أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي18%

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
تصنيف: كتب
الصفحات: 303

الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98505 / تحميل: 9614
الحجم الحجم الحجم
أصول الفلسفة والمنهج الواقعي

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق ، ثم أدخلوه سرباً وجصصوا عليه ، فأصبح ميتاً ، وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر(1) .

ما قاله الإمام العسكري بعد هلاك المعتز :

حينما قتل المعتز خرج توقيع من الإمام العسكريعليه‌السلام يؤكد عزم المعتز على قتل الإمامعليه‌السلام قبل أن يُولَد له ، وفي ذلك دلالة واضحة على اعتقاد بني العباس بأن المولود هو صاحب الزمانعليه‌السلام الذي يقصم الجبّارين ويقيم دولة الحق.

عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، قال : « خرج عن أبي محمدعليه‌السلام حين قتل الزبيري :هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه ، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سمّاه محمداً »(2) .

خامساً ـ المهتدي ( 255 ـ 256 ه‍ )

هو محمد بن الواثق بن المعتصم ، بويع بالخلافة في رجب سنة 255 ه‍ ، وقد نقل المؤرخون في ترجمته أنه كان من أحسن خلفاء بني العباس مذهباً ، وأجودهم طريقة ، وأكثرهم ورعاً وعبادة وزهادة ، وأنه اطّرح الغناء والشراب ، ومنع أصحاب السلطان من الظلم ، وكان يجلس للمظالم ، ويتقلّل في مأكوله وملبوسه(3) .

__________________

(1) الكامل في التاريخ 6 : 200 ، الفخري في الآداب السلطانية : 243 ، البداية والنهاية 11 : 16 ، سير أعلام النبلاء 12 : 533.

(2) أصول الكافي 1 : 329 / 5 ـ باب الاشارة والنص إلى صاحب الدارعليه‌السلام ، إكمال الدين : 430 / 3 ـ باب 42.

(3) راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : 281 ، الكامل في التاريخ 6 : 223 ـ 224 ،

٨١

وهو بهذا التصرف استطاع الترفع على سيرة أسلافه العباسيين المعروفين بالترف والاسراف والمجون ومعاقرة الخمور وغيرها من مظاهر الانحراف ، لكن ثمة فرقاً بين السيرة الصالحة التي تكون واعزاً للحق والعدل والانصاف وتمنع صاحبها عن الظلم والجور ، والسيرة التي يفتعلها صاحبها أو يتصنّعها لأجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم على الخلفاء المتقدمين ، وقد صرح بعض المؤرخين بأن المهتدي كان يتشبّه بعمر بن عبد العزيز(1) ، والتشبه غير التطبّع.

ونقل آخر عنه أنه قال لأحد جلسائه حين سأله عما هو فيه من التقشف في الأكل ، فقال : « انّي فكرت في أنه كان في بني اُمية عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلّل والتقشف على ما بلغك ، فغرت على بني هاشم ، فأخذت نفسي بما رأيت »(2) .

فالتزهّد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة وفطرة سليمة ، وبنوهاشم هنا خصوص بني العباس لا عمومهم ، لأن فيهم من قال فيه تعالي :( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (3) وفيهم آل البيت المعصومونعليهم‌السلام ، ويبين ذلك الخصوص في تصريحة بقول آخر : « أما تستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز ؟! »(4) ، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم على العباسيين في مقابل بني

__________________

البداية والنهاية 11 : 23 ، سير أعلام النبلاء 12 : 535 ، الفخري في الآداب السلطانية : 246.

(1) الفخري في الآداب السلطانية : 246.

(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 281.

(3) سورة القلم : 68 / 4.

(4) `الكامل في التاريخ 6 : 224.

٨٢

اُمية.

ولو كان المهتدي محمود السيرة لخالف أسلافه في التعامل مع الإمامعليه‌السلام وأصحابه وشيعته ، لكنه انتهج نفس أساليبهم ، وكما يلي :

1 ـ مواقفه من الطالبيين :

تعرض نحو عشرين من العلويين للقتل صبراً أو الأسر أو السجن أو الترشيد خلال فترة حكومة المهتدي التي كانت أقلّ من سنة واحدة ، على ما نقله أبو الفرج وحده.

فقد قتل صبراً في أيام المهتدي محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وطاهر بن أحمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقُتل أيضاً الحسين بن محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وَقَتل أصحاب عبد الله بن عبد العزيز ، يحيى بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد ، قُتل بقرية من قري الري في ولاية عبد الله بن عبد العزيز.

واُسِر محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ، أسره الحارث بن أسد وحمله إلى المدينة فتوفّي بالصفراء ، فقطع الحارث رجيلة وأخذ قيدين كانا فيهما ورمى بهما.

وقتل جعفر بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، قتله سعيد الحاجب بالبصرة.

٨٣

وقتل بالسمّ موسى بن عبد الله بن موسى بن عبيد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب ، وكان رجلاً صالحاً ، راوياً للحديث ، قد روي عنه عمر ابن شبّة ، ومحمد بن الحسن بن مسعود الزرقي ، ويحيى بن الحسن بن جعفر العلوي وغيرهم. وكان سعيد الحاجب حمله وحمل ابنه إدريس وابن أخيه محمد ابن يحيى بن عبد الله بن موسى ، وأبا الطاهر أحمد بن زيد بن الحسين بن عيسىٰ ابن زيد بن علي بن الحسين ، إلى العراق ، فعارضه بنو فزارة بالحاجز ، فأخذوهم من يده فمضوا بهم ، وأبى موسى أن يقبل ذلك منهم ، ورجع مع سعيد الحاجب ، فلما كان بزبالة دسّ إليه سمّاً فقتله(1) وأخذ رأسه وحمله إلى المهتدي في المحرم سنة 256 ه‍.

وأُسِرَ عيسىٰ بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر ، أسره عبد الرحمن خليفة أبي الساج بالجار(2) ، وحمله فمات بالكوفة.

وقُتل محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، قتله عبد الله بن عزيز بين الري وقزوين.

ومات في الحبس علي بن موسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حبسه عيسىٰ بن محمد المخزومي بمكة ، فمات في حبسه. ومات في الحبس أيضاً محمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حمله عبد الله بن عبد العزيز عامل طاهر

__________________

(1) ذكر ذلك المسعودي أيضاً في مروج الذهب 4 : 429 وجعله في زمان المعتز.

(2) الجار : بلدة على البحر الأحمر.

٨٤

إلى سر من رأى ، وحمل معه علي بن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فحبسا جميعاً حتى ماتا في الحبس.

وكذلك إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، حبسه محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن المنصور عامل المهتدي على المدينة ، فمات في حبسه ، ودفن في البقيع.

وكذلك عبد الله بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن ، حبسه أبو الساج بالمدينة ، فبقي بالحبس إلى ولاية محمد بن أحمد بن المنصور ، ثم توفي في حبسه ، فدفعه إلى أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن داود بن الحسن فدفنه بالبقيع(1) .

ولم تكفّه سيرته الصالحة عن التصدي لشيعة الإمام والنكاية بهم ، بل كان مصداقاً للحقد التقليدي الذي يكنّه أسلافه العباسيون تجاهم ، فقد ذكر السيوطي أنه نفى جعفر بن محمود إلى بغداد ، وكره مكانه ، لأنّه نسب عنده إلى الرفض(2) .

2 ـ سيرة المهتدي مع الإمام العسكري عليه‌السلام :

حاول ( المهتدي ) العباسي التضييق على الإمام العسكريعليه‌السلام بشتى الوسائل ، وكان عازماً على قتل الإمامعليه‌السلام ، وهناك جملة من الروايات التي تؤيد ذلك :

__________________

(1) مقاتل الطالبيين : 435 ـ 439.

(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 281.

٨٥

عن أبي هاشم الجعفري ، قال : « كنت محبوساً مع أبي محمدعليه‌السلام في حبس المهتدي ، فقال لي :يا أبا هاشم ، إن هذا الطاغية أراد أن يعبث بأمر الله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله للمتولي بعده وليس لي ولد ، وسيرزقني الله ولداً بكرمه ولطفه ، فلما أصبحنا شغبت الأتراك على المهتدي وأعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحّح العزم على قتل أبي محمدعليه‌السلام ، فشغله الله بنفسه حتى قُتل ومضى إلى أليم العذاب »(1) .

ويبدو أن تاريخ اعتقال الإمامعليه‌السلام في أول حكم المهتدي ، لأنّهعليه‌السلام ذكر في هذا الحديث أنه ليس له ولد وسيرزقه الله ولداً بكرمه ولطفه ، وقد ولد الحجةعليه‌السلام في النصف من شعبان سنة 255 ه‍ ، وتولّى المهتدي في أول رجب سنة 255 ه‍.

وتتشابه أجواء هذا الحديث وتاريخه مع حديث عيسىٰ بن صبيح(2) الذي اعتقل مع الإمامعليه‌السلام قال : « دخل الحسن العسكريعليه‌السلام علينا الحبس ، وكنت به عارفاً إلى أن قال : قلت : ألك ولد ؟ قال :إي والله ، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فاما الآن فلا »(3) . فلعلّ الجملة المعترضة في حديث أبي هاشم الجعفري المتقدّم « وليس لي ولد » هي جواب للإمامعليه‌السلام عن سؤال

__________________

(1) إثبات الوصية : 252 ، مهج الدعوات : 343 ، بحار الأنوار 50 : 313 ، ونحوه في المناقب لابن شهرآشوب 4 : 463 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 205 / 173 و 223 / 187 ، بحار الأنوار 50 : 303 / 79.

