تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني15%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 135264 / تحميل: 11817
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق ، ثم أدخلوه سرباً وجصصوا عليه ، فأصبح ميتاً ، وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر(1) .

ما قاله الإمام العسكري بعد هلاك المعتز :

حينما قتل المعتز خرج توقيع من الإمام العسكريعليه‌السلام يؤكد عزم المعتز على قتل الإمامعليه‌السلام قبل أن يُولَد له ، وفي ذلك دلالة واضحة على اعتقاد بني العباس بأن المولود هو صاحب الزمانعليه‌السلام الذي يقصم الجبّارين ويقيم دولة الحق.

عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، قال : « خرج عن أبي محمدعليه‌السلام حين قتل الزبيري :هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه ، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سمّاه محمداً »(2) .

خامساً ـ المهتدي ( 255 ـ 256 ه‍ )

هو محمد بن الواثق بن المعتصم ، بويع بالخلافة في رجب سنة 255 ه‍ ، وقد نقل المؤرخون في ترجمته أنه كان من أحسن خلفاء بني العباس مذهباً ، وأجودهم طريقة ، وأكثرهم ورعاً وعبادة وزهادة ، وأنه اطّرح الغناء والشراب ، ومنع أصحاب السلطان من الظلم ، وكان يجلس للمظالم ، ويتقلّل في مأكوله وملبوسه(3) .

__________________

(1) الكامل في التاريخ 6 : 200 ، الفخري في الآداب السلطانية : 243 ، البداية والنهاية 11 : 16 ، سير أعلام النبلاء 12 : 533.

(2) أصول الكافي 1 : 329 / 5 ـ باب الاشارة والنص إلى صاحب الدارعليه‌السلام ، إكمال الدين : 430 / 3 ـ باب 42.

(3) راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : 281 ، الكامل في التاريخ 6 : 223 ـ 224 ،

٨١

وهو بهذا التصرف استطاع الترفع على سيرة أسلافه العباسيين المعروفين بالترف والاسراف والمجون ومعاقرة الخمور وغيرها من مظاهر الانحراف ، لكن ثمة فرقاً بين السيرة الصالحة التي تكون واعزاً للحق والعدل والانصاف وتمنع صاحبها عن الظلم والجور ، والسيرة التي يفتعلها صاحبها أو يتصنّعها لأجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم على الخلفاء المتقدمين ، وقد صرح بعض المؤرخين بأن المهتدي كان يتشبّه بعمر بن عبد العزيز(1) ، والتشبه غير التطبّع.

ونقل آخر عنه أنه قال لأحد جلسائه حين سأله عما هو فيه من التقشف في الأكل ، فقال : « انّي فكرت في أنه كان في بني اُمية عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلّل والتقشف على ما بلغك ، فغرت على بني هاشم ، فأخذت نفسي بما رأيت »(2) .

فالتزهّد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة وفطرة سليمة ، وبنوهاشم هنا خصوص بني العباس لا عمومهم ، لأن فيهم من قال فيه تعالي :( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (3) وفيهم آل البيت المعصومونعليهم‌السلام ، ويبين ذلك الخصوص في تصريحة بقول آخر : « أما تستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز ؟! »(4) ، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم على العباسيين في مقابل بني

__________________

البداية والنهاية 11 : 23 ، سير أعلام النبلاء 12 : 535 ، الفخري في الآداب السلطانية : 246.

(1) الفخري في الآداب السلطانية : 246.

(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 281.

(3) سورة القلم : 68 / 4.

(4) `الكامل في التاريخ 6 : 224.

٨٢

اُمية.

ولو كان المهتدي محمود السيرة لخالف أسلافه في التعامل مع الإمامعليه‌السلام وأصحابه وشيعته ، لكنه انتهج نفس أساليبهم ، وكما يلي :

1 ـ مواقفه من الطالبيين :

تعرض نحو عشرين من العلويين للقتل صبراً أو الأسر أو السجن أو الترشيد خلال فترة حكومة المهتدي التي كانت أقلّ من سنة واحدة ، على ما نقله أبو الفرج وحده.

فقد قتل صبراً في أيام المهتدي محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وطاهر بن أحمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقُتل أيضاً الحسين بن محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

وَقَتل أصحاب عبد الله بن عبد العزيز ، يحيى بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد ، قُتل بقرية من قري الري في ولاية عبد الله بن عبد العزيز.

واُسِر محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ، أسره الحارث بن أسد وحمله إلى المدينة فتوفّي بالصفراء ، فقطع الحارث رجيلة وأخذ قيدين كانا فيهما ورمى بهما.

وقتل جعفر بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، قتله سعيد الحاجب بالبصرة.

٨٣

وقتل بالسمّ موسى بن عبد الله بن موسى بن عبيد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب ، وكان رجلاً صالحاً ، راوياً للحديث ، قد روي عنه عمر ابن شبّة ، ومحمد بن الحسن بن مسعود الزرقي ، ويحيى بن الحسن بن جعفر العلوي وغيرهم. وكان سعيد الحاجب حمله وحمل ابنه إدريس وابن أخيه محمد ابن يحيى بن عبد الله بن موسى ، وأبا الطاهر أحمد بن زيد بن الحسين بن عيسىٰ ابن زيد بن علي بن الحسين ، إلى العراق ، فعارضه بنو فزارة بالحاجز ، فأخذوهم من يده فمضوا بهم ، وأبى موسى أن يقبل ذلك منهم ، ورجع مع سعيد الحاجب ، فلما كان بزبالة دسّ إليه سمّاً فقتله(1) وأخذ رأسه وحمله إلى المهتدي في المحرم سنة 256 ه‍.

وأُسِرَ عيسىٰ بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر ، أسره عبد الرحمن خليفة أبي الساج بالجار(2) ، وحمله فمات بالكوفة.

وقُتل محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، قتله عبد الله بن عزيز بين الري وقزوين.

ومات في الحبس علي بن موسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حبسه عيسىٰ بن محمد المخزومي بمكة ، فمات في حبسه. ومات في الحبس أيضاً محمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حمله عبد الله بن عبد العزيز عامل طاهر

__________________

(1) ذكر ذلك المسعودي أيضاً في مروج الذهب 4 : 429 وجعله في زمان المعتز.

(2) الجار : بلدة على البحر الأحمر.

٨٤

إلى سر من رأى ، وحمل معه علي بن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فحبسا جميعاً حتى ماتا في الحبس.

وكذلك إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، حبسه محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن المنصور عامل المهتدي على المدينة ، فمات في حبسه ، ودفن في البقيع.

وكذلك عبد الله بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن ، حبسه أبو الساج بالمدينة ، فبقي بالحبس إلى ولاية محمد بن أحمد بن المنصور ، ثم توفي في حبسه ، فدفعه إلى أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن داود بن الحسن فدفنه بالبقيع(1) .

ولم تكفّه سيرته الصالحة عن التصدي لشيعة الإمام والنكاية بهم ، بل كان مصداقاً للحقد التقليدي الذي يكنّه أسلافه العباسيون تجاهم ، فقد ذكر السيوطي أنه نفى جعفر بن محمود إلى بغداد ، وكره مكانه ، لأنّه نسب عنده إلى الرفض(2) .

2 ـ سيرة المهتدي مع الإمام العسكري عليه‌السلام :

حاول ( المهتدي ) العباسي التضييق على الإمام العسكريعليه‌السلام بشتى الوسائل ، وكان عازماً على قتل الإمامعليه‌السلام ، وهناك جملة من الروايات التي تؤيد ذلك :

__________________

(1) مقاتل الطالبيين : 435 ـ 439.

(2) تاريخ الخلفاء للسيوطي : 281.

٨٥

عن أبي هاشم الجعفري ، قال : « كنت محبوساً مع أبي محمدعليه‌السلام في حبس المهتدي ، فقال لي :يا أبا هاشم ، إن هذا الطاغية أراد أن يعبث بأمر الله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله للمتولي بعده وليس لي ولد ، وسيرزقني الله ولداً بكرمه ولطفه ، فلما أصبحنا شغبت الأتراك على المهتدي وأعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحّح العزم على قتل أبي محمدعليه‌السلام ، فشغله الله بنفسه حتى قُتل ومضى إلى أليم العذاب »(1) .

ويبدو أن تاريخ اعتقال الإمامعليه‌السلام في أول حكم المهتدي ، لأنّهعليه‌السلام ذكر في هذا الحديث أنه ليس له ولد وسيرزقه الله ولداً بكرمه ولطفه ، وقد ولد الحجةعليه‌السلام في النصف من شعبان سنة 255 ه‍ ، وتولّى المهتدي في أول رجب سنة 255 ه‍.

وتتشابه أجواء هذا الحديث وتاريخه مع حديث عيسىٰ بن صبيح(2) الذي اعتقل مع الإمامعليه‌السلام قال : « دخل الحسن العسكريعليه‌السلام علينا الحبس ، وكنت به عارفاً إلى أن قال : قلت : ألك ولد ؟ قال :إي والله ، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فاما الآن فلا »(3) . فلعلّ الجملة المعترضة في حديث أبي هاشم الجعفري المتقدّم « وليس لي ولد » هي جواب للإمامعليه‌السلام عن سؤال

__________________

(1) إثبات الوصية : 252 ، مهج الدعوات : 343 ، بحار الأنوار 50 : 313 ، ونحوه في المناقب لابن شهرآشوب 4 : 463 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 205 / 173 و 223 / 187 ، بحار الأنوار 50 : 303 / 79.

(2) في الفصول المهمة : عيسىٰ بن الفتح.

(3) الفصول المهمة 2 : 1087 ، بحار الأنوار 50 : 275 / 48 عن الخرائج والجرائح.

٨٦

عيسى بن صبيح الذي كان معهم في السجن.

وكان قبل ذلك قد تهدّد الإمامعليه‌السلام بالقتل وتوعّد شيعته ، فكتب أحمد بن محمد إلى الإمام العسكريعليه‌السلام حين أخذ المهتدي في قتل الموالي : يا سيدي ، الحمد لله الذي شغله عنّا ، فقد بلغني أنه يتهددك ويقول : والله لأجلينّهم عن جديد الأرض(1) . فوقّععليه‌السلام بخطه :ذلك أقصر لعمره ، عد من يومك هذا خمسة أيام ، ويُقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخاف يمرّ به ، وكان كما قال »عليه‌السلام (2) .

