أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي18%

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
تصنيف: كتب
الصفحات: 303

الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 303 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 98514 / تحميل: 9615
الحجم الحجم الحجم
أصول الفلسفة والمنهج الواقعي

أصول الفلسفة والمنهج الواقعي الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

بيعقوب » قال الرّجل: يا ابن رسول الله، ما الّذي نزل بيعقوب؟ قال: « كان يعقوب النّبيعليه‌السلام ، يذبح لعياله في كلّ يوم شاة، ويقسم لهم من الطّعام مع ذلك ما يسعهم، وكان في عصره نبي من الأنبياء كريم على الله لا يؤبه له، قد أخمل نفسه ولزم السّياحة، ورفض الدّنيا فلا يشتغل بشئ منها، فإذا بلغ من الجهد توخّى دور الأنبياء وأبناء الأنبياء والصّالحين، ووقف لها وسأل ممـّا يسأل السّؤال، من غير أن يعرف به، فإذا أصاب ما يسمك رمقه مضى لمـّا هو عليه، (ولمـّا أغري)(١) ليلة بباب يعقوب وقد فرغوا من طعامهم، وعندهم منه بقيّة كثيرة، فسأل فأعرضوا عنه، فلا هم أعطوه شيئاً ولا صرفوه، وأطال الوقوف ينتظر ما عندهم، حتّى أدركه ضعف الجهد وضعف طول القيام، فخرّ من قامته قد غشي عليه، فلم يقم إلّا بعد هَوِىّ من اللّيل، فنهض لمـّا به ومضى لسبيله، فرأى يعقوب في منامه تلك اللّيلة ملكاً أتاه فقال: يا يعقوب، يقول لك ربّ العالمين: وسعت عليك في المعيشة، وأسبغت عليك النّعمة، فيعتري ببابك نبيّ من أنبيائي كريم عليّ، قد بلغ الجهد فتعرض أنت وأهلك عنه، وعندكم من فضول ما أنعمت به عليكم ما القليل منه يحييه، فلم تعطوه شيئاً ولم تصرفوه فيسأل غيركم، حتّى غشي عليه فخرّ من قامته لاصقاً بالأرض عامّة ليلته، وأنت في فراشك مستبطن متقلّب في نعمتي عليك، وكلاكما بعيني، وعزّتي وجلالي لأبتلينّك ببليّة تكون لها حديثاً في الغابرين، فانتبه يعقوبعليه‌السلام مذعوراً، وفزغ إلى محرابه فلزم البكاء والخوف حتّى أصبح، أتاه بنوه يسألونه ذهاب يوسف معهم » ثمّ ذكر أبو جعفرعليه‌السلام قصّة يوسف بطولها.

____________________________

(١) في المصدر: وأنه أعترى ذات، والظاهر أنّه أصوب إذ أن عراه وأعتراه: غشيه طالباً معروفه (لسان العرب ج ١٥ ص ٤٤).

٢٠١

[ ٨٠٣٢ ] ١٠ - عماد الدّين الطبري في بشارة المصطفى: عن أبي البقاء ابراهيم بن الحسين البصري، عن أبي طالب محمّد بن الحسن، عن أبي الحسن محمّد بن الحسين بن أحمد، عن محمّد بن وهبان الدّبيلي، عن عليّ بن أحمد بن كثير العسكري، عن أحمد بن المفضّل أبي سلمة الأصفهاني، عن أبي علي راشد بن عليّ بن وائل القرشي، عن عبدالله بن حفص المدني، عن محمّد بن إسحاق، عن سعيد بن زيد بن أرطأة، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال فيما أوصاه إليه: « البركة في المال من إعطاء(١) الزكاة، ومواساة المؤمنين، وصلة الأقربين، وهم الأقربون(٢) يا كميل، زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين، وكن بهم أرأف وعليهم أعطف، وتصدّق على المساكين، يا كميل، لا تردّن سائلاً ولو بشقّ تمرة، أو من شطر عنب، يا كميل، الصّدقة تنمى عند الله تعالى » الخبر.

ورواه الحسن بن عليّ بن شعبة في تحف العقول(٣) ، ويوجد في بعض نسخ نهج البلاغة.

[ ٨٠٣٣ ] ١١ - الشيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب: عن الجواهر للشّيخ الفاضل محمّد بن محاسن البادرائي، أنّه روى: أنّ عيسىعليه‌السلام قال: من ردّ السائل محروماً، لا تغشى الملائكة بيته سبعة أيّام.

____________________________

١٠ - بشارة المصطفى ص ٢٥.

(١) في المصدر: إيتاء.

(٢) وفيه: الأقربون لنا.

(٣) تحف العقول ص ١١٥.

١١ - مجموع الغرائب:

٢٠٢

[ ٨٠٣٤ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « للسّائل حقّ وإن جاء على فرس ».

[ ٨٠٣٥ ] ١٣ - وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أنّ سائلاً كان يسأل يوماً، فقالعليه‌السلام : « أتدرون ما يقول؟ » قالوا: لا، يا ابن رسول الله قالعليه‌السلام : « يقول: أنا رسولكم إن أعطيتموني شيئاً أخذته وحملته إلى هناك، وإلا أرد إليه وكفّي صفر ».

[ ٨٠٣٦ ] ١٤ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « لو لا أنّ السّائلين(١) يكذبون، ما قدّس من ردّهم ».

[ ٨٠٣٧ ] ١٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه كان يقول: « اللّهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين » فقالت له إحدى زوجاته: لم تقول هكذا؟ قال: « لأنهم يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بأربعين عاماً، ثمّ قال: أنظري ألّا تزجري المسكين، وإن سأل شيئاً فلا تردّيه ولو بشقّ تمرة، واحبيه وقربيه إلى نفسك، حتّى يقرّبك الله تعالى إلى رحمته ».

[ ٨٠٣٨ ] ١٦ - وروي: أنّ الله تعالى يقول يوم القيامة لبعض عباده: استطعمتك فلم تطعمني، واستقيتك فلم تسقني، واستكسيتك فلم

____________________________

١٢ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧، وفي ج ٥ ص ٥٤٨، وأخرجه في البحار ج ٩٦ ص ١٧ ح ٢ عن جامع الأخبار ص ١٦٢.

١٣ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

١٤ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٧.

(١) في المصدر: السؤّال.

١٥ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٦٦.

١٦ - تفسير الشيخ أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ٢٨١.

٢٠٣

تكسني، فيقول العبد: إلهي أنّه كان، وكيف كان؟ فيقول تعالى: العبد الفلاني الجائع استطعمك فما أطعمته، والفلاني العاري استكساك فما كسوته، فلأمنعنك اليوم فضلي كما منعته.

[ ٨٠٣٩ ] ١٧ - أبو علي محمّد بن همام في كتاب التّمحيص: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا يكمل المؤمن إيمانه حتّى يحتوي على مائة وثلاث خصال - إلى أن عدّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها - لا يردّ سائلاً، ولا يبخل بنائل ».

[ ٨٠٤٠ ] ١٨ - البحار، عن الديلمي في أعلام الدين: عن أبي أمامة، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « قال الخضرعليه‌السلام : من سُئل بوجه الله عزّوجلّ فردّ سائله، وهو قادر على ذلك، وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد ولا لحم، (إلّا)(١) عظم يتقعقع » الخبر.

[ ٨٠٤١ ] ١٩ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن زيد الشحّام، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، قال: « ما سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً قطّ، فقال: لا، إن كان عنده أعطاه، وإن لم يكن عنده، قال: يكون إن شاء الله ».

[ ٨٠٤٢ ] ٢٠ - القطب الراوندي في لبّ اللّباب: عن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنّه خرج ذات يوم معه خمسة دراهم، فأقسم عليه

____________________________

١٧ - التمحيص ص ٧٤ ح ١٧١.

١٨ - البحار ج ١٣ ص ٣٢١ ح ٥٥ عن أعلام الدين ص ١١٢.

(١) في أعلام الدين: ولا.

١٩ - تفسير العياشي ج ١ ص ٢٦١ ح ٢١٢.

٢٠ - لبّ اللباب: مخطوط.

٢٠٤

فقير فدفعها إليه، فلمّا مضى فإذا بأعرابي على جمل، فقال له: اشتر هذا الجمل، قال: « ليس معي ثمنه »، قال: اشتر نسية، فاشتراه بمائة درهم، ثمّ أتاه إنسان فاشتراه منه بمائة وخمسين درهماً نقداً، فدفع إلى البايع مائة، وجاء بخمسين إلى داره، فسألته - أي فاطمةعليها‌السلام - عن ذلك، فقال: « أتجّرت مع الله، فأعطيته واحداً فأعطاني مكانه عشرة ».

[ ٨٠٤٣ ] ٢١ - وعن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من نهر سائلاً، نهرته الملائكة يوم القيامة ».

٢١ -( باب جواز ردّ السّائل، بعد إعطاء ثلاثة)

[ ٨٠٤٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه وقف به سائل وهو مع جماعة من أصحابه، فسأله فأعطاه، ثمّ جاء آخر فسأله فأعطاه ثمّ جاء الثّالث(١) فأعطاه ثمّ جاء الرّابع فقال له: « يرزقنا الله وإيّاك » ثمّ قال لأصحابه: « لو أنّ رجلاً عنده مائة ألف، ثمّ أراد ان يضعها موضعها لوجد ».