(2) في الفصول المهمة : عيسىٰ بن الفتح.

(3) الفصول المهمة 2 : 1087 ، بحار الأنوار 50 : 275 / 48 عن الخرائج والجرائح.

٨٦

عيسى بن صبيح الذي كان معهم في السجن.

وكان قبل ذلك قد تهدّد الإمامعليه‌السلام بالقتل وتوعّد شيعته ، فكتب أحمد بن محمد إلى الإمام العسكريعليه‌السلام حين أخذ المهتدي في قتل الموالي : يا سيدي ، الحمد لله الذي شغله عنّا ، فقد بلغني أنه يتهددك ويقول : والله لأجلينّهم عن جديد الأرض(1) . فوقّععليه‌السلام بخطه :ذلك أقصر لعمره ، عد من يومك هذا خمسة أيام ، ويُقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخاف يمرّ به ، وكان كما قال »عليه‌السلام (2) .

هلاك المهتدي :

لقد تنكّر المهتدي للاتراك ، وعزم على تقديم الأبناء ، فلمّا علموا بذلك استوحشوا منه وأظهروا الطعن عليه ، فأحضر جماعة منهم فضرب أعناقهم ، فاجتمع الأتراك وشغبوا ، فخرج إليهم المهتدي في السلاح ، واستنفر العامة ، وأباحهم دماء الأتراك وأموالهم ونهب منازلهم ، فتكاثر الأتراك عليه ، وافترقت العامة عنه حتى بقي وحده ، فسار إلى دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة ، فلحقوه وأخذوه وحملوه على بغل وجراحاته تنطف دماً ، فحبسوه في الجوسق عند أحمد بن خاقان ، وقبّل المهتدي يده مراراً عديدة ، فدعوه إلى أن يخلع نفسه فأبى ، فقالوا : إنّه كتب بخطه رقعة لموسى بن بغا وبابكيال وجماعة من القواد أنه لا يغدر بهم ولا يغتالهم ولا يفتك بهم ولا يهمّ بذلك ، وأنه متى فعل ذلك فهم في

__________________

(1) جديد الأرض : وجهها.

(2) أصول الكافي 1 : 510 / 16 ، الإرشاد 2 : 333 ، إعلام الورى 2 : 144 ، بحار الأنوار 50 : 308 / 5.

٨٧

حلّ من بيعته والأمر إليهم يُقعِدون من شاءوا.

فاستحلوا بذلك نقض أمره ، فداسوا خصييه وصفعوه وقيل : خلعوا أصابع يديه من كفيّه ورجليه من كعبيه حتى ورمت كفاه وقدماه وفعلوا به غير شيء حتى مات في رجب سنة 256 ه‍(1) ، فكان تنكّره للأتراك أقصر لعمره ، وكان قتله بعد هوان واستخفاف كما قال الإمامعليه‌السلام .

سادساً ـ المعتمد ( 256 ـ 279 ه‍ )

وهو أحمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع سنة 256 ه‍ ، وكان هو وأخوه الموفق طلحة كالشريكين في الخلافة ، فله الخطبة والسكة والتسميّ بامرة المؤمنين ، ولأخيه طلحة الأمر والنهي وقيادة العساكر ومحاربة الأعداء وترتيب الوزراء والامراء ، وكان المعتمد مشغولاً عن ذلك بلذّاته(2) .

1 ـ مواقفه من الطالبيين :

لم تخرج سياسة المعتمد عن إطار السياسة العباسية القاضية بمراقبة أهل البيتعليهم‌السلام ومطاردة شيعتهم والقسوة على الطالبيين ، ففي أيام المعتمد قُتل علي بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي ، قُتل بسرّ من رأى على باب جعفر بن المعتمد ولا يدري من قتله ، وكذلك محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي ، ضَرَب عبد العزيز ابن أبي دلف عنقه صبراً بآبة ، وهي قرية بين قم وساوة.

وقُتل حمزة بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله

__________________

(1) راجع : تاريخ اليعقوبي 2 : 506 ، الكامل في التارخ 6 : 221 ـ 223.

(2) الفخري في الآداب السلطانية : 250.

٨٨

ابن جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام ، قتله صلاب التركي صبراً ومثّل به.

وقتل في أيام المعتمد أيضاً إبراهيم ومحمد ابنا الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، والحسن بن محمد بن زيد بن عيسىٰ بن زيد الحسين ، وإسماعيل بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وتوفّي في السجن بسرّ من رأى محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن ابن القاسم بن الحسن بن زيد الأكبر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وتوفي أيضاً في السجن بسرّ من رأى موسى بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان حمل من مصر في أيام المعتز فبقي إلى هذا الوقت ثم مات ، وحمل سعيد الحاجب محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي ، وحمل ابنيه أحمد وعلياً ، فتوفي محمد وابنه أحمد في الحبس.

وحُبس الحسين بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي ، حبسه يعقوب بن الليث الصفار لما غلب على نيسابور ، ثمّ حمله معه حين خرج إلى طبرستان ، وتوفي في الطريقرضي‌الله‌عنه .

وتوفي في حبس يعقوب بنيسابور محمد بن عبد الله بن زيد بن عبيد الله بن زيد بن عبد الله بن الحسن بن زيد بن الحسن(1) .

وفي سنة 258 ه‍ اخرج أحمد بن طولون الطالبيين من مصر إلى المدينة ، ووجه معهم من ينفذهم ، وكان خروجهم في جمادي الآخرة ، وتخلف بعضهم حيث أراد أن يتوجه إلى المغرب ، فأخذه أحمد بن طولون وضربه مائة وخمسين

__________________

(1) مقاتل الطالبيين : 440 ـ 443.

٨٩

سوطاً وأطافه بالفسطاط(1) .

2 ـ موقفه من الإمام العسكري عليه‌السلام :

وفي زمان المعتمد اعتقل الإمام العسكريعليه‌السلام عدّة مرات ، فقد روي أنه سُلّم إلى نحرير ، وكان يضيق عليه ويؤذيه ، فقالت له امرأته : ويلك اتقي الله ، لا تدري من في منزلك ! وعرّفته صلاحه ، وقالت : إنّي أخاف عليك منه. فقال : لأرمينّه بين السباع ، ثم فعل ذلك به ، فرئيعليه‌السلام قائماً يصلي والسباع حوله(2) .

وحُبس عند علي بن جرين سنة 260 ه‍ ، وروي « أنه لما كان في صفر من هذه السنة جعلت اُم أبي محمدعليه‌السلام تخرج في الأحايين إلى خارج المدينة وتجسّ الأخبار ، حتى ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين ، وحبس أخاه جعفراً معه ، وكان المعتمد يسأل علياً عن أخباره في كلّ مكان ووقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل ، فسأله يوماً من الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك ، فقال له : أمضِ الساعة إليه وأقرئه مني السلام ، وقل له : انصرف إلى منزلك » إلى آخر الرواية وفيها أنهعليه‌السلام أبى أن يخرج من السجن حتى أخرجوا أخاه معه(3) ، رغم أن جعفراً كان يسيء إليه ويتربّص به.

وروى ابن حجر الهيتمي وغيره أنهعليه‌السلام أخرج بسبب حادثة الاستسقاء ، قال : « لمّا حبسعليه‌السلام قحط الناس بسرّ من رأى قحطاً شديداً ، فأمر المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا ، فخرج النصاري ومعهم

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 510.

(2) أصول الكافي 1 : 513 / 26 ـ باب مولد أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام من كتاب الحجة ، بحار الأنوار 50 : 309 / 7.

(3) إثبات الوصية : 253 ، مهج الدعوات : 343 ، بحار الأنوار 50 : 313 ـ 314 و 330 / 2.

٩٠

راهب كلما مدّ يده إلى السماء هطلت ، ثمّ في اليوم الثاني كذلك ، فشكّ بعض الجهلة وارتدّ بعضهم ، فشقّ ذلك على المعتمد ، فأمر بإحضار الحسن الخالصعليه‌السلام وقال له : أدرك اُمّة جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يهلكوا. فقال الحسن :يخرجون غداً وأنا أزيل الشكّ إن شاء الله ، وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم.

فلمّا خرج الناس للاستسقاء ، ورفع الراهب يده مع النصاري غيّمت السماء ، فأمر الحسنعليه‌السلام بالقبض على يده ، فإذا فيها عظم آدمي ، فأخذه من يده وقال :استسق ، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك ، فقال المعتمد للحسنعليه‌السلام : ما هذا يا ابا محمد ؟ فقال :هذا عظم نبي ، ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف من عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال ، وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسنعليه‌السلام إلى داره »(1) .

وهكذا كان ديدن الحكام العباسيين مع أهل البيتعليهم‌السلام حينما تضيق بهم السبل وتوصد أمامهم الأبواب ، يضطرون إلى اللجوء نحو معدن العلم وثاني الثقلين وباب حطّة وسفينة نوح ، يلتمسون النجاة مما يهدّد عروشهم ويبدّد عرى دولتهم.

لقد شدّد المعتمد على حصار الإمامعليه‌السلام واعتقاله ، لأنه يعلم أنه الإمام

__________________

(1) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي : 124 ـ مكتبة القاهرة ـ مصر ـ 1385 ه‍ ، الفصول المهمة 2 : 1085 ـ 1087 ، نور الأبصار : 337 ، وأخرجه في إحقاق الحق 12 : 464 و 19 : 620 و 625 و 29 : 64 عن عدة مصادر ، وراجع : الخرائج والجرائح 1 : 441 / 23 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 458 ، بحار الأنوار 50 : 270 / 37.

