حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)15%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205125 / تحميل: 8475
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

لهم: ورب هذه البنية لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف. ثم أتى إلى صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتى قطعها ثلاثة أفهار(١) ثم قال: يا محمد سألتني من أنت؟ ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

أنت النبي محمد

قرم أعز مسـود

إلى آخر ما مر في (ص ٣٣٦) ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فأشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى عبد الله بن الزبعرى السهمي الشاعر، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتى أدماها. ثم امر بالفرث والدم فأمر على رؤوس الملأ كلهم ثم قال: يا بن أخ أرضيت؟ ثم قال: سألتني من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله، ثم نسبه إلى آدم عليه السلام ثم قال: أنت والله أشرفهم حسباً، وأرفعهم منصباً، يا معشر قريش من شاء منكم أن يتحرك فليفعل؛ أنا الذي تعرفوني(٢) .

رواه(٣) السيد ابن معد في الحجة (ص ١٠٦)، وذكر لدة هذه القضية الصفوري في نزهة المجلس (٢ / ١٢٢) وفي طبع (ص ٩١)، وابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق بهامش المستطرف (ص ٢ / ٣) نقلاً عن كتاب الأعلام للقرطبي.

١٣ - ذكر ابن فياض في كتابه شرح الأخبار: أن علياً عليه السلام قال في حديث له: إن أبا طالب هجم على وعلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن ساجدان فقال: أفعلتماها؟ ثم خذ بيدي فقال: انظر كيف تنصره وجعل يرغبني في ذلك ويخصني عليه. الحديث.

راجع ضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف الفتوني.

____________

(١) ثلاثة أفهار: ثلاث قطع منها تملأ الكف. (المؤلف)

(٢) راجع ما أسلفناه: ص ٣٥٩، ويأتي في الجزء الثامن في الآيات ما يؤيد هذه القصة. (المؤلف)

(٣) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣٤٦، نزهة المجالس: ٢ / ٩١، ثمرات الأوراق: ص ٢٨٥.

٨١

١٤ - روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قيل له: من كان آخر الأوصياء قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: «أبي». ضياء العالمين للفتوني.

١٥ - عن الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين بن علي عليه السلام أنه سئل عن أبي طالب أكان مؤمناً فقال عليه السلام: «نعم». فقيل له: إن هاهنا قوماً يزعمون أنه كافر. فقال عليه السلام: «واعجباً كل العجب أيطعنون على أبي طالب و على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وقد نهاه الله تعالى أن يقر مؤمنة مع كافر في غير آية من القرآن، ولا يشك أحد أن فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها من المؤمنات السابقات، فإنها لم تزل تحت أبي طالب حتى مات أبو طالب رضي الله عنه».

راجع(١) : ما مر (ص ٣٨٠)، وكتاب الحجة (ص ٢٤)، والدرجات الرفيعة، ضياء العالمين فقال: قيل: إنها متواترة عندنا.

١٦ - عن أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: سيدي إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه. فقال عليه السلام: «كذبوا والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم». إلى آخر ما مر (ص ٣٨٠). رواه(٢) السيد في كتاب الحجة (ص ١٨) من طريق شيخ الطائفة عن الصدوق، والسيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة، والفتوني في ضياء العالمين.

وروى السيد ابن معد في كتاب الحجة (ص ٢٧) من طريق آخر عن الإمام الباقر عليه السلام إنه قال: مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً. إلى آخره.

١٧ - عن الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال: «إن مثل أبي

____________

(١) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٢٣، الدرجات الرفيعة: ص ٥٠.

(٢) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٨٥، الدرجات الرفيعة: ص ٤٩.

٨٢

طالب مثل أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين».

راجع(١) : الافي لثقة الإسلام الكليني (ص ٢٤٤)، أمالي الصدوق (ص ٣٦٦)، روضة الواعظين (ص ١٢١)، كتاب الحجة (ص ١١٥)، وفي (ص ١٧) ولفظه من طريق الحسين بن أحمد المالكي:

قال عبد الرحمن بن كثير: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ان الناس يزعمون أن أبا طلب في ضحضاح من نار. فقال: «كذبوا، ما بهذا نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم»، قلت: وبما نزل؟ قال: «أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف اسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله تعالى بالجنة، ثم قال كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرائيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب؟».

وذكره(٢) العلامة المجلسي في البحار (٩ / ٢٤) والسيد في الدرجات الرفيعة، والفتوني في ضياء العالمين، وروى شيخنا أبو الفتوح الرازي هذا الحديث في تفسيره (٤ / ٢١٢).

١٨ - أخرج ثقة الإسلم الكليني في الكافي(٣) (ص ٢٤٤)؛ بالإسناد عن إسحاق بن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: قيل له: إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً، فقال: «كذبوا، كيف وهو يقول:

____________

(١) أصول الكافي: ١ / ٤٤٨، أمالي الصدوق: ٤٩٢، روضة الواعظين: ١ / ١٣٩، الحجة علىالذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣٦٢، ص ٨٣.

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ٧٢، الدرجات الرفيعة: ص ٤٩ تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧٤.

(٣) أصول الكافي: ١ / ٤٤٨.

٨٣

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبياً كموسى خط في أول الكتب

وذكره غير واحد من ائمة الحديث في تآليفهم رضوان الله عليهم أجميعين.

١٩ - أخرج ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي(١) (٢٤٤)، عن الإمام الطادق قال «كيف يكون أبو طالب كافراً وهو يقول:

لقـد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعبا بقيــل الأباطل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمـة للأرامل

وذكره السيد في البرهان(٢) (٣ / ٧٩٥)، وكذلك غير واحد من أعلام الطائفة أخذاً عن الكليني.

٢٠ - روى شيخنا أبو علي الفتال في روضة الواعظين(٣) (ص ١٢١) عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما حضر أبا طالب رضي الله عنه الوفاة جمع وجوه قريش فوصاهم فقال: يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه، وقلب العرب، وأنتم خزنة الله في أرضه وأهل حرمه، فيكم السيد المطاع، الطويل الذراع، وفيكم المقدام الشجاع، الواسع الباع، إعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المفاخر نصيباً إلا حزتموه، ولاشرفاً لا أورثتموه فلكم على الناس بذلك الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب إلى آخر مر في (ص ٣٦٦) من مواقف سيدنا أبي طالب المشكورة المروية من طرق أهل السنة، وذكر هذه الوصية شيخنا العلامة المجلسي في البحار(٤) (٩ / ٢٣).

٢١ - حدث شيخنا أبو جعفر الصدوق في إكمال الدين(٥) (ص ١٠٣)، بالإسناد

____________

(١) أصول الكافي: ١ / ٤٤٩.

(٢) تفسير البرهان: ٣ / ٢٣١.

(٣) روضة لواعظين: ١ / ١٣٩.

(٤) بحار الأنوار: ٣٥ / ١٠٦.

(٥) إكمال الدين ١ / ١٧٤.

٨٤

عن محمد بن مروان عن الإمام الصادق عليه السلام «إن أبا طالب أظهر الكفر وأسر الإيمان، فلما حضرته الوفاة أوحى الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخرج منها فليس لك بها ناصر. فهاجر الى المدينة».

وذكره سيدنا الشريف المرتضى في الفصول المختارة(١) (ص ٨٠) فقال: هذا يبرهن عن إيمانه لتحقيقه بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقوية أمره.

وذيل الحديث رواه السيد الحجة ابن معد في كتابه الحجة(٢) (ص ٣٠) وقال في (ص ١٠٣): لما قبض أبو طالب اتفق المسلمون على أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: ربك يقرئك السلام ويقول لك: ان قومك قد عولوا على أن يبيتوك وقد مات ناصرك فاخرج عنهم. وأمره بالمهاجرة. فتأمل إضافة الله تعالى أبا طالب رحمه الله إلى النبي علية السلام وشهادته له أنه ناصره، فإن في ذلك لأبي طالب أوفى فخر وأعظم منزلة، وقريش رضيت من أبي طالب بكونه مخالطاً لهم مع ما سمعوا من شعره وتوحيده وتصديقه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يمكنهم قتله والمنابذة له لأن قومه من بني هاشم وإخوانهم من بني المطلب بن عبد مناف وأحلافهم ومواليهم وأتباعهم، كافرهم ومؤمنهم كانوا معه، ولو كان نابذ قومه لكانوا عليه كافة، ولذلك قال أبو لهب لما سمع قريشاً يتحدثون في شأنه ويفيضون في أمره: دعوا عنكم هذا الشيخ فإنه مغرم بابن أخيه، والله لا يقتل محمد حتى يقتل أبو طالب، ولا يقتل أبو طالب حتى تقتل بنو هاشم كافة، ولا تقتل بنو هاشم حتى تقتل بنو عبد مناف، ولا تقتل بنو عبد مناف حتى تقتل أهل البطحاء؛ فأمسكوا عنه وإلا ملنا معه. فخاف القوم أن يفعل فكفوا. فلما بلغت أبا طالب مقالته طمع في نصرته فقال يستعطفه ويرققه:

عجبت لحلم يا بن شيبة حادثٍ

وأحلام أقوامٍ لديك ضعاف

____________

(١) القصول المختارة: ص ٢٢٩.

(٢) الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب: ص ٨٤ن ص ٣٤١.

٨٥

إلى آخر أبيات ذكرها أبن أبي الحديد في شرحه(١) ( ٣ / ٣٠٧) مع زيادة خمسة أبيات لم يذكرها السيد في الحجة. وذكرها ابن الشجري في حماسته (ص ١٦).

فقال السيد: فلما أبطأ عنه ما أراد منه قال يستعطفه أيضاً:

وإن امراً من قومه ابو معتب

لفي منعة من أن يسام المظالما

أقول لـه وأين منه نصيحتي

أبا معتب(٢) ثبت سوادك قائما

إلى بيات خمسة. وقد ذكرها ابن هشام في سيرته(٣) (١ / ٣٩٤) مع زيادة أربعة بيات، غير ان البيت الأول فيه:

وإن امــراً أبو عتيبة عمه

لفي روضة ما إن يسام المظالما

وذكرها(٤) ابن أبي الحديد في الشرح (٣ / ٣٠٧)؛ وابن كثير في تاريخه (٣ / ٩٣).

٢٢ - عن يونس بن نباتة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «يا يونس ما يقول الناس في أبي طالب؟» قلت: جعلت فداك يقولون: هو في ضحضاح من نار يغلي منها أم رأسه فقال: « كذب أعداء الله، إن أبا طالب من رفقاء النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا».

كنز الفوائد لشيخنا الكراجكي (ص ٨٠)، كتاب الحجة (ص ١٧)، ضياء العالمين.

٢٣ - روى الشريف الحجة ابن معد في كتابه الحجة(٥) (ص ٢٢) من طريق

____________

(١) شرح نهج البلاغة ١٤ / ٥٧ كتاب ٩ الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣٤٢.

(٢) يعني أبا لهب. (الؤلف)

(٣) السيرة النبوية: ٢ / ١٠.