[ ٨٠٤٥ ] ٢ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن عجلان، قال: كنت عند أبي عبداللهعليه‌السلام ، فجاءه سائل، فقام إلى مكتل فيه تمر فملأ يده ثمّ ناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقام فأخذ بيده

____________________________

٢١ - لب اللباب: مخطوط.

الباب - ٢١

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٥ ح ١٢٦٦.

(١) في المصدر زيادة: فسأله.

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٨٩ ح ٥٩، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ١٦٩ ح ٥٩.

٢٠٥

فناوله، ثمّ جاء آخر فسأله، فقال: « رزقنا الله وإيّاك »(١) .

٢٢ -( باب عدم جواز الرّجوع في الصّدقة، وحكم صدقة الغلام)

[ ٨٠٤٦ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « إذا تصدّق الرّجل بصدقة، لم يحلّ له أن يشتريها، ولا أن يستوهبها، ولا أن يملكها، بعد أن تصدّق بها، إلّا بالميراث، فإنّها(١) إن دارت له بالميراث حلّت له ».

[ ٨٠٤٧ ] ٢ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن كتاب الفنون، قال: نام رجل من الحاجّ في المدينة فتوهّم أنّ هميانه سرق، فخرج فرأى جعفر الصّادقعليه‌السلام ، مصلّيا ولم، يعرفه فتعلّق به وقال له: أنت أخذت همياني، قال: « ما كان فيه؟ » قال: ألف دينار، قال: فحمله إلى داره، ووزن له ألف دينار، وعاد إلى منزله ووجد هميانه، فرجع(١) إلى جعفرعليه‌السلام معتذراً بالمال فأبى قبوله، وقالعليه‌السلام : « شئ خرج من يدي لا يعود إليّ » (إلى أن)(٢)

____________________________

(١) ورد في هامش الطبعة الحجرية، منه (قدّه) ما نصّه: « هذا الخبر رواه الكليني في الكافي ج ٤ ص ٥٥ ح ٧ بإسناده عن عجلان كما في الأصل، وفيه أنهم كانوا أربعة أعطى ثلاثة منهم وردّ الرابع فالظاهر أنّه سقط في نسخة العياشي جملة أخرى، والله العالم ».

الباب - ٢٢

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٣٩ ح ١٢٧٥.

(١) في الطبعة الحجرية « فانهما » وما أثبتناه من المصدر.

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٤ ص ٢٧٤.

(١) في المصدر: فعاد.

(٢) ليس في المصدر.

٢٠٦

قال: فسأل(٣) الرّجل، فقيل: هذا جعفر الصّادقعليه‌السلام ، قال: لا جرم هذا فعال مثله.

[ ٨٠٤٨ ] ٣ - السيّد عليّ بن طاووس في مهج الدّعوات: نقلاً من كتاب عتيق، حدّثنا محمّد بن أحمد بن عبدالله بن صفوة، عن محمّد بن العبّاس العاصمي، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن أبيه، عن محمّد بن الرّبيع الحاجب، عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام - في حديث طويل - أنّه قال: « إنّا أهل بيت لا نرجع في معروفنا » الخبر.

٢٣ -( باب استحباب التماس الدّعاء من السّائل، واستحباب دعاء السّائل لمن أعطاه)

[ ٨٠٤٩ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم، فإنّه يستجاب لهم فيكم، ولا يستجاب لهم في أنفسهم ».

[ ٨٠٥٠ ] ٢ - الشّيخ المفيد في الاختصاص: عن القاسم، عن بريد العجلي، عن أبيه، قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام ، فقلت له: جعلت فداك، قد كان الحال حسنة، وإنّ الأشياء اليوم متغيّرة، فقال: « إذا قدمت الكوفة فاطلب عشرة دراهم، فإن لم تصبها فبع وسادة من وسائدك بعشرة دراهم، ثمّ ادع عشرة من أصحابك واصنع لهم طعاماً، فإذا أكلوا فاسألهم فيدعوا الله لك » قال: فقدمت الكوفة فطلبت عشرة دراهم فلم أقدر عليها، حتّى بعت

____________________________

(٣) وفيه: فسأل عنه.

٣ - مهج الدعوات ص ١٩٦.

الباب - ٢٣

١ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ١٣٦ ح ٤٧٨.

٢ - الاختصاص ص ٢٤.

٢٠٧

وسادة لي بعشرة دراهم كما قال، وجعلت لهم طعاماً، ودعوت أصحابي عشرة، فلمّا أكلوا سألتهم أن يدعوا الله لي، فما مكثت حتّى مالت إليّ(١) الدّنيا.

٢٤ -( باب استحباب المساعدة على إيصال الصّدقة والمعروف إلى المستحقّ)

[ ٨٠٥١ ] ١ - الصّدوق في الخصال: عن حمزة بن محمّد العلوي(١) ، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن جعفر الأشعري، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن الصّادقعليه‌السلام ، عن آبائه، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٢ ] ٢ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من شفع شفاعة حسنة أو أمر بمعروف، فإن الدّال على الخير كفاعله ».

[ ٨٠٥٣ ] ٣ - القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب: قال: روي أنّ الصّدقة لتجري على سبعين رجلاً، تكون أجر آخرهم كأوّلهم.

____________________________

(١) في المصدر عليّ.

الباب - ٢٤

١ - الخصال ص ١٣٤ ح ١٤٥.

(١) كذا في المصدر، وفي النسخة الحجرية « حمزة بن الحسن العلوي » راجع معجم رجال الحديث ج ٦ ص ٢٧٨ و ٢٨١، ومجمع الرجال ج ٧ ص ٢٣٦.

٢ - الجعفريات ص ١٧١.

٣ - لب اللباب: مخطوط.

٢٠٨

[ ٨٠٥٤ ] ٤ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الخازن الأمين الذي يؤدّي ما ائتمن به، طيبة به نفسه فإنّه أحد المتصدّقين ».

[ ٨٠٥٥ ] ٥ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « صدقة المرأة من بيت زوجها، غير مسرفة ولا مضرّة، مع علم عدم كراهيّة، لها أجر وله مثلها، لها بما أنفقت، وله بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك ».

٢٥ -( باب مواساة المؤمن في المال)

[ ٨٠٥٦ ] ١ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « أشدّ الأعمال ثلاثة: إنصاف النّاس من نفسك، حتّى لا ترضى لهم إلّا ما ترضى به لها منهم، ومواساة الأخ في الله(١) ، وذكر الله على كلّ حال ».

[ ٨٠٥٧ ] ٢ - وعن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: قلت: ما أشدّ ما عمل العباد؟ قال: « إنصاف المرء من نفسه، ومواساة المرء أخاه، وذكر الله على كلّ حال » الخبر.

[ ٨٠٥٨ ] ٣ - الصّدوق في مصادقة الإخوان: عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « إختبر شيعتنا في خصلتين، فإن كانتا

____________________________

٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٤.

٥ - درر اللآلي ج ١ ص ١٥.

الباب - ٢٥.

١ - الغايات ص ٧٣.

(١) في المصدر: المال.

٢ - الغايات ص ٧٤.

٣ - مصادقة الإخوان ص ٣٦ ح ٢.

٢٠٩

فيهم (وإلّا فاغرب ثمّ اغرب)(١) ، قلت: ما هما؟ قال: المحافظة على الصّلاة(٢) ، والمواساة للإخوان وإن كان الشّئ قليلاً ».

[ ٨٠٥٩ ] ٤ - الآمدي في الغرر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « المواساة أفضل الأعمال، وقال(١) : أحسن الإحسان مواساة الإخوان ».

[ ٨٠٦٠ ] ٥ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: « يجئ أحدكم إلى أخيه، فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه »، فقلت: ما أعرف ذلك فينا، قال: فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « فلا شئ إذاً »، قلت: فالهلكة إذاً؟ قال: « إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد ».

[ ٨٠٦١ ] ٦ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : سيّد الأعمال ثلاث: إنصاف النّاس من نفسك ومواساة الأخ في الله، وذكرك الله تعالى في كلّ حال ».

[ ٨٠٦٢ ] ٧ - أصل من أصول القدماء: قال: دخل رجل إلى جعفر بن

____________________________

(١) في المصدر: وإلّا فأعزب ثمّ أعزب.

(٢) في المصدر: الصلوات في مواقيتهن.

٤ - درر الحكم ودرر الكلم ص ٤٧ ح ١٣٥٩.

(١) نفس المصدر ص ١٨٤ ح ١٩٧.

٥ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٣.

٦ - الجعفريات ص ٢٣٠.

٧ - أصل من أصول القدماء.

٢١٠

محمّدعليهما‌السلام ، وقال: يابن رسول الله، ما المروّة؟ قال: « ترك الظّلم ومواساة الإخوان في السّعة » الخبر.

[ ٨٠٦٣ ] ٨ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه أوصى لبعض(١) شيعته فقال: يا معشر شيعتنا، اسمعوا وافهموا وصايانا وعهدنا إلى أوليائنا، اصدقوا في قولكم، وبرّوا في أيمانكم لأوليائكم واعدائكم، وتواسوا بأموالكم، وتحابّوا بقلوبكم » الخبر.

