حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)15%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204588 / تحميل: 8464
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

حياة الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام

دراسة وتحليل

الجزء الثاني

باقر شريف القرشي

منشورات سعيد بن جبير

٤

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ).

صدق الله العليّ العظيم

القرآن الكريم   

٦

٧

تقديم

(١)

في سيرة الإمام الرضاعليه‌السلام ملتقى أصيل للمثل العليا، والقيم الكريمة التي يعتز بها هذا الكائن الحي من بني الإنسان. ولعلّ الجانب الروحي من أظهر مميزاته وسماته، فقد انقطع إلى الله تعالى انقطاعاً كاملاً حتى تفاعل حبّه مع جميع ذاتياته وعناصره، وقد أثّرت روحانيته على الزاهد المعروف بـ‍ (معروف الكرخي ) الذي كان من أعبد أهل زمانه فقد كانت هدايته، ونكرانه لذاته، وانصرافه عن ملاذ حياته على يد الإمامعليه‌السلام ، فقد رأى صرحاً من القداسة والطهر فتكهرب به، وانجذب إليه، وسار على هديه في التجرّد عن الدنيا، والإقبال على الخالق العظيم.

(٢)

لقد كانت قيم الإمام العظيم مضرب المثل، في عصره، واستوعبت جميع لغات العصر، فقد شاعت مواهبه وعبقرياته، واحتفاف العلماء والرواة به، وهم ينتهلون من نمير علومه، ويسجّلون ما يفتي به، وما يدلي به من روائع الحكم والآداب... وقد تحدثت الأندية والمجالس عن روعة دفاعه عن الفكر الإسلامي؛ وذلك في مناظراته القيّمة، واحتجاجاته الصارمة على العلماء والفلاسفة من مختلف المذاهب والأديان، وقد خاض القسم الأوفر منها في البلاط العباسي في (خراسان )، وقد ذكرنا نماذج منها في الحلقة الأُولى من هذا الكتاب.

(٣)

ولم يعرف السلك الدبلوماسي في العصر الأموي والعباسي مثل المأمون في

٨

صياغته للمخططات السياسية، والتغلّب على مجريات الأحداث مهما كانت غامضة ومعقّدة، فقد أحاطت به أزمات خطيرة وحرجة جداً، كادت أن تقضي على حكومته، وتلفّ لواءها، وكان من أبرزها شيوع الفتن والثورات الشعبية في معظم أرجاء العالم الإسلامي التي سئمت من الحكم العباسي، بالإضافة إلى صراعه المسلّح مع أخيه الأمين، وقتله له، وقد تخلّص من هذه الأحداث بمهارة فائقة فأجبر الإمام الرضاعليه‌السلام على قبول ولاية العهد التي هي أسمى مركز في الدولة العباسية بعد الخلافة، وضرب السكّة الرسمية باسمه، وأخذت وسائل إعلامه تذيع بين المسلمين فضل المأمون وما أسداه من الإحسان إلى أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد رشّح سيّدهم وإمامهم لهذا المنصب الخطير، ونقل بذلك الخلافة من بني العباس إلى السادة العلويين الذين هم دعاة العدل الاجتماعي والعدل السياسي في الإسلام، وقد أُخمدت بهذه الخديعة نيران الحروب، وقضي على وسائل الفتن والتمرّد على حكومته.

(٤)

وكان الإمام الرضاعليه‌السلام على علم - لا يخامره شك - بنوايا المأمون وزيف ما أظهره من الولاء الكاذب للأُسرة العلوية، وأنّه يضمر له بالذات خلاف ما يظهره، وأنّه يبغي له الغوائل، ويكيده في غلس الليل وفي وضح النهار، فلم يشتركعليه‌السلام مع جهاز حكومته، ولم يبد أي نشاط أو تجاوب بأي عمل من أعمال الدولة، فقد تجرّد تجرّداً تامّاً عن جميع شؤونها، ولم يبق له سوى الاسم أنّه: ولي عهد المأمون. ويلقي هذا الكتاب الأضواء على هذه الجوانب، وما ألمّ بها من أحداث.

(٥)

وقد ألمحنا في تقديم الجزء إلى بحوث هذا الكتاب ومحتوياته بجزأيه، وإنّما كرّرنا ذكر بعضها في هذا التقديم نظراً لأهمّيتها، وبعد نظر القرّاء إليها، سائلين من الله تعالى أن يحشرنا يوم نلقاه في زمرة العارفين بفضل أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، اّنه تعالى وليّ القصد والتوفيق.

النجف الأشرف / المؤلِّف باقر شريف القرشي

٩

علل الأحكام وغيرها

وأجمعت العدلية من الشيعة والمعتزلة على أنّ كل حكم صادر من الشارع المقدّس لم يكن عفوياً مطلقاً، وإنّما كان منوطاً بمصلحة شاملة للفرد والمجتمع تعود عليهم بالخير العميم، سواء أكان ذلك الحكم واجباً أم مندوباً، وكذلك إذا كان الحكم محرّماً أم مكروهاً، فإنّه يشتمل على مفسدة ملزمة أو غير ملزمة تعود بالضرر الجسيم على الإنسان، وأنّ من المستحيل أن يصدر حكم من الشارع العظيم خالياً من المصالح أو فيه من المفاسد، فإنّ ذلك يستلزم الطعن في حكمة الشارع، كما يستلزم لغوية التشريع، وعدم فائدته. وخالفت في ذلك الأشاعرة فزعمت أنّ أحكام الشارع كلّها عفوية ومجرّدة عن الحكم والمصالح وهذا الرأي بادي الوهن يترتّب عليه كثير من اللوازم الفاسدة ذكرتها مصادر علم الكلام.

وعلى أي حال فقد أعلن الإمام الرضاعليه‌السلام عن ضرورة اشتمال الأحكام الشرعية على المصالح في جانب الواجبات والمفاسد في جهة المحرمات، وقد أدلى بذلك في تقديم أجوبته عن علل بعض الأحكام التي سأله عنها الفضل بن شاذان، قالعليه‌السلام : (إن سأل سائل هل يجوز أن يكلف الحكيم عبده فعلاً من الأفعال لغير علّة ولا معنى؟ قيل له: يجوز ذلك لأنّه حكيم غير عابث ولا جاهل. فإن قال قائل: فأخبرني لِم كلّف الخلق؟ قيل لعلل كثيرة. فإن قال فأخبرني عن تلك العلل

١٠

معروفة موجودة هي أم غير معروفة ولا موجودة قيل: بل هي معروفة موجودة عند أهلها(١) .

