حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

حياة الإمام الرضا (عليه السلام)15%

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 375

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205131 / تحميل: 8477
الحجم الحجم الحجم
حياة الإمام الرضا (عليه السلام)

حياة الإمام الرضا (عليه السلام) الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: انتشارات سعيد بن جبير
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

ورويناه بإسنادنا إلى محمد بن يحيى الخثعمي، من غير كتاب معاوية بن حكيم.

[١٤٨٩٢] ٤ - وروينا باسنادنا إلى معاوية بن حكيم في كتاب أصله، حديثا آخر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « في السماء أربعة نجوم، ما يعلمها الا أهل بيت من العرب، وأهل بيت من الهند يعرفون منها نجما واحدا، فبذلك قام حسابهم ».

[١٤٨٩٣] ٥ - قال: روينا بأسانيد عن الحسين بن عبيد الله الغضائري، ونقلته من خطه، من الجزء الثاني من كتاب الدلائل تأليف عبد الله بن جعفر الحميري، بإسناده عن بياع السابري قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ان لي في النظرة في النجوم لذة، وهي معيبة عند الناس، فإن كان فيها اثم تركت ذلك، وإن لم يكن فيها اثم فان لي فيها اللذة، قال: فقال: « تعد الطوالع » فقلت: نعم، فعددتها له، فقال: « كم تسقي الشمس القمر من نورها؟ قلت: هذا شئ لم اسمعه قط؟ قال: » وكم تسقي الزهرة(١) من نورها؟ قلت: ولا هذا، قال: « فكم تسقى الشمس من اللوح المحفوظ ( من نوره )(٢) ؟ » قلت: وهذا شئ لم أسمعه قط، قال: فقال: « هذا شئ إذا علمه الرجل، عرف أوسط قصبة في الأجمة - ثم قال - ليس يعلم النجوم إلا أهل بيت من قريش، وأهل بيت من الهند ».

[١٤٨٩٤] ٦ - وفيه: وجدت في كتاب عتيق اسمه كتاب التجمل: قال أبو أحمد: عن حفص بن البختري قال: ذكرت النجوم عند أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال: « ما يعلمها الا أهل بيت بالهند، وأهل بيت من العرب ».

__________________

٤ - فرج المهموم ص ٩١.

(١) في المصدر: « فلذلك ».

٥ - المصدر السابق ص ٩٧.

(١) في المصدر زيادة: الشمس.

(٢) في المصدر: نورا.

٦ - فرج المهموم ص ٩٩.

١٠١

[١٤٨٩٥] ٧ - وفي الكتاب المذكور أيضا: عن محمد وهارون ابني سهل، وكتبا إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام : ان أبانا وجدنا كان ينظر في النجوم، فهل يحل النظر فيها؟ قال: « نعم ».

[١٤٨٩٦] ٨ - وفيه: انهما كتبا إليهعليه‌السلام : نحن ولد بني(١) نوبخت المنجم [ وقد كتبنا إليك هل يحل النظر في علم النجوم فكتبت نعم، والمنجمون ] يختلفون في صفة الفلك - إلى أن قال - فكتبعليه‌السلام : « نعم، ما لم يخرج من التوحيد ».

[١٤٨٩٧] ٩ - ومن الكتاب المذكور: أبو محمد، عن الحسن بن عمر، عن أبيه، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، في قوله تعالى:( فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ) (١) قال: « كان القمر منحوسا بزحل ».

[١٤٨٩٨] ١٠ - ومن كتاب نزهة الكرام وبستان العوام، تأليف محمد بن الحسين بن الحسن الرازي، في أواخر المجلد الثاني منه: روي أن هارون الرشيد بعث إلى موسى بن جعفرعليهما‌السلام فأحضره، فلما حضر عنده قال [ له ](١) : ان الناس ينسبونكم - يا بني فاطمة - إلى علم النجوم، وان معرفتكم بها معرفة جيدة، وفقهاء العامة يقولون: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « إذا ذكروا(٢) أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكروا(٣) القدر فاسكتوا، وإذا ذكر النجوم فاسكتوا » وأمير المؤمنينعليه‌السلام ، كان اعلم الخلائق بعلم النجوم، وأولاده

__________________

٧ - فرج المهموم ص ١٠٠.

٨ - المصدر السابق ص ١٠٠.

(١) ليس في المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٩ - فرج المهموم ص ١٠٠، وعنه في البحار ج ٥٨ ص ٢٥١ ح ٣٧.

(١) القمر ٥٤ الآية ١٩.

١٠ - فرج المهموم ص ١٠٧ - ١٠٨.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: « ذكر ».

(٣) في المصدر: « ذكر ».

١٠٢

وذريته الذين(٤) تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها، فقال له الكاظمعليه‌السلام : « هذا حديث ضعيف، واسناده مطعون فيه، والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم ولولا أن النجوم صحيحة، ما مدحها الله عز وجل، والأنبياءعليهم‌السلام كانوا عالمين بها، وقد قال الله تبارك وتعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن ( صلوات الله عليه ):( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (٥) وقال في موضع آخر:( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) (٦) فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها، وما قال:( إِنِّي سَقِيمٌ ) وإدريسعليه‌السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم، والله تبارك وتعالى قد أقسم بها فقال:( فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) (٧) وقال في موضع آخر:( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا - إلى قوله -فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (٨) ويعني بذلك اثني عشر برجا وسبع سيارات، والذي يظهر بالليل والنهار بأمر الله عز وجل، وبعد علم القرآن ما يكون(٩) أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء، الذين قال الله عز وجل:( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (١٠) ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره(١١) ».

فقال له هارون: بالله عليك يا موسى، لا تظهروه عند الجهال وعوام الناس، حتى لا يشنعوا(١٢) عليك، ونفس العوام به، وغط هذا العلم، وارجع إلى حرم جدك، ثم قال له هارون: وقد بقيت مسألة أخرى، بالله عليك أخبرني

__________________

(٤) في المصدر: « التي ».

(٥) الانعام ٦ الآية ٧٥.

(٦) الصافات ٣٧ الآية ٨٨ و ٨٩.

(٧) الواقعة ٥٦ الآية ٧٥ و ٧٦.

(٨) النازعات ٧٩ الآية ١ - ٥.

(٩) في المصدر: « لا يكون ».

(١٠) النحل ١٦ الآية ١٦.

(١١) في المصدر: « ننكره ».

(١٢) في المصدر: « لا يشيعوه عنكم ».

١٠٣

بها، فقال له: « سل » فقال له: بحق القبر والمنبر، وبحق قرابتك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أخبرني أنت تموت قبلي، أم أنا أموت قبلك، لأنك تعرف هذا من علم النجوم؟ فقال له موسىعليه‌السلام : « آمني حتى أخبرك » فقال: لك الأمان، فقال: « أنا أموت قبلك، وما كذبت ولا أكذب، ووفاتي قريب ».