(٤) شرح نهج البلاغة: ١٤ / ٥٧ كتاب ٩، البداية والنهاية: ٣ / ١١٦.

(٥) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٠٤.

٨٦

شيخنا أبي جعفر الصدوق عن دواد الرقي قال: دخلت على ابي عبد الله عليه السلام ولي على رجل دين وقد خفت تواه(١) فشكوت ذلك إليه فقال عليه السلام: إذا مررت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافاً وصل عنه ركعتين، وطف عن أبي طالب طوافا وصل عنه ركعتين وطف عن عبد الله طوافا وصل عنه ركعتين وطف عن آمنة طوافاً وصل عنها ركعتين، وعن فاطمة بنت أسد طوافاً وصل عنها ركعتين. ثم ادع الله عز وجل أن يرد عليك مالك. قال: ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا فإذا غريمي واقف يقول: يا داود جئني هناك فاقبض حقك.

وذكره العلامة المجلسي في البحار(٢) (٩ / ٢٤).

٢٤ - أخرج ثقة الإسلام الكليني في الكافي(٣) (ص ٢٤٤)؛ بالإسناد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السجد الحرام وعليه ثياب له جدد فألقى المشركون عليه سلا(٤) ناقة فملؤوا ثيابه بها فدخله من ذلك ما شاء الله، فذهب إلى أبي طالب فقال له: «يا عم، كيف ترى حسبي فيكم؟» فقال له: وما ذاك يابن أخي؟ فأخبره الخبر، فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السيف وقال لحمزة: خذ السلا ثم توجه إلى القوم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معه. فأتى قريشاً وهم حول الكعبة. فلما رأوه عرفوا الشر في وجهة ثم قال لحمزة: أمر السلا على أسبلتهم(٥) ففعل ذلك حى أتى على آخرهم ثم التفت أبو طالب إلى النبي فقال: يا بن أخي هذا حسبك فينا.

وذكره جمع من الأعلام وأئمة الحديث في تآليفهم.

____________

(١) التوى: الخسارة والضياع.

(٢) بحار الأنوار: ٣٥ / ١٢٢.

(٣) أصول الكافي: ١ / ٤٤٩.

(٤) السلا: الجلدة التي يكون فيها الولد.

(٥) وفي بعض النسخ: سبالهم جمع السبلة: مقدمة اللحية وما على الشارب من الشعر. (المؤلف)

٨٧

٢٥ - أخرج أبو الفرج الأصبهاني؛ بإسناده عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يعجبه أن يروى شعر أبي طالب عليه السلام وأن يدون وقال: تعلموه وعلموه أولادكم فإنه على دين الله وفيه علم كثير».

كتاب الحجة (ص ٢٥)، بحار الأنوار (٩ / ٢٤)، ضياء العالمين للفتوني(١) .

٢٦ - روى شيخنا الصدوق في أماليه(٢) (ص ٣٠٤)، بالإسناد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «أول جماعة كانت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب معه، إذ مر أبو طالب به وجعفر معه قال: يا بني صل جناح ابن عمك، فلما أحسه رسول الله تقدمهما، وانصرف ابو طالب مسروراً وهو يقول:

إن علياً وجعفراً ثقتي

عند ملم الزمان والكرب

إلى آخر أبيات مرت صحيفة (٣٥٦) وتأتي في (ص٣٩٧)، والحديث رواه الشيخ أبو الفتوح في تفسيره(٣) (٤ / ٢١١).

٢٧ - أخرج ثقة الإسلام الكليني في الكافي(٤) (ص ٢٤٢)، بإسناده عن درست بن أبي منصور؛ أنه سأل أبا الحسن الأول - الإمام الكاظم - عليه السلام: أكان رسول الله صلى الله عليه وآله سلم محجوجاً بأبي طالب؟ فقال: «لا، ولكنه كان مستودعاً للوصايا فدفعها إليه»، فقال: قلت: فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به؟ فقال: «لو كان محجوجاً به ما دفع إليه الوصية»، قال: قلت: فما كان حال أبي طالب؟ قال: «أقر بالنبي وبما جاء ودفع إليه الوصايا ومات من يومه».

____________

(١) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٣٠، بحار الأنوار: ٣٥ / ١١٥.

(٢) أمالي الصدوق: ص ٤١٠.

(٣) تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧٢.

(٤) أصول الكافي: ١ / ٤٤٥.

٨٨

قال الأميني: هذه مرتبة فوق مرتبة الايمان، فإنها مشفوعة بما سبق عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام تثبت لأبي طالب مرتبة الوصاية والحجية في وقته فضلاً عن بسيط الايمان، وقد بلغ ذلك من الثبوت إلى حد ظن السئل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان محجوجاً به قبل بعثته، فنفى الإمام عليه السلام ذلك، وأثبت ما ثبت له من الوصاية وأنه كان خاضعاً للابراهيمية الحنيفية، ثم رضخ للمحمدية البيضاء، فسلم الوصايا للصادع بها، وقد سبق إيمانه بالولاية العلوية الناهض بها ولده البار صلوات الله وسلامة عليه.

٢٨ - أخرج شيخنا أبو الفتح الكراجكي(١) (ص ٨٠)؛ بإسناده عن بن بن محمد، قال: كتبت إلى الإمام الرضا علي بن موسي الرضا عليهما السلام: جعلت فداك. إلى آخر ما مر في (ص ٣٨١)(٢) .

وذكره(٣) السيد في كتاب الحجة (ص ١٦)، والسيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار (ص ٣٣)، وشيخنا الفتوني في ضياء العالمين.

٢٩ - روى شيخنا المفسر الكبير بو الفتوح في تفسيره(٤) (٤ / ٢١١)؛ عن الإمام الرضا سلام الله عليه، وقال: روى عن آبائه بعدة طرق: أن نقش خاتم أبي طالب عليه السلام كان: رضيت بالله رباً، وبابن أخي محمد نبياً، وبابني علي له وصياً.

ورواه(٥) : السيد الشيرازي في الدرجات الرفيعة، والإشكوري في محبوب القلوب.

____________

(١) كنز الفوائد: ١ / ١٨٢.

(٢) مر ذكره هناك باسم أبان بن محمود كما في شرح ابن أبي الحديد، وفي كنز الفوائد: أبان بن محمد.

(٣) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٧٦، الدرجات الرفيعة: ص ٥٠، بحار الأنوار: ٣٥ / ١١٠.

(٤) تفسير أبي الفتوح: ٨ / ٤٧١.

(٥) الدرجات الرفيعة: ص ٦٠، محبوب القلوب: ٢ / ٣١٩.

٨٩

٣٠ - أخرج الشيخ ابو جعفر الصدوق بإسناد له: أن عبد العظيم بن عبد الله العلوي الحسني المدفون بالري كان مريضاً فكتب إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام عرفني يا بن رسول الله عن الخبر المروي أن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه. فكتب إليه الرضا عليه السلام:

«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإنك إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار».

كتاب الحجة(١) (ص ١٦)، ضياء العلمين لأبي الحسن الشريف.

٣١ - أخرج شيخنا الفقيه أبو جعفر الصدوق، بالإسناد عن الإمام الحسن بن علي العسكري، عن آبائه عليهم السلام في حديث طويل: «إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم إني قد أيدتك بشيعتين: شيعة تنصرك سراً، وشيعة تنصرك علانية فأما التي تنصرك سرا فسيدهم وأفضلهم عمك أبو طالب، وأما التي تنصرك علانية فسيدهم وأفضلهم ابنه علي بن أبي طالب. ثم قال: وإن أبا طالب كؤمن آل فرعون يكتم إيمانه».

كتب الحجة(٢) (ص ١١٥): ضياء العالمين لأبي الحسن الشريف.

٣٢ - أخرج شيخنا الصدوق في أماليه(٣) (ص ٣٦٥) من طريق الأعمش عن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: قال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يابن أخي الله أرسلك؟ قال: «نعم». قال: فأرني آية. قال ادع لي تلك الشجرة. فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم أنصرفت، فقال أبو طالب: أشهد أنك صادق، يا علي صل جناح ابن عمك.

____________

(١) الحجة علىالذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٨٢.

(٢) المصدر السابق: ص ٣٦٢.

(٣) أمالي الصدوق: ص ٤٩١.

٩٠

ورواه أبو عي الفتال في روضة الواعظين(١) (ص ١٢١)، ورواه السيد ابن معد في الحجة(٢) (ص ٢٥) ولفظه: قال أبو طالب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمحضر من قريش ليريهم فضله: يا بن أخي الله أرسلك؟ قال: نعم. قال: إن للأنبياء معجزاً وخرق عادة فأرنا آية قال: «ادع تلك الشجرة وقل لها: يقول لك محمد بن عبد الله: أقبلي بإذن الله». فدعاها فأقبلت حتى سجدت بين يديه ثم أمرها بالانصراف فانصرفت، فقال أبو طالب: أشهد أنك صادق. ثم قال لابنه علي عليه السلام: يا بني الزم ابن عمك.

وذكره غير واحد من أعلام الطائفة.

٣٣ - أخرج أبو جعفر الصدوق قدس الله سره في الأمالي(٣) (ص ٣٦٦) بإسناده عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه سأله رجل فقال له: يا بن عم رسول الله أخبرني عن أبي طالب هل كان مسلماً؟ قال: وكيف لم يكن مسلماً وهو القائل:

وقد علموا أن ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعبا بقيل الأ باطل

إن أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف حين أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين.

ورواه السيد ابن معد في الحجة(٤) (ص ٩٤، ١١٥)، وذكره غير واحد من أئمة الحديث.

٣٤ - أخرج شيخنا أبو علي الفتال النيسابوري في روضة الواعظين(٥)

____________

(١) روضة الواعظين: ١ / ١٣٩.

(٢) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ١٢٨.

(٣) أمالي الصدوق: ص ٤٩١.

(٤) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٣١٩ - ٣٢٢.

(٥) روضة الواعظين: ١ / ١٤٠.

٩١

(ص ١٢٣) عن ابن عباس قال: مر أبو طالب ومعه جعفر ابنه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد الحرام يصلي صلاة الظهر وعلي عليه السلام عن يمينه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح ابن عمك، فتقدم جعفر وتأخر علي واصطفا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قضى الصلاة، وفي ذلك يقول أبو طالب:

إن علياً وجعفـــراً ثقتي

عند ملم الزمــان و النوب(١)

أجعلهمـا عرضة العداء إذا

أترك ميتاً وأنتمي إلى حسبي

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي من بينهــم وأبي

واللــه لا أخذل النبي ولا

يخذله من بنــي ذو حسب(٢)

وأخرج سيدنا ابن معد في كتاب بالحجة(٣) (ص ٥٩)، بإسناده عن عمران بن الحصين الخزاعي قال: كان والله إسلام جعفر بأمر أبيه، ولذلك: مر أبو طالب ومعه ابنه جعفر برسول الله وهو يصلي وعلي عليه السلام عن يمينه، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح اين عملك فجاء جعفر فصلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قضى صلاته قال له النبي صلىالله عليه وآله وسلم: «يا جعفر وصلت جناح ابن عمك، إن الله يعوضك من ذلك جناحين تطير بهما في الجنة». فأنشأ أبو طالب رضوان الله عليه يقول:

إن عليا ً وجعفـــراً ثقتي

عند ملــم الزمان والنوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي مـن بينهم وأبي

إن أبا معتب قــد أسلمنا

ليس أبـو معتب بذي حدب(٤)

والله لا أخذل النبــي ولا

يخذله من بنــي ذو حسب

____________

(١) وفي نسخة: عند احتدام الهموم والكرب. (المؤلف)

(٢) راجع فيما أسلفناه: ص ٣٩٤. (المؤلف)

(٣) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٢٤٩.