وعلى أي حال فقد شاعت في عصر الإمام تساؤلات كثيرة عن علل بعض البحوث الكلامية كما شاعت تساؤلات أخرى عن الحكمة في تشريع بعض الأحكام الشرعية، وهناك تساؤلات أخرى عن أحوال الأنبياء وشؤون الأمم الماضية، وقد عُرضت على الإمام الرضاعليه‌السلام فأجاب عنها وقد عرض عليه كوكبة منها محمد بن سنان كما سمع الفضل بن شاذان جملة منها من الإمامعليه‌السلام وفيما يلي عرض لها:

المسائل الكلامية:

أمّا المسائل الكلامية التي ذكر عللها الإمامعليه‌السلام فهي:

أ - الحكمة في أمر الخلق بالإقرار بالله:

وأدلى الإمامعليه‌السلام بالحكم الوثيقة التي من أجلها وجب على العباد الإقرار بالله تعالى، وبرسله وبما جاء من عنده، قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: لِم أمر الخلق بالإقرار بالله، وبرسوله، وحجّته وبما جاء من عند الله عزّ وجل؟...

وأجاب الإمام بما يلي:

قيل: لعلل كثيرة منها: إنّ مَن لم يقر بالله عزّ وجل ولم يجتنب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ولم يراقب أحداً فيما يشتهي، ويستلذ من الفساد والظلم، وإذا فعل الناس هذه الأشياء وارتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ووثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج والأموال وأباحوا الدماء والنساء وقتل بعضهم بعضاً من غير حق ولا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل.

ومنها: أنّ الله عزّ وجل حكيم ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلاّ الذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح ويزجر عن الظلم وينهى عن الفواحش، ولا يكون حظر الفساد والأمر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلاّ بعد الإقرار بالله عزّ وجل ومعرفة الآمر والناهي.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩٩.

١١

ولو ترك الناس بغير إقرار بالله عزّ وجل ولا معرفته لم يثبت أمر بصلاح ولا نهي عن فساد؛ إذ لا آمر ولا ناهي، ومنها إنّا وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنة مستورة فلولا الإقرار بالله وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحداً في ترك المعصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبيرة إذا كان فعله مستوراً عن الخلق غير مراقب لأحد فكان يكون في ذلك خلاف الخلق أجمعين فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلاّ بالإقرار منهم بعليم خبير يعلم السر وأخفى آمر بالصلاح ناه عن الفساد لا تخفى عليه خافية ليكون في ذلك انزجار لهم عمّا يخلون به من أنواع الفساد(١) .

إنّ أوثق عملية لاستئصال الجريمة وإقصائها عن الفرد والمجتمع، وتطهير الأرض من الذنوب والآثام، هو غرس الإيمان بالله تعالى في أعماق النفوس ودخائل القلوب والاعتقاد بأنّه تعالى بالمرصاد لكل مَن يقترف جريمة وإثماً في حق نفسه ومجتمعه، وأنّه سيعاقبه بأقسى ألوان العقاب عليها.

ومن الطبيعي أنّ الإنسان بمقتضى حبه لذاته، وسعيه لطلب الخير له، سوف يمتنع من اقتراف أي ذنب يؤدّي إلى هلاكه وشقائه.

لقد ازدادت الجرائم في هذه العصور وازدادت العمليات الإرهابية كقتل الأبرياء واختطاف الطائرات وما شابه ذلك من الجرائم والموبقات؛ وذلك مسبب عن ضعف الإيمان بالله وقلّة الوازع الديني في النفوس.

إنّ الإيمان بالله تعالى تبتنى عليه قوى الخير والسلام في الأرض، وأنّه أوثق طريق لإشاعة العدل والأمن والرخاء بين الناس، وبقلّة الإيمان وانعدامه ستزداد محنة الإنسان وشقاؤه وبلاؤه.

ب - بالإقرار لله بالوحدانية:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلِمَ أوجب عليهم الإقرار والمعرفة بأنّ الله واحد أحد؟.

قيل لعلل منها: أنّه لو لم يجب عليهم الإقرار والمعرفة لجاز أن يتوهّموا مدبرين أو أكثر من ذلك، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره؛ لأنّ كل

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٠.

١٢

إنسان منهم كان لا يدري لأنّه إنّما يعبد غير الذي خلقه ويطيع غير الذي أمره فلا يكونون على حقيقة من صانعهم وخالقهم، ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناهٍ إذا لا يعرف الآمر بعينه ولا الناهي من غيره.

ومنها أنّه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يُعبد ويُطاع من الآخر وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع الله، وفي إجازة أن لا يطاع الله كفر بالله وبجميع كتبه ورسله، وإثبات كل باطل وترك كل حق وتحليل كل حرام وتحريم كل حلال والدخول في كل معصية والخروج من كل طاعة.

وإباحة كل فساد وإبطال كل حق. ومنها أنّه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لإبليس أن يدعي أنّه ذلك الآخر حتى يضاد الله تعالى في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشد النفاق...(١) .

وحكى هذا المقطع ضرورة الإيمان بوحدانية الله تعالى واستحالة وجود شريك له، وقد أدلى الإمامعليه‌السلام بأدلته الرائعة على ذلك، وأنّه يلزم من وجود شريك لله تعالى اختلال النظام وفساد الكون وانعدام التوازن في هذه العوالم.

ج - الله ليس كمثله شيء:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أوجب عليهم الإقرار بالله بأنّه ليس كمثله شيء؟

قيل: لعلل منها: أن لا يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره غير مشتبه عليهم أمر ربّهم وصانعهم ورازقهم، ومنها أنّهم لو لا يعلموا أنّه ليس كمثله شيء لم يدروا لعلّ ربّهم وصانعهم هذه الأصنام التي نصبها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران، إذا كان جائزاً أن يكون عليهم مشتبه وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلها وارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها، ومنها: أنّه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن ليس كمثله شيء لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٢.

١٣

والتغيير والزوال والفناء والكذب والاعتداء ومَن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه، ولم يوثق بعدله ولم يحقق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية...)(١) .