هلاك المهتدي :

لقد تنكّر المهتدي للاتراك ، وعزم على تقديم الأبناء ، فلمّا علموا بذلك استوحشوا منه وأظهروا الطعن عليه ، فأحضر جماعة منهم فضرب أعناقهم ، فاجتمع الأتراك وشغبوا ، فخرج إليهم المهتدي في السلاح ، واستنفر العامة ، وأباحهم دماء الأتراك وأموالهم ونهب منازلهم ، فتكاثر الأتراك عليه ، وافترقت العامة عنه حتى بقي وحده ، فسار إلى دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة ، فلحقوه وأخذوه وحملوه على بغل وجراحاته تنطف دماً ، فحبسوه في الجوسق عند أحمد بن خاقان ، وقبّل المهتدي يده مراراً عديدة ، فدعوه إلى أن يخلع نفسه فأبى ، فقالوا : إنّه كتب بخطه رقعة لموسى بن بغا وبابكيال وجماعة من القواد أنه لا يغدر بهم ولا يغتالهم ولا يفتك بهم ولا يهمّ بذلك ، وأنه متى فعل ذلك فهم في

__________________

(1) جديد الأرض : وجهها.

(2) أصول الكافي 1 : 510 / 16 ، الإرشاد 2 : 333 ، إعلام الورى 2 : 144 ، بحار الأنوار 50 : 308 / 5.

٨٧

حلّ من بيعته والأمر إليهم يُقعِدون من شاءوا.

فاستحلوا بذلك نقض أمره ، فداسوا خصييه وصفعوه وقيل : خلعوا أصابع يديه من كفيّه ورجليه من كعبيه حتى ورمت كفاه وقدماه وفعلوا به غير شيء حتى مات في رجب سنة 256 ه‍(1) ، فكان تنكّره للأتراك أقصر لعمره ، وكان قتله بعد هوان واستخفاف كما قال الإمامعليه‌السلام .

سادساً ـ المعتمد ( 256 ـ 279 ه‍ )

وهو أحمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع سنة 256 ه‍ ، وكان هو وأخوه الموفق طلحة كالشريكين في الخلافة ، فله الخطبة والسكة والتسميّ بامرة المؤمنين ، ولأخيه طلحة الأمر والنهي وقيادة العساكر ومحاربة الأعداء وترتيب الوزراء والامراء ، وكان المعتمد مشغولاً عن ذلك بلذّاته(2) .

1 ـ مواقفه من الطالبيين :

لم تخرج سياسة المعتمد عن إطار السياسة العباسية القاضية بمراقبة أهل البيتعليهم‌السلام ومطاردة شيعتهم والقسوة على الطالبيين ، ففي أيام المعتمد قُتل علي بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي ، قُتل بسرّ من رأى على باب جعفر بن المعتمد ولا يدري من قتله ، وكذلك محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي ، ضَرَب عبد العزيز ابن أبي دلف عنقه صبراً بآبة ، وهي قرية بين قم وساوة.

وقُتل حمزة بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله

__________________

(1) راجع : تاريخ اليعقوبي 2 : 506 ، الكامل في التارخ 6 : 221 ـ 223.

(2) الفخري في الآداب السلطانية : 250.

٨٨

ابن جعفر بن أبي طالبعليه‌السلام ، قتله صلاب التركي صبراً ومثّل به.

وقتل في أيام المعتمد أيضاً إبراهيم ومحمد ابنا الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، والحسن بن محمد بن زيد بن عيسىٰ بن زيد الحسين ، وإسماعيل بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وتوفّي في السجن بسرّ من رأى محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن ابن القاسم بن الحسن بن زيد الأكبر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وتوفي أيضاً في السجن بسرّ من رأى موسى بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان حمل من مصر في أيام المعتز فبقي إلى هذا الوقت ثم مات ، وحمل سعيد الحاجب محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي ، وحمل ابنيه أحمد وعلياً ، فتوفي محمد وابنه أحمد في الحبس.

وحُبس الحسين بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي ، حبسه يعقوب بن الليث الصفار لما غلب على نيسابور ، ثمّ حمله معه حين خرج إلى طبرستان ، وتوفي في الطريقرضي‌الله‌عنه .

وتوفي في حبس يعقوب بنيسابور محمد بن عبد الله بن زيد بن عبيد الله بن زيد بن عبد الله بن الحسن بن زيد بن الحسن(1) .

وفي سنة 258 ه‍ اخرج أحمد بن طولون الطالبيين من مصر إلى المدينة ، ووجه معهم من ينفذهم ، وكان خروجهم في جمادي الآخرة ، وتخلف بعضهم حيث أراد أن يتوجه إلى المغرب ، فأخذه أحمد بن طولون وضربه مائة وخمسين

__________________

(1) مقاتل الطالبيين : 440 ـ 443.

٨٩

سوطاً وأطافه بالفسطاط(1) .

2 ـ موقفه من الإمام العسكري عليه‌السلام :

وفي زمان المعتمد اعتقل الإمام العسكريعليه‌السلام عدّة مرات ، فقد روي أنه سُلّم إلى نحرير ، وكان يضيق عليه ويؤذيه ، فقالت له امرأته : ويلك اتقي الله ، لا تدري من في منزلك ! وعرّفته صلاحه ، وقالت : إنّي أخاف عليك منه. فقال : لأرمينّه بين السباع ، ثم فعل ذلك به ، فرئيعليه‌السلام قائماً يصلي والسباع حوله(2) .

وحُبس عند علي بن جرين سنة 260 ه‍ ، وروي « أنه لما كان في صفر من هذه السنة جعلت اُم أبي محمدعليه‌السلام تخرج في الأحايين إلى خارج المدينة وتجسّ الأخبار ، حتى ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين ، وحبس أخاه جعفراً معه ، وكان المعتمد يسأل علياً عن أخباره في كلّ مكان ووقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل ، فسأله يوماً من الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك ، فقال له : أمضِ الساعة إليه وأقرئه مني السلام ، وقل له : انصرف إلى منزلك » إلى آخر الرواية وفيها أنهعليه‌السلام أبى أن يخرج من السجن حتى أخرجوا أخاه معه(3) ، رغم أن جعفراً كان يسيء إليه ويتربّص به.

وروى ابن حجر الهيتمي وغيره أنهعليه‌السلام أخرج بسبب حادثة الاستسقاء ، قال : « لمّا حبسعليه‌السلام قحط الناس بسرّ من رأى قحطاً شديداً ، فأمر المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا ، فخرج النصاري ومعهم

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 510.

(2) أصول الكافي 1 : 513 / 26 ـ باب مولد أبي محمد الحسن العسكريعليه‌السلام من كتاب الحجة ، بحار الأنوار 50 : 309 / 7.

(3) إثبات الوصية : 253 ، مهج الدعوات : 343 ، بحار الأنوار 50 : 313 ـ 314 و 330 / 2.

٩٠

راهب كلما مدّ يده إلى السماء هطلت ، ثمّ في اليوم الثاني كذلك ، فشكّ بعض الجهلة وارتدّ بعضهم ، فشقّ ذلك على المعتمد ، فأمر بإحضار الحسن الخالصعليه‌السلام وقال له : أدرك اُمّة جدك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يهلكوا. فقال الحسن :يخرجون غداً وأنا أزيل الشكّ إن شاء الله ، وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم.

فلمّا خرج الناس للاستسقاء ، ورفع الراهب يده مع النصاري غيّمت السماء ، فأمر الحسنعليه‌السلام بالقبض على يده ، فإذا فيها عظم آدمي ، فأخذه من يده وقال :استسق ، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك ، فقال المعتمد للحسنعليه‌السلام : ما هذا يا ابا محمد ؟ فقال :هذا عظم نبي ، ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف من عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال ، وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسنعليه‌السلام إلى داره »(1) .

وهكذا كان ديدن الحكام العباسيين مع أهل البيتعليهم‌السلام حينما تضيق بهم السبل وتوصد أمامهم الأبواب ، يضطرون إلى اللجوء نحو معدن العلم وثاني الثقلين وباب حطّة وسفينة نوح ، يلتمسون النجاة مما يهدّد عروشهم ويبدّد عرى دولتهم.

لقد شدّد المعتمد على حصار الإمامعليه‌السلام واعتقاله ، لأنه يعلم أنه الإمام

__________________

(1) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي : 124 ـ مكتبة القاهرة ـ مصر ـ 1385 ه‍ ، الفصول المهمة 2 : 1085 ـ 1087 ، نور الأبصار : 337 ، وأخرجه في إحقاق الحق 12 : 464 و 19 : 620 و 625 و 29 : 64 عن عدة مصادر ، وراجع : الخرائج والجرائح 1 : 441 / 23 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 458 ، بحار الأنوار 50 : 270 / 37.

٩١

الحادي عشر ، وأن ما بعده هو آخر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام الذي يقضي على دعائم الظلم والجور ، ويطيح بدولة الظالمين ، وينشر العدل والقسط ، لهذا أراد أن يطفئ النور الثاني عشر ، ولكن الله أبي إلا أن يتمّ نوره.

روى الصيمري بالاسناد عن المحمودي ، قال : « رأيت بخطّ أبي محمدعليه‌السلام لما خرج من حبس المعتمد( يُرِيدُون لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ ) »(1) .

وذكر نصر بن علي الجهضمي في ( مواليد الأئمةعليهم‌السلام ) أن الحسن بن علي العسكريعليه‌السلام قال عند ولادة محمد بن الحسنعليه‌السلام :« زعمت الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف رأوا قدرة القادر ؟ » (2) .

وانتهت قصة صراع الإمام العسكريعليه‌السلام مع خلفاء بني العباس بشهادته مسموماً في الثامن من ربيع الأول سنة 260 ه‍ ، على المشهور من الأقوال في وفاته(3) ، وهو في الثامنة والعشرين أو التاسعة والعشرين من عمره الشريف ، ليبدأ بعد هذا التاريخ فصلاً جديداً من المأساة الكبري على يد المعتمد وجهازه الحاكم لم تزل آثاره باقية ولن تزول إلى أن يأذن الله بفرج وليه القائم المؤمّل والعدل المنتظرعليه‌السلام ليملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

* * *

__________________

(1) مهج الدعوات : 334 ، إثبات الوصية : 255 ، بحار الأنوار 50 : 314 ، والآية من سورة الصف : 61 / 8.

(2) مهج الدعوات : 334.

(3) سنأتي على ذكر الأقوال في الفصل الأخير من هذا كتاب.

٩٢

الفصل الثّالث

الهوية الشخصية للإمام العسكري عليه‌السلام

نسبه عليه‌السلام

هو أبو محمد الحسن العسكري بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد باقر العلم بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط الشهيد بن علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله عليهم أجمعين.