(٤) أبو معتب كنية أبي لهب كما مر. ذي حدب: ذي تعطف. (المؤلف)

٩٢

حتى ترون الرؤوس طائحة

منـا ومنكــم هناك بالقضب

نحــن وهذا النبي أسرته

نضرب عنـه الأعداء كالشهب

إن نلتمــوه بكل جمعكم

فنحن فــي الناس ألأم العرب

ورواه شيخنا أبو الفتح الكرجكي(١) بطريق آخر عن أبي ضوء بن صلصال قال: كنت أنصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي طالب قبل إسلامي، فإني يوماً لجالس بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيظ إذ خرج أبو طالب إلي شبيهاً بالملهوف، فقال لي: يا أبي الغضنفر هل رأيت هذين الغلامين؟ يعني النبي وعلياً عليهما السلام فقلت: ما رأيتهما مذ جلست، فقال: قم بنا في الطلب لهما فلست آمن قريشاً أن تكون اغتالتهما، قال: فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترقيناه إلى قلته، فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان، فقال أبو طالب لجعفر ابنه وكان معنا: صل جناح ابن عمك. فقام إلى جنب علي فأحس بهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتقدمهما وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه، ثم أقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم نبعث يقول الابيات.

٣٥ - عن عكرمة عن أبن عباس قال: أخبرني أبي أن أبا طالب رضي الله عنه شهد عند الموت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ضياء العالمين.

٣٦ - في تفسير وكيع(٢) من طريق أبي ذر الغفاري؛ أنه قال: والله الذي لا إله إلا هو ما مات أبو طالب رضي الله عنه حتى أسلم بلسان الحبشة، قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أتفقه الحبشة؟ قال: يا عم إن الله علمني جميع الكلام. قال: يا محمد اسدن لمصاقا قاطا لاها يعني أشهد مخلصاً لا إله إلا الله، فبكى رسول الله صلى الله علي وآله وسلم وقال: إن الله أقر

____________

(١) كنز الفوائد: ١ / ١٨١.

(٢) هو وكيع بن الجراح الرؤاسي، توفي سنة ١٩٧هـ كان حافظاً للحديث، له عدة تصانيف، منها تفسير القرآن، والمعرفة، والتاريخ.

٩٣

عيني بأبي طالب. ضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف.

أحب سيد الأبطح الشهادة بلغة الحبشة في موقفه هذا بعد ما أكثرها بلغة الضاد وبغيرها، كما فصل القول فيها شيخنا الحجة أبو الحسن الشريف الفتوني المتوفى (١١٣٨) في كتابه القيم الضخم ضياء العالمين، وهو أثمن كتاب ألف في الإمامة.

٣٧ - روى شيخنا أبو الحسن قطب الدين الراوندي في كتابه الخرائج والجرائح(١) عن فاطمة بنت أسد أنها قالت: لما توفي عبد المطلب أخذ أبو طالب النبي صلى الله عليه وأله وسلم عنده لوصية أبيه به، وكنت أخدمه، وكان في بستان دارنا نخلات، وكان أول إدراك الرطب، وكنت كل يوم ألتقط له حفنة من الرطب فما فوقها وكذلك جاريتي، فاتفق يوماً أن نسيت أن التقط له شيئاً ونسيت جارتي أيضاً، وكان محمد نائماً ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب وانصرفوا، فنمت ووضعت الكم على وجهي حياءً من محمد صلى الله علية وآله وسلم إذاانتبه، فانتبه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ودخل البستان فلم ير رطبةً على وجه الأرض فأشار إلى نخلة وقال: أيتها الشجرة أنا جائع. فرأيت النخلة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب حتى أكل منها ما أراد ثم ارتفعت إلى موضعها، فتعجبت من ذلك وكان أبو طالب رضي الله عنه غائبا فلما أتى وقرع الباب عدوت إليه حافية وفتحت الباب وحكيت له ما رأيت فقال هو: إنما يكون نبياً وأنت تلدين له وزيراً بعد يأس. فولدت علياً عليه السلام كما قال.

٣٨ - روى شيخنا الفقيه الأكبر ابن بابويه الصدوق في أمامليه(٢) (ص ١٥٨)، بالإسناد عن أبي طالب سلام الله عليه قال: قال عبد المطلب: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز وجمتي تضرب منكبي، فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير، فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي، فقالت: ما شأن

____________

(١) الخرائج والجرائح: ١ / ١٣٨.

(٢) أمالي الصدوق: ص ٢١٦.

٩٤

سيد العرب متغير اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر ريب؟ فقلت لها: بلى إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة قد نبتت عل ظهري قد نال رأسها السماء وضربت بأعضانها الشرق والغرب، ورأيت نوراً يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفاً، ورأيت العرب والنجم ساجدة لها، وهي كل يوم تزداد عظماً ونوراً، ورأيت رهطاً من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا أخذهم شاب من أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثيابا فيأخذهم شاب من أحسن الناس وجهاً وأنظفهم ثياباً فيأخذهم ويكسر ظهورهم ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لأتناول غصناً من أغصانها فصاح بي الشاب وقال: مهلاً ليس لك منها نصيب، فقلت: لمن النصيب والشجرة مني؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها وسيعود إليها، فانتبهت مذعوراً فزعاً متغير اللون، فرأيت لون الكاهنة قد تغير ثم قالت: لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب وينبأ في الناس. فتسرى عني غمي، فانظر أبا طالب لعلك تكون أنت، وكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج ويقول: كانت الشجرة والله أب القاسم الأمين.

٣٩ - قال السيد الحجة في كتابه الحجة(١) (ص ٦٨): ذكر الشريف النسابة العلوي العمري المعروف بالموضح، بإسناده: أن أبا طالب لما مات لم تكن نزلت الصلاة على الموتى، فما صلى النبي عليه ولا على خديجة، وإنما اجتازت جنازة أبي طالب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وجعفر وحمزة جلوس، فقاموا وشيعوا جنازته واستغفروا له فقال قوم: نحن نستغفر لمو تانا وأقاربنا المشركين أيضاً ظناً منهم أن أبا طالب مات مشركاً لأنه كان يكتم إيمانه، فنفى الله عن أبي طالب الشرك ونزه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والثلاثة المذكورين عليهم السلام عن الخطأ في قوله:( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ ) (٢) ، فمن قال بكفر أبي طالب فقد حكم على النبي

____________

(١) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٢٦٨.

(٢) التوبة: ١١٣.

٩٥

بالخطأ والله تعالى قد نزهه عنه في أقواله وأفعاله. إلى آخره.

وأخرج أبو الفرج الأصبهاني؛ بالإسناد عن محمد بن حميد قال: حدثني أبي قال: سئل أبو الجهم بن حذيفة: أصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبي طالب؟ فقال: وأين الصلاة يومئذ؟ إنما فرضت الصلاة بعد موته، ولقد حزن عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر علياً بالقيام بمره وحضر جنازته، وشهد له العباس وأبو بكر بالإيمان وأشهد على صدقهما لأنه كان يكتم إيمانه ولو عاش إلى ظهور الإسلام لأظهر إيمانه.

٤٠ - عن مقاتل: لما رأت قريش يعلو أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: لا نرى محمداً يزداد إلا كبراً وإن هو إلا ساحر أو مجنون، فتعاقدوا لئن مات أبو طالب رضي الله عنه ليجمعن كلها عن قتله فبلغ ذلك ابا طالب فجمع بني هاشم واحلافهم من قريش فوصاهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ابن أخي كل ما يقول أخبرنا بذلك آباؤنا وعلماؤنا، وإن محمدا نبي صادق، وأمين ناطق، وأن شأنه أعظم شأن، ومكانه من ربه أعلى مكان، فأجيبوا دعوته واجتمعوا على نصرته، وراموا عدوه من وراء حوضته، فإنه الشرف الباقي لكم طول الدهر، ثم أنشأ يقول:

أوصي بنصر النبي الخير مشهده

علياً أبني وعم الخيـــر عباسا

وحمـزة الأسد المخشي صولته

وجعفراً أن يذودا دونـــه الناسا

وهاشماً كلهــا أوصي بنصرته

أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا(١)

كونوا فداءً لكـم أمي وما ولدت

من دون أحمد عند الروع أتـراسا

بكل أبيض مصقـول ٍ عوارضه

تخاله في سواد الليل مقباســـا(٢)

قال الأميني هذه جملة مما أوقفنا السير عليه من أحاديث رواة الحق والحقيقة وصفحنا عما يربو على الأربعين روماً للاختصار، فأنت ذا أضفت إليها ما أسلفناه مما

____________

(١) أمراس: جمع مرس، وهو الحبل.

(٢) ضياء العالمين لشيخنا الفتوني. (المؤلف)

٩٦

يروى عن آل أبي طالب وذويه، وأشفعتها بما مر من أحاديث مواقف سيد الأباطح، وجمعتها مع ما جاء من الشهادات الصريحة في شعره تربو الأدلة على إيمانه الخالص وإسلامه القويم على مائة دليل، فهل من مساغ لذي مسكة أن يصفح عن هذه كلها؟ وكل واحد منها يحق أن يستند له في إسلام أي أحد، نعم، إن في أبي طالب سراً لا يثبت إيمانه بألف دليل، وإيمان غيره يثبت بقيل مجهول ودعوى مجردة! إقرأ واحكم.

وقد فصل القول في هذه الأدلة جمع من أعلام الطائفة؛ كشيخنا العلامة الحجة المجلسي في بحار لأنوار(١) (٩ / ١٤ - ٣٣)، وشيخنا العلم القدوة أبي الحسن الشريف الفتوني في الجزء الثاني من كتابه القيم الضخم ضياء العالمين - والكتاب موجود عندنا - وهو أحسن ما كتب في الموضوع، كما أن ما ألفه السيد البرزنجي ولخصه السيد أحمد زيني دحلان أحسن ما ألف في الموضوع بقلم أعلام أهل السنة، وأفرد ذلك بالتأليف آخرون منهم:

١ - سعد بن عبد الله أبو القاسم الأشعري القمي: المتوفى (٢٩٩، ٣٠١)، له كتاب فضل أبي طالب وعبد المطلب وعبد الله أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. رجال النجاشي(٢) (ص ١٢٦).

