حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)15%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 204522 / تحميل: 8462
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يكون الركوع والسجود بالوجه واليدين لا بالرأس والرجلين.

ومنها: أنّ الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس والرجلين ويشتد ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض وأوقات من الليل والنهار وغسل الوجه واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين، وإذا وضعت الفرايض على قدر أقل الناس طاعة من أهل الصحة ثم عم فيها القوي والضعيف.

ومنها: أن الرأس والرجلين ليسا في كل وقت باديين ظاهرين كالوجه واليدين لموضع العمامة والخفين وغير ذلك(١) .

الوضوء عند أهل البيتعليهم‌السلام غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين وقد ذكر الإمامعليه‌السلام علل هذه الأفعال وهي:

أ - إنّ الصلاة التي من أجلها شُرّع الوضوء قوامها: الركوع والسجود، وهما يقومان بالوجه واليدين فالغسل يكون لهما لا لغيرهما.

ب - إنّ في غسل الرأس والرجلين مشقّة عظيمة وحرجاً شديداً، خصوصاً في أيام البرد والسفر والمرض فاكتفى الشارع بالمسح لها.

ج - إنّ الأعضاء البارزة في جسم الإنسان هي الوجه واليدان دون غيرهما فالغسل يكون لها.

وعلّل الإمامعليه‌السلام فيما كتبه لمحمد بن سنان بتعليل آخر يقرب من هذا التعليل قالعليه‌السلام : وعلّة الوضوء التي من أجلها صار غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والرجلين فلقيامه بين يدي الله عزّ وجل، واستقباله إيّاه بجوارحه الظاهرة وملاقاته بهما الكرام الكاتبين.

فغسل الوجه للسجود والخضوع وغسل اليدين ليقبلهما ويرغب بهما ويرهب ويتبتل ومسح الرأس والقدمين لأنّهما ظاهران مكشوفان يستقبل بهما في كل حالاته وليس فيهما من الخضوع والتبتّل ما في الوجه والذراعين(٢) .

وهذا التعليل قريب من التعليل الأول وهو ظاهر لا يحتاج لإيضاح.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٤.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٨٩.

٢١

الصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم أمروا بالصلاة؟

قيل: لأنّ في الصلاة الإقرار بالربوبية وهو صلاح عام لأنّ فيه خلع الأنداد والقيام بين يدي الجبّار بالذل والاستكانة والخضوع والخشوع والاعتراف وطلب الإقالة من سالف الذنوب، ووضع الجبهة على الأرض كل يوم وليلة ليكون العبد ذاكراً لله غير ناسٍ له ويكون خاشعاً وجلاً متذللاً طالباً راغباً في الزيادة للدين والدنيا مع ما فيه من الانزجار عن الفساد، وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة لئلاّ ينسى العبد مدبره وخالقه والقيام بين يدي ربه زاجراً له عن المعاصي وحاجزاً ومانعاً له عن أنواع الفساد(١) .

الصلاة معراج المؤمن وقربان كل تقي، وقد أدلى الإمامعليه‌السلام ببعض المصالح والحكم في تشريعها وهي:

أ - من فوائد الصلاة وثمراتها: الإقرار بالعبودية المطلقة لله تعالى الخالق العظيم الذي ليس كمثله شيء، وعلى المصلّي أن يزداد في خشوعه وخضوعه وتذلّله أمام الله ويطلب منه العفو والغفران من ذنوبه التي اقترفها في حياته.

ب - إنّ الصلاة إذا وقعت صحيحة جامعة للشرائط فإنها تقي الإنسان من المعاصي وتزجره عن المنكر وتوجهه نحو الخير.

ج - إنّ تكرار الصلاة في كل يوم من حكمته أن يكون الإنسان على صلة وثيقة ودائمة بخالقه ومدبّر شؤونه ومضافاً لهذه الثمرات التي أدلى بها الإمام عليه السلام فإنّها من أقوى الأسباب التي تمد المجتمع الإنساني بالقوى الروحية الخلاّقة.

إنّ الإنسان إذا لم تتصل روحه بخالقها فإنّه تظهر عليه مظاهر الوحشة والاكتئاب والصلاة تتيح له الاتصال بالمبدأ الفيّاض فتزيل عنه ما ألمّ به من الهلع والوحشة والاكتئاب وتودع فيه قوّة نفسية يستطيع بها أن يقف أمام الأحداث التي يُمنى بها.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٣ - ١٠٤.

٢٢

أذان الصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: أخبرني عن الأذان لم أمروا به؟ قيل: لعلل كثيرة منها: أن يكون تذكيراً للساهي، وتنبيهاً للغافل، وتعريفاً لـمَن جهل الوقت واشتغل عن الصلاة، وليكون ذلك داعياً إلى عبادة الخالق مرغباً فيها مقرّاً له بالتوحيد مجاهراً بالإيمان معلناً بالإسلام مؤذناً لمن نسيها(١) .

وإنّما يقال: مؤذن لأنّه يؤذن بالصلاة(٢) .

وتحدّث الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في تشريع أذان الإعلام وهي:

أ - تذكير الساهي للصلاة وتنبيه الغافل ليقوم بتأدية هذه الفريضة.

ب - التعريف بدخول وقت الصلاة ليستعد المسلمون لأدائها جماعة وفرادى.

ج - إن الأذان دعوة لعبادة الخالق العظيم وإقرار له بالتوحيد.

فصول الأذان:

وحكى الإمامعليه‌السلام العلل في فصول الأذان وهي:

أ - البدء بالتكبير:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم بدأ فيه - أي في الأذان بالتكبير - وهو الله أكبر - قبل التهليل - وهو لا اله إلاّ الله.

قيل: لأنّه أراد أن يبدأ بذكره واسمه لأنّ اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف وفي التهليل في آخر الحرف، فبدأ بالحرف الذي اسم الله في أوّله لا في آخره(٣) .

عرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في افتتاح الأذان ب‍ (الله أكبر) من دون أن يفتتح بـ (لا إله إلاّ الله)؛ وذلك ليبتدأ الأذان ويفتتح باسمه تعالى بخلاف التهليل فإنّ اسمه تعالى يكون في الآخر وهذا غير مناسب لافتتاح الأذان.

ب - التكبير أربعاً:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل التكبير في أول الأذان أربعاً؟

____________________

(١) في العلل (لمن يتساهى).

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٥.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٥.

٢٣

قيل: لأنّ أول الأذان إنّما يبدأ غفلة وليس قبله كلام ينبّه المستمع له فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان(١) .

الغاية من الأذان هي تنبيه المسلمين للاستعداد للصلاة، وجعل فيه التكبير أربعاً لهذه الغاية كما يقول الإمامعليه‌السلام .

ج - فصول الأذان مثنى:

قالعليه‌السلام : فلم جعل - أي الأذان - مثنى، مثنى؟

قيل: لأن يكون مكرّراً في آذان المستمعين مؤكّداً عليهم إن سها أحد عن الأول لم يسه عن الثاني، ولأنّ الصلاة ركعتان، ركعتان، ولذلك جعل الأذان مثنى مثنى(٢) .

إنّ في كل فصل من فصول الأذان دعوة إلى الخير ودعوة إلى الفلاح والنجاح فتكرارها إنّما هو لأجل تثبيت هذه المفاهيم في أذهان السامعين.

د - الشهادتان:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل بعد التكبير شهادتين؟

قيل: لأنّ أول الإيمان إنّما هو التوحيد والإقرار لله عزّ وجل بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة وإنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان، وإنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادة فجعل الشهادتين في الأذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين، فإذا أقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة فقد أقرّ بجملة الإيمان؛ لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار بالله وبرسوله(٣) .

