تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء ١

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني0%

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 391

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

مؤلف: العلامة الشيخ سليمان ظاهر
الناشر: مؤسسة الأعلمي
تصنيف:

الصفحات: 391
المشاهدات: 124505
تحميل: 11008


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124505 / تحميل: 11008
الحجم الحجم الحجم
تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني

تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني الجزء 1

مؤلف:
الناشر: مؤسسة الأعلمي
العربية

إلى أن قال:

(فقال المنصور لعيسى بن موسى:

(إما أن تخرج إليه وأُقيم أنا أُمدّك بالجيوش، وإما أن تكفيني ما أُخلّف ورائي وأخرج أنا إليه).

فقال عيسى:

(بل أقيك بنفسي يا أمير المؤمنين، وأكون الذي يخرج إليه). فأخرجه إليه من الكوفة في أربعة آلاف فارس وألفَي راجل، وأتبعه محمد بن قحطبة في جيش كثيف. فقاتلوا محمداً بالمدينة حتى قتل وهو ابن خمس وأربعين سنة.

ولمّا اتّصل بإبراهيم قَتْل أخيه محمد بن عبد الله وهو بالبصرة صعد المنبر فنعاه وتمثل:

أبـا المنازل يا خير الفوارس من يـفجع بـمثلك في الدنيا فقد فجعا

الله يـعـلم أنـي لـو خـشيتهم وأوجس القلب من خوف لهم فزعا

لـم يـقتلوه ولـم أسلم أخي لهم حـتى نموت جميعاً أو نعيش معا

وكان قد تفرّق أخوة محمد ووُلْده في البلدان يدعون إلى إمامته، فكان فيمن توجه ابنه علي بن محمد إلى مصر، فقتل بها.

وسار عبد الله إلى خراسان، فهرب لما طلب إلى السند، فقتل هناك. وسار ابنه الحسن إلى اليمن فحبس فمات في الحبس، وسار أخوه موسى إلى الجزيرة، ومضى أخوه يحيى إلى الري وطبرستان، فكان من خبر الرشيد ما سنورده فيما يرد من هذا الكتاب.

ومضى أخوه إدريس بن عبد الله إلى المغرب، فأجابه خلق من الناس، وبعث المنصور من اغتاله، فيما احتوى عليه من مدن المغرب.

وقام ولده إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن مقامه، فعرف البلد بهم فقيل بلد إدريس).

ثم أحال بسط أخبارهم إلى كتابه الأوسط، وقال بعد ذلك:

(ومضى إبراهيم أخوه إلى البصرة وظهر بها، فأجابه أهل فارس

٨١

والأهواز وغيرهما من الأمصار في عساكر كثيرة من الزيدية وجماعة ممن يذهب إلى قول البغداديين من المعتزلة وغيرهم، ومعه عيسى بن زيد بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(رض).

فسيّر إليه المنصور عيسى بن موسى وسعيد بن مسلم في العساكر، فحارب حتى قتل في الموضع المعروف بِـ (باخمرى) وذلك على ستة عشر فرسخاً من الكوفة من أرض الطفّ، وهو الموضع الذي ذكرته الشعراء ممن رثى إبراهيم.

فممن ذكر ذلك دعبل بن علي في قصيدة أولها:

مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات

ومنها قوله فيهم:

قـبور بـكوفان وأخرى بطيبة وأخـرى بـفخ نـالها صلوات

وأُخرى بأرض الجوزجان محله وقـبر بباخمرى لدى القربات

وقتل معه من الزيدية من شيعته أربعمائة رجل وقيل خمسمائة)(١) .

وفي كامل ابن الأثير:

ذكر ظهور الحسين في حادث سنة تسع وستين ومائة فقال:

وفي هذه السنة ظهر الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب بالمدينة وهو المقتول بِفخّ عند مكة)(٢) .

- وكان خروجه في عهد الهادي لا المهدي، وفي هذه السنة لا في سنة ست وتسعين ومائة - كما نقلنا ذلك عن ابن خلدون آنفاً، فتنبه له -.

(وبعد ظفر الحسين بالمدينة وقتل يحيى وإدريس ابني عبد الله بن الحسن خالد البريدي الذي جاء إليه في مائتين من الجند. ولما اجتمع أصحاب الهادي بالخارجين بذي طُوىً، وكانوا قد أحرموا بِعُمْرة وانضم

____________________

(١) مروج الذهب: م٢ من ص٢٣٨ إلى ص٢٣٩.

(٢) الكامل لابن الأثير: م٦ ص٩٠.

٨٢

من انضم إليهم من شيعتهم ومواليهم وقوادهم، ثم إنهم اقتتلوا يوم التروية، فانهزم أصحاب الحسين، وكانت الدائرة عليه فقتل، وكانت رؤوس أصحابه قد بلغت مائة رأس ونيفاً، واختلط المنهزمون من أصحاب الحسين بالحاجّ. وأسر منهم ستة أسرى، فقتل بعضهم واستبقي بعضهم. وأفلت من المنهزمين (إدريس) بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ، فأتى مصر، وعلى بريدها واضح مولى صالح بن المنصور، وكان شيعياً لعلي، فحمله على البريد إلى أرض المغرب فوقع في أرض طنجة بمدينة (وَليلة).

فاستجاب له من بها من البربر. فضرب الهادي عنق واضح وصلبه. وقيل: إنّ الرشيد هو الذي قتله، وإن الرشيد دسّ إلى إدريس الشمَّاخ اليماميّ مولى المهديّ، فأتاه وأظهر أنه من شيعتهم، وعظّمه وآثره على نفسه، فمال إليه إدريس، وأنزله عنده، ثم إنّ إدريس شكا إليه مرضاً في أسنانه، فوصف له دواء وجعل له فيه سمّاً، وأمره أن يستنّ به عند طلوع الفجر، فأخذه منه. ثم هرب الشمّاخ، واستعمل إدريس الدواء فمات منه. فولّى الرشيد الشمّاخ بريد مصر.