٢ - أبو علي الكوفي أحمد بن محمد بن عمار: المتوفى (٣٤٦)، له كتاب إيمان أبي طالب كما في فهرست الشيخ (ص ٢٩)، ورجال النجاشي(٣) (ص ٧٠).

٣ - أبو محمد سهل بن أحمد بن عبد الله الديباجي، سمع منه التلعكبري سنة (٣٧٠) له كتاب إيمان أبي طالب، ذكره النجاشي في فهرسته(٤) (ص ١٣٣).

____________

(١) بحار الأنوار: ٣٥ / ٧٤ - ١٣١.

(٢) رجال النجاشي: ص ١٧٧ رقم ٤٦٧.

(٣) المصدر السابق: ص ٩٥ رقم ٢٣٦.

(٤) المصدر السابق: ص ١٨٦ رقم ٤٩٣.

٩٧

٤ - أبو نعيم علي بن حمزة البصري التميمي اللغوي: المتوفى (٣٧٥)، له كتاب إيمان أبي طالب، توجد نسخته عند شيخنا الحجة ميرزا محمد الطهراني(١) في سامراء المشرفة، نقل عنه بعض فصوله الحافظ ابن حجر في الإصابة(٢) في ترجمة أبي طالب واتهم مؤلفه بالرفض.

٥ - أبو سعيد محمد بن أحمد بن الحسين الخزاعي النيسابوري جد المفسر الكبير الشيخ أبي الفتوح الخزاعي لأمه، له كتاب منى الطالب في إيمان أبي طالب. رواه الشيخ منتجب الدين كما في فهرسته(٣) (ص ١٠) عن سبطه الشيخ أبي الفتوح عن ابيه عنه.

٦ - أبو الحسن علي بن بلال بن أبي معاوية المهلبي الأزدي، له كتاب البيان عن خيرة الرحمن في إيمان ابي طالب وآباء النبي صلى الله عليه وآاله وسلم، ذكره له الشيخ في فهرسته (ص ٩٦) والنجاشي(٤) (ص ١٨٨).

٧ - أحمد بن القاسم، له كتاب إيمان أبي طالب، رآه النجاشي كما في فهرسته(٥) (ص ٦٩) بخط الحسين بن عبيد لله الغضائري.

٨ - أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن طرخان الكندي الجرجاني صديق النجاشي: المتوفى (٤٥٠)، ذكر له النجاشي في فهرسته(٦) (ص ٦٣) كتاب إيمان أبي طالب.

____________

(١) توفي قدس الله سره وأبقى له آثاراً ومآثر تذكر مع الأبد وتشكر. (المؤلف)

(٢) الإصابة: ٤ / ١١٥ - ١١٩ رقم ٦٨٥.

(٣) فهرس منتجب الدين: ص ١٥٧.

(٤) رجال النجاشي: ص ٢٦٥ رقم ٦٩٠.

(٥) المصدر السابق: ص ٩٥ رقم ٢٣٤.

(٦) المصدر السابق: ص ٨٧ رقم ٢١٠ وقيه: الجرجراني.

٩٨

٩ - شيخنا الأكبر أبو عبد اللله المفيد محمد بن النعمان: المتوفى (٤١٣) له كتاب إيمان أبي طالب، كما في فهرست النجاشي(١) (ص ٢٨٤).

١٠ - أبو علي شمس الدين السيد فخار بن معد الموسوي: المتوفى (٦٣٠)، له كتاب الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب، قرظه العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم بقوله:

بشراك فخار بما أولا

ك الخالق في يوم المحشر

نـزهت بحجتك الغرا

شيخ البطحاء أبا حيــدر

عما نسبوه إليه من الـ

ـكفر المردود دعاة الشر

أنـى وبه قام الإسلام

م فنال بعلياه المفخـــر

قسماً بولاء أبي حسنٍ

لولاه الدين لما أزهــر

فعليه من الله الرضوا

ن وللعـــدا نارٌ تسعر

١١ - سيدنا الحجة أبو الفضائل أحمد بن طاووس الحسيني: المتوفى (٦٧٣)، له كتاب إيمان أبي طالب، ذكره في كتابه بناء المقالة العلوية لنقض الرسالة العثمانية، وهو كتاب في الإمامة ألفه في الرد على رسالة أبي عثمان الجاحظ.

١٢ - السيد الحسين الطباطبائي اليزدي الحائري الشهير بالواعظ: المتوفى (١٣٠٦)، له كتاب بغية الطالب في إيمان أبي طالب، فارسي مطبوع.

١٣ - المفتي الشريف السيد محمد عباس التستري الهندي: المتوفى (١٣٠٦)، له كتاب بغية الطالب في إيمان أبي طالب، أحد شعراء الغدير، تأتي ترجمته في القرن الرابع عشر إ ن شاء الله تعالى.

١٤ - شمس العلماء ميرزا محمد حسين الكركاني، له كتاب مقصد الطالب في

____________

(١) رجال النجاشي: ص ٣٩٩ رقم ١٠٦٧.

٩٩

إيمان آباء النبي وعمه أبي طالب، فارسي طبع في بمبي سنة (١٣١١).

١٥ - الشيخ محمد علي بن ميرزا جعفر علي الفصيح الهندي نزيل مكة المعظمة، له كتاب القول الواجب في إيمان أبي طالب.

١٦ - شيخنا الحجة الحاج ميرزا محسن ابن العلامة الحجة ميرزا محمد التبريزي(١) .

١٧ - السيد محمد علي آل شرف الدين العاملي(٢) ، له كتاب شيخ الأبطح و أبو طالب، طبع في بغداد سنة (١٣٤٩) في (٩٦) صفحة وقد جمع فيه فأوعى، ولم يبق في القوس منزعاً.

١٨ - الشيخ ميرزا نجم الدين ابن شيخنا الحجة ميرزا محمد الطهراني، له كتاب الشهاب الثاقب لرجم مكفر أبي طالب.

١٩ - الشيخ جعفر بن الحاج محمد النقدي المرحوم، له كتاب مواهب الواهب في فضائل أبي طالب، طبع في النجف الأشرف سنة (١٣٤١ في (١٥٤) صفحة، فيه فوائد جمة وطرائف ونوادر.

وقد نظم ذلك كثيرون من أعاظم الشيعة في قريضهم، ومما يسعنا إثباته هاهنا قول السيد أبي محمد عبد الله بن حمزة الحسني الزيدي من قصيدة:

حماه أبونا أبـــــو طالب

وأسلم والناس لــم تسلــــم

وقــــد كــان يكتم إيمانه

وأما الولاء فلــــم يكتــــم

____________

(١) له كتاب إيمان أبي طالب وأحوله وأشعاره. راجع الذريعة الى تصانيف الشيعة: ٢ / ٥١٣ رقم ٢٠١٥.

(٢) انتقل إلى دار البقاء سنة ١٣٧٢ وأبقى لهفةً وجوىً في قلوب أمة كبيرة كانت تعرفه بفضائله وفواضله. (المؤلف)

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

في عهد الرشيد والأمين والمأمون

عاصر الإمام الرضاعليه‌السلام ثلاثة من ملوك العباسيين: وهم هارون الرشيد، والأمين والمأمون، وفي عهد الرشيد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى مرير؛ وذلك لما اتخذه هارون من إجراءات صارمة وقاسية ضد السادة العلويين عامة، وضد أبيه الإمام الكاظمعليه‌السلام ، كما تحدثنا عنه في فصول هذا الكتاب، ونتحدث - بإيجاز - عن هؤلاء الملوك، وعن مواقفهم مع الإمام الرضاعليه‌السلام .

هارون الرشيد:

وهو من أشهر ملوك بني العباس، فقد انتشر اسمه، وذاع ذكره في الشرق والغرب، واستوسقت له الدنيا، وزها له الملك، وأصبحت عاصمته بغداد عروس الشرق، وامتد حكمه وسلطانه على أغلب أنحاء الأرض، وهو القائل للسحاب: إنّما تمطرين ففي ملكي. وقد ذعنت له ملوك الأرض، وصغرت أمام سلطانه، ونعرض إلى بعض ملامح شخصيته، وهي:

٢٠١

أ - القسوة:

أمّا القسوة فكانت من عناصره ومقوّماته، وكان فيما يقول المؤرّخون جبّاراً سفّاكاً للدماء على نمط ملوك الشرق المستبدين، حسبما يقول الأمير شكيب أرسلان(١) .

وكان من قسوته البالغة فتكه بالسادة العلويين، وتنكيله بهم فقد صبّ عليهم وابلاً من العذاب الأليم لم يألفوه إلاّ في عهد جدّه الطاغية السفّاك المنصور الدوانيقي، وقد عرضنا إلى ما لاقوه في عهده من الضر والمحن والبلاء.

ب - الحقد:

ومن عناصر شخصية الرشيد أنّه كان حقوداً على ذوي الأحساب العريقة والشخصيات اللامعة التي تتمتع بمكانة مرموقة في الأوساط الاجتماعية، وقد حقد على سيد المسلمين الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام ، فأودعه في ظلمات السجون ثم اغتاله بالسم، وذلك لما للإمام من منزلة عظمي في نفوس المسلمين وهكذا كان حاقداً على كل من ذاع اسمه، وانتشر فضله بين الناس، فقد نكب البرامكة فقتل أعلامهم، وصادر أملاكهم، وتركهم بأقصى مكان من الذلّ والهوان؛ وذلك لما لهم من مكانة عند الناس، فكانت الشعراء تلهج بذكرهم وتذيع جودهم وسخاءهم فغاظه ذلك، وورم أنفه فأنزل بهم عقابه الصارم.

لقد كان الحقد من مقومات شخصية هارون، وعنصراً بارزاً من عناصره.

التحلّل:

ولم يملك هارون أي رصيد من التقوى والإيمان، فكان متحلّلاً منساباً وراء شهواته وملاذه، وكان من مظاهر تحلّله ما يلي:

أ - شربه للخمر:

كان هارون مدمناً على شرب الخمر، وربما كان يتولى بنفسه سقاية ندمائه، وكانت أخته علية تصنع له الخمر الجيد، وتبعثه إليه، وقد ذكرنا عرضا مفصلاً لإدمانه على الخمر، وعكوفه على شربها في كتابنا حياة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام .

____________________

(١) حياة الإمام الرضا (ص ١١٩).

٢٠٢

ب - ولعه بالغناء:

ونشأ هارون بين أحضان المغنيات والمطربات، وقد اجتمع في قصره عدد كبير من العازفات والمغنيات، فكان في قصره ثلاثمائة جارية من الحسان يعزفن ويغنين(١) ، وقد جعل المغنين طبقات ومراتب، فكان إبراهيم الموصلي وابن جامع وزلزل الضارب في الطبقة الأولى، وكان زلزل يضرب على العود، ويغني الموصلي وابن جامع، والطبقة الثانية: إسحاق وسليم بن سلام وعمرو بن الغزال، والطبقة الثالثة: أصحاب المعازف والطنابر(٢) .

