحدة التعبيرين في المعنى، وقد مر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الدعاء مخ العبادة ».

والجواب بوجوه: أوّلاً: أنّ المراد من الدعاء في قوله تعالى:( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) ليس مطلق دعوة الغير بل الدعوة الخاصة المحدودة المرادفة للعبادة، ويدل عليه قوله سبحانه في نفس هذه الآية( وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ ) .

وعلى ذلك فيكون المراد من النهي عن دعوة الغير هو الدعوة الخاصة المقترنة بالاعتقاد بكون المدعو ذا اختيار تام في التصرف في الكون وفي شأن من شؤونه سبحانه.

فإذا كان طلب الشفاعة مقترناً بهذه العقيدة يعد عبادة للمشفوع إليه. وإلاّ فيكون طلب الحاجة كسائر الطلبات من غيره سبحانه الذي لا يشك ذو مسكة في عدم كونها عبادة.

وثانياً: أنّ المنهي عنه هو دعوة الغير بجعله في رتبته سبحانه كما يفصح عنه قوله:( مَعَ اللهِ ) وعلى ذلك فالمنهي هو دعوة الغير، وجعله مع الله، لا ما إذا دعا الغير معتقداً بأنّه عبد من عباده لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا بعثاً ولا نشوراً إلّا بما يملكه من الله سبحانه ويتفضّل عليه بإذنه ويقدر عليه بمشيئته، فعند ذاك فالطلب منه بهذا الوصف يرجع إلى الله سبحانه، وبذلك يظهر أنّ ما تدل عليه الآيات القرآنية من أنّ طلب الحاجة من الأصنام كان شركاً في العبادة، فلأجل انّ المدعو عند الداعي كان إلهاً أو رباً مستقلاً في شأن من شؤون وجوده أو فعله قال سبحانه:( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ) (١) وقال سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ

__________________

(١) الأعراف: ١٩٧.

٢٩٠

عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ) (١) . ترى أنّه سبحانه يستنكر دعاءهم بقوله:( لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ ) وقوله:( عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ) مذكّر بأنّ عقيدتهم في حق هؤلاء عقيدة كاذبة وباطلة، فإنّ الأصنام لا تستطيع نصر أحد، وهذا يكشف عن أنّ الداعين كانوا من جانب النقيض من تلك العقيدة، وكانوا يعتقدون بتملّك الأصنام لنصرهم وقضاء حوائجهم من عند أنفسهم.

وثالثاً: أنّ الدعاء ليس مرادفاً للعبادة وما ورد في الآية والحديث من تفسير الدعاء بالعبادة في ذيلهما لا يدل على ما يرتئيه المستدل، فإنّ المراد من الدعاء فيهما قسم خاص منه، وهو الدعاء المقترن باعتقاد الإلوهية في المدعو والربوبية في المطلوب منه كما عرفت.

٤. الشفاعة حق مختص بالله سبحانه لا يملكه غيره وعلى ذلك فطلبها من غير مالكها أمر غير صحيح، قال سبحانه:( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ *قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ) (٢) .

والجواب: انّ المراد من قوله سبحانه:( قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ) ليس انّه سبحانه هو الشفيع دون غيره، إذ من الواضح انّه سبحانه لا يشفع عند غيره، بل المراد انّ المالك لمقام الشفاعة هو سبحانه وانّه لا يشفع أحد في حق أحد إلّا بإذنه للشفيع وارتضائه للمشفوع له، ولكن هذا المقام ثابت لله سبحانه بالأصالة والاستقلال ولغيره بالاكتساب والإجازة، قال سبحانه:( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٣) فالآية صريحة في أنّ من شهد بالحق يملك الشفاعة ولكن تمليكاً منه سبحانه وفي طول ملكه. وعلى ذلك

__________________

(١) الأعراف: ١٩٤.

(٢) الزمر: ٤٣ ـ ٤٤.

(٣) الزخرف: ٨٦.

٢٩١

فالآية أجنبية عن طلب الشفاعة من الأولياء الصالحين الذين شهدوا بالحق وملكوا الشفاعة، وأُجيزوا في أمرها في حق من ارتضاهم لها.