ولما مات إدريس بن عبد الله خلف مكانه ابنه إدريس بن إدريس وأعقب بها، وملكوها ونازعوا بني أُميّة في إمارة الأندلس)(١) .

وذكر في حوادث سنة إحدى وثمانين ومائة في ولاية إبراهيم بن الأغلب إفريقية:

(ثم بلغ ابن الأغلب أَنّ إدريس بن إدريس العلويّ قد كثر جمعه بأقاصي المغرب، فأراد قصده، فنهاه أصحابه وقالوا: اتركْه ما تركك، فأعمل الحيلة وكاتب القيّم بأمره من المغاربة واسمه (بَهْلول) بن عبد الواحد وأهدى إليه، ولم يزل به حتى فارق إدريس وأطاع إبراهيم، وتفرّق جمع إدريس، فكتب إلى إبراهيم يستعطفه، ويسأله الكفّ عن ناحيته، ويذكر له قرابته من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فكفّ عنه)(٢) .

____________________

(١) الكامل لابن الأثير: م٦ من ص٩٢ إلى ص٩٤.

(٢) نفسه: م٦ ص١٥٦.

٨٣

الأدارسة في صبح الأعشى

بنو إدريس: الأكبر بن حسن المثلَّث بن حسن المثنَّى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.

(وكان مبدأ أمرهم أنه لما خرج حسين بن علي بن حسن المثلَّث بمكة سنة سبعين ومائة أيام الهادي، واجتمع عليه قرابته وفيهم عمه إدريس. وقُتل الحسين، وفر إدريس ولحق بالمغرب وصار إلى مدينة (وليلى) من المغرب الأقصى. فاجتمع إليه قبائل البربر وبايعوه، وفتح أكثر البلاد، وبقي حتى مات سنة خمس وسبعين ومائة.

وأقاموا الدعوة بعده لابنه إدريس الأصغر، وكان أبوه قد مات، وترك أمه حاملاً به، فكفّلوه حتى شبّ فبايعوه سنة ثمان وثمانين ومائة وهو ابن إحدى عشرة سنة.

وافتتح جميع بلاد المغرب، وكثر عسكره وضاقت عليهم (وليلى)، فاختطّ له مدينة فاس سنة اثنتين وستعين ومائة على ما تقدم. وانتقل إليها واستقام له الأمر، واستولى على أكثر بلاد البربر، واقتطع دعوة العباسيين، ومات سنة ثلاث عشرة ومائتين.

وقام بالأمر بعده ابنه (محمد بن إدريس)، ومات سنة إحدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف في مرضه ولده (عليشا بن محمد) وهو ابن تسع سنين، ومات سنة أربع وثلاثين ومائتين لثلاث عشرة سنة من ولايته.

وكان قد عهد لأخيه (يحيى بن محمد)، فقام بالأمر بعده ومات. فولي مكانه ابنه (يحيى بن يحيى) ثم مات، فاستدعوا ابن عمه (علي بن

٨٤

عمر) بن إدريس الأصغر، فبايعوه بفاس، واستولى على جميع أعمال المغرب، وقُتل سنة اثنتين وتسعين ومائتين.

وقام بالأمر بعده (يحيى بن إدريس) بن عمر بن إدريس الأصغر، وملك جميع المغرب، وخُطب له على منابره. وبقي حتى وافته جيوش عبيد الله المهدي الفاطمي، فغلبوه على ملكه، وخلع نفسه من الأمر، وأنفذ ببيعته إلى المهدي سنة خمس وثلاثمائة.

واستقر عاملاً للمهدي على فاس وعملها خاصة، وبقية المغرب بيد موسى بن أبي العافية.

قيام دولة بني حمود من الأدارسة

بعد سقوط دولة الأدارسة في المغرب ببرهة طويلة، وملك بني أمية عليهم تلك المملكة إلى أن انتهى الأمر إلى المستعين منهم. وتغلّب البرابرة على قرطبة عنوة سنة ثلاث وأربعمائة.

وتفرّق شمل جماعة قرطبة، وكان علي بن حمود وأخوه قاسم من عقب إدريس قد أجازوا معهم من العدوة، فدعوا لأنفسهم، وتعصب معهم الكثير من البربر. وملكوا قرطبة سنة سبع وأربعمائة، وقتلوا المستعين، ومحوا ملك بني أمية. واتصل ذلك في خلق منهم سبع سنين، ثم رجع الملك في بني أمية في وُلد الناصر نحواً من سبع سنين. ثم خرج عنهم وافترق الأمر في رؤساء الدولة من العرب والموالي والبربر، واقتسموا الأندلس ممالك ودولاً، وتلقّبوا بألقاب الخلفاء.

ثم قطع أهل قرطبة دعوة الحموديين بعد سبع سنين من ملكهم، وزحف إليهم (قاسم بن حمود) في جموع البربر، فهزمهم أهل قرطبة، ثم اجتمعوا واتفقوا على رد الأمر إلى بني أمية، واختاروا لذلك (عبد الرحمان بن هشام بن عبد الجبار) أخا المهدي، وبايعوه في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة، ولقّبوه (المستظهر).

ثم ثار على المستظهر لشهرين من خلافته (محمد بن عبد الرحمان بن عبد الله بن الناصر) أمير المؤمنين، فثار هذا وتبعه العامة، ففتك بالمستظهر واستقلّ بأمر قرطبة، وتلقّب بالمستكفي.

٨٥

وبعد ستة عشر شهراً من بيعته رجع الأمر إلى يحيى بن علي بن حمود وهو (المعتلي).

الأسباب الممكنة لهم من الظهور:

كان من جملة المستعين مع البربر والمغاربة أخوان من ولد عمر بن إدريس وهما: القاسم وعلي ابنا حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر.