وهام بحب ثلاث مغنيات من جواريه هن: غادر، وماردة، وهيلانة، وخنث وقال فيهن الشعر ومن قوله:

ملك الثلاث الآنسات عناني

وحللن من قلبي أعزّ مكاني

مالي تطاوعني البرية كلها

وأطيعهن وهن في عصيانِ

ما ذاك إلاّ أنّ سلطان الهوى

وبه غلبن أعزّ من سلطاني(٣)

وقد عرضنا بصورة مفصّلة إلى هذه الظاهرة من حياة الرشيد في كتابنا(حياة الإمام موسى بن جعفر) .

ج - لعبه بالنرد:

ومن تحلّل هارون وعدم مبالاته باقتراف الحرام لعبه بالنرد(٤) وهو من أنواع القمار، وقد لعب مرّة مع إسحاق الموصلي بالنرد، وقد قامره على الخلعة التي عليها فغلبه إسحاق، فقام وخلع ما عليه من ثياب فامتنع الرشيد من لبسها وقال له: ويلك أنا البس ثيابك؟ فقال إسحاق: أي والله إذا أنصفت، وإذا لم تنصف قدرت وأمكنك، قال: ويلك أو أفتدي منك؟ قال نعم: قال الرشيد: وما الفداء؟ قال إسحاق: قل: أنت يا أمير المؤمنين فإنّك أولى بالقوّة، فقال: أعطيك كل ما علي، قال إسحاق: فمر به يا أمير المؤمنين فدعا بغير ما عليه من الثياب، ونزع ما كان عليه

____________________

(١) التمدن الإسلامي ٥ / ١١٨.

(٢) التاج (ص ٤٠ - ٤٢).

(٣) تزيين الأسواق، فوات الوفيات ٤ / ٢٢٥.

(٤) حياة الإمام موسى بن جعفر ٢ / ٧٠.

٢٠٣

فدفعه إلى إبراهيم(١) وكان يعلب بالشطرنج إذا سافر في دجلة(٢) .

هذه بعض الأعمال التي أثرت عن هارون، وقد دلّت - بوضوح - على تحلّله وعدم تمسّكه بتعاليم الدين الحنيف.

لقد أسرف هارون في الشهوات، وصار بلاطه مسرحاً لجميع ألوان الدعارة والمجون، فلا يكاد يخلو من حفلات الرقص والغناء وشرب الخمور، ولم يعد حكمه بأي حال من الأحوال يمثّل أي جانب من جوانب الحكم الإسلامي.

مع الإمام الرضا:

وحينما اغتال هارون الإمام الرضاعليه‌السلام بعث عصابة من رجال الأمن للاطلاع على شؤون الإمام الرضاعليه‌السلام ومعرفة اتجاهاته وميوله.

وشعر الإمامعليه‌السلام بذلك فأراد التخلّص من هارون فمضى إلى السوق والأمن يتابعه فاشترىعليه‌السلام ديكاً وكلباً وشاة، ورفع رجال الأمن ذلك إلى هارون فلمّا عرف ذلك استراح من جانب الإمام، وعرف أنّه ليس أهلاً لأن يقوم بأي حركة ضده، وأمر رجال أمنه بالتوجّه إلى بغداد.

وانبرى الإمامعليه‌السلام إلى نشر أحكام الله وتعاليم الإسلام، وإيضاح جوانب الإمامة، وفزع بعض أعلام شيعته وخافوا بأنّه لا يصيبه أي مكروه من

هارون، وأنّه لا يخاف جانبه(٣) بعد الذي صنعه من شراء الديك والكلب والكبش، وكان ممّن خاف على الإمام وحذرّه من بطش هارون هم:

١ - صفوان بن يحيى:

قال صفوان: لـمّا مضى أبو إبراهيمعليه‌السلام وتكلّم أبو الحسن الرضا خفنا عليه، فقيل له: إنّك قد أظهرت أمراً عظيماً، وإنّا نخاف عليك هذا الطاغية - يعني هارون - فقالعليه‌السلام : ليجهد جهده فلا سبيل له علي(٤) .

٢ - محمد بن سنان:

قال محمد بن سنان: قلت لأبي الحسن الرضا في أيام هارون، إنّك قد شهرت

____________________

(١) الأغاني ٥ / ٦٩ - ٧٠.

(٢) الأغاني ٩ / ٦٤.

(٣) البحار ١٢ / ٣٢.

(٤) أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٩٧.

٢٠٤

نفسك بهذا الأمر - أي إظهار الإمامة - وجلست مجلس أبيك، وسيف هارون يقطر من دمائكم!

فقالعليه‌السلام : جرأني على هذا ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن أخذ أبو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا أنّي لست بنبي وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي شعرة فاشهدوا أنّي لست بإمام(١) .

وشاية عيسى بن جعفر بالإمام:

وانبرى عيسى بن جعفر نحو هارون حينما توجّه من (الرقة) إلى (مكة) فقال له: (أذكر يمينك التي حلفت بها في آل أبي طالب، فإنك حلفت إن ادعى أحد بعد موسى الإمامة ضربت عنقه صبراً، وهذا علي ابنه يدعي الأمر - أي الإمامة - ويقال فيه، ما في أبيه...).

فلم يحفل هارون بكلامه، ونظر إليه وقال له: (وما ترى؟ أتريد أن أقتلهم كلّهم؟).

وكان في المجلس موسى بن مهران فبادر إلى الإمام الرضاعليه‌السلام فأخبره بالأمر، فقالعليه‌السلام : (مالي ولهم لا يقدرون إلي على شيء)(٢) .

وشاية يحيى بالإمام:

وممّن وشى بالإمام يحيى البرمكي، فقد قال لهارون: هذا علي الرضا بن موسى قد تقدم، وادعى الأمر لنفسه، فلم يحفل به هارون وقال له: يكفينا ما فعلنا بأبيه أتريد أن نقتلهم جميعاً(٣) ، وقد باءت بالفشل جميع المحاولات التي حيكت ضده.

دعاء الإمام على البرامكة:

وكان للبرامكة دور خطير في التنكيل بالإمام الكاظمعليه‌السلام ، فقد أوغروا صدر الطاغية هارون عليه، وكان الإمام الرضاعليه‌السلام عالماً بذلك

____________________

(١) أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٩٧.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٢٦.

(٣) الإتحاف بحب الأشراف (ص ٥٩).

٢٠٥

فراح يدعو عليهم فقد روى محمد بن الفضيل قال: لـمّا كان في السنة التي بطش فيها بالبرامكة، ونزل بهم من البلاء ما نزل أبو الحسن الرضا واقفاً بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه فسئل عن ذلك، فقال: إنّي كنت أدعو الله تعالى على البرامكة بما فعلوا بأبي فاستجاب الله لي اليوم فيهم، ولم يلبث يسيراً حتى بطش هارون بجعفر ويحيى وتغيّرت أحوالهم(١) .

وروى الحسن بن علي الوشاء عن مسافر قال: كنت مع أبي الحسن الرضاعليه‌السلام بـ (منى)، فمرّ يحيى بن خالد مع قوم من آل برمك، فقالعليه‌السلام : (مساكين هؤلاء لا يدرون ما يحل بهم في هذه السنة).

وأضاف الإمام قائلاً:

(وا عجبي من هذا، هارون وأنا كهاتين، وضمّ بأصبعه)

قال مسافر: فو الله ما عرفنا معنى حديثه حتى دفنّاه معه(٢) .

لقد استجاب الله دعاء وليّه فأنزل عقابه الصارم بالبرامكة، فأزال نعتهم وأباد أعلامهم، فقد نكل بهم هارون كأفظع وأقسى ما يكون التنكيل، فقتل جعفر،

وقسمه نصفين، وجعل كل نصف في الأماكن الحسّاسة في بغداد وألقى يحيى مع بقية أبنائه في سجونه، وصادر أموالهم المنقولة، وغير المنقولة.

كبس دار الإمام:

ولـمّا ثار محمد بن جعفر بن محمد على هارون أرسل الجلودي إلى مناجزته وأمره أن يغير على دور العلويين في المدينة، ويسلب ما على نسائهم من ثياب وحلي، ولا يدع على واحدة منهن إلاّ ثوباً واحداً.

وهجم الجلودي على دار الإمام الرضاعليه‌السلام ، فقام الإمام وجمع السيدات من بنات رسول الله (ص) في بيت ووقف على باب البيت فقال الجلودي:

للإمام لا بد أن أدخل البيت فأسلبهن كما أمرني الرشيد، فقال له الإمام: أنا أسلبهن لك، وأحلف أنّي لا أدع عليهنّ شيئاً إلاّ أخذته، فلم يزل الإمام يطلب إليه، ويتوسّل حتى سكن، وقامعليه‌السلام إلى البيت فأخذ ما على العلويات من حلي

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٢٥.

(٢) عيون أخبار الرضا، البحار.

٢٠٦

وحلل، ولم يدع عليهن شيئاً حتى أقراطهن وخلاخيلهن وأزرارهن، وسلّم جميع ذلك إلى الجلودي ليقوم بتسليمه إلى طاغية بغداد(١) .

وتأثّر الإمام الرضاعليه‌السلام كأشد ما يكون التأثّر من هذا الاعتداء الصارخ على بيته، فلم يرع هارون كرامة الإمام، ولا كرامة بنات رسول الله (ص) واقترف معهن ما اقترفه جند يزيد مع عائلة ريحانة رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسينعليه‌السلام بعد مقتله، فقد تدافعوا كالكلاب المسعورة إلى نهب ما على العلويات من حلي وحلل.

وعلى أي حال فإنّ هارون لم يقم - فيما أحسب - بإجراء آخر ضد الإمامعليه‌السلام غير هذا الإجراء... ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام قد انطوت نفسه على حزن عميق على ما حلّ بأبيه الإمام موسىعليه‌السلام من المحن والخطوب التي صبّها عليه هارون، فقد أودعه في ظلمات سجونه حفنة من السنين، وقابله بمزيد من التوهين، ثم اغتاله بالسم، وكذلك صبّ جام غضبه على السادة العلويين فأنزل بهم العقاب الصارم، وقتلهم تحت كل حجر ومدر ولم يرع فيهم أواصر النسب، وقرابتهم من رسول الله (ص) التي هي أولى بالرعاية والعطف من كل شيء.

رسالة سفيان لهارون:

من الخير أن ننهي الحديث عن هارون بهذه الرسالة القيّمة التي بعثها سفيان الثوري أو (سفيان بن عينية) إلى هارون، فإنّها تكشف عن الكثير من جوانب حياته، فقد كتب إليه هارون رسالة يطلب فيها ودّه، والاتصال به، فأجابه سفيان بما يلي:

(من العبد الميت سفيان إلى العبد المغرور بالآمال هارون الذي سلب حلاوة الإيمان، ولذّة قراءة القرآن، أمّا بعد: فإنّي كتبت إليك أعلمك أنّي قد صرمت حبلك، وقطعت ودّك، وإنّك جعلتني شاهداً عليك بإقرارك على نفسك في كتابك، بما هجمت على بيت مال المسلمين، فأنفقته في غير حقّه، وأنفذته بغير حكمه، ولم ترض بما فعلته، وأنت ناءٍ عنّي، حين كتبت إليّ تشهدني على نفسك، فأمّا أنا فأنّي قد شهدت عليك أنا وإخواني الذين حضروا قراءة كتابك، وسنؤدّي الشهادة غدا بين يدي الله الحكم العدل.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٦١، البحار ٤٩ / ١٦٦.