ذكر الإمامعليه‌السلام في هذه المقطع العلل الوثيقة التي توجب على العباد الإيمان بأنّ الله تعالى ليس كمثله شيء ولا شبيه له؛ إذ لو كان له مثل لجرى عليه تعالى ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والفناء وغير ذلك وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية.

د - العلّة في تكليف العباد:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: لم أمر الله تعالى العباد ونهاهم؟

قيل: لأنّه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلاّ بالأمر، والنهي والمنع من الفساد والتغاصب...)(٢) .

أفاد الإمامعليه‌السلام أنّ العلّة في التكاليف الشرعية من الواجبات والمحرمات هي بقاء الإنسان واستمرار وجوده ففيهاً صلاحه والمحافظة على أمنه ومصالحه وسعادته وفي تركها شقاؤه وهلاكه.

ه‍ـ - العلّة في معرفة الرسل:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أوجب عليهم معرفة الرسل والإقرار بهم والإذعان لهم بالطاعة؟

قيل: لأنّه لما أن لم يكن في خلقهم وقواهم ما يكملون به مصالحهم وكان الصانع متعالياً عن أن يرى وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً لم يكن بد لهم من رسول بينه وبينهم معصوم يؤدي إليهم امره ونهيه وأدبه ويقفهم على ما يكون به اجترار منافعهم ومضارهم فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته، لم يكن لهم في مجيء الرسول منفعة ولا سد حاجة ولكان إتيانه عبثاً لغير منفعة ولا صلاح وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شيء...).

وحكى هذا المقطع الأسباب الموجبة لمعرفة الرسل والإقرار بنبوتهم وضرورة تصديقهم وإلاّ كانت معرفتهم عبثاً ولغواً.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٣

١٤

و - الحكمة في إطاعة أولي الأمر:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: لهم جعل أولي الامر وأمر بطاعتهم؟

قيل: لعلل كثيرة منها ان الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلاّ بأن يجعل فيه أميناً يمنعهم من التعدّي والدخول فيما حظر عليهم لأنّه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذّته ومنفعته لفساد غيره فجعل عليهم فيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام.

ومنها إنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلاّ بقيّم ورئيس ولما لا بد لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بد له منه ولا قوام إلاّ به فيقاتلون به عدوّهم ويقسمون فيئهم ويقيم لهم جمعهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم.

ومنها: أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملّة وذهب الدين، وغيّرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقص منه الملحدون وشبهوا ذلك على المسلمين؛ لأنّا وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم فلو لم يجعل لهم قيماً حافظاً لما جاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله لفسدوا على نحو ما بينا وغيرت الشرايع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين)(١) .

وتحدث الإمامعليه‌السلام في هذا المقطع عن ضرورة الإمامة، وأنّها عنصر أساس لإقامة الحياة الإسلامية وإقامة حدود الله تعالى وأحكامه وقد أقام الإمام على ذلك المزيد من العلل والأسباب.

ز - الإمامة من نسل النبي:

قالعليه‌السلام فإن قال قائل: فلم لا يجوز أن يكون الإمام من غير جنس الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قيل: لعلل منها أنّه لما كان الإمام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه ويتميّز بها من غيره وهي القرابة المشهورة والوصية الظاهرة ليعرف من

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٠ - ١٠١.

١٥

غيره ويهتدي إليه بعينه، ومنها أنّه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل إذ جعل أولاد الرسول أتباعاً لأولاد أعدائه كأبي جهل وابن أبي معيط؛ لأنّه قد يجوز بزعمهم أن ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصير أولاد الرسول تابعين وأولاد أعداء الله وأعداء رسوله متبوعين؛ فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره وأحق.

ومنها: أنّ الخلق إذا أقرّوا للرسول بالرسالة وأذعنوا بالطاعة لم يتكبر أحد منهم أن يتبع ولده ويطيع ذرّيّته، ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس وإذا كان ذلك في غير جنس الرسول كان كل واحد منهم في نفسه انهم أولى به من غيره ودخلهم من ذلك الكبر ولم تسخ أنفسهم بالطاعة لـمَن هو عندهم دونهم فكان ذلك داعية إلى الفساد والنفاق والاختلاف(١) .

لقد أقام الإمامعليه‌السلام هذه التعاليل الوثيقة على ضرورة كون الإمام من نسل النبي ومن ذرّيّته فإنّه أدعى لشمل الأمة وجمع الكلمة واجتنابها من ويلات التفرقة والاختلاف، كما حدث ذلك حينما أقصيت العترة الطاهرة عن مراكز الحكم والمسؤولية فاختلفت الأمة وشاعت فيها الأهواء وسادت فيها الفتن والعداوات وكان ذلك من أعظم ما مُنيت به الأمة من الكوارث والخطوب.

علل الأحكام الشرعية:

وأدلى الإمام الرضاعليه‌السلام بكثير من علل الأحكام الشرعية وأسباب تشريعها؛ وذلك فيما كتبه من أجوبة لأسئلة محمد بن سنان، وما نقله عنه الفضل بن شاذان، وتعتبر هذه البحوث من أروع البحوث وأكثرها فائدة؛ لأنّها تلقي الأضواء على الأسباب الوثيقة التي من أجلها قنّن الشارع العظيم أحكامه المقدسة وفيما يلي ذلك:

غسل الجنابة:

وتحدث الإمام عن الأسباب التي دعت الشارع إلى إلزامه بالغسل من الجنابة قالعليه‌السلام : (علّة غسل الجنابة: النظافة وتطهير الإنسان نفسه ممّا أصاب من أذاه

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٢.

١٦

وتطهير سائر جسده؛ لأنّ الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كلّه)(١) .

وبيّن الإمامعليه‌السلام الغايات السامية التي من أجلها شرع الإسلام غسل الجنابة وهي:

أ - النظافة:

وعني الإسلام عناية بالغة بالنظافة واعتبرها من الإيمان؛ لأنّها من أحدث الوسائل في الوقاية من الأمراض التي تنشأ معظمها من الأوساخ والقذارة، والغسل من أظهر وسائل الطهارة والنظافة للجسم.

ب - إعادة الحيوية للجسم:

إنّ الجنابة توجب نحول الجسم وذبوله والغسل يعيد للبدن نشاطه وحيويته وقد أكّدت ذلك البحوث الطبيّة الحديثة.