هذا وكما أنّ الشفاعة التشريعية مختصة بالله سبحانه وانّه المالك لها بالأصالة وانّما يملكها الغير بإذن منه، هكذا الشفاعة في عالم التكوين وعالم العلل والمعاليل والأسباب والمسببات، قال سبحانه:( اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى العَرْشِ مَا لَكُم مِن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ ) (١) والمراد من الشفيع في الآية هو الشفيع في عالم التكوين بقرينة انّ البحث يدور حول خلق السماوات والأرض ثم الاستواء على العرش ويعود معنى الآية إلى أنّ الأسباب والمسببات الخارجية إذا كان بعضها شفيعاً لبعض في تتميم الأثر ( كالسحاب والمطر والشمس والقمر وغيرها شفعاء للنبات ) فموجد الأسباب وأجزائها هو الشفيع بالحقيقة التي يتم نقصها ويقيم صلبها فانّه سبحانه هو الشفيع بالحقيقة لا شفيع غيره(٢) .

وإن شئت قلت: إنّ الآية بصدد نقد عقيدة المشركين حيث كانوا يعتقدون بأنّ الأصنام والأوثان تملك الشفاعة، فأراد سبحانه أن يوقظ شعورهم بأنّ مالكية الأصنام لها فرع كونها ذا عقل وشعور حتى يمكن أن تستفيد من هذا الحق في شأن الشفعاء، وتلك الآلهة لا تعقل ولا تشعر شيئاً، كما يدل عليه قوله سبحانه:( قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ *قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ) .

٥. طلب الشفاعة من الميت أمر باطل، ولعل هذا آخر سهم في كنانتهم فجعلوا طلب الشفاعة من أوليائه الصالحين أمراً لغواً، لأنّهم أموات غير أحياء لا يسمعون ولا يعقلون.

__________________

(١) السجدة: ٤.

(٢) الميزان: ١٦ / ٢٥٨.

٢٩٢

والاستدلال باطل من وجوه :

أمّا أوّلاً: فلأنّ البراهين الفلسفية قد أثبتت تجرد النفس الإنسانية وبقاءها بعد مفارقة الروح البدن، وقد أثبت الفلاسفة ذلك بأدلة كثيرة لا مجال لذكرها في هذه الصفحات، وقد جئنا ببعضها في ما حرّرناه حول الروح في رسالة خاصة، ولعلّنا نقوم ببيانها عند البحث عن المعاد في القرآن الكريم.

وثانياً: أنّ الآيات صريحة في أنّ المقتولين في سبيل الله أحياء يرزقون قال سبحانه:( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِنْ خَلْفِهِمْ إلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (١) وهل يجد الوهابي مبرراً لتأويل الآية مع هذه الصراحة التي لا تتصور فوقها صراحة حيث أخبرت الآية عن حياتهم ورزقهم عند ربّهم وما يحل بهم من الأفراح وما يقدمون عليه من الاستبشار بالذين لم يلحقوا بهم، وما يتفوّهون به في حقهم بقولهم كما يحكيه سبحانه:( إلّاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .

وعلى ذلك فلو كان الشفيع أحد الشهداء في سبيل الله تعالى، فهل يكون هذا الطلب لغواً ؟!

وثالثاً: أنّ القرآن يعد النبي شهيداً على الأمم جمعاء، ويقول سبحانه:( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلاءِ شَهِيداً ) (٢) فالآية تصرّح بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد على الشهود الذين يشهدون على أُممهم، فإذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهداً على الأمم جمعاء أو على شهودهم فهل تعقل الشهادة بدون

__________________

(١) آل عمران: ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٢) النساء: ٤١.

٢٩٣

الحياة، أو بدون الاطّلاع على ما تجري بينهم من الأمور من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان ؟!

ولا يصح لك أن تفسّر شهادة النبي بشهادته على معاصريه ومن زامنوه، وذلك لأنّه سبحانه عدّ النبي شاهداً في عداد كونه مبشراً ونذيراً، وهل يتصوّر أحد أن يختص الوصفان الأخيران بمن كان يعاصره النبي ؟! كلا لا، فإذن لا وجه لتخصيص كونه شاهداً بالأمّة المعاصرة للنبي.