٩١

الحادي عشر ، وأن ما بعده هو آخر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام الذي يقضي على دعائم الظلم والجور ، ويطيح بدولة الظالمين ، وينشر العدل والقسط ، لهذا أراد أن يطفئ النور الثاني عشر ، ولكن الله أبي إلا أن يتمّ نوره.

روى الصيمري بالاسناد عن المحمودي ، قال : « رأيت بخطّ أبي محمدعليه‌السلام لما خرج من حبس المعتمد( يُرِيدُون لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ ) »(1) .

وذكر نصر بن علي الجهضمي في ( مواليد الأئمةعليهم‌السلام ) أن الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام قال عند ولادة محمد بن الحسنعليه‌السلام :« زعمت الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف رأوا قدرة القادر ؟ » (2) .

وانتهت قصة صراع الإمام العسكريعليه‌السلام مع خلفاء بني العباس بشهادته مسموماً في الثامن من ربيع الأول سنة 260 ه‍ ، على المشهور من الأقوال في وفاته(3) ، وهو في الثامنة والعشرين أو التاسعة والعشرين من عمره الشريف ، ليبدأ بعد هذا التاريخ فصلاً جديداً من المأساة الكبري على يد المعتمد وجهازه الحاكم لم تزل آثاره باقية ولن تزول إلى أن يأذن الله بفرج وليه القائم المؤمّل والعدل المنتظرعليه‌السلام ليملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

* * *

__________________

(1) مهج الدعوات : 334 ، إثبات الوصية : 255 ، بحار الأنوار 50 : 314 ، والآية من سورة الصف : 61 / 8.

(2) مهج الدعوات : 334.

(3) سنأتي على ذكر الأقوال في الفصل الأخير من هذا كتاب.

٩٢

الفصل الثّالث

الهوية الشخصية للإمام العسكري عليه‌السلام

نسبه عليه‌السلام

هو أبو محمد الحسن العسكري بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد باقر العلم بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط الشهيد بن علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله عليهم أجمعين.

نَسَبٌ عليه من شَمْسِ الضُّحىٰ

نورٌ ، ومِنَ فَلَقِ الصَّباحِ عمودُ

اُمّه رضي الله تعالى عنها :

أمّ ولد ، يقال لها سوسن ، وتكنى أمّ الحسن ، وتعرف بالجدّة ، أي جدّة الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام ، ولها أسماء اُخرى ، فيقال لها : حُديث ، وحُديثة ، وسليل ، وسمانة ، وشكل النوبية وغيرها(1) .

__________________

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 503 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، التهذيب / الشيخ الطوسي 6 : 92 ـ باب 42 من كتاب المزار ، الإرشاد 2 : 313 ، إكمال الدين : 307 آخر باب 27 خبر اللوح ، إثبات الوصية : 244 ، دلائل الإمامة : 424 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، روضة

٩٣

ورجّح صاحب عيون المعجزات أن اسمها سليل ، حيث قال : « اسم اُمّهعليه‌السلام ـ على ما رواه أصحاب الحديث ـ سليل ( رضي الله عنها ) وقيل : حديث ، والصحيح سليل ، وكانت من العارفات الصالحات »(1) .

ولعلّ ذلك مبني على الحديث الوارد عن المعصوم ، وهو يشيد بفضلها وعفتها وصلاحها ، رواه المسعودي عن العالمعليه‌السلام أنه قال :« لمّا اُدخلت سليل اُمّ أبي محمد على أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سليل مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس » (2) .

وبعثها الإمام العسكريعليه‌السلام إلى الحج سنة 259 ه‍ ، وأخبرها عما يناله سنة60 ، فأظهرت الجزع وبكت ، فقالعليه‌السلام :« لابد من وقوع أمر الله فلا تجزعي » وفي صفر سنة 260 ه‍ كانت في المدينة ، فجعلت تخرج إلى خارجها تتجسّس الأخبار وقد أخذها الحزن والقلق(3) .

وحينما اتصل بها خبر شهادة الإمامعليه‌السلام عادت إلى سامراء ، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إياها بالميراث ، وسعايته

__________________

الواعظين : 251 ، تاريخ مواليد الأئمةعليهم‌السلام / ابن الخشاب : 199 ـ مطبوع ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، الفصول المهمة 2 : 1080 ، تذكرة الخواص : 324 ، كشف الغمة 3 : 271 ، إعلام الورى 2 : 131 ، تاج المواليد : 133 ، بحار الأنوار 50 : 235 / 2 ، 236 / 5 و 7 ، 238 / 11.

(1) بحار الأنوار 50 : 238 / 11.

(2) إثبات الوصية : 244.

(3) راجع : إثبات الوصية : 253 ، مهج الدعوات : 343 ، بحار الأنوار 50 : 313 ، 330 / 2.

٩٤

بها إلى سلطان ، وكشف ما أمر الله عزوجل ستره(1) .

وتوفيت في سامراء وكانت قد أوصت أن تدفن في الدار إلى جنب ولدها الإمام العسكريعليه‌السلام ، فنازعهم جعفر وقال : الدار داري لا تدفن فيها(2) .

ولادته : عليه‌السلام

ولد الإمام العسكريعليه‌السلام يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الآخر سنة 232 ه‍ في مدينة جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو القول المشهور في ولادتهعليه‌السلام (3) .

ويؤيد ما رواه الطبري الإمامي بالاسناد عن الإمام العسكريعليه‌السلام ، أنه قال :« كان مولدي في ربيع الآخر سنة 232 من الهجرة » (4) .

ووقع اختلاف في تاريخ الولادة ومكانها ، فقيل : سنة 230 ه‍ ، أو 231 ، أو 233 ، وقيل : في شهر رمضان من سنة 232 ه‍ ، وقيل : يوم الاثنين الرابع من

__________________

(1) إكمال الدين : 474 / 25 ، بحار الأنوار 50 : 331 / 3.

(2) إكمال الدين : 442 / 15.

(3) إعلام الورى 2 : 131 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، الفصول المهمة 2 : 1079 ، نور الأبصار : 338 ، روضة الواعظين / ابن الفتال : 251 ـ منشورات الرضي ـ قم ، وذكرت سنة الولادة مع الشهر في المصادر التالية : اُصول الكافي 1 : 503 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، والارشاد 2 : 313 ، والتهذيب للشيخ الطوسي 6 : 92 ـ باب 42 من كتاب المزار ـ دار الكتب الاسلامية ـ طهران ، واقتصر كثيرون على ذكر السنة ، ومنهم ابن الأثير في الكامل 6 : 250 ـ آخر حوادث سنة 260 ه‍ ، وابن خلكان في الوفيات 2 : 94 ـ منشورات الرضي ـ قم ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : 124 ، والسويدي في سبائك الذهب : 342 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(4) دلائل الإمامة : 423 / 384.

٩٥

شهر ربيع الآخر ، أو السادس ، أو العاشر ، من سنة 232 ه‍ ، وقيل : في السادس من شهر ربيع الأول ، أو الثامن منه(1) .

وذكر الشيخ الحرّ العاملي أهمّ هذه الأقوال في بيتين من منظومته ، أشار فيهما إلى المشهور من الأقوال ، يقول :

مولده شهـر ربيع الآخر

وذاك في اليوم الشريف العاشر

في يوم الاثنين وقيل الرابعُ

وقيل في الثامـن وهو الشائعُ(2)

هذا من حيث تاريخ الولادة ، أما من حيث مكانها فقد ذكر بعضهم أنه ولدعليه‌السلام في سامراء سنة 231 ه‍(3) ، أو في ربيع الآخر سنة 232(4) ، وهذا لا يصح لأنّ الثابت في التاريخ أنّ المتوكل هو الذي استدعى الإمام أبا الحسن الهاديعليه‌السلام إلى سامراء ، وقد تولّى المتوكل ملك بني العباس في ذي الحجة سنة

__________________

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 503 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، دلائل الإمامة : 423 ، الهداية الكبري / الخصيبي : 327 ـ مؤسسة البلاغ ـ بيروت ـ 1406 ه‍ ، روضة الواعضين : 251 ، الأئمة الاثنا عشر لابن طولون : 113 ، مصباح الكفعمي : 523 ـ طبعة اسماعيليان ـ قم ، المنتظم / ابن الجوزي 12 : 158 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، تذكرة الخواص : 324 ، تاريخ أهل البيت لكبار المحدثين والمؤرخين : 87 ـ مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام ـ 1410 ه‍ ، الانساب / للسمعاني 4 : 194 ـ دار الجنان ـ بيروت ، احقاق الحق / للتستري بشرح السيد المرعشي 29 : 59 عن تاريخ الأحمدي ، بحار الأنوار 50 : 236 ـ 238.

(2) الأنوار البهية / الشيخ عباس القمي : 250 ـ نشر الشريف الرضي ـ قم.

(3) تذكرة الخواص : 324.

(4) روضة الواعظين : 251 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، بحار الأنوار 50 : 236 / 5.

٩٦

232 ه‍ ، فكيف تكون ولادة الإمام العسكريعليه‌السلام في سامراء سنة 231 ه‍ أو في ربيع الآخر سنة 232 ه‍ ، وكلا التاريخين في زمان الواثق ، وهوعليه‌السلام لمّا يزل في المدينة.