ويفتتح الأذان بعد التكبير بالشهادتين: الشهادة لله تعالى بالوحدانية والشهادة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة، وهما أصل الإسلام وشعاره، فمَن قال بهما فتترتب عليه آثار الإسلام فيحقن دمه وماله، كما أنّ سائر الحقوق تثبت بشهادتين فكذلك الإسلام يثبت بالشهادتين.

د - الدعاء للصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٥.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٠٥.

(٣) عيون أخبار الرضا.

٢٤

الصلاة؟

قيل: لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة، وإنّما هو النداء إلى الصلاة فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان فقدّم المؤذّن قبلها أربعاً التكبيرتين والشهادتين وأخّر بعدها أربعاً يدعو إلى الفلاح حثّاً على البر والصلاة ثم دعا إلى خير العمل مرغباً فيها وفي عملها وفي أدائها ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعاً كما أتمّ قبلها أربعاً وليختم كلامه بذكر الله كما فتحه بذكر الله تعالى(١) .

واهتمّ الإسلام اهتماماً بالغاً بالصلاة فجعلها في طليعة طقوسه الدينية، وشرّع الأذان للإعلام بدخول الوقت حتى يتهيأ المسلمون لأداء هذه الفريضة الكبرى، وقد جعل في الأذان بحد الشهادتين وحي على الصلاة وهي دعوة لإقامتها كما أنّ الدعوة إلى الفلاح والى خير العمل في فصول الأذان شاملتان للصلاة فهي من الفلاح كما أنّها من خير الأعمال.

ه‍ـ - التهليل في آخر الأذان:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أوّلها التكبير؟

قيل: لأنّ التهليل اسم الله في آخره فأحبّ الله تعالى أن يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه.

إنّ التهليل في آخر الأذان هو نفي كل معبود وكل إله سوى الله تعالى مبدع الأكوان وخالق الحياة، وكما فتح الأذان بـ‍ (الله أكبر) فقد ختم بـ (لا إله إلاّ الله) فكانت فاتحة الأذان هو اسم الله تعالى وخاتمته كذلك.

و - التهليل دون التسبيح:

قالعليه‌السلام : فإن قائل: فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد واسم الله في آخرهما؟ قيل: لأنّ التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الأنداد من دون الله وهو أول الإيمان وأعظم من التسبيح والتحميد.

وعرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في جعل التهليل آخر الأذان دون

____________________

(١) عيون أخبار الرضا.

٢٥

التسبيح وهو (سبحان الله)، والتحميد وهو (الحمد لله)؛ لأنّ التهليل أعظم منهما فإنّه إقرار لله تعالى بالوحدانية ونفي كل معبود سواه، ولا يعطى التسبيح والتحميد هذا المعنى.

فصول الصلاة:

وتحدّث الإمامعليه‌السلام عن الحكمة الكافية في معظم أجزاء الصلاة وشرائطها وفيما يلي ذلك:

١ - التكبيرات السبع:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل التكبير في الاستفتاح سبع تكبيرات؟

قيل: إنّما جعل ذلك لأنّ التكبير في الركعة الأولى التي هي الأصل سبع تكبيرات تكبيرة الاستفتاح - وهي تكبيرة الإحرام التي يفتتح بها الصلاة - وتكبيرة الركوع - أي حين الهبوط للركوع - وتكبيرتان للسجود فإذا ذكر الإنسان أول الصلاة سبع تكبيرات فقد أحرز التكبير كله فإن سها في شيء منها أو تركها لم يدخل عليه نقص في صلاته...).

لهذه الغاية شرعت التكبيرات السبع حين الدخول في الصلاة وإحدى هذه التكبيرات تكبيرة الإحرام.

٢ - قراءة القرآن:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم أمروا بالقراءة - أي بقراءة القرآن - في الصلاة؟

قيل: لئلاّ يكون القرآن مهجوراً مضيعاً وليكون محفوظاً فلا يضمحل ولا يجهل.

ولهذه الحكمة فقد أمر بقراءة الفاتحة وسورة أخرى من القرآن في الصلاة في الركعة الأولى والثانية.

٣ - قراءة الفاتحة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم بدأ بالحمد في كل قراءة دون سائر السور؟

قيل: لأنّه ليس شيء في القرآن والكلام جمع فيه جوامع الخير والحكمة ما

٢٦

جمع في سورة الحمد؛ وذلك أنّ قوله تعالى:( الحمد لله ) : إنّما هو أداء لما أوجب الله تعالى على خلقه من الشكر وشكر لما وفّق عبده للخير.

( ربّ العالمين ) تمجيد له وتحميد وإقرار وأنّه هو الخالق المالك لا غيره.

( الرحمن الرحيم ) : استعطاف وذكر لآلائه ونعمائه على جميع خلقه.

( مالك يوم الدين ) : إقرار له بالبعث والنشور والحساب والمجازات وإيجاب له ملك الآخرة كما أوجب له ملك الدنيا.

( إيّاك نعبد ) : رغبة وتقرّب إلى الله عزّ وجل وإخلاص بالعمل له دون غيره.

( وإيّاك نستعين ) استزادة من توفيقه وعبادته واستدامته لما أنعم الله عليه وبصّره.

( اهدنا الصراط المستقيم ) : استرشاد لأدبه واعتصام بحبله واستزادة في المعرفة بربّه وبعظمته وبكبريائه.

( صراط الذين أنعمت عليهم ) : توكيد في السؤال والرغبة وذكر لما تقدّم من أياديه ونعمه على أوليائه ورغبة في مثل تلك النعم.

( غير المغضوب عليهم ) : استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفّين به وبأمره ونهيه.

( ولا الضآلين ) : اعتصام من أن يكون من الضالين الذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً.

فقد اجتمع فيها من جوامع الخير والحكمة في أمر الآخرة والدنيا ما لا يجمعه شيء من الأشياء...).

ولهذه المطالب العظيمة والمعاني السامية فقد أمر الشارع بافتتاح الصلاة بها لا بغيرها من سور القرآن الكريم، فقد أثر عنه أنّه: لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب. وهذا النفي نفي للماهية لو جيء بغير الفاتحة في الصلاة.

٤ - التسبيح في الركوع والسجود:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل التسبيح في الركوع والسجود؟

٢٧

قيل: لعلل منها أن يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبّده وتورّعه واستكانته وتذلّله وتواضعه وتقرّبه إلى ربّه مقدّساً له ممجّداً مسبّحاً معظّماً شاكراً لخالقه ورازقه فلا يذهب به الفكر والأماني إلى غير الله).

ولهذه الجهات السامية فقد جعل التسبيح في الركوع والسجود دون غيره من سائر الأذكار.

٥ - الركوع والسجدتان:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل ركعة وسجدتان؟

قيل: لأنّ الركوع من فعل القيام والسجود من فعل القعود وصلاة القاعد على النصف من صلاة القائم فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت؛ لأنّ الصلاة إنّما هي ركوع وسجود.

ولهذه العلّة فقد جعل السجود ضعف الركوع ليتساويا من هذه الحيثية كما أفاد الإمامعليه‌السلام .

٦ - الدعاء في القنوت:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل القراءة؟ ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟

قيل لأنّه أحب أن يفتح قيامه - أي المصلّي - لربّه وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختمه بمثل ذلك، وليكون في القيام عند القنوت أطول).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في استحباب الدعاء قبل الدخول في الصلاة؛ وذلك لإظهار العبودية المطلقة لله تعالى وإظهار الخضوع والتذلّل له، وليكون الدعاء في القنوت أطول؛ وذلك لإظهار الانقياد والطاعة لله تعالى.

٧ - الجهر والاخفات:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل الجهر في بعض الصلوات ولم يجعل في بعض؟

قيل: لأنّ الصلاة التي يجهر فيها إنّما هي صلوات تصلّى في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليمر المار فيعلم أنّ هاهنا جماعة فإذا أراد أن يصلّي صلّى وإن لم

٢٨

ير جماعة تصلّي سمع وعلم ذلك من جهة السماع، والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنّما هما بالنهار وفي أوقات مضيئة فهي تدرك من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع).