غسل العيدين والجمعة:

قالعليه‌السلام فيما أجاب به عن أسئلة محمد بن سنان: (وعلّة غسل العيدين والجمعة وغير ذلك من الأغسال لما فيه من تعظيم العبد ربّه، واستقباله الكريم الجليل وطلب المغفرة لذنوبه وليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله تعالى فجعل فيه الغسل تعظيما لذلك اليوم وتفضيلا له على سائر الأيام وزيادة في النوافل والعبادة، ولتكون تلك طهارة له من الجمعة إلى الجمعة(٢) ...).

ويستحب الغسل يوم عيد الأضحى وعيد الفطر ويوم الجمعة وغيرها من المناسبات الدينية كيوم (عيد الغدير ) وزيارة مراقد الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام وغير ذلك ممّا ذكره الفقهاء وقد عرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في تشريع الغسل في هذه الموارد وهي:

١ - تعظيم الإنسان لخالقه العظيم وطلب العفو والمغفرة منه تعالى.

٢ - تعظيم الأعياد وتحفيز المسلمين إلى الاجتماع والتآلف فيما بينهم.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٨.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٨ - ٨٩.

١٧

٣ - تفضيل تلك الأيام على غيرها من أيام السنة لوقوع هذه المناسبة العظيمة فيها.

٤ - زيادة العبادة وإحياء تلك الأيام بذكر الله تعالى.

٥ - وأمّا الغسل في يوم الجمعة فحكمته أن يكون البدن على طهارة ونظافة من الجمعة إلى الجمعة.

غسل الميت:

وعلّل الإمامعليه‌السلام وجوب غسل الميت بتعليلين:

الأول: قالعليه‌السلام :

وعلّة غسل الميت، أنّه يغسل لأنّه يطهر، وينظف من أدناس أمراضه وما أصابه من صنوف علله؛ لأنّه يلقى الملائكة ويباشر أهل الآخرة، فيستحب إذا ورد على الله، ولقي أهل الطهارة، ويماسونه ويماسهم أن يكون طاهراً نظيفاً موجهاً به إلى الله ليطلب به ويشفع له...

الثاني: قالعليه‌السلام : وعلّة أخرى أنّه يخرج منه المني الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له...(١) .

وعني الإسلام عناية بالغة بأموات المسلمين، وقد دعا المسلمين إلى تشييعهم ومواساة أهلهم بمصابهم، وأوجب على المسلمين وجوباً كفائياً تغسيلهم والصلاة عليهم ومواراتهم، وقد علّل الإمامعليه‌السلام لزوم تغسيلهم بما يلي:

أ - تطهير الميت من القذارة والجراثيم التي في جسمه من جرّاء مرضه؛ وذلك بغسله بماء السدر والكافور، وهما من معقمات البدن.

ب - إنّ الميت بعد تغسيله يكون طاهراً نظيفاً فإذا كان مؤمناً صافح الملائكة والمؤمنين من أهل الآخرة.

ج - إنّ آخر ما يخرج من الميت هو الحويمن الذي خلق منه، وبهذا يستحق الغسل، وقد أكّدت بعض النظريات الحديثة هذه الجهة وذهبت إلى أنّ الحويمن الذي تكوّن منه الإنسان يبقى حياً ومنه يبعث وينتشر يوم القيامة.

وعلى أيّ حال فإنّ أروع ما قُنّن للأموات من الأحكام هو ما قنّنه الإسلام

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٩.

١٨

لهم من التغسيل والمواراة في الأرض.

غسل مسّ الميت:

قالعليه‌السلام : وعلّة اغتسال من غسله أو مسّه فطهارة لما أصابه من نضح الميت؛ لأنّ الميت إذا خرجت الروح منه بقي أكثر آفته؛ فلذلك يتطهّر منه ويطهر(١) إذا لامس الإنسان الميت بعد برده وجب عليه الغسل وكذلك إذا غسله، وقد علّل الإمامعليه‌السلام وجوب الغسل بأنّ الإنسان بعد موته يكون كتلة من الجراثيم فيجب على مَن لامسه الغسل للتخلّص من الإصابة بها.

عدم وجوب الغسل للبول والغائط:

قالعليه‌السلام : وعلّة التخفيف في البول والغائط لأنّه أكثر وأدوم من الجنابة ففرض فيه بالوضوء لكثرته ومشقّته ومجيئه بغير إرادة منهم ولا شهوة والجنابة لا تكون إلاّ باستلذاذ منهم والإكراه لأنفسهم(٢) .

وعلّل الإمامعليه‌السلام عدم وجوب الغسل للبول والغائط واكتفى فيه بالطهارة للموضعين؛ لأنّ إيجاب الغسل فيه مشقّة شديدة وحرج لا يطاق فلذا رفعه الشارع.

الوضوء:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بالوضوء وبدئ به؟ قيل له: لأن يكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبّار وعند مناجاته له مطيعاً له فيما أمره نقياً من الأدناس والنجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتزكية للفؤاد بين يدي الجبّار(٣) .

علّل الإمامعليه‌السلام وجوب الوضوء بالمناحي الروحية وهي:

أ - إنّ الوضوء مقدّمة للصلاة وجوهر الصلاة هو الإقبال على الله خالق الكون وواهب الحياة، وعلى المصلّي أن يتخلّص من شواغل الحياة ويتجه بمشاعره

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٩.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ /.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ /.

١٩

وعواطفه نحو الله تعالى وكان الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا وقف للصلاة ترتعد فرائصه ويصفرّ لونه، وسُئل عن سبب ذلك فقال: إنّه واقف بين يدي ملك جبّار. فالوضوء مقدمة لهذه العبادة العظيمة وهو عبارة عن نظافة الجسم من الأقذار والأدناس وهذا ممّا يناسب عظمة الصلاة.

ب - إنّ الوضوء يطرد الكسل ويذهب النعاس ويهيئ المصلّي للصلاة بنشاط وحيوية.

ج - إنّ في الوضوء تزكية للفؤاد وطهارة للنفس؛ لأنّه مقدمة للوقوف بين يدي الله تعالى.

ويضاف لهذه الفوائد الروحية التي تفضّل بها الإمامعليه‌السلام فإنّ فيه فوائد صحيّة بالغة الأهمية، كان منها: أنّه يقي العيون من الإصابة بالرمد؛ لأنّها تغسل بالماء النظيف عدّة مرات في اليوم.