ويعارض هذا أيضاً ما قدّمناه في الفصل الثاني من أنهعليه‌السلام غادر المدينة مع أبيهعليه‌السلام سنة 236 ه‍ على رواية المسعودي ، أو سنة 233 ه‍ على رواية الطبري ، أو سنة 243 ه‍ على رواية الشيخ المفيد ، أو سنة 234 ه‍ على ما حققه بعض الباحثين.

ولدينا بعض الأحاديث الصريحة بولادته في المدينة منها حديث أبي حمزة نصير الخادم(1) ، وحديث أحمد بن عيسىٰ العلوي الذي يصرح برؤيته بصريا وهي قرية على ثلاثة أميال من المدينة(2) ، كما نصّ المؤرخون والمحدثون الذين قدمنا ذكرهم في ولادته على أنهعليه‌السلام ولد في المدينة ومنهم : الشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، وابن الفتال ، وابن الصباغ ، والشبلنجي ، والكنجي ، والسويدي وغيرهم(3) ، وقال ياقوت : « ولد بالمدينة ونقل إلى سامراء »(4) .

ألقابه : عليه‌السلام

أشهر ألقاب الإمام أبي محمدعليه‌السلام هو العسكري ، وقد اُطلق عليه وعلى

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 509 / 11 ـ باب ميلاد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 331 ، إثبات الوصية : 251 ، الخرائج والجرائح 1 : 436 / 814 ، إعلام الورى 1 : 145 ، بحار الأنوار 50 : 268 / 28.

(2) الغيبة / الشيخ الطوسي : 199 / 165.

(3) راجع : إحقاق الحق 12 : 458 ، 19 : 619 ، 29 : 59 عن عدة مصادر.

(4) معجم البلدان ـ المجلد الثالث : 328 ـ عسكر سامراء.

٩٧

أبيهعليه‌السلام ، لأنهما سكنا عسكر المعتصم الذي بناه لجيشه ، وهو اسم سرّ من رأى(1) .

وقيل : هو اسم محلّة في سامراء ، قال الشيخ الصدوق : سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون : إنّ المحلّة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن ابن عليعليه‌السلام بسرّ من رأى كانت تسمّى عسكر ، فلذلك قيل لكلّ واحدٍ منهما العسكري(2) .

وكان هو وأبوه وجدهعليه‌السلام يعرف كلّ منهم في زمانه بابن الرضا(3) .

وهناك ألقاب اُخرى تطلق على الإمام العسكريعليه‌السلام وفي كلّ منها دلالة علي كمال من كمالاته أو مظهر من مظاهر شخصيته ، منها : الخالص ، الشافي ، الزكي ، المرضي ، الصامت ، الهادي ، الرفيق ، النقي ، المضيء ، المهتدي ، السراج ، وغيرها(4) من الألقاب التي تحكي مكارم أخلاقه وخصائصه السامية وصفاته الزكية.

__________________

(1) راجع : الانساب / للسمعاني 4 : 194 ـ 196 ، معجم البلدان ـ المجلد الثالث : 328 ، القاموس المحيط / الفيروز آبادي ـ عسكر ـ 2 : 92 ـ دار الجيل ـ بيروت ، الأئمة الاثنا عشر / لابن طولون : 113.

(2) علل الشرائع / الصدوق 1 : 230 ـ باب 176 ، معاني الأخبار / الصدوق : 65 ، بحار الأنوار 50 : 113 / 1 و 235 / 1.

(3) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، الفصول المهمة 2 : 1080 ، إعلام الورى 2 : 131.

(4) دلائل الإمامة : 423 ـ 424 ، إعلام الورى 2 : 131 ، مناقب ابن شهر آشوب 4 : 455 ، الفصول المهمة 2 : 1080 ، إكمال الدين : 307 باب 27 ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : 142 ، بحار الأنوار 50 : 238.

٩٨

كنيته عليه‌السلام :

اشتهر الإمام العسكريعليه‌السلام بكنية واحدة عرف بها عند سائر المؤرخين والمحدثين ، هي أبو محمد ، وذكر الطبري الامامي أنهعليه‌السلام يكني أيضاً أبا الحسن(1) ولم أجده في غيره ، بل هي كنية أبيهعليه‌السلام .

حليته عليه‌السلام :

وصفه أحد معاصريه من رجال البلاط العباسي ، وهو أحمد بن عبيد الله بن خاقان(2) بقوله : « انه أسمر أعين ـ أي واسع العين ـ حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، له جلالة وهيئة حسنة »(3) .

وقال ابن الصباغ : « صفته بين السمرة والبياض »(4) .

وجاء في صفة لباسه : « أنه كان يلبس ثياباً بيضاء ناعمة ، ويلبس مسحاً أسود خشناً على جلده ، ويقول :هذا لله ، وهذا لكم »(5) .

__________________

(1) دلائل الإمامة : 424.

(2) ترجم له النجاشي في رجاله : 87 / 213 وقال : ذكره أصحابنا في المصنفين ، وأن له كتاباً يصف فيه سيدنا أبا محمدعليه‌السلام ، ولم أر هذا الكتاب ، وقال الشيخ الطوسي : له مجلس يصف فيه أبا محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ، أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، الفهرست : 81 / 102 ـ مكتبة المحقق الطباطبايي ـ قم ـ 1420 ه‍.

(3) أصول الكافي 1 : 503 / 1 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 321 ، إكمال الدين 1 : 40 مقدمة المصنف ، إعلام الورى 2 : 147 ، الخرائج والجرائح 2 : 901.

(4) الفصول المهمة 2 : 1081 ، نور الأبصار : 338.

(5) الغيبة / للشيخ الطوسي : 247 / 216.

٩٩

نقش خاتمه عليه‌السلام :

كان نقش خاتمه :سبحان من له مقاليد السماوات والأرض (1) . وقيل : أنا لله شهيد(2) . وفي نسخة من البحار : إنّ الله شهيد(3) .

وقال الطبري الإمامي : « كان له خاتم فصّه : الله وليي »(4) .

بوابه عليه‌السلام :

المشهور أنّ بوابه هو وكيلة الثقة الجليل ، العظيم الشأن عثمان بن سعيد العمريرضي‌الله‌عنه . وقيل : ابنه محمد بن عثمان. وقال ابن شهر آشوب : الحسين بن روح النوبختي ، وقيل : محمد بن نصير ، ورجّح الطبري صحّة الأول(5) .

شاعره عليه‌السلام :

قيل : هو أبو الحسن علي بن العباس ، المعروف بابن الرومي ( 221 ـ 283 ه‍ )(6) ولم أجد قصيدة لابن الرومي في الإمامعليه‌السلام ، نعم توجد له قصيدة رائعة في مدح أبي الحسين يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن عليعليه‌السلام ،

__________________

(1) الفصول المهمة 2 : 1081 ، نور الأبصار : 338 ، بحار الأنوار 50 : 238 / 9.

(2) مصباح الكفعمي : 523 ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : 142.

(3) بحار الأنوار 50 : 238 / 12.

(4) دلائل الإمامة : 425.

(5) راجع : تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج : 33 ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ـ ضمن مجموعة نفيسة ، مصباح الكفعمي : 523 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، دلائل الإمامة : 425 ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : 143.

(6) الفصول المهمة 2 : 1081 ، نور الأبصار : 338.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

المقالة التاسعة:

العلّة والمعلول

٢٢١

٢٢٢

العِلّة والمعلول

أوضحنا في المقالات السابقة أنَّنا في اليوم الأوّل من وجودنا، حيث نطلّ على هذا العالم المليء بالحوادث والتحوّلات، نضع أيدينا على ذاتنا وفعالياتنا الذاتية ( العلم والإرادة...) وعلى أساس قياسنا للنسبة بين ذاتنا وأفعالنا الأخرى التي تشبه أفعالنا ( المعلومات الحسّية التي نحصل عليها عن طريق الحس )، والتي ليست تحت اختيارنا، نثبّت جوهراً آخر، وهو موضوع هذه الصفات والآثار. فهذا السواد والبياض اللذان نراهما، وهذه الحرارة والبرودة اللتان نحس بهما، وهذا الطعم الذي نتذوّقه، وهذه الرائحة التي نشمّها، والنغمة التي نسمعها، كلّ هذه الظواهر تعود لذلك الشيء الذي يتوفّر على هذه الصفات، فهذه الصفات على غرار صفتي علمي وإرادتي، اللتين لا تحصلان بدون " أنا "، فهذه الصفات إذن غير ذاتي، بل هي إلى جانب ذاتي، لأنَّ أياً منها ليست تحت اختياري، ومن هنا نذعن بوجود واقع خارج ذواتنا ( المقالة ٢ ـ ٥ ).

من هنا تتبلور أرضية قانون العِلّية والمعلول العام (١) ، فيقرّر الإنسان بشكل قاطع أنَّ الفعل لا يقع إطلاقاً بدون فاعل، وإنَّ كلّ معلول يتطلّب علّة، ثمّ بحكم ملاحظة الحوادث والظواهر المختلفة يتأيّد هذا القانون باستمرار،

١ ـ يقع بحث العِلّة والمعلول في المرتبة الأساسية بين بحوث الفلسفة، ويتفرّع هذا البحث إلى مجموعة قضايا. تكرّر طرح هذا البحث في المقالات المتقدّمة، خصوصاً في المقالة الثامنة، بل أُقيم الدليل على بعض القضايا

٢٢٣

ويصمد أما الاختبار، وعلى هذا الأساس ينعطف الإنسان حين سماع أي صوت والإحساس بأيّ حدث صغيرٍ أو كبيرٍ على البحث عن علّته، وإذا لم يستطع تحديد العلّة لحدثٍ ما فسوف يفترض له علّة مجهولة.