فعند ذلك يكون طلب الشفاعة من النبي الأكرم الذي هو حي بنص القرآن أمراً صحيحاً معقولاً، وأنت إذا لاحظت الآيات القرآنية تقف على أنّها تصرح بامتداد حياة الإنسان إلى ما بعد موته، يقول سبحانه في حق الكافرين:( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ *لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١) . فهذه الآية تصرح بامتداد الحياة الإنسانية إلى عالم البرزخ، وانّ هذا وعاء للإنسان يعذّب فيها من يعذّب وينعّم فيها من ينعّم، أما التنعّم فقد عرفت التصريح به في الآية الواردة في حق الشهداء، وأمّا العقوبة فيقول سبحانه:( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ ) (٢) .

وهناك آيات أُخر تدل على امتداد الحياة إلى ما بعد الموت نرجئ نقلها إلى مكانها الخاص بل هناك آيات تدل بصراحة على ارتباطهم بنا، وارتباط بعضنا من ذوي النفوس القوية بهم.

وأمّا الأحاديث الواردة في هذا المورد فحدث عنها ولا حرج، وقد روى المحدّثون قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من أحد يسلّم عليّ إلّا رد الله روحي حتى أرد عليه

__________________

(١) المؤمنون: ٩٩ ـ ١٠٠.

(٢) غافر: ٤٦.

٢٩٤

السلام »(١) . كما نقلوا قوله: « إنّ لله ملائكة سياحين في الأرض يبلّغوني من أُمّتي السلام »(٢) .

وفي الختام نرى أنّه سبحانه يسلم على أنبيائه في آيات كثيرة، ويقول:( سَلامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي العَالَمِينَ ) ( سَلامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ) ( سَلامٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ) ( سَلامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ) و( سَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ ) (٣) .

كما يأمرنا بالتسليم على نبيه والصلوات عليه ويقول بصريح القول:( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٤) ، فلو كان الأنبياء والأولياء أمواتاً غير شاعرين بهذه التسليمات والصلوات، فأي فائدة في التسليم عليهم، وفي أمر المؤمنين بالصلوات والسلام على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ والمسلمون أجمع يسلمون على النبي في صلواتهم بلفظ الخطاب، ويقولون: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وحمل ذلك على الشعار الأجوف والتحية الجوفاء، أمر لا يجترئ عليه من له إلمام بالقرآن والحديث.

٦. انّ القرآن يصرح بوضوح انّ الموتى لا يسمعون ولا يبصرون قال سبحانه:( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَىٰ وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) (٥) فالآية تعرّف المشركين بأنّهم أموات ويشبههم بها، ومن المعلوم أنّ صحة التشبيه تتوقف على وجود وجه الشبه في المشبه به بوجه أقوى وليس وجه الشبه إلّا أنّهم لا يسمعون، فعند ذلك تصبح النتيجة: انّ الأموات مطلقاً غير قابلين للإفهام ويدل

__________________

(١) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: ٤ / ١٣٤٩، نقله عن أئمّة الحديث مثل أبي داود والبيهقي قال: وقد صدر به البيهقي باب زيارة قبر النبي.

(٢) المصدر السابق: ١٣٥٠ نقلاً عن النسائي وغيره.

(٣) الصافات: ٧٩، ١٠٩، ١٢٠، ١٣٠، ١٨١.

(٤) الأحزاب: ٥٦.

(٥) النمل: ٨٠.

٢٩٥

على ذلك أيضاً قوله سبحانه:( إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي القُبُورِ ) (١) ، والاستدلال بالآيتين على نسق واحد.