كانا في لفيف البرابرة في بلاد غمارة، واستجدا بها رياسة استمرت في بني محمد وبني عمر من وُلد إدريس، فكانت للبربر إليهم صاغية بسبب ذلك وخلطة.

وبقي الفخر منهم من غمارة، فأجازوا مع البربر، وصاروا في جملة المستعين مع أمراء العدوة من البربر، فعقد لهما المستعين فيمن عقد له من المغاربة عقد لعلي منهما على طنجة وعملها، وللقاسم - وكان الأسن - على الجزيرة الخضراء.

وكان في نفوس المغاربة والبرابرة تشيع لأولاد إدريس متوارث من دولتهم بالعدوة كما ذكرناه.

واستقام أمر (علي بن حمود) وتمكّن سلطانه واتصلت دولته عامين إلى أن قتلته صقالبته بالحمام سنة ثمان وأربعمائة. فولي مكانه أخوه (القاسم بن حمود) وتلقّب بالمأمون. ونازعه في الأمر بعد أربع سنين من خلافته (يحيى) ابن أخيه علي بسبتة، وكان أمير المغرب وولي عهد أبيه، فبعث إليه أشياعه من البربر مع جند الأندلس سنة عشر وأربعمائة، واحتل مالقة، وكان أخوه إدريس بها منذ عهد أبيهما، فبعث إلى سبتة ووصل إلى يحيى بن علي (راوي بن زيري) من غرناطة وهو عميد البرابرة ثانية يومئذ، فزحف إلى قرطبة، فملكها سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وتلقّب بالمعتلي، واستوزر أبا بكر بن ذكوان.

وفر المأمون إلى إشبيلية، وبايع له القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد، واستمال بعضاً من البرابرة ثانية واستجاشهم على ابن أخيه. ورجع إلى قرطبة سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.

٨٦

ولحق المعتلي بمكانه من مالقة، وتغلّب على الجزيرة الخضراء عمل المأمون من لدن عهد المستعين. وتغلب أخوه إدريس على طنجة من وراء البحر، وكان المأمون يعتدها حصناً لنفسه وبنيه، ويستودع بها ذخيرته.

وبلغ الخبر إلى قرطبة بتغلبه على قواعده وحصونه مع ما كان يتشدد على بني أمية، فاضطرب أمر المأمون، وثار عليه أهل قرطبة ونقضوا طاعته، وبايعوا للمستظهر ثم للمستكفي من بني أمية كما ذكرناه.

وتحيز المأمون وبرابرته إلى الأرباض فاعتصموا به، وقاتلوا دونه، وحاصروا المدينة خمسين يوماً.

ثم صمم أهل قرطبة على مدافعتهم، فخرجوا عن الأرباض وانفضت جموعهم سنة أربع عشرة وأربعمائة.

ولحق المأمون بإشبيلية وبها ابنه محمد ومحمد بن زيري من رجالات البربر، فأطمعه القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد في الملك، وأن يمتنعوا من القاسم فمنعوه؛ وأخرجوا إليه ابنه وضبطوا بلدهم.

ثم اشتد ابن عباد وأخرج محمد بن زيري، ولحق المأمون بشريش، ورجع عنه البربر إلى يحيى المعتلي ابن أخيه، فبايعوه سنة خمس عشرة وأربعمائة. وزحف إلى عمه المأمون بشريش فتغلّب عليه، ولم يزل عنده أسيراً وعند أخيه إدريس من بعده بمالقة إلى أن هلك في محبسه سنة سبع وعشرين وأربعمائة. واستقل يحيى المعتلي بالأمور، واعتقل محمداً والحسن ابني عمه القاسم المأمون بالجزيرة، ووكل بهما أبا الحجاج من المغاربة، وأقاما كذلك.

ثم خلع أهل قرطبة المستكفي، وصاروا إلى طاعة المعتلي. واستعمل عليهم عبد الرحمان بن عطاف من رجالات البربر.

وفر المستكفي إلى ناحية الثغر، فهلك في مدينة سالم.

ثم نقض أهل قرطبة طاعة المعتلي سنة سبع عشرة وأربعمائة، وصرفوا عامله عليهم (ابن عطاف)، وبايعوا للمعتمد أخي المرتضى، ثم خلعوه كما ذكرنا في خبره.

واستبدّ بأمر قرطبة الوزير (ابن جهور) بن محمد كما سنذكره في

٨٧

أخبار ملوك الطوائف. وأقام يحيى بن المعتلي يتخيّفهم ويرد العساكر لحصارهم، إلى أن اتفقت الكافة على إسلام المدائن والحصون له.

فعلا سلطانه واشتد أمره، وظاهره (محمد بن عبد الله البرزالي) على أمره، فنزل عنده بِـ (قرمونة)، يحاصر فيها ابن عباد بإشبيلية، إلى أن هلك سنة ست وعشرين وأربعمائة بمداخلة ابن عباد للبرزالي في غتياله؛ فركب المعتلي لخيل أغارت على معسكره بقرمونة من جند ابن عباد، وقد أكمنوا له فكبا به فرسه وقتل. وتولى قتله محمد بن عبد الله البرزالي.

وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة.

وكان أحمد بن موسى بن بقية، والخادم نجي الصقلي وزيري دولة الحموديين عند أولها. فرجعا إلى مالقة دار ملكهم، واستدعوا أخاه إدريس بن علي بن حمود من (سبتة) و(طنجة) وبايعوه على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى، فتمّ أمره بمالقة، وتلقّب (المتأيد بالله)، وبايعه المرية وأعمالها ورندة والجزيرة. وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على سبتة، ونهض معه نجي الخادم، وكان له ظهور على ملوك الطوائف، وكان أبوه القاسم بن عباد قد استفحل ملكه لذلك العهد، ومدّ يده إلى انتزاع البلاد من أيدي الثوّار؛ وملك أشبونة واستجة من يد محمد بن عبد الله البرزالي. وبعث العساكر مع ابنه بنفسه؛ وبعث القائد هذا عساكره مع ابن بقية، فكانت بينهم وبين ابن عباد حروب شديدة هزم فيها ابن عباد وقُتل وحُمل رأسه إلى إدريس المتأيد.