المتفرّعة من هذا البحث، وسيتحتّم علينا في المقالات القادمة بحكم مستلزمات البحث طرح بعض قضايا قانون العِلّية، على أنَّ ما تمَّ إثباته في المقالات السابقة لا يعاد تكراره، كما أنَّ القضايا التي تتوقّف على معطيات البحث في المقالات القادمة سنأتي على إيضاحها في محلّها الملائم.

إنَّ قانون العِلّية أوّل قضية فلسفية ( من بين قضايا الفلسفة ) استحوذت على الفكر البشري، ودفعته صوب التفكير لكشف لغز الوجود. فبالنسبة للإنسان الذي يتمتّع بإمكانية التفكير يمثل قانون العٍلّية أهم العوامل التي تقذف به في تيار التأمّل، هذا القانون الذي يُعبّر عنه: لكلّ حادثة علّة. وفي ضوء ذلك يتبلور في الذهن البشري مفهوم " لِم ".

مفهوم ( لِمَ ) هو الاستفهام الذي يطرحه الذهن عن علّة الأشياء، ولو لم يكن الذهن متوفّراً على فهم عام عن العِلّة والمعلول، أي لم يُذعن بقانون العِلّية وأنَّ لكل حادثة علّة، فسوف لا يجد مفهوم ( لِم ) موقعاً في الذهن، بل لا ينبثق مثل هذا المفهوم في الذهن من حيث الأساس.

تأتي حركات الطفل والحيوان أيضاً على نظام وترتيب، وكأنَّهما يدركان العلاقة بين العِلّة والمعلول. لكن هذا الإدراك على افتراضه مبهم ومجرّد دون شك، إذ يأتي محدوداً بحدود تجاربهما اليومية، ويمكن اعتبار إدراك الحيوان والطفل في هذا المجال ـ كما تقدّم في هوامش المقالة الخامسة ـ لوناً من " تداعي المعاني " و " العادة الذهنية "، التي تحصل جَرّاء

٢٢٤

إنَّ هذه الظاهرة يمكن أن تجدها لدى كلّ موجود ذي إحساس، حتى المجانين والمتخلّفين عقلياً، فهولاء يتكلّمون من أجل تفهّم وتفهيم

التكرار. أي إنَّ ذهن الحيوان والطفل بدون أن يتوفّر على تصوّر لمفهوم العِلّية ينتقل من حادثة إلى الحادثة الأخرى بحكم العادة وتداعي المعاني المترابطة. وممّا لا شك فيه أنَّ الطفل والحيوان لا يدرك قانون العِلّية كقانون كلّي ويقيني، بل يختص بهذا الإدراك الإنسان المُهيأ بالفعل للتفكير المنطقي، وإذا فُرض أنَّ بعض الحيوانات العُليا تتمتّع بهذا اللون من الإدراك لقانون العِلّية فسوف تكون متوفّرة حتماً على القدرة المنطقية على التفكير.

إنَّ انخراط الإنسان في مسيرة التأمّل والتفكير المنطقي له عامل آخر، وهو إمكانيته على قراءة عالمه الداخلي ووعي ذاته. وعلى أساس هذه الإمكانية يمكن للإنسان إن يعلم بعلمه أو بجهله. أنَّ الحكماء يدعون ميزةً للإنسان عن الحيوان، تكمن في قدرة الإنسان على العلم بجهله وعلمه، والتفاته إلى أنَّه يعرف القضية "س" ويجهل القضية "ص"، أمّا الحيوان فليس لديه هذه القدرة، وبتعبير آخر: إنَّ الحيوان على الدوام أمّا أن يكون جاهلاً جهلاً مركّباً، وإمّا أن يكون عالماً علماً بسيطاً، بينا يمكن للإنسان أن يكون جاهلاً جهلاً بسيطاً وعالماً علماً مركّباً.

يتعامل الإنسان مع حوادثٍ لا يعرف علّتها، وبحكم قدرته على وعي ذاته يشعر بجهله، لكنّه يعرف ـ على أساس إدراكه لقانون العِلّية العام ـ أنّ لهذه الحوادث عللها في الواقع، ومن ثمَّ يعكف على البحث عن علل الحوادث بدافع البحث عن الحقيقة أو بدافع حاجاته الحياتية. فإن وقف على العِلّة الواقعية في هذا البحث فقد بلغ هدفه، وإلاّ اكتفى بالإيمان بوجود عِلّة خفية،

٢٢٥

أغراضهم، ويمارسون أعمالاً بُغية إيصال مقاصدهم وهكذا.. بل أدنى درجات الملاحظة تؤكّد أنَّ أساس حياة كلّ كائن حي بحجم ما لديه من شعور ووعي يتكئ على هذا القانون " قانون العلة والمعلول ". ولو كان

ولعله يفترض عِلّة وهمية إرضاءً لغريزة البحث ؛ ومن هنا قالوا إنَّ الإنسان البدائي بحكم مستواه العقلي الأولي لم يستطع تفسير الحوادث الطبيعية، فأرجعها إلى آلهة والأرواح الخبيثة والطيبة. على أنَّ هذا الأمر شاهد على إدراك الذهن البشري لقانون العِلّية، وأنّ الذهن لم يكن باستطاعته أن يفترض الحوادث الطبيعية صدفة واتفاقاً، لا عِلّة لها. غاية ما في الأمر أنَّه لم يكن قادراً على رؤية الحقيقة، ومن هنا تذرّع بالخرافة والتفسيرات البدائية.

كانت الفلسفة ـ في ضوء معطيات تاريخ الفلسفة ـ في سالف أيامها القديمة تطوي مرحلة طفولتها، وقد امتزجت مع كلّ فروع المعرفة، وكانت تدّعى آنذاك " علم العلل والأسباب ". وفي المراحل القريبة ـ حيث أخذت الفلسفة تنفصل عن العلوم ـ نلاحظ أنَّ الفلسفة تعرّف أحيانا بـ " علم العلل الأولى ". ورغم أنَّنا لا نؤمن بسلامة هذا التعريف من زاوية فنية، إلاّ أنَّنا لا نشك في أنَّ أهم توقّعات البشرية من الفلسفة هي أن تكشف عن العِلل الأولية لعالم الوجود، ليتعرف الإنسان على السر الأول للعالم.

وفق منهجنا ـ الذي قد تعرّف عليه القارئ المحترم ـ يلزمنا أن ندرس قانون العِلّية عبر التحليل العقلي، انطلاقاً من الأصول البديهية، التي تشكل أساس الفكر البشري، هذه الأصول التي يضمن صحّتها العقل ذاته، دون واسطة، ودون أن تلعب أي تجربة دوراً فيها، بل هذه الأُصول ذاتها هي التي تضمن صحّة التجربة أيضاً. أي أنَّنا نعالج قانون العِلّية من زاوية

٢٢٦

الإنسان أو أي كائن حساس آخر لا يؤمن بعِلّية ومعلولية ما بين ذاته وبين فعله، وما بين فعله وبين إنجاز هدفه، فسوف لا يصدر عنه أقل نشاط وفَعّالية إطلاقاً، وسوف لا يتوقع حدوث أي شيء، ولا ينتظر حدوثه.

عقلية لا تجريبية، ونحن نرى أنَّ قانون العلية مسألة فلسفية محضة، وليست مسألة فلسفية تعتمد نظريات الفيزياء أو غيرها. ونرى أيضاً أنَّ إدخال التجارب الفيزيائية في عمليات إثبات أو نفي العِلّية لغو لا طائل من ورائه، بل الاعتماد على هذه التجارب في هذا الإثبات يفضي إلى عدم الاعتماد عليها، وهذا ما سيتّضح ضمن الأبحاث القادمة.

الصورة التي يمتلكها الإنسان عن العلّة والمعلول هي أنَّهما أمران معينان، أحدهما معطٍ للوجود والواقع الآخر، والآخر متلقٍ للوجود والواقع من الأول. الأسئلة التي تحتل المرتبة الأولى في الذهن بشأن قانون العِلّية هي: من أين ينشأ تصوّر العِلّية في الذهن ؟ هل يدرك الإنسان قانون العِلّية بواسطة إحدى حواسه، كما يدرك الحرارة والبرودة والإيقاع الموزون والأصوات الناشزة والثقل والحلاوة وغيرها، أم أنَّه يدركها بواسطة أخرى ؟ وما هي هذه الواسطة ؟ لقد تناولنا الإجابة على هذه الأسئلة عبر المقالة الخامسة.

هناك سؤال آخر: هل قانون العِلّية قانون حقيقي وواقعي أم لا ؟ أي هل هناك في الواقع علاقة عِلّية ومعلولية، أم أنَّ هذا القانون في الحقيقة إيهام يقع فيه الذهن ؟ حتى ظهور الفيزياء الحديثة لا تعثر بين الفلاسفة أو علماء الطبيعة على من شكّ في صحة وواقعية قانون العلّية. نعم ظهر في أوساط المتكلّمين من ينكر الضرورة العِلية، وهذا الإنكار يفضي في الواقع إلى إنكار قانون العِلّية ذاته، أو من يستثني الأفعال الإرادية من شمول هذا القانون.