الصلاة التي يجهر فيها بقراءة الفاتحة والسورة هي صلاة الصبح والعشاءين، وقد علّل الإمام ذلك لتنبيه المار في الظلام ليتحفّز لأداء الصلاة، وأمّا الصلاة التي يخفف بقراءتها فهي صلاة الظهر والعصر فلا موجب للجهر فيها؛ وذلك لعدم وجود ظلمة في الوقت.

٨ - رفع اليدين في التكبير:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم يرفع - أي المصلّي - اليدين في التكبير؟

قيل: لأنّ رفع اليدين هو ضرب من الابتهال والتبتّل والتضرّع فأحبّ الله عزّ وجل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتّلاً متضرّعاً مبتهلاً، ولأنّ في رفع اليدين إحضار النيّة وإقبال القلب على ما قاله وقصده.

أمّا رفع اليدين في التكبير فهو ضرب من ضروب العبودية المطلقة لله تعالى كما فيه إحضار للنيّة التي هي بداية الدخول في الصلاة.

٩ - أوقات الصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل الصلوات في هذه الأوقات ولم تقدَّم ولم تؤخَّر؟

قيل: لأنّ الأوقات المشهورة المعلومة التي تعم أهل الأرض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة: غروب الشمس معروف مشهور يجب عنده المغرب، وسقوط الشفق مشهور معلوم يجب عنده العشاء الآخرة، وطلوع الفجر مشهور معلوم يجب عنده الغداة، وزوال الشمس مشهور معلوم يجب عنده الظهر، ولم يكن للعصر وقت معلوم مثل هذه الأوقات فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها.

ذكر الإمامعليه‌السلام الحكمة في جعل الأوقات الخاصة للصلاة وأنّها مشهورة معروفة عند جميع أهل الأرض على اختلاف لغاتهم فكما أنّها مضبوطة؛ ولذلك كان من الحكمة جعلها أوقاتاً للصلاة وأضاف الإمامعليه‌السلام لذلك

٢٩

علّة أخرى، قالعليه‌السلام :

وعلّة أخرى: (إنّ الله أحب أن يبدأ الناس في كل عمل أوّلاً بطاعته فأمرهم أوّل النهار أن يبدؤا بعبادته ثم ينتشروا فيما أحبوا من مرّمة دنياهم فأوجب صلاة الغداة عليهم فإذا كان نصف النهار وتركوا ما كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم ويستريحون ويشتغلون بطعامهم وقيلولتهم فأمرهم أن يبدؤا أولاً بذكره وعبادته فأوجب عليهم الظهر ثم يتفرّغون لما أحبوا من ذلك فإذا قضوا وطرهم وأرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدؤا أيضاً بطاعته ثم صاروا إلى ما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم العصر، ثم ينتشرون فيما شاؤوا من حرمة دنياهم فإذا جاء الليل ووضعوا زينتهم وعادوا إلى أوطانهم ابتدؤا أولاً بعبادة ربّهم ثم يتفرغون لما أحبوا من ذلك فأوجب عليهم المغرب فإذا جاء وقت النوم وفرغوا ممّا كانوا به مشتغلين أحب أن يبدؤا أولاً بعبادته وطاعته ثم يصيرون إلى ما شاؤوا أن يصيروا إليه من ذلك فيكونون قد بدؤا في كل عمل بطاعته وعبادته فأوجب عليهم العتمة(١) فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه ولم يغفلوا عنه ولم تقس قلوبهم ولم تقل رغبتهم).

وألم كلام الإمامعليه‌السلام بالحكم والمصالح التي من أجلها شرعت الصلاة في هذه الأوقات الخاصة ولم تشرع في غيرها.

١٠ - صلاة العصر:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم إذاً لم يكن للعصر وقت مشهور مثل تلك الأوقات أوجبها بين الظهر والمغرب، ولم يوجبها بين العتمة والغداة وبين الغداة والظهر؟

قيل: لأنّه ليس وقت على الناس أخف ولا أيسر ولا أحرى أن يعم فيه الضعيف والقوي بهذه الصلاة من هذا الوقت؛ وذلك أنّ الناس عامتهم يشتغلون في أول النهار بالتجارة والمعاملات والذهاب في الحوائج وإقامة الأسواق فأراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم وليس يقدر الخلق كلهم على قيام الليل ولا يشعرون به، ولا ينتبهون لوقته لو كان واجباً ولا يمكنهم ذلك فخفف

____________________

(١) العتمة: ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق والعشاء الآخرة.

٣٠

الله عنهم ولم يجعلها في أشد الأوقات عليهم، ولكن جعلها في أخف الأوقات عليهم، كما قال الله عزّ وجل:( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العـسر ) . ذكر الإمامعليه‌السلام الحكمة في امتداد وقت صلاة العصر من صلاة الظهر إلى آخر وقت النهار؛ وذلك للتخفيف على الناس وإن كان قد جعل وقتاً لفضيلة أداء صلاة العصر وهو صيرورة الظل مثل سبعي الشاخص ومنتهى وقت الفضيلة ذهاب أربعة أسباع الشاخص(١) .

١١ - صلاة الجماعة:

قالعليه‌السلام : فإن قائل: فلم جعل - أي الشارع - الجماعة؟

قيل: لئلاّ يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلاّ ظاهراً مكشوفاً مشهوراً؛ لأنّ في إظهاره حجّة على أهل الشرق والغرب لله وحده عزّ وجل، وليكون المنافق والمستخف لما أقرّ بظاهر الإسلام والمراقبة وليكون شهادة الناس بالإسلام بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البر والتقوى والذود عن كثير من معاصي الله عزّ وجل.

صلاة الجماعة من أهم العبادات في الإسلام؛ وذلك لما يترتّب عليها من المصالح والمنافع للمسلمين، ومن بينها تعارف المسلمين بعضهم ببعض وشيوع المحبّة والتآلف ببعض منافعها وحكمها في هذا المقطع من كلامه.

١٢ - صلاة السنّة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل صلاة السنة أربعاً وثلاثين ركعة؟

قيل لأنّ الفريضة سبع عشرة ركعة فجعلت السنّة مثلي الفريضة كمالاً للفريضة.

أمّا صلاة السنّة فيراد بها الرواتب اليومية وهي ثمان ركعات للظهر قبلها وثمان بعدها قبل العصر للعصر وأربع بعد المغرب لصلاة المغرب وركعتان من

جلوس تعدان بركعة بعد صلاة العشاء وثمان ركعات لصلاة الليل وركعتا الشفع

____________________

(١) منهاج الصالحين ١ / ١١٣.

٣١

بعدها وركعة الوتر بعدها وركعتان لصلاة الصبح قبلها فمجموعها تكون أربعاً وثلاثين، وقد علّل الإمامعليه‌السلام ذلك بجعل السنّة مثلي الفريضة ليكون كمالاً لها.

١٣ - صلاة السنّة في أوقات مختلفة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم جعل صلاة السنّة في أوقات مختلفة ولم يجعل في وقت واحد؟

قيل: لأنّ أفضل الأوقات ثلاثة: عند زوال الشمس وبعد المغرب وبالأسحار فأحب أن يصلّي له في كل هذه الأوقات الثلاثة؛ لأنّه إذا فرقت السنّة في أوقات شتّى كان أداؤها أيسر وأخف من أن تجمع كلها في وقت واحد.

لقد ذكر الإمامعليه‌السلام الحكمة في تفريق أوقات صلاة السنّة فقد جعلت في أفضل الأوقات وأحبّها عند الله تعالى مضافاً إلى أنّ أداءها في وقت واحد لا يخلو من حرج وصعوبة.

١٤ - تحليل الصلاة بالتسليم:

قال: (فإن قال قائل: فلم جعل التسليم تحليل الصلاة، ولم يجعل بدله تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر قيل: لأنّه لما كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجّه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين في الكلام إنّما هو بالتسليم.