وباقي أخبار الباب، يأتي في أبواب العشرة من كتاب الحجّ.

٢٦ -( باب استحباب الإيثار على النّفس ولو بالقليل، لغير صاحب العيال)

[ ٨٠٦٤ ] ١ - الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن: عن سماعة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: سألناه عن الرّجل لا يكون عنده إلّا قوت يومه، ومنهم من عنده قوت شهر، ومنهم من عنده قوت سنة، أيعطف من عنده قوت يوم على من ليس عنده شئ؟ ومن عنده قوت شهر على من دونه؟ والسّنة(١) على نحو ذلك؟ وذلك كلّه الكفاف الذي لا يلام عليه، فقالعليه‌السلام : « هما أمران، أفضلهم(٢) فيه أحرصكم على الرّغبة فيه والأثرة على نفسه، إنّ الله عزّوجلّ

____________________________

٨ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٦٤.

(١) في المصدر: بعض، والظاهر هو الصحيح.

الباب - ٢٦

١ - المؤمن ص ٤٤ ح ١٠٢.

(١) في المصدر: ومن عنده قوت سنة على من دونه.

(٢) وفيه: أفضلكم.

٢١١

يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٣) وإلّا لا يلام عليه، اليد العليا خير اليد السّفلى، ويبدأ بمن يعول ».

[ ٨٠٦٥ ] ٢ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « قد فرض الله التّحمل على الأبرار في كتاب الله »، قيل: وما التّحمل؟ قال: « إذا كان وجهك آثر من(١) وجهه التمست له، وقال في قول الله عزّوجلّ:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (٢) وقال: لا تستأثر عليه بما هو أحوج إليه منك ».

[ ٨٠٦٦ ] ٣ - سبط الشّيخ الطّبرسي في مشكاة الأنوار: عن الصّادقعليه‌السلام ، أنّه سئل: ما أدنى حقّ المؤمن على أخيه؟ قال: « أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه ».

[ ٨٠٦٧ ] ٤ - وعن أنس [ قال ](١) : أنّه أهدي لرجل من أصحاب النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، رأس شاة مشوي فقال: إنّ أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا حقّاً، فبعث [ به ](٢) إليه، فلم يزل يبعث به واحد بعد واحد، حتّى تداولوا بها سبعة أبيات، حتّى رجعت إلى الأوّل، فنزل( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٢ - المؤمن ص ٤٤ ج ١٠٤.

(١) في الطبعة الحجرية « عن » وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٣ - مشكاة الأنوار ص ١٩٢.

٤ - مشكاة الأنوار ص ١٨٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه ليستقيم المعنى.

٢١٢

نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) وفي رواية: فتداولته تسعة أنفس، ثمّ عاد إلى الأوّل.

[ ٨٠٦٨ ] ٥ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « ثلاثة من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، والإنصاف من نفسك، وبذل السّلام لجميع العالم ».

[ ٨٠٦٩ ] ٦ - زيد الزرّاد في أصله: قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : نخشى أن لا نكون مؤمنين، قال: « ولم ذاك؟ » فقلت: وذلك أنّا لا نجد فينا من يكون أخوه عنده آثر من درهمه وديناره، ونجد الدّينار والدّرهم آثر عندنا من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال: « كلّا، إنّكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنين كاملين، ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون، إذاً لرفعنا الله إليه، وأنكرتم الأرض وأنكرتم السّماء، [ بل ](١) والذي نفسي بيده، إنّ في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدّنيا كلّها عندهم يعدل جناح بعوضة - إلى أن قالعليه‌السلام - هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر، والمؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم الله فقال:( وَيُؤْثِرُونَ ) (٢) الآية - إلى أن

____________________________

(٣) الحشر ٥٩: ٩.

٥ - الجعفريات ص ٢٣١.

٦ - أصل زيد الزرّاد ص ٦.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) الحشر ٥٩: ٩.

٢١٣

قال - حليتهم طول السكوت بكتمان السّر، والصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والصوم: والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر » الخبر.

[ ٨٠٧٠ ] ٧ - وفيه: قال زيد: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: « خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان، وفي ذلك محبّة من الرّحمان، ومرغمة من الشّيطان، وتزحزح عن النّيران ».

[ ٨٠٧١ ] ٨ - الشّيخ الطّوسي في أماليه: بإسناده عن أبي ذر رحمه الله، عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: « جهد من مقل إلى فقير (في سرّ)(١) ».

كتاب الغايات(٢) لجعفر بن أحمد القمي: مثله.

[ ٨٠٧٢ ] ٩ - وعن أبي بصير، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: قلت: ما أفضل الصّدقة؟ قال: « جهد المقلّ، أما سمعت الله يقول:( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) ويرى هيهنا فضلاً ».

[ ٨٠٧٣ ] ١٠ - محمّد بن علي بن شهر آشوب في المناقب: قال: روى جماعة عن عاصم بن كليب، عن أبيه واللّفظ له، عن أبي هريرة: أنّه جاء

____________________________

٧ - أصل زيد الزراد ص ٢.

٨ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ١٥٣.

(١) كان في الطبعة الحجرية « محتال ».

(٢) الغايات ص ٦٨.

٩ - الغايات ص ٧٧.

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٠ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٤.

٢١٤

رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلّا الماء، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لهذا الرّجل اللّيلة؟ » فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « أنا يا رسول الله » فأتى فاطمةعليها‌السلام وسألها: « ما عندك يا بنت رسول الله؟ فقالت: ما عندنا إلّا قوت الصّبية، لكنّا نؤثر ضيفنا به، فقالعليه‌السلام : يا بنت محمّد نوّمي الصّبية، واطفئي المصباح، وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغا من الأكل أتت فاطمةعليها‌السلام بسراج، فوجدت الجفنة مملوّة من فضل الله، فلمّا أصبح صلى مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا سلّم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلاته، نظر إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وبكى بكاءً شديداً وقال: « يا أمير المؤمنين، لقد عجب الرّب من فعلكم البارحة، إقرأ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) (١) » أي مجاعة الخبر.

[ ٨٠٧٤ ] ١١ - وعن محمّد بن العتمة(١) ، عن أبيه، عن عمّه، قال: رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة وفي يده صحفة، يقول: « اللّهم وليّ المؤمنين(٢) وجار المؤمنين، اقبل قرباني اللّيلة، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني، فإنّك تعلم إنّي منعت نفسي [ مع شدّة ](٣) سغبي، أطلب القربة إليك غنماً، اللّهم فلا تخلق وجهي ولا تردّ دعوتي » فأتيته حتّى عرفته فإذا هو عليّ بن أبي طالب

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١١ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦، وعنه في البحار ج ٤١ ص ٢٩.

(١) في المصدر: الصمة.

(٢) في المصدر زيادة: وإله المؤمنين.

(٣) أثبتناه من المصدر.

٢١٥

عليه‌السلام ، فأتى رجلاً فأطعمه.

[ ٨٠٧٥ ] ١٢ - الشّيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن شقيق بن سلمة، عن عبدالله بن مسعود، قال: صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة صلة العشاء، فقام رجل من بين الصّف، فقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار، أنا رجل غريب فقير، وأسألكم في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاطعموني، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّها الحبيب لا تذكر الغربة، فقد قطعت نياط قلبي، أمّا الغرباء فأربعة، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: مسجد ظهراني قوم لا يصلّون فيه، وقرآن في أيدي قوم لا يقرؤون فيه، وعالم بين قوم لا يعرفون حاله ولا يتفقّدونه، وأسير في بلاد الرّوم بين الكفّار لا يعرفون الله، ثمّ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من الذي يكفي مؤونة هذا الرّجل؟ فيبوّئه الله في الفردوس الأعلى، فقام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأخذ بيد السائل، وأتى به إلى حجرة فاطمةعليها‌السلام ، فقال: يا بنت رسول الله، انظري في أمر هذا الضّيف، فقالت فاطمةعليها‌السلام : يا ابن العمّ، لم يكن في البيت إلّا قليل من البرّ، صنعت منه طعاماً، والأطفال محتاجون إليه، وأنت صائم، والطّعام قليل لا يغني غير واحد، فقال: أحضريه، فذهبت وأتت بالطّعام ووضعته، فنظر إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام فرآه قليلاً، فقال في نفسه: لا ينبغي أن آكل من هذا الطّعام، فإن أكلته لا يكفي الضيف، فمدّ يده إلى السّراج يريد أن يصلحه فأطفأه، وقال لسيّدة النّساءعليها‌السلام : تعلّلي في إيقاده، حتّى يحسن الضّيف أكله ثمّ إثتيني به، وكان أميرالمؤمنينعليه‌السلام يحرّك فمه المبارك، يري الضّيف أنّه يأكل ولا يأكل، إلى أن فرغ الضّيف من

____________________________

١٢ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٨٩.