[١٤٨٩٩] ١١ - وفيه وجدت في كتاب عتيق، باسناد متصل إلى الوليد بن جميع قال: إن رجلا سأله عن حساب النجوم، فجعل الرجل يتحرج ان يخبره، فقال له عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: علم عجز الناس عنه، وددت اني علمته.

[١٤٩٠٠] ١٢ - الصدوق في الخصال: عن إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة، عن سالم بن سالم وأبي عروبة معا، عن أبي الخطاب، عن هارون بن مسلم، عن القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن الحسين ابن عليعليهم‌السلام ، قال: « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن خصال - إلى أن قال - وعن النظر في النجوم ».

[١٤٩٠١] ١٣ - أبو الفتح الكراجكي في معدن الجواهر: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « العلوم أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنحو للسان، والنجوم للأزمان(١) ».

[١٤٩٠١] ١٤ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من اقتبس علما من النجوم، اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد ».

__________________

١١ - فرج المهموم ص ١١٠.

١٢ - الخصال ص ٤١٧ ح ١٠.

١٣ - معدن الجواهر ص ٤٠.

(١) في المصدر: « لمعرفة الأزمان ».

١٤ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٨١ ح ٢٤٢.

١٠٤

قلت يحمل ما دل على النهي عن النظر بل تكفير المنجم، على من اعتقد قدم الأفلاك والكواكب، أو ان اختلاف حركاتها وأوضاعها علل تامة لصدور الحوادث، أو ان لها حياة ونفوسا تصدر عنهما الحوادث بالإرادة، والاختيار، وغير ذلك من العقائد الفاسدة، المباينة لأصول الملل وأساس الشرائع، وما دل على الجواز، على أنها امارات وعلامات على حدوث الحوادث منه تعالى، أو ما يقرب من ذلك، مما ليس فيه ما ينافي الشرع، ويرتفع شرها بالبر والدعاء والصدقة، والله العالم.

٢٢ -( باب تحريم تعلم السحر، واجره، واستعماله في العقد، وحكم الحل)

[١٤٩٠٣] ١ - العياشي في تفسيره: عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: « لما هلك سليمان، وضع إبليس السحر، ثم كتبه في كتاب وطواه وكتب على ظهره: هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داودعليهما‌السلام من ذخائر كنوز العلم، من أراد كذا وكذا فليقل كذا وكذا، ثم دفنه تحت السرير، ثم استثاره لهم، فقال الكافرون: ما كان يغلبنا سليمان الا بهذا، وقال المؤمنون: هو عبد الله ونبيه، فقال الله في كتابه:( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ) (١) اي: السحر ».

ورواه علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان، عن أبي بصير، عنهعليه‌السلام ، مثله(٢) .

[١٤٩٠٤] ٢ - الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى قال:

__________________

الباب ٢٢

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٥٢ ح ٧٤.

(١) البقرة ٢ الآية ١٠٢.

(٢) تفسير القمي ج ١ ص ٥٥.

٢ - الجعفريات ص ١٠٠.

١٠٥

حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « أقبلت امرأة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت: يا رسول الله، ان لي زوجا به علي غلظة، واني صنعت شيئا لأعطفه علي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أف لك كفرت دينك، لعنتك الملائكة الأخيار، لعنتك ملائكة السماء، لعنتك ملائكة الأرض، فصامت نهارها وقامت ليلها، ولبست المسوخ ثم حلقت رأسها، فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: ان حلق الرأس لا يقبل منها ».

وروي في الفقيه(١) : مثله، وفيه: « كدرت البحار، وكدرت الطين، ولعنتك الملائكة ». إلى آخره.

[١٤٩٠٥] ٣ - وبهذا الاسناد: عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنه قال: « من السحت ثمن الميتة - إلى أن قال - واجر الساحر(١) ». الخبر.

[١٤٩٠٦] ٤ - وبهذا الاسناد قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ساحر المسلمين يقتل، وساحر الكفار لا يقتل، فقيل: يا رسول الله، ولم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال: لان الشرك أعظم من السحر، لان الشرك والسحر طيران مقرونان ».

[١٤٩٠٧] ٥ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انه نهى عن التمائم والتول، فالتمائم: ما يعلق من الكتب والخرز وغير ذلك، والتول ما تتحبب به النساء إلى أزواجهن، كالكهانة وأشباهها، ونهىصلى‌الله‌عليه‌وآله عن السحر.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٢ ح ١٣٤٥.

٣ - الجعفريات ص ١٨٠

(١) في المصدر: الكاهن.

٤ - المصدر السابق ص ١٢٨.

٥ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٤٢ ح ٤٩٧.

١٠٦

[١٤٩٠٨] ٦ - وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ساحر المسلمين يقتل، وساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول الله، ولم ذاك؟ قال: لان الشرك والسحر مقرونان، والذي فيه من الشرك أعظم من السحر.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ولذلك لم يقتل [ رسول الله ](١) ابن أعصم(٢) اليهودي الذي سحره.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : فإذا شهد رجلان عدلان على رجل من المسلمين انه سحر قتل(٣) ، والسحر كفر، وقد ذكر الله عز وجل ذلك فقال:( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ - إلى قوله -فَلَا تَكْفُرْ ) (٤) فأخبر جل ذكره، ان السحر كفر، فمن سحر فقد كفر، فقتل(٥) ساحر المسلمين لأنه كفر، وساحر المشركين لا يقتل لأنه كافر بعد بما(٦) جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله » .

[١٤٩٠٩] ٧ - روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي ( صلوات الله عليهم )، أنه قال: « سحر لبيد بن أعصم(١) وأم عبد الله اليهودية، رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في عقد خيوط من احمر واصفر، فعقدا فيه احدى عشرة

__________________

٦ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٨٢ ح ١٧٢٥.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: عاصم.

(٣) في المصدر زيادة: لأنه كفر.

(٤) البقرة ٢ الآية ١٠٢.

(٥) في المصدر: فيقتل.

(٦) في المصدر: كما.

٧ - المصدر السابق ج ٢ ص ١٣٨ ح ٤٨٧.

(١) في الحجرية: عاصم، وما أثبتناه من المصدر.

١٠٧

عقدة، ثم جعلاه في جف(٢) طلع، ثم أدخلاه في بئر فجعلاه في مراقي(٣) البئر بالمدينة، فأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا يسمع ولا يبصر ولا يتفهم ولا يتكلم ولا يأكل ولا يشرب، فنزل جبرئيل بمعوذات، ثم قال: يا محمد ما شأنك؟ قال: لا أدري، انا بالحال التي تراني، قال: إن لبيد بن أعصم(٥) وأم عبد الله اليهودية سحراك، وأخبره بالسحر حيث هو، ثم قرأ عليه( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) (٦) فانحلت عقدة، ثم قرأ أخرى(٧) حتى قرأ احدى عشرة مرة، فانحلت الإحدى عشرة عقدة، وجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخبره جبرئيل الخبر، فقال: انطلق وائتني بالسحر، فجاء به ثم دعا بلبيد وأم عبد الله، فقال: ما دعاكما إلى ما صنعتماه؟ ثم قال للبيد: لا أخرجك الله من الدنيا سالما، وكان موسرا كثير المال، فمر به غلام في اذنه قرط، فجذبه فخرم اذن الصبي، فاخذ فقطعت يده فكوي منها فمات» .