ولهذه الحكمة فقد جعل تحليل الصلاة بالتسليم فقد حرّم الشارع على المصلّي عند الشروع في الصلاة الكلام وغيره من سائر الأفعال وينتهي هذا التحريم بالتسليم.

صلاة الجمعة:

وأدلى الإمامعليه‌السلام ببعض الحكم والمصالح في صلاة الجمعة وفيما يلي ذلك:

أ - صلاة الجمعة ركعتين:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل: فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع

٣٢

الإمام ركعتين وإذا كانت بغير إمام ركعتين وركعتين - يعني يصلّي صلاة الظهر -؟

قيل: لعلل شتّى، منها أن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد فأحب الله عزّ وجل أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه.

ومنها: إنّ الإمام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة ومَن انتظر الصلاة فهو في صلاة في حكم التمام.

ومنها: إنّ الصلاة مع الإمام أتم وأكمل لعلمه وفقهه وعدله وفضله.

وإنّما قصرت صلاة الجمعة فصارت ركعتين لهذه الحكم والعلل التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام .

ب - حكمة الخطبة في صلاة الجمعة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعلت الخطبة؟

قيل: لأنّ الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون الإمام سبباً لموعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم عن المعصية وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليه من الأوقات ومن الأحوال التي لهم فيها المضرّة والمنفعة).

إنّ من أعظم الحكم والمصالح في صلاة الجمعة هي الخطبة التي يدلي بها الإمام فإنّها تستهدف نشر الوعي الديني والسياسي بين المسلمين كما تنمي في نفوسهم النزعات الخيرة وتهديهم إلى سواء السبيل.

ج - خطبتان في صلاة الجمعة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعلت خطبتان؟

قيل: لتكون واحدة للثناء والتحميد والتقديس لله عزّ وجل، والأخرى للحوائج والأعذار والإنذار وما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه بما فيه الصلاح والفساد).

وأعرب الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في تشريع الخطبتين في صلاة الجمعة فأولى الخطبتين تكون في الثناء على الله تعالى خالق الكون، وواهب الحياة وبيان عظمته فيما أبدعه من العجائب في مخلوقاته والخطبة الثانية تكون لبيان ما يصلح المسلمين في دنياهم، وآخرتهم.

٣٣

د - خطبة الجمعة قبل الصلاة:

قالعليه‌السلام : فإن قال قائل فلم جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة؟

قيل: لأنّ الجمعة أمر دائم يكون في الشهر مراراً وفي السنة كثيراً، فإذا كثر ذلك على الناس صلّوا وتركوه ولم يقيموا عليه وتفرّقوا عنه فجعلت قبل الصلاة ليحتسبوا على الصلاة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا.

وأمّا العيدان فإنّما هما في السنة مرتان، وهما أعظم من الجمعة والزحام فيهما أكثر والناس منهم أرغب فإن تفرّق بعض الناس بقي عامتهم وليس هما بكثير فيملوا أو يستخفوا بهما).

وعلّق الشيخ الصدوق (نضر الله مثواه) على هذا الحديث بقوله:

جاء الخبر هكذا والخطبتان في الجمعة والعيد بعد الصلاة لأنّهما بمنزلة الركعتين الأخيرتين وأنّ أوّل مَن قدّم الخطبتين عثمان بن عفان؛ لأنّه لما أحدث ما أحدث لم يكن الناس يقفون على خطبته ويقولون: ما نصنع بمواعظه وقد أحدث ما أحدث: فقدم الخطبتين ليقف الناس انتظاراً للصلاة ولا يتفرقوا عنه.

ه‍ـ - تجب صلاة الجمعة على مَن كان على فرسخين:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم وجبت الجمعة على مَن يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك؟

قيل: لأنّ ما يقصر فيه الصلاة بريدان ذاهب أو بريد ذاهب وجائي، والبريد: أربع فراسخ فوجبت الجمعة على مَن هو نصف البريد الذي يجب فيه التقصير؛ وذلك أنه يجيء على فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر).

ولهذه الجهة التي ذكرها الإمامعليه‌السلام وجبت الجمعة على مَن كان على فرسخين لا أكثر

و - نافلة الجمعة:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات؟

قيل: تعظيماً لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر الأيام، ويستحب التنفّل يوم

٣٤

الجمعة بعشرين ركعة وقد زاد أربع ركعات على الست عشرة التي هي نوافل سائر الأيام، ويستحب أن يصلّي ستاً منها عند انبساط الشمس وستاً عند ارتفاعها وستاً قبل الزوال وركعتين عند الزوال).

صلاة المسافر:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم قصرت الصلاة في السفر؟

قيل: لأنّ الصلاة المفروضة أولاً إنّما هي عشر ركعات والسبع إنّما زيدت عليها بعد فخفّف الله عنهم تلك الزيادة لموضع السفر وتعبه ونصبه واشتغاله بأمر نفسه وظعنه وإقامته لئلاّ يشتغل عمّا لا بد له من معيشته رحمة من الله عزّ وجل وتعطّفاً عليه، إلاّ صلاة المغرب فإنّها لم تقصر؛ لأنّها صلاة مقصورة في الأصل).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى الحكمة في قصر صلاة المسافر وهي ما يعانيه من المتاعب والمصاعب من سفره، خصوصاً في تلك الأزمات التي كانت فيها وسائل النقل محصورة بالحيوانات وبالسفن وكلاهما يوجبان المشقّة والعناء، فتفضّل الشارع فأسقط عن المسافر نصف الصلاة الرباعية تفضّلاً منه ورحمة بالعباد.

المسافة الموجبة للقصر:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر؟

قيل: لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم).

بيّن الإمامعليه‌السلام الحكمة في جعل الشارع ثمانية فراسخ مسافة للتقصير ثم عقبعليه‌السلام ذلك بقوله: (فإن قال قائل: فلم وجب التقصير في مسيرة يوم لا أكثر؟

قيل: لأنّه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة سنة؛ وذلك لان كل يوم يكون بعد هذا اليوم، فإنّما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله ولا فرق بينهما).

أفاد الإمامعليه‌السلام أنّه لو لم تجعل المسافة في تقصير الصلاة ثمانية فراسخ التي هي مسيرة يوم للزم منه أن تكون مسافة التقصير في اليوم الثاني إذ هو نظير

٣٥

اليوم الأول ولا ميزة له عليه وهكذا في اليوم الثالث وما زاد عليه ولازمه التسلسل المجمع على بطلانه، وأردف الإمام كلامه هذا بقوله:

(فإن قال قائل: قد يختلف السير فلم جعلت مسيرة يوم ثمانية فراسخ؟

قيل: لأنّ ثمانية فراسخ مسير الجمال والقوافل وهو سير الذي يسيره الجمّالون والمكارون).

سقوط نوافل النهار:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم ترك تطوّع النهار - أي نوافل النهار - ولم يترك تطوّع الليل؟

قيل: لأنّ كل صلاة لا تقصير فيها فلا تقصير في تطوّعها؛ وذلك أنّ المغرب لا تقصير فيها، فلا تقصير فيما بعدها من التطوّع وكذلك الغداة لا تقصير فيما قبلها من التطوّع).

عرض الإمامعليه‌السلام إلى سقوط نافلة النهار وعدم سقوط نافلة الليل، وقد علّل ذلك بأنّ سقوط النافلة تابع لقصر الصلاة ولا تقصير في صلاة الليل وقد عقّب على هذا بقوله:

(فإن قال قائل: فما بال العتمة - أي صلاة العشاء - مقصورة وليس تترك ركعتاه؟

قيل: إنّ تلك الركعتين ليستا من الخمسين وإنّما هما زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع).