٢٠٧

يا هارون: هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم، هل رضي بفعلك المؤلّفة قلوبهم، والعاملون عليها في أرض الله، والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل؟ أم رضي بذلك حملة القرآن وأهل العلم - يعني العاملين - أم رضى بفعلك الأيتام والأرامل؟ أم رضي بذلك خلق من رعيتك، فشد يا هارون مئزرك، وأعد للمسألة جواباً، وللبلاء جلباباً، واعلم أنّك ستقف بين يدي الله الحكم العدل، فاتق الله في نفسك إذا سلبت حلاوة العلم والزهد ولذة قراءة القرآن، ومجالسة الأخيار، ورضيت لنفسك أن تكون ظالماً، وللظالمين إماماً.

يا هارون: قعدت على السرير، ولبست الحرير، وأسبلت ستوراً دون بابك، وتشبّهت بالحجّة بربّ العالمين، ثم أقعدت أجنادك الظلمة دون بابك وسترك، يظلمون الناس، ولا ينصفون، ويشربون الخمر، ويحدون الشارب، ويزنون، ويقتلون القاتل، أفلا كانت هذه الأحكام عليك وعليهم قبل أن يحكموا بها علىالناس، فكيف بك يا هارون غدا إذا نادى المنادي من قبل الله احشروا الظلمة وأعوانهم، فتقدّمت بين يدي الله، ويداك مغلولتان إلى عنقك لا يكفهما إلاّ عدلك وإنصافك والظالمون حولك، وأنت لهم إمام أو سائق إلى النار وكأنّي بك يا هارون وقد أخذت بضيق الخناق، ووردت المساق، وأنت ترى حسناتك في ميزان غيرك، وسيئات غيرك في ميزانك على سيئاتك بلاء على بلاء، وظلمة فوق ظلمة، فاتق الله يا هارون في رعيّتك واحفظ محمداً (ص) في أمّته، واعلم أنّ هذا الأمر يصر إليك إلاّ وهو صائر إلى غيرك، وكذلك الدنيا تفعل بأهلها واحداً بعد واحد ÷، فمنهم مَن تزوّد زاداً نفعه، ومنهم مَن خسر دنياه وآخرته، وإيّاك ثم إيّاك أن تكتب إليّ بعد هذا فإنّي لا أجيبك والسلام...).

ثم بعث بالكتاب من غير طي ولا ختم(١) ، وحكى هذا الكتاب تصرّف هارون بأموال المسلمين، وإنفاقها في غير جهاتها المشروعة كما حكت هذه الرسالة إيمان سفيان وقوّة شخصيته، ونكرانه لذاته... وبهذه الرسالة نطوي الحديث عن حكومة هارون.

____________________

(١) حياة الإمام موسى بن جعفر ٢ / ٥٥ - ٥٧ نقلاً عن حياة الحيوان للدميري ٢ / ١٨٨.

٢٠٨

حكومة الأمين:

وتسلّم الأمين بعد وفاة أبيه القيادة الإسلامية، وكان بإجماع المؤرّخين غير مؤهّل لهذا المنصب الرفيع؛ وذلك لما يتصف به من نزعات وضيعة كان منها ما يلي:

١ - انهماكه في اللذات:

وانصرف الأمين بعد تقلّده للخلافة إلى اللهو والطرب، وعهد بأمور الدولة إلى الفضل بن الربيع فجعل يتصرف في شؤون الدولة حسب رغباته وميوله(١)، وقد جدّ في طلب الملهين(٢) ، كما اشتغل بالخصيان ورقص النساء(٣) .

٢ - كراهته للعلم:

من صفات الأمين بغضه للعلم، وكراهته للعلماء، وكان أميّاً، لا يقرأ ولا يكتب(٤).

وإذا كان بهذه الصفة فكيف قلّده هارون شؤون المسلمين وجعله حاكماً على أعظم إمبراطورية في العالم كلّه؟ لقد قلّده الخلافة استجابة لعواطف السيدة زبيدة، وسائر الأسرة العباسية الذين كانت ميولهم معه.

٣ - ضعف الرأي:

ولم يتمتع الأمين برأي حصيف، فلم تصقله التجارب، ولم تهذّبه الأيام، وقد أعطي الملك العريض، ولم يحسن أي شيء، وقد وصفه المسعودي بقوله: (كان قبيح السيرة، ضعيف الرأي يركب هواه، ويهمل أمره، ويتكل في جليلات الخطوب على غيره ويثق بمَن لا ينصحه)(٥) .

ووصفه الكتبي بقوله: (وكان قد هان عليه القبيح فاتبع هواه ولم ينظر في شيء من عقباه، وأنّه كان من أبخل الناس على الطعام، وكان لا يبالي أين قعد، ولا مع مَن شرب)(٦) .

____________________

(١) حياة الإمام محمد الجواد (ص ٢٨٤).

(٢) مآثر الإنافة في معالم الخلافة ١ / ٢٨٥ روضة الأعيان ورقة ٩٩، وجاء فيه أنّه اشترى عربية المغنية بمائة ألف دينار.

(٣) تأريخ الخلفاء للسيوطي (ص ١٣٤)، مختصر تأريخ الدولة (ص ١٣٤).

(٤) السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي ١ / ١٦.

(٥) التنبيه والإشراف (ص ٣٠٢).

(٦) عيون التواريخ ٣ / ورقة ٢١٢.

٢٠٩

ويقول عنه الفخري: (انه لم يجد للأمين شيئا من سيرته يستحسنه فيذكره)(١) .

احتجابه عن الرعية:

ومن نزعاته أنّه كان ينفر من الناس تكبّراً عليهم، فقد احتجب عن رعيّته وأهالي مملكته، وقد خفّ إليه إسماعيل بن صبيح، وكان أثيراً عنده، فقال له:

(يا أمير المؤمنين إنّ قوّادك وجندك وعامة رعيتك قد خبثت نفوسهم وساءت ظنونهم، وكبر عندهم ما يرون من احتجابك عنهم، فلو جلست لهم ساعة من نهار فدخلوا عليك فإنّ في ذلك تسكيناً لهم ومراجعة لآمالهم...).

واستجاب الأمين لهذه النصيحة، فجلس في بلاطه، ودخل عليه الشعراء فمدحوه في قصائدهم، وهو لا يفهم ما يقولون، ثم انصرف عن الناس فركب الحراقة إلى (الشماسية)، واصطفّت له الخيل، وعليها الرجال، وقد اصطفوا على ضفاف دجلة وحملت معه مطابخ القصر، وما فيه من الخزائن.

أمّا الحراقة التي ركبها فكانت سفينة صنعت شبيهة بالأسد، وما رأى الناس منظراً أبهى ولا أجمل من ذلك المنظر، وكان معه في السفينة أبو نواس ينادمه وقال يصف تلك السفينة:

سخر الله للأمين مطايا

لم تسخّر لصاحب المحرابِ(٢)

فإذا ما ركابه سرن بحراً

سار في الماء راكباً ليث غابِ

أسداً باسطاً ذراعيه يعدو

أهرت الشدق كالح الأنيابِ(٣)

لا يعانيه باللجام ولا السوط

ولا غمز رجله في الركابِ

عجب الناس إذ رأوك على صورة

ليث يمر مرّ السحابِ

سبّحوا إذ رأوك سرت عليه

كيف لو أبصروك فوق العقابِ(٤)

ذات زور ومنسر وجناحين

تشف العباب بعد العبابِ

تسبق الطير في السماء إذ ما

استعجلوها بجيئةٍ وذهابِ

____________________

(١) الآداب السلطانية (ص ٢١٢).

(٢) صاحب المحراب: هو سليمان بن داود الذي بنى بيت المقدس.

(٣) أهرت الشدق: واسعه، كالخ الأنياب: أي كاشرها.

(٤) العقاب: إحدى السفن التي كانت معدّةً للأمين.

٢١٠

بارك الله للأمين وأبقاه

له رداء الشبابِ

ملك تقصر المدائح عنه

هاشمي موفّق للصوابِ(١)

هذه بعض نزعات الأمين وصفاته وهي تحكي صورة انسان تافه قد اتجه صوب ملذّاته وشهواته، ولم يعن بأيّ حالٍ من الأحوال في شؤون الدولة الإسلامية، وإنّما كان متجهاً نحو شهواته.

خلعه للمأمون:

وتقلّد الأمين الخلافة يوم وفاة أبيه الرشيد، وقد تسلم خاتم الخلافة، والبردة، والقضيب التي كان يتسلمها الملوك من قبله من بنى العباس.

ولم يمض زمان طويل من الوقت حتى فسدت العلائق ما بين الأمين والمأمون، فقد لعبت الحواشي المحيطة بهما في خلق الأزمات بينهما وتبودلت الرسائل بينهما وهي تحمل السباب والشتائم، لكل منهما وليس فيها أي دعوة إلى المودة والصفاء، وعمد الأمين فخلع رسميا أخاه المأمون عن ولاية العهد وجعلها لولده موسى وهو طفل صغير في المهد، وسماه الناطق بالحق، وأرسل إلى الكعبة المقدسة من جاء بكتاب العهد الذي علقه فيها الرشيد، وجعل فيه ولاية العهد إلى المأمون، وحينما أتى به مزقه، ولم يف به، وكان ذلك فيما يقول المؤرخون برأي الفضل بن الربيع، وبكر بن المعتمر في نكثه للعهد وبيعته لولده يقول رجل أعمى من أهل بغداد:

أضاع الخلافة غشّ الوزير،

وفعل الإمام، ورأى المشير

وما ذاك إلاّ طريق الغرور

وشر المسالك طرق الغرور

فعال الخليفة أعجوبة

وأعجب منه فعال الوزير

وأعجب من ذا وذا أنّنا

نبايع للطفل فينا الصغير

ومَن ليس يحسن مسح أنفه

ولم يخل من متنه حجر ظير

وما ذاك إلاّ بباغٍ وغاو

يريدان نقض الكتاب المنير

وَهَذانِ لَولا اِنقِلابُ الزَمانِ

أَفي العيرِ هَذانِ أَم في النَفير

وَلَكِنَّها فِتَنٌ كَالجِبالِ

تَرَفَّعَ فيها الوَضيعُ(٢) الحَقير

____________________

(١) أبو نواس (ص ١٠٣ - ١٠٤) لابن منظور.

(٢) مروج الذهب ٣ / ٣٠٩.