والجواب أوّلاً: أنّ الآية تنفي السماع والإفهام عن الأموات المدفونين في القبور، فإنّهم أصبحوا بعد الموت كالجماد لا يفهمون ولا يسمعون، وهذا غير القول بأنّ الأرواح المفارقة عن هذه الأبدان غير قابلة للإفهام ولا للإسماع والآيتان دالتان على عدم إمكان إسماع الأموات والمدفونين في القبور، ولا تدلان على عدم إمكان تفهيم الأرواح المفارقة عن الأبدان، العائشة في البرزخ عند ربهم كما دلت عليه الآيات السابقة.

ومن المعلوم أنّ خطاب الزائر النبي بقوله: يا محمد اشفع لنا عند الله، لا يشير إلى جسده المطهر، بل إلى روحه الزكية الحية العائشة عند ربّها، إلى غير ذلك من الصفات التي يضفيها عليه القرآن الكريم وعلى سائر الشهداء.

والشاهد على ذلك انّا نرى: انّ المسلمين مع وقوفهم على هذه الآيات وتلاوتهم لها كانوا يتوجهون إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته حيث روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف انّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان، في حاجة له، وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقى ابن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له ابن حنيف: ائت الميضاة، فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: أللّهمّ إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إنّي أتوجه بك إلى ربك أن تقضي حاجتي، وتذكر حاجتك، فانطلق الرجل فصنع ما قال، ثم أتى باب عثمان فجاءه البواب حتى أخذ بيده، فأُدخل على عثمان فأجلسه معه على الطنفسة فقال: حاجتك ؟ فذكر حاجته وقضى له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها، ثم إنّ الرجل خرج من

__________________

(١) فاطر: ٢٢.

٢٩٦

عنده، فلقي ابن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليّ حتى كلّمته فيّ، فقال ابن حنيف: والله ما كلّمته، ولكن شهدت رسول الله، وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن شئت دعوت أو تصبر »، فقال: يا رسول الله، انّه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي: « ائت الميضاة، فتوضأ، ثمّ صلّ ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات »، قال ابن حنيف: فوالله ما تفرّقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل، كأنّه لم يكن به ضر(١) .

وثانياً: أنّ الاستدلال بالآيتين على ما يرتئيه المستدل غفلة عمّا تهدف إليه الآيتان، فإنّ الآيتين في مقام بيان أمر آخر، وهو انّ المراد من الإسماع هنا هو الهداية، وهي تتصور على قسمين: هداية مستقلة، وهداية معتمدة على إذنه سبحانه، والآيتان بصدد بيان انّ النبي غير قادر على القسم الأوّل من الهدايتين، بل هي من خصائصه سبحانه وإنّما المقدور له هو الهداية المعتمدة على إذنه تعالى، ويدل على ذلك نفس الآية الواردة في سورة فاطر حيث يقول:( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَىٰ وَالبَصِيرُ *وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ *وَلَا الظِّلُّ وَلا الحَرُورُ *وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي الْقُبُورِ *إِنْ أَنتَ إِلا نَذِيرٌ ) (٢) .

والمستدل أخذ بالجملة الوسطى، أعني قوله:( وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي الْقُبُورِ ) وغفل أو تغافل عن الجملتين الحافّتين بها، فإنّك إذا لاحظت قوله:( إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ) تقف على أنّ المراد من قوله:( وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَن فِي الْقُبُورِ ) هو نفي الإسماع أو الهداية المستقلة من دون مشيئته سبحانه، فكأنّه يقول: لست أيّها النبي بقادر على الهداية بل الهادي هو الله سبحانه، ولأجل ذلك

__________________

(١) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: ٤ / ١٣٧٣، ورواه البيهقي من طريقين.

(٢) فاطر: ١٩ ـ ٢٣.

٢٩٧

يعود فيصف النبي في الجملة الأخيرة بأنّه « ليس إلّا نذير » لا المتصرف في عالم الوجود مستقلاً ومعتمداً على إرادته.