ورواه مع اختلاف وزيادة فرات بن إبراهيم في تفسيره(٨) : عن عبد الرحمن ابن محمد العلوي، ومحمد بن عمر الخزاز، عن إبراهيم بن محمد بن ميمون، عن عيسى بن محمد، عن جده، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

[١٤٩١٠] ٨ - ابنا بسطام في طب الأئمةعليهم‌السلام : عن محمد بن جعفر البرسي، عن محمد بن يحيى الأرمني، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن

__________________

(٢) الجف: وعاء الطلع وهو الغشاء الذي يكون فوق طلع النخل ( النهاية ج ١ ص ٢٧٨ ).

(٣) المراقي: جمع مرقاة، وهي الدرجة ومراقي البئر حفر صغار تكون على يمين البئر ويساره يستعان بها في الصعود والنزول ( انظر لسان العرب ج ١٤ ص ٣٣٢ ).

(٤) في المصدر زيادة: عليه.

(٥) في الحجرية: عاصم، وما أثبتناه من المصدر.

(٦) في المصدر زيادة: فقال رسول الله ذلك.

(٧) في المصدر زيادة: فانحلت عقدة أخرى.

(٨) تفسير فرات ص ٢٣٣.

٨ - طب الأئمة ص ١١٣.

١٠٨

عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ان جبرئيل أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال: يا محمد، قال: لبيك، قال: إن فلانا اليهودي سحرك، وجعل السحر في بئر بني فلان » وذكر القصة.

[١٤٩١١] ٩ - وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، انه سئل عن المعوذتين انهما من القرآن، فقال الصادقعليه‌السلام : « هما من القرآن - إلى أن قال - وهل تدري ما معنى المعوذتين، وفي اي شئ نزلت(١) ؟ ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سحره لبيد بن أعصم(٢) اليهودي» فقال أبو بصير لأبي عبد اللهعليه‌السلام : وما ( كان ذا؟ وما )(٣) عسى ان يبلغ من سحره؟ قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : « بلى، كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يرى أنه يجامع ولا(٤) يجامع وكان يريد الباب ولا يبصره يلمسه بيده، والسحر حق، وما سلط الحسر الا على العين والفرج» . الخبر.

[١٤٩١٢] ١٠ - وعن سهل بن محمد بن سهل، عن عبد ربه بن محمد بن إبراهيم، عن ابن أورمة، عن ابن مسكان، عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن النشرة للمسحور، فقال: « ما كان أبيعليه‌السلام يرى به بأسا ».

[١٤٩١٣] ١١ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ان الله يرحم عصاة أمتي في الليلة المباركة، بعدد شعور أغنام بني كلب وربيعة ومضر، فيغفر لهم الا ثمانية نفر: المشرك، والكاهن، والساحر،

__________________

٩ - طب الأئمة ص ١١٤.

(١) في المصدر: نزلتا.

(٢) في الحجرية « عاصم » وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر: كاد، أو.

(٤) في المصدر: وليس.

١٠ - المصدر السابق ص ١١٤.

١١ - لب اللباب: مخطوط.

١٠٩

والعاق، وآكل الربا، ومدمن الخمر، والزاني، والماجن» .

[١٤٩١٤] ١٢ - وروي: انه يخرج عنق من النار فيقول: أين من كذب على الله؟ وأين من ضاد الله؟ وأين من استخف بالله؟ فيقولون: ومن هذه الأصناف الثلاثة؟ فيقول: من سحر فقد كذب على الله، ومن صور التصاوير فقد ضاد الله، ومن تراءى في عمله فقد استخف بالله.

٢٣ -( باب تحريم اتيان العراف وتصديقه، وتحريم الكهانة والقيامة)

[١٤٩١٥] ١ - الجعفريات: بالسند المتقدم، عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أنه قال: « من السحت ثمن الميتة - إلى أن قال - واجر الكاهن - إلى أن قال - واجر القافي(١) ». الخبر.

[١٤٩١٦] ٢ - وبهذا الاسناد، عن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « لا بد من العريف والعريف في النار، ولا بد من الامرة برة كانت أو فاجرة ».

[١٤٩١٧] ٣ - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه )، أنه قال: « من جاء عرافا فسأله وصدقه بما قال، فقد كفر بما انزل الله على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يقول: [ إن ](١) كثيرا من الرقي وتعليق التمائم شعبة [ من الاشراك ](٢) ».

[١٤٩١٨] ٤ - وعن جعفر بن محمد، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « كنا

__________________

١٢ - لب اللباب: مخطوط.

الباب ٢٣

١ - الجعفريات ص ١٨٠.

(١) القائف: الذي يعرف آثار الاقدام، وكان ذا منزلة في الجاهلية. ( لسان العرب ( قوف ) ج ٩ ص ٢٩٣ ).

٢ - المصدر السابق ص ٢٤٥.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٨٣ ح ١٧٣٧.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) أثبتناه من المصدر.

٤ - المصدر السابق ج ٢ ص ١٤٢ ح ٤٩٨.

١١٠

مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة، إذ رمي بنجم(١) فاستنار، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للقوم: ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رأيتم مثل هذا؟ قالوا(٢) : كنا نقول: مات عظيم وولد عظيم، قال: فإنه لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياة أحد، ولكن ربنا إذا قضى أمرا سبح حملة العرش وقالوا: قضى ربنا بكذا، فتسمع ذلك أهل السماء التي تليهم، فيقولون ذلك، حتى يبلغ ذلك إلى السماء الدنيا، فيسرق(٣) الشياطين السمع، فربما اعتقلوا شيئا فأتوا به الكهنة، فيزيدون وينقصون فتخطئ الكهنة وتصيب، ثم إن الله عز وجل منع السماء بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فلا كهانة، وتلا جعفر بن محمدعليهما‌السلام ( إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ) (٤) وقوله عز وجل:( أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا ) (٥) » .

[١٤٩١٩] ٥ - كتاب درست بن أبي منصور: عن ابن مسكان وحديد، رفعاه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال: « ان الله أوحى إلى نبي في نبوته: أخبر قومك انهم قد استخفوا بطاعتي وانتهكوا معصيتي - ان قال - وخبر قومك انه ليس مني من تكهن أو تكهن له، أو سحر أو تسحر له » الخبر.

[١٤٩٢٠] ٦ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي: عن عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام - في حديث - انه عد من السحت اجر الكاهن الخبر.

[١٤٩٢١] ٧ - جعفر بن أحمد القمي في كتاب المانعات: عن عطية، عن أبي سعيد

__________________

(١) في المصدر: نجم.