٢١١

الرشيد هو المسؤول عن هذه الأحداث:

وألقى الرشيد العداء والفتنة بين أبنائه فقد نصب الأمين ملكاً من بعده، وجعل المأمون ولي عهده، وكتب بذلك العهود والمواثيق، وأشهد عليها، وعلّقها في جوف الكعبة، مع علمه بالعداء العارم بين الأخوين فكانت النتيجة هي الأحداث المؤسفة التي ذهب ضحيّتها عشرة آلاف من المواطنين، وتخربت بغداد، وقد أعرب بعض الشعراء عن أسفه العميق على ما فعله الرشيد يقول:

أقول لغمّة في النفس منّي

ودمع العين يطّرد اطرادا

خذي للهول عدته بحزمٍ

ستلقي ما سيمنعك الرقادا

فإنّك إن بقيت رأيت أمراً

يطيل لك الكآبة والسهادا

رأى الملك المهذّب شرّ رأي

بقسمته الخلافة والبلادا

رأى ما لو تعقّبه بعلم

لبيض من مفارقة السوادا

أراد به ليقطع عن بنيه

خلافهم ويبتذلوا الودادا

فقد غرس العداوة غير آل

وأورث شمل ألفتهم بدادا

وألقح بينهم حرباً عواناً

وسلس لاجتنابهم القيادا

فويل للرعيّة عن قليل

لقد أهدى لها الكرب الشدادا

وألبسها بلاءً غير فانٍ

وألزمها التضعضع والفسادا

ستجري من دمائهم بحور

زواخر لا يرون لها نفادا

فوزر بلائهم أبداً عليه

أغيّاً كان ذلك أم رشادا(١)

الحروب الطاحنة:

وبعد ما خلع الأمين أخاه المأمون رسمياً عن ولاية العهد، وأبلغه ذلك ندب إلى حربه علي بن عيسى، ودفع إليه قيداً من ذهب، وقال له: أوثق المأمون ولا تقتله حتى تقدم به إليّ، وأعطاه مليوني دينار سوى الأثاث والكراع، ولـمّا انتهت الأنباء من بغداد بالإجراءات التي أتخذها الأمين ضد أخيه، بادر المأمون فخلع أخاه، ونصب نفسه حاكماً عاماً على العالم الإسلامي وقطع الخراج عن الأمين، وألغى اسمه من الطراز والدراهم والدنانير، وأعلن الخروج عن طاعته، وندب إلى قتاله طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين، وجهّزهما بجيش.

____________________

(١) تاريخ الطبري حوادث سنة ١٨٦ ه‍ـ.

٢١٢

والتقى الجيشان بـ‍ (الري)، والتحما في معركة رهيبة، جرت فيها أنهار من الدماء، وأخيراً انتصر جيش المأمون على جيش الأمين، وقتل القائد العام لقواته المسلحة، وانتهت جميع أمتعته وأسلحته، وكتب طاهر بن الحسين إلى الفضل بن سهل وزير المأمون يخبره بهذا الانتصار الرائع، ويهنئه فيه، وجاء في رسالته (كتبت إليك ورأس علي بن عيسى في حجري وخاتمه في يدي والحمد لله ربّ العالمين).

وبادر الفضل فسلّم عليه بالخلافة وبشّره بهذا الانتصار، وأيقن المأمون بالنصر فبعث إلى طاهر بالهدايا والأموال، وشكره شكراً جزيلاً على ذلك وسمّاه (ذا اليمينين، وصاحب خيل اليدين) وأمره بالتوجّه إلى العراق لاحتلال بغداد، والقضاء على أخيه.

ولـمّا علم الفضل بن الربيع وزير الأمين بهزيمة الجيش، ومقتل علي بن عيسى بن ماهان أسقط ما في يده، وأيقن بالرزء القاصم الذي حل بهم، وفي ذلك يقول الشاعر:

عجبت لمعشر يرجون نجحاً

لأمر ما تتمّ به الأمورُ

وكيف يتم ما عقدوا وراموا

وأس بنائهم فيه الفجورُ

أهاب إلى الضلال بهم غوي

وشيطان مواعده غرورُ

يصيب بهم ويلعب كل لعب

كما لعبت بشاربها الخمورُ

وكادوا الحق والمأمون غدراً

وليس بمفلح أبداً غرورُ

هو العدل النجيب البر فينا

تضمّن حبّه منّا الصدورُ

وعاقبة الأمور له يقينا

به شهد الشريعة والزبورُ(١)

وحكى هذا الشعر انتصار المأمون، وأنّه الفائز بالخلافة وأنّه لا يتم أمر الأمين؛ لأنّ الذين ناصروه كان أسُّ بنائهم قائماً على الفجور والبغي، وأنّ أنصاره قد أهاب بهم الضلال والغي، وأنّ المنتصر هو المأمون فإنّه العدل النجيب الذي عقد له الولاء في قلوب الناس.

محاصرة بغداد:

وخفّت جيوش المأمون إلى احتلال بغداد بقيادة طاهر بن الحسين، وقد

____________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٣١٠.

٢١٣

حاصرت بغداد، وأيقن الأمين بالهزيمة فكتب إلى طاهر يطلب منه الأمان لنفسه وعائلته، وأنصاره، وأنّه يستقيل من الخلافة لأخيه، فقال طاهر: (الآن ضيّق خناقه، وهيض جناحه، وانهزم فساقه، لا والذي نفسي بيده حتى يضع يده في يدي، وينزل على حكمي).

ولم يجبه إلى شيء ممّا أراد.

ودام الحصار على بغداد مدة طويلة حتى تخربت فيها معالم الحضارة، وعمّ الفقر والبؤس جميع سكّانها وكثر العابثون والشذّاذ فقاموا باغتيال الأبرياء ونهب الأموال، ومطاردة النساء، وانبرى جماعة من خيار الناس بقيادة رجل يقال له سهل بن سلامة فمنعوا العابثين من إيذاء الناس، وتصدّوا لهم بقوة السلاح حتى أخرجوهم من بغداد.

وعلى أي حال فقد منيت بغداد بأفدح الخسائر، وفقدت زينتها وشبابها، وشاع الثكل والحزن والحداد في جميع أنحائها، وقد رثاها جماعة من الشعراء يقول الأعمى في قصيدة له:

وأبكي لإحراق وهدم منازل

وقتل وانهاب اللهى والذخائرِ

وإبراز ربات الخدور حواسراً

خرجن بلا خمرٍ ولا بمآزرِ

تراها حيارى ليس تعرف مذهباً

نوافر كأمثال الظباء النوافرِ

كأن لم تكن بغداد أحسن منظراً

وملهى رأته عين لاهٍ وناظرِ

بلى هكذا كانت فأذهب حسنها

وبدّد منها الشمل حكم المقادرِ

وحلّ بهم ما حلّ بالناس قبلهم

فأضحوا أحاديثاً لبادٍ وحاضرِ

أبغداد يا دار الملوك ومجتنى

صفوف المنى يا مستقر المنابرِ

ويا جنّة الدنيا ويا مطلب الغنى

ومستنبط الأموال عند المتاجرِ

أبيني لنا أين الذين عهدتهم

يحلّون في روض من العيش ناضرِ

وأين الملوك في المواكب تغتدي

تشبّه حسناً بالنجوم الزواهرِ

والقصيدة كلها توجّع وألم على ما حلّ ببغداد من الدمار الشامل في الأموال والأنفس، ويصف شاعر آخر حالة بغداد، وما حلّ بها من الخراب يقول:

____________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٣١٣.

٢١٤

مَن ذا أصابك يا بغداد بالعين

ألم تكوني زماناً قرّة العينِ

ألم يكن فيك قوم كان قربهم

وكان مسكنهم زيناً من الزينِ

صاح الزمان بهم بالبين فانقرضوا

ماذا لقيت بهم من لوعة البينِ(١)

ورثى شاعر آخر بغداد وما حلّ بأهلها من الخطوب والنكبات يقول:

بكت عيني على بغداد لـمّا

فقدت غضارة العيش الأنيقِ

تبدّلنا هموماً من سرورٍ

ومن سعةٍ تبدّلنا بضيقِ

أصابتنا من الحسّاد عينٌ

فأفنت أهلنا بالمنجنيقِ

فقوم أحرقوا بالنار قسراً

ونائحة تنوح على غريقِ

وصائحة تنادي يا صحابي

وقائلة تقول أيا شقيقي

وحوراء المدامع ذات دلٍّ

مضمّخة المجاسد بالخلوقِ

تنادي بالشفيق فلا شفيق

وقد فقد الشفيق مع الرقيقِ

وقوم أخرجوا من ظل دنيا

متاعهم يباع بكل سوقِ

ومغترب بعيد الدار ملقى

بلا رأس بقارعة الطريقِ

توسّط من قتالهم جميعاً

فما يدرون من أي الفريقِ

فلا ولد يقيم على أبيه

وقد هرب الصديق عن الصديقِ(٢)

وحكت هذه القصيدة الحالة الراهنة في بغداد من انتشار القتل، وفقدان الأمن، وشيوع الخوف في جميع أرجاء بغداد.

قتل الأمين:

وكان الأمين في تلك المحنة الحازبة مشغولاً بلهوه وطربه، وقد أحاطت به جيوش المأمون، ويروي المؤرّخون أنّه كان يصطاد سمكاً مع جماعة من الخدم، وكان من بينهم (كوثر) وكان مغرماً به فخرج ينظر إلى الجيش المحيط بالقصر فأصابته شجة في وجهه فجعل يبكي، فوجّه الأمين من جاء به فجعل يمسح الدم من وجهه وهو يقول:

ضربوا قرّة عيني ومن أجلي ضربوه

أخذ الله من قلبي لأناس حرقوه(٣)

____________________

(١) مروج الذهب ٣ / ٣١٦.                                       (٢) مروج الذهب ٣ / ٣١٧.

(٣) روضة الأعيان في أخبار مشاهير الزمان، مصوَّر في مكتبة السيد الحكيم تسلسل ٣٩٠٢ ورقة ١٠٣.

٢١٥

وكانت الأنباء تتوافد عليه بهزيمة جيشه، ومحاصرة قصره فلم يعن بذلك كله، وكان مشغولاً مع كوثر في صيد الأسماك التي جعلها في حوض كبير له، وكان يقول: (يصطاد كوثر ثلاث سمكات وما صدت إلاّ سمكتين).

وكان بهذه الحالة المزرية مشغولاً بلهوه حتى هجمت عليه طلائع جيش المأمون فأجهزت عليه، وحمل رأسه إلى طاهر بن الحسين فنصبه على رمح، وتلا قوله تعالى:( اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ) (١) .

وهجاه بعض الشعراء بقوله:

إذا غدا ملك باللهو مشتغلاً

فاحكم على ملكه بالويل والخربِ

أما ترى الشمس في الميزان هابطة

لما غدا وهو برج اللهو والطربِ(٢)

وبعث طاهر برأس الأمين إلى المأمون في (خراسان) فلمّا رآه حزن وتأسّف فقال له الفضل:

(الحمد الله على هذه النعمة الجليلة فإنّ محمّداً كان يتمنى أن يراك بحيث رأيته).