٢٢٧

وفي ضوء هذا البيان نستنتج: " كلّ شيء وجد بعد أن لم يكن موجوداً، لا بد أن تكون له علّة ".

يذهب فريق من علماء الكلام إلى عدم صحة تعميم قانون العِلّية وأحكام العِلّية والمعلولية على الأفعال الإرادية كأفعال الباري تعالى والأفعال الإنسانية. وحينما يتبنى هذا الفريق مذهب " الجبر " فمن المحتم أن لا يكون لقانون العِلّية أي مصداق ؛ إذ مفهوم الجبر لدى المتكلّمين ـ كما تقدّم في هوامش المقالة الثامنة ـ يعني أنَّ جميع حوادث العالم تنشأ مباشرة وبلا واسطة من ذات الباري تعالى، وليست هناك سببية بين حوادث العالم، وما نشاهده من أحداث تتوالي في الوقوع ونسمّي بعضها سبباً والآخر مسبباً ما هي إلاّ سنة الله التي أجراها في خلقه، وليس هناك أي ارتباط سببي في البين ؛ إذن فأنصار الجبرية يسندون كلّ حوادث العالم إلى الفاعل المختار مباشرة، وإذا ضممنا إلى هذه النظرية نظرية عدم شمول قانون العلية للأفعال الإرادية فسوف تكون النتيجة أنَّ قانون العلية ليس له مصداق.

لقد تعرّضت نظرية المتكلمين في إنكار قانون العِلّية لازدراء واستهزاء الفلاسفة قروناً متعددة. ولكن أعيد إحياء نظرية المتكلّمين منذ نصف قرن، جَرّاء التطورات العِلمية والتحوّلات التي حصلت في الفيزياء على وجه الخصوص، حيث تزلزل إيمان بعض العلماء بقانون العِلية.

لقد قارع علماء الكلام الفلسفة منذ بداية عصرها الإسلامي، واعترضوا على القواعد الفلسفية، بل شكّكوا في مبادئ ومسلمات الفلسفة أيضاً، وقد واجههم الفلاسفة ودافعوا عن أنفسهم أمام شبهات المتكلمين. ورغم أنَّ المدرسة الكلامية لم تستطع مقاومة مدرسة الفلاسفة، ولكن الشك لا يتطرّق

٢٢٨

طريق آخر

الطريق الذي أشرنا إليه هو الطريق الذي (٢) يطويه الإنسان بنظرة ساذجة. والنظرة الفلسفية الدقيقة تنتهي إلى نفس النتيجة. لقد أثبتنا في المقالة الثامنة:

إلى أنَّ ظهور كثير من النظريات الفلسفية الدقيقة ـ كما تدل على ذلك الشواهد التاريخية ـ مدين للصراع الكلامي الفلسفي. وقد أشرنا في المقالة السابعة إلى أنَّ القسم الأهم من أبحاث الوجود، التي تمثل من زاوية نظر مذهب أصالة الوجود مفتاح حل معضلات الفلسفة، مدين لمناقشات المتكلّمين في هذا المجال. ولعلّنا نوفق في ما يأتي من أبحاث إلى تقديم الشواهد على الأبحاث الفلسفية المتطوّرة، التي طرحت كرد فعل على هجمات علماء الكلام. وهذه النكتة لم نرَ من تعرّض إليها، ولعل بإماطة اللثام عنها تنكشف كثير من الأسرار التاريخية المهمة.

قانون العِلّية أحد المواضع التي هاجمها علماء الكلام، ونحن نلاحظ في ضوء معطيات بعض كبار علماء الفيزياء والرياضيات ما يؤيّد نظرية المتكلّمين. كما أَن مجموعة كثيرة نسبياً من قضايا الخلاف بين الفلسفة وعلم الكلام يقف العلم الحديث فيها إلى جانب المتكلّمين.

إنَّ قانون العلّية أحد الأُسس التي إذا تزلزلت أدَّت إلى انقلاب فلسفي كامل، ويعتقد الفلاسفة أن قانون العلية ركن أساسي إذا تزلزل أدى الأمر إلى فقدان العلم لمعناه. وسوف نتناول بالبحث هذا الموضوع في الهوامش والتعليقات المقدَّمة بشكلٍ تفصيلي.

٢ ـ قلنا في الهامش المتقدِّم أنَّ التصوّر الذي يمتلكه كلّ فرد عن العلّية

٢٢٩

أوّلاً: ليست هناك ماهية ـ على الإطلاق ـ تتوفّر على الوجود، دون أن يجب وجودها، وتتوفّر على " الضرورة ".

ثانياً: أنَّ هذا الوجوب تحصل عليه بواسطة موجود آخر، وإلاّ فالماهية بذاتها تتساوى نسبتها للوجود والعدم.

والمعلولية هو: إنّهما عبارة عن أمرين، أحدهما معطي الوجود والواقع والآخر متلقي الوجود والواقع. وأي ظاهرتين اتسمتا بهاتين السمتين نقول إنَّ بينهما علاقة العلية والمعلولية. قلنا في المقالة الثامنة: إنَّ الفلاسفة يستخدمون مصطلح العلية والمعلولية بمعنى أعم أحياناً، ويطلقون العلّة على مطلق الأشياء، التي تتدخّل في وجود الشيء، ويرتهن وجود المعلول بها، رغم أنَّ هذه الأشياء ليست مُعطية للوجود، ومن هنا يطلق مصطلح العلة على الأجزاء التي يتركّب منها وجود المعلول، وعلى الشروط والمقدّمات الخاصة لوجود المعلول، بينا لا يصدق مفهوم الإيجاد وإعطاء الوجود على هذه الأُمور.

إذا استخدمنا مفهوم العلية بمعناه الأعم فسوف تكون علاقة العلية والمعلولية عبارة عن استناد واقعة إلى واقعة أُخرى. على أنَّنا يجب أن نفحص في المرحلة اللاحقة طبيعة هذا الاستناد، الذي ينبغي أن يتطابق مع الواقع. نريد الآن أن نجيب على الاستفهام الذي طرحناه في الهامش السابق: هل قانون العلية قانون حقيقي وواقعي أم وهم وكاذب يعرض على الأذهان ؟

بدءً يلزمنا التذكير بأنَّنا إذا أنكرنا قانون العلية يلزمنا أن ننكر مرةً واحدة العلاقات بين الأشياء والوقائع ؛ إذ مرجع إنكار العلّية يعود إلى أحد أمرين لا ثالث لهما: فإمّا أن ينكر، جراء الإيمان بأنّ جميع الموجودات ذات

٢٣٠

نستنتج مما تقدم: ( كلّ موجود تتساوى نسبته إلى الوجود والعدم، فإنَّ وجوده الذي يساوي الوجوب، ينشأ من موجودٍ آخر [ العلّة ] ). ويمكن التعبير عن هذه النتيجة بالعبارة التالية: " لا بد للممكن من علّة في وجوده ".

وجوب ذاتي، وإنَّ الإمكان ( الذي هو لازم المعلولية ) وهم باطل، ومن ثمَّ فكل ما هو موجود أو معدوم أزلي وأبدي. وإنَّ الحدوث والزوال والتغيير والتكامل مفاهيم لا مصداق لها.

وأمّا أن ينكر، جراء الإيمان بالصدفة والاتّفاق. وإذا أخذنا أياَ من هذين الأمرين يلزم انفصال وعدم ارتباط الوقائع مع بعضها، وعندئذٍ يصبح انعكاس العالم الخارجي في أذهاننا بصورة وقائع منفردة أو مجتمعة، ولا نستطيع أن نتصوّر مجموعة العالم بصورة جهاز واحد، بل لا يمكننا أن نتصوّر أي مجموعة صغيرة من العالم بصورة جهاز مترابط الأجزاء.

من الممكن أن يطرح الوهم التالي: افترض أنَّنا آمنا مثلاً بنظريةديمقريطس التي أُعيدت لها الحيوية في القرن التاسع عشر، وآمنا أنَّ الأجسام مركّبة من أجزاء صغيرة لا تتجزّأ، وعلى حد تعبير "ماكسول " علاّمة القرن التاسع عشر الشهير: ( أحجار قصر العالم التي لا تفنى )، وآمنا أن هذه الذرّات أزلية وأبدية وقائمة بذاتها، ومن ثمّ لا علّة لها. عندئذٍ ننكر قانون العلّية، وفي نفس الوقت تكون أجزاء الجهاز الكوني مترابطة مع بعضها، والارتباطات القائمة بين جهاز العالم هي التي تنتج أنواع المركّبات من الجمادات والنبات والحيوانات.

لكن النظرية الفلسفية المنسوبة إلىديمقريطس لا تقوم على أساس نفي قانون العلّية، رغم عدم وجود علاقة سببية ـ وفق هذه النظرية ـ بين

٢٣١

على أساس البيان المتقدّم، فحينما نضع اليد على أيّ حادثة أو ظاهرة في العالم يلزمنا القول إنّها موجود، ووجودها ضمن شروطها وخصوصياتها ضروري ( حتمي ). وإنّها وجدت جراء تعاضد وتعاون مجموعة من الظواهر الأُخرى ( العلّة ). ولو لم تكن علّتها موجودة لم توجد، وبعبارة أُخرى يلزمنا القول: " وجود العلّة علّة لوجود المعلول، وعدم العلّة

الذرّات بعضها مع بعض، وعدم وجود علّة أُولى لها، ولكن كلّ ذرة من الذرّات ذات خصوصية أو خصوصيات معينة، وبواسطة هذه الخصوصيات يمكن تركيب الواضح أنَّ علاقة كلّ ذرّة بخصوصياتها، وكذلك علاقة كل ذرّة بالمركب الذي تنتجه هي علاقة العلّية والمعلولية.