٢١٦

أكله وشبع، وأتت خير النّساءعليها‌السلام بالسّراج ووضعته، وكان الطّعام بحاله، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لضيفه: لم ما أكلت الطّعام؟ فقال: يا أبا الحسن أكلت الطّعام وشبعت، ولكنّ الله تعالى بارك فيه، ثمّ أكل من الطّعام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وسيّدة النّساء، والحسنانعليهم‌السلام ، وأعطوا منه جيرانهم، وذلك ممـّا بارك الله تعالى فيه، فلمّا أصبح أمير المؤمنينعليه‌السلام أتى إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي، كيف كنت مع الضّيف؟ فقال: بحمد الله - يا رسول الله - بخير، فقال: إنّ الله تعالى تعجّب ممـّا فعلت البارحة، من إطفاء السّراج والامتناع من الأكل للضّيف، فقال: من أخبرك بهذا؟ فقال: جبرائيل، وأتى بهذه الآية في شأنك( وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) (١) الآية ».

[ ٨٠٧٦ ] ١٣ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام : أنّه رأى يوماً جماعة فقال: « من أنتم؟ » قالوا: نحن قوم متوكّلون، فقال: « ما بلغ بكم توكّلكم؟ » قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، فقالعليه‌السلام : « هكذا يفعل الكلاب عندنا »، فقالوا: كيف نفعل يا أمير المؤمنين؟ فقال: « كما نفعله، إذا فقدنا شكرنا، وإذا وجدنا آثرنا ».

____________________________

(١) الحشر ٥٩: ٩.

١٣ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٥ ص ٢٩٠.

٢١٧

٢٧ -( باب استحباب تقبيل الإنسان يده بعد الصّدقة، وتقبيل ما تصدّق به، وشمّه بعد القبض، وتقبيل يد السّائل)

[ ٨٠٧٧ ] ١ - الشّيخ في مجالسه: عن أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزّبير، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن العبّاس بن عامر، عن أحمد بن رزق الغمشاني، عن أبي أسامة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « كان عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يقول: الصّدقة تطفئ غضب الرّب، قال: وكان يقبل الصّدقة قبل أن يعطيها السّائل، قيل له: ما يحملك على هذا؟ قال: فقال: لست أقبل يد السّائل، إنّما أقبل يد ربي، إنها تقع في يد ربي، قبل أن تقع في يد السّائل ».

٢٨ -( باب استحباب القرض للصّدقة، وصدقة من عليه قرض، واستحباب الزّيادة في قضاء الدين)

[ ٨٠٧٨ ] ١ - كتاب جعفر بن محمّد بن شريح الحضرمي: عن ذريح المحاربي، قال: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : « أتى رجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل: أنا يا رسول الله، وأسلفه أربعة أوساق، ولم يكن له غيرها، فأعطاها السائل، فمكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما شاء الله، ثمّ أنّ المرأة قالت لزوجها: أما

____________________________

الباب - ٢٧

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٨٥.

الباب - ٢٨

١ - بل كتاب محمّد بن المثنى الحضرمي ص ٨٣.

٢١٨

آن لك أن تطلب سلفك، فتقاضي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال: سيكون ذلك، ففعل ذلك الرّجل مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ أنّه دخل ذات يوم عند اللّيل، فقال له ابن له: جئت بشئ؟ فإنّي لم أذق شيئاً اليوم، ثمّ قال: والولد فتنة، فغدا الرّجل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: سلفي، فقال: سيكون ذلك، فقال: حتّى متى سيكون ذلك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من عنده سلف؟ فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فأسلفه ثمانية أوساق، فقال الرّجل: إنّما لي أربعة، فقال له: خذها، فأعطاها إيّاه ».

[ ٨٠٧٩ ] ٢ - إبن شهر آشوب في المناقب: قال: روت الخاصّة والعامّة، عن الخدري: أنّ عليّاًعليه‌السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمةعليها‌السلام طعاماً، فقالت: « ما كان إلّا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين » - إلى أن قال - فخرج واستقرض من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله المقداد قائلاً: ما شاء الله، فناوله عليّعليه‌السلام الدينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه ونام الخبر.

وهذا الخبر، رواه جماعة من أصحابنا، بألفاظ مختلفة، أجمعها وأطولها ما رواه الشّيخ أبوالفتوح الرّازي(١) في تفسيره، وقد أخرجناه في كتابا المسمّى بالكلمة الطّيبة.

____________________________

٢ - المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٧٦.

(١) تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٤٦٣.

٢١٩

٢٩ -( باب تحريم السّؤال من غير احتياج)

[ ٨٠٨٠ ] ١ - الشيخ الطوسي في مجالسه: عن الحسين بن إبراهيم، عن محمّد بن وهبان، عن أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن علي الزّعفراني، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : « يا محمّد، لو يعلم السّائل ما في المسألة، ما سأل أحد أحداً، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة، ما ردّ أحد أحداً - قال: ثمّ قال لي - يا محمّد، أنّه من سأل وهو بظهر(١) غنى، لقي الله مخموشاً وجهه ».

[ ٨٠٨١ ] ٢ - القطب الرّاوندي في الخرائج: روى أنّ رجلاً جاء إلى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما طعمت طعاماً منذ يومين، فقال: « عليك بالسّوق » فلمّا كان من الغد، دخل فقال: يا رسول الله، أتيت السّوق أمس فلم أصب شيئاً، فبتّ بغير عشاء، قال: « فعليك بالسّوق » فأتى بعد ذلك أيضاً، فقال: « عليك بالسّوق » فانطلق إليها، فإذا عير قد جاءت وعليها متاع فباعوه بفضل دينار، فأخذه الرّجل وجاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ما أصبت شيئاً، قال: « بل أصبت من عير آل فلان شيئاً » قال: لا، قال: « بلى، ضرب لك فيها بسهم، وخرجت منها بدينار » قال: نعم، قال: « فما حملك على أن تكذب؟ » قال: أشهد أنّك صادق، ودعاني إلى ذلك إرادة أن أعلم، أتعلم ما يعمل النّاس؟ وأن أزداد خيراً إلى

____________________________

الباب - ٢٩

١ - أمالي الطوسي ج ٢ ص ٢٧٧.

(١) في المصدر: يظهر غنى.

٢ - الخرائج والجرايح ص ٨٠ باختلاف يسير.

٢٢٠

المقالة التاسعة:

العلّة والمعلول

٢٢١

٢٢٢

العِلّة والمعلول

أوضحنا في المقالات السابقة أنَّنا في اليوم الأوّل من وجودنا، حيث نطلّ على هذا العالم المليء بالحوادث والتحوّلات، نضع أيدينا على ذاتنا وفعالياتنا الذاتية ( العلم والإرادة...) وعلى أساس قياسنا للنسبة بين ذاتنا وأفعالنا الأخرى التي تشبه أفعالنا ( المعلومات الحسّية التي نحصل عليها عن طريق الحس )، والتي ليست تحت اختيارنا، نثبّت جوهراً آخر، وهو موضوع هذه الصفات والآثار. فهذا السواد والبياض اللذان نراهما، وهذه الحرارة والبرودة اللتان نحس بهما، وهذا الطعم الذي نتذوّقه، وهذه الرائحة التي نشمّها، والنغمة التي نسمعها، كلّ هذه الظواهر تعود لذلك الشيء الذي يتوفّر على هذه الصفات، فهذه الصفات على غرار صفتي علمي وإرادتي، اللتين لا تحصلان بدون " أنا "، فهذه الصفات إذن غير ذاتي، بل هي إلى جانب ذاتي، لأنَّ أياً منها ليست تحت اختياري، ومن هنا نذعن بوجود واقع خارج ذواتنا ( المقالة ٢ ـ ٥ ).

من هنا تتبلور أرضية قانون العِلّية والمعلول العام (١) ، فيقرّر الإنسان بشكل قاطع أنَّ الفعل لا يقع إطلاقاً بدون فاعل، وإنَّ كلّ معلول يتطلّب علّة، ثمّ بحكم ملاحظة الحوادث والظواهر المختلفة يتأيّد هذا القانون باستمرار،

١ ـ يقع بحث العِلّة والمعلول في المرتبة الأساسية بين بحوث الفلسفة، ويتفرّع هذا البحث إلى مجموعة قضايا. تكرّر طرح هذا البحث في المقالات المتقدّمة، خصوصاً في المقالة الثامنة، بل أُقيم الدليل على بعض القضايا

٢٢٣

ويصمد أما الاختبار، وعلى هذا الأساس ينعطف الإنسان حين سماع أي صوت والإحساس بأيّ حدث صغيرٍ أو كبيرٍ على البحث عن علّته، وإذا لم يستطع تحديد العلّة لحدثٍ ما فسوف يفترض له علّة مجهولة.

المتفرّعة من هذا البحث، وسيتحتّم علينا في المقالات القادمة بحكم مستلزمات البحث طرح بعض قضايا قانون العِلّية، على أنَّ ما تمَّ إثباته في المقالات السابقة لا يعاد تكراره، كما أنَّ القضايا التي تتوقّف على معطيات البحث في المقالات القادمة سنأتي على إيضاحها في محلّها الملائم.

إنَّ قانون العِلّية أوّل قضية فلسفية ( من بين قضايا الفلسفة ) استحوذت على الفكر البشري، ودفعته صوب التفكير لكشف لغز الوجود. فبالنسبة للإنسان الذي يتمتّع بإمكانية التفكير يمثل قانون العٍلّية أهم العوامل التي تقذف به في تيار التأمّل، هذا القانون الذي يُعبّر عنه: لكلّ حادثة علّة. وفي ضوء ذلك يتبلور في الذهن البشري مفهوم " لِم ".