وأمر المأمون بنصب رأس أخيه في صحن الدار وقد وضع على خشبة، وأعطى الجند، وأمر كل مَن قبض رزقة أن يلعنه فكان الجندي يقبض رزقه ويلعن الرأس وقبض بعض العجم عطاءه فقيل له: العن هذا الرأس فقال: لعن الله هذا ولعن

والديه وأدخلهم في كذا وكذا من أمهاتهم، فقيل له: لعنت أمير المؤمنين، وكان المأمون يسمعه فتغافل عنه، وأمر بحط رأس أخيه وردّه إلى العراق فدُفن مع جثّته(٣) .

وانتهت بذلك حياة الأمين، وقد حكت عن قساوة المأمون وعدم رأفته على أخيه، فقد سلب الرحمة من نفسه، وما ذاك إلاّ لحرصه على الملك.

ولم تظهر لنا أيّة بوادر للإمام الرضاعليه‌السلام في عهد الأمين، لعلّ السبب في ذلك هو انشغاله في الحرب مع أخيه فقد أشغلته هذه الحرب عن التعرّض للإمامعليه‌السلام بأيّ مكروه.

____________________

(١) عيون التواريخ ٣ / ورقة ٢١١.

(٢) حياة الحيوان للدميري ١ / ٧٨.

(٣) مروج الذهب (ص ٢٢٥ - ٢٢٦).

٢١٦

حكومة المأمون:

وقبل أن نتحدث عن شؤون الإمام الرضاعليه‌السلام في عهد المأمون، نعرض - بإيجاز - إلى إعطاء صورة عنه، وهي كما يلي:

أُمّه:

أمّا أم المأمون فكانت أمة وهي إحدى خادمات قصر الرشيد، وقد عهد إليها بطبخ الطعام، ويصفها المؤرّخون بأنّها كانت أشوه وأقذر جارية في مطبخ الرشيد، أمّا السبب في ملامسة الرشيد لها فتعزوه بعض المصادر إلى أنّ السيدة زبيدة لعبت مع الرشيد الشطرنج فغلبته، فحكمت عليه أن يطأ أقبح جارية في المطبخ، وهي (مراجل) فأبى هارون ذلك، وبذل لها خراج مصر والعراق لتعفيه، فأبت، ولم تقبل، وانصاع إلى حكمها فوطأ (مراجل) فعلقت منه المأمون(١) ، وقد ولد سنة (١٧٠ ه‍) وهي السنة التي استخلف بها الرشيد، فلمّا بشّر به سمّاه المأمون تيمّناً بذلك(٢) ، وقد توفّيت أمّه في النفاس، وقد تولّى تربيته الفضل بن سهل.

وقد اتخذ الحاقدون على المأمون من أمّه وسيلة لهجائه والتشهير به، وعدم لباقته لتولّي منصب الخلافة، يقول له أخوه الأمين:

وإذا تطاولت الرجال بفضلها

فاربع فإنّك لست بالمتطاولِ

أعطاك ربّك ما هويت وإنّما

تلقى خلاف هواك عند مراجلِ

تعلو المنابر كل يوم آملاً

ما لست من بعدي بواصلِ(٣)

وفي أيام الفتنة عيّره بأمّه وكتب إليه:

يا بن التي بيعت بأبخس قيمةٍ

بين الملا في السوق هل من زائدِ

ما فيك موضع غرزة من أبوة

إلاّ وفيه نطفة من واحدِ

فردّ عليه المأمون:

وإنّما أمّهات الناس أوعية

مستودعات وللأحساب آباءُ

فلربّ معربة ليست بمنجبةٍ

وطالما أنجبت في الخدر عجماءُ(٤)

____________________

(١) حياة الحيوان للدميري ١ / ٧٢.

(٢) عصر المأمون ١ / ٢١٠.

(٣) تأريخ الخلفاء للسيوطي (ص ٣٠٤).

(٤) محاسن بغداد دار السلام (ص ١٢١).

٢١٧

وقال الرقاشي في مدحه للأمين وهو يعرض بمراجل أم المأمون: لم تلده أمة تعرف في السوق التجار(١)، وليس على المأمون أي نقص من جهة أمّه، فقد هدم الإسلام هذه النعرات الجاهلية، وساوى بين جميع أجناس البشر فليس لأحد على أحد فضل إلاّ بالتقوى.

صفات المأمون:

أمّا صفات المأمون ونزعاته النفسية فهي كما يلي:

الغدر:

أمّا الغدر فهو من ذاتيات المأمون، ومن عناصره فقد بايع الإمام الرضاعليه‌السلام بولاية العهد، وبعد ما انتهت مآربه السياسية غدر به فدسّ له سمّاً

قاتلاً فقتله - كما سنوضّح ذلك في البحوث الآتية - وقد غدر بطائفة من أعلام عصره ممّن كان يحذر منهم وهم:

١ - عبد الله بن موسى الهادي:

وكان يندّد المأمون، وكان يعربد عليه إذا شرب معه فساء المأمون ذلك، فحبسه في منزله، وأقعد على بابه حرسا ثم أنّه أظهر له الرضى، وصرف الحرس عن بابه، وكان عبد الله مغرماً بالصيد فدس إلى خادم من خدمه فسقاه سمّاً في دراج وهو بـ (موسى باد) ولـمّا أحسّ بالسم قال لأصحابه: هو آخر ما تروني(٢) .

٢ - إسحاق بن موسى:

الهادي، وقد احتفت به فصائل من الجيش حينما كان المأمون في (خراسان) وأمرته، فاستولى على بعض المناطق فدسّ إليه المأمون ابنه وخادماً له فقتلاه وقاد به ابنه وقتل الخادم بالسياط(٣) .

٣ - حميد بن عبد الحميد:

الطوسي، دعاه المأمون لتناول الطعام، وكان عنده أحمد بن أبي خالد الأحول وهو من الحاقدين على حميد ومن أعدائه، ولـمّا قربت المائدة أجلس المأمون أحمد إلى

____________________

(١) الآداب السلطانية (ص ٢١٢).

(٢) أسماء المغتالين (ص ٢٠٠).

(٢) أسماء المغتالين (ص ١٩٩).

٢١٨

جانبه فساء ذلك حميد، وقال للمأمون: (يا أمير المؤمنين لا أماتني الله حتى يريني الدنيا عليك سهلة حتى ترى أينا أنفع لك).

وانتهز أحمد هذه الفرصة فقال للمأمون: (يا أمير المؤمنين إنّما يتمنى فساد ملكك والفتنة).

فغضب المأمون وقام عن المائدة، ولم يتم غذاءه، وقد أضمر ذلك في نفسه، ولـمّا أراد البناء بـ‍ (بوران) قال لحميد: يا أبا غانم قد أذنت لك في الحج، فانصرف حميد مسروراً وأمر بتهيئة أسباب السفر، ودخل جبريل بن بختيشوع على حميد فقال له: يا أبا غانم طر بدنك فإنّي أرجو أن تأتي بكل جارية معك حاملاً، وكان حميد مغرماً بالنكاح ثم سقاه شربة، وكان في مجلسه عبد الله الطيفوري، وكان متطبباً فلمّا رأى الشربة فهم الأمر، فقال لجبريل: (أبو غانم قد ضعف عن هذه؟).

وقصد بذلك أنّه انكشف له ما دبّر لأبي غانم من الاغتيال، وتناول أبو غانم الشربة، فأثرب به في الوقت، وجعل الطيفوري يداويه حتى تماثل للشفاء قليلاً إلاّ أنّه بعد ذلك أشربه السم وقضى عليه(١) .

٤ - الفضل بن سهل:

واغتال المأمون الفضل بن سهل، وكان وزيره ومستشاره إلاّ أنّه خشي منه فدسّ إليه مَن قتله في الحمّام، وسنوضح ذلك في البحوث الآتية.

هؤلاء بعض الذين اغتالهم المأمون، ومقتدياً بمعاوية فهو أوّل الملوك الذين فتحوا باب الاغتيال والغدر في الإسلام.

القسوة:

وظاهرة أخرى من صفات المأمون وهي القسوة وانعدام الرأفة من نفسه، فقد قتل أخاه، وحمل رأسه إليه، ولو كانت عنده نزعة من الرحمة لعفا عن

أخيه بعد ما طلب العفو والأمان وتسليم السلطة إليه، ومن قسوته أنّه بعد ما اغتال الإمام الرضاعليه‌السلام قابل السادة العلويين بمنتهى الشدّة والصرامة، فعهد إلى

____________________

(١) أسماء المغتالين (ص ١٩٩).

٢١٩

جلاّديه بقتلهم والتنكيل بهم أينما وجدوا(١) .

الدهاء:

ولم تعرف الدبلوماسية الإسلامية في العصر العباسي مَن هو أدهى من المأمون، ولا مَن هو أدرى منه في الشؤون السياسية، فقد كان سياسياً من الطراز الأول، فقد استطاع بدهائه أن يتغلب على كثير من الأحداث الرهيبة التي ألـمّت به، وكادت تطوي حياته وسلطانه، فقد استطاع بمهارة فائقة أن يقضي على أخيه الأمين الذي كان يتمتع بتأييد مكثف من قبل الأسرة العباسية والقيادات العسكرية العليا، كما استطاع أن يقضى على أعظم ثورة مضادة له، تلك ثورة القائد الملهم أبي السريا، التي اتسع نطاقها فشملت معظم الأقاليم الإسلامية، وقد سقط معظمها بأيدي الثوار، وكان شعار الثورة الدعوة إلى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد حمل الإمام الرضاعليه‌السلام قسراً إلى (خراسان)، وهو الزعيم الأوحد للأسرة العلوية، والمرجع العام للعالم الإسلامي، فأرغمه على قبول ولاية العهد وعهد إلى جميع أجهزة حكومته بإذاعة مآثر الإمام أمير المؤمنين وباقي أفراد الأئمة الطاهرين، كما ضرب السكة باسم الإمام الرضاعليه‌السلام ، وقد أوهم الثوّار والقوى العسكرية التي كان معظمها يدينون بالولاء لأهل البيتعليهم‌السلام بأنّه علوي العقيدة وأنّه جاد في تحويل الخلافة إلى العلويين حتى أيقنوا أنّه لا حاجة لاستمرار الثورة، وإراقة الدماء وقضى بذلك على الثورات كما تعرّف في نفس الوقت على العناصر الشيعية التي عجز آباءه عن معرفتهم، وهذا التخطيط السياسي - فيما أحسب - من أروع المخططات السياسية التي عرفها العالم في جميع مراحل التأريخ(٢) .

الميل إلى اللهو:

وكان المأمون شديد الميل إلى اللهو، وكان بعض ما أثر عنه في ذلك ما يلي:

أ - لعبه بالشطرنج:

وأهم لعبة عند المأمون وأحبها إليه هي الشطرنج(٣) فقد هام فيها، وقد وصفها بهذه الأبيات:

____________________

(١) حياة الإمام الرضا.

(٢) حياة الإمام محمد الجواد (ص ٢٣١ - ٢٣٢).

(٣) العقد الفريد ٣ / ٢٥٤.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375