نَسَبٌ عليه من شَمْسِ الضُّحىٰ

نورٌ ، ومِنَ فَلَقِ الصَّباحِ عمودُ

اُمّه رضي الله تعالى عنها :

أمّ ولد ، يقال لها سوسن ، وتكنى أمّ الحسن ، وتعرف بالجدّة ، أي جدّة الإمام صاحب الزمانعليه‌السلام ، ولها أسماء اُخرى ، فيقال لها : حُديث ، وحُديثة ، وسليل ، وسمانة ، وشكل النوبية وغيرها(1) .

__________________

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 503 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، التهذيب / الشيخ الطوسي 6 : 92 ـ باب 42 من كتاب المزار ، الإرشاد 2 : 313 ، إكمال الدين : 307 آخر باب 27 خبر اللوح ، إثبات الوصية : 244 ، دلائل الإمامة : 424 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، روضة

٩٣

ورجّح صاحب عيون المعجزات أن اسمها سليل ، حيث قال : « اسم اُمّهعليه‌السلام ـ على ما رواه أصحاب الحديث ـ سليل ( رضي الله عنها ) وقيل : حديث ، والصحيح سليل ، وكانت من العارفات الصالحات »(1) .

ولعلّ ذلك مبني على الحديث الوارد عن المعصوم ، وهو يشيد بفضلها وعفتها وصلاحها ، رواه المسعودي عن العالمعليه‌السلام أنه قال :« لمّا اُدخلت سليل اُمّ أبي محمد على أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سليل مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس » (2) .

وبعثها الإمام العسكريعليه‌السلام إلى الحج سنة 259 ه‍ ، وأخبرها عما يناله سنة60 ، فأظهرت الجزع وبكت ، فقالعليه‌السلام :« لابد من وقوع أمر الله فلا تجزعي » وفي صفر سنة 260 ه‍ كانت في المدينة ، فجعلت تخرج إلى خارجها تتجسّس الأخبار وقد أخذها الحزن والقلق(3) .

وحينما اتصل بها خبر شهادة الإمامعليه‌السلام عادت إلى سامراء ، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إياها بالميراث ، وسعايته

__________________

الواعظين : 251 ، تاريخ مواليد الأئمةعليهم‌السلام / ابن الخشاب : 199 ـ مطبوع ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، الفصول المهمة 2 : 1080 ، تذكرة الخواص : 324 ، كشف الغمة 3 : 271 ، إعلام الورى 2 : 131 ، تاج المواليد : 133 ، بحار الأنوار 50 : 235 / 2 ، 236 / 5 و 7 ، 238 / 11.

(1) بحار الأنوار 50 : 238 / 11.

(2) إثبات الوصية : 244.

(3) راجع : إثبات الوصية : 253 ، مهج الدعوات : 343 ، بحار الأنوار 50 : 313 ، 330 / 2.

٩٤

بها إلى سلطان ، وكشف ما أمر الله عزوجل ستره(1) .

وتوفيت في سامراء وكانت قد أوصت أن تدفن في الدار إلى جنب ولدها الإمام العسكريعليه‌السلام ، فنازعهم جعفر وقال : الدار داري لا تدفن فيها(2) .

ولادته : عليه‌السلام

ولد الإمام العسكريعليه‌السلام يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الآخر سنة 232 ه‍ في مدينة جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو القول المشهور في ولادتهعليه‌السلام (3) .

ويؤيد ما رواه الطبري الإمامي بالاسناد عن الإمام العسكريعليه‌السلام ، أنه قال :« كان مولدي في ربيع الآخر سنة 232 من الهجرة » (4) .

ووقع اختلاف في تاريخ الولادة ومكانها ، فقيل : سنة 230 ه‍ ، أو 231 ، أو 233 ، وقيل : في شهر رمضان من سنة 232 ه‍ ، وقيل : يوم الاثنين الرابع من

__________________

(1) إكمال الدين : 474 / 25 ، بحار الأنوار 50 : 331 / 3.

(2) إكمال الدين : 442 / 15.

(3) إعلام الورى 2 : 131 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، الفصول المهمة 2 : 1079 ، نور الأبصار : 338 ، روضة الواعظين / ابن الفتال : 251 ـ منشورات الرضي ـ قم ، وذكرت سنة الولادة مع الشهر في المصادر التالية : اُصول الكافي 1 : 503 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، والارشاد 2 : 313 ، والتهذيب للشيخ الطوسي 6 : 92 ـ باب 42 من كتاب المزار ـ دار الكتب الاسلامية ـ طهران ، واقتصر كثيرون على ذكر السنة ، ومنهم ابن الأثير في الكامل 6 : 250 ـ آخر حوادث سنة 260 ه‍ ، وابن خلكان في الوفيات 2 : 94 ـ منشورات الرضي ـ قم ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : 124 ، والسويدي في سبائك الذهب : 342 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(4) دلائل الإمامة : 423 / 384.

٩٥

شهر ربيع الآخر ، أو السادس ، أو العاشر ، من سنة 232 ه‍ ، وقيل : في السادس من شهر ربيع الأول ، أو الثامن منه(1) .

وذكر الشيخ الحرّ العاملي أهمّ هذه الأقوال في بيتين من منظومته ، أشار فيهما إلى المشهور من الأقوال ، يقول :

مولده شهـر ربيع الآخر

وذاك في اليوم الشريف العاشر

في يوم الاثنين وقيل الرابعُ

وقيل في الثامـن وهو الشائعُ(2)

هذا من حيث تاريخ الولادة ، أما من حيث مكانها فقد ذكر بعضهم أنه ولدعليه‌السلام في سامراء سنة 231 ه‍(3) ، أو في ربيع الآخر سنة 232(4) ، وهذا لا يصح لأنّ الثابت في التاريخ أنّ المتوكل هو الذي استدعى الإمام أبا الحسن الهاديعليه‌السلام إلى سامراء ، وقد تولّى المتوكل ملك بني العباس في ذي الحجة سنة

__________________

(1) راجع : أصول الكافي 1 : 503 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، دلائل الإمامة : 423 ، الهداية الكبري / الخصيبي : 327 ـ مؤسسة البلاغ ـ بيروت ـ 1406 ه‍ ، روضة الواعضين : 251 ، الأئمة الاثنا عشر لابن طولون : 113 ، مصباح الكفعمي : 523 ـ طبعة اسماعيليان ـ قم ، المنتظم / ابن الجوزي 12 : 158 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، تذكرة الخواص : 324 ، تاريخ أهل البيت لكبار المحدثين والمؤرخين : 87 ـ مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام ـ 1410 ه‍ ، الانساب / للسمعاني 4 : 194 ـ دار الجنان ـ بيروت ، احقاق الحق / للتستري بشرح السيد المرعشي 29 : 59 عن تاريخ الأحمدي ، بحار الأنوار 50 : 236 ـ 238.

(2) الأنوار البهية / الشيخ عباس القمي : 250 ـ نشر الشريف الرضي ـ قم.

(3) تذكرة الخواص : 324.

(4) روضة الواعظين : 251 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، بحار الأنوار 50 : 236 / 5.

٩٦

232 ه‍ ، فكيف تكون ولادة الإمام العسكريعليه‌السلام في سامراء سنة 231 ه‍ أو في ربيع الآخر سنة 232 ه‍ ، وكلا التاريخين في زمان الواثق ، وهوعليه‌السلام لمّا يزل في المدينة.

ويعارض هذا أيضاً ما قدّمناه في الفصل الثاني من أنهعليه‌السلام غادر المدينة مع أبيهعليه‌السلام سنة 236 ه‍ على رواية المسعودي ، أو سنة 233 ه‍ على رواية الطبري ، أو سنة 243 ه‍ على رواية الشيخ المفيد ، أو سنة 234 ه‍ على ما حققه بعض الباحثين.

ولدينا بعض الأحاديث الصريحة بولادته في المدينة منها حديث أبي حمزة نصير الخادم(1) ، وحديث أحمد بن عيسىٰ العلوي الذي يصرح برؤيته بصريا وهي قرية على ثلاثة أميال من المدينة(2) ، كما نصّ المؤرخون والمحدثون الذين قدمنا ذكرهم في ولادته على أنهعليه‌السلام ولد في المدينة ومنهم : الشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، وابن الفتال ، وابن الصباغ ، والشبلنجي ، والكنجي ، والسويدي وغيرهم(3) ، وقال ياقوت : « ولد بالمدينة ونقل إلى سامراء »(4) .

ألقابه : عليه‌السلام

أشهر ألقاب الإمام أبي محمدعليه‌السلام هو العسكري ، وقد اُطلق عليه وعلى

__________________

(1) أصول الكافي 1 : 509 / 11 ـ باب ميلاد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 331 ، إثبات الوصية : 251 ، الخرائج والجرائح 1 : 436 / 814 ، إعلام الورى 1 : 145 ، بحار الأنوار 50 : 268 / 28.

(2) الغيبة / الشيخ الطوسي : 199 / 165.

(3) راجع : إحقاق الحق 12 : 458 ، 19 : 619 ، 29 : 59 عن عدة مصادر.

(4) معجم البلدان ـ المجلد الثالث : 328 ـ عسكر سامراء.

٩٧

أبيهعليه‌السلام ، لأنهما سكنا عسكر المعتصم الذي بناه لجيشه ، وهو اسم سرّ من رأى(1) .

وقيل : هو اسم محلّة في سامراء ، قال الشيخ الصدوق : سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون : إنّ المحلّة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن ابن عليعليه‌السلام بسرّ من رأى كانت تسمّى عسكر ، فلذلك قيل لكلّ واحدٍ منهما العسكري(2) .

وكان هو وأبوه وجدهعليه‌السلام يعرف كلّ منهم في زمانه بابن الرضا(3) .

وهناك ألقاب اُخرى تطلق على الإمام العسكريعليه‌السلام وفي كلّ منها دلالة علي كمال من كمالاته أو مظهر من مظاهر شخصيته ، منها : الخالص ، الشافي ، الزكي ، المرضي ، الصامت ، الهادي ، الرفيق ، النقي ، المضيء ، المهتدي ، السراج ، وغيرها(4) من الألقاب التي تحكي مكارم أخلاقه وخصائصه السامية وصفاته الزكية.

__________________

(1) راجع : الانساب / للسمعاني 4 : 194 ـ 196 ، معجم البلدان ـ المجلد الثالث : 328 ، القاموس المحيط / الفيروز آبادي ـ عسكر ـ 2 : 92 ـ دار الجيل ـ بيروت ، الأئمة الاثنا عشر / لابن طولون : 113.