إذن، فالنظرية الذرّية لا تقوم على أساس نفي قانون العلّية، فإنَّ نفي قانون العلية العام ـ كما قلنا ـ يستلزم نفي أيّ لون من الارتباط الواقعي بين الموجودات. إذ تنبع جميع الارتباطات بين الموجودات من علاقة العلية والمعلولية، ومع عدم وجود علاقة العلية سيعدم أيّ لون من ألوان الارتباط الواقعي بين الموجودات. نعم يخلق الإنسان أحياناً روابطَ بين الأشياء نظير رابطة الملكية والزوجية والرئاسة وغيرها، لكنّ هذه الروابط لا تتجاوز المرحلة الذهنية، بل هي اعتبارات ليس لها وجود عيني.

أمّا إذا آمنا بقانون العلّية ورأينا العالم بلباس العلّية والمعلولية، فسوف نذعن بترابط وتلاحم الوقائع مع بعضها، وسوف يظهر العالم الخارجي أمامنا بصورة جهازٍ متلاحم ومترابط الأجزاء. ومن هنا فالحديث عن قانون العلّية هو الحديث عن الارتباط والتلاحم بين موجودات العالم.

٢٣٢

علّة عدم المعلول ". [ رغم أنَّ مقولة " عدم العلّة علّة لعدم المعلّول " لا تخلو من مجازية ؛ إذ أنّ العدم ـ كما تقدّم في المقالة السابعة ـ مفهوم ذهني لا واقع له، ولكن حينما نفترض له واقعاً سوف لا يكون له حكم سوى الحكم السابق ]. ومن هنا نستنتج: " الشيء يتطلّب علة على كل حال ". ( على أنَّ الشيء في هذه النتيجة يشير إلى حالة تساوي الشيء بالنسبة إلى

يتفرّع عن قانون العلّية العام قوانين كثيرة، وهناك قانونان رئيسيان ما لم يثبتا فسوف لا يكون قانون العلّية العام كافياً لتفسير نظام الوجود، وأحد هذين القانونين هو قانون السنخية بين العلّة والمعلول، أي القانون الذي يقرّر أنَّ العلل الخاصة تنتج معلولات خاصة، وليس كلّ علّة يمكن أن تنتج أي معلول، بل هناك خصوصيات في العلل والمعلولات التي نتج بعضها من بعض. فنحن إذا آمنا بقانون العلّية العام وأنكرنا قانون السنخية فهذا ينتج ـ رغم عدم جواز وقوع أيّ حادثة بلا سبب ـ جواز صدور أيّ شيء من أيّ شيء، وفي هذه الحالة سوف لا يظهر لنا العالم بصورة نظام معيّن، وإن لم يظهر لنا بصورة موجودات منفصلة ومنفردة.

أمّا القانون الثاني الذي يتفرّع من قانون العلية العام فهو قانون امتناع انفكاك المعلول عن العلّة التامة، ويطلق على هذا القانون " قانون الحتمية، أو الجبر العلّي، أو الضرورة العلّية "، وهذا القانون تناولناه بالبحث في المقالة الثامنة. ويستنتج من قانون العلّية وقانون السنخية وقانون الجبر العلّي ثلاثة أفكار رئيسية:

١ ـ ترابط وتلاحم الموجودات.

٢ ـ نظام الموجودات الخاص.

٢٣٣

الوجود والعدم ). إذن ؛ إذا نظرنا إلى شيء مع غضّ النظر عن وجوده وعدمه فسوف يقع بين طرفي العدم والوجود المتقابلين، والعلّة هي التي تمنح أحد الطرفين مزّيةً ورجحاناً، ومن هنا نطلق على العلّة مصطلح المرجِّح. ومن هنا ينبغي أن نستنتج ما يلي:

٣ ـ وجوب وضرورة نظام الموجودات الخاص.

إذا أخذنا بنظر اعتبارنا الأفكار الثلاثة المتقدّمة، مضافاً إلى " امتناع تسلسل العلل وانتهاء سلسلة العلل بالعلّة بالذات " ـ كما مرّ في المقالة الثامنة ـ، مضافاً إلى وحدة العلّة بالذات ( حيث سيأتي إثبات ذلك في المقالة الرابعة عشرة "، فسوف يضحي مجموع العالم ـ رغم أبعاده اللامتناهية زمانياً ومكانياً ـ جهازاً واحداً متكاملاً، متلاحم الأجزاء ومترابطاً في أبعاده اللامتناهية.

اصطلح فلاسفة أُوربا على مذهب العلية "المذهب الميكانيكي "، ومن هنا يكون العالم على صورة جهاز مترابط الأجزاء والآلات، ويعمل بانتظام وبطريقة ميكانيكية. ولكنّنا سنقرّر لاحقاً أنَّ تصوّرنا عن العلّية يختلف عن تصوّر المذهب الميكانيكي، الذي يحصر العلاقات بالعلاقات المادية.

قانون العلّية:

فَرَزنا في طرحنا قانونَ العلية العام عن القانونين اللذين يتفرّعان منه، وهما قانون السنخية وقانون الجبر العلي، لكن كثيراً من الباحثين لم يميّزوا بين هذه القوانين، ومن هنا أدى عدم الفرز إلى الوقوع في أخطاء واستنتاجات باطلة، ونلاحظ أحياناً أنَّ بعض الباحثين يهاجم قانون العلية، ثمّ

٢٣٤

١ ـ بين وجود الشيء وعلّته علاقة ونسبة وجودية، لا تقوم بينه وبين غيرها.

٢ ـ العلّة التي تكون نسبتها إلى شيئين على حدٍّ سواء لا يمكن إطلاقاً أن تخصّص أحدهما بالوجود دون الآخر. ولا يمكن أيضاً أن يختص أحدهما بالوجود، ومن هنا تنطلق قاعدتان مشهورتان، أحدهما: استحالة الترجيح بلا مرجِّح، والأُخرى: استحالة الترجُّح بلا مرجِّح.

يتّضح بعد التأمّل أنَّ هجومه لا ينصب على قانون العلّية العام، بل ينصبّ على أحد القانونين المتفرّعين منه أو القوانين الأُخرى المتفرّعة منه. رغم أنَّ الملاحظة الفلسفية الدقيقة تثبت أنَّ إنكار أيّ من قانوني السنخية أو الجبر العلِّي يفضي إلى إنكار قانون العلية العام ؛ لكن التأمّل في كلمات الباحثين الذين هاجموا قانون العلية يوضح أنَّ هؤلاء لم يرفضوا أصل الارتباط والعلاقة العلّية، بل قصدوا رفض نظام معيّن وترتيب خاص للعلية، وهو يعادل قانون السنخية، أو قصدوا قانون الحتمية العلية.

لو أخذنا المتكلّمين مثلاً نجد أنَّ مذهبهم في الفاعل المختار جاء للرد على الحكماء في نظريّتهم بشأن ترتيب صدور الموجودات عن المبدأ الأوّل، هذا الترتيب الذي يقوم على أساس قانون السنخية، فأنكروا الترتيب السببي، وذهبوا إلى إطلاق إرادة المبدأ الأول وتدخّله في كلّ حادثة مباشرة. وقصدوا أيضاً رفض نظرية الحكماء الأُخرى، التي تقرّر لا نهائية سلسلة الزمان والزمانيات، هذه النظرية التي هي نتيجة التزام الحكماء بامتناع انفكاك المعلول عن العلة " الحتم العلّي "، إلاّ فالمتكلّمون يعترفون بأنَّ الفاعل يمنح لفعله الوجود، ومفهوم العلية في كلّ شيء لا يتعدّى ذلك.

٢٣٥

٣ ـ في ضوء النتيجة الثانية نصل إلى أنَّ الاختيار ( الذي يذعن به الإنسان، وفق الفهم السطحي ) لا وجود له في الواقع ؛ فالإنسان يتصوّر وفق النظرة السطحية أنَّه يستطيع حينما يواجه فعلين أو أفعالاً متكافئة اختيار أحدهما وممارسته، دون أن يكون فعله ضروري الوجود، أو بدون أن يكون هناك مرجح في البين، وبغية إثبات هذه النظرية الكاذبة طرحوا مجموعة مواردٍ أُغفلت فيها العلّة الموجبة والمرجِّحة أو كانت مجهولة. إلاّ

وحينما نلاحظ نصوص بعض علماء الفيزياء المُحدَثين، الذين أدانوا قانون العلّية، نجد ـ بعد شيءٍ من التأمّل ـ أنَّهم لم يقصدوا نفي أصل العلّية، بل قصدوا نفي نظام خاص بعالم الذرّات، وهو النظام الحتمي الجزمي. وسوف نستشهد بنصٍ لأحد علماء الفيزياء المشهورين في هذا المجال.

أجل ؛ فأنصار نظرية وحدة الوجود، الذين يقف في طليعتهم العرفاء. يمكن أن نعدّهم منكري قانون العلّية ـ ؛ إذ على أساس نظريّتهم لا يكون في الوجود سواه، وليس في العالم سوى المعشوق، وليس هناك سوى واقع واحد من جميع الجهات، ومن ثمّ ليس هناك تعدّد في البين، لكي نتحدّث عن ارتباط وارتهان واقع بواقع آخر. إنَّ عرفاء وحدة الوجود المحضة يأبون عن استخدام مصطلح العلّة والمعلول.