مفهوم ( لِمَ ) هو الاستفهام الذي يطرحه الذهن عن علّة الأشياء، ولو لم يكن الذهن متوفّراً على فهم عام عن العِلّة والمعلول، أي لم يُذعن بقانون العِلّية وأنَّ لكل حادثة علّة، فسوف لا يجد مفهوم ( لِم ) موقعاً في الذهن، بل لا ينبثق مثل هذا المفهوم في الذهن من حيث الأساس.

تأتي حركات الطفل والحيوان أيضاً على نظام وترتيب، وكأنَّهما يدركان العلاقة بين العِلّة والمعلول. لكن هذا الإدراك على افتراضه مبهم ومجرّد دون شك، إذ يأتي محدوداً بحدود تجاربهما اليومية، ويمكن اعتبار إدراك الحيوان والطفل في هذا المجال ـ كما تقدّم في هوامش المقالة الخامسة ـ لوناً من " تداعي المعاني " و " العادة الذهنية "، التي تحصل جَرّاء

٢٢٤

إنَّ هذه الظاهرة يمكن أن تجدها لدى كلّ موجود ذي إحساس، حتى المجانين والمتخلّفين عقلياً، فهولاء يتكلّمون من أجل تفهّم وتفهيم

التكرار. أي إنَّ ذهن الحيوان والطفل بدون أن يتوفّر على تصوّر لمفهوم العِلّية ينتقل من حادثة إلى الحادثة الأخرى بحكم العادة وتداعي المعاني المترابطة. وممّا لا شك فيه أنَّ الطفل والحيوان لا يدرك قانون العِلّية كقانون كلّي ويقيني، بل يختص بهذا الإدراك الإنسان المُهيأ بالفعل للتفكير المنطقي، وإذا فُرض أنَّ بعض الحيوانات العُليا تتمتّع بهذا اللون من الإدراك لقانون العِلّية فسوف تكون متوفّرة حتماً على القدرة المنطقية على التفكير.

إنَّ انخراط الإنسان في مسيرة التأمّل والتفكير المنطقي له عامل آخر، وهو إمكانيته على قراءة عالمه الداخلي ووعي ذاته. وعلى أساس هذه الإمكانية يمكن للإنسان إن يعلم بعلمه أو بجهله. أنَّ الحكماء يدعون ميزةً للإنسان عن الحيوان، تكمن في قدرة الإنسان على العلم بجهله وعلمه، والتفاته إلى أنَّه يعرف القضية "س" ويجهل القضية "ص"، أمّا الحيوان فليس لديه هذه القدرة، وبتعبير آخر: إنَّ الحيوان على الدوام أمّا أن يكون جاهلاً جهلاً مركّباً، وإمّا أن يكون عالماً علماً بسيطاً، بينا يمكن للإنسان أن يكون جاهلاً جهلاً بسيطاً وعالماً علماً مركّباً.

يتعامل الإنسان مع حوادثٍ لا يعرف علّتها، وبحكم قدرته على وعي ذاته يشعر بجهله، لكنّه يعرف ـ على أساس إدراكه لقانون العِلّية العام ـ أنّ لهذه الحوادث عللها في الواقع، ومن ثمَّ يعكف على البحث عن علل الحوادث بدافع البحث عن الحقيقة أو بدافع حاجاته الحياتية. فإن وقف على العِلّة الواقعية في هذا البحث فقد بلغ هدفه، وإلاّ اكتفى بالإيمان بوجود عِلّة خفية،

٢٢٥

أغراضهم، ويمارسون أعمالاً بُغية إيصال مقاصدهم وهكذا.. بل أدنى درجات الملاحظة تؤكّد أنَّ أساس حياة كلّ كائن حي بحجم ما لديه من شعور ووعي يتكئ على هذا القانون " قانون العلة والمعلول ". ولو كان

ولعله يفترض عِلّة وهمية إرضاءً لغريزة البحث ؛ ومن هنا قالوا إنَّ الإنسان البدائي بحكم مستواه العقلي الأولي لم يستطع تفسير الحوادث الطبيعية، فأرجعها إلى آلهة والأرواح الخبيثة والطيبة. على أنَّ هذا الأمر شاهد على إدراك الذهن البشري لقانون العِلّية، وأنّ الذهن لم يكن باستطاعته أن يفترض الحوادث الطبيعية صدفة واتفاقاً، لا عِلّة لها. غاية ما في الأمر أنَّه لم يكن قادراً على رؤية الحقيقة، ومن هنا تذرّع بالخرافة والتفسيرات البدائية.

كانت الفلسفة ـ في ضوء معطيات تاريخ الفلسفة ـ في سالف أيامها القديمة تطوي مرحلة طفولتها، وقد امتزجت مع كلّ فروع المعرفة، وكانت تدّعى آنذاك " علم العلل والأسباب ". وفي المراحل القريبة ـ حيث أخذت الفلسفة تنفصل عن العلوم ـ نلاحظ أنَّ الفلسفة تعرّف أحيانا بـ " علم العلل الأولى ". ورغم أنَّنا لا نؤمن بسلامة هذا التعريف من زاوية فنية، إلاّ أنَّنا لا نشك في أنَّ أهم توقّعات البشرية من الفلسفة هي أن تكشف عن العِلل الأولية لعالم الوجود، ليتعرف الإنسان على السر الأول للعالم.

وفق منهجنا ـ الذي قد تعرّف عليه القارئ المحترم ـ يلزمنا أن ندرس قانون العِلّية عبر التحليل العقلي، انطلاقاً من الأصول البديهية، التي تشكل أساس الفكر البشري، هذه الأصول التي يضمن صحّتها العقل ذاته، دون واسطة، ودون أن تلعب أي تجربة دوراً فيها، بل هذه الأُصول ذاتها هي التي تضمن صحّة التجربة أيضاً. أي أنَّنا نعالج قانون العِلّية من زاوية

٢٢٦

الإنسان أو أي كائن حساس آخر لا يؤمن بعِلّية ومعلولية ما بين ذاته وبين فعله، وما بين فعله وبين إنجاز هدفه، فسوف لا يصدر عنه أقل نشاط وفَعّالية إطلاقاً، وسوف لا يتوقع حدوث أي شيء، ولا ينتظر حدوثه.

عقلية لا تجريبية، ونحن نرى أنَّ قانون العلية مسألة فلسفية محضة، وليست مسألة فلسفية تعتمد نظريات الفيزياء أو غيرها. ونرى أيضاً أنَّ إدخال التجارب الفيزيائية في عمليات إثبات أو نفي العِلّية لغو لا طائل من ورائه، بل الاعتماد على هذه التجارب في هذا الإثبات يفضي إلى عدم الاعتماد عليها، وهذا ما سيتّضح ضمن الأبحاث القادمة.

الصورة التي يمتلكها الإنسان عن العلّة والمعلول هي أنَّهما أمران معينان، أحدهما معطٍ للوجود والواقع الآخر، والآخر متلقٍ للوجود والواقع من الأول. الأسئلة التي تحتل المرتبة الأولى في الذهن بشأن قانون العِلّية هي: من أين ينشأ تصوّر العِلّية في الذهن ؟ هل يدرك الإنسان قانون العِلّية بواسطة إحدى حواسه، كما يدرك الحرارة والبرودة والإيقاع الموزون والأصوات الناشزة والثقل والحلاوة وغيرها، أم أنَّه يدركها بواسطة أخرى ؟ وما هي هذه الواسطة ؟ لقد تناولنا الإجابة على هذه الأسئلة عبر المقالة الخامسة.

هناك سؤال آخر: هل قانون العِلّية قانون حقيقي وواقعي أم لا ؟ أي هل هناك في الواقع علاقة عِلّية ومعلولية، أم أنَّ هذا القانون في الحقيقة إيهام يقع فيه الذهن ؟ حتى ظهور الفيزياء الحديثة لا تعثر بين الفلاسفة أو علماء الطبيعة على من شكّ في صحة وواقعية قانون العلّية. نعم ظهر في أوساط المتكلّمين من ينكر الضرورة العِلية، وهذا الإنكار يفضي في الواقع إلى إنكار قانون العِلّية ذاته، أو من يستثني الأفعال الإرادية من شمول هذا القانون.

٢٢٧

وفي ضوء هذا البيان نستنتج: " كلّ شيء وجد بعد أن لم يكن موجوداً، لا بد أن تكون له علّة ".

يذهب فريق من علماء الكلام إلى عدم صحة تعميم قانون العِلّية وأحكام العِلّية والمعلولية على الأفعال الإرادية كأفعال الباري تعالى والأفعال الإنسانية. وحينما يتبنى هذا الفريق مذهب " الجبر " فمن المحتم أن لا يكون لقانون العِلّية أي مصداق ؛ إذ مفهوم الجبر لدى المتكلّمين ـ كما تقدّم في هوامش المقالة الثامنة ـ يعني أنَّ جميع حوادث العالم تنشأ مباشرة وبلا واسطة من ذات الباري تعالى، وليست هناك سببية بين حوادث العالم، وما نشاهده من أحداث تتوالي في الوقوع ونسمّي بعضها سبباً والآخر مسبباً ما هي إلاّ سنة الله التي أجراها في خلقه، وليس هناك أي ارتباط سببي في البين ؛ إذن فأنصار الجبرية يسندون كلّ حوادث العالم إلى الفاعل المختار مباشرة، وإذا ضممنا إلى هذه النظرية نظرية عدم شمول قانون العلية للأفعال الإرادية فسوف تكون النتيجة أنَّ قانون العلية ليس له مصداق.