وهلك ليومين بعدها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. واعتزم ابن بقية على بيعة ابنه يحيى الملقب (جون)، فأعجله عن ذلك نجي الخادم، وبادر إليه من سبتة ومعه حسن بن يحيى المعتلي، فبايعه البربر ولقب (المستنصر).

وقتل ابن بقية، وفر يحيى بن إدريس إلى (قمارش)، فهلك بها سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، ويقال: بل قتله نجي.

ورجع نجي إلى سبتة ليحفظ ثغرها، ومعه ولده حسن بن يحيى صبياً، وترك السطيفي على وزارة حسن لثقته به.

٨٨

وبايعته غرناطة وجملة من بلاد الأندلس، وهلك حسن مسموماً بيد ابنة عمه إدريس ثارت بأخيها حسن سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، فاعتقل السطيفي أخاه إدريس بن يحيى، وكتب إلى نجي وابن حسن المستنصر الذي كان عنده بسبتة ليعقد له.

واغتاله نجي وأجاز إلى مالقة ودعا إلى نفسه، ووافقه البربر والجند. ثم نهض إلى الجزيرة ليستأصل حسناً ومحمداً ابني قاسم بن حمود. ورجع خاسئاً، فاغتاله في طريقه بعض عبيد القاسم.

وبلغ الخبر إلى مالقة، فثارت العامّة بالسطيفي وقتل، وأُخرج إدريس بن يحيى المعتلي من معتقله، وبويع له سنة أربع وثلاثين وأربعمائة. وأطاعته غرناطة وقرمونة وما بينهما، ولقُّب (العالي). وولى على سبتة سكوت ورزق الله من عبيد أبيه. ثم قتل محمداً وحسناً ابني عمه إدريس، فثار السودان بدعوة أخيهما محمد بمالقة، وامتنعوا بالقصبة. وكانت العامة مع إدريس، ثم أسلموه. وبويع محمد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، وتلقّب بالمهدي، وولى أخاه عهده ولقّبه (الساني)، ثم نكر منه بعض النزغات(١) ونفاه إلى العدوة. فأقام بين غمارة، ولحق العالي بقمارش فامتنع بها وأقام يحاصر مالقة.

وزحف (باديس) من غرناطة منكراً على المهدي فعله، فامتنع عليه، فبايع له وانصرف.

وأقام المهدي في ملكه بمالقة، وأطاعته غرناطة وحيان وأعمالها، إلى أن مات بمالقة سنة أربع وأربعين وأربعمائة. وبويع إدريس المخلوع بن يحيى المعتلي من مكانه بقمارش، وبويع له بمالقة، وأطلق أيدي عبيده عليها لحقده عليهم. ففر كثير منهم إلى أن هلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة.

وبويع محمد الأصغر بن إدريس المتأيد، وتلقبه وخطب له بمالقة والمرية ورندة. ثم سار إليه باديس، فتغلب على مالقة سنة تسع وأربعين وأربعمائة.

____________________

(١) النزغات: مفردها نزغة النخسة والطعنة.

٨٩

وسار محمد المستعلي إلى المرية مخلوعاً، واستدعاه أهل (بليلة)، فأجاز إليهم، وبايعوه سنة تسع وخمسين وأربعمائة. وبايعه بنو (ورقدى) وقلوع جاره ونواحيها؛ وهلك سنة ستين وأربعمائة.

وأما محمد بن القاسم المعتقل بمالقة فقد فر من الاعتقال سنة أربع عشرة وأربعمائة، ولحق بالجزيرة الخضراء، فملكها وتلقّب المعتصم، إلى أن مات سنة أربعين وأربعمائة.

ثم ملكها بعده ابنه القاسم الواثق إلى أن هلك سنة خمسين وأربعمائة، وصارت الجزيرة للمعتضد بن عباد. وكان (سكوت البرغواطي) الحاجب مولى القاسم الواثق محمد بن المعتصم - ويقال: مولى يحيى المعتلي - والياً على سبتة من قبلهم. فلما غلب ابن عباد على الجزيرة طلبه في الطاعة، وطلب هو ملك الجزيرة، فامتنعت عليه؛ واتصلت الفتنة بينهما إلى أن كان من أمر (المرابطين) وتغلّبهم على سبتة وعلى الأندلس ما سنذكره.

وبعد فإنه يتبين للقارئ في هذه الصفحات أن ملك المغرب والأندلس كان متداولاً في آن واحد، ومنقسماً بين العباسيين والأمويين والعلويين الأدارسة والفاطميين. وإن هذا الانقسام العجيب جر إلى انقسامات أُخرى جر إليها طموح كل من تذوَّق طعم الحكم، وشعر بلذة الأمر والنهي، وقد ساعده القدر أن يكون عاملاً في إحدى سلطنات تلك الدول، وكان تدعمه عصبية، إلى أن انتهت النوبة إلى ملوك الطوائف.

قال ابن خلدون في تاريخه: (كان ابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم لما انتثر ملك الخلافة العربية بالأندلس، وافترق الجماعة بالجهات، وصار ملكها في طوائف من الموالي والوزراء وأعياص(١) الخلافة وكبار العرب والبربر. واقتسموا خططها، وقام كل واحد بأمر ناحية منها. وتغلّب بعض على بعض، واستقل آخر بأمرها ملوك منهم استفحل شأنهم، ولاذوا بالجزية للطاغية أو يتظاهرون عليهم أو ينتزعون منهم ملكهم، حتى أجاز إليهم (يوسف بن تاشفين) أمير المرابطين وغلبهم جميعاً على أمرهم فكان منهم: (ملوك بني عباد ملوك اشبيلية وغربي الأندلس).