أفاد الإمامعليه‌السلام بأنّ صلاة العشاء تقصر في السفر فلم لا تسقط نافلتها وهي ركعتان من جلوس، فأجاب الإمامعليه‌السلام : إنّ نافلة العشاء عند الشارع تعادل ركعة من قيام والسبب في ذلك ليتم بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من النافلة ولهذه العلّة فلا تسقط نافلة العشاء عن المسافر فيصلّي صلاة الليل في أوله.

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جاز للمسافر والمريض أن يصلّيا صلاة الليل في أول الليل؟

قيل: لاشتغاله وضعفه ليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته ويشتغل المسافر بأشغاله وارتحاله وسفره).

٣٦

أمّا صلاة الليل فهي في الهزيع الأخير من الليل، وقد أباح الشارع للمسافر والمريض أن يصلّياها في أوّل الليل؛ وذلك تفضّل ومنّة منه عليهما كما أفاد الإمام (ع).

الصلاة على الميت:

وتحدّث الإمامعليه‌السلام عن بعض العلل في أحكام الأموات والتي منها الصلاة قالعليه‌السلام :

(فإن قال قائل: فلم أمروا بالصلاة على الميت؟

قيل: ليشفعوا له ويدعوا بالمغفرة؛ لأنّه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلب والاستغفار من تلك الساعة).

إنّ دعاء المؤمنين الذين يصلون على جنازة الميت بالمغفرة والرحمة له، من أهم ما يحتاج إليه الميت فلعل الله يستجيب الدعاء، ويعفو عنه ويمنحه المغفرة والرضوان.

التكبيرات الخمس على الميت:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعلت خمس تكبيرات دون أن يكبّر أربعاً أو ستاً؟

قيل: إنّ الخمس إنّما أخذت من الخمس صلوات في اليوم والليلة).

إنّ التكبيرات الخمس ترمز إلى الصلاة اليومية التي هي خمس صلوات.

الصلاة على الميت بغير وضوء:

قالعليه‌السلام : (فلم جوّز الصلاة على الميت بغير وضوء؟

قيل: لأنّه ليس فيها ركوع ولا سجود وإنّما هي دعاء ومسألة، وقد يجوز أن تدعو الله وتسأله على أي حال كنت وإنّما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها الركوع والسجود).

ولهذا السبب فقد قيل بأنّ الصلاة على الميت دعاء وليست بصلاة حقيقية.

الصلاة على الميت في كل وقت:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جوّزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر؟

٣٧

قيل: لأنّ هذه الصلاة إنّما تجب في وقت الحضور، والعلّة ليست هي مؤقتة كسائر الصلوات وإنّما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للإنسان فيه اختيار وإنّما هو حق يؤدّى وجائز أن تؤدّى الحقوق في أي وقت إذا لم يكن الحق مؤقّتاً).

ولم يجعل الشارع وقتاً خاصاً لصلاة الميت وإنّما يصلّي عليه في جميع آنات الزمان؛ لأنّ الصلاة حق من حقوقه على الأحياء والحق يؤدّى في كل وقت.

تغسيل الأموات:

وقد تقدّم الكلام فيه تفصيلاً.

تكفين الأموات:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمروا بكفن الميت؟

قيل: ليلقى ربّه عزّ وجل طاهر الجسد، ولئلاّ تبدو عورته لـمَن يحمله ويدفنه، ولئلاّ يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره، وتغيّر ريحه، ولئلاّ يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك للعاهة والفساد، وليكون أطيب لأنفس الأحياء، ولئلاّ يبغضه حميم فيلغي ذكره ومودّته فلا يحفظه فيما خلف وأوصاه وأمره به واجباً كان أو ندباً).

ولهذه الحكم الوثيقة البالغة الأهمية فقد ألزم الشارع العظيم بتكفين الأموات احتراماً لهم وصيانة لأجسادهم التي إن بدت مجّها الأحياء، واحتقروها.

دفن الأموات:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمر بدفنه؟ قيل: لئلاّ يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغيّر ريحه، ولا يتأذّى الأحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والفساد، وليكون مستوراً عن الأولياء والأعداء فلا يشمت عدوّه ولا يحزن صديقه).

ولهذه الحكم الوثيقة فقد أوجب مواراة الأموات ودفنهم للستر عليهم، فإنّه إذا تفسّخت أجسامهم وانتشرت جيفهم فإنهم يشكّلون خطراً على البيئة ويكونون مصدراً للأوبئة بالإضافة إلى قبح منظرهم وكراهة رائحتهم، وغير ذلك ممّا أفاده الإمام (ع).

٣٨

صلاة الكسوف:

(فإن قال قائل: فلم جعلت للكسوف صلاة؟

قيل: لأنّه آية من آيات الله عزّ وجل لا يدري لرحمة ظهرت أم لعذاب؟

فأحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن تفزع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكرها، كما صرف عن قوم يونس حين تضرّعوا إلى الله عزّ وجل).

لهذه الجهة فقد أمر الشارع بالصلاة عند كسوف الشمس وخسوف القمر وعند كل مخوف سماوي أو أرضي كالريح السوداء والحمراء والخسف وغير ذلك

ممّا ذكره الفقهاء.

الحكمة في كيفية صلاة الآيات:

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعلت عشر ركعات؟

قيل: لأنّ الصلاة التي نزل فرضها من السماء إلى الأرض أولاً في اليوم والليلة فإنّما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات، وإنّما جعل فيها السجود؛ لأنّه لا يكون صلاة فيها ركوع إلاّ وفيها سجود، ولكي يختموا أيضاً صلاتهم بالسجود والخضوع، وإنّما جعلت أربع سجدات لأنّ كل صلاة نقص سجودها من أربع سجدات لا تكون صلاة؛ لأنّ أقل الفرض السجود في الصلاة لا يكون إلاّ على أربع سجدات).

صلاة الآيات ركعتان في كل واحدة خمسة ركوعات ينتصب بعد كل واحد فيها وسجدتان بعد الانتصاب من الركوع الخامس ويتشهد بعدهما ويسلم، وقد حكى الإمامعليه‌السلام الحكمة في جعل عشر ركوعات لهذه الصلة وهي أنّها ترمز إلى ما كلف به العباد من الصلاة أولاً وهي عشر ركعات.

عيد الفطر:

قال عليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل يوم الفطر عيداً؟

قيل: لكي يكون للمسلمين مجمع يجتمعون فيه ويبرزون إلى الله عزّ وجل فيحمدونه على ما منّ عليهم فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة، ويوم رغبة، ويوم تضرّع، ولأنّه أول يوم من السنة يحل فيه الأكل والشرب، لأنّ أول شهور السنة عند أهل الحق (شهر رمضان) فأحب الله عزّ وجل أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه، ويقدسونه).

٣٩

لهذه العلل والحكم التي أدلى بها الإمامعليه‌السلام فقد جعل يوم الفطر عيداً للمسلمين يجتمعون فيه ويبارك بعضهم بعضاً على توفيق الله لهم بصيام شهر رمضان المبارك.

صلاة العيد:

قال عليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها

من الصلاة؟

قيل: لأنّ التكبير إنّما هو لله، وتمجيد على ما هدى وعافى، كما قال الله عزّ وجل:( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) .

وأعرب الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في جعل التكبير في صلاة العيد أكثر من غيره؛ وذلك للتدليل على عظم هذا اليوم الأغر عند الله تعالى.

الصوم:

وتحدث الإمامعليه‌السلام عن الحكمة في تشريع الصوم وعن بعض علل التشريع فيما يتعلّق بأحكام شهر رمضان المبارك.

قالعليه‌السلام : (فإن قال قائل: فلم أمر بالصوم؟

قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الآخرة وليكون الصائم خاشعاً، ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتبساً عارفاً صابراً على ما أصابه من

الجوع والعطش فيستوجب الثواب مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل ورايضاً لهم على ما كلّفهم ودليلاً لهم في الآجل وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا فيؤدوا إليهم ما افترض الله لهم في أموالهم).