(٢) كان في الأصل: ( قال ) وما أثبتناه من المصدر.

(٣) في المصدر: فتسترق.

(٤) الحجر ١٥ الآية ١٨.

(٥) الجن ٧٢ الآية ٩.

٥ - كتاب درست بن أبي منصور ص ١٦٧.

٦ - كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي ص ٧٦.

٧ - المانعات ص ٢.

١١١

قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يدخل الجنة عاق، ولا منان، ولا ديوث، ولا كاهن ومن مشى إلى كاهن فصدقه بما يقول، فقد برئ مما انزل الله على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله » الخبر.

[١٤٩٢٢] ٨ - القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: « من صدق كاهنا، فقد كفر بما انزل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

[١٤٩٢٣] ٩ - نهج البلاغة: عن نوف البكالي قال: رأيت أمير المؤمنينعليه‌السلام ذات ليلة، وقد خرج من فراشه فنظر إلى(١) النجوم، فقال: « يا نوف، ان داود قام في مثل هذه الساعة من الليل، فقال: إنها ساعة لا يدعو فيها ( عبد الا استجيب له )(٢) ، إلا أن يكون عشارا، أو عريفا، أو شرطيا »، الخبر.

[١٤٩٢٤] ١٠ - الصدوق في الخصال: عن الحسين، عن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن الحسين بن أبي الخطاب، عن المغيرة بن محمد، عن بكير بن خنيس، عن أبي عبد الله الشامي، عن نوف البكالي قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « يا نوف، اقبل وصيتي: لا تكونن نقيبا، ولا عريفا، ولا عشارا، ولا بريدا ».

[١٤٩٢٥] ١١ - أبو عمرو الكشي في رجاله: عن حمدويه وإبراهيم، عن أيوب بن نوح، عن [ حنان، عن ](١) عقبة بن بشير الأسدي، قال: دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام فقلت له: إني في الحسب الضخم من قومي، وإن قومي كان لهم عريف فهلك، فأرادوا أن يعرفوني عليهم، فما ترى

__________________

٨ - لب اللباب: مخطوط.

٩ - نهج البلاغة ج ٣ ص ١٧٣ رقم ١٠٤.

(١) في المصدر: في.

(٢) كان في الحجرية: عبد ربه الا استحباب، وما أثبتناه من المصدر.

١٠ - بل أمالي الصدوق ص ١٧٤ ح ٩، وعنه في البحار ج ٧٧ ص ٣٨٢ ح ٩.

١١ - رجال الكشي ج ٢ ص ٤٥٩ ح ٣٥٨.

(١) أثبتناه من المصدر وهو الصواب ( راجع معجم رجال الحديث ٦ ص ٢٩٩ و ج ١١ ص ١٥١ ).

١١٢

لي؟(٢) فقال أبو جعفرعليه‌السلام : « تمن علينا بحسبك! أن الله رفع بالايمان من كان الناس يسمونه(٣) وضيعا إذا كان مؤمنا، ووضع بالكفر من كان يسمونه شريفا إذا كان كافرا، وليس لاحد على أحد تفضل(٤) إلا بتقوى الله، وأما قولك: إن قومي كان لهم عريف فهلك فأرادوا أن يعرفوني عليهم، فإن كنت تكره الجنة وتبغضها فتعرف على قومك، ويأخذ سلطان جائر بامرئ مسلم يسفك دمه، فتشركهم في دمه، وعسى أن لا تنال من دنياهم شيئا ».

٢٤ -( باب حكم الرقي)

[١٤٩٢٦] ١ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا رقى إلا في ثلاث: في حية(١) ، أو في عين، أو دم لا يرقى ».

[١٤٩٢٧] ٢ - وبهذا الاسناد: عن عليعليه‌السلام : « ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن أربع نفخات: في موضع السجود، وفي الرقي، وفي الطعام، والشراب ».

[١٤٩٢٨] ٣ - دعائم الاسلام: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انه نهى عن الرقي بغير كتاب الله عز وجل، وما [ لا ](١) يعرف ( من ذكره(٢) وقال: « هذه

__________________

(٢) في المصدر زيادة: قال.

(٣) في المصدر: سموه.

(٤) في المصدر: فضل.

الباب ٢٤

١ - الجعفريات ص ١٦٧.

(١) في المصدر: جبة.

٢ - المصدر السابق ص ٣٨.

٣ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٤١ ح ٤٩٣.

(١) أثبتناه من المصدر.

(٢) في المصدر: بذكره.

١١٣

الرقي مما اخذه سليمان بن داودعليهما‌السلام ، [ على الانس و ](٣) الجن والهوام» .

[١٤٩٢٩] ٤ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « لا رقى إلا في ثلاث: في حمة أو عين، أو دم لا يرقى »، والحمة: السم.

[١٤٩٣٠] ٥ - وعن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنه قال: « إذا أردت ترقي الجرح - يعني من الألم والدم وما يخاف منه - عليه فضع يدك على الجرح وقل: بسم الله أرقيك، بسم الله الأكبر، من الحديدة والحجر(١) ، والناب الأسمر، والعرق فلا ينعر(٢) والعين فلا تسهر، تردده ثلاث مرات ».

[١٤٩٣١] ٦ - وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، انه سئل عن رجل رقى ملذوعا بسورة من القرآن فشفي، فأعطاه على ذلك(١) ، فرخص له(٢) .

[١٤٩٣٢] ٧ - الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: عن خارجة بن الصلت البرجمي قال: رجعت مع عمي من عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمررنا بقبيلة من قبائل العرب فقالوا: ظننا انكم تقدمون من عند هذا الذي يدعي النبوة، وعندنا رجل قد جن قد أوثقناه، فهل عندكم شئ فيه راحته؟ فقال عمي: نعم، فذهبوا بنا إلى عند المجنون، فقرأ عمي فاتحة الكتاب، وكان يجمع بصاقه في فمه

__________________

(٣) في الحجرية: « عن » بدل « على » وما أثبتناه من المصدر.

٤ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٤١ ح ٤٩٤.

٥ - المصدر السابق ج ٢ ص ١٤٢ ح ٤٩٦.

(١) في المصدر زيادة: الملبود.

(٢) كان في الحجرية: يفتر، وما أثبتناه من المصدر، ونعر الجرح: سال دمه ولم ينقطع « لسان العرب ج ٥ ص ٢٢١ ».

٦ - المصدر السابق ج ٢ ص ٧٤ ح ٢٠٨.

(١) في المصدر: الرقية أجرا.

(٢) في المصدر زيادة: في ذلك.

٧ - تفسير أبى الفتوح الرازي ج ١ ص ١٣.

١١٤

وكلما قرأه مرات ألقى بصاقه في فمه، فعل ذلك به ثلاثة أيام، فبرأ بإذن الله تعالى، فأعطوني شيئا، فقلنا: لا نأكله حتى نسأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه حلال، فلما سألناه، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من اكل برقية باطل، فهذا برقية حق ».