____________________

(١) أعياص: مفردها عِيص وهو الأصل، يُقال: هو من عيص كريم أي من أصل كريم.

٩٠

ملوك بني عباد ملوك اشبيلية

وغربي الأندلس

كان أولَهم كما قال ابن خلدون: القاضي أبو القاسم محمد بن ذي الوزارتين أبي الوليد إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن قريش بن عباد بن عمر بن عطاف بن نعيم اللخمي.

وعطاف هو الداخل إلى الأندلس في طوالع لخم، وأصلهم من جند حمص. ونزل عطاف قرية (طشانة) بشرق اشبيلية، ونَسلُ بنيه بها. وكان محمد بن إسماعيل بن قريش صاحب الصلاة بطشانه، ثم ولي ابنه إسماعيل الوزارة باشبيلية سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.

وكان أصل رياسته أنه كان له اختصاص بالقاسم بن حمود وهو الذي أحكم عقد ولايته؛ وكان محمد بن زيري من أقيال البرابرة والياً على اشبيلية، فلما فر القاسم من قرطبة وقصده، داخَلَ ابن عباد محمد بن زيري في غرناطة ففعل، وطردوا القاسم وطردوا بعده ابن زيري وصار الأمر شورى بينه وبين أبي بكر الزبيدي.

ولما منع القاسم من اشبيلية عدل عنها إلى قرمونة أيام هشام والمهدي من بعده، ثم استبد بها سنة أربع وأربعمائة أزمان الفتنة؛ فداخله ابن عباد في خلع القاسم والاستبداد بها. ثم تنصح للقاسم فتحول إلى شريش كما قلناه، وقام بأمره ابنه عباد وتلقّب المعتضد واستولى على سلطانه، واشتدت حروبه وأيامه، وانتهى الأمر باستقلاله.

٩١

وبعد مهلكه قام بالأمر بعده ولده المعتمد بن عباد الذي انتزع منه الأمر يوسف بن تاشفين.

وانتهى ملك بني عباد، وانتهت حياة ابن عباد منفياً في أغمات(١) . ثم قام بالأمر:

ابن جهور ثم ابن الأفطس صاحب (بَطْليوس)(٢) من غرب الأندلس، ثم باديس بن حسون ملك غرناطة، ثم بنو ذي اليزن ملوك طليطلة، ثم ابن عامر صاحب شرق الأندلس، ثم بنو حمود، فالموحدون، فملوك بني الأحمر، فالملثّمون؛ مما يخرجنا البحث عن تفاصيل أحوالهم عن موضوعنا.

وكانت خاتمة مطاف هذه الانقسامات والمنازعات بين الطامعين في الملك والطامحين إلى الاستواء على عرشه الراسي على بحار من الدماء، أن طمع فيهم الغريب فأدال من تلك الدول غير المستقرة.

رجع إلى ملك الأدارسة وأول أمرهم بالمغرب

ولّى الرشيد أمر المغرب إبراهيم بن الأغلب أول الأغالبة بإشارة هرثمة بولايته، فكتب له بالعهد إلى إفريقية منتصف سنة أربع وثمانين ومائة.

وفي أيامه ظهرت دعوة العلوية بإدريس بن عبد الله، وتُوفِّي ونصب البرابرة ابنه الأصغر، وقام راشد بكفالته، وكبر إدريس واستفحل أمره براشد. فلم يزل إبراهيم يدس إلى البربر ويسرب فيهم الأموال حتى قُتل راشد وسيق رأسه إليه.

ثم قام بأمر إدريس بعده بهلول بن عبد الرحمان المظفّر من رؤوس البربر، فاستفحل أمره، فلم يزل إبراهيم يتلطفه ويستميله بالكتب والهدايا إلى أن انحرف عن دعوة الأدارسة إلى دعوة العباسية. فصالحه إدريس

____________________

(١) أغْمات: مدينة في المغرب جنوبي مراكش، فيها قبور أولياء المسلمين كانت قديماً قاعدة البلاد ومن أعمال مملكة بني إدريس.

(٢) بَطْليوس: مدينة في إسبانيا تُعرف الآن باسم بداخوس، كانت قاعدة بني أفطس.

٩٢

وكتب إليه يستعطفه بقرابته من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فكفّ عنه.

وكانت وفاة إبراهيم بن الأغلب في شوال سنة ست وتسعين ومائة.

وولي بعده ابنه عبد الله، وكان جائراً ظالماً تُوفِّي في ذي الحجَّة سنة إحدى ومائتين، وهو الملقّب بأبي العباس.

فولي مكانه أخوه زيادة الله، ولما جاءه التقليد من قبل المأمون يأمره بالدعاء لعبد الله بن طاهر على منابره، غضب من ذلك وبعث مع الرسول بدنانير من سكة الأدارسة يعرض له بتحويل الدعوة.

رجع إلى بني حمّود

قال ابن الأثير: (وفي هذه السنة (٤٠٦) ولي الأندلس علي بن حمود بن أبي العيش بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام). وقيل في نسبه غير ذلك مع اتفاق على صحة نسبه إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

وكان سبب ذلك أن الفتى (خيران) العامريّ لم يكن راضياً بولاية سليمان قرطبة. انهزم خيران في جماعة كثيرة من الفتيان العامريّين، فتبعهم البربر وواقعهم؛ فاشتد القتل بينهم، وجُرح خيران عدّة جراحات، وتُرك على أنه ميّت. فلما فارقوه قام يمشي فأخذه رجل من البربر إلى داره بقرطبة، وعالجه فبرأ، وأعطاه مالاً وخرج منها سرّاً إلى شرق الأندلس، فكثر جمعه وقويت نفسه، وقاتل من هناك من البربر؛ وملك المَرِيّة، واجتمع إليه الأجناد، وأزال البربر عن البلاد المجاورة له، فغلظ أمره وعظم شأنه. وكان عليُّ بن حمود بمدينة سبتة بينه وبين الأندلس عدوة المجاز مالكاً لها، وكان أخوه القاسم بن حمود بالجزيرة الخضراء مستولياً عليها وبينهما المجاز.