والحاصل: انّ كون الآية بصدد بيان أنّ النبي ليس بقادر على إسماع الموتى وهدايتهم، شيء، وكونها بصدد أنّ النبي لا يقدر على الهداية والإسماع مستقلاً ومعتمداً على إرادة نفسه، شيء آخر، والآية بصدد الأمر الثاني لا الأوّل، والذي يفيد المستدل هو الأوّل، ويدل على ذلك قوله سبحانه:( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (١) وقال سبحانه:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (٢) وقال سبحانه:( وَاللهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ) (٣) فهذه الآيات قرينة على أنّ الغاية التي تهدف إليها تلك الآية هو سلب استقلال النبي بأمر الهداية وإسماعهم وان كان يقدر على ذلك بإذنه، بقرينة قوله سبحانه:( إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُونَ ) (٤) ، وقال سبحانه:( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٥) بل يصفه سبحانه بقوله:( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) (٦) وبذلك تحصل انّ استدلال المستدل غفلة عن هدف الآية.

وإن شئت قلت: إنّ الظاهر من الآيات انّ النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله كان حريصاً على هداية الناس وكان راغباً في إسعادهم كما يحكي عنه قوله تعالى:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) (٧) ، وقال تعالى:( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ

__________________

(١) البقرة: ٢٧٢.

(٢) القصص: ٥٦.

(٣) الأحزاب: ٤.

(٤) النمل: ٨١، والروم: ٥٣.

(٥) السجدة: ٢٤.

(٦) الشورى: ٥٢.

(٧) القصص: ٥٦.

٢٩٨

وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) (١) وقال سبحانه:( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ) (٢) وقال سبحانه:( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (٣) ، كل هذه الآيات تشهد على إصرار النبي وعلاقته بهداية أُمّته، وعلى ذلك فيكون المراد من الآيات الناظرة إلى ما يطلبه النبي في أمر الأمّة، هو نفي كون النبي قائماً بذلك الأمر على وجه الاستقلال، وعلى نحو الإطلاق، سواء أشاء الله أم لم يشأ، بل انّما تنفذ إرادته وعلاقته بهدايتهم إذا وقعت في إطار إرادته سبحانه ومشيئته من غير فرق في ذلك بين الموتى والأحياء، بإسماع الموتى وهداية الأحياء.

وبذلك يظهر ما تهدف إليه آية سورة النمل، فإنّ المقصود من قوله:( إِنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَىٰ وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ) (٤) هو انّك لا تقوم بإسماع الميت الواقعي، أو ميت الأحياء كالمشركين والمنافقين مستقلاً، وإنّما المقدور لك هو ما تعلّقت مشيئته سبحانه بهدايتهم، ولأجل ذلك يقول:( وَمَا أَنتَ بِهَادِي العُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُسْلِمُونَ ) (٥) .

وقد وقفت في هذا الفصل الذي أفردناه عن الفصول السابقة على الإشكالات التي نسجتها الأوهام حول الشفاعة وعرفت ضآلتها بوجه واضح، وفي ختام هذا الفصل نعطف نظر القارئ الكريم إلى نكتة، وهي انّ الشفاعة وما يرجع إليها من الأبحاث من الأمور المسلّمة بين المسلمين، ولو كان هناك خلاف فإنّما هو في أثر الشفاعة، وإنّه هل هو رفع العقاب أو ترفيع الدرجة كما أنّه لو كان

__________________

(١) يوسف: ١٠٣.

(٢) آل عمران: ١٢٨.

(٣) الشعراء: ٣.

(٤) النمل: ٨٠.

(٥) النمل: ٨١.

٢٩٩

هناك خلاف آخر فإنّما هو في الإشكال العاشر، فإنّ الوهابيين يمنعون طلب الشفاعة ممن أُعطي الشفاعة، والناظر في أبحاثهم وكلماتهم وتحليلاتهم يقف على أنّهم أعداء الإنسان الكامل، ولأجل ذلك يصرفون هممهم للحط من شخصيته، ومكانته، ويتصورون أنّ التوحيد لا يتم إلّا بتنقيصهم، وكأنّ التوحيد لا يتم إلّا بحط مكانتهم أو شخصيتهم ومنازلهم المعنوية.

بقي هنا بحثان يتم بهما بحث الشفاعة :

الأوّل: الشفاعة في الأدب العربي.

الثاني: الشفاعة في الأحاديث الإسلامية.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479