قلت: رواه مختصرا ابن الأثير في أسد الغابة فقال: روى يعلى بن عبيد، عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي قال: حدثني خارجة بن الصلت: ان عمه أدرك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأسلم ثم رجع، فمر باعرابي مجنون موثق في الحديد، فقال بعضهم: من عنده شئ يداويه به؟ فان صاحبكم جاء بالخير، فقلت: نعم، فرقيته بأم الكتاب كل يوم مرتين، فبرأ فأعطاني مائة شاة، فلم آخذها حتى اتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته فقال: « أقلت شيئا غير هذا؟ » قلت: لا، قال: « كلها بسم الله، فلعمري من اكل برقية باطل، فقد أكلت برقية حق ».

٢٥ -( باب حكم القصاص)

[١٤٩٣٣] ١ - العياشي في تفسيره: عن ربعي، عمن ذكره، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، في قول الله تعالى:( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا ) (١) قال: « الكلام في الله والجدال في القرآن( فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) (٢) قال: منه القصاص ».

[١٤٩٣٤] ٢ - الصدوق في العيون: عن عبد الواحد(١) بن محمد بن عبدوس، عن

__________________

(١) أسد الغابة ج ٢ ص ٧٤.

الباب ٢٥

١ - تفسير العياشي ج ١ ص ٣٦٢ ح ٣١.

(١) الانعام ٦ الآية ٦٨.

(٢) الانعام ٦ الآية ٦٨.

٢ - عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ج ١ ص ٣٠٧ ح ٦٩.

(١) في الطبعة الحجرية: « عبد الله » وما أثبتناه من المصدر، راجع « معجم رجال الحديث ج ١١ ص ٣٦ - ٣٧ ».

١١٥

علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام - في حديث - قال: قلت: يا بن رسول الله، فقد روي لنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال: « من تعلم علما ليماري به السفهاء، أو يباهي به العلماء، أو ليقبل به وجوه الناس إليه، فهو في النار» فقالعليه‌السلام : « صدق جديعليه‌السلام ، أفتدري من السفهاء» ؟ فقلت: لا، يا بن رسول الله، فقال: « [ هم ](٢) قصاص مخالفينا» . الخبر.

٢٦ -( باب كراهة الأجرة على تعليم القرآن مع الشرط، دون تعليم غيره، ودون الهدية، وما يكون من غير شرط، واستحباب التسوية بين الصبيان)

[١٤٩٣٥] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واعلم أن أجرة المعلم حرام إذا شارط في تعليم القرآن، أو معلم لا يعلمه الا قرآنا فقط، فحرام اجرته ان شارط أم لم يشارط(١) ».

[١٤٩٣٦] ٢ - وروي عن(١) ابن عباس في قوله: ( أكالون للسحت )(٢) قال: أجرة المعلمين الذين يشارطون في تعليم القرآن.

[١٤٩٣٧] ٣ - وروي ان عبد الله بن مسعود جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال:

__________________

(٢) أثبتناه من المصدر.

الباب ٢٦

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٤.

(١) في المصدر: « يشرط ».

٢ - المصدر السابق ص ٣٤.

(١) في المصدر « ان ».

(٢) المائدة ٥ الآية ٤٢.

٣ - المصدر السابق ص ٣٤.

١١٦

يا رسول الله، أعطاني فلان الاعرابي ناقة بولدها، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لم(١) يا بن مسعود؟ » فقال: اني كنت علمت له أربع سور من كتاب الله، فقال: « رد عليه - يا بن مسعود - فان الاجر(٢) على القرآن حرام ».

[١٤٩٣٨] ٤ - ابن شهرآشوب في المناقب: قيل إن عبد الرحمن السلمي علم ولد الحسينعليه‌السلام ( الحمد ) فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار، وألف حلة، وحشا فاه درا، فقيل له في ذلك، فقال: « وأين يقع هذا من عطائه! يعني تعليمه ».

[١٤٩٣٩] ٥ - الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « من السحت ثمن الميتة - إلى أن قال - واجر القارئ الذي لا يقرأ القرآن الا بأجر، ولا بأس ان يجرى له من بيت المال ».

[١٤٩٤٠] ٦ - عوالي اللآلي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « ان أحق ما أخذتم عليه اجرا كتاب الله ».

٢٧ -( باب عدم جواز اخذ الأجرة على الأذان والصلاة بالناس والقضاء، وسائر الواجبات كتغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم)

[١٤٩٤١] ١ - الجعفريات: بالسند المتقدم، عن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « من

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) في المصدر: « الأجرة ».

٤ - مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٦٦.

٥ - الجعفريات ص ١٨٠.

٦ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٧٦ ح ٢١٥.

الباب ٢٧

١ - الجعفريات ص ١٨٠.

١١٧

السحت ثمن الميتة - إلى أن قال - واجر القاضي، الا قاض يجرى عليه من بيت المال، وأجر المؤذن الا مؤذن يجرى عليه من بيت المال» .

٢٨ -( باب عدم جواز بيع المصحف، وجواز بيع الورق والجلد ونحوهما، واخذ الأجرة على كتابته)

[١٤٩٤٢] ١ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « لا بأس ببيع المصاحف وشرائها »، قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ولا بأس ان يكتب بأجر، ولا يقع الشراء على كتاب الله، ولكن على الجلود والدفتين، يقول: أبيعك هذا بكذا ».

٢٩ -( باب تحريم كسب القمار حتى الكعاب والجوز والبيض، وإن كان الفاعل غير مكلف، وتحريم فعل القمار)

[١٤٩٤٣] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واعلم - يرحمك الله - ان الله تبارك وتعالى نهى عن جميع القمار، وأمر العباد بالاجتناب منها، وسماها رجسا، فقال( رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ) (١) مثل اللعب بالشطرنج والنرد وغيرهما من القمار، والنرد أشر من الشطرنج» ، الخبر.

[١٤٩٤٤] ٢ - الصدوق في المقنع: اتق اللعب بالنرد، فان الصادقعليه‌السلام نهى عن ذلك، ان مثل من يعلب بالنرد قماراً، مثل من يأكل لحم الخنزير، ومثل من

__________________

الباب ٢٨

١ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٩ ح ٢٩.

الباب ٢٩

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٣٨.

(١) المائدة ٥ الآية ٩٠.

٢ - المقنع ص ١٥٤.

١١٨

يلعب بها من غير قمار، مثل الذي يضع يده في لحم الخنزير، أو في دمه واجتنب الملاهي كلّها واللعب بالخواتيم والأربعة عشر(١) ، فان الصادقينعليهم‌السلام نهوا عن ذلك.

[١٤٩٤٥] ٣ - محمد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن حمدويه، عن محمد بن عيسى قال: سمعته يقول: كتب إليه إبراهيم بن عنبسة - يعني إلى علي بن محمدعليهما‌السلام -: ان رأى سيدي ومولاي ان يخبرني عن قول الله:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) (١) الآية فما المنفعة جعلت فداك؟ فكتب: « كلما قومر به فهو الميسر »، الخبر.