وسبب ملكهما أنهما كانا من جملة أصحاب سليمان بن الحاكم، فقوّدهما على المغاربة، ثم ولاّهما هذه البلاد، وكان خيران يميل إلى دولة المؤيد ويرغب فيها، ويخطب له على منابر بلاده، التي استولى عليها؛ لأنه كان يظن حياته حيث فقد من القصر، فحدث لعلي بن حمود طمع في ملك

٩٣

الأندلس لما رأى من الاختلاف فكتب إلى خيران يذكر له أن المؤيد كان كتب له بولاية العهد والأخذ بثأره إن هو قتل. فدعا لعلي بن حمود بولاية العهد. وكان خيران يكاتب الناس ويأمرهم بالخروج على سليمان، فوافقه جماعة منهم عامر بن فتوح وزير المؤيد وهو بمالقة، وكاتبوا عليَّ بن حمود وهو بسبتة ليعبر إليهم ليقوموا معه ويسيروا إلى قرطبة في سنة خمس وأربعمائة.

فخرج عنها عامر بن فتوح وسلّمها إليه ودعا له بولاية العهد، وسار خيران ومن أجابه إليه، فاجتمعوا بالمُنكّب وهي ما بين المريّة ومالقة سنة ست وأربعمائة، وقرروا ما يفعلونه، وعادوا يتجهزون لقصد قُرطُبة. فتجهَّزوا وجمعوا من وافقهم وساروا إلى قرطبة، وبايعوا علياً على طاعة المؤيد الأموي. فلما بلغوا غرناطة وافقهم أميرها وسار معهم إلى قرطبة. فخرج سليمان والبربر إليهم فالتقوا واقتتلوا على عشرة فراسخ من قرطبة؛ ونشب القتال بينهم، فانهزم سليمان والبربر وقُتل منهم خلق كثير، وأُخذ سليمان أسيراً فحُمل إلى عليّ بن حمّود ومعه أخوه وأبوه الحاكم بن سليمان بن عبد الرحمان الناصر.

ودخل عليُّ بن حمود قرطبة في المحرم سنة سبع وأربعمائة. ودخل خيران وغيره إلى القصر طمعاً في أن يجدوا المؤيّد حيّاً فلم يجدوه، ورأوا شخصاً مدفوناً فنبشوه وجمعوا له الناس، وأحضروا بعض فتيانه الذين ربّاهم وعرضوه عليه، ففتّشه وفتّش أسنانه؛ لأنه كان له سن سوداء كان يعرفها ذلك الفتى. فأجمع هو وغيره على أنه المؤيّد خوفاً على أنفسهم من عليّ، فأخبروا خيران أنّه المؤيد. وكان ذلك الفتى يعلم أنّ المؤيّد حيّ.

فأخذ علي بن حمّود سليمان وقتله سابع المحرم سنة سبع وأربعمائة وقتل أباه وأخاه. ولما حضر أبوه بين يدي علي بن حمود قال له: يا شيخ! قتلتم المؤيد؟ فقال: والله ما قتلناه وإنه لحيّ، فحينئذ أسرع في قتله، وكان شيخاً صالحاً منقبضاً لم يتدنّس بشيء من أحوال ابنه.

واستولى عليُّ بن حمود على قرطبة ودعا الناس إلى بيعته، فبويع واجتمع له الملك، ولُقّب المتوكل على الله.

ثم إِنّ خيران أظهر الخلاف عليه لأشياء منها أنه كان طامعاً أن يجد

٩٤

المؤيد فلم يجده، ومنها أنه نُقل إليه أنّ عليّاً يريد قتله، فخرج من قرطبة وأظهر الخلاف عليه.

ولمّا خالف خيران علياً أرسل يسأل عن بني أمية فدُلّ على عبد الرحمان بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمان الناصر الأمويّ، وكان قد خرج من قرطبة مستخفياً ونزل بجيّان، وكان أصلح من بقي من بني أميّة. فبايعه خيران وغيره، ولقّبوه (المرتضى). وأرسل خيران منذرَ بن يحيى التُّجيبيَّ أمير سرقسطة والثغر الأعلى. وراسل أهل شاطِبة وبَلَنْسِيَة وطَرطُوشة والبُنْت، فأجابوا كلهم إلى بيعته والخلاف على علي بن حمود. فاتّفق عليه أكثر الأندلس، واجتمعوا بموضع يُعرف بالرياحين في الأضحى شُورى واتفقوا على بيعته، وساروا معه إلى صنهاجة والنزول على غرناطة.

وأقبل المرتضى على أهل بلنسية وشاطبة، وأظهر الجفاء لمنذر بن يحيى التُّجيبي ولخيران ولم يُقبِل عليهما، فندما على ما كان منهما.

وسار حتى وصل إلى غرناطة، فوصل إليها ونزل عليها. وقاتلوها أياماً قتالاً شديداً، فغلبهم أهل غرناطة وأميرهم زاوي بن زيري الصنهاجي.

وانهزم المرتضى وعسكره، واتّبعهم صنهاجة يقتلون ويأتسرون. وقُتل المرتضى في هذه الهزيمة وعمره أربعون سنة، وهو أصغر من أخيه هشام.

وسار أخوه هشام إلى البُنت، وأقام بها إلى أن خوطب بالخلافة. ولم يزل علي بن حمود بعد هذه الهزيمة يقصد بلاد خيران والعامريين مرة بعد أُخرى. فلمّا كان في ذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة تجهّز علي بن حمود للمسير إلى (جَيّان) لقتال من بها من عسكر خيران، فلما كان الثامن والعشرون منه برزت العساكر إلى ظاهر قرطبة بالبنود والطبول، ووقفوا ينتظرون خروجه، فدخل الحمّام ومعه غلمانه فقتلوه. فلما طال على الناس انتظاره بحثوا عن أمره، فدخلوا عليه فرأوه مقتولاً، فعاد العسكر إلى البلد.

وكان لقبه المتوكّل على الله، وقيل: الناصر لدين الله. وكان أسمر أعين أكحل خفيف الجسم طويل القامة، حازماً عازماً عادلاً حسن السيرة، وكان قد عزم على إعادة أحوال أهل قرطبة إليهم التي أخذها البربر، فلم تطل أيامه. وكان يحب المدح ويُجزل العطاء عليه.

٩٥

ثم وليَ بعده أخوه القاسم، وهو أكبر من علي بعدة أعوام، وكان عمر علي ثمانيةً وأربعين سنة. بنوه يحيى وإدريس وأمُّه قُرشيّة وكنيته أبو الحسن. وكانت ولايته سنة وتسعة أشهر)(١) .

ولاية القاسم بن حمود المأمون:

(بايع الناس القاسم بعد قتل أخيه علي سنة سبع وأربعمائة، ولُقب المأمون. فلّما ولّي واستقرّ ملكه كاتب العامريّين واستمالهم إليه، وأقطع زهيراً جيَّان وقلعة رباح وبَيَّاسة. وكاتب خيران واستعطفه، فلجأ إليه واجتمع به، ثم عاد عنه إلى المريَّة.

وبقي القاسم مالكاً لقُرطُبة وغيرها إلى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. وكان وادعاً ليِّناً يحب العافية، فأمن الناس معه، وكان يتشيَّع إلاّ أنّه لم يظهر شيئاً من ذلك.

وسار عن قرطبة إلى إشبيلية فخالفه يحيى ابن أخيه فيها)(٢) .

____________________

(١) تاريخ ابن الأثير: م٩ من ص٢٦٩ إلى ص٢٧٣.

(٢) نفسه: ج٩ ص٢٧٣ - ٢٧٤.

٩٦

دولة يحيى بن عليّ بن حمود

وما كان منه ومن عمّه

(لمّا سار القاسم بن حمّود من قرطبة إلى إشبيلية سار ابن أخيه يحيى بن علي من مالِقة إلى قُرطُبة، فدخلها بغير مانع. فلما تمكّن بقُرطُبة دعا الناس إلى بيعته فأجابوه؛ فكانت البيعة مستهلّ جمادى الأولى من سنة اثنتي عشرة وأَربعمائة.

ولُقّب بالمعتلي، وبقي بقُرطُبة يُدعَى له بالخلافة، وعمّه القاسم بإشبيلية يُدعى له بالخلافة، إلى ذي القعدة سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. فسار يحيى عن قُرطبة إلى مالقة؛ ووصل الخبر إلى عمّه فركب وجدّ في السير ليلاً ونهاراً إلى أن وصل إلى قُرطُبة فدخلها ثامن عشر ذي القعدة سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.

وكان مدة مقامه بإشبيلية قد استمال العساكر من البربر، وقوي بهم. وبقي القاسم بقرطبة شهوراً، ثم اضطرب أمره بها، وسار ابن أخيه يحيى بن علي إلى الجزيرة الخضراء وغلب عليها، وبها أهل عمّه وماله.

وغلب أخوه إدريس بن علي صاحب سَبتة على طنجة وهي كانت عُدّة القاسم التي يلجأ إليها إن رأى ما يخاف بالأندلس. فلما ملك ابنا أخيه بلاده طمع فيه الناس، وتسلّط البربر على قرطبة، فأخذوا أموالهم، فاجتمع أهلها وبرزوا إلى قتاله عاشر جمادى الأولى سنة أربع عشرة وأربعمائة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم سكنت الحرب وأمّن بعضهم بعضاً إلى منتصف جمادى الأولى من السنة نفسها، والقاسم بالقصر يُظهر التودّد لأهل قرطبة وأَنّه معهم، وباطنه مع البربر.

٩٧

فلمّا كان يوم الجمعة منتصف جمادى الآخرة صلّى الناس الجمعة، فلمَّا فرغوا تنادوا: السّلاح!... السّلاح!...، فاجتمعوا ولبسوا السّلاح وحفظوا البلد ودخلوا قصر الإمارة، فخرج عنها القاسم، واجتمع معه البربر، وقاتلوا أهل البلد وضيّقوا عليهم، وكانوا أكثر من أهله. فبقوا كذلك نيِّفاً وخمسين يوماً والقتال متّصل، فخاف أهل قُرطُبة وسألوا البربر أن يفتحوا لهم الطريق ويؤمّنوهم على أنفسهم وأهليهم، فأبوا إلاّ أن يقتلوهم.

فصبروا حينئذٍ على القتال وخرجوا من البلد ثاني عشر شعبان، وقاتلوهم قتالاً مستقلاً، فنصرهم الله على البربر( وَمَنْ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنّهُ اللّهُ ) .

وانهزم البربر هزيمة عظيمة، ولحق كلّ طائفة منهم ببلد فاستولوا عليه.

وأمّا القاسم بن حمّود فإنه سار إلى إشبيلية وكتب إلى أهلها في إِخلاء ألف دار ليسكنها البربر؛ فعظم ذلك عليهم، وكان بها ابنا محمّد والحسن، فثار بهما أهلها فأخرجوهما عنهم ومن معهما. وضبطوا البلد وقدّموا على أنفسهم ثلاثة من شيوخهم وكبرائهم وهم: القاضي أبو القاسم محمد بن إسماعيل بن عبّاد اللخميُّ، ومحمّد بن يريم الألهانيّ، ومحمّد بن محمّد بن الحسن الزبيديُّ، وكانوا يدبّرون أمر البلد والناس. ثم اجتمع ابن يريم والزبيديُّ، وسألوا ابن عبّاد أن ينفرد بتدبير أمور الناس فامتنع، وألحّوا عليه، فلمّا خاف على البلد بامتناعه أجابهم إلى ذلك، وانفرد بالتدبير وحفظ البلد.

فلمّا رأى القاسم ذلك سار في تلك البلاد، ثم إنه نزل بِشَريش، فزحف إليه يحيى بن أخيه عليّ، ومعه جمع من البربر، فحصروه ثم أخذوه أسيراً، فحبسه يحيى، فبقي في حبسه إلى أن تُوفِّي يحيى، وملك أخوه إدريس. فلمّا ملك قتله، وقيل: بل مات حتف أنفه، وحُمل إلى ابنه محمّد، وهو بالجزيرة الخضراء فدفنه. وكانت مدّة ولاية القاسم بقرطبة، مُذ تسمّى بالخلافة إلى أن أسره ابن أخيه، ستّة أعوام، وبقي محبوساً ستَّ عشرة سنة إلى أن قُتل سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. وكان له ثمانون سنة،

٩٨

وله من الوُلد محمد والحسن، أمّهما أميرة بنت الحسن بن القاسم (المعروف بقتّون) بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام))(١) .

رجوع قرطبة إلى بني أمية:

(ولمّا انهزم البربر والقاسم بن علي من أهل قُرطبة، اتّفق رأي أهل قُرطُبة على ردّ بني أميّة، فاختاروا عبد الرحمان بن هشام بن عبد الجبّار بن عبد الرحمان الناصر الأمويّ، فبايعوه بالخلافة ثالث عشر رمضان من سنة أربع عشرة وأربعمائة، وهو في سن اثنتين وعشرين سنة.

وتلقّب بالمستظهر بالله، فكانت ولايته شهراً واحداً وسبعة عشر يوماً وقُتل)(٢) .

ولاية محمد بن عبد الرحمن:

(لمّا قُتل المستظهر بايع الناس بقُرطُبة محمد بن عبد الرحمان بن عبيد الله بن الناصر في ذي القعدة سنة أربع عشرة وأربعمائة. وخطبوا له بالخلافة، ولقّبوه المستكفي بالله. ولم يكن حسن السيرة، ولم يمكث في ولايته إلا ستة عشر شهراً وأيّاماً قليلة، حتى ثار عليه أهل قرطبة في ربيع الأول سنة ست عشرة وأربعمائة، فخلعوه وخرج عن قرطبة ومات في ربيع الآخر من هذه السنة في أعمال سالم)(٣) .

عودة ولاية قُرطُبة إلى يحيى العلويّ:

لمّا مات أبو عبد الرحمان الأمويُّ محمد بن عبد الرحمان أعاد أهل قرطبة دعوة المعتلي بالله يحيى بن علي بن حمّود العلويّ. وكان بمالقة يخطب لنفسه بالخلافة، فكتبوا إليه وخاطبوه بالخلافة، وخطبوا له في رمضان سنة ستّ عشرة وأربعمائة. فأجابهم إلى ذلك وأرسل إليهم عبد

____________________

(١) الكامل لابن الأثير: م٩ ص٢٧٤ إلى ٢٧٦.

(٢) نفسه: م٩ ص٢٧٦.

(٣) نفسه: م٩ ص٢٧٧ - ٢٧٨.

٩٩

الرحمان بن عطّاف (اليفرني) والياً عليهم، ولم يحضر هو باختياره، فبقي عبد الرحمان فيها إلى محرم سنة سبع عشرة (وأربعمائة)، فسار إليه مجاهد وخيران العامريّان في ربيع الأوّل من هذه السنة، في جيش كبير، فلمّا قاربوا قرطبة ثار أهلها بعبد الرحمان فأخرجوه، وقتلوا الكثير من أصحابه ونجا الباقون.

وأقام خيران ومجاهد بها نحو شهر، ثم اختلفا، فخاف كل واحد منهما صاحبه. فعاد خيران عن قرطبة لسبع بقين من ربيع الآخر من السنة بنفسها إلى المريَّة، وبقي بها إلى سنة ثماني عشرة (وأربعمائة) وتُوفِّي، وقيل سنة تسع عشرة. وصارت المريّة بعده لصاحبه زهر العامريّ، فخالف (حَبّوس بن ماكسن) الصنهاجيّ البربريّ وأخوه على طاعة يحيى بن عليّ العلويّ، وبقي مجاهد مدّةً ثم سار إلى (دانية)، وقُطعت خطبة يحيى منها، وأُعيدت خطبة الأمويين.

وبقي يتردُّد عليها بالعساكر، واتّفق البربر على طاعته، وسلّموا إليه ما بأيديهم من الحصون والمدن. فقوي وعظم شأنه، وبقي كذلك مدة. ثم سار إلى قرمونة فأقام بها محاصراً لإشبيلية طامعاً في أخذها. فأتاه الخبر يوماً أنَّ خيلاً لأهل إشبيلية قد أخرجها القاضي أبو القاسم بن عبّاد إلى نواحي قرمونة، فركب إليهم ولقيهم وقد كمنوا له، فلم يكن بأسرع من أن قُتل، وذلك في المحرّم سنة سبع وعشرين وأربعمائة.

وخلّف من الولد الحسن وإدريس، وكان أسمر أعين أكحل، طويل الظهر، قصير الساقين، وقوراً هيّناً ليِّناً. وكان عمره اثنتين وأَربعين سنة، وأمّه بربريّة)(١) .

أخبار أولاد يحيى وأولاد أخيه وغيرهم:

ولمّا قُتل يحيى بن عليّ، رجع أبو جعفر أحمد بن أبي موسى المعروف بابن بقيّة ونجا الخادم الصقلبيُّ، وهما مدبّرا دولة العلويّين، فأتيا مالقة وهي دار مملكتهم، فخاطبا أخاه إدريس بن علي وكان له سبتة

____________________

(١) الكامل لابن الأثير: م٩ ص٢٧٨ - ٢٧٩.

١٠٠