لقد تحدث الإمامعليه‌السلام عن الحكم والفوائد المترتبة على الصوم والتي منها العطف على الفقراء، فإنّ الصائم عندما يجوع يشعر بألم الجوع فيدفعه ذلك للعطف على الفقراء والمساكين، ومن حكم الصوم المساواة بين الأغنياء والفقراء في هذا الواجب.

ومن حكمة تقوية الإرادة في نفس الإنسان؛ وذلك بامتناعه عن الأكل

____________________

(١) سورة البقرة آية ١٨٥.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ويلٌ لأولاد آخر الزمان مِن آبائهم

رُوي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنَّه نظر إلى بعض الأطفال فقال: (ويلٌ لأولاد آخر الزمان مِن آبائهم!).

فقيل: يا رسول الله، مِن آبائهم المُشركين؟

فقال: (لا، مِن آبائهم المؤمنين لا يُعلِّمونهم شيئاً مِن الفرائض، وإذا علَّموا أولادهم منعوهم ورضوا عنهم بعرضٍ يسير مِن الدنيا، فأنا منهم بريءٌ وهُمْ مِنِّي بُرآءُ) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦١

مَن سعى تفاخراً وتكاثُراً فهو في سبيل الشيطان

كان النبي (صلى الله عليه وآله) جالساً مع أصحابه ذات يوم، فنظر إلى شابٍّ ذي جَلدٍ وقوَّة وقد بكَّر يسعى.

فقالوا: ويحَ هذا! لو كان شبابه وجَلده في سبيل الله!

فقال (صلى الله عليه وآله): (لا تقولوا هذا؛ فإنَّه إنْ كان يسعى على نفسه ليكُفَّها عن المسألة ويُغنيها عن الناس فهو في سبيل الله.

وإنْ كان يسعى على أبوين ضعيفين و ذُرِّيَّةٍ ضعافٍ ليُغنيهم ويكُفَّيهم فهو في سبيل الله

وإنْ كان يسعى تفاخُراً وتكاثُراً فهو في سبيل الشيطان) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٢

تارك الطلب لا يُستجاب له دعوات

روى علي بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:

قال لي: (ما فعل عمر بن مسلم؟).

قلت: جُعِلت فِداك! أقبل على العبادة وترك التِّجارة.

فقال: (ويحَه، أما عَلم أنَّ تارك الطلب لا يُستجاب له دعوات؟!) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٣

أنا أصبِر عن اللَّحم

روي أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مَرَّ بقصَّابٍ وعنده لحمٌ سَمين.

فقال: يا أمير المؤمنين، هذا اللَّحم سمين اشترِ منه.

فقال (عليه السلام): (ليس الثمنُ حاضراً).

فقال: أنا أصبر يا أمير المؤمنين.

فقال له: (أنا أصبر عن اللَّحم) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٤

اعمل واحمل على رأسك

واستغنِ عن الناس

جاء رجلٌ إلى الإمام الصادق (عليه السلام) فقال: إنَّه لا يملك يداً سالمةً، ولا مالاً ليُتاجر به، فأبى عليه أنْ يُضيِّع عِزَّته وشرفه بذل السؤال فقال له:

(اعمل واحمل على رأسك واستغنِ عن الناس) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٥

أحسن الناس مَعاشاً

قال علي بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فقال لي: (يا عليُّ، مَن أحسن الناس معاشاً؟).

قلت: أنت - يا سيدي - أعلم به مِنِّي.

فقال (عليه السلام): (يا عليُّ، مَن حسن معاش غيره في معاشه) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٦

أسوأ حالٍ أنْ يُرى المعروف مُنكراً والمُنكر معروفاً

نبيُّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) في حديث له، عن حالة الضلال الخطيرة هذه للمسلمين قال:

(كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفَسق شبَّانكم ولم تأمروا بمعروفٍ ولم تنهوا عن مُنكرٍ؟!).

فقيل له: ويكون ذلك - يا رسول الله ـ؟!

قال: (نعم، وشَرٌّ مِن ذلك، فكيف بكم إذا أمرتم بالمُنكر ونهيتم عن المعروف؟!).

فقيل: يا رسول الله، ويكون ذلك؟!

قال: (نعم، وشَرٌّ مِن ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف مُنكراً والمُنكر معروفاً؟!) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٧

لا حاجة للعِباد بالمُحرَّم مِن الأشياء

بعث محمد بن سنان رسالة إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، وسأله فيها عن تصوُّر بعض المسلمين أنَّ الحلال والحلال في الإسلام لا يستند على أساس مصلحة وفساد الناس، بلْ عِبادة وطاعة الله تبارك وتعالى، فكتب إليه الإمام (عليه السلام):

(قد ضَلَّ مَن قال ذلك ضَلالاً بعيداً).

وقال (عليه السّلام) ضمن الرسالة عن مُحرَّمات الإسلام:

(ووجدنا المُحرَّم مِن الأشياء لا حاجة للعباد إليه، ووجدناه مُفسداً داعياً إلى الفَناء والهلاك) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٨

الحلال والحرام لمَصلحة العباد

يقول المفضل بن عمر: سألت الإمام الصادق (عليه السلام):

لماذا حرَّم الله تعالى الخَمر، والمِيتة، والدَّم، ولحَم الخِنزير على الناس؟

فقال (عليه السلام):

(إنَّ حرام الله وحلاله لم يكن على أساس الرَّغبة والزُّهد، ولكنَّه خَلق فعَلِم ما تقوم به أبدانهم وما يُصلِحهم؛ فأحلَّه لهم واباحه تفضُّلاً منه عليهم لمصلحتهم، وعَلِم ما يضرُّهم فنهاهم عنه وحرَّمه عليهم) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٦٩

ترحيب المسلمين بتحريم الخَمر

ذات يوم دعا سعد بن أبي وقَّاص أحد الأنصار، وكان قد تآخى معه فتناولا الطعام والشراب وسكر الاثنان، وهُما في حالةِ السُّكر ذكرا مَفاخر الجاهليَّة، وبالتدريج وصل الأمر بينهما إلى الشِّجار، فتناول الأنصاري عِظام فَكِ بعيرٍ كان على المائدة وضرب به وجه سعد فَشَجَّ له أنفه.

بعد هذه الحادثة نزلت آية منع الخَمر: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) (المائدة: 90 - 91).

مع نزول آية التحريم زالت عادة شِرب الخَمر وصناعتها، ورحَّب الناس بهذا الأمر الإلهيِّ ترحيباً حارَّاً، وأراقوا الخمر التي في بيوتهم، وحطَّموا كوؤس الشراب، بحيث إنَّ رائحة الخَمر كانت تُشتُّم في طُرقات المدينة عِدَّة أيَّام.

عندما أعلن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أمر التحريم، كان هناك شابٌّ أسرع إلى المنزل ليُخبر والديه بالخبر، وعندما وصل إلى المنزل وجد أباه مع عددٍ مِن الضيوف يتساقون الخَمر، وكان الأبّ يُقرِّبُ قدح الخمر مِن فَمهِ، فصاح فيه الابن: لا تشرب يا أبه؛ لأنَّ الله سبحانه قد حَرَّم شِرب الخَمر، فأطاع الأبّ فوراً وجمع مائدة الشراب، وهكذا فعل بقيَّة المسلمين (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٧٠

هدانا الله بأحمدَ المهديِّ النبيِّ

كان عمرو بن الجَموح سيِّداً مِن سادات بني سلمة، وشريفاً مِن أشرافهم، وكان قد اتَّخذ في داره صَنماً مِن خشب يُقال له: (مَناة) كما كانت الأشراف تصنع، تتَّخذ إلهاً تُعظِّمه وتُقدِّسه، فلمَّا أسلم فتيان مِن بني سلمة، معاذ بن جبل، وابنه معاذ بن عمرو بن الجَموح، في فتيانٍ منهم مِمَّن أسلم وشَهِد العَقبة، كانوا يُدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك، فيحملونه ويطرحونه في بعض حُفر بني سلمة - وفيها عذر الناس - مُنكَّساً على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلَكم! مَنْ عدا على آلهتنا هذه الليلة؟

ثمَّ يغدو يتلمَّسه حتَّى إذا وجده غسله وطهَّرهُ وطيَّبه، ثمَّ قال: أما والله، لو أعلم مَن فعل هذا بك لأُخزينَّه، فإذا أمسى عمرو ونام عدوا عليه، ففعلوا به مِثل ذلك، فيغدو فيجده في مِثل ما كان فيه مِن الأذى، فيغسلهُ ويُطهِّره ويُطيِّبهُ، ثمَّ يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به مِثل ذلك، فلمَّا أكثروا عليه استخرجه مِن حيث ألقوه يوماً فغسلهُ وطَهَّرهُ وطَيَّبهُ، ثمَّ جاء بسيفه فعلَّقه عليه، ثمَّ قال: إنِّي - والله - ما أعلم مَن يصنع بك ما ترى، فإنْ كان فيك خير فامتنع، فهذا السيف معك.