ومنها غسل الأنف بماء بارد وهو ممّا يقي من الإصابة بالزكام الذي هو مفتاح الأمراض.

ومنها أنّ غسل الوجه واليدين يقيهما من الإصابة بالأمراض الجلدية والالتهابات فقد ذكر في الطب الحديث أنّ كثيراً من (الميكروبات) تصيب الإنسان من طريق اختراق الجلد خصوصاً طفيليات الديدان، ولا شك أنّ الغسل المتكرر للمواضع المكشوفة من بدن الإنسان من أهم طرق الوقاية من الإصابة بها.

ومنها أنّ الجراثيم التي تدخل إلى الفم فإنّما هي من طريق تلويث الأيدي فإذا كانت الأيدي مغسولة نظيفة على الدوام كانت أحسن وقاية من الإصابة بتلك الجراثيم(١) .

أفعال الوضوء:

قالعليه‌السلام فإن قائل: فلم وجب الغسل على الوجه واليدين وجعل المسح على الرأس والرجلين ولم يجعل ذلك غسلاً كلّه أو مسحاً كلّه؟

قيل: لعلل شتّى منها: أنّ العبادة العظمى إنّما هي الركوع والسجود وإنّما

____________________

(١) الإسلام والطب الحديث (ص ٦٢ - ٦٣) للدكتور عبد العزيز.

٢٠

عن المران والممارسة؛ فما من خطيب إلاّ وكانت له البداية صعبة، غير أنّ هذه الصعوبة تزول بالممارسة والتدريب.

وينبغي أن نلفت انتباه الخطيب المبتدئ إلى مراعاته مراحل المران، والممارسة؛ فإنّ لها مراحلَ سنتكلم عنها في أبحاث قادمة إن شاء الله تعالى.

٢١

٢٢

الباب الثاني

إعداد الخطبة

1 - كيف نكتب الخطبة

2 - الإيجاد

3 - الأدلّة

4 - إثارة الأهواء والميول

5 - التفنيد

٢٣

كيف نكتب الخطبة

من أوّل الصعوبات التي تواجه الخطيب المبتدئ عدم معرفته للنحو الذي تكتب به الخطبة، علاوة على عدم معرفته اختيار موضوع مناسب لها.

ولتسهيل هذه المهمّة نتّبع الخطوات التالية:

أولاً: الإيجاد

يراد من ذلك إعمال الفكر لاستنباط الموضوع والوسائل التي من شأنها تقوية مضمون الموضوع واجتذاب إقناع السامع، وإثارة حماسه إلى ما يدعو إليه الخطيب.

إنّ عمل الخطيب أن يقدّم الحقائق، فعليه أن يكون عند تقديمها بحالٍ لا تمنع من قبول كلامه، بل يجب أن يكون بحالٍ تجذب الناس إليه، وتدفعهم إلى الإنصاف له وتقبّله بقبول حسن(1) .

أمّا كيف يختار موضوعه عند جولان فكرهِ؟!

ينبغي للخطيب أن يكون مثله مثل الطبيب بالنسبة إلى المريض، يشخّص المرض الواقعي، ويعالجه علاجاً واقعيّاً، وخلاف ذلك يكون سبباً لانصراف المريض عنه.

الخطيب كذلك، مهمّته إصلاح الفاسد من اُمور المسلمين، وتقوية الخير وتثبيته في نفوسهم، فينبغي أن يتوجّه في اختار موضوع خطبته إلى المشاكل الواقعيّة في حياة المسلمين المخاطبين؛ المشاكل الاجتماعيّة، العقائديّة، الأخلاقيّة وغيرها، يختار ذلك ويضع لها الحول الإسلاميّة؛ فإنّه إن فعل هذا

____________________

(1) المصدر نفسه / 24.

٢٤

كان داعياً إلى إقبال المخاطبين عليه.

ثانياً: الأدلّة

بعد أن وضع الخطيب تفكيره على الموضوع الواقعي فإنّه يلجأ إلى تنسيقه وترتيبه بإيجاد الشواهد والأدلّة المقويّة له، بحيث تكون هذه الوسائل باعثة على تقوية اعتقاد المخاطبين بالفكرة المطروحة في الخطبة، وهذه الوسائل التي يعبّر عنها (بالمواضيع) هي المصادر التي يمكن للخطيب أن يتّخذ منها ما يستدلّ به على دعواه، وتنقسم إلى قسمين:

أ - المواضع الذاتية

وهي الوسائل أو الأدلّة التي تكون من ذات الموضوع لا من شيء خارج عنه، وهي على أنواع:

1 - التعريف

يلجأ الخطيب إلى التعريف في حالات:

أ - لتحرير محلّ النزاع بين فريقين مختلفين في معرفة مفهوم الشيء.

ب - عند مدح شيء، أو ذمّه فيعرّفه بصفاته؛ كقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه»(1) .

____________________

(1) نهج البلاغة / الخطبة 57.

٢٥

ج - عندما يريد إيضاح أمر اُشكل فهمه على السامعين، فيعمد إلى تعريفه لتجتذب القلوب إليه، ويوضّح للسامعين ما أشكل عليهم أمره.

وطرق التعرف كثيرة، منها بيان أهم خواصه، كقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «والمتّقون هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع...».

أو بالاستعارات أو التشبيه، أو بيان أنواعه وأقسامه، كقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «الرزق رزقان؛ رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك...»(1) .

2 - المقابلة

هو أن يعقد الخطيب المقابلة بين شيئين ليبيّن الحقّ فيهما؛ فإنّ الأشياء تتميّز بأضدادها وتُعرف بنظائرها. فالمقابلة أمر معيّن للاستدلال الخطابي، وتعطي الكلام حلاوة ورونقاً، ويكون ذلك بأمرين:

أ - أن يذكر الخطيب الشيء ومقابله، ويذكر صفاتهما، ومن ذلك يتبيّن الحُسن منهما، كما في قول أمير المؤمنينعليه‌السلام للأشعث بن قيس في فضل الصبر: «إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت موزور».

ب - أن يبرهن على بطلان المقابل فيثبت الشيء المطلوب، كما فعل أمير المؤمنينعليه‌السلام عندما ناقشه الخوارج، واعترضوا عليه بإباحة أموال أهل الجمل دون النساء والذريّة، فقد قال: «إنّما أبحت لكم أموالهم

____________________

(1) الخطابة - اُصولها، تاريخها / 27.