هناك فريق آخر يمكن أن نعدّهم منكري قانون العلية، هؤلاء الذين استعصى الأمر عليهم في تصور العلية والمعلولية، ولم يتمكّنوا من هضم فكرة منح الوجود من قبل شيء إلى شيء آخر، بل حسبوا أنَّ منح الوجود من قبل شيء إلى شيء آخر محال وممتنع. إنَّ جميع الذين ادعوا أنَّ الشيء لا يصير لا شيء، أو أنَّ اللاشيء لا يصير شيئاً، أو الذين قالوا باستحالة

٢٣٦

أنَّ الإنسان حينما يراجع وجدانه سوف يرى أنَّه ما لم يضم إلى الفعل مرجحاً نظرياً، وما لم يمنح الفعل سمة الضرورة لا تتحقّق لديه إرادة الفعل. والاختيار الذي لدى الإنسان ـ كما تقدّم في المقالة الثامنة ـ هو أنَّ الفعل بالنسبة إليه ليس حتمياً، رغم أنَّ الفعل حتمي وضروري بالنسبة إلى مجموع أجزاء العلة، التي يمثلها الإنسان وغير الإنسان.

الخلق من العدم، واتّخذوا هذه الفكرة دليلاً على عدم وجود المبدأ الأوّل، هم من هذا الفريق. وقد أثبتنا في المقالة الثامنة في البحث عن امتناع وجود المعدوم وعدم الموجود إنَّ ما تؤمن به الفلسفة من قاعدة في هذا المجال لا يفضي إلى أزلية وأبدية الموجودات، ولا يستلزم نفي المعلولية والخلق، عليك بمراجعة ذلك البحث، وسوف نكرّر البحث حول هذا الموضوع.

الحاجة إلى العلّة:

نغضّ الطرف عن العرفاء أنصار وحدة الوجود المحضّة، ونغضّ الطرف عن الذين استعصى عليهم تصوّر العلية والمعلولية. تبقى المدارس الأُخرى التي تناصر قانون العلّية. وأمام هذه المدارس يطرح سؤال خطير، والإجابة عليه تتضمّن مشكلات كثيرة، والسؤال هو: ما هو مناط الحاجة إلى العلّة ؟

قلنا سابقاً إنَّ مفهوم " لِمَ " سؤال عن علّة وجود الشيء، وبهذه الصيغة نستفهم عن علّة أي حادثة تقع. وحينما نجيب عن السؤال بشأن كلّ حادثة يلزمنا بيان علّة تلك الحادثة. لكن هناك سؤالاً فلسفياً مهمّاً، تقع على الفلسفة مسئولية الجواب عليه، والسؤال هو: ما هي علّة الحاجة إلى العلّة ؟ أي ما

٢٣٧

٤ ـ تنقسم العلّة إلى علّة تامة وعلّة ناقصة ؛ لأنَّ العلّة المؤلّفة من أجزاءٍ يحتاج المعلول إلى كلِّ واحد من أجزائها، كما يحتاج إلى مجموع الأجزاء ؛ إذن فكلُّ جزء من أجزاء العلّة ( كما هو حال مجموع الأجزاء ) علّة، وبزوال أي جزء منها يزول المعلول، ومن هنا يتّضح:

هي الخصوصية التي يتميّز بها الشيء لكي يكون وجوده ناشئاً من علّة ؟ وفي سياق الإجابة على هذا الاستفهام يطرح أنصار المدارس المختلفة نظرياتهم بشأن عمومية الحاجة إلى العلّة، أو وجود موجود لا يحتاج إلى علّة، ومناط الاستغناء والحاجة إلى العلّة.

هناك أربع نظريّات مطروحة من قبل أنصار قانون العلّية في هذا المجال:

١ـ النظرية الحسية: علة الحاجة إلى العلّة ـ وفق هذه النظرية ـ تنحصر في التوفّر على الوجود، والوجود ملازم للمعلولية. وعلى هذا الأساس يلزم القول: " إنَّ مناط الحاجة إلى العلّة هو عين الموجودية ". وكلّ شيء فهو محتاج إلى العلّة ومتكئ عليها، ويستحيل وجود موجود غير متكئ على العلّة. هذه نظرية المادّيين، الذين ذهبوا إلى عدم تناهي سلسلة العلل والمعلولات، ولم يذعنوا بوجود واجب الوجود، وعلّة العلل. تقف في مقابل هذه النظرية نظرية أُخرى للماديين، الذي يرون أنَّ التوفّر على الوجود يتناقض مع المعلولية والمخلوقية. ولا يقل سخف هذه النظرية عن النظرية السابقة.

دليل أنصار النظرية الأُولى هو: أنّنا لم نشاهد بالحس والتجربة حتى الآن سوى وجود أشياءٍ وحوادثَ معلولةٍ لعلل ؛ ومن هنا نفهم أنَّ الموجودية

٢٣٨

أ ـ إنَّ سمة العلّة التامة هي أنَّ المعلول بوجودها يتوفّر على ضرورة الوجود، وبعدمها يكون ضروري العدم، وسمة العلّة الناقصة أنَّ وجودها لا يحقّق ضرورة الوجود للمعلول، لكن عدمها يصيّر المعلولَ ضروريَ العدم.

ب ـ عدم العلّة التامة أو أيِّ من العلل الناقصة علّة تامة لعدم المعلول.

تلازم المعلولية. ولا أظن أنَّ نقص وضعف هذا الاستدلال يحتاج إلى بيان. وقد وقع هذا الفريق من الماديين بغية إثبات نظريتهم بمغالطةٍ خاصة، فقالوا إذا كان هناك موجود غير معلولٍ لعلّة يلزم أن يكون وجود هذا الموجود صدفةً واتّفاقاً، والصدفة محال عقلاً. وهذا الفريق من الماديين اتّخذ من امتناع الصدفة دليلاً على عدم وجود واجب الوجود. خذ على ذلك مثلاً الدكتورآراني في كتيبه الجبر والاختيار ( الصفحة الثالثة )، حيث يقول: " لا يمكننا أن نتصوّر أنّ هناك عالماً تقف فيه سلسلة العلل والمعلولات عند نقطة معينة، إذ يتناقض هذا التصوّر مع القانون الذي أذعنّا به، إذ يلزم أن تكون هذه النقطة معلولاً بلا علّة، وهذا محال منطقياً... " !! ويقول في الصفحة العاشرة أيضاً: " إنَّ الأهم من كل ذلك هو أنَّ الإيمان بالاتفاق يدفعنا بشكلٍ مباشر إلى الإيمان بالمعاجز والخرافات، ويضطرّنا إلى الإيمان بالخلق من العدم وسائر الأفكار الباطلة الأُخرى، كما حصل لأرسطو وسيسرون وليبنتز وولف في إثبات الصانع، حيث تمسّك هؤلاء بنظرية الاتّفاق... " !

هذه المغالطة مغالطة واضحة جداً. فالصدفة والاتّفاق أمر محال، يدركه كلّ فرد، إذ يستحيل أن يكون شيء غير موجودٍ في وقت ثمّ يوجد بلا

٢٣٩

٥ ـ إذا قارنّا بين النتيجة التي حصلنا عليها وفق المنهج الأوّل في بداية هذه المقالة ( إنَّ الشيء الذي لم يكن موجوداً في وقتٍ ما، ثمَّ وجد، لا بد أن تكون له علّة )، وبين النتيجة التي حصلنا عليها وفق المنهج الثاني ( كلّ ممكن يحتاج إلى علّة )، يتّضح أنَّ النتيجة الثانية أعمَّ و أوسع دائرةً من الأولى ؛ إذ من الممكن على أساس هذه النتيجة أن يكون هناك معلول قديم زماناً، وليس مسبوقاً بالعدم في أيَّ وقت من الأوقات، أمّا وفق النتيجة الأُولى فلا يصحُّ أن نصف مثل هذا الموجود بالحاجة إلى العلّة ؛ لأن هذه النتيجة تحكم في دائرة الموجودات، التي سبق عليها العدم الزماني.

علّة. وهذا أمر لا علاقة له بوجود واجب الوجود القديم والأزلي والقائم بالذات. وليس هناك أيّ فيلسوف حتى الآن تمسّك بنظرية الاتّفاق لإثبات الصانع، سوى فريق من المادّيين الذين حاولوا تفسير العالم على أساس نظرية الاتّفاق.

الغريب من هؤلاء السادة أنَّهم يتمسّكون أحياناً بقاعدة العلّية لنفي المبدأ الأوّل وخالق العالم، ويتمسّكون أحياناً بنظرية امتناع الخلق من العدم لإثبات نفي المبدأ الأوّل، بينا تقف نظرية امتناع الخلق من العدم في النقطة المقابلة تماماً لقانون العلّية. والطرح الجامع لشبهة امتناع الخلق من العدم ( هذه الشبهة التي أجاب عليها الفلاسفة أجوبةً دامغةً ) هي: أنَّ الخلق والعلّية، ومن ثمَّ إعطاء الوجود من قبل شيءٍ إلى شيءٍ آخر أمر محال ؛ لأنَّ المعلول والمخلوق إمّا أن يكون معدوماً وإما أن يكون موجوداً، فإذا كان معدوماً يلزم من تأثير العلّة في المعلول تبديل العدم بالوجود، وانقلاب العدم إلى الوجود أمر محال، وإذا كان موجوداً فهو ليس بحاجةٍ إلى علّة، والعلّة لا يمكنها أن

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303