(2) علل الشرائع / الصدوق 1 : 230 ـ باب 176 ، معاني الأخبار / الصدوق : 65 ، بحار الأنوار 50 : 113 / 1 و 235 / 1.

(3) المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، الفصول المهمة 2 : 1080 ، إعلام الورى 2 : 131.

(4) دلائل الإمامة : 423 ـ 424 ، إعلام الورى 2 : 131 ، مناقب ابن شهر آشوب 4 : 455 ، الفصول المهمة 2 : 1080 ، إكمال الدين : 307 باب 27 ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : 142 ، بحار الأنوار 50 : 238.

٩٨

كنيته عليه‌السلام :

اشتهر الإمام العسكريعليه‌السلام بكنية واحدة عرف بها عند سائر المؤرخين والمحدثين ، هي أبو محمد ، وذكر الطبري الامامي أنهعليه‌السلام يكني أيضاً أبا الحسن(1) ولم أجده في غيره ، بل هي كنية أبيهعليه‌السلام .

حليته عليه‌السلام :

وصفه أحد معاصريه من رجال البلاط العباسي ، وهو أحمد بن عبيد الله بن خاقان(2) بقوله : « انه أسمر أعين ـ أي واسع العين ـ حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، له جلالة وهيئة حسنة »(3) .

وقال ابن الصباغ : « صفته بين السمرة والبياض »(4) .

وجاء في صفة لباسه : « أنه كان يلبس ثياباً بيضاء ناعمة ، ويلبس مسحاً أسود خشناً على جلده ، ويقول :هذا لله ، وهذا لكم »(5) .

__________________

(1) دلائل الإمامة : 424.

(2) ترجم له النجاشي في رجاله : 87 / 213 وقال : ذكره أصحابنا في المصنفين ، وأن له كتاباً يصف فيه سيدنا أبا محمدعليه‌السلام ، ولم أر هذا الكتاب ، وقال الشيخ الطوسي : له مجلس يصف فيه أبا محمد الحسن بن عليعليه‌السلام ، أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، الفهرست : 81 / 102 ـ مكتبة المحقق الطباطبايي ـ قم ـ 1420 ه‍.

(3) أصول الكافي 1 : 503 / 1 ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن عليعليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد 2 : 321 ، إكمال الدين 1 : 40 مقدمة المصنف ، إعلام الورى 2 : 147 ، الخرائج والجرائح 2 : 901.

(4) الفصول المهمة 2 : 1081 ، نور الأبصار : 338.

(5) الغيبة / للشيخ الطوسي : 247 / 216.

٩٩

نقش خاتمه عليه‌السلام :

كان نقش خاتمه :سبحان من له مقاليد السماوات والأرض (1) . وقيل : أنا لله شهيد(2) . وفي نسخة من البحار : إنّ الله شهيد(3) .

وقال الطبري الإمامي : « كان له خاتم فصّه : الله وليي »(4) .

بوابه عليه‌السلام :

المشهور أنّ بوابه هو وكيلة الثقة الجليل ، العظيم الشأن عثمان بن سعيد العمريرضي‌الله‌عنه . وقيل : ابنه محمد بن عثمان. وقال ابن شهر آشوب : الحسين بن روح النوبختي ، وقيل : محمد بن نصير ، ورجّح الطبري صحّة الأول(5) .

شاعره عليه‌السلام :

قيل : هو أبو الحسن علي بن العباس ، المعروف بابن الرومي ( 221 ـ 283 ه‍ )(6) ولم أجد قصيدة لابن الرومي في الإمامعليه‌السلام ، نعم توجد له قصيدة رائعة في مدح أبي الحسين يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن عليعليه‌السلام ،

__________________

(1) الفصول المهمة 2 : 1081 ، نور الأبصار : 338 ، بحار الأنوار 50 : 238 / 9.

(2) مصباح الكفعمي : 523 ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : 142.

(3) بحار الأنوار 50 : 238 / 12.

(4) دلائل الإمامة : 425.

(5) راجع : تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج : 33 ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ـ ضمن مجموعة نفيسة ، مصباح الكفعمي : 523 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 455 ، دلائل الإمامة : 425 ، التتمة في تواريخ الأئمةعليهم‌السلام : 143.

(6) الفصول المهمة 2 : 1081 ، نور الأبصار : 338.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

سنا الملك حُسين، وأمر جمال الملك بالسير معه لقتال الفرنج، فساروا في خمسة آلاف، واستمدّوا طغتكين أتابك دمشق فأمدّهم بألف وثلاثمائة، ولقوا الفرنج بين عسقلان ويافا، فتفانوا بالقتل وتحاجزوا، وافترق المسلمون إلى عسقلان ودمشق. وكان مع الفرنج (بكتاش) بن تُتُش، عدل عنه طغتكين بالملك إلى بني أخيه دقاق بن تتش، فلحق بالافرنج مغاضباً)(١) .

استيلاء الفرنج على طرابلس وبيروت:

(كانت طرابلس رجعت إلى صاحب مصر، وكان يحاصرها من الفرنج ابن المرداني صاحب (صيحيل) والمدد يأتيهم من مصر. فلما كانت سنة ثلاث وخمسين (وأربعمائة) وصل أسطول من الفرنج مع (ويمتدين) إلى صيحيل، من قَمامِصَتِهم، فنزل على طرابلس، وتشاجر مع المرداني، فبادر بغدوين صاحب القدس، وأصلح بينهم، ونزلوا جميعاً على طرابلس، وألصقوا أبراجهم بسورها. وتأخرت الميرة عنهم من مصر في البحر لركود البحر، فاقتحمها الفرنج عَنْوَةً ثاني الأضحى من سنة ثلاث وخمسين (وأربعمائة). وقتلوا ونهبوا وأسروا وغنموا. وكان واليها قد استأمن قبل فتحها جماعة من الجند فلحقوا بدمشق، ووصل الأسطول بالمدد وكفاية سنة من الأقوات بعد فتحها ففرقوه في صور وصيدا وبيروت.

واستولى الفرنج على معظم سواحل الشام. قال ابن خلدون: وإنما خصصنا هذه بالذكر في الدولة العلوية؛ لأنها كانت من أعمالهم)(٢) .

مقتل الأفضل:

(قد قدّمنا أنّ الآمر ولاّه الأفضل صغيراً ابن خمس سنين، فلمّا استجمع واشتدّ تنكَّر للأفضل، وثقلت وطأته عليه، فانتقل الأفضل إلى مصر وبنى بها داراً ونزلها، وخطب منه الأفضل ابنته فزوّجها على كره منه. وشاور الآمر أصحابه في قتله، فقال له ابن عمه عبد المجيد وكان ولي

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١٤٣، ١٤٤.

(٢) نفسه: م٤ ص١٤٤، ١٤٥.

١٨١

عهده: لا تفعل، وحذّره سوء الأُحدوثة لِما اشتهر بين الناس من نصحه ونصح أبيه، وحسن ولايتهما للدولة، ولابدَّ من إقامة غيره والاعتماد عليه فيتعرّض للحذر من مثلها إلى الامتناع منه، ثم أشار عليه من مداخلة ثقته أبي عبد الله بن البطائحي في مثل ذلك، فإنه يحسن تدبيره ويضع عليه من يغتاله، ويقتل به فيسلم عرضك.

وكان ابن البطائحي فرَّاشاً بالقصر، واستخلصه الأفضل ورقّاه واستحجبه، فاستدعاه الآمر وداخله في ذلك ووعده بمكانه، فوُضع عليه رجلان فقتلاه بمصر، وهو سائر في موكبه من القاهرة منقلباً من خزانة السلاح في سنة خمس عشرة وخمسمائة، كان يفرّق السلاح على العادة في الأعياد، وثار الغبار في طريقه، فانفرد عن الموكب فبدره الرجلان وطعناه فسقط، وقتلاه، وحمل إلى داره وبه رمق، فجاءه الآمر متوجعاً، وسأله عن ماله، فقال: أما الظاهر فأبو الحسن بن أبي أسامة يعرفه، وكان أبوه قاضياً بالقاهرة وأصله من حَلب. وأمّا الباطن فإنّ البطائحي يعرفه.

ثمّ قضى الأفضل نحبه لثمان وعشرين سنة من وزارته، واحتاط الآمر على داره فوجد له ستة آلاف كيس من الذهب العين، وخمسين أردباً من الورق، ومن الديباج الملوّن والمتاع البغدادي والإسكندري، وطُرف الهند، وأنواع الطيوب والعنبر والمسك ما لا يحصى، حتى لقد كان من ذخائره دكة عاج وأَبنوس محلاّة بالفِضَّة عليها عرم متمن من العنبر زنته ألف رطل، وعلى العرم مثل طائر من الذّهب برجلين مرجاناً ومنقار زمرداً، وعينان ياقوتتان، كان ينصبها في بيته ويضوع عرفها فيعم القصر، وصارت إلى صلاح الدين)(١) .

ولاية ابن البطائحي:

قال ابن الأثير: (كان أبوه من جواسيس الأفضل بالعراق، ومات ولم يخلف شيئاً، ثم ماتت أمه وتركته معلقاً، فتعلَّم البناء أوّلاً، ثم صار يحمل الأمتعة بالأسواق ويدخل بها على الأفضل، فخف عليه واستخدمه مع الفراشين، وتقدم عنده واستحجبه.

____________________

(١) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١٤٦، ١٤٧.

١٨٢

ولما قتل الأفضل ولاّه الآمر مكانه، وكان يُعرَف بابن فاتت وابن القائد، فدعاه الآمر جلال الإسلام، ثم خلع عليه بعد سنتين من ولايته للوزارة، ولقّبه المأمون، فجرى على سنن الأفضل في الاستبداد. ونكر ذلك الآمر وتنكّر له، واستوحش المأمون، وكان له أخ يُلقّب المؤتمن، فاستأذن الآمر في بعثه إلى الإسكندرية لحمايتها ليكون له ردءاً هنالك، فأذن له، وسار معه القواد وفيهم علي بن السلاّر، وتاج الملوك قائمين، وسنا الملك الجمل ودريّ الحروب وأمثالهم.

وأقام المأمون على استيحاش من الآمر، وكثرت السعاية فيه، وأنّه يدّعي أنه ولد نزار من جارية خرجت من القصر حاملاً به، وأنه بعث ابن نجيب الدولة إلى اليَمَن يدعو له، فبعث الآمر إلى اليمن في استكشاف ذلك)(١) .

مقتله:

(ولما كثرت السعاية فيه عند الآمر، وتوغّر صدره عليه، كتب إلى القواد الذين كانوا مع أخيه بثغر الإسكندرية بالوصول إلى دار الخلافة.