لقد تعرّضت نظرية المتكلمين في إنكار قانون العِلّية لازدراء واستهزاء الفلاسفة قروناً متعددة. ولكن أعيد إحياء نظرية المتكلّمين منذ نصف قرن، جَرّاء التطورات العِلمية والتحوّلات التي حصلت في الفيزياء على وجه الخصوص، حيث تزلزل إيمان بعض العلماء بقانون العِلية.

لقد قارع علماء الكلام الفلسفة منذ بداية عصرها الإسلامي، واعترضوا على القواعد الفلسفية، بل شكّكوا في مبادئ ومسلمات الفلسفة أيضاً، وقد واجههم الفلاسفة ودافعوا عن أنفسهم أمام شبهات المتكلمين. ورغم أنَّ المدرسة الكلامية لم تستطع مقاومة مدرسة الفلاسفة، ولكن الشك لا يتطرّق

٢٢٨

طريق آخر

الطريق الذي أشرنا إليه هو الطريق الذي (٢) يطويه الإنسان بنظرة ساذجة. والنظرة الفلسفية الدقيقة تنتهي إلى نفس النتيجة. لقد أثبتنا في المقالة الثامنة:

إلى أنَّ ظهور كثير من النظريات الفلسفية الدقيقة ـ كما تدل على ذلك الشواهد التاريخية ـ مدين للصراع الكلامي الفلسفي. وقد أشرنا في المقالة السابعة إلى أنَّ القسم الأهم من أبحاث الوجود، التي تمثل من زاوية نظر مذهب أصالة الوجود مفتاح حل معضلات الفلسفة، مدين لمناقشات المتكلّمين في هذا المجال. ولعلّنا نوفق في ما يأتي من أبحاث إلى تقديم الشواهد على الأبحاث الفلسفية المتطوّرة، التي طرحت كرد فعل على هجمات علماء الكلام. وهذه النكتة لم نرَ من تعرّض إليها، ولعل بإماطة اللثام عنها تنكشف كثير من الأسرار التاريخية المهمة.

قانون العِلّية أحد المواضع التي هاجمها علماء الكلام، ونحن نلاحظ في ضوء معطيات بعض كبار علماء الفيزياء والرياضيات ما يؤيّد نظرية المتكلّمين. كما أَن مجموعة كثيرة نسبياً من قضايا الخلاف بين الفلسفة وعلم الكلام يقف العلم الحديث فيها إلى جانب المتكلّمين.

إنَّ قانون العلّية أحد الأُسس التي إذا تزلزلت أدَّت إلى انقلاب فلسفي كامل، ويعتقد الفلاسفة أن قانون العلية ركن أساسي إذا تزلزل أدى الأمر إلى فقدان العلم لمعناه. وسوف نتناول بالبحث هذا الموضوع في الهوامش والتعليقات المقدَّمة بشكلٍ تفصيلي.

٢ ـ قلنا في الهامش المتقدِّم أنَّ التصوّر الذي يمتلكه كلّ فرد عن العلّية

٢٢٩

أوّلاً: ليست هناك ماهية ـ على الإطلاق ـ تتوفّر على الوجود، دون أن يجب وجودها، وتتوفّر على " الضرورة ".

ثانياً: أنَّ هذا الوجوب تحصل عليه بواسطة موجود آخر، وإلاّ فالماهية بذاتها تتساوى نسبتها للوجود والعدم.

والمعلولية هو: إنّهما عبارة عن أمرين، أحدهما معطي الوجود والواقع والآخر متلقي الوجود والواقع. وأي ظاهرتين اتسمتا بهاتين السمتين نقول إنَّ بينهما علاقة العلية والمعلولية. قلنا في المقالة الثامنة: إنَّ الفلاسفة يستخدمون مصطلح العلية والمعلولية بمعنى أعم أحياناً، ويطلقون العلّة على مطلق الأشياء، التي تتدخّل في وجود الشيء، ويرتهن وجود المعلول بها، رغم أنَّ هذه الأشياء ليست مُعطية للوجود، ومن هنا يطلق مصطلح العلة على الأجزاء التي يتركّب منها وجود المعلول، وعلى الشروط والمقدّمات الخاصة لوجود المعلول، بينا لا يصدق مفهوم الإيجاد وإعطاء الوجود على هذه الأُمور.

إذا استخدمنا مفهوم العلية بمعناه الأعم فسوف تكون علاقة العلية والمعلولية عبارة عن استناد واقعة إلى واقعة أُخرى. على أنَّنا يجب أن نفحص في المرحلة اللاحقة طبيعة هذا الاستناد، الذي ينبغي أن يتطابق مع الواقع. نريد الآن أن نجيب على الاستفهام الذي طرحناه في الهامش السابق: هل قانون العلية قانون حقيقي وواقعي أم وهم وكاذب يعرض على الأذهان ؟

بدءً يلزمنا التذكير بأنَّنا إذا أنكرنا قانون العلية يلزمنا أن ننكر مرةً واحدة العلاقات بين الأشياء والوقائع ؛ إذ مرجع إنكار العلّية يعود إلى أحد أمرين لا ثالث لهما: فإمّا أن ينكر، جراء الإيمان بأنّ جميع الموجودات ذات

٢٣٠

نستنتج مما تقدم: ( كلّ موجود تتساوى نسبته إلى الوجود والعدم، فإنَّ وجوده الذي يساوي الوجوب، ينشأ من موجودٍ آخر [ العلّة ] ). ويمكن التعبير عن هذه النتيجة بالعبارة التالية: " لا بد للممكن من علّة في وجوده ".

وجوب ذاتي، وإنَّ الإمكان ( الذي هو لازم المعلولية ) وهم باطل، ومن ثمَّ فكل ما هو موجود أو معدوم أزلي وأبدي. وإنَّ الحدوث والزوال والتغيير والتكامل مفاهيم لا مصداق لها.

وأمّا أن ينكر، جراء الإيمان بالصدفة والاتّفاق. وإذا أخذنا أياَ من هذين الأمرين يلزم انفصال وعدم ارتباط الوقائع مع بعضها، وعندئذٍ يصبح انعكاس العالم الخارجي في أذهاننا بصورة وقائع منفردة أو مجتمعة، ولا نستطيع أن نتصوّر مجموعة العالم بصورة جهاز واحد، بل لا يمكننا أن نتصوّر أي مجموعة صغيرة من العالم بصورة جهاز مترابط الأجزاء.

من الممكن أن يطرح الوهم التالي: افترض أنَّنا آمنا مثلاً بنظريةديمقريطس التي أُعيدت لها الحيوية في القرن التاسع عشر، وآمنا أنَّ الأجسام مركّبة من أجزاء صغيرة لا تتجزّأ، وعلى حد تعبير "ماكسول " علاّمة القرن التاسع عشر الشهير: ( أحجار قصر العالم التي لا تفنى )، وآمنا أن هذه الذرّات أزلية وأبدية وقائمة بذاتها، ومن ثمّ لا علّة لها. عندئذٍ ننكر قانون العلّية، وفي نفس الوقت تكون أجزاء الجهاز الكوني مترابطة مع بعضها، والارتباطات القائمة بين جهاز العالم هي التي تنتج أنواع المركّبات من الجمادات والنبات والحيوانات.

لكن النظرية الفلسفية المنسوبة إلىديمقريطس لا تقوم على أساس نفي قانون العلّية، رغم عدم وجود علاقة سببية ـ وفق هذه النظرية ـ بين

٢٣١

على أساس البيان المتقدّم، فحينما نضع اليد على أيّ حادثة أو ظاهرة في العالم يلزمنا القول إنّها موجود، ووجودها ضمن شروطها وخصوصياتها ضروري ( حتمي ). وإنّها وجدت جراء تعاضد وتعاون مجموعة من الظواهر الأُخرى ( العلّة ). ولو لم تكن علّتها موجودة لم توجد، وبعبارة أُخرى يلزمنا القول: " وجود العلّة علّة لوجود المعلول، وعدم العلّة

الذرّات بعضها مع بعض، وعدم وجود علّة أُولى لها، ولكن كلّ ذرة من الذرّات ذات خصوصية أو خصوصيات معينة، وبواسطة هذه الخصوصيات يمكن تركيب الواضح أنَّ علاقة كلّ ذرّة بخصوصياتها، وكذلك علاقة كل ذرّة بالمركب الذي تنتجه هي علاقة العلّية والمعلولية.