فلمَّا أمسى عمرو ونام، عدوا عليه، فأخذوا السيف مِن عُنقه ثمَّ أخذوا كلباً مَيِّتاً فقرنوه به...، ثمَّ ألقوه في بئر مِن آبار بني سلمة فيها عَذر مِن عَذر الناس، ثمَّ غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به.

فخرج يتبعه حتَّى وجده في تلك البئر مُنكَّساً مقروناً بكلبٍ مَيِّتٍ، فلمَّا رآه وأبصر شأنه، وكلَّمه مَن أسلم مِن قومه فأسلم برحمة الله، وحَسُنَ إسلامُهُ، فقال - حين أسلم وعرف مِن الله ما عرف، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر مِن أمره، ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مِمَّا كان فيه مِن العَمى والضلالة ـ:

٢٧١

والله لـو كـنت إلهاً لم تكنْ

أنت وكلبٌ وسْطَ بئرٍ في قَرَنْ

أفٍّ لـمَلقاك إلـهاً مُـسْتَدَنْ

الآن فتَّشناك عن سوء الغَبَنْ

الـحمد لـله العليِّ ذي المِنن

الـواهب الرزَّاق ديَّان الدِّيَنْ

هـو الـذي أنـقذني مِن أنْ

أكـون في ظُلْمَةِ قَبرٍ مُرتَهَنْ

بأحمدَ المهديِّ النبيِّ المؤتَمن (1)

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج1.

٢٧٢

ما رأيت مُعلِّماً أرفق مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يتصرَّف برِفقٍ لهداية الناس، ويُذكِّرهم بالتعاليم الإصلاحيَّة بكلِّ أدبٍ ولين، وهذا العمل بحدِّ ذاته كان مِن عوامل نفوذ كلامه (صلى الله عليه وآله) في قلوب الناس.

عن هلال بن الحكم قال: لمَّا قَدِمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) علمت أُموراً مِن أُمور الإسلام، وكان فيما علمت، قيل لي: إذا عطست، فاحمد الله، وإذا عطس العاطس اطلب الرحمة له.

فبينا أنا في الصلاة خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ عطس رجل، فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: ما لكم تنظرون إليَّ بعين شَزَر؟! فسبَّح القوم فلمَّا قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاته، قال: (مَن المُتكلِّم؟).

قالوا: هذا الأعرابي، فدعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال:

(إنَّما الصلاة للقراءة ولذكر الله عَزَّ وجَلَّ، وإذا كنت في الصلاة فليكُن ذلك حالك). قال: فما رأيت مُعلِّماً أرفق مِن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٣

ليس لابنِ البيضاء على ابنِ السوداء فَضلٌ

كان أبو ذر الغفاري مِن الرجال الإلهيِّين، ومِن الأصحاب المُحترمين للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وذات يوم زلَّ في الكلام أمام الرسول (صلى الله عليه وآله) بحَقِّ بلال بن رباح الحبشي، فقال له: يا بن السوداء إشارة إلى أُمِّه.

غضب لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وألقاها في وجه أبي ذر عنيفةً مُخفية: (يا أبا ذر، طُفَّ الصَّاعُ! ليس لابنِ البيضاء على ابنِ السوداء فضل).

أيْ أنْ لا يتصوَّر البِّيض أنَّهم أفضل مِن السود، بلْ إنَّ جميعهم مُتساوون وأفضلهم مَن اتَّصف بالإنسانيَّة والعلم والتقوى، وسار في طريق الفضائل لنيل الكمال اللائق به (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٤

مشورةٌ في وقتها

خالد البرمكي كان مِن أصحاب الرأي والمَشورة، وربطته مع قحطبة عَلاقات اجتماعيَّة. وقد استفاد قحطبة، خلال أيَّام حُكمه، مِن الآراء والأفكار الصائبة لخالد، ومنها:

عندما وصلت الأنباء عن استعداد ابن ضبارة لقتال قحطبة، وأنَّ جيشه عبر الحدود ودخل أراضي قحطبة، تلقَّى الأخير هذه الأنباء بقَلقٍ شديدٍ، فجهَّز خمسين ألف فارس تجهيزاً كاملاً، وتحرَّك حتَّى وصل قُرب الحدود، ولكنَّه لم يجد أثراً لجيش العدوِّ، فاطمأنَّ وأمر جنوده بالاستراحةِ في أرضٍ واسعةٍ مكشوفةٍ، وعزم على البقاء في تلك المنطقة عِدَّة أيَّام.

يقول خالد: ذات ليلة كنت جالساً في خيمتي، فإذا بغزال يُسرع فجأة نحو الخيمة خائفاً مُضطرباً، فقام مَن كان موجوداً في الخيمة للإمساكِ بالغزال، فأمرتهم أنْ يكفُّوا عن الغزال ويُسرعوا لوضع السروج على الخيول ويستعدُّوا للقتال؛ لأنَّ العدوَّ قريب مِنَّا. وأسرعتُ إلى قحطبة وقلت له: أصدر أمرك إلى الجنود ليستعدُّوا؛ فابن ضبارة وجيشه يقتربون مِنَّا. أصدر أوامره، وخرج الجنود مِن الخِيم، وأعدُّوا الخيول واستعدُّوا للقتال، ولم يطل الأمر حتَّى وصل جيش ابن ضبارة، وكان جنودنا مُستعدِّين، وفاجأوا جيش العدوِّ وهجموا عليهم، واحتدم قتال شديد، فقُتِل ابن ضبارة، وكان الانتصار الكبير مِن نصيب جيش قحطبة.

بعد انتهاء القتال سألني قحطبة: مَن أخبرك بقدوم جيش العدوِّ؟!

قلت: لم يُخبرني أحد، ولكنَّني رأيت غزالاً خائفاً في الليل يركضُ داخلاً خيمتي، وكنت أعلم أنَّ الغزال الوحشي يخاف مِن الإنسان، ولكنَّه لا يقترب منه إلاَّ في الأوقات التي يحسُّ فيها بخطر، ثمَّ إنَّ الغزال لا يترك مكانه ولا يبتعد عن

٢٧٥

تلك المنطقة مُسرعاً في ظلام الليل، علمت أنَّ وراءه جيش كبير مُخيف يتحرَّك؛ ولذا التجأ إلينا مِن خوفه.

فتعجَّب قحطبة لذكاء خالد وسُرعة فَهمِهِ؛ فأثنى عليه كثيراً ومنحه الجوائز والعطايا وقرَّبَهُ إليه (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٦

مَن يبخل بفضله يُستغَن عنه ويُذمَّ

كان هناك رجل قويٌّ حُكم منطقةً واسعةً مِن الهند، وكان مولعاً بجمع المال والثروة، مُعتقداً أنَّ الغِنى يعني القوَّة؛ ولذا يُحبُّ أنْ يسعى كثيراً ليزيد مِن ثروته، فيزيد بهذه الطريقة قُدرته وقوَّته.