[١٤٩٤٦] ٤ - الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال: « إياكم وهاتين الكعبتين الموشومتين، فإنهما من ميسر العجم ».

٣٠ -( باب تحريم اخذ ما ينثر في الأعراس، الا من يعلم اذن أربابه بانتهابه)

[١٤٩٤٧] ١ - الصدوق في الأمالي: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، عن الصادق، عن آبائه قال: « قال أمير المؤمنينعليهم‌السلام : دخلت أم أيمن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وفي ملحفها شئ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما معك يا أم أيمن؟ فقالت: ان فلانة أملكوها(١) فنثروا

__________________

(١) في المصدر زيادة: وكل قمار.

٣ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٠٥ ح ٣١١.

(١) البقرة ٢ الآية ٢١٩.

٤ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٣٦٥.

الباب ٣٠

١ - أمالي الصدوق ص ٢٣٦ ح ٣.

(١) الاملاك: التزويج. ( لسان العرب - ملك - ج ١٠ ص ٤٩٤ ).

١١٩

عليها، فأخذت من نثارهم، ثم بكت أم أيمن، وقالت: يا رسول الله، فاطمةعليها‌السلام زوجتها ولم تنثر عليها شيئا» الخبر.

[١٤٩٤٨] ٢ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام انه نهى عن القمار، والنهبة، والنثار، يعني بالنثار: ما ينثر على قوم لم يدعوا إليه، ولم تطب نفس ناثره به لمن صار إليه، وكان يؤخذ اخطافاً(١) وانتهاباً، فهو شبيه بالنهبة.

٣١ -( باب جواز بيع جلد غير مأكول اللحم إذا كان مذكى، دون الميتة)

[١٤٩٤٩] ١ - كتاب محمد بن المثنى الحضرمي: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي: قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ، عن جلود السباع التي يجلس عليها، فقال: « ادبغوها » فرخص في ذلك.

[١٤٩٥٠] ٢ - دعائم الاسلام: عن عليعليه‌السلام ، أنه قال: « من السحت ثمن جلود السباع ».

ورواه في الجعفريات: بسنده عنهعليه‌السلام (١) .

قلت: يمكن حمل الخبر الأول على المذكى، والثاني على الميتة، أو حمل الأول على مجرد جواز الانتفاع بها، بناء على جواز الانتفاع بالمنافع المحللة من الميتة، كالاستقاء من جلودها، واطعام كلب الصيد من لحومها، وحرمة المعاوضة عليها، والانتفاع من ثمنها.

__________________

٢ - دعائم الاسلام ج ٢ ص ٤٨٦ ح ١٧٣٩.

(١) في المصدر: اختطافا.

الباب ٣١

١ - كتاب محمد بن المثنى الحضرمي ص ٨٩.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ١٢٦.

(١) الجعفريات ص ١٨٠.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

إحساساً...

ولنستمع إلى فصل آخر من رسالته يقول:

(وأمّا ما ذكرتم من العثرة كانت في أبي الحسن نوّر الله وجهه، فلعمري إنّها عندي للنهضة والاستقلال الذي أرجو به قطع الصراط، والأمن والنجاة من الخوف يوم الفزع الأكبر، ولا أظن عملاً هو عندي أفضل من ذلك إلاّ أن أعود بمثلها إلى مثله، وأين لي بذلك وأين لكم بتلك السعادة...).

لقد رد المأمون على أسرته التي عابت عليه عقده بولاية العهد للإمام الرضاعليه‌السلام ، وأنّه قد عثر بذلك عثرة لا تغفر، فأجابهم أنّه قد خطا بذلك خطوة كبرى لنهضة الأمّة واستقلالها، فقد رشّح لزعامتها أفضل إنسان على وجه الأرض يقيم الحق، وينشر العدل، ويعيد للإسلام كرامته...

وهذا فصل آخر من هذه الرسالة يقول:

(وأمّا قولكم: إنّي سفهت آراء آبائكم، وأحلام أسلافكم، فكذلك قال مشركو قريش:( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) ويلكم إن الدين لا يؤخذ إلا من الأنبياء، فافقهوا، وما أراكم تعقلون).

وردّ المأمون بهذا الكلام على ما زعمته أسرته من أنّه سفه آراء آبائه، وأفسد أحلام أسلافه، وذلك ببرّه وإحسانه إلى آل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ هذا المنطق الهزيل قد تمسك به المشركون من قبل حينما دعاهم الرسول الأعظم إلى كلمة التوحيد فرفضوا ذلك فقالوا: (انا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)...

ولنستمع إلى الفصل الأخير من هذه الرسالة يقول:

(وأمّا تعييركم إياي: بسياسة المجوس، وإيّاكم فما أذهبكم (الأنفة) في ذلك، ولو ساستكم القردة والخنازير، وما أردتم إلاّ أمير المؤمنين، ولعمري لقد كانوا مجوساً فأسلموا كآبائنا وأمهاتنا في القديم، فهم المجوس الذين أسلموا، وأنتم المسلمون الذين ارتدوا، فمجوسي أسلم خير من مسلم ارتد فهم يتناهون عن المنكر، ويأمرون بالمعروف، ويتقربون من الخير، ويتباعدون من الشر، ويذبون عن حرم المسلمين، يتباهجون بما نال الشرك وأهله من النكر، ويتباشرون بما نال الإسلام وأهله من الخير... منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.

٣٠١

وليس منكم إلاّ لاعب بنفسه، مأفون في عقله، إمّا مغن، أو ضارب دف، أو زامر، والله لو أنّ بني أمية الذين قتلتموهم بالأمس نشروا فقيل لهم: لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها لما زادوا على ما صيّرتموه لكم شعاراً ودثاراً، وصناعة وأخلاقاً.

ليس منكم إلاّ مَن إذا مسّه الشر جزع، وإذا مسّه الخير منع، ولا تأنفون، ولا ترجون إلاّ خشية، وكيف يأنف من يبيت مركوباً، ويصبح بإثمه معجباً، كأنّه قد اكتسب حمداً، غايته بطنه وفرجه، لا يبالي أن ينال شهوته بقتل ألف نبي مرسل، أو ملك مقرّب، أحب الناس مَن زيّن له معصية، أو أعانه في فاحشة، تنظفه المخمورة، وتربده المطمورة، مشتّت الأحوال، فإن ارتدعتم ممّا أنتم فيه من السيئات والفضائح، وما تهذرون به من عذاب ألسنتكم وإلاّ فدونكم تعلو بالحديد، ولا قوّة إلاّ بالله، وعليه توكّلي وهو حسبي...)(١) .

وانتهت هذه الرسالة، وقد أدلى المأمون في أواخرها بعيوب أسرته وفضائحها، ولا أعلم أنّ أسرة عربية قد وصمت بمثل الفضائح التي ذكرها المأمون، والتي انتهت بهذه الأسرة إلى مستوى سحيق ماله من قرار.