فهمّ لذلك علي بن سلاّر، فحضروا، واستأذن المؤتمن بعدهم في الوصول فأذن له، وحضر رمضان من سنة تسع عشرة (وخمسمائة)، فجاؤوا إلى القصر للإفطار على العادة. ودخل المأمون والمؤتمن فقبض عليهما وحبسهما داخل القصر. وجلس الآمر من الغد في إيوانه، وقرأ عليه وعلى الناس كتاباً بتعديد ذنوبهم. وترك الآمر رتبة الوزارة خلواً، وأقام رجلين من أصحاب الدواوين يستخرجان الأموال من الخراج والزكاة والمكس، ثم عزلهما لظلمهما. ثم حضر الرسول الذي بعثه إلى اليمن ليكشف خبر المأمون، وحضر ابن نجيب وداعيتُه فُقتل، وقتل المأمون وأخوه المؤتمن)(٢) .

____________________

(١) نفسه: م٤ ص١٤٧، ١٤٨.

(٢) تاريخ ابن خلدون: م٤ ص١٤٨، ١٤٩.

١٨٣

مقتل الآمر وخلافة الحافظ:

كان الآمر مؤثراً للذّاته طموحاً إلى المعالي وقاعداً عنها، وكان يحدِّث نفسه بالنهوض إلى العراق في كل وقت ثم يقصر عنه، وكان يقرض الشعر قليلاً، ومن قوله:

أصبحت لا أرجو ولا أتقي إلا إلـهي ولـه الـفضل

جـدي نـبيي وإمامي أبي ومـذهبي التوحيد والعدل

وكانت الغداوية تحاول على قتله فيتحرَّز منهم، واتفق أن عشرة منهم اجتمعوا في بيت، وركب بعض الأيام إلى الروضة، ومرَّ على الجسر بين الجزيرة ومصر، فسبقوه فوقفوا في طريقه، فلمّا توسط الجسر انفرد عن الموكب لضيقه، فوثبوا عليه وطعنوه، وقُتلوا لحينهم.

ومات هو قبل الوصول إلى منزله سنة أربع وعشرين وخمسمائة، لتسع وعشرين سنة ونصف السنة من خلافته. وكان قد استخلص مملوكيَن وهما برغش العادل وبرعوارد هزير الملوك، وكان يؤثر العادل منهما. فلما مات الآمر تحيلوا في قيام المأمون عبد الحميد بالأمر، وكان أقرب القرابة سناً وأبو القاسم بن المستضيء معه. وقالوا: إن الآمر أوصى بأن فلانة حامل فدلته الرؤية بأنها تلد ذكراً فهو الخليفة بعدي وكفالته لعبد الحميد، فأقاموه كافلاً ولقّبوه الحافظ لدين الله، وذكروا من الوصية أن يكون هزير الملوك وزيراً والسعيد باس من موالي الأفضل صاحب الباب، وقرأوا السجل بذلك في دار الخلافة.

ولاية أبي علي بن الأفضل الوزارة ومقتله:

ولما تقرر الأمر على وزارة هزير الملوك وخلع عليه أنكر ذلك الجند، وتولّى كبر ذلك رضوان بن وغش كبيرهم، وكان أبو علي ابن الأفضل حاضراً بالقصر، فحثّه برغش العادل على الخروج حسداً لصاحبه وأوجد له السبيل إلى ذلك، فخرج وتعلّق به الجند، وقالوا: هذا الوزير ابن الوزير، وتنصّل فلم يقبلوا، وضربوا له خيمة بين القصرين وأحدقوا به وأغلقت أبواب القصر فتسوّروه وولجوا من طيقانه.

١٨٤

واضطر الحافظ إلى عزل هزير الملوك ثم قتله، وولي أبو علي أحمد بن الأفضل الوزارة، وحبس بدست أبيه ورد الناس أموال الوزارة المقضية، واستبد على الحافظ ومنعه من التصرف ونقل الأموال من الذخائر والقصر إلى داره. وكان إمامياً متشدداً، فأشار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر، وضرب الدراهم باسمه دون الدنانير، ونقش عليها: (الله الصمد الإمام محمد) وهو الإمام المنتظر، وأسقط ذكر إسماعيل من الدعاء على المنابر وذكر الحافظ، وأسقط من الأذان: حي على خير العمل، ونعت نفسه بنعوت أمر الخطباء بذكرها على المناب. وأراد قتل الحافظ بمن قتله الآمر من إخوته، فإن الآمر أجحفهم عند نكبة الأفضل وقتلهم، فلم يقدر أبو علي على قتله فخلعه واعتقله، وركب بنفسه في المواسم وخطب للقائم مموهاً، فتنكر له أولياء الشيعة ومماليك الخلفاء، وداخل يونس الجند من كتامة وغيرهم في شأنه فاتفقوا على قتله. وترصد له قوم من الجند فاعترضوه خارج البلد وهو في موكبه وهم يتلاعبون على الخيل، ثم اعتمدوه فطعنوه وقتلوه، وأخرجوا الحافظ من معتقله وجددوا له البيعة بالخلافة. ونهب دار أبي علي، وركب الحافظ وحمل ما بقي فيها إلى القصر.

واستوزر أبا الفتح يانساً الحافظي، ولقّبه أمير الجيوش، وكان عظيم الهيبة بعيد الغور، واستبد عليه فاستوحش كل منهما بصاحبه. ويقال: إن الحاكم وضع له سمّاً في المستراح هلك به، وذلك آخر ذي الحجَّة سنة ست وعشرين وخمسمائة.

قيام حسن بن الحافظ بأمر الدولة ومكره بأبيه ومهلكه:

ولما هلك يانس أراد الحافظ أن يخلي دست الوزارة ليستريح من التعب الذي عرض منهم للدولة، وأجمع أن يفوِّض الأمور إلى ولده، وفوَّض إلى ابنه سليمان، ومات لشهرين.

فأقام ابنه الآخر حسناً، فحدَّثته نفسه بالخلافة وعزم على اعتقال أبيه، وداخل الأجناد في ذلك فأطاعوه، واطَّلع أبوه على أمره، ففتك بهم، يُقال: إنه قتل منهم في ليلة أربعين. وبعث أبوه خادماً من القصر لقتله فهزمه حسن.

١٨٥

وبقي الحافظ محجوراً، وقد أمره. وبعث حسن بهرام الأرمني لحشد الأرمن ليستظهر بهم على الجند، وثاروا بحسن وطلبوه من أبيه، ووقفوا بين القصرين، وجمعوا الحطب لإحراق القصر. واستبشع الحافظ قتله بالحديد، فأمر طبيبه ابن فرقة عنه في ذلك سنة تسع وعشرين وخمسمائة.

وزارة بهرام ورضوان بعده:

ولمّا مات حسن بن الحافظ ورحل بهرام لحشد الأرمن اجتمع الجند، وكان بهرام كبيرهم، راودوا الحافظ على وزارته، فوافقهم وخلع عليه وفوَّض إليه الأمور السلطانية، واستثنى عليه الشرعية، وتبعه تاج الدولة أفتكين في الدولة. واستعمل الأرمن وأهانوا المسلمين، وكان رضوان بن وطيس صاحب الباب وهو الشجاع الكاتب من أولياء الدولة، وكان ينكر على بهرام ويهزأ به، فولاه بهرام الغربية.

ثم جمع رضوان وأتى إلى القاهرة، ففرَّ بهرام وقصد قوص في ألفين من الأرمن ووجد أخاه قتيلاً، فلم يعرض لأهل قوص وباء بحق الخلافة وصعد إلى أسوان فامتنعت عليه بكنز الدولة. ثم بعث رضوان العساكر في طلبه مع أخيه الأكبر، وهو إبراهيم الأوحد، فاستنزله على الأمان له وللأرمن الذين معه، وجاء به فأنزله الحافظ في القصر إلى أن مات على دينه.

واستقر رضوان في الوزارة ولُقِّب بالأفضل وكان سُنّياً، وكان أخوه إبراهيم إمامياً؛ فأراد الاستبداد وأخذ في تقديم معارفه سيفاً وقلماً، وأسقط المكوس وعاقب من تصدّى لها، فتغير له الخليفة فأراد خلعه وشاور في ذلك داعي الدعاة وفقهاء الإمامية، فلم يعينوه في ذلك بشيء، وفطن له الحافظ فدس خمسين فارساً ينادون في الطرقات بالثورة عليه، وينهضون باسم الحافظ، فركب لوقته هارباً منتصف شوال سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وهبت داره.

وركب الحافظ وسكن الناس ونقل ما فيها إلى قصره. وسار رضوان يريد الشام ليستنجد التُّرك وكان في جملته شاور وهو من مصطفيه، وأرسل الحافظ الأمير ابن مضيال ليرده على الأمان فرجع وحُبِس في القصر، وقيل: وصل إلى صرخد، فأكرمه صاحبها أمين الدولة كمستكين وأقام عنده، ثم

١٨٦

رجع إلى مصر سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، فقاتلهم عند باب القصر وهزمهم، ثم افترق عنه أصحابه وأرادوا العود إلى الشام، فبعث عنه الحافظ ابن مضيال وحبسه بالقصر إلى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. فنقب الحبس وهرب إلى الجيزة، وجمع المغاربة وغيرهم ورجع إلى القاهرة، وقاتلهم عند جامع ابن طولون وهزمهم، ثم دخل القاهرة ونزل عند جامع الأقمر، وأرسل إلى الحافظ في المال ليفرِّقه، فبعث عشرين ألفاً على عادتهم مع الوزير، ثم استزاد عشرين وعشرين.

وفي خلال ذلك وضع الحافظ عليه جمعاً كثيراً من السودان، فحملوا عليه وقتلوه، وجاءوا برأسه إلى الحافظ.

واستمر الحافظ في دولته مباشراً لأموره، وأخلى رتبة الوزارة فلم يولّ أحداً بعده.

وفاة الحافظ وولاية ابنه الظافر:

ثم تُوفِّي الحافظ لدين الله عبد الحميد بن الأمير أبي القاسم أحمد بن المستنصر سنة أربع وأربعين وخمسمائة لتسع عشرة سنة ولم يزل في خلافته محجور الوزارة. ولمّا مات ولي بعده ابنه أبو منصور إسماعيل بعهده إليه بذلك، ولُقِّب الظافر بأمر الله.