كان لهذا الحاكم وزير عاقل وذكيٌّ مُخالف لطريقته، فكان يستغلُّ كلَّ فرصة تسنح لينصح الحاكم في أنْ يُعطي مِن ثروته للناس؛ ليكسب قلوبهم ويبعث فيهم السرور، ويجذب إلى نفسه الأنظار، فكان يقول له: ضَحِّ بشيءٍ مِن ثروتك؛ كي لا يتمرَّد عليك الجيش ويسوء حاله، فالمال لا يخلق الرجال ولكنْ بإمكان الرجل أنْ يحصل على الكثير مِن المال.

ورغم أنَّ الوزير عَلِم أنَّ الحاكم قد أغاظه تكرار نصحه، لكنَّه لم يكفَّ عن أداء واجبه واستمرَّ في تقديم نصائحه.

وذات يوم أصرَّ الوزير أكثر مِن الأيَّام السابقة على نصائحه، وبدون أنْ يُجيب الحاكم على الوزير أمر بإحضار قدح مِن العَسل، ثمَّ وضعه أمام الوزير، ولم يمضِ وقت طويل حتَّى اجتمع ذُباب كثير على العَسل، بعد أنْ شاهد الوزير ذلك طلب الإذن بالانصراف، وخرج مِن المجلس وهو يقول في نفسه: لقد عرفت ما يقصده الحاكم، فقد أراد إفهامي أنَّ الذهب كالعسل، فكما يجتمع الذُّباب على العسل، يجتمع الناس بوجود الذهب، ولهذا السبب بادرتُ إلى جمع الثروة.

وصبر الوزير حتَّى المساء، وعندما أرخى الليل سدوله مَلأ قدحاً بالعسل وأخذه إلى بيت الحاكم، وطلب اللقاء به لأمرٍ مُهمِّ، فَسُمِح له، ومَثُلَ أمام الحاكم ووضع قدح العسل أمامه على الأرض، وجلس هو على جانب في صمت وبما أنَّ الوقت كان ليلاً، لم تقترب ذُبابة واحدة مِن العسل، وبعد ساعةٍ تحدَّث الوزير

٢٧٧

وقال: أيُّها الحاكم الكبير، إنَّ الناس يأتون لأخذ الذهب عندما يُعطى لهم، تماماً مِثل الذُّباب عندما يجتمع على العسل في النهار، أمَّا في غير وقتهِ فلا يوجد مَن يهتمُّ بالذهب تماماً، مِثل هذا الليل المُظلم لا توجد ذُبابة واحدة تحطُّ على العسل.

اهتزَّ الحاكم بشِدَّة لكلام الوزير الذكي، وانتبه لنفسه، وما كان منه إلاَّ أنْ أثنى عليه واستحسنه، وشمله بعطفه وعنايته الخاصَّة. بعد ذلك سلك الحاكم أُسلوباً جديداً، إذ بدأ يبذل ثروته في سبيل رفاه الناس وتحسين معيشة جنوده وموظَّفيه، وهكذا اكتسب قلوب الناس ومحبَّتهم له (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٨

التحرُّز عن الزَّلل والخطأ أمام الأعداء

كان هناك رجل يُدعى جميل يعمل كاتباً لسنواتٍ طويلة في بلاطِ الساسانيِّين، وقد أدرك عصر الإمام علي (عليه السلام)، وفي زمن خلافته (عليه السلام) كان جميل قد بلغ أرذل العمر وعندما عاد أمير المؤمنين (عليه السلام) مِن النهروان، وسأل عن حال جميل أخبروه أنَّه لا زال على قيد الحياة، فأمر بإحضاره، وعند مثوله بين يدي الإمام علي (عليه السلام)، وجده الإمامُ (عليه السلام) يحتفظ بذكائِهِ، ولم يفقد إلاَّ بصره فسأله (عليه السلام): (كيف ينبغي للإنسانِ - يا جميل - أنْ يكون؟).

قال: يجب أنْ يكون قليل الصديق كثير العدوِّ.

ـ (أحسنتَ يا جميل، فقد أجمع الناس على أنَّ كثرة الأصدقاء أولى).

فقال: ليس الأمر على ما ظنُّوا؛ فإنَّ الأصدقاء إذا كُلِّفوا السعي في حاجة الإنسان لم ينهضوا بها كما يجب وينبغي.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (قد امتحنت هذا فوجدته صواباً. فما منفعة كثرة الأعداء؟).

قال: إنَّ الأعداء إذا كثروا يكون الإنسان مُتحرِّزاً أنْ ينطق بما يؤاخَذ عليه، أو تبدر منه زَلَّة يؤاخَذ عليها، فيبقى على هذه الحالة سليماً مِن الخطايا والزَّلل. فاستحسن ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) .

____________________

(1) الشيوخ والشباب، ج2.

٢٧٩

كفرتْ بأنعُم الله فأذاقها لِبَاس الجُوع والخَوف

كانت الخيزران أُمُّ الهادي والرشيد في دارها المعروفة اليوم بأشناس، وعندها أُمَّهات أولاد الخُلفاء وغيرهنَّ مِن بنات بني هاشم، وهي على بساطٍ أرمنيٍّ وهُنَّ على نمارق أرمنيَّة، وزينب بنت سليمان بن علي أعلاهُنَّ مرتبة، فبينا هُنَّ كذلك إذ دخل خادم لها فقال:

بالباب امرأة ذات حُسنٍ وجَمال في أطمار رَثَّةٍ، تأبى أنْ تُخبر باسمها وشأنها غيركنَّ، وتروم الدخول عليكنَّ، وقد كان المهدي تقدَّم إلى الخيزران بأنْ تَلزم زينب بنت سليمان بن علي، وقال لها: اقتبسي مِن آدابها، وخُذي مِن أخلاقها؛ فإنَّها عجوز لنا قد أدركت أوائلنا، فقالت الخيزران للخادم: ائذَن لها، فدخلت امرأة ذات بَهاء وجَمال في أطمار رَثَّةٍ، فتكلَّمت فأوضحت عن بيان، قالوا لها: مَن أنت؟ قالت: أنا مُزنَة امرأة مروان بن محمد، وقد أصارني الدهر إلى ما تَرَيْنَ. ووالله، ما لأطمار الرثَّة التي عليَّ إلاَّ عارية، وإنَّكم لمَّا غلبتمونا على هذا الأمر وصار لكم دوننا، لم نأمَن مِن مُخالطة العامَّة على ما نحن فيه مِن الضرر على بادرة إلينا ذيل موضع الشرف، فقصدناكم لنكون في حِجابكم على أيَّة حالة كانت، حتَّى تأتي دعوة مِن له الدعوة، فاغرورقت عَيْنَا الخيزران ونظرت إليها زينب بنت سليمان بن علي، فقالت لها: لا خفّف الله عنك يا مزنة، أتذكرين وقد دخلت عليك بحرَّان وأنت على هذا البساط بعينه، ونساء قرابتكم على هذه النمارق، فكلَّمتك في جثّة إبراهيم الإمام، فانتهرتيني وأمرت بإخراجي، وقلت: ما للنساء والدخول على الرجال في آرائهم؟! فوالله، لقد كان مروان أرعى للحَقِّ منك؛ لقد دخلت إليه فحلف أنَّه ما قتله، وهو كاذب، وخيَّرني بين أنْ يدفنه أو يدفع إليَّ جُثَّته وعرض عليَّ مالاً فلم أقبله.

فقالت مزنة: والله، ما نظنُّ هذا الحالة أدَّتني إلى ما ترينه إلاّ بالفِعال التي كانت منِّي وكأنَّكِ استحسنتِه، فحرَّضت الخيزران على فعل مثله، إنَّما كان يجب أنْ تُحضيها على فعل الخير

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375