____________________

(١) البحار ٤٩ / ٢٠٨ - ٢١٤ الطبعة الحديثة، حياة الإمام الرضا (ص ٤٥٣ - ٤٦٠) وقد نقلناها منه.

٣٠٢

شؤون الإمام في (خراسان)

ولا بد لنا من وقفة قصيرة للحديث عن بعض شؤون الإمام الرضاعليه‌السلام حينما كان مقيماً في (خراسان)، وفيما يلي ذلك:

وفادة الشعراء على الإمام:

وبادرت كوكبة من أعلام الشعر العربي في ذلك العصر نحو الإمام الرضاعليه‌السلام تقدّم له تهانيها، وتبريكاتها لتولّيه ولاية العهد، كان منهم: الشاعر الكبير دعبل الخزاعي، الثائر على الظلم والجور، والمعبّر عن آلام المظلومين والمضطهدين، ومنهم: الشاعر الملهم إبراهيم بن العباس الصولي نابغة عصره في الأدب نظماً ونثراً(١) ، ومنهم: الأديب الكبير الشاعر رزين بن علي شقيق دعبل الخزاعي.

وقبل سفرهم إلى (خراسان) قال دعبل لإبراهيم:

إنّي أريد أن أصحبك إلى خراسان؟ فقال له إبراهيم:

(حبذا أنت صاحباً ومصحوباً، إن كنّا على شريطة بشار...).

____________________

(١) عرضنا لترجمته في البحث عن أصحاب الإمام ورواة حديثه.

٣٠٣

وبادر دعبل قائلاً:

(ما شريطته؟...).

قال قوله:

أخ خير من آخيت أحمل ثقله

ويحمل عنّي إذا حملته ثقلي

أخ إن نبا دهر بنا كنت دونه

وإن كان كون كان لي ثقة مثلي

أخ ماله لي لست أرهب بخله

ومالي له لا يرهب الدهر من بخلي(١)

وفي أثناء سفرهم قطع عليهم الطريق فاضطرّوا إلى ركب حمير تحمل الشوك، فقال إبراهيم:

أعيدت بعد حمل الشوك أحمالاً من الخزف

نشاوى لا من الخمر بل من شدّة الضعف

وقال: لرزين أجز هذا، فقال:

فلو كنتم على هذا تصيرون إلى النصف

تساوت حالكم فيه ولم تبقوا على الخصف

ثم قال لدعبل: أجز هذا يا أبا علي، فقال:

إذا فات الذي فات فكونوا من ذوي الظرف

وخفوا نقصف اليوم فإنّي بايع خفي(٢)

وانتهت قافلة هؤلاء الأعلام تطوي البيداء لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى خراسان، وفور وصولهم، بادروا إلى مقابلة الإمامعليه‌السلام فأنشده دعبل تائيته الخالدة التي سنذكرها، وأنشده إبراهيم بن العباس قصيدته التي لم يرو المؤرّخون منها إلاّ هذا البيت:

أزالت عناء القلب بعد التجلّدِ

مصارع أولاد النبي محمّدِ

واحتفى بهم الإمام، وقابلهم بمزيد من الحفاوة والتكريم.

جائزة الإمام لدعبل:

ووهب الإمام إلى دعبل صرّة فيها عشرة آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه(٣) ، ولم تكن تلك الدراهم قد وقعت في يد أحد قبل دعبل، فرفض دعبل

____________________

(١) تأريخ ابن عساكر ٥ / ٣٣١.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٤١ - ١٤٢.

(٣) الأغاني ١٨ / ٢٩، معجم الأدباء ٤ / ١٩٤، وفي رجال الكشي (ص ٣١٤) أنّه أعطاه ست مائة دينار، وفي الإتحاف أنّه أعطاه مائة دينار وهو بعيد عمّا عرف به الإمام من الكرم والسخاء.

٣٠٤

أخذها، وقال: لا والله ما هذا أردت، ولا له خرجت، وإنّما جئت للتشرّف به، والنظر إلى وجهه، وطلب من خادم الإمام أن يهب الإمام له ثوباً من ثيابه، فأنفذ إليه الإمام بجبّة خز(١) مع الدراهم، وقال له: خذ هذه الصرة فإنّك ستحتاج إليها.

وانصرف دعبل حتى انتهى إلى (قم)، وقد أذيع فيها حديث جبّة الإمامعليه‌السلام فسارع القميّون إلى دعبل، وسألوه أن يبيع إليهم الجبّة بثلاثين ألف درهم(٢) فأبى وسار عن (قم) فلحقه قوم من القميّين، وقالوا له: إن شئت أن تأخذ المال، وإلاّ فأنت أعلم، فقال لهم: إنّي والله لا أعطيكم إيّاها طوعاً، ولا تنفعكم غصباً، فإنّها إنّما تراد لله عزّ وجل، وهي محرّمة عليكم، وحلف أن لا يبيعها إليهم إلاّ أن يعطوه بعضها لتكون في كفنه فأعطوه كمّاً واحداً فكان في أكفانه(٣) ، ويقول الرواة:

إنّ جارية لدعبل كانت أثيرة عنده قد مرضت فعصبها دعبل بما عنده من جبّة الإمامعليه‌السلام فبرأت(٤) .

وأمّا الدراهم فقد باع دعبل كل درهم منها بعشرة دراهم إلى أهالي (قم) فبلغت حصّته مائة ألف درهم(٥) .

جائزة إبراهيم من الإمام:

ومنح الإمامعليه‌السلام إبراهيم الصولي عشرة آلاف درهم من الدراهم التي ضُرب عليها اسمه الشريف، ولم يبعها إبراهيم وإنّما بقيت عنده(٦) فتصرّف في بعضها، وبقي الآخر عنده حتى توفّي.

القصيدة الخالدة لدعبل:

وتعد قصيدة دعبل التي ألقاها على الإمام الرضاعليه‌السلام من ذخائر

____________________

(١) مقدمة ديوان دعبل (ص ٥٢).

(٢) في رجال النجاشي (ص ١٩٧) وفي البحار ١٢ / ٧١ أنّ الإمام خلع عليه قميصاً أخضر، وخاتماً فصّه عقيق، وقال له: احتفظ بهذا القميص فقد صلّيت فيه ألف ليلة بألف ركعة، وختمت فيه القرآن ألف ختمة.

(٣) الأغاني ١٨ / ٢٩. معجم الأدباء ٤ / ١٩٤.

(٤) البحار ١٢ / ٧١.

(٥) أمالي المرتضى ١ / ٤٨٤.

(٦) أمالي المرتضى ١ / ٤٨٤.

٣٠٥

الأدب العربي، ومن مناجم التراث الإسلامي، وهي من أشهر قصائد دعبل، وقد أثرّت في نفس الإمام تأثيراً بالغاً، حتى بكى، وأغمى عليه ثلاث مرات(١) ؛ لأنّه عرض فيها الفجائع القاسية التي حلّت بأهل البيتعليهم‌السلام ، وقد كتبها دعبل في ثوب وأحرم فيه وأوصى أن يكون في أكفانه(٢) .