إذن، فالنظرية الذرّية لا تقوم على أساس نفي قانون العلّية، فإنَّ نفي قانون العلية العام ـ كما قلنا ـ يستلزم نفي أيّ لون من الارتباط الواقعي بين الموجودات. إذ تنبع جميع الارتباطات بين الموجودات من علاقة العلية والمعلولية، ومع عدم وجود علاقة العلية سيعدم أيّ لون من ألوان الارتباط الواقعي بين الموجودات. نعم يخلق الإنسان أحياناً روابطَ بين الأشياء نظير رابطة الملكية والزوجية والرئاسة وغيرها، لكنّ هذه الروابط لا تتجاوز المرحلة الذهنية، بل هي اعتبارات ليس لها وجود عيني.

أمّا إذا آمنا بقانون العلّية ورأينا العالم بلباس العلّية والمعلولية، فسوف نذعن بترابط وتلاحم الوقائع مع بعضها، وسوف يظهر العالم الخارجي أمامنا بصورة جهازٍ متلاحم ومترابط الأجزاء. ومن هنا فالحديث عن قانون العلّية هو الحديث عن الارتباط والتلاحم بين موجودات العالم.

٢٣٢

علّة عدم المعلول ". [ رغم أنَّ مقولة " عدم العلّة علّة لعدم المعلّول " لا تخلو من مجازية ؛ إذ أنّ العدم ـ كما تقدّم في المقالة السابعة ـ مفهوم ذهني لا واقع له، ولكن حينما نفترض له واقعاً سوف لا يكون له حكم سوى الحكم السابق ]. ومن هنا نستنتج: " الشيء يتطلّب علة على كل حال ". ( على أنَّ الشيء في هذه النتيجة يشير إلى حالة تساوي الشيء بالنسبة إلى

يتفرّع عن قانون العلّية العام قوانين كثيرة، وهناك قانونان رئيسيان ما لم يثبتا فسوف لا يكون قانون العلّية العام كافياً لتفسير نظام الوجود، وأحد هذين القانونين هو قانون السنخية بين العلّة والمعلول، أي القانون الذي يقرّر أنَّ العلل الخاصة تنتج معلولات خاصة، وليس كلّ علّة يمكن أن تنتج أي معلول، بل هناك خصوصيات في العلل والمعلولات التي نتج بعضها من بعض. فنحن إذا آمنا بقانون العلّية العام وأنكرنا قانون السنخية فهذا ينتج ـ رغم عدم جواز وقوع أيّ حادثة بلا سبب ـ جواز صدور أيّ شيء من أيّ شيء، وفي هذه الحالة سوف لا يظهر لنا العالم بصورة نظام معيّن، وإن لم يظهر لنا بصورة موجودات منفصلة ومنفردة.

أمّا القانون الثاني الذي يتفرّع من قانون العلية العام فهو قانون امتناع انفكاك المعلول عن العلّة التامة، ويطلق على هذا القانون " قانون الحتمية، أو الجبر العلّي، أو الضرورة العلّية "، وهذا القانون تناولناه بالبحث في المقالة الثامنة. ويستنتج من قانون العلّية وقانون السنخية وقانون الجبر العلّي ثلاثة أفكار رئيسية:

١ ـ ترابط وتلاحم الموجودات.

٢ ـ نظام الموجودات الخاص.

٢٣٣

الوجود والعدم ). إذن ؛ إذا نظرنا إلى شيء مع غضّ النظر عن وجوده وعدمه فسوف يقع بين طرفي العدم والوجود المتقابلين، والعلّة هي التي تمنح أحد الطرفين مزّيةً ورجحاناً، ومن هنا نطلق على العلّة مصطلح المرجِّح. ومن هنا ينبغي أن نستنتج ما يلي:

٣ ـ وجوب وضرورة نظام الموجودات الخاص.

إذا أخذنا بنظر اعتبارنا الأفكار الثلاثة المتقدّمة، مضافاً إلى " امتناع تسلسل العلل وانتهاء سلسلة العلل بالعلّة بالذات " ـ كما مرّ في المقالة الثامنة ـ، مضافاً إلى وحدة العلّة بالذات ( حيث سيأتي إثبات ذلك في المقالة الرابعة عشرة "، فسوف يضحي مجموع العالم ـ رغم أبعاده اللامتناهية زمانياً ومكانياً ـ جهازاً واحداً متكاملاً، متلاحم الأجزاء ومترابطاً في أبعاده اللامتناهية.

اصطلح فلاسفة أُوربا على مذهب العلية "المذهب الميكانيكي "، ومن هنا يكون العالم على صورة جهاز مترابط الأجزاء والآلات، ويعمل بانتظام وبطريقة ميكانيكية. ولكنّنا سنقرّر لاحقاً أنَّ تصوّرنا عن العلّية يختلف عن تصوّر المذهب الميكانيكي، الذي يحصر العلاقات بالعلاقات المادية.

قانون العلّية:

فَرَزنا في طرحنا قانونَ العلية العام عن القانونين اللذين يتفرّعان منه، وهما قانون السنخية وقانون الجبر العلي، لكن كثيراً من الباحثين لم يميّزوا بين هذه القوانين، ومن هنا أدى عدم الفرز إلى الوقوع في أخطاء واستنتاجات باطلة، ونلاحظ أحياناً أنَّ بعض الباحثين يهاجم قانون العلية، ثمّ

٢٣٤

١ ـ بين وجود الشيء وعلّته علاقة ونسبة وجودية، لا تقوم بينه وبين غيرها.

٢ ـ العلّة التي تكون نسبتها إلى شيئين على حدٍّ سواء لا يمكن إطلاقاً أن تخصّص أحدهما بالوجود دون الآخر. ولا يمكن أيضاً أن يختص أحدهما بالوجود، ومن هنا تنطلق قاعدتان مشهورتان، أحدهما: استحالة الترجيح بلا مرجِّح، والأُخرى: استحالة الترجُّح بلا مرجِّح.

يتّضح بعد التأمّل أنَّ هجومه لا ينصب على قانون العلّية العام، بل ينصبّ على أحد القانونين المتفرّعين منه أو القوانين الأُخرى المتفرّعة منه. رغم أنَّ الملاحظة الفلسفية الدقيقة تثبت أنَّ إنكار أيّ من قانوني السنخية أو الجبر العلِّي يفضي إلى إنكار قانون العلية العام ؛ لكن التأمّل في كلمات الباحثين الذين هاجموا قانون العلية يوضح أنَّ هؤلاء لم يرفضوا أصل الارتباط والعلاقة العلّية، بل قصدوا رفض نظام معيّن وترتيب خاص للعلية، وهو يعادل قانون السنخية، أو قصدوا قانون الحتمية العلية.

لو أخذنا المتكلّمين مثلاً نجد أنَّ مذهبهم في الفاعل المختار جاء للرد على الحكماء في نظريّتهم بشأن ترتيب صدور الموجودات عن المبدأ الأوّل، هذا الترتيب الذي يقوم على أساس قانون السنخية، فأنكروا الترتيب السببي، وذهبوا إلى إطلاق إرادة المبدأ الأول وتدخّله في كلّ حادثة مباشرة. وقصدوا أيضاً رفض نظرية الحكماء الأُخرى، التي تقرّر لا نهائية سلسلة الزمان والزمانيات، هذه النظرية التي هي نتيجة التزام الحكماء بامتناع انفكاك المعلول عن العلة " الحتم العلّي "، إلاّ فالمتكلّمون يعترفون بأنَّ الفاعل يمنح لفعله الوجود، ومفهوم العلية في كلّ شيء لا يتعدّى ذلك.

٢٣٥

٣ ـ في ضوء النتيجة الثانية نصل إلى أنَّ الاختيار ( الذي يذعن به الإنسان، وفق الفهم السطحي ) لا وجود له في الواقع ؛ فالإنسان يتصوّر وفق النظرة السطحية أنَّه يستطيع حينما يواجه فعلين أو أفعالاً متكافئة اختيار أحدهما وممارسته، دون أن يكون فعله ضروري الوجود، أو بدون أن يكون هناك مرجح في البين، وبغية إثبات هذه النظرية الكاذبة طرحوا مجموعة مواردٍ أُغفلت فيها العلّة الموجبة والمرجِّحة أو كانت مجهولة. إلاّ

وحينما نلاحظ نصوص بعض علماء الفيزياء المُحدَثين، الذين أدانوا قانون العلّية، نجد ـ بعد شيءٍ من التأمّل ـ أنَّهم لم يقصدوا نفي أصل العلّية، بل قصدوا نفي نظام خاص بعالم الذرّات، وهو النظام الحتمي الجزمي. وسوف نستشهد بنصٍ لأحد علماء الفيزياء المشهورين في هذا المجال.

أجل ؛ فأنصار نظرية وحدة الوجود، الذين يقف في طليعتهم العرفاء. يمكن أن نعدّهم منكري قانون العلّية ـ ؛ إذ على أساس نظريّتهم لا يكون في الوجود سواه، وليس في العالم سوى المعشوق، وليس هناك سوى واقع واحد من جميع الجهات، ومن ثمّ ليس هناك تعدّد في البين، لكي نتحدّث عن ارتباط وارتهان واقع بواقع آخر. إنَّ عرفاء وحدة الوجود المحضة يأبون عن استخدام مصطلح العلّة والمعلول.