وزارة ابن مضيال ثم ابن السلار:

كان الحافظ لمّا عهد لابنه الظافر أوصاه بوزارة ابن مضيال، فاستوزره أربعين يوماً، وكان علي بن السلاّر والياً على الإسكندرية ومعه بلارة ابنة عمه القاسم وابنه منها عباس، وتزوجت بعده بابن السلاّر. وشب عباس وتقدم عند الحافظ حتى ولي الغربية، فلم يرض ابن السلاّر وزارة ابن مضيال واتفق مع عباس على عزله.

وبلغ الخبر إلى ابن مضيال، فشكا إلى الظافر فلم يشكه، فقال ذوو الحرب: ليس هنا من يقاتل ابن السلار، فغضب الظافر ودس عليه من بني علي مصلحية، فخرج إلى الصعيد.

١٨٧

وفد ابن السلاّر إلى القاهرة، فاستوزره الظافر وهو منكر له، ولقَّبه العادل، وبعث العساكر مع العباس ربيبه في اتباع ابن مضيال، فخرج في طلبه، وكان جماعة من لواتة السودان، فتحصنوا من عباس في جامع دولام فأحرقه عليهم، وقتل ابن مضيال وجاء برأسه.

وقام ابن سلاّر بالدولة وحفظ النواميس وشد من مذاهبه أهله، وكان الخليفة مستوحشاً منه منكراً له وهو مبالغ في النصيحة والخدمة، واستخدم الرجالة لحراسته، فارتاب له جيان الخاص من حاشية الخليفة، فاعتزموا على قتله، ونُمي إليه ذلك فقبض على رؤوسهم فحبسهم، وقتل جماعة منهم وافترقوا. ولم يقدر الظافر على إنكار ذلك، واحتفل ابن السلاّر بأمر عسقلان ومنعها من الفرنج، وبعث إليها بالمدد كل حين من الأقوات والأسلحة، فلم يُغنِ ذلك عنها. وملكها الفرنج، وكان لذلك من الوهن على الدولة ما تحدث به الناس.

ولما قتل العادل ابن السلاّر جيان الخاص تأكد نكر الخليفة له، واشتد قلقه، وكان عباس بن أبي الفتوح صديقاً ملاطفاً له فكان يسكنه ويهدئه، وكان لعباس ولد اسمه نصير استخصه الظافر واستدناه ويقال: كان يهواه، ففاوض العادل عباساً في شأن ابنه عن مخالطة ابنه للظافر فلم ينته ابنه، فنهى العادل جدته أن يدخل إلى بيته، فشق ذلك على نصير وعلى أبيه، وتنكر للعادل، وزحف الفرنج إلى عسقلان فجهَّز العادل الجيوش والعساكر إليها مدداً مع ما كان بذهابه، وبعثهم مع عباس ابن أبي الفتوح، فارتاب لذلك وفاوض الظافر في قتل العادل. وحضر معهم مؤيد الدولة الأمير أسامة بن منقذ أحد أمراء شيزر، وكان عند الظافر صديقاً لعباس، فاستصوب ذلك وحث عليه.

وخرج عباس بالعساكر إلى بلبيس وأوصى ابنه نصيراً بقتله، فجاء بجماعة إلى بيت جدته والعادل نائم، فدخل عليه وضربه فلم يجهز عليه وخرج إلى أصحابه، ثم دخلوا جميعاً فقتلوه وجاؤوا برأسه إلى الظافر.

ورجع عباس من بلبيس بالعساكر، فاستوزره الظافر، وقام بالدولة وأحسن إلى الناس. وأيس أهل عسقلان من المدد فأسلموا بأنفسهم بلدهم بعد حصار طويل، وكان ذلك سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.

١٨٨

مقتل الظافر وأخويه وولاية ابنه الفائز:

ولما وزر عباس للظافر وقام بالدولة كان ولده نصير من ندماء الظافر، وكان يهواه كما تقدم. وكان أسامة بن منقذ من خلصاء عباس وأصدقائه، فقبح عليه سوء المقالة في ابنه وأشار عليه بقتل الظافر، فاستدعى ابنه نصيراً وقبح عليه في شناعة الأحدوثة فيه بين الناس وأغراه باغتيال الظافر ليمحو عنه ما يتحدّث به الناس، فسأل نصير من الظافر أن يأتي إلى بيته في دعوة، فركب من القصر إليه فقتله نصير ومن جاء معه ودفنهم في داره، وذلك في محرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وباكر القصر ولم يرَ الظافر، وسأل خدام القصر فأحسن العذر، ورجع إلى أخوي الظافر يوسف وجبريل فخبرهما بركوب الظافر إلى دار نصير، فقالا له: خبر الوزير، فلما جاء عباس من الغد أخبره بأنه ركب إلى بيت نصير ابنه ولم يعد. فاستشاط غيظاً عليه ورماه بأنّه داخل أخويه في قتله، ثم استدعاهما فقتلهما، وقتل معهما ابناً هنالك لحسن بن الحافظ، ثم أخرج ابنه أبا القاسم عيسى (ابن خمس سنين) وحمله على كتفه وأجلسه على سرير الملك، وبايع له بالخلافة ولقَّبه الفائز بالله.

ونقل عباس بسبب ذلك ما في القصر من الأموال والذخائر ما لا حد له، وعند خروجه بأخويه رأى القتلى فاضطرب وفزع، وبقي سائر أيامه يعتاده الصرع.

وزارة الصالح بن رُزِّيك:

ولما قتل الظافر وأخواه كتب النساء من القصر إلى طلائع بن رُزِّيك، وكان والياً على الاشمونين والبهنسة، وجاء الخبر بأن الناس اختلفوا على عباس بسبب ذلك، فجمع وقصد القاهرة ولبس السواد حزناً ورفع على الرماح الشعور التي بعث بها النساء حزناً. ولما عبر البحر خرج عباس وولده ودفعوا ما قدروا عليه من مال وسلاح من حاصل الدولة، ومعهما صديقهما أسامة بن منقذ. فاعترضهم الفرنج وقاتلوا، فقُتِل عباس وأُسِر ولده ونجا أسامة إلى الشام، ودخل طلائع القاهرة في ربيع سنة تسع وخمسين وخمسمائة. وجاء إلى القصر راجلاً، ثم مضى إلى دار عباس

١٨٩

ومعه الخادم الذي حضر لقتله، فاستخرجه من التراب ودفنه عند آبائه.

وخلع الفائز عليه الوزارة ولقَّبه الصالح، وكان إمامياً كاتباً أديباً، فقام بأمر الدولة وشرع في جمع الأموال والنظر في الولايات، وكان الأوحد بن تميم من قرابة عباس والياً على تنيس، وكان لما سمع بفعلة قريبه عباس جمع وقصد القاهرة، فسبقه طلائع، فلما استقل بالوزارة أعاده إلى عمله بدمياط وتنيس. ثم بعث في فداء نصير بن عباس من الفرنج، فجيء به وقتله وصلبه بباب زويلة. ثم نظر في المزاحمين من أهل الدولة ولم يكن أرفع رتبة من تاج الملوك قايماز وابن غالب، فوضع عليهما الجند فطلبوهما فهربا، ونهب دورهما، وتتبع كبراء الأمراء بمثل ذلك حتى خلا الجو، ووضع الرقباء والحجاب على القصر، وثقلت وطأته على الحرم.

ودبَّرت عمة الفائز في قتل الصالح، وفرقت الأموال في ذلك، ونمي الخبر إليه فجاء إلى القصر وأمر الاستاذين والصقالبة بقتلها فقتلوها سرّاً، وصار الفائز في كفالة عمته الصغرى. وعظم اشتداد الفائز واستفحل أمره، وأعطى الولايات للأمراء، واتخذ مجلساً لأهل الأدب يسامرون فيه، وكان يقرض الشعر ولا يجيده، وولّى شاور السعدي على قرضه وأشار عليه حجابه بصرفه، واستقدمه فامتنع وقال: إن عزلتني دخلت بلاد النوبة.

وعلى عهده كان استيلاء نور الدين محمود الملك العادل على دمشق من يدي طغتكين أتابك تُتُش سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وفاة الفائز وولاية العاضد:

ثم تُوفِّي الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر إسماعيل سنة خمس وخمسين وخمسمائة لست سنين من خلافته، فجاء الصالح بن رزّيك إلى القصر وطلب الخدام بإحضار أبناء الخلفاء ليختار منهم. وعدل عن كبرائهم إلى صغرائهم لمكان استبداده فوقع اختياره على أبي محمد عبد الله بن يوسف قتيل عباس، فبايع له بالخلافة وهو غلام، ولقَّبه العاضد لدين الله، وزوجه ابنته وجهزها بما لم يسمع بمثله.

١٩٠

مقتل الصالح بن رزّيك وولاية ابنه رزّيك:

ولمّا استفحل أمر الصالح وعظم استبداده بجباية الأموال والتصرف وحجر العاضد، تنكَّر له الحرم ودس إلى الأمراء بقتله، وتولت كبر ذلك عمة العاضد الصغرى التي كانت كافلة الفائز بعد أختها.

واجتمع قوم من القواد والسودان منهم الريفي الخادم وابن الداعي والأمير ابن قوام الدولة وكان صاحب الباب، وتواطئوا على قتله ووقفوا في دهليز القصر، وأخرج ابن قوام الدولة الناس أمامه وهو خارج من القصر، واستوقفه عنبر الريفي يحادثه، وتقدم ابنه رزّيك فوثب عليه جماعة منهم وجرحوه، وضرب ابن الداعي الصالح فأثبته، وحمل إلى داره فبقي يجود بنفسه يومه، وإذا أفاق يقول: رحمك الله يا عباس، ومات من الغد، وبعث إلى العاضد يعاتبه على ذلك فحلف على البراءة من ذلك ونسبه إلى العمة، وأحضر ابنه رزّيك وولاه الوزارة مكان أبيه ولقَّبه العادل، فأذن له في الأخذ بثأره، فقتل العمة وابن قوام الدولة والأستاذ عنبر الريفي، وقام بحمل الدولة، وأُشير عليه بصرف شاور من قوص، وقد كان أبوه أوصاه ببقائه وقال له: قد ندمت على ولايته ولم يمكني عزله، فصرفه وولّى مكانه الأمير ابن الرفقة، فاضطرب شاور وخرج إلى طريق الواحات، وجمع وقصد القاهرة.

وجاء الخبر إلى رزّيك فعجز عن لقائه، وخرج في جماعة من غلمانه بعدة أحمال من المال والثياب والجوهر، وانتهى إلى طفيحة واعترضه ابن النضر وقبض عليه وجاء به إلى شاور فاعتقله واعتقل معه أخاه، فأراد الهرب من محبسه فوشى به أخوه فقُتِل لسنة من ولايته ولتسع سنين من ولاية أبيه.