وقد انتشرت قصيدة دعبل انتشاراً هائلاً في ذلك العصر، وقد سمعها المأمون فأعجب بها، وطلب من دعبل أن يقرأها عليه، وقال له: لا بأس عليك ولك الأمان من كل شيء فيها، وقد رويتها إلاّ إنّي أحب أن أسمعها من فيك، فأنشدها والمأمون يبكي حتى اخضلّت لحيته من دموعه(٣) .

ومن طريف ما ينقل عن هذه القصيدة الغرّاء أنّ دعبل لـمّا سار من (مرو) في قافلة قطع عليهم اللصوص الطريق، وأخذوا كل ما معهم، واتفق أنّ لصّاً كان ينهب ما عند دعبل وينشد بيتاً من قصيدته التي ألقاها على الإمام وهو:

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً

وأيديهم من فيئهم صفرات

فقال له دعبل: لـمَن هذا البيت؟ فقال له لرجل من خزاعة يقال له دعبل، فقال له: أنا دعبل، ثم أنشده القصيدة فذهل ونادى ببقية اللصوص أن يردوا على القافلة ما أخذوه منها تكريماً لشاعر أهل البيت فردّوه عليهم(٤) .

ونظراً لأهمية هذه القصيدة فقد انبرى جمع من الأعلام إلى شرحها، ومن بين هذه الشروح:

١ - شرح السيد نعمة الله الجزائري.

٢ - شرح كمال الدين محمد بن محمد الشيرازي.

٣ - شرح الحاج ميرزا علي التبريزي(٥) .

نصّ القصيدة:

ونقل المغفور له الفاضل عبد الصاحب الدجيلي نصّ القصيدة في ديوان دعبل

____________________

(١) الأغاني ١٨ / ٤٢.

(٢) معجم الأدباء ٤ / ١٩٤.

(٣) الأغاني ١٨ / ٤٢.

(٤) نور الأبصار (ص ١٤٧)، الإتحاف (ص ١٦٣) البحار ١٢ / ٧١، مقدمة ديوان دعبل (ص ٥٣).

(٥) الذريعة.

٣٠٦

عن جمهرة من المصادر المخطوطة والمطبوعة ونحن ننقلها عنه، وهذا نصها:

١ - تجاوبن بالإرنان والزفرات = نوائح عجم اللفظ والنطقاتِ

٢ - يخبرن بالأنفاس عن سرّ أنفسٍ = أسارى هوى ماضٍ وآخر آتِ

٣ - فأسعدن أو أسعفن حتى تقوّضت = صنوف الدجى بالفجر منهزماتِ

٤ - على العرصات الخاليات من المها = سلام شجٍ صبٍّ على العرصاتِ

٥ - فعهدي بها خضر المعاهد مألفاً = من العطرات البيض والخفراتِ

٦ - ليالي يعدّين الوصال على القلى = وبعد تدانينا على الغرباتِ

٧ - وإذ هنّ يلحظن العيون سوافراً = ويسترن بالأيدي على الوجناتِ

٨ - وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة = يبيت لها قلبي على نشواتِ

٩ - فكم حسراتٍ هاجها بمحسّر = وقوفي يوم الجمع من عرفاتِ(١)

١٠ - ألم تر للأيام ما جرّ جورها = على الناس من نقصٍ وطول شتاتِ

١١ - ومن دول المستهترين ومن غدا = بهم طالباً للنور في الظلمات(٢)

١٢ - فكيف ومن أنّى يطالب زلفةً = إلى الله بعد الصوم والصلواتِ

١٣ - سوى حبّ أبناء النبي ورهطه = وبغض بني الزرقاء والعبلاتِ(٣)

١٤ - وهند وما أدّت سمية وابنها = أولو الكفر في الإسلام والفجراتِ(٤)

١٥ - همُ نقضوا عهد الكتاب وفرضه = ومحكمه بالزور والشبهاتِ(٥)

١٦ - ولم تك إلاّ محنة كشفتهم = بدعوى ضلالٍ من هن وهناتِ

١٧ - تراثٌ بلا قربى وملكٌ بلا هدى = وحكمٌ بلا شورى بغير هداتِ(٦)

١٨ - رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرةً = وردّت أُجاجاً طعم كل فراتِ

١٩ - وما سهلت تلك المذاهب فيهم = على الناس إلاّ بيعة الفلتاتِ(٧)

____________________

(١) محسّر وعرفات: اسمان لموضعين في مكة المكرّمة.

(٢) دول المستهترين: هي دول بني أمية، ودول بني العباس، الذين استهانوا بجميع الأعراف والقيم الإسلامية.

(٣) بنو الزرقاء: هم أبناء مروان طريد رسول الله (ص)، والزرقاء أمّه، وهي من النساء الفاجرات في الجاهلية، والعبلات إحدى قبائل قريش.

(٤) هند: أم معاوية الصحابي المزعوم صاحب الأحداث والموبقات في الإسلام، وسمية: اسم لام زياد الإرهابي المجرم.

(٥) يشير إلى الحكم الأموي الذي نقض عهد الله، وخاس بجميع القيم الإسلامية.

(٦) يشير إلى أنّ الحكم الأموي لم يستند إلى الشورى ولا إلى القربى.

(٧) يشير إلى بيعة أبي بكر التي وصمها عمر بقوله: إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها.

٣٠٧

٢٠ - وما نال أصحاب السقيفة إمرة = بدعوى تراثٍ، بل بأمر تراتِ(١)

٢١ - ولو قلّدوا الموصى إليه زمامها = لزمت بمأمون من العثراتِ(٢)

٢٢ - أخا خاتم الرسل المصفّى من القذى = ومفترس الأبطال في الغمراتِ(٣)

٢٣ - فإن جحدوا كان الغدير شهيده = وبدر وأحد شامخ الهضباتِ(٤)

٢٤ - وآي من القرآن تتلى بفضله = وإيثاره بالقوت في اللزباتِ(٥)

٢٥ - وغرُّ خلالٍ أدركته بسبقها = مناقب كانت فيه مؤتنفاتِ

٢٦ - مناقب لم تدرك بكيدٍ ولم تنل = بشيء سوى حد القنا الذرباتِ

٢٧ - نجيٌّ لجبريل الأمين وأنتمُ = عكوف على العزى معاً ومناةِ(٦)

٢٨ - بكيت لرسم الدار من عرفات = وأذريت دمع العين بالعبراتِ

٢٩ - وفك عرى صبري وهاجت صبابتي = رسوم ديارٍ أقفرت وعراتِ

٣٠ - مدارس آياتٍ خلت من تلاوةٍ = ومنزل وحيٍ مقفر العرصاتِ(٧)

٣١ - لآل رسول الله بالخيف من منى = وبالركن والتعريف والجمراتِ(٨)

٣٢ - ديار عليٍّ والحسين وجعفرٍ = وحمزة والسجّاد ذي الثفناتِ(٩)

____