هناك فريق آخر يمكن أن نعدّهم منكري قانون العلية، هؤلاء الذين استعصى الأمر عليهم في تصور العلية والمعلولية، ولم يتمكّنوا من هضم فكرة منح الوجود من قبل شيء إلى شيء آخر، بل حسبوا أنَّ منح الوجود من قبل شيء إلى شيء آخر محال وممتنع. إنَّ جميع الذين ادعوا أنَّ الشيء لا يصير لا شيء، أو أنَّ اللاشيء لا يصير شيئاً، أو الذين قالوا باستحالة

٢٣٦

أنَّ الإنسان حينما يراجع وجدانه سوف يرى أنَّه ما لم يضم إلى الفعل مرجحاً نظرياً، وما لم يمنح الفعل سمة الضرورة لا تتحقّق لديه إرادة الفعل. والاختيار الذي لدى الإنسان ـ كما تقدّم في المقالة الثامنة ـ هو أنَّ الفعل بالنسبة إليه ليس حتمياً، رغم أنَّ الفعل حتمي وضروري بالنسبة إلى مجموع أجزاء العلة، التي يمثلها الإنسان وغير الإنسان.

الخلق من العدم، واتّخذوا هذه الفكرة دليلاً على عدم وجود المبدأ الأوّل، هم من هذا الفريق. وقد أثبتنا في المقالة الثامنة في البحث عن امتناع وجود المعدوم وعدم الموجود إنَّ ما تؤمن به الفلسفة من قاعدة في هذا المجال لا يفضي إلى أزلية وأبدية الموجودات، ولا يستلزم نفي المعلولية والخلق، عليك بمراجعة ذلك البحث، وسوف نكرّر البحث حول هذا الموضوع.

الحاجة إلى العلّة:

نغضّ الطرف عن العرفاء أنصار وحدة الوجود المحضّة، ونغضّ الطرف عن الذين استعصى عليهم تصوّر العلية والمعلولية. تبقى المدارس الأُخرى التي تناصر قانون العلّية. وأمام هذه المدارس يطرح سؤال خطير، والإجابة عليه تتضمّن مشكلات كثيرة، والسؤال هو: ما هو مناط الحاجة إلى العلّة ؟

قلنا سابقاً إنَّ مفهوم " لِمَ " سؤال عن علّة وجود الشيء، وبهذه الصيغة نستفهم عن علّة أي حادثة تقع. وحينما نجيب عن السؤال بشأن كلّ حادثة يلزمنا بيان علّة تلك الحادثة. لكن هناك سؤالاً فلسفياً مهمّاً، تقع على الفلسفة مسئولية الجواب عليه، والسؤال هو: ما هي علّة الحاجة إلى العلّة ؟ أي ما

٢٣٧

٤ ـ تنقسم العلّة إلى علّة تامة وعلّة ناقصة ؛ لأنَّ العلّة المؤلّفة من أجزاءٍ يحتاج المعلول إلى كلِّ واحد من أجزائها، كما يحتاج إلى مجموع الأجزاء ؛ إذن فكلُّ جزء من أجزاء العلّة ( كما هو حال مجموع الأجزاء ) علّة، وبزوال أي جزء منها يزول المعلول، ومن هنا يتّضح:

هي الخصوصية التي يتميّز بها الشيء لكي يكون وجوده ناشئاً من علّة ؟ وفي سياق الإجابة على هذا الاستفهام يطرح أنصار المدارس المختلفة نظرياتهم بشأن عمومية الحاجة إلى العلّة، أو وجود موجود لا يحتاج إلى علّة، ومناط الاستغناء والحاجة إلى العلّة.

هناك أربع نظريّات مطروحة من قبل أنصار قانون العلّية في هذا المجال:

١ـ النظرية الحسية: علة الحاجة إلى العلّة ـ وفق هذه النظرية ـ تنحصر في التوفّر على الوجود، والوجود ملازم للمعلولية. وعلى هذا الأساس يلزم القول: " إنَّ مناط الحاجة إلى العلّة هو عين الموجودية ". وكلّ شيء فهو محتاج إلى العلّة ومتكئ عليها، ويستحيل وجود موجود غير متكئ على العلّة. هذه نظرية المادّيين، الذين ذهبوا إلى عدم تناهي سلسلة العلل والمعلولات، ولم يذعنوا بوجود واجب الوجود، وعلّة العلل. تقف في مقابل هذه النظرية نظرية أُخرى للماديين، الذي يرون أنَّ التوفّر على الوجود يتناقض مع المعلولية والمخلوقية. ولا يقل سخف هذه النظرية عن النظرية السابقة.

دليل أنصار النظرية الأُولى هو: أنّنا لم نشاهد بالحس والتجربة حتى الآن سوى وجود أشياءٍ وحوادثَ معلولةٍ لعلل ؛ ومن هنا نفهم أنَّ الموجودية

٢٣٨

أ ـ إنَّ سمة العلّة التامة هي أنَّ المعلول بوجودها يتوفّر على ضرورة الوجود، وبعدمها يكون ضروري العدم، وسمة العلّة الناقصة أنَّ وجودها لا يحقّق ضرورة الوجود للمعلول، لكن عدمها يصيّر المعلولَ ضروريَ العدم.

ب ـ عدم العلّة التامة أو أيِّ من العلل الناقصة علّة تامة لعدم المعلول.

تلازم المعلولية. ولا أظن أنَّ نقص وضعف هذا الاستدلال يحتاج إلى بيان. وقد وقع هذا الفريق من الماديين بغية إثبات نظريتهم بمغالطةٍ خاصة، فقالوا إذا كان هناك موجود غير معلولٍ لعلّة يلزم أن يكون وجود هذا الموجود صدفةً واتّفاقاً، والصدفة محال عقلاً. وهذا الفريق من الماديين اتّخذ من امتناع الصدفة دليلاً على عدم وجود واجب الوجود. خذ على ذلك مثلاً الدكتورآراني في كتيبه الجبر والاختيار ( الصفحة الثالثة )، حيث يقول: " لا يمكننا أن نتصوّر أنّ هناك عالماً تقف فيه سلسلة العلل والمعلولات عند نقطة معينة، إذ يتناقض هذا التصوّر مع القانون الذي أذعنّا به، إذ يلزم أن تكون هذه النقطة معلولاً بلا علّة، وهذا محال منطقياً... " !! ويقول في الصفحة العاشرة أيضاً: " إنَّ الأهم من كل ذلك هو أنَّ الإيمان بالاتفاق يدفعنا بشكلٍ مباشر إلى الإيمان بالمعاجز والخرافات، ويضطرّنا إلى الإيمان بالخلق من العدم وسائر الأفكار الباطلة الأُخرى، كما حصل لأرسطو وسيسرون وليبنتز وولف في إثبات الصانع، حيث تمسّك هؤلاء بنظرية الاتّفاق... " !

هذه المغالطة مغالطة واضحة جداً. فالصدفة والاتّفاق أمر محال، يدركه كلّ فرد، إذ يستحيل أن يكون شيء غير موجودٍ في وقت ثمّ يوجد بلا

٢٣٩

٥ ـ إذا قارنّا بين النتيجة التي حصلنا عليها وفق المنهج الأوّل في بداية هذه المقالة ( إنَّ الشيء الذي لم يكن موجوداً في وقتٍ ما، ثمَّ وجد، لا بد أن تكون له علّة )، وبين النتيجة التي حصلنا عليها وفق المنهج الثاني ( كلّ ممكن يحتاج إلى علّة )، يتّضح أنَّ النتيجة الثانية أعمَّ و أوسع دائرةً من الأولى ؛ إذ من الممكن على أساس هذه النتيجة أن يكون هناك معلول قديم زماناً، وليس مسبوقاً بالعدم في أيَّ وقت من الأوقات، أمّا وفق النتيجة الأُولى فلا يصحُّ أن نصف مثل هذا الموجود بالحاجة إلى العلّة ؛ لأن هذه النتيجة تحكم في دائرة الموجودات، التي سبق عليها العدم الزماني.

علّة. وهذا أمر لا علاقة له بوجود واجب الوجود القديم والأزلي والقائم بالذات. وليس هناك أيّ فيلسوف حتى الآن تمسّك بنظرية الاتّفاق لإثبات الصانع، سوى فريق من المادّيين الذين حاولوا تفسير العالم على أساس نظرية الاتّفاق.

الغريب من هؤلاء السادة أنَّهم يتمسّكون أحياناً بقاعدة العلّية لنفي المبدأ الأوّل وخالق العالم، ويتمسّكون أحياناً بنظرية امتناع الخلق من العدم لإثبات نفي المبدأ الأوّل، بينا تقف نظرية امتناع الخلق من العدم في النقطة المقابلة تماماً لقانون العلّية. والطرح الجامع لشبهة امتناع الخلق من العدم ( هذه الشبهة التي أجاب عليها الفلاسفة أجوبةً دامغةً ) هي: أنَّ الخلق والعلّية، ومن ثمَّ إعطاء الوجود من قبل شيءٍ إلى شيءٍ آخر أمر محال ؛ لأنَّ المعلول والمخلوق إمّا أن يكون معدوماً وإما أن يكون موجوداً، فإذا كان معدوماً يلزم من تأثير العلّة في المعلول تبديل العدم بالوجود، وانقلاب العدم إلى الوجود أمر محال، وإذا كان موجوداً فهو ليس بحاجةٍ إلى علّة، والعلّة لا يمكنها أن

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303