وزارة شاور ثم الضرغام من بعده:

ودخل شاور القاهرة سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، ونزل بدار سعيد السعداء ومعه ولده طز وشجاع والطازي، وولاّه العاضد الوزارة ولقَّبه أمير الجيوش، وأمكنه من أموال بني رزّيك، فاستصفى معظمها وزاد أهل الرواتب والجرايات عشرة أمثالها، واحتجب عن الناس، وكان الصالح بن رزّيك قد أنشأ في لواقته أمراء يسمون البرقية، وكان مقدمهم الضرغام وكان

١٩١

صاحب الباب، فنازع شاور في الوزارة لتسعة أشهر من ولايته، وثار عليه وأخرجه من القاهرة، فلحق بالشام وقتل ولده علياً وكثيراً من أمراء المصريين حتى ضعفت الدولة وخلت من الأعيان وأدى ذلك إلى خرابها.

مسير شيركوه وعساكر نور الدين إلى مصر:

ولما لحق شاور إلى الشام نزل على الملك العادل نور الدين بدمشق صريخا، وشرط له ثلث الجباية على أن يقيم له العساكر، وجهز نور الدين شيركوه وكان مقدماً في دولته فساروا في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وخمسمائة، وقد تقدم نور الدين إلى أسد الدين شيركوه بأن يعيد شاور إلى وزارته وينتقم له ممن نازعه.

وسار نور الدين بعساكره إلى طرف بلاد الفرنج؛ ليمنعهم من اعتراض أسد الدين إن هموا به. ولما وصل أسد الدين وشاور إلى بلبيس لقيهم ناصر الدين همام وفخر الدين همام أخو الضرغام في عساكر مصر فهزموه، ورجع إلى القاهرة ومعه أخو الضرغام أسيراً، وفرّ الضرغام فقتل بالحبر عند مشهد السيدة نفيسة، وقتل أخواه، وعاد شاور إلى وزارته وتمكَّن منها، ثم نكث عهده مع أسد الدين وسلطانه وصرفه إلى الشام.

فتنة أسد الدين مع شاور وحصاره:

ولما رجع أسد الدين من مصر إلى الشام أقام بها في خدمة نور الدين، ثم استأذن نور الدين العادل سنة اثنتين وستين وخمسمائة في العود إلى مصر، فأذن له وجهزه في العساكر؛ وسار إلى مصر ونازل بلاد الفرنج في طريقه، ثم وصل إلى أطفيح من ديار مصر، وعبر النيل إلى الجانب الغربي ونزل الجيزة وتصرف في البلاد الغربية نيفاً وخمسين يوماً.

واستمد شاور الفرنج وجاء بهم إلى مصر، وخرج معهم للقاء أسد الدين شيركوه، فأدركوه بالصعيد، فرجع للقائهم على رهب لكثرة عددهم، وصدقهم القتال فهزمهم على قلة من معه، فإنهم لم يبلغوا ألفي فارس.

ثم سار إلى الاسكندرية وهو يجبي الأموال في طريقه إلى أن وصلها، فاستأمن أهلها وملكها، وولّى عليها صلاح الدين يوسف ابن أخيه

١٩٢

نجم الدين أيوب، ورجع إلى جباية الصعيد.

واجتمعت عساكر مصر والفرنج على القاهرة، وأزاحوا عللهم، وساروا إلى الإسكندرية وحاصروا بها صلاح الدين، فسار أسد الدين إليهم من الصعيد، ثم خذله بعض من معه من التُّركمان بمداخلة شاور، وبعثوا له أثر ذلك في الصلح، فصالحهم وردّ إليهم الإسكندرية.

ورجع إلى دمشق فدخلها آخر ذي القعدة من سنة اثنتين وستين وخمسمائة. واستطال الفرنج على أهل مصر وشرطوا عليهم أن ينزلوا بالقاهرة وشحنة، وأن تكون أبوابها بأيديهم؛ لئلا تدخل عساكر نور الدين، وقرر ضريبة يحملها كل سنة، فأجابه إلى ذلك.

رجوع أسد الدين إلى مصر ومقتل شاور ووزارته:

ثم طمع الفرنج في مصر واستطالوا على أهلها، وملكوا بلبيس، واعتزموا على قصد القاهرة. وأمر شاور بتخريب مصر خشية عليها منهم، فحرقت ونهب أهلها، ونزل الفرنج على القاهرة. وأرسل العاضد إلى نور الدين يستنجده، وخشي شاور من اتفاق العاضد ونور الدين، فداخل الفرنج في الصلح على ألفي دينار مصرية معجلة وعشرة آلاف أردب من الزرع، وحذرهم أمر القهر إلى ذلك، وكان فيه السفير الجليس بن عبد القوي، وكان الشيخ الموفَّق كاتب السر، وكان العاضد، قد أمرهم بالرجوع إلى رأيه، وقال: هو رب الحرمة علينا وعلى آبائنا وأهل النصيحة لنا.

فأمر الكامل شجاع بن شاور القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني أن يأتيه ويشاوره، فقال له: قل لمولانا (يعني العاضد) أن تقرير الجزية للفرنج خير من دخول الغز للبلاد واطلاعهم على الأحوال.

ثم بعث نور الدين العساكر مع أسد الدين شيركوه مدداً للعاضد كما سأل، وبعث معه صلاح الدين ابن أخيه وجماعة الأمراء. فلما سمع الفرنج بوصولهم أخرجوا عن القاهرة ورجعوا إلى بلادهم.

وقال ابن الطويل مؤرخ دولة العُبْيَديين: إنه هزمهم على القاهرة ونهب معسكرهم، ودخل أسد الدين إلى القاهرة في جمادى الأولى سنة أربع وستين وخمسمائة. وخلع عليه العاضد، ورجع إلى معسكره، وفرضت له

١٩٣

الجرايات. وبقي شاور على ريبة وخوف وهو يماطله فيما يعين له من الأموال.

ودس العاضد إلى أسد الدين بقتل شاور، وقال: هذا غلامنا ولا خير لك في بقائه ولا لنا. فبعث عليه صلاح الدين ابن أخيه وعِزُّ الدين خرديك.

وجاء شاور إلى أسد الدين على عادته فوجده عند قبر الإمام الشافعي، فسار إليه هنالك فاعترضه صلاح الدين وخرديك فقتلاه وبعثا برأسه إلى العاضد، ونهبت العامة دوره. واعتقل ابناه شجاع والطازي وجماعة من أصحابه بالقصر، وخلع عليه للوزارة، ولُقِّب المنصور أمير الجيوش. وجلس في دست الوزارة واستقر في الأمر وغلب على الدولة، وأقطع البلاد لعساكره، واستعد أصحابه في ولايتها، ورد أهل مصر إلى بلدهم، وأنكر ما فعلوه في تخريبها.

ثم اجتمع بالعاضد مرة أُخرى، وقال له جوهر الأستاذ: يقول لك مولانا لقد تيقنا أن الله قد ادخرك نصرة لنا على أعدائنا، فحلف له أسد الدين على النصيحة، فقال له: الأمل فيك أعظم، وخلع عليه وحسن عنده موقع الجليس بن عبد القوي، وكان داعي الدعاة وقاضي القضاة، فأبقاه على مراتبه.

وفاة أسد الدين وولاية صلاح الدين الوزارة:

ثم تُوفِّي أسد الدين لشهرين في أيام قلائل من وزارته، وقيل: لأحد عشر شهراً. وأوصى أصحابه أن لا يفارقوا القاهرة. ولما تُوفِّي كان معه جماعة من الأمراء النورية، منهم عين الدولة الفاروقي، وقطب الدين يسال وعين الدين المشطوب الهكاوي وشهاب الدين محمود الحازمي. فتنازعوا في طلب الرئاسة وفي الوزارة، وجمع كل أصحابه للمطالبة. ومال العاضد إلى صلاح الدين؛ لصغره وضعفه عنهم، ووافقه أهل دولته على ذلك بعد أن ذهب كثير منهم إلى دفع الغزو وعساكرهم إلى الشرقية، ويولّى عليهم قواقوش، ومال آخرون إلى وزارة صلاح الدين، ومال العاضد إلى ذلك لمكافأته عن خدمته السالفة، فاستدعاه وولاّه الوزارة. واضطرب أصحابه،

١٩٤

وكان الفقيه عيسى الهكاري من خلصاء صلاح الدين فاستمالهم إليه، إلاّ عين الدولة الفاروقي فإنه سار إلى الشام، وقام صلاح الدين بوزارة مصر نائباً عن نور الدين يكاتبه ويشركه في الكتاب مع كافة الأمراء بالديار المصرية.

ثم استبد صلاح الدين بالأمور، وضعف أمر العاضد، وهدم دار المعرفة بمصر وكانت حبساً وبناها مدرسة للشافعية، وبنى دار الغزل كذلك للمالكية، وعزل قضاة الشيعة، وأقام قاضياً شافعياً في مصر، واستناب في جميع البلاد.

حصار الفرنج دمياط:

ولما جاء أسد الدين وأصحابه إلى مصر وملكوها ودفعوهم عنها ندموا على ما فرطوا فيها، وانقطع عنهم ما كان يصل إليهم، وخشوا غائلة الغز على بيت المقدس، وكاتبوا الفرنج بصقلية والأندلس واستنجدوهم.

وجاءهم المدد من كل ناحية، فنزلوا دمياط سنة خمس وستين وخمسمائة، وبها شمس الخواض منكوريين، فأمدها صلاح الدين بالعساكر والأموال مع بهاء الدين قراقوش وأمراء الغز، واستمد نور الدين واعتذر عن المسير إليها بشأن مصر والشيعة، فبعث نور الدين العساكر إليها شيئاً فشيئاً، وسار بنفسه إلى بلاد الفرنج بسواحل الشام، فضيَّق عليها، فأقلع الفرنج عن دمياط لخمسين يوماً من نزولها، فوجدوا بلادهم خراباً، وأثنى العاضد على صلاح الدين في ذلك، ثم بعث صلاح الدين غرابيه نجم الدين وأصحابه إلى مصر، وركب العاضد للقائه تكرمة له.

واقعة الخصيان وعمارة:

ولما استقام الأمر لصلاح الدين بمصر غص به الشيعة وأولياؤهم، واجتمع منهم العوريش وقاضي القضاة ابن الكامل، والأمير المعروف الكاتب عبد الصمد، وكان فصيحاً وعمارة اليمني الشاعر الزبيدي وكان متولي كبرها، فاتفقوا على استدعاء الفرنج لإخراج الغز من مصر وجعلوا لهم نصيباً وافراً من ارتفاعها، وعمدوا إلى شيعي من خصيان القصر اسمه نجاح ولقبه مؤتمن الدولة، وكان قد ربى العاضد وصهره فأغروه بذلك

١٩٥

ورغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبساً بذلك. ولم يكن العاضد الذي حضر وأوهموه أنه عقد معه. ثم اتصل الخبر بنجم الدين بن مضيال من أولياء الشيعة، وكان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين وولاه الإسكندرية.