٢٦

بدلاً عمّا كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومي عليهم.

والنساء والذريّة لم يقاتلونا، وكان لهم حكم الإسلام بحكم دار الإسلام، ولم يكن منهم ردّة عن الإسلام، ولا يجوز استرقاق من لم يكفر. وبعد، لو أبحت لكم النساء أيُّكم يأخذ عائشة في سهمه؟!». فخجل القوم(1) .

3 - التشابه وضرب الأمثال

يعمد إليهما الخطيب لتقريب الاُمور التي يدعو إليها من نفوس المخاطبين؛ ليأخذوها قضية مسلّمة لا يناقشون فيها، ولا ينظرون إليها نظرة فاحصة كاشفة؛ فيعقد صلة ومقارنة بين الفكرة الجديدة وبين الأمر المعروف عند المخاطبين والمقبول عندهم، فيقبلوا الجديد بقبول القديم، أو يلجأ إلى المقارنة بين الأمر الذي يدعو المخاطبين إليه والأمر الذي تسلّم به جماعات اُخرى(2) .

وينبغي الترفّع عن ضرب الأمثال العاميّة الساذجة.

____________________

(1) المصدر نفسه / 34.

(2) المصدر نفسه / 35.

٢٧

4 - العلّة والمعلول

التعليل روح الاستدلال، فالعلّة الباعثة على الفعل، والغاية المنشودة منه طريق للحكم عليه بأنّه خير أو شرّ، وبأنّه صحيح أو باطل، وبأنّه سائغ أو غير سائغ؛ لذلك يعمد الخطباء إلى ذكر الباعث على الأفعال، والدوافع إليها؛ ليتخذ منها سنداً في الحكم عليها(1) .

كقول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «... هَذَا أَخُو غَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الأَنْبَارَ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا.

وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ؛ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا، وَقَلائِدَهَا وَرُعُثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَالاسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ.

فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً. فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى؛ يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلا تُغِيرُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ، وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ!»(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 32.

(2) نهج البلاغة / الخطبة 27.

٢٨

5 - التعميم ثمّ التخصيص

هو أن يبتدئ الخطيب بقضيّة مسلّم بها، أو في منزلة المسلّم بها للتقرير، ثمّ يذكر بعض الجزئيات.

مثال ذلك قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة الوداع: «... وإنّ رِبا الجاهليّة موضوع، وإنّ أوّل رِباً أبدأ به رِبا عمّي العباس بن عبد المطلب، وإنّ دماء الجاهليّة موضوعة، وإنّ أوّل دمٍ أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب».

فتراهصلى‌الله‌عليه‌وآله يبتدئ بحكم عام، فيسقط الربا كلّه، ثمّ يخص رِبا العباس بالإسقاط، ليبيّن للناس إنّه يبتدأ بتنفيذ الأحكام على أقرب الناس إليه فيكون ذلك أسوة حسنة، وهكذا في الدماء(1) .

6 - التجزئة

وهذه مقابل للتعميم والتخصيص، وهي منهج خطابي يعمد إليه الخطيب عندما يريد المبالغة في إثبات الحكم، والحرص على تأكيده، وتقريره في نفوس السامعين.

فالتجزئة لا يعمد إليها إلاّ في مقام الإطناب، ولا يتّجه إليها الخطيب في مقام الإيجاز. ولها طريقان:

أ - أن تُتبع الجزئيات ليستنبط منها جميعاً حكماً واحداً.

ب - أن تُتبع الجزئيات ليخص واحداً من بينها بحكم؛ لزيادة

____________________

(1) المصدر نفسه / 31.

٢٩

التنبيه على خصائصه، وللحث على الأخذ به، أو التنفير منه(1) .

ب - المواضع العرضية

وهي مصادر خارجة عن ذات الموضوع؛ وذلك لأنّ المخاطب أحياناً لا يدرك ما في ذات الموضوع من خصائص ومزايا وثمرات، فيصعب عليه أن يقتنع بأدلّة تستمد قوّتها من تلك الخصائص، فيستعان على إقناعه باُمور خارجة عن ذات الموضوع.

وهذه الاُمور هي عند المخاطب صادقة، وهو لها مذعن؛ فيبيّن الخطيب أنّ تلك الاُمور تؤيده، وتحثّ على ما يدعو إليه، فيسلّم المخاطَب بما قدّم له من غير جدل، ويذعن لها من غير نقاش(2) .

وأكثر تلك المواضع قوةً وأثراً هي:

1 - الدين

وهو أكثر الاُمور سيطرة على القلوب، خصوصاً قلوب العامّة؛ فإنّه لهم المرشد الأمين، والمربي للوجدان، والموقظ للضمائر، والمسلّي لمَنْ نزلت بهم الهموم، والمتدينون لا يخضعون لشيء كما يخضعون لدينهم، ولا يصدعون إلاّ بحكمه.

فإذا أيّد الخطيب في جماعة متدينة قضاياه بالدين، وربط بينها وبين دينها بصلة أجابت الجماعة نداءه، ولبته في حماسة وقوة(3) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 29.

(2) المصدر نفسه / 39.

(3) المصدر نفسه / 39.

٣٠

2 - العادات

لكلّ جماعة من الناس عادات تسودها، وتسيطر عليها، وهي متمكّنة من نفوسها، ومستولية عليها. فإذا كان لعادات الجماعة هذه القوّة يجب على الخطيب أن يعتمد عليها في مقام التأثير، بأن يقرّب ما يدعو إليه بما يألفون من عادات، وما اصطلحوا عليه من عرف؛ ليسكنوا إلى الأمر، ويخضعوا له، ويطمئنوا إليه؛ لأنّ إقبال الناس يكون شديداً على الاُمور التي تكون من جنس ما يألفون(1) .

3 - أقوال النبي وأهل بيتهعليهم‌السلام

وذلك باب واسع له روعة وهزّة في النفوس؛ فإنّ المخاطَب يقبل أقوالهم بقوّة، مسلّماً لها من غير اعتراض. وهذه الأقوال تعطي للخطبة قوّة في تأييد المعنى المراد إيصاله إلى المخاطبين.

4 - حوادث التاريخ

تحتل الحوادث التاريخية مكاناً مهمّاً في قلوب المخاطبين، فهي فرصة للخطيب أن يدفع عن نفوسهم الملل والتضجّر. إضافة إلى هذا، فإنّها من المؤيّدات القويّة، والشواهد المساعدة على تثبيت المدّعى في قلوب السامعين؛ وذلك بتصوير المدّعى بأنّه أمرٌ واقعي، وليس ضرباً من المثالية والخيال، بأنّ له نظائرَ من الواقع بحدث تأريخي.

____________________

(1) المصدر نفسه / 40.

٣١

5 - المصادر والمواثيق

قد لا يكفي ذكر الشواهد والوسائل المؤيّدة فقط، بل تحتاج إلى ذكر المصادر التي استمد منها الخطيب ما نقله من المؤيّدات، ويكون ذلك خاصة إذا ما نقل من كتب ومصادر المخالفين، أو عند ذكر أمر لم يسبق للمخاطبين التعرّف عليه، وإنّه ممّا يثير في نفوسهم التساؤلات.

6 - الشعر

فهو علاوة على إمكانيّة الاستدلال به على تثبيت المدّعى وتقويته في نفوس السامعين، إنّه يفتح باباً عظيماً لانشراح صدورهم، ويزيل عنهم الملل والتعب، وينشّطهم على المواصلة والمتابعة لما يلقيه الخطيب.

٣٢

إثارة الأهواء والميول

مرمى الإقناع الخطابي ليس هو الإلزام والإفحام فقط، بل مرماه حمل المخاطَب على الإذعان والتسليم، وإثارة عاطفته، وجعله يتعصّب للفكرة التي يدعو لها الخطيب، ويتقدّم لفدائها بالنفس والنفيس عند الاقتضاء.

ولا يكون ذلك بالدلائل المنطقية لتساق جافة، ولا بالبراهين العقلية تقدّم عارية، بل بذلك وبإثارة العاطفة، ومخاطبة الوجدان، وإنّ الخطيب قد يستغني عن الدلائل العقلية، ولا يمكنه في أية حال الاستغناء عن المثيرات العاطفية، بل إنّ أكثر ما يعتمد عليه الخطيب في حمل السامعين على المراد منهم مخاطبة الوجدان، والتأثير في عواطفهم.

وهناك جملة من القواعد التي توصل إلى المراد من الخطبة مباشرة من غير وساطة(1) :

1 - البغض والمحبّة

إذا كان غرض الخطيب تأليف القلوب وجمعها على محبّة شخص، فيبيّن لهم:

أ - ما تحلّى به من السجايا، وما امتاز به من المواهب.

ب - إخلاصه وتواضعه، ولين جانبه في سلوكه مع الناس.

ج - بيان ما في الالتفاف حوله من خير.

أمّا إذا كان غرض الخطيب إثارة البغض على شخص، وإبعاد القلوب عنه، فيبيّن لهم:

____________________

(1) المصدر نفسه / 90.

٣٣

أ - ما طبع عليه من قبح الخصال، في لفظ نزيه وعبارات رفيعة لا تخدش الضمير الاجتماعي.

ب - بيان أعماله السيئة، وماضيه السيّئ.

ج - خبث سريرته، وعدم إخلاصه للجماعة.

د - بيان ما في الالتفاف حوله من عاقبة سيئة، وإعزاز للباطل، وإذلال للحقّ (1) .

2 - الرغبة والنفور

إذا كان غرض الخطيب إثارة الرغبة في أمر من الاُمور:

أ - أن يبيّن منافعه وثمرته التي تعود على الجماعة عند الأخذ به.

ب - تصوير الشيء بصورة تأخذ بالقلوب، وتستولي على الأفهام والعقول.

ج - كون الشيء قريب المتناول، وفي قدرة الناس.

د - بيان أنّ الأخذ به هو الرفعة إلى أسمى مراتب الإنسانيّة.

أمّا إثارة النفور من أمر:

أ - بيان المضار الناجمة عن ملابسته.

ب - تصوير الأمر بصورة تنفر منه النفوس.

ج - تحقيره وتحقير الآخذين به، وإنّهم من صغار الناس(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 90.

(2) المصدر نفسه / 91.

٣٤

3 - الفرح والحزن

- دواعي الفرح:

أ - كون الشيء له ثمرات عظيمة، وعاقبة حسنة.

ب - إنّه بعيد المنال، غير ميسور الحصول إلاّ بالجدّ والاجتهاد.

ج - الإشارة إلى شغف طائفة من الناس لطلبه، وإنّه المحبوب عندهم، والغاية المنشودة، والأمل المطلوب.

- وأمّا دواعي الحزن:

أ - ذكر المحنة وأثارها في النفس، وآلام وقعها.

ب - ذكر وقع المحنة في نفوس المؤمنين الصالحين والأولياء.

ج - بسط القول فيما أتى الله تعالى المفقود من مزايا وصفات أختص بها(1) .

4 - الأمل واليأس

الأمل: رغبة مستقبلية ولذّة مرجوّة، فمَنْ أراد أن يثيرها فعليه أن يتبع هذه الخطوات:

أ - بيان المزايا والثمرات في تلك الرغبة المرجوّة، وتصويرها بصورة كونها هي السعادة.

ب - إنّها سهلة التناول، قريبة من ذي الهمة.

ج - العمل والجدّ يخفيان المستحيل، ويكثران من الممكن، ويجعلان كلّ شيء في قدرة الإنسان إلاّ ما اختصّت به الأقدار، وعلا

____________________

(1) المصدر نفسه / 92.

٣٥

عن مغالبة الإنسان.

د - توجيه الناس إلى الاستعانة بالله تعالى، والثقة به، والاطمئنان إلى تأييده ونصرته.

أمّا في إثارة اليأس، وهو إذا رأى الخطيب إنّ الناس تمضي إلى شيء أشبه بالوهم، فهو مضطر أن يلقي في نفوسهم القنوط من هذه الناحية:

أ - أن يبيّن لهم إنّ سبيل المجد هو ما كان عمليّاً، لا ما كان خيالياً، وإنّ التمسك بما هم آخذون به أقرب إلى الخيال، وليحذر أن يكون في ذلك مصادمة لإحساسهم، بل يمهّد لهم بأنّ ما يعتقدون به إنّه مشاركهم في آمالهم، وإنّ إحساسه من إحساسهم، ثمّ يعقّب بعدة استثناءات حتّى يستدرجهم إلى ما يريد، ويأخذهم إلى ما ينبغي.

ب - أن يبيّن لهم المخاطر والمشاقّ التي تكتنف مَنْ يبغي تلك المطالب ويسعى إليها.

ج - ضرب الأمثال بمَنْ جهدوا أنفسهم ولم يصلوا إلى مبتغاهم، ولم ينالوا أملهم، مع انصرافهم عن العمل المجدي النافع؛ وعليه أن يوجّه الناس إلى العمل المنتج المثمر(1) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 96.

٣٦

5 - الغضب والخوف

إذا أراد الخطيب إثارة الحماسة والنخوة، والإباء والحميّة وغيرها على الدين، أو العرض أو غيره؛ فهو يعمد إلى إثارة الغضب ليوقظ تلك السجايا من نومتها، وينبهها من غفلتها.

والطريق لذلك:

أ - أن يذكر الإهانة، ويعظمها، ويصوّرها في صورة مذكية للحفائظ، مثيرة للهمم.

ب - أن يذكر العار الذي يلحق الاُمّة إن لم تتحضّر لدفع تلك الإهانة بالذود عن حماها، والذبّ عن حياضها.

ج - أن يذكر الأمثال بذكر الأشباه والنظائر، ويجعل لهم الأحرار من الناس مثلاً يُحتذى به، وذوي الهمم اُسوة يُقتدى بها(1) .

مثال ذلك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أَيُّهَا الْقَوْمُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، الْمُبْتَلَى بِهِمْ أُمَرَاؤُهُمْ، صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللَّهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ! لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ؛ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ»(2) .

أمّا الخوف، وهو فيما إذا كانت الاُمّة في انحراف عن الجادّة فيلقي في نفوسهم

____________________

(1) المصدر نفسه / 100.

(2) نهج البلاغة / الخطبة 95.

٣٧

الرعب ليستقيموا، ويسلكوا سبيل الصواب.

أ - أن يبيّن لهم سوء العاقبة لما يفعلون، وأنّ الطامة الكبرى في طريقهم غير القويم.

ب - أن يبيّن لهم بأنّ فوات كثير من رغباتهم وطلباتهم من استمرارهم على غيهم، وأنّ الحرمان هو النتيجة الأولى لسلوكهم.

ج - أن ينيط عقاباً خاصاً يقع بالمستمر على غيّه الموغل في إثمه، وقد يقع التخويف بسوء العاقبة يوم القيامة(1) .

6 - الرحمة

لغرض إثارة بواعث الرحمة في نفوس السامعين، واستدرار عطفهم على طائفة من الطوائف أو شخص من الأشخاص، أو تحريك هممهم لعمل إنساني جليل فيه المواساة للآخرين يتبع:

أ - أن يذكر بأنّ الجميع أفراداً وجماعات مُعرَّضة للمصاب.

ب - كون بني الإنسان كالجسد الواحد.

ج - مَنْ لا يَرحم لا يُرحم.

د - أن يصوّر الحادثة تصويراً يثير الرغبة في المعاونة.

ﻫ - تصوير الداعي للرحمة في قوله، وعلامات وجهه، ونفحات صوته، وحركاته وإشاراته(2) .

____________________

(1) الخطابة - اُصولها، تاريخها / 101.

(2) المصدر نفسه / 103.

٣٨

التفنيد

يحتاج الخطيب في بعض الأحيان إلى تفنيد وإبطال ما يدّعيه المخالفون وأهل العناد والغي؛ فالتفنيد مقام خطير لا يناله إلاّ مَنْ اُوتي حظّ عظيم من البديهية، والعلم الغزير، والاستيلاء على أساليب القول. فالتفنيد هو إزالة تأثير حجج الخصم من نفوس السامعين.

وللتفنيد طريقان:

أ - أن يتصدّى لنقض براهين الخصم قبل استعراضها؛ وذلك بأن يفنّد كلّ ما يتصوّره دليلاً لخصمه، ويفرض كلّ الفروض ثمّ يهدمها فرضاً فرضاً حتّى لا يبقى أمر ثابت سوى دعواه، ويعمد إلى هذا بعد أن يشبع السامعين بدلائل إيجابيّة على صدق دعواه؛ ليكون التعقيب قطعاً لطريق الإثبات على الخصم، ومهاجمة له في صميم استدلاله.

ب - أن يعرض أدلّة الخصم، ثمّ يبيّن ما فيها من غلط وتلبيس، ويبطل ما يتّجه إليه من نظر(1) .

أوجه الردّ على الخصم:

أ - إبطال مقدّمة دليل خصمه.

ب - إقامة دليل على نقيض دعواه، والموازنة بين الدليلين، وإثبات أنّ دليله أقوم حجّة، وأسدّ منهجاً.

ج - المنع وعدم التسليم ببيان أن لا دليل على ما يقول(2) .

____________________

(1) المصدر نفسه / 127.

(2) المصدر نفسه / 129.

٣٩

فائدة

أ - إذا أراد الخطيب استخدام التفنيد فعليه ألاّ يفاجئ السامعين بالتصريح بما يعتقده كلّه، بل يشككهم فيما يعتقدون وفيما يفعلون، أو يصرّح لهم ببعض ما تتّجه براهينه حتّى إذا آنس منهم رشداً، وأدرك منهم ميلاً خاطبهم بكلّ ما في نفسه، وقد يكتفي ببيان ذلك القدر إن لم تكن النفوس قد تهيّأت، والعقول قد استيقظت لإدراكه كلّه(1) .

ب - أن لا يصرّح الخطيب باسم صاحب الرأي المخالف، خاصّة إذا كان له أتباع من الحاضرين والسامعين؛ فإنّ التصريح به علاوة على أنّه يغلق كلّ سبيل يؤدّي إلى إقناعهم وكسب موقفهم، فإنّه يهيّج روح التعصّب عندهم، ويؤزّم موقفهم على الخطيب، ويؤجّج روح العداوة في قلوبهم.

فالأفضل بالخطيب أن يقرع حجّة الخصم بالحجّة، ويبيّن للمخالفين مواضع الضعف في معتقداتهم وأفعالهم من غير إثارة أسماء وألقاب تتفاعل معها نفوسهم.

____________________

(1) المصدر نفسه / 121.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375