تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني15%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135165 / تحميل: 11810
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر فقال لهما: ما لكما لا تستقيان؟ فقالتا كما حكى اللهعزوجل :( لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) فرحمهما موسىعليه‌السلام ودنا من البئر فقال لمن على البئر: أسقى لي دلوا ولكم دلوا وكان الدلو يمده عشرة رجال، فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ودلوا لبنتي شعيبعليه‌السلام وسقى أغنامهما( ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) كان شديد الجوع، قال أمير المؤمنينعليه‌السلام كان موسى كليم الله حيث سقى( لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقالَ: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) : والله ما سأل اللهعزوجل إلّا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه(١) من هزاله.

٣٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل حكاية عن موسىعليه‌السلام ( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: سأل الطعام.

٣٩ ـ في تفسير العياشي عن حفص بن البختري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول موسى لفتاه:( آتِنا غَداءَنا ) وقوله:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) قال: انما عنى الطعام، فقال أبو عبد الله:عليه‌السلام : إنّ موسى لذو جوعات.

٤٠ ـ عن ليث بن سليم عن أبي جعفرعليه‌السلام شكى موسى إلى ربه الجوع في ثلاثة مواضع:( آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ) ( لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .

٤١ ـ في نهج البلاغة قالعليه‌السلام : وان شئت ثنيت بموسى كليم الله صلوات الله عليه إذ يقول:( إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) والله ما سأله إلّا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه(٢) .

__________________

(١) الصفاق، الجلد الباطن الذي فوقه الجلد الظاهر من البطن.

(٢) تشذب اللحم: تغرقه.

١٢١

٤٢ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة متصل بقوله:( أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ) آخر ما نقلنا عنه سابقا( وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ ) من مصر بغير ظهر ولا دابة ولا خادم تحفظه أرض وترفعه اخرى حتى انتهى إلى أرض مدين، فانتهى إلى أصل شجرة فنزل فاذا تحتها بئر وإذا عندها امة من الناس يسقون، وإذا جاريتان ضعيفتان، وإذا معهما غنيمة لهما( قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) ونحن جاريتان ضعيفتان، لا نقدر أنْ نزاحم الرجال فاذا سقى الناس سقيا، فرحمهماعليه‌السلام فأخذ دلوهما فقال لهما: قد ما غنمكما فسقى لهما ثم رجعنا بكرة قبل الناس، ثم تولى موسى إلى الشجرة فجلس تحتها وقال:( رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) ، فروى أنّه قال ذلك وهو محتاج إلى شق تمرة، فلما رجعنا إلى أبيهما قال: ما أعجلكما في هذه الساعة؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي( فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) .

٤٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله من هزاله آخر ما نقلنا عنه سابقا، فلما رجعت ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما: أسرعتما الرجوع فأخبرتاه بقصة موسىعليه‌السلام ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهن: اذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا، فجاءت إليه كما حكى الله تعالى:( تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) فقام موسى معهما ومشت امامه فسفقتها الرياح(١) فبان عجزها فقال لها موسى: تأخرى ودلينى على الطريق بحصاة تلقينها امامى أتبعها، فانا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء، فلما دخل على شعيب قص عليه قصته فقال له شعيبعليه‌السلام :( لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

٤٤ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة متصل بقوله:( أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا ) فروى أنّ موسىعليه‌السلام قال لها: وجهيني إلى الطريق وامشى خلفي فانا بنى يعقوب.

__________________

(١) من سفقت الباب وأسفقته أي رددته.

١٢٢

«لا ننظر في اعجاز النساء»، «فلما( جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) .

٤٥ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله:( مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) قالت احدى بنات شعيب:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) فقال لها شعيب: اما قوته فقد عرفتنيه انه يستقى الدلو وحده، فبم عرفت أمانته؟ فقالت: انه لـمّا قال لي: تأخرى عنى ودلينى على الطريق فانا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت انه ليس من الذين ينظرون أعجاز النساء فهذه أمانته.

٤٦ ـ في جوامع الجامع وروى أنّ الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلّا سبعة رجال وقيل: عشرة وقيل: أربعون فأقله وحده وسألهم دلوا فأعطوه دلوهم، وكان لا ينزعها إلّا عشرة فاستقى بها وحده مرة واحدة، فروى عنهما وأصدرهما.

٤٧ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى صفوان بن يحيى عن أبي الحسنعليه‌السلام في قوله الله:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) قال: قال لها شعيب: يا بنية هذا قوى قد عرفتيه برفع الصخرة، الأمين من أين عرفتيه؟ قالت: يا أبة إنّي مشيت قدامه فقال: امشى من خلفي فان ضللت فأرشدينى إلى الطريق فانا قوم لا ننظر في أدبار النساء.

٤٨ ـ في مجمع البيان قال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام : لـمّا قالت المرأة هذا قال شعيب: وما علمك بأمانته وقوته؟ قالت: أما قوته فانه رفع الحجر الذي لا يرفعه كذا بكذا، واما أمانته فانه قال لي: امشى خلفي فانا أكره أنْ تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك.

٤٩ ـ وروى الحسن بن سعيد عن صفوان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سئل أيتهما التي( قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ ) ؟ قال: التي تزوج بها، قيل: فأي الأجلين قضى قال: أوفاهما وأبعدهما عشر سنين، قيل: فدخل بها قبل أنْ يمضى الشرط أو بعد انقضائه؟ قال: قبل أنْ ينقضي، قيل له: فالرجل يتزوج المرئة ويشترط لأبيها إجارة شهرين أيجوز ذلك؟ قال: إنّ موسى علم انه سيتم له شرطه، قيل: كيف؟ قال: علم انه سيبقى

١٢٣

حتى يفي.

٥٠ ـ في الكافي علي بن محمد بن بندار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن ابن سنان عن أبي الحسنعليه‌السلام قال: سألته عن الاجارة، فقال: صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته، قد أجر موسىعليه‌السلام نفسه واشترط، فقال: إنْ شئت ثمان وإنْ شئت عشرا فانزل اللهعزوجل فيه( أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ )

٥١ ـ في من لا يحضره الفقيه وروى اسمعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمد عن أبيهعليهما‌السلام أنّ علياعليه‌السلام قال: لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة بان يقول اعمل عندك كذا وكذا على أنْ تزوجني أختك أو ابنتك، قال: هو حرام لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها.

٥٢ ـ في حديث آخر انما كان ذلك لموسى بن عمران لأنه علم من طريق الوحي هل يموت قبل الوفاء أم لا، فوفى بأتم الأجلين.

٥٣ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة «قال:( أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) فروى انه قضى أتمهما لان الأنبياءعليهم‌السلام لا تأخذ إلّا بالفضل والتمام.

٥٤ ـ في تفسير العياشي وقال الحلبي سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن البيت أكان يحج قبل أنْ يبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: نعم وتصديقه في القرآن قول شعيب حين قال لموسى حيث تزوج:( عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) ولم يقل ثماني سنين.

٥٥ ـ في كتاب علل الشرائع باسناده إلى أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : بكى شعيبعليه‌السلام من حب اللهعزوجل حتى عمي، فرد اللهعزوجل عليه بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد اللهعزوجل عليه بصره، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره، فلما كانت الرابعة أوحى الله اليه: يا شعيب إلى متى يكون هذا؟ أبَداً منك؟ إنْ يكن هذا خوفا من النار فقد أجرتك، وان يكن شوقا إلى الجنة فقد أبحتك، فقال: الهى وسيدي أنت

١٢٤

تعلم أنّي ما بكيت خوفا من نارك ولا شوقا إلى جنتك ولكن عقد حبك على قلبي فلست أصبر أو أراك، فأوحى الله جل جلاله إليه اما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران.

قال مصنف هذا الكتاب: والله يعنى بذلك لا زال أبكى أو أراك قد قبلتني حبيبا انتهى

٥٦ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى عبد الله بن مسعود عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حديث طويل وفيه يقولعليه‌السلام : إنّ يوشع بن نون وصى موسىعليهما‌السلام عاش بعد موسى ثلاثين سنة، وخرجت عليه صفيرا بنت شعيب زوجة موسىعليه‌السلام فقالت: انا أحق منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتلتها وأحسن أسرها.

٥٧ ـ وفيه حديث طويل يقول فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد ذكر موسىعليه‌السلام وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعيب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الاولى، وكانت نيفا وخمسين سنة.

٥٨ ـ وباسناده إلى عبد الله بن سنان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول في القائمعليه‌السلام : سنة من موسى بن عمرانعليه‌السلام فقلت: وما سنة من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله قال: ثمانية وعشرين سنة.

٥٩ ـ في مجمع البيان وروى الواحدي بالإسناد عن ابن عباس قال: سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أي الأجلين قضى موسى؟ قال: أوفاهما وأبطأهما.

٦٠ ـ وبالإسناد عن أبي ذر قال: قال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى؟ فقل: خيرهما وأبرهما، وان سئلت أي المرأتين تزوج فقل: الصغرى منهما وهي التي جاءت، وقالت( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ) .

٦١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أي الأجلين قضى؟ قال: أتمهما عشر حجج، قلت له: فدخل بها قبل أنْ يقضى الأجل أو بعد؟ قال: قبل، قال: قلت: فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين مثلا

١٢٥

أيجوز ذلك؟ قال: إنّ موسىعليه‌السلام علم انه يتم له شرطه فكيف لهذا أنْ يعلم انه يبقى حتى يفي قلت له: جعلت فداك أيهما زوجه شعيب من بناته؟ قال: التي ذهبت إليه فدعته وقالت لأبيها:( يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ ) قال لشعيب: لا بد لي أن أرجع إلى وطني وأمي وأهل بيتي فما لي عندك؟ فقال شعيبعليه‌السلام : ما وضعت أغنامى في هذه السنة من غنم بلق فهو لك، فعمل موسىعليه‌السلام عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه. وغرزه في وسط مربض الغنم وألقى عليه كساء أبلق ثم أرسل الفحل على الغنم فلم يضع الغنم في تلك السنة إلّا بلقا، فلما حال عليه الحول وحمل موسى امرأته وزوده شعيب من عنده وساق غنمه، فلما أراد الخروج قال لشعيب. أبغى عصا يكون معى وكانت عصى الأنبياءعليهم‌السلام عنده قد ورثها مجموعة في بيت، فقال له شعيب: ادخل هذا البيت وخذ عصا من بين العصى، فدخل فوثب إليه عصا نوح وإبراهيمعليهما‌السلام وصارت في كفه فأخرجها ونظر إليها شعيب فقال: ردها وخذ غيرها، فردها ليأخذ غيرها فوثبت إليه تلك بعينها فردها حتى فعل ذلك ثلاث مرات، فلما رأى شعيبعليه‌السلام ذلك قال له: اذهب فقد خصك اللهعزوجل بها، فساق غنمه فخرج يريد مصر فلما صار في مفازة ومعه أهله أصابهم برد شديد وريح وظلمة، وجهنم الليل فنظر موسى إلى نار قد ظهرت كما قال الله تعالى:( فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) فاقبل نحو النار يقتبس فاذا شجرة ونار تلتهب عليها فلما ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت ففزع وعدا ورجعت النار إلى الشجرة، فالتفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة فرجع الثانية ليقتبس فأهوت إليه فعدا وتركها، ثم التفت وقد رجعت إلى الشجرة، فرجع إليها الثالثة فأهوت إليه فعدا ولم يعقب أي لم يرجع، فناداه اللهعزوجل أنْ:( يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ) .

٦٢ ـ في تهذيب الأحكام أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن الحسن

١٢٦

ابن علي بن مهزيار عن أبيه عن جده علي بن مهزيار عن الحسين بن سعيد عن علي بن الحكم عن مخرمة بن ربعي قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : شاطئ الوادي الأيمن الذي ذكره الله في القرآن هو الفرات، والبقعة المباركة هي كربلاء.

٦٣ ـ في مجمع البيان وروى أبو بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال:( فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ ) نحو البيت المقدس أخطأ الطريق فرأى نارا( قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً ) .

٦٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم متصل بقوله:( رَبِّ الْعالَمِينَ ) قال موسىعليه‌السلام : فما الدليل على ذلك؟ قال اللهعزوجل : ما في يمينك يا موسى، قال: هي عصاي قال: ألقها يا موسى فألقاها فاذا هي حية تسعى ففزع منها موسى وعدا، فناداه اللهعزوجل : خذها ولا تخف انك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء أي من غير علة، وذلك أنّ موسىعليه‌السلام كان شديد السمرة(١) فأخرج يده من جيبه فأضائت له الدنيا، فقال اللهعزوجل :( فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ) .

٦٥ ـ في كتاب طب الائمةعليهم‌السلام باسناده إلى جابر الجعفي عن الباقرعليه‌السلام قال: وقال اللهعزوجل في قصة موسىعليه‌السلام :( أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ) يعنى من غير برص، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٦ ـ في مجمع البيان وروى عن أبي جعفرعليه‌السلام في حديث طويل قال: فلما رجع موسى إلى امرأته قالت: من أين جئت؟ قال: من عند رب تلك النار.

٦٧ ـ في الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي جميلة قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى ابن عمران ذهب يقتبس نارا لأهله فانصرف إليهم وهو نبي مرسل.

٦٨ ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن علي بن محمد القاساني عمن

__________________

(١) سمر: كان لونه بين السواد والبياض.

١٢٧

ذكره عن عبد الله بن القاسم عن أبي عبد الله عن أبيه عن جده قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليهم: كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، فان موسى بن عمران صلى الله عليه خرج يقتبس نارا لأهله فكلمه الله ورجع نبيا والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٩ ـ في تفسير علي بن إبراهيم قال موسى كما حكى الله:( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ) قال الراوي: فقلت لأبي جعفرعليه‌السلام فكم مكث موسىعليه‌السلام غائبا عن امه حتى رده اللهعزوجل عليها؟ قال: ثلاثة أيام، قال: فقلت: فكان هارون أخا موسىعليهما‌السلام لأبيه وامه؟ قال: نعم أما تسمع اللهعزوجل يقول:( يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي ) فقلت: فأيهما كان أكبر سنا؟ قال: هارونعليه‌السلام قلت: وكان الوحي ينزل عليهما جميعا؟ قال: كان الوحي ينزل على موسىعليه‌السلام وموسى يوحيه إلى هارون فقلت له: أخبرني عن الأحكام والقضاء والأمر والنهى كان ذلك إليهما؟ قال: كان موسىعليه‌السلام الذي يناجي ربه ويكتب العلم ويقضى بين بنى إسرائيل وهارون يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة، قلت: فأيهما مات قبل صاحبه؟ قال: مات هارون قبل موسىعليه‌السلام وماتا جميعا في التيه، قلت: فكان لموسى ولد؟ قال: لا كان الولد لهارون والذرية لها.

٧٠ ـ في كتاب طب الائمةعليهم‌السلام باسناده إلى الأصبغ بن نباتة السلمي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال الأصبغ: أخذت هذه العوذة منهعليه‌السلام وقال لي: يا اصبغ هذه عوذة السحر والخوف من السلطان تقولها سبع مرات: بسم الله وبالله( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ ) وتقول في وجه الساحر إذا فرغت من صلوة الليل قبل أنْ تبدأ بصلوة النهار وسبع مرات فانه لا يضرك إنْ شاء الله تعالى.

٧١ ـ في كتاب سعد السعود لابن طاوسرحمه‌الله نقلا عن تفسير الكلبي محمد

١٢٨

عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنّ جبرئيلعليه‌السلام قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا محمّد لو رأيتنى وفرعون يدعو بكلمة الإخلاص:( آمَنْتُ أَنَّهُ لا إله إلّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) وانا أدسه في الماء والطين لشدة غضبى عليه مخافة أنْ يتوب فيتوب اللهعزوجل عليه؟ قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وما كان شدة غضبك عليه يا جبرئيل؟ قال: لقوله:( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) وهي كلمته الاخرة منهما، وانا قالها حين انتهى إلى البحر وكلمته( ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي ) فكان بين الاولى والاخرة أربعون سنة.

٧٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم واما قولهعزوجل :( وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ ) فبنى هامان له في الهواء صرحا حتى بلغ مكانا في الهواء، لا يتمكن الإنسان أنْ يقيم عليه من الرياح القائمة في الهواء، فقال لفرعون: لا نقدر أنْ نزيد على هذا فبعث اللهعزوجل رياحا فرمت به فاتخذ فرعون وهامان منذ ذلك التابوت وعمدا إلى أربعة أنسر، فأخذا أفراخها وربياها حتى إذا بلغت القوة وكبرت، عمدوا إلى جوانب التابوت الاربعة فغرسا في كل جانب منه خشبة، وجعلا على رأس كل خشبة لحما وجوّعا الأنسر وشد ارجلها بأصل الخشبة، فنظر الأنسر إلى اللحم فأهوت إليه وصفقت بأجنحتها وارتفعت بهما في الهواء وأقبلت تطير يومها، فقال فرعون لهامان: انظر إلى السماء هل بلغناها؟ فنظر هامان فقال: أرى السماء كما كنت أراها من الأرض في البعد، فقال: انظر إلى الأرض فقال: لا أرى الأرض ولكن أرى البحار والماء، فلم يزل النسر ترتفع حتى غابت الشمس وغابت عنهم البحار والماء فقال فرعون: يا هامان انظر إلى السماء فنظر إلى السماء فقال: أراها كما كنت أراها من الأرض، فلما جنهم الليل نظر هامان إلى السماء فقال فرعون: هل بلغناها؟ قال: أرى الكواكب كما كنت أراها من الأرض ولست أرى من الأرض إلّا الظلمة: قال: ثم حالت الرياح القائمة في الهواء فاقلبت التابوت بهما، فلم يزل يهوى بهما حتى وقع على الأرض وكان فرعون أشد ما كان عتوا في ذلك الوقت.

١٢٩

٧٤ ـ في جوامع الجامع وكل متكبر سوى اللهعزوجل فاستكباره بغير الحق وهو جل جلاله المتكبر على الحقيقة إلى البالغ في كبرياء الشأن قالعليه‌السلام فيما حكاه عن ربهعزوجل : الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعنى واحدا منهما ألقيته في النار.

٧٥ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسن عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال: إنّ الائمة في كتاب اللهعزوجل إمامان: قال الله تبارك وتعالى:( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) لا بأمر الناس يقدمون أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم، قال:( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلى النَّارِ ) يقدمون أمرهم قبل أمر الله وحكمهم قبل حكم الله، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللهعزوجل .

٧٦ ـ في مجمع البيان وجاءت الرواية بالإسناد عن أبي سعيد الخدري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا امة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية التي مسخوا قردة، الم تر أنّ الله تعالى قال:( وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى ) الآية.

٧٧ ـ في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضاعليه‌السلام من الاخبار المتفرقة حديث طويل وفيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: لـمّا بعث اللهعزوجل موسى بن عمرانعليه‌السلام واصطفاه نجيا وفلق له البحر، ونجى بنى إسرائيل وأعطاه التوراة والألواح، راى مكانه من ربهعزوجل فقال: يا رب لقد أكرمتنى بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي، فقال الله جل جلاله: يا موسى أما علمت أنّ محمدا أفضل عندي من جميع مليكتى وجميع خلقي؟ قال موسى: يا رب فان كان محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل في آل الأنبياء أكرم من آلى؟ قال الله جل جلاله: يا موسى أما علمت أنّ فضل آل محمد على جميع آل النبيين كفضل محمّد على جميع المرسلين؟ فقال موسى: يا ربِّ فان كان آل محمّد كذلك فهل في أمم الأنبياء عندك أفضل من أمتي؟ ظللت عليهم الغمام وأنزلت

١٣٠

عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر؟ فقال الله جل جلاله: يا موسى أما علمت أنّ فضل امة محمّد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي؟ قال موسى: يا رب ليتني كنت أراهم فأوحى اللهعزوجل اليه: يا موسى لن تراهم وليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف تراهم في الجنان جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون، وفي خيراتها يتبحبحون(١) أفتحب أنْ أسمعك كلامهم؟ قال: نعم الهى قال الله جل جلاله: قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، ففعل ذلك موسىعليه‌السلام فنادى ربناعزوجل : يا امة محمد فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم: لبيك أللّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك، قال: فجعل اللهعزوجل تلك الاجابة شعار الحاج ثم نادى ربناعزوجل : يا امة محمد إنّ قضائي عليكم أنّ رحمتي سبقت غضبى وعفوي قبل عقابي فقد استجبت لكم من قبل أنْ تدعوني، وأعطيتكم من قبل أنْ تسألونى، من لقيني بشهادة أنْ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وانّ محمدا عبده ورسوله صادق في أقواله محق في أفعاله وانّ علي بن أبي طالب أخاه ووصيّه من بعده ووليّه ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد، وأنّ أولياءه المصطفين المطهرين الطاهرين المبانين(٢) بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما أولياءه أدخلته جنتي وان كانت ذنوبه مثل زبد البحر، قال: فلما بعث اللهعزوجل محمّداصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: يا محمّد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة قالعزوجل لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : قل الحمد لله ربّ العالمين على ما اختصني به من هذه الفضيلة، وقال لامته: قولوا الحمد لله ربّ العالمين على ما اختصنا به من هذه الفضائل.

٧٨ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل : سحران تظاهرا قال: موسى

__________________

(١) تبحبح الرجل وتبحبح: إذا تمكن في المقام والحلول وقيل، «تبحبحون» من بحبوحة الجنان أي يتوسطون في أوساط الجنان لا في أطرافه لان الوسط خير من الطرف.

(٢) المبانين أي المظهرين وفي بعض النسخ «المنبئين».

١٣١

وهارون.

٧٩ ـ في أصول الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) قال: يعنى من اتخذ دينه رأيه بغير امام من أئمة الهدى.

٨٠ ـ علي بن إبراهيم عن صالح بن السندي عن جعفر بن بشير ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال جميعا عن أبي جميلة عن خالد بن عمار عن سدير قال: قال أبو جعفرعليه‌السلام : يا سدير أفأريك الصادين عن دين الله ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان وهم خلق في المسجد فقال: هؤلاء الصادون عن دين الله بلا هدى من الله ولا كتاب مبين، إنّ هؤلاء الأخابث لو جلسوا في بيوتهم فجال الناس فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يأتونا فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى وعن رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٨١ ـ في بصائر الدرجات أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن القاسم بن سليمان عن المعلى بن خنيس عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) يعنى من اتخذ دينه رأيا بغير امام من أئمة الهدى.

٨٢ ـ عباد بن سليمان عن سعد بن سعد عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسنعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ ) يعنى من اتخذ دينه هواه بغير هدى من أئمة الهدى

٨٣ ـ في أصول الكافي الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن جندب قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن قول اللهعزوجل :( وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) قال: امام إلى امام.

٨٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن

١٣٢

معاوية بن حكيم عن أحمد بن محمد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تعالى:( وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) قال: امام بعد امام.

٨٥ ـ وقال علي بن إبراهيمرحمه‌الله في قولهعزوجل :( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) قال: الائمة صلوات الله عليهم. وقال الصادقعليه‌السلام : نحن صبراء وشيعتنا أصبر منا، وذلك انا صبرنا على ما نعلم، وصبروا على ما لا يعلمون، وقولهعزوجل :( وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) أي يدفعون سيئة من أساء إليهم بحسناتهم.

٨٦ ـ في أصول الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول اللهعزوجل :( أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا ) على التقية( وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ) قال: الحسنة التقية والسيئة الاذاعة.

٨٧ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقولهعزوجل :( وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ) قال: اللغو والكذب واللهو الغناء، وهم الائمة صلوات الله عليهم يعرضون عن ذلك كله.

٨٨ ـ وقولهعزوجل :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) قال: نزلت في أبي طالب كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: يا عم قال: لا إله إلّا الله أنفعك بها يوم القيامة فيقول: يا ابن أخى انا أعلم بنفسي، فلما مات شهد العباس بن عبد المطلب عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه تكلم بها عند الموت فقال رسول الله: اما انا فلم أسمعها منه وأرجوا أنْ أنفعه يوم القيامة، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قمت المقام المحمود لشفعت في أمي وأبى وعمى وأخ كان لي مواخيا في الجاهلية.

٨٩ ـ في مجمع البيان قيل نزل قوله:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) في أبي طالب فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحب إسلامه، فنزلت هذه الآية وكان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل فيه:( يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ) الآية فلم يسلم أبو طالب وأسلم وحشي، ورووا ذلك عن ابن عباس وغيره وفي هذا نظر كما يرى فان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجوز أنْ يخالف الله سبحانه في إرادته، كما لا يجوز أنْ يخالف أو امره ونواهيه، وإذا كان الله تعالى على ما زعم القوم لم يرد ايمان أبي طالب وأراد كفره، وأراد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ايمانه فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول والمرسل، وكان

١٣٣

سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم: انك يا محمد تريد ايمانه ولا أريد ايمانه، ولا أخلق فيه الايمان مع تكلفه بنصرتك وبذل مجهوده في أعانتك، والذب عنك ومحبته لك ونعمته عليك، وتكره أنت ايمان وحشي لقتله حمزة عمك وانا أريد ايمانه وأخلق في قلبه الايمان وفي هذا ما فيه وقد ذكرنا في سورة الانعام أنّ أهل البيتعليهم‌السلام قد أجمعوا على أنّ أبا طالب مات مسلما. وتظاهرت الروايات بذلك عنهم، وأوردنا هناك طرفا من أشعاره الدالة على تصديقه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتوحيده، فان استيفاء جميعه لا يتسع له الطوامير، وما روى من ذلك في كتب المغازي وغيرها أكثر من أنْ يحصى، يكاشف فيها من كاشف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ويناضل عنه ويصحح نبوته، وقال بعض الثقات: أنّ قصائده في هذا المعنى التي تنفث في عقد السحر وتغبر في وجه الشعر الدهر تبلغ قدر مجلد وأكثر من هذا، ولا شك في انه لم يختر تمام مجاهرة الأعداء استصلاحا لهم، وحسن تدبيره في دفع كيادهم لئلا يلجئوا الرسول إلى ما ألجئوه إليه بعد موته.

٩٠ ـ في جوامع الجامع وقالوا: أنّ الآية نزلت في أبي طالب وقد ورد عن أئمة الهدىعليهم‌السلام أنّ أبا طالب مات مسلما وأجمعت الامامية على ذلك وأشعاره مشحونة بالإسلام وتصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) .

٩١ ـ في أصول الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن علي بن عقبة عن أبيه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : اجعلوا أمركم هذا الله، ولا تجعلوه للناس فاما ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى السماء، ولا تخاصموا بدينكم الناس فان المخاصمة ممرضة للقلب، إنّ اللهعزوجل قال لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) وقال:( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) ذروا الناس فان الناس أخذوا عن الناس وانكم أخذتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله و

__________________

(١) وقد تفرد العلامة الأميني دام ظله في كتابه «الغدير» بابا في إسلام أبي طالب والذب عما قيل في عدم إسلامه سلام الله عليه وذكر طرفا من اشعاره وكلماته المنبئة عن ايمانه بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وبما جاء به من الله الحكيم فراجع ج ٧: ٣٣١ ـ ٤٠٩ وج ٨: ٣ ـ ٢٩. ط طهران.

١٣٤

علىعليه‌السلام ولا سواء، وانى سمعت أبيعليه‌السلام يقول: إذا كتب الله على عبد أنْ يدخله في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره، وفي كتاب التوحيد مثله سواء.

٩٢ ـ في أمالي الشيخ الطائفةقدس‌سره باسناده إلى جبير بن نوف أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام كتب إلى معاوية وأصحابه يدعوهم إلى الحق وذكر الكتاب بطوله قال: فكتب إليه معاوية: اما بعد انه :

ليس بيني وبين عمر وعتاب

غير طعن الكلى وضرب الرقاب

فلما وقف أمير المؤمنينعليه‌السلام على جوابه بذلك قال:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) إلى صراط مستقيم».

٩٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وقوله:( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) قال: نزلت في قريش حين دعاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام والهجرة( وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) فقال اللهعزوجل :( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

٩٤ ـ في كشف المحجة لابن طاوس عليه الرحمة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه: فاما الآيات اللواتي في قريش فهي قوله إلى قوله: والثالثة قول قريش لنبي الله حين دعاهم إلى الإسلام والهجرة فقالوا:( إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا ) فقال الله:( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

٩٥ ـ في روضة الواعظين للمفيدرحمه‌الله قال علي بن الحسينعليهما‌السلام : كان أبو طالب يضرب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أنْ قال: فقال أبو طالب: يا ابن أخ إلى الناس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصة؟ قال: لا بل إلى الناس أرسلت كافة الأبيض والأسود والعربي والعجمي، والذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض والأسود، ومن على رؤس الجبال ومن في لجج البحار، ولا دعون السنة فارس والروم فتحيرت قريش واستكبرت وقالت: أما تسمع إلى ابن أخيك وما يقول، والله لو سمعت

١٣٥

بهذا فارس والروم لاختطفتنا من أرضنا ولقلعت الكعبة حجرا حجرا فانزل الله تبارك وتعالى:( وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إليه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ ) إلى آخر الآية.

٩٦ ـ في تفسير علي بن إبراهيم ـ وقولهعزوجل :( وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ) فان العامة قد رووا أنّ ذلك في القيامة، واما الخاصة فانه حدّثني أبي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الحميد الطائي عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: إنّ العبد إذا دخل قبره جاءه منكر وفزع منه يسأل عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقال له: ماذا تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم؟ فان كان مؤمنا قال: اشهد انه رسول الله جاء بالحق فيقال له: ارقد رقدة لا حلم فيها ويتنحى عنه الشيطان، ويفسح له في قبره سبعة أذرع، ويرى مكانه في الجنة قال: وإذا كان كافرا قال: ما أدرى، فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق الله إلّا الإنسان، ويسلط عليه الشيطان، وله عينان من نحاس أو نار تلمعان كالبرق الخاطف فيقول له: انا أخوك ويسلط عليه الحيات والعقارب، ويظلم عليه قبره ثم يضغطه ضغطة يختلف أضلاعه عليه، ثم قال بأصابعه فشرجها(١) .

٩٧ ـ قولهعزوجل :( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) قال: يختار اللهعزوجل الامام وليس لهم أنْ يختاروا.

٩٨ ـ في أصول الكافي أبو القاسم بن العلارحمه‌الله رفعه عن عبد العزيز بن مسلم عن الرضاعليه‌السلام حديث طويل في فضل الامام وصفاته يقول فيهعليه‌السلام : هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الامة فيجوز فيها اختيارهم إلى قولهعليه‌السلام : لقد رامو صعبا وقالوا

__________________

(١) قال المجلسي (ره) في البحار: «ثم قال بأصابعه» القول هنا بمعنى الفعل أي أدخل أصابعه بعضها في بعض لتوضيح اختلاف الأضلاع، أي تدخل أضلاعه من جانب في أضلاعه من جانب آخر وقوله «شرجها» في أكثر النسخ بالجيم، قال الفيروزآبادي: الشرج: الفرقة والمزج والجمع ونضد اللبن والنشريج: الخياطة المتباعدة، وتشرج اللحم بالشحم: تداخل «انتهى» وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي أوضح وبين اختلاف الأضلاع.

١٣٦

إفكا وضلوا ضلالا بعيدا، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الامام عن بصيرة،( زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ) ، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول الله إلى اختيارهم، والقرآن يناديهم:( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) وقالعزوجل :( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) .

٩٩ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سعد بن عبد الله القمى عن الحجة القائمعليه‌السلام حديث طويل وفيه: قلت: فأخبرنى يا ابن مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الامام لأنفسهم؟ قال: مصلح أم فسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أنْ تقع خيرتهم على المفسد بعد أنْ لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى. قال: فهي العلة، وأوردها لك ببرهان ينقاد لك عقلك. ثم قالعليه‌السلام : أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم اللهعزوجل وانزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم أهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسىعليهم‌السلام هل يجوز مع وفور عقلهما إذ هما بالاختيار أنْ تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان انه مؤمن؟ قلت: لا قال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكما علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربهعزوجل سبعين رجلا ممن لا يشك في ايمانهم وإخلاصهم، فوقع خيرته على المنافقين قال اللهعزوجل :( وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا ) إلى قوله:( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه اللهعزوجل للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن انه الأصلح دون الأفسد، علمنا أنّ الاختيار لا يجوز أنْ يفعل إلّا ممن يعلم ما تخفي الصدور، وتكن الضمائر، وتنصرف إليه السرائر، وأنْ لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.

١٠٠ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام في كلام طويل: وتعلم أنّ نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولا لحظة إلّا بقدرته ومشيته. وهم عاجزون عن إتيان

١٣٧

أقل شيء في مملكته إلّا باذنه وإرادته، قال اللهعزوجل :( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) من أمرهم( سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .

١٠١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله:( وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ) يقول: من هذه الامة امامها( فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ ) .

١٠٢ ـ في مجمع البيان:( إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى ) أنْ كان من بنى إسرائيل ثم من سبط موسى وهو ابن خالته عن عطا عن ابن عباس وروى ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

١٠٣ ـ في تفسير علي بن إبراهيم،( وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) والعصبة ما بين العشرة إلى تسعة عشر(١) قال: كان يحمل مفاتيح خزائنه العصبة أولوا القوة.

١٠٤ ـ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديث طويل يقول فيهعليه‌السلام : وما يكون أولوا قوة إلّا عشرة آلاف.

قال عز من قائل:( إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) .

١٠٥ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عن أبيهعليهما‌السلام قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسىعليه‌السلام لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكرى على كل حال، فان كثرة المال تنسى الذنوب، وترك ذكرى ينسى القلوب.

١٠٦ ـ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث طويل وفيه: والفرح مكروه عند اللهعزوجل .

١٠٧ ـ في كتاب التوحيد باسناده إلى أبان الأحمر عن الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام انه جاء إليه رجل فقال له: بأبى أنت وأمي عظني موعظة، فقالعليه‌السلام : إنْ كانت العقوبة من اللهعزوجل حقا فالفرح لماذا؟ والحديث طويل أخذنا منه

__________________

(١) وفي بعض النسخ «خمسة عشر» بدل «تسعة عشر».

١٣٨

موضع الحاجة.

قال عز من قائل:( وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ) .

١٠٨ ـ في الكافي علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي الحسن علي بن يحيى عن أيوب بن أعين عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يؤتى يوم القيامة برجل فيقال: احتج، فيقول: يا رب خلقتني وهديتني وأوسعت على فلم أزل أوسع على خلقك وأيسر عليهم لكي تنشر على هذا اليوم رحمتك وتيسره فيقول الرب جل ثناؤه وتعالى: صدق عبدي أدخلوه الجنة.

١٠٩ ـ في كتاب معاني الأخبار باسناده إلى موسى بن اسمعيل بن موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام في قول اللهعزوجل :( وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا ) قال: لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك أنْ تطلب بها الاخرة.

١١٠ ـ في مصباح الشريعة قال الصادقعليه‌السلام : فساد الظاهر من فساد الباطن ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن خان الله في السر هتك الله ستره في العلانية وأعظم الفساد أنْ يرضى العبد بالغفلة عن الله تعالى، وهذا الفساد يتولد من طول الأمل والحرص والكبر، كما أخبر الله تعالى في قصة قارون في قوله:( وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) وكانت هذه الخصال من صنع قارون واعتقاده، وأصلها من حب الدنيا وجمعها ومتابعة النفس وهواها، واقامة شهواتها وحب المحمدة وموافقة الشيطان واتباع خطواته وكل ذلك مجتمع تحت الغفلة عن الله ونسيان مننه.

١١١ ـ في تفسير علي بن إبراهيم فقال قارون كما حكى اللهعزوجل :( إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي ) يعنى ماله وكان يعمل الكيميا فقال اللهعزوجل :( أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) أي لا يسئل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ ) : في الثياب المصبغات يجرها بالأرض( قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ

١٣٩

لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فقال لهم الخاص من أصحاب موسىعليه‌السلام :( وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ ) .

١١٢ ـ في كتاب الخصال عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قام رجل إلى أمير المؤمنين في الجامع بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن يوم الأربعاء والتطير منه وثقله وأيّ أربعاء هو؟ فقالعليه‌السلام : آخر أربعاء في الشهر وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم الأربعاء القى إبراهيمعليه‌السلام في النار، ويوم الأربعاء خسف الله بقارون والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١١٣ ـ في من لا يحضره الفقيه في مناهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ونهى أنْ يختال الرجل في مشيته وقال: من لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنم، وكان قرين قارون، لأنه أول من اختال فخسف الله به وبداره الأرض.

١١٤ ـ في تفسير علي بن إبراهيم وكان سبب هلاك قارون انه لـمّا خرج موسىعليه‌السلام ببني إسرائيل من مصر وأنزلهم البادية وكانوا يقومون من أول الليل ويأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء، وكان قارون منهم وكان يقرأ التوراة ولم يكن فيهم أحسن صوتا منه، وكان يسمى المنون لحسن قراءته، وكان يعمل الكيميا، فلما طال الأمر على بنى إسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في التوبة وكان موسىعليه‌السلام يحبه، فدخل إليه موسى فقال له: يا قارون قومك في التوبة وأنت قاعد هاهنا؟ ادخل معهم والا ينزل بك العذاب فاستهان به واستهزأ بقوله، فخرج من عنده مغتما فجلس في فناء قصره وعليه جبة شعر ونعلان من جلد حمار شراكهما من خيط شعر بيده العصا، فامر قارون أنْ يصب عليه رمادا قد خلطه بالماء، فصب عليه فغضب موسىعليه‌السلام غضبا شديدا وكان في كتفه شعرات إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى: يا رب إنْ لم تغضب لي فلست لك بنبي فأوحى اللهعزوجل اليه: قد أمرت الأرض أنْ تطيعك فمرها بما شئت وقد كان قارون

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

أطراف البلد فنهبوا وأحرقوا، واعتزم أهل البلد على الاستئمان إلى بلتكين وشافهوه بذلك فأذن لهم وسمع قسّام فاضطرب وألقى ما بيده، واستأمن الناس إلى بلتكين لأنفسهم ولقسّام فأمن الجميع. وولى على البلد أميراً اسمه خطلج، فدخل البلد وذلك في المحرم سنة اثنتين وسبعين (وثلاثمائة). ثم اختفى قسّام بعد يومين، فنهبت دوره ودور أصحابه، وجاء ملقياً بنفسه على بلتكين فقبله، وحمله إلى مصر فأمنه العزيز. وكان بكجور في غَوِيَّة من غلمان سيف الدولة وعامله على حمص. وكان يمدّ دمشق أيام هذه الفتنة والغلاء، ويحمل الأقوات من حمص إليها، ويكاتب العزيز بهذه الخدم.

ثم استوحش سنة ثلاث وسبعين (وثلاثمائة) من مولاه أبي المعالي فاستنجز من العزيز وعده إياه بولاية دمشق، وصادف ذلك أن المغاربة بمصر أجمعوا على التوثّب بالوزير ابن كلس، ودعت الضرورة إلى استقدام بلتكين من دمشق، فأمره العزيز بالقدوم وولاية بكجور على دمشق ففعل، ودخلها بكجور في رجب من سنة ثلاث وسبعين (وثلاثمائة)، وعاث في أصحاب ابن كلس وحاشيته بدمشق؛ لما كان يبلغه عنه من صدّ العزيز عن ولايته، ثم أساء السيرة في أهل دمشق فسعى ابن كلس في عزله عند العزيز.

وجهّز العساكر سنة ثمان وسبعين (وثلاثمائة) مع منير الخادم، وكتب إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته. وجمع بكجور العرب وخرج للقائه، فانهزم. ثم خاف من وصول نزال فاستأمن لهم وتوجَّه إلى الرقّة فاستولى عليها، ودخل منير دمشق واستقرّ في ولايتها.

وارتفعت منزلته عند العزيز وجهّز لحصار سعد الدولة بحَلب. وكان بكجور بعد انصرافه من دمشق إلى الرقة سأل من سعد الدولة العود إلى ولاية حمص فمنعه فأجلب عليه، واستنجد العزيز لحربه وبعث إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته فسار إليه بالعساكر، وخرج سعد الدولة من حَلب للقائهم، وقد أضمر نزال الغدر ببكجور، تقدّم إليه بذلك عيسى بن نسطورس وزير العزيز بعد ابن كلس. وجاء سعد الدولة للقائهم، وقد استمدّ عامل أنطاكية للروم فأمدّه بجيش كثير وداخل العرب الذين مع بكجور في الانهزام عنه، ووعدوه ذلك من أنفسهم، فلمّا تراءى الجمعان وشعر بكجور بخديعة العرب استمات، وحمل على الصفّ بقصد سعد

١٦١

الدولة فقتل لؤلؤ الكبير مولاه بطعنه إيّاه، ثم حمل عليه سعد الدولة فهزمه، فسار إلى بعض العرب، وحمل إلى سعد الدولة فقتله، وسار إلى الرقّة فملكها وقبض جميع أمواله، وكانت شيئاً لا يعبَّر عنه. وكتب أولاده إلى العزيز يستشفعون به فشفع إلى سعد الدولة فيهم أن يبعثهم إلى مصر، ويتهدّده على ذلك، فأساء سعد الدولة الردّ، وجهّز لحصار حَلب الجيوش مع منجوتكين فنزل عليها وحاصرها، وبها أبو الفضائل ابن سعد الدولة ومولاه لؤلؤاً الصغير، وأرسلا إلى سبيل ملك الروم يستنجدانه، وهو في قتال بلغار، فبعث إلى عامل أنطاكية أن يمدّهما، فسار في خمسين ألفاً حتى نزل حبس العاصي، وبلغ خبره إلى منجوتكين فارتحل عن حَلب، ولقي الروم فهزمهم وأثخن فيهم قتلاً وأسراً. وسار إلى انطاكية وعاث في نواحيها، وخرج أبو الفضائل في مغيب منجوتكين إلى ضواحي حَلب، فنقل ما فيها من الغلال وأحق بقيتها لتفقد عساكر منجوتكين الأقوات.

فلما عاد منجوتكين إلى الحصار جهز عسكره، وأرسل لؤلؤ إلى أبي الحسن المغربي في الصلح، فعقد له ذلك، ورحل منجوتكين إلى دمشق.

وبلغ الخبر إلى العزيز فغضب. وكتب إلى منجوتكين بالعود إلى حصار حَلب وإبعاد الوزير المغربي، وأنفذ الأقوات للعسكر في البحر إلى طرابلس. وأقام منجوتكين في حصار حَلب، وأعادوا مراسلة ملك الروم فاستنجدوه وأغروه، وكان قد توسط بلاد البلغار، فعاد مُجدّاً في السير. وبعث لؤلؤ إلى منجوتكين بالخبر حذراً على المسلمين، وجاءته جواسيسه بذلك فأجفل بعد أن خرّب ما كان اتخذه في الحصار من الأسواق والقصور والحمامات.

ووصل ملك الروم إلى حَلب ولقي أبا الفضائل ولؤلؤاً، ثم سار في الشام وافتتح حمص وشيزر ونهبهما، وحاصر طرابلس أربعين يوماً، فامتنعت عليه، وعاد إلى بلاده، وبلغ الخبر إلى العزيز فعظم عليه، واستنفر الناس للجهاد، وبرز من القاهرة وذلك سنة إحدى وثمانين. ثم انتقض منير في دمشق فزحف إليه منجوتكين إلى دمشق)(١) .

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ من ص١٠٨ إلى ص١١٤.

١٦٢

أخبار الوزراء

(كان وزير المُعزّ لدين الله، يعقوب بن يوسف بن كلس أصله من اليهود وأسلم، وكان يدبّر الأحوال الاخشيديّة بمصر، وعزله أبو الفضائل بن الفرات سنة سبع وخمسين، وصادره فاستتر بمصر، ثم فرّ إلى المغرب، ولقي المُعزّ لدين الله، وجاء في ركابه إلى مصر، فاستوزره وعظم مقامه عنده، واستوزره بعده ابنه العزيز إلى أن تُوفِّي سنة ثمانين، وصلّى عليه العزيز وحضر دفنه، وقضى عنه دَينه. وقسّم عمله فردّ النظر في الظلامات إلى الحسن بن عمّار كبير كتامة، وردّ النظر في الأموال إلى عيسى بن نسطورس، ولم تزل الوزارة سائر دولتهم في أرباب الأقلام، وكانوا بمكان، وكان منهم البارزي. وكان مع الوزارة قاضي القضاة وداعي الدعاة. وسأل أن يرسم اسمه على السكة فغرب ومنع، ومات قتيلاً بتنيس، وكان منهم أيضاً أبو سعيد النسري، وكان يهودياً وأسلم قبل وزارته والجرجاني، وقد قطع في أمر منع من الكتب فيه، فكتب وحلف الحاكم بيمين لا تُكفَّر لَيُقَطِّعَنَّه. ثم ردّه بعد ثلاث وخلع عليه وابن أبي كُدَيْنة ثلاثة عشر شهراً. ثم صرف وقتل. وأبو الطاهر بن ياشاد، وكان من أهل الدين واستعفى فأُعفي، وأقام معتكفاً في جامع مصر، وسقط ليلة من السطح فمات. وكان آخرهم الوزير أبو القاسم بن المغربي، وكان بعده بدر الجيالي أيّام المستنصر وزير سيف الدولة، واستبدّ له على الدولة، ومن بعده منهم كما يأتي في أخبارهم)(١) .

أخبار القضاة

(كان النُعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حَيُّون في خطة القضاء للمُعِزّ بالقَيْرَوان، ولّما جاء إلى مصر أقام بها في خطَّة القضاء إلى أن تُوفِّي، وولي ابنه عليّ، ثم تُوفِّي سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، فولّى العزيز أخاه أبا عبد الله محمداً، خلع عليه وقلّده سيفاً. وكان المُعزّ قد وعد أباه بقضاء ابنه محمد هذا بمصر، وتمَّ في سنة تسع وثمانين أيام الحاكم. وكان كبير الصيت، كثير الحسَّان، شديد الاحتياط في العدالة،

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١١٥، ١١٦.

١٦٣

فكانت أيامه شريفة. وولي بعده ابن عمه أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن النعمان أيام الحاكم، ثم عُزِل سنة أربع وتسعين وثلاثمائة وقُتِل وأُحرِق بالنار، وولي مكانه ملكة بن سعيد الغارقي إلى أن قتله الحاكم سنة خمس وأربعمائة بنواحي القصور، وكان عالي المنزلة عند الحاكم ومداخلاً له في أمور الدولة، وخالصة له في خلواته.

وولّى بعده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوّام، واتصل في آخرين إلى آخر دولتهم، كان كثيراً ما يجمعون للقاضي المظالم والدعوة فيكون داعي الدعاة، وربما يُفْردون كلاًّ منهما. وكان القاضي عندهم يصعد مع الخليفة المنبر مع من يصعده من أهل دولته عندما يخطب الخلفاء في الجُمَع والأعياد)(١) .

وفاة المُعزّ وولاية ابنه الحاكم:

(قد تقدّم أنّ العزيز استنفر الناس للجهاد سنة إحدى وثمانين (وثلاثمائة)، وبرز في العساكر لغزو الروم، ونزل بلبيس فاعتورته الأمراض، واتصلت به إلى أن هلك آخر رمضان سنة ست وثمانين لإحدى عشرة سنة ونصف السنة من خلافته، ولُقِّب الحاكم بأمر الله، واستولى برجوان الخادم على دولته كما كان لأبيه العزيز بوصيته بذلك، وكان مدبّر دولته، وكان رديفه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمَّار ويُلَقَّب بأمين الدولة، وتغلَّب على ابن عمار؛ وانبسطت أيدي كتامة في أموال الناس وحرمهم.

ونكر منجوتكين تقديم ابن عمار في الدولة، وكاتب برجوان بالموافقة على ذلك، فأظهر الانتقاض، وجهّز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح، فلقيهم بعسقلان، وانهزم منجوتكين وأصحابه، وقتل منهم ألفين، وسيق أسيراً إلى مصر، فأبقى عليه ابن عمار، واستماله للمشارقة. وعقد على الشام لسليمان بن فلاح، ويُكنّى أبا تميم، فبعث من طبرية أخاه عليّاً إلى دمشق فامتنع أهلها فكاتبهم أبو تميم، وتهدّدهم وأذعنوا، ودخل على البلد ففتك فيهم.

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١١٦.

١٦٤

ثم قدّم أبو تميم فأمّن وأحسن، وبعث أخاه عليّاً إلى طرابلس، وعزل عنها جيش بن الصمصامة، فسار إلى مصر، وداخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمار وأعيان كتامة، وكان معهما في ذلك شكر خادم عضد الدولة، نزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة ونَكْبَةِ أخيه شرف الدولة إيّاه، فخلص إلى العزيز فقرّبه، وحظي عنده فكان مع برجوان وجيش بن الصمصامة. وثارت الفتنة، واقتتل المشارقة والمغاربة، فانهزمت المغاربة، واختفى ابن عمار، وأظهر برجان الحاكم وجدّد له البيعة، وكتب إلى دمشق بالقبض على أبي تميم بن فلاح فنهب، ونهبت خزائنه، واستمرّ القتل في كتامة واضطربت الفتنة بدمشق، واستولى الأحداث. ثم أذن برجوان لابن عمّار في الخروج من أستاره، وأجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره.

واضطرب الشام، فانتقض أهل صور، وقام بها رجل ملاّح اسمه العلاقة، وانتقض مفرج بن دغفل بن الجرّاح، ونزل على الرملة وعاث في البلاد.

وزحف (الدوقس) ملك الروم إلى حصن أفامِيَة محاصراً لها. وجهّز برجوان العساكر مع جيش بن الصمصامة، فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون، وجهّز أسطولاً في البحر، واستنجد العلاقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب، فظفر بهم أُسطول المسلمين، واضطرب أهل صور وملكها ابن حمدان وأسر العلاقة، وبعث به إلى مصر فسلخ وصلب، وسار جيش بن الصمصامة إلى الفرج بن دغفل فهرب أمامه، ووصل إلى دمشق وتلقاه أهلها مذعنين، وأحسن إليهم وسكنهم، ورفع أيدي العدوان عنهم. ثم سار إلى أفامية وصافّ الروم عندها، فانهزم أوّلاً هو وأصحابه، وثبت بشارة الأخشيدي بن قرارة في خمسمائة فارس، ووقف الدوقس ملك الروم على رابية في ولده، وعدّة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين فقصد كردي من مصاف الأخشيدي، وبيده عصا من حديد يُسمّى الخشت، وظنّه الملك مستأمناً، فلمّا دنا منه ضربه بالخشت فقتله، وانهزم الروم واتبعهم جيش بن الصمصامة إلى أنطاكية يغنم ويسبي ويُحرِق، ثم عاد مظفراً إلى دمشق فنزل بظاهرها ولم يدخل واستخلص رؤساء الأحداث استحجبهم، وأُقيم له الطعام في كل يوم، وأقام على ذلك برهة. ثم أمر أصحابه إذا دخلوا للطعام أن يغلق باب الحجرة عليهم،

١٦٥

ويوضع السيف في سائرهم، فقتل منهم ثلاثة آلاف، ودخل دمشق وطاف بها، وأحضر الأشراف فقتل رؤساء الأحداث بين أيديهم، وبعث بهم إلى مصر، وأمن الناس. ثم إنه تُوفِّي وولي محمود بن جيش، وبعث برجوان إلى بسيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين، وبعث جيشاً إلى بَرْقَة وطرابلس الغرب ففتحها وولّى عليها يانساً الصقلّي، ثم ثقل مكان برجوان على الحاكم فقتله سنة تسع وثمانين، وكان خصيّاً أبيض، وكان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده.

ثم قتل الحسين بن عمّار، ثم الحسين بن جوهر القائد، ثم جهّز العساكر مع يارختكين إلى حَلب، وقصد حسَّان بن فرج الطائي، لما بلغ من عيثه وفساده، فلما رحل من غزوه إلى عسقلان لقيه حسَّان وأبوه مفرج فانهزم وقتل، ونهبت النواحي، وكثرت جموع بني الجرّاح وملكوا الرملة، واستقدموا الشريف أبا الفتوح الحسن بن جعفر أمير مكة، فبايعوه بالخلافة. ثم استمالهما الحاكم ورغّبهما فرداه إلى مكة، وراجعا طاعة الحاكم، وراجع هو كذلك، وخطب له بمكة. ثم جهّز الحاكم العساكر إلى الشام مع علي بن جعفر بن فلاح، وقصد الرملة، فانهزم حسَّان بن مفرج وقومه، وغلبهم على تلك البلاد واستولى على أموالهم وذخائرهم، وأخذ ما كان لهم من الحصون بجبل السراة، ووصل إلى دمشق في شوّال سنة تسعين (وثلاثمائة)، فملكها واستولى عليها، وأقام مفرج وابنه حسَّان شريدين بالقفر نحواً من سنتين، ثم هلك مفرج وبعث حسَّان ابنه إلى الحاكم فأمنه وأقطعه، ثم وفد عليه بمصر فأكرمه ووصله)(١) .

خروج أبي ركوة ببرقة والظفر به:

(كان أبو رَكْوَةَ هذا يزعم أنّه الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمان الداخل، وأنه هرب من المنصور بن أبي عامر حين تتبَّعهُم بالقتل وهو ابن عشرين سنة، وقصد القيروان فأقام بها يعلِّم الصبيان، ثم قصد مصر وكتب الحديث، ثم سار إلى مكة واليمن والشام؛ وكان يدعو للقائم من ولد أبيه هشام، واسمه الوليد، وإنما لقبه أبا ركوة لأنه كان يحملها

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ من ص١١٧ إلى ١٢٠.

١٦٦

لوضوئه على عادة الصوفية. ثم عاد إلى نواحي مصر ونزل على بني قُرَّة من بادية هلال بن عامر، وأقام يعلِّم الصِبيان ويؤمهم في صلاتهم. ثم أظهر ما في نفسه ودعا للقائم.

وكان الحاكم قد أسرف في القتل في أصناف الناس وطبقاتهم، والناس معه على خطر، وكان قتل جماعة من بني قرّة وأحرقهم بالنار لفسادهم، فبادر بنو قرّة، وكانوا في أعمال بَرْقَة فأجابوه وانقادوا له وبايعوا. وكان بينهم وبين لواتة ومزاتة وزناتة جيرانهم في الأصل حروب ودماء فوضعوها، واتفقوا على بيعته)(١) .

وملخص بدء أمره في الخروج ونهايته أنه مكن له بمن انضم إليه من بني قرة وسواهم من القبائل أن خرج على الحاكم إلى أن اضطر لسوق العسكر إليه، ووقعت بينه وبينهم معارك انتهت بالانتصار عليه وقبضه وحمله إلى القاهرة وموته قبل الوصول إليها وذلك سنة سبع وتسعين وثلاثمائة.

بقية أخبار الحاكم:

(كان الحسن بن عمّار زعيم كتامة مدبِّر دولته، وكان بَرْجُوانُ خادمه وكافله، وكان بين الموالي والكِتامِيِّين في الدولة منافسة. وكان كثيراً ما يفضي إلى القتال. واقتتلوا سنة سبع وثمانين (وثلاثمائة). وأركب المغاربة ابن عمّار، والموالي برجوان، وكانت بينهم حروب شديدة. ثم تحاجزوا واعتزل ابن عمّار الأمور، وتخلّى بداره عن رسومه وجراياته، وتقدّم برجوان بتدبير الدولة. وكان كاتب بن فِهْر بن إبراهيم يربِّع(٢) وينظر في الظلامات، ويطالعه، وولّى على برقة يَأْنَس صاحب الشرطة مكان صندل. ثم قتل برجوان سنة تسع وثمانين (وثلاثمائة)، ورجع التدبير إلى القائد أبي عبد الله الحسين بن جوهر، وبقي ابن فهر على حاله.

وفي سنة تسعين وثلاثمائة انقطعت طرابلس عن منصور بن بَلْكين بن زيري صاحب أفريقية، وولّى عليها يأْنس العزيزي من موالي العزيز، فوصل

____________________

(١) نفسه: م٤ ص١٢١، ١٢٢.

(٢) ربع الحبل: فتله من أربع طاقات، ولا محلّ لها هنا. ولعلها كلمة عاميّة بمعنى (تربّع) جلس على ركبتيه.

١٦٧

إليها، وأمكنه عامل المنصور منها، وهو عَصولة بن بَكّار. وجاء إلى الحاكم بأهله ووُلْده وماله وأَطلق يد يأْنس على مخلَّفه بطرابلس، يقال: له من الولد نيف وستون بين ذكر وأُنثى، ومن السراري خمس وثلاثون. فتُلُقي بالمَبَرَّة وهُيِّئَ له القصور، ورتب له الجِراية وقلَّده دمشق وأعمالها، فهلك بها لسنة من ولايته.

وفي سنة اثنتين وتسعين (وثلاثمائة) وصل الصريخ من جهة فلفلول بن خَزْرون المُغراوِيّ في ارتجاع طرابلس إلى منصور بن بلكين، فجهَّزت العساكر مع يحيى بن علي الأندلسي الذي كان جعفر أخوه عامل الزاب للعُبَيْديّين، ونزع إلى بني أمية وراء البحر. ولم يزل هو وأخوه في تصريفهم إلى أن قتل المنصور بن أبي عامر جعفراً منهما، ونزع أخوه يحيى إلى العزيز بمصر فنزل عليه، وتصرف في خدمته، وبعثه (إِلآن) الحاكم في العساكر لما قدَّمناه، فاعترضه بنو مُرّة ببرقة ففضُّوا جموعه، ورجع إلى مصر، وسار يأْنس من برقة إلى طرابلس فكان من شأنه مع عصولة ما ذكرناه.

وبعد وفاة عصولة ولي على دمشق مُفْلِج الخادم، وبعده عليّ بن فلاح سنة ثمان وتسعين (وثلاثمائة).

وبعد مسير يأْنس ولّى على برقة صَنْدَل الأسود. وفي سنة ثمان وتسعين (وثلاثمائة) عزل الحسين بن جوهر القائد، وقام بتدبير الدولة صالح بن علي بن صالح الروباذِيّ، ثم نكب حسين القائد بعد ذلك وقتل، ثم قتل صالح بعد ذلك، وقام بتدبير الدولة الكافي بن نصر بن عبدون، وبعده زَرْعَة بن عيسى بن نسطورس، ثم أبو عبد الله الحسن بن طاهر الوزان، وكثر عيث الحاكم في أهل دولته، وقتله إيّاهم، مثل الجرجراي(١) وقطعه أيديهم، حتى إن كثيراً منهم كانوا يهربون من سطوته، وآخرون يطلبون الأمان فيكتب لهم به السجلاّت. وكان حاله مضطرباً إلى الجور والعدل، والإخافة والأمن، والنسك والبدعة.

وأمّا ما يرمى به من الكفر، وصدور السجلات بإسقاط الصلوات فغير

____________________

(١) الجرجراي: أحد الوزراء.

١٦٨

صحيح، ولا يقوله ذو عقل، ولو صدر من الحاكم بعض ذلك لقُتل لوقته.

وأما مذهبه في الرافضة فمعروف، ولقد كان مضطرباً فيه مع ذلك، فكان يأَذْن في صلاة التراويح ثم ينهى عنها، وكان يرى بعلم النجوم ويؤثره، ويُنقل عنه أنه منع النساء من التصرف في الأسواق، ومنع من أكل الملوخيا؛ ورفع إليه أن جماعة من الروافض تعرّضوا لأهل السُنّة في التراويح بالرجم، وفي الجنائز فكتب في ذلك سجلاً قرئ على المنبر بمصر كان فيه:

(أما بعد: فإن أمير المؤمنين يتلو عليكم آية من كتاب الله المبين، لا إكراه في الدِّين، الآية. مضى أمس بما فيه، وأتى اليوم بما يقتضيه. معاشر المسلمين، نحن الأئمة، وأنتم الأُمة، لا يحلّ قتل من شهد الشهادتين، ولا يحلّ عروة بين اثنين، تجمعها هذه الأخوّة، عصم الله بها من عصم، وحرم لها ما حرم، من كل محرّم، من دم ومال ومنكح، الصلاح والأصلح بين الناس أصلح، والفساد والإفساد بين العباد يستقبح، يطوى ما كان فيما مضى فلا ينشر، ويعرض عما انقضى فلا يُذْكر. ولا يُقَبل على ما مرّ وأدبر، من إِجراء الأمور على ما كانت عليه في الأيام الخالية أيّام آبائنا الأئمة المهتدين، سلام الله عليهم أجمعين، مهديهم بالله، وقائمهم بأمر الله، ومنصورهم بالله، ومُعزّهم لدين الله).

وهو إذ ذاك بالمهدية والمنصورية، وأحوال القيروان تجري فيها ظاهرة غير خفية، ليست بمستورة عنهم ولا مطوية. يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون. صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون، وصلاة الضحى وصلاة التروايح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون، يخمِّس في التكبير على الجنائز المخمِّسون، ولا يمنع من التكبير عليها المربعون. يؤذّن بحيّ على خير العمل المؤذّنون، ولا يُؤْذى من بها لا يُؤذّنون. لا يُسب أحد من السلف، ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف، والخالف فيهم بما خلف، لكل مسلم مجتهد في دينه واجتهاده، وإلى الله ربه ميعاده، عنده كتابه، وعليه حسابه. ليكن عباد الله على مثل هذا عملكم منذ اليوم، لا يَسْتَعْلي مسلم بما اعتقده، ولا يعترض معترض على صاحبه فيما اعتمده من جميع ما نصّه أمير المؤمنين في سجله هذا.

١٦٩

وبعد قوله تعالى:( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرّكُم مَن ضَلّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كُتِبَ في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة)(١) .

وفاة الحاكم وولاية الظاهر

(ثم تُوفِّي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز نِزار قتيلاً ببركة الحبش بمصر، وكان يركب الحمار ويطوف بالليل، ويخلو بدار في جبل المقطم للعبادة، ويقال: لاستنزال روحانية الكواكب. فصعد ليلة من الليالي لثلاث بقين من شوّال سنة إحدى عشرة (وأربعمائة)، ركب على عادته ومشى معه راكبان فردّهما واحداً بعد آخر في تصاريف أموره. ثم افتُقِد ولم يرجع، وأقاموا أيّاماً في انتظاره. ثم خرج مظفّر الصقلِّي والقاضي وبعض الخواص إلى الجبل فوجدوا حماره مقطوع اليدين، واتبعوا أثره إلى بركة الحبش فوجدوا ثيابه مزررة، وفيها عدّة ضربات بالسكاكين، فأيقنوا بقتله. ويقال: بلغه عن أخته أنّ الرجال يتناوبون بها فتوعَّدها، فأرسلت إلى ابن دُواس من قواد كتامة، وكان يخاف الحاكم فأغرته بقتله، وهوّنته عليه، لما يرميه به الناس من سوء العقيدة، فقد يهلك الناس ونهلك معه. ووعدته بالمنزلة والإقطاع، فبعث إليه رجلين فقتلاه في خلوته.

ولمّا أيقنوا بقتله اجتمعوا إلى أخته ستّ الملك فأحضرت عليّ بن دُواس، وأجلس عليّ بن الحاكم صبيّاً لم يناهز الحُلُم، وبايع له الناس ولُقّب الظّاهر لإِعزاز دين الله، ونفذت الكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له، ثم حضر ابن دُواس من الغد، وحضر معه القوّاد فأمرت ستّ الملك خادمها فعلاه بالسيف أمامهم حتى قتله، وهو ينادي بأثر الحاكم، فلم يختلف فيه اثنان، وقامت بتدبير الدولة أربع سنين، ثم ماتت.

وقام بتدبير الدولة مِعْضاد وتافر بن الوزان، وولي وزارته أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي وكان متغلِّباً على دولته، وانتقض الشام خلال

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ من ص١٢٣ إلى ص١٢٧.

١٧٠

ذلك، وتغلّب صالح بن مرداس من بني كِلاب على حَلب، وعاث بنو الجراح في نواحيه، فبعث الظاهر سنة عشرين وأربعمائة قائده الزريريّ إلى فلسطين في العساكر وأوقع بصالح بن الجراح، وقُتل صالح وابنه وملك دمشق. وملك حَلب من يد شبل الدولة نصر بن صالح وقتله، وكان بينه وبين بني الجرّاح قبل ذلك وهو بفلسطين حروب؛ حتى هرب من الرملة إلى قيسارية فاعتصم بها، وأخرب ابن الجراح الرملة وأحرقها، وبعث السرايا فانتهت إلى العريش، وخشي أهل بَلْبيس وأهل القُرافَة على أنفُسِهم فانتقلوا إلى مصر، وزحف صالح بن مرداس في جموع العرب لحصار دمشق وعليها يومئذ ذو القرنين ناصر الدولة بن الحسين، وبعث حسَّان بن الجراح إليهم بالمدد، ثم صالحوا صالح بن مرداس، وانتقل إلى حصار حَلب، وملكها من يد شعبان الكتامي وجردت العساكر من الشام مع الوزيري، وملك دمشق وأقام بها)(١) .

وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر

(ثم تُوفِّي الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي بن الحاكم منتصف شعبان سنة سبع وعشرين (وأربعمائة) لست عشرة سنة من خلافته، فولي ابنه أبو تميم معدّ، ولُقِّب المستنصر بأمر الله، وقام بأمره وزير أبيه أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي، وكان بدمشق الوزيري واسمه أقوش تكين(٢) ، وكانت البلاد صلحت على يديه لعدله ورفقه وضبطه، وكان الوزير الجرجراي يحسده ويبغضه، وكتب إليه بإيعاد كاتبه أبي سعيد فأنفذ إليه أنه يحمل الوزيري على الانتقاض، فلم يجب الوزيري إلى ذلك، واستوحش، وجاء جماعة من الجند إلى مصر في بعض حاجاتهم فداخلهم الجرجراي في التوثّب به، ودسّ معهم بذلك إلى بقية الجند بدمشق فتعلّلوا عليه. فخرج إلى بَعْلَبَكَّ سنة ثلاث وثلاثين (وأربعمائة)، فمنعه عاملها من الدخول فسار إلى حماة فمنع أيضاً فقوتل، وهو خلال ذلك ينهب، فاستدعى بعض أوليائه من كفر طاب، فوصل إليه في ألفي رجل، وسار إلى حَلب فدخلها

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ من ص١٢٧ إلى ص١٢٩.

(٢) كذا، وفي الكامل ج٨ ص٣٢: أنوشتكين الدزبري نائب المستنصر بالله صاحب مصر بالشام.

١٧١

وتُوفِّي بها في جمادى الآخرة من السنة.

وفسد بعده أمر الشام وطمع العرب في نواحيه وولّى الجرجراي على دمشق الحسين بن حمدان فكان قصارى أمره منع الشام.

وملك حسَّان بن مُفَرِّج فلسطين، وزحف مُعزّ الدولة بن صالح الكِلابي إلى حَلب فملك المدينة وامتنع عليه أصحاب القلعة، وبعثوا إلى مصر للنجدة فلم ينجدهم فسلموا القلعة لمعزّ الدولة بن صالح فملكها)(١) .

مَسيرُ العرب إلى أفريقية

(كان المعزّ بن باديس قد انتقض دعوة العُبَيْديّين بأفريقية، وخطب للقائم العباسي، وقطع الخطبة للمستنصر العلوي سنة أربعين وأربعمائة، فكتب إليه المستنصر يتهدّده. ثم إنه استوزر الحسين بن عليّ التازوري بعد الجرجراي، ولم يكن في رتبته، فخاطبه المعزّ دون ما كان يخاطب من قبله كان يقول في كتابه إليهم: عبده، ويقول في كتاب التازوري: صنيعته، فحقد ذلك، وأغرى به المستنصر وأصلح بين زغبة ورياح من بطون هلال، وبعثهم إلى أفريقية وملكهم كل ما يفتحونه، وبعث إلى المعزّ: (أمّا بعد فقد أرسلنا إليك خيولاً، وحملنا عليها رجالاً فحولاً، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً).

فساروا إلى برقة فوجدوها خالية؛ لأن المعزّ كان أباد أهلها من زِناتَةَ، فاستوطن العرب برقة واحتقر المُعزّ شأنهم، واشترى العبيد واستكثر منهم، حتى اجتمع له منهم ثلاثون ألفاً.

وزحف بنو زُغْبَة إلى طرابلس فملكوها سنة ست وأربعين (وأربعمائة)، وجازت رياح الأَتبح، وبنو عدي إلى أفريقية فأضرموها ناراً، ثم سار أمراؤهم إلى المعزّ وكبيرهم مؤنس بن يحيى من بني مرداس من زياد، فأكرمهم المعزّ، وأجزل لهم عطاياه فلم يُغن شيئاًَ. وخرجوا إلى ما كانوا عليه من الفساد، ونزل بأفريقية بلاء لم ينزل بها مثله. فخرج إليهم المعزّ في جموعه من صنهاجة والسودان نحواً من ثلاثين ألفاً، والعرب في

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١٢٩، ١٣٠.

١٧٢

ثلاثة آلاف فهزموه وأثخنوا في صنهاجة بالقتل واستباحوهم. ودخل المعزّ القيروان مهزوماً. ثم بيَّتهم يوم النحر، وهم في الصلاة فهزموه أعظم من الأولى. ثم سار إليهم بعد أن احتشد زناتة معه فانهزم ثالثة، وقتل من عسكره نحو من ثلاثة آلاف. ونزل العرب بمصَلّى القيروان، ووالوا عليهم الهزائم، وقتلت منهم أمم. ثم أباح لهم المعزّ دخول القيروان للميرة فاستطالت عليهم العام فقتلوا منهم خلقاً، وأدار المُعزّ السور على القيروان سنة ست وأربعين (وثلاثمائة)، ثم ملك مؤنس بن يحيى مدينة باجة سنة ست وأربعين (وثلاثمائة). وأمر المعز أهل القيروان بالانتقال إلى المهديَّة للتحصين بها، وولّى عليها ابنه تيما سنة خمس وأربعين (وثلاثمائة)، ثم انتقل إليها سنة تسع وأربعين (وثلاثمائة).

وانطلقت أيدي العرب على القيروان بالنهب والتخريب، وعلى سائر الحصون والقرى.

ثم كانت الخطبة للمستنصر ببغداد على يد البساسيري من مماليك بني بُوَيْه عند انقراض دولتهم، واستيلاء السلجوقية)(١) .

مقتل ناصر الدولة بن حمدان بمصر

(كانت أمّ المستنصر متغلّبة على دولته، وكانت تصطنع الوزراء وتولّيهم، وكانوا يتخذون الموالي من التُّرك للتغلّب على الدولة، فمن استوحشت منه أغرت به المستنصر فقتله، فاستوزرت أوّلاً أبا الفتح الفلاحي، ثم استوحشت منه فقبض عليه المستنصر وقتله، ووزر بعده أبا البركات حسن بن محمد وعزله. ثم ولّى الوزارة أبا محمد التازوري من قرية بالرملة تُسمّى تازور، فقام بالدولة إلى أن قُتل. ووزر بعده أبو عبد الله الحسين بن البابلي، وكان في الدولة من موالي السودان ناصر الدولة بن حمدان، واستمالوا معهم كتامة والمَصامِدَة. وخرج العبيد إلى الضياع واجتمعوا في خمسين ألف مقاتل، وكان التُّرك ستة آلاف، وشكوا إلى المستنصر فلم يشكهم، فخرجوا إلى غرمائهم والتقوا بكوم الريش، وأكمن

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ من ص١٣٠ إلى ص١٣٢.

١٧٣

التُّرك للعبيد ولقوهم فانهزموا، وخرج كمينهم على العبيد، وضربوا البوقات والكاسات فارتاب العبيد وظنوه المستنصر فانهزموا وقتل منهم وغرق نحو أربعين ألفاً. وفدى التُّرك وتغلّبوا، وعظم الافتراء فيهم فخلت الخزائن، واضطربت الأمور، وتجمّع باقي العسكر مع الشام وغيره إلى الصعيد، واجتمعوا مع العبيد، وكانوا خمسة عشر ألفاً، وساروا إلى الجيزة فلقيهم التُّرك، وعليهم ناصر الدولة بن حمدان فهزموهم إلى الصعيد، وعاد ناصر الدولة والتُّرك ظافرين.

واجتمع العبيد في الصعيد، وحضر التُّرك بدار المستنصر فأمرت أمه العبيد بالدار أن يفتكوا بمقدّمي التُّرك ففعلوا وهربوا إلى ظاهر البلد، ومعهم ناصر الدولة، وقاتل أولياء المستنصر فهزمهم، وملك الإسكندرية ودمياط وقطع الخطبة منهما ومن سائر الريف للمستنصر. وراسل الخليفة العباسي ببغداد، وافترق الناس من القاهرة. ثم صالح المستنصر ودخل القاهرة واستبدّ عليه، وصادر أُمه على خمسين ألف دينار، وافترق عنه أولاده وكثير من أهله في البلاد. ودسّ المستنصر لقوّاد التُّرك بأنه يحوّل الدعوة فامتعضوا لذلك، وقصدوه في بيته، وهو آمن منهم، فلما خرج إليهم تناولوه بسيوفهم حتى قتلوه وجاءوا برأسه، ومرّوا على أخيه في بيته فقطعوا رأسه، وأتوا بهما جميعاً إلى المستنصر، وذلك سنة خمس وستين (وثلاثمائة)، وولّى عليهم الذّكر منهم وقام بأمر الدولة)(١) .

استيلاء بدر الجمالي على الدولة:

(أصل بدر هذا من الأرمن من صنائع الدولة بمصر ومواليها، وكان حاجباً لصاحب دمشق، واستكفاه فيما وراء بابه. ثم مات صاحبُ دمشق، فقام بالأمور إلى أن وصل الأمير على دمشق، وهو ابن منير، فسار هو إلى مصر وترقّى في الولايات إلى أن وليَ عكا، وظهر منه كفاية واضطلاع، ولمّا وقع بالمستنصر ما وقع من استيلاء التُّرك عليه، والفساد والتضييق، واستقدم بدراً الجمالي لولاية الأمور بالحضرة، فاستأذن في الاستكثار من الجند لقهر من تغلَّب من جند مصر فأذن له في ذلك. وركب البحر من عكا

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١٣٢، ١٣٣، ١٣٤.

١٧٤

في عشرة مراكب، ومعه جند كثيف من الأرمن وغيرهم، فوصل إلى مصر، وحضر عند الخليفة، فولاّه ما وراء بابه، وخلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق، ولقبّه بالسيّد الأجل أمير الجيوش، مثل والي دمشق، وأضيف إلى ذلك كافل قضاة المسلمين، وداعي دعاة المؤمنين، ورتب الوزارة وزاده سيفه ورد الأمور كلها إليه، ومنه إلى الخليفة، وعاهده الخليفة على ذلك، وجعل إليه ولاية الدعاة والقضاة، وكان مبالغاً في مذهب الإمامية، فقام بالأمور واستردّ ما كان تغلّب عليه أهل النواحي مثل ابن عمّار بطرابلس، وابن معروف بعسقلان وبني عقيل بصور.

ثم استردّ من القواد والأمراء بمصر جميع ما أخذوه أيام الفتنة من المستنصر من الأموال والأمتعة. وسار إلى دمياط، وقد تغلّب عليها جماعة من المفسدين من العرب وغيرهم فأثخن في لَواتَة بالقتل والنهب في الرجال والنساء، وسبى نساءهم، وغنم خيولهم، ثم سار إلى جهينة ومعهم قوم من بني جعفر فلقيهم على طرخ العليا سنة تسع وستين (وثلاثمائة)، فهزمهم، وأثخن فيهم، وغنم أموالهم، ثم سار إلى أسوان وقد تغلّب عليها كنز الدولة محمد فقتله وملكها، وأحسن إلى الرعايا ونظم حالهم وأسقط عنهم الخراج ثلاث سنين، وعادت الدولة إلى أحسن ما كانت عليه)(١) .

استيلاء الغز على الشام وحصارهم مصر:

(كان السلجوقية وعساكرهم من الغز قد استولوا في هذا العصر على خُراسان والعراقين وبغداد، وملكهم ظُغْرُلْبَك، وانتشرت عساكرهم في سائر الأقطار، وزحف (أتسز بن أنز) من أمراء السلطان ملك شاه وسماه الشاميون أَفْسَفْس، والصحيح هذا، وهو اسم تركي، هكذا قال ابن الأثير.

فزحف سنة ثلاث وثلاثين، بل وستين، ففتح الرملة ثم بيت المقدس، وحاصر دمشق وعاث في نواحيها، وبها المُعَلّى بن حيدرة، ولم يزل يوالي عليها البعوث إلى سنة ثمان وستين.

وكثر عسف المُعلّى بأهلها مع ما هم فيه من شدّة الحصار فثاروا به،

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١٣٤، ١٣٥.

١٧٥

وهرب إلى بلسيس، ثم لحق بمصر فُحبس إلى أن مات، ولما هرب من دمشق اجتمعت المصامدة وولوا عليهم انتصار بن يحيى منهم ولقّبوه وزير الدولة. ثم اضطربوا مما هم فيه من الغلاء، وجاء أمير من القدس فحاصرهم حتى نزلوا على أمانه، وأنزل وزير الدولة بقلعة بانياس، ودخل دمشق في ذي القعدة، وخطب فيها للمقتدي العباسي، ثم سار إلى مصر سنة تسع وستين فحاصرها وجمع بدر الجمالي العساكر من العرب وغيرهم، وقاتله فهزمه، وقتل أكثر أصحابه، ورجع أتسز منهزماً إلى الشام، فأتى دمشق، وقد صانوا مخلّفه فشكرهم ورفع عنهم خراج سنة تسع وستين وجاء إلى بيت المقدس فوجدهم قد عاثوا في مخلّفه، وحصروا أهله وأصحابه في مسجد داود (عليه السلام)، فحاصرهم ودخل البلد عَنوَةً، وقتل أكثر أهله حتى قتل كثيراً في المسجد الأقصى.

ثم جهّز أمير الجيوش بدر الجمالي العساكر من مصر مع قائده نصير الدولة فحاصر دمشق، وضيّق عليها، وكان ملك السُلجوقيّة السلطان ملك شاه قد أقطع أخاه (تُتُش) سنة سبعين وأربعمائة بلاد الشام وما يفتحه منها، فزحف إلى حَلب وحاصرها وضيّق عليها، ومعه جموع كثيرة من التُّركمان، فبعث إليه أتسز من دمشق يستصرخه فسار إليه، وأجفلت عساكر مصر عن دمشق، وخرج أتسز من دمشق للقائه فقتله وملك البلد، وذلك سنة إحدى وسبعين (وأربعمائة).

وملك (ملك شاه) بعد ذلك حَلب، واستولى السُلجوقية على الشام أجمع، وزحف أمير الجيوش بدر الجمالي من مصر في العساكر إلى دمشق، وبها تاج الدولة تُتُش، فحاصره وضيّق عليه، وامتنع عليه، ورجع، وزحفت عساكر مصر سنة اثنتين وثمانين (وأربعمائة) إلى الشام فاسترجعوا مدينة صور من يد أولاد القاضي عين الدولة بن أبي عقيل، كان أبوهم قد انتزى عليها، ثم فتحوا مدينة صيدا ثم مدينة جبيل. وضبط أمير الجيوش البلاد وولّى عليها العُمّال. وفي سنة أربع وثمانين (وأربعمائة) استولى الفرنج على جزيرة صقلّية، وكان أمير الجيوش قد ولّى على مدينة صور منير الدولة الجيوش من طائفته فانتقض سنة ست وثمانين (وأربعمائة)، وبعث إليه أمير الجيوش العساكر فثار به أهل المدينة، واقتحمت عليهم العساكر، وبعث منير الدولة إلى مصر في جماعة من أصحابه فقُتلوا كلهم.

١٧٦

ثم تُوفِّي أمير الجيوش بدر الجمالي سنة سبع وثمانين (وأربعمائة) في ربيع الأول لثمانين سنة من عمره. وكان له موليان أمين الدولة لاويز ونصير الدولة أفتكين، فلمّا قضى بدر نحبه استدعى المستنصر لاويز ليقلِّده، فأنكر ذلك أفتكين، وركب في الجند وشغبوا على المستنصر، واقتحموا القصر، وأسمعوه خشن الكلام، فرجع إلى ولاية ولد بدر، وقدّم للوزارة ابنه محمداً الملك أبا القاسم شاه، ولقّبه بالأفضل مثل لقب أبيه. وكان أبو القاسم بن المقري رديفاً لبدر في وزارته بما كان اختصه لذلك، فولّى بعد موته الوزارة القاسم بالدولة، وجرى على سنن أبيه في الاستبداد.

وكانت وفاة المستنصر قريباً من ولايته)(١) .

وفاة المستنصر وولاية ابنه المستعلي:

(ثم تُوفِّي المستنصر معدّ بن الظاهر يوم التروِيَة سنة سبع وثمانين (وأربعمائة) لستين سنة من خلافته، ويقال: لخمس وستين بعد أن لقي أهوالاً وشدائد، وانفتقت عليه فتوق استهلك فيها أمواله وذخائره حتى لم يكن له إلا بساطه الذي يجلس عليه، وصار إلى حد العزل والخلع، حتى تدارك أمره باستقدام بدر الجمالي من عكا، فتقوّم أمره ومكنه في خلافته.

ولما مات خلّف من الولد أحمد ونزاراً وأبا القاسم. وكان المستنصر فيما يقال: قد عهد لنزار، وكانت بينه وبين أبي القاسم الأفضل عداوة فخشي بادرته، وداخل عمته في ولاية أبي القاسم، على أن تكون لها كفالة الدولة، فشهدت بأن المستنصر عهد له بمحضر القاضي والداعي، فبويع ابن ستّ، ولُقِّب المستعلي بالله، وأُكره أخوه الأكبر على بيعته، ففرّ إلى الإسكندرية بعد ثلاث، وبها نصير الدولة أَفْكين مولى بدر الجمالي الذي سعى للأَفضَل، فانتقض وبايع لنزار بعهده، ولُقِّب المصطفى لدين الله. وسار الأفضل بالعساكر وحاصرهم بالإسكندرية، واستنزلهم على الأمان وأعطاهم اليمين على ذلك، وأركب نزاراً السفن إلى القاهرة وقتل بالقصر.

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ من ص١٣٦ إلى ص١٣٨.

١٧٧

وجاء الأفضل ومعه أَفْتكين أسيراً، فأحضره يوماً ووبّخه، فهمّ بالردّ عليه فقتل بالضرب بالعصي، وقال: لا يتناول اليمين هذه للقتلة، ويقال: إِنّ الحسين بن الصبَّاح رئيس الإسماعيلية بالعراق قصد المستنصر في زيّ تاجر، وسأله إقامة الدعوة له ببلاد العجم فأذن له بذلك. وقال له الحسن: مَن إِمامي من بعدك؟ فقال: ابني نزار. فسار ابن الصبَّاح ودعا الناس ببلاد العجم إليه سراً، ثم أظهر أمره، وملك القلاع هنالك مثل قلعة الموت وغيرها. وهم من أجل هذا الخبر يقولون بإمامة نزار؛ ولما ولي المستعلي خرج ثغر عن طاعته ووليَ عليه واليه كشيلَة، وبعث المستعلي العساكر فحاصره، ثم اقتحموا عليه، وحملوه إلى مصر فقُتل بها سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.

وكان (تُتُش) صاحب الشام قد مات، واختلف بعده ابناه رضوان ودقاق، وكان دقاق بدمشق ورضوان بحَلب، فخطب رضوان في أعماله للمستعلي بالله أياماً قلائل، ثم عاود الخطبة للعباسيين)(١) .

استيلاء الفرنج على بيت المقدس:

(كان بيت المقدس قد أقطعه تاج الدولة تُتُش للأمير سُليمان بن أرتق التُّركمانيّ، وقارن ذلك استفحال الفرنج واستطالتهم على الشام، وخروجهم سنة تسعين وأربعمائة، ومرّوا بالقِسْطَنْطِينيّة وعبروا خليجها، وخلى صاحب القِسْطَنْطِينيّة سبيلهم ليحولوا بينه وبين صاحب الشام من السُلجُوقيّة والغُزّ، فنازلوا أوّلاً انطاكية فأخذوها من يد (باغيسيان) من قواد السلجوقية، وخرج منها هارباً فقتله بعض الأرمن في طريقه وجاء برأسه إلى الفرنج بأنطاكية.

وعظم الخطب على عساكر الشام، وسار (كربوقا) صاحب الموصل فنزل مرج دابق، واجتمع إليه دقاق بن تُتُش وسليمان بن أرتق، وطَغْتَكين أتابك صاحب حمص وصاحب سنجار، وجمعوا من كان هنالك من التُّرك والعرب وبادروا إلى أنطاكية لثلاثة عشر يوماً من حلول الفرنج بها. وقد اجتمع ملوك الفرنج ومقدمهم (بنميد)، وخرج الفرنج وتصادموا مع

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ من ص ١٣٨ إلى ص١٤٠.

١٧٨

المسلمين، فانهزم المسلمون، وقتل الفرنج منهم ألوفاً، واستولوا على معسكرهم، وساروا إلى مَعرّة النُعمان وحاصروها أياماً، وهربت حاميتها، وقتلوا منها نحواً من مائة ألف، وصالحهم ابن مُنْقِذ على بلده شيزر، وحاصروا حِمْص فصالحهم عليها جناح الدولة.

ثم حاصروا عكَّة فامتنعت عليهم، وأدرك عساكر الغزّ من الوهن ما لا يعبر عنه، فطمع أهل مصر فيهم، وسار الأفضل بن بدر بالعساكر لاسترجاع بيت المقدس، فحاصرها، وبها سُقْمان وأبو الغازي، ابنا أرتق، وابن أخيهما (ياقوتي) وابن عمهما (سوتج)، ونصبوا عليها نيفاً وأربعين منجنيقاً، وأقاموا عليها نيّفاً وأربعين يوماً، ثم ملكوها بالأمان في سنة تسعين (وأربعمائة).

وأحسن الأفضل إلى سُقْمان وأبي الغازي ومن معهما، وخلّى سبيلهم، فسار سقمان إلى بلد الرَها وأبو الغازي إلى بلد العراق، وولّى الأفضل على بيت المقدس، ورجع إلى مصر.

ثم سارت الفرنج إلى بيت المقدس وحاصروه نيفاً وأربعين يوماً، ونصبوا عليه برجين، ثم اقتحموه من الجانب الشمالي لسبع بقين من شعبان، واستباحوه أُسبوعاً ولجأ المسلمون إلى مِحْراب داود (عليه السلام) واعتصموا به إلى أن استنزلهم الفَرَنْج بالأمان، وخرجوا إلى عسقلان، وقتل بالمسجد عند الشجرة سبعون ألفاً، وأخذوا من المسجد نيفاً وأربعين قنديلاً من الفضة، يزن كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة، وتنوراً من الفضة يزن أربعين رطلاً بالشامي، ومائة وخمسين قنديلاً من الصُفر وغير ذلك مما لا يحصى.

وأجفل أهل بيت المقدس وغيرهم من أهل الشام إلى بغداد، باكين على ما أصاب الإسلام ببيت المقدس من القتل والسَبي والنهب.

وبعث الخليفة أعيان العلماء إلى السلطان (بَرْكَيارُق) وأخوته محمد (وسنجر) بالمسير إلى الجهاد فلم يتمكّنوا من ذلك، للخلاف الذي كان بينهم. ورجع الوفد مؤيسين(١) من نصرهم.

____________________

(١) كذا بالأصل والأصح: آيسين.

١٧٩

وجمع الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر، وسار إلى الفرنج، فساروا إليهم وكبسوهم على غير أُهبة فهزموهم، وافترق عسكر مصر، وقد لاذوا بِخُمّ الشعْراء هناك فأضرموها عليهم ناراً فاحترقوا وقُتِل من ظَهر، ورجع الفرنج إلى عسقلان فحاصروها حتى أنزلوا لهم عشرين ألف دينار فارتحلوا)(١) .

وفاة المستعلي وولاية ابنه الآمر:

(ثم تُوفِّي المستعلي أبو القاسم أحمد بن المستنصر منتصف صفر سنة خمس وتسعين (وأربعمائة) لسبع سنين من خلافته، فبويع ابنه أبو علي ابن خمس سنين، ولُقِّب الآمر بأحكام الله، ولم يلِ الخلافة فيهم أصغر منه، ومن المستنصر فكان هذا لا يقدر على ركوب الفرس وحده)(٢) .

هزيمة الفرنج لعساكر مصر:

(ثم بعث الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر لقتال الفرنج مع سعد الدولة الفراسي أميراً، مملوك أبيه، فلقي الفرنج بين الرملة ويافا، ومقدّمهم بغدوين فقاتلهم، وانهزم وقتل، واستولى الفرنج على معسكره، فبعث الأفضل ابنه شرف المعالي في العساكر، فبارزهم قرب الرملة وهزمهم، واختفى بغدوين في الشجر، ونجا إلى الرملة مع جماعة من زعماء الفرنج، فحاصرهم شرف المعالي خمسة عشر يوماً حتى أخذهم، فقتل منهم أربعمائة صبراً. وبعث ثلاثمائة إلى مصر، ونجا بغدوين إلى يافا. ووصل في البحر جموع من الفرنج للزيارة فندبهم بغدوين للغزو، وسار بهم إلى عَسْقَلان، فهرب شرف المعالي وعاد إلى أبيه. وملك الفرنج عَسْقَلان، وبعث العساكر في البَرّ مع تاج العجم مولى أبيه إلى عسقلان، وبعث الأسطول في البحر إلى يافا مع القاضي ابن قادوس، فبلغ إلى يافا، واستدعى تاج العجم وحبسه، وبعث جمال الملك من مواليه إلى عسقلان مقدّم العساكر الشاميّة. ثم بعث الأفضل سنة ثمان وتسعين (وأربعمائة) ابنه

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١٤٠، ١٤١، ١٤٢.

(٢) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١٤٢، ١٤٣.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391