واستغضبه بهاء الدين قراقوش ببعض النزغات، فظنوا أنه غضب فأطلعوه على شأنهم وأن يكون وزيراً وعمارة كاتب الدست، وصاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضي القضاة وداعي الدعاة، وعبد الصمد جابي الأموال، والعوريش ناظر عليهم، فوافقهم ابن مضيال ووشى بهم إلى صلاح الدين، فقبض عليهم وعلى رسول الفرنج وقررهم في عدة مجالس، وأحضر زمام القصر وهو مختص العرز، ونكر عليه خروج العاضد إلى بيت نجاح مع مختص، فحضر واعترف بالحق أن العاضد لم يحضر، فتحقق صلاح الدين براءته، وكان عمارة يجالس شمس الدولة تورنشاه، فنقل لأخيه صلاح الدين أنه امتدحه بقصيدة يغريه فيها بالمضي إلى اليمن ويحمله على الاستبداد، وأنه تعرض فيها للجانب النبوي يوجب استباحة دمه، وهو قوله:

فاخلق لنفسك ملكاً لا تضاف به إلـى سواك وأورِ النار في العلم

هذا ابن تومرت قد كانت ولايته كما يقول الورى لحماً على وَضَم

وكـان أول هذا الدين من رجل سـعى إلـى أن دعوه سيد الأمم

فجمعهم صلاح الدين وشنقهم في يوم واحد بين القصرين، وأخّر ابن كامل عنهم عشرين يوماً ثم شنقه.

ومر عمارة بباب القاضي الفاضل فطلب لقاءه فمُنع، فقال وهو سائر إلى المشنقة:

عبد الرحيم قد احتجب إن الخلاص هو العجب

وفي كتاب ابن الأثير أن صلاح الدين إنما اطلع على أمرهم من كتابهم الذي كتبوه إلى الفرنجة عثر على حامله، وقُرئ الكتاب وجيء به إلى صلاح الدين، فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة، وعزل جميع الخدام، واستعمل على القصر بهاء الدين قراقوش، وكان خصياً أبيض.

١٩٦

وغضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة، واجتمعوا في خمسين ألفاً، وقاتلوا أجنا وصلاح الدين بين القصرين، وخالفهم إلى بيوتهم فأضرمها ناراً، واحترقت أموالهم وأولادهم، فانهزموا وركبهم السيف، ثم استأمنوا ونزلوا الجيزة وعبر إليهم شمس الدولة تورنشاه فاستلحمهم.

قطع الخطبة للعاضد وانقراض الدولة العلوية بمصر:

كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر، وضعف أمر العاضد بها وتحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر والخطبة بها للمستضيء العباسي، وهو يماطل بذلك حذراً من استيلاء نور الدين عليه، ويعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل، ثم ألزمه ذلك، فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به وأنه لا يمكن مخالفة نور الدين.

ووفد عليه من علماء العجم الفقيه الخبشاني، وكان يدعى بالأمير العالم، فلما رأى إحجامهم عن هذه الخطبة قال: أنا أخطبها. فلما كان أول جمعة من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة صعد المنبر قبل الخطيب ودعا للمستنصر، فلم ينكر أحد عليه، فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعوا خطبة العاضد ويخطبوا للمستضيء ففعلوا.

وكتب بذلك إلى سائر أعمال مصر، وكان العاضد في شدة من المرض، فلم يعلمه أحد بذلك، وتُوفِّي في عاشوراء من السنة نفسها.

وجلس صلاح الدين للعزاء فيه، واحتوى على قصر الخلافة بما فيه، فحمله بهاء الدين قراقوش إليه، وكان في خزائنهم من الذخيرة ما لم يسمع بمثله.

ثم أتى ابن خلدون على ذكر طائفة منها، ومنها مكتبة تحوي مائة وعشرين ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيساني، وقال بعد ذلك:

ثم حبس رجالهم ونساءهم حتى ماتوا، وكانت بالدولة عند عهد العزيز والحاكم قد خلا جوّها من رجالات كتامة وتفرقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك وانقرضوا بانقراض أمر الشيعة وموت العاضد آخر

١٩٧

خلفائهم، وأكلتهم الأقطار والوقائع شأن الدول.

ولما هلك العاضد وحوَّل صلاح الدين الدعوة إلى العباسية، اجتمع قوم من الشيعة بمصر وبايعوا لداود بن العاضد، ونُمي خبرهم إلى صلاح الدين، فقبض عليهم وقتلهم، وأخرج داود من القصر وذلك سنة تسع وستين وخمسمائة.

ثم خرج بعد حين بجهة فاس بالمغرب محمد بن عبد الله بن العاضد، ودعا هنالك وتَسمّى بالمهدي، فقُتل وصُلب، ولم يبق للعُبيديين ذكر إلا في بلاد الحثيثية من العراق، وهم دعاة الغداوية، وفي بلاد الإسماعيلية التي كانت فيها دعوتهم بالعراق. وقام بها ابن الصباح في قلعة ألموت وغيرها، إلى أن انقرضت تلك الدعوة أجمع بانقطاع دعوة العباسيين ببغداد، وعلى يد هولاكو من ولد جنكزخان من ملوك التتر سنة خمس وخمسين وستمائة.

١٩٨

ما جاء في خطط المقريزي في الجزء الثالث

في مبدأ أمر الفاطميين إلى عهد المستنصر الفاطمي

ذِكْرُ أبي عبد الله الشيعي:

هو الحسن بن أحمد بن محمد بن زكريا الشيعي من أهل صنعاء اليمن، ولي الحسبة في بعض أعمال بغداد، ثم سار إلى ابن حوشب باليمن وصار من كبار أصحابه. وكان ذا علم وفهم، وعنده دهاء ومكر. فورد على ابن حوشب بعد موت الحلواني داعي المغرب ورفيقه، فقال لأبي عبد الله الشيعي: إن أرض كتامة من بلاد المغرب قد خربها الحلواني وأبو سفيان وقد ماتا وليس لها غيرك، فإنها مواطأة ممهدة لك.

فخرج من اليمن إلى مكة، وقد زوده ابن حوشب بمال، فسأل عن حجاج كتامة فأرشد إليهم، واجتمع بهم، وأخفى عنهم قصده، وذلك أنه جلس قريباً منهم فسمعهم يتحدثون بفضائل أهل البيت، فحدثهم في ذلك وأطال ثم نهض ليقوم، فسألوه أن يأذن لهم بزيارته فأذن لهم، فصاروا يتردُّدون إليه لما رأوا من علمه وعقله، ثم إنهم سألوه إلى أين يقصد، فقال: أريد مصر فسروا بصحبته ورحلوا من مكة وهو لا يخبرهم شيئاً من خبره وما هو عليه من القصد. وشاهدوا منه عبادة وورعاً وتحرجاً وزهادة، فقويت رغبتهم فيه واشتملوا على محبته واجتمعوا على اعتقاده وساروا بأسرهم خدماً له، وهو في أثناء ذلك يستخبرهم عن بلادهم، ويعلم أحوالهم ويفحص عن قبائلهم، وكيف طاعتهم للسلطان في أفريقية، فقالوا له: ليس له علينا طاعة، وبيننا وبينه عشرة أيام. قال: أفتحملون السلاح؟ قالوا: هو

١٩٩

شغلنا، وما برح حتى عرف جميع ما هم عليه. فلما وصلوا إلى مصر أخذ يودعهم، فشق عليهم فراقه وسألوه عن حاجته بمصر فقال: ما لي بها من حاجة إلا أني أطلب التعليم بها، قالوا: فأما إذا كنت تقصد هذا فإن بلادنا أنفع لك وأطوع لأمرك، ونحن أعرف بحقك.

وما زالوا به حتى أجابهم إلى المسير معهم، فساروا به إلى أن قاربوا بلادهم، وخرج إلى لقائهم أصحابهم، وكان عندهم حسّ كبير من التشيع واعتقاد عظيم في محبة أهل البيت كما قرره الحلواني، فعرَّفهم القوم خبر أبي عبد الله، فقاموا بحق تعظيمه وإجلاله، ورغبوا في نزوله عندهم، واقترعوا فيمن يضيّفه، ثم ارتحلوا إلى أرض كتامة، فوصلوا إليها منتصف ربيع الأول سنة ثمان وثمانين ومائتين. فما منهم إلا من سأله أن يكون منزله عنده، فلم يوافق أحداً منهم، وقال: أين يكون (فج الأخيار)؟ فعجبوا من ذلك، ولم يكونوا قط ذكروه له منذ صحبوه، فدلوه عليه فقصده، وقال: إذا حللنا به صرنا نأتي كل قوم منكم في ديارهم ونزورهم في بيوتهم، فرضوا جميعاً بذلك.

وسار إلى جبل ايلحان وفيه (فج الأخيار)، فقال: هذا فج الأخيار، وما سمي إلاّ بكم، ولقد جاء في الآثار: (للمهدي هجرة ينبو بها عن الأوطان، ينصره فيها الأخيار من أهل ذلك الزمان قوم اسمهم مشتق من الكتمان، ولخروجكم في هذا الفج سمي (فج الأخيار)).

فتسامعت به القبائل، وأتته البربر من كل مكان، وعظم أمره، حتى إن كتامة اقتتلت عليه مع قبائل البربر، وهو لا يذكر اسم المهدي ولا يعرج عليه. فبلغ خبره إبراهيم بن الأغلب أمير أفريقية، فقال أبو عبد الله لكتامة: أنا صاحب النذر الذي قال لكم أبو سفيان والحلواني. فازدادت محبتهم له وعظم أمره فيهم، وأتته القبائل من كل مكان، وسار إلى مدينة (تاحروق)، وجمع الخيل وصيّر أمرها للحسن بن هارون كبير كتامة.

وخرج للحرب فظفر وغنم، وعمل على تاحروق خندقاً، فرجعت إليه قبائل من البربر وحاربوه فظفر بهم وصارت إليه أموالهم، ووالى الغزو فيهم حتى استقام له أمرهم، فسار وأخذ مدائن عدة.

فبعث إليه ابن الأغلب بعساكر كانت له معهم حروب عظيمة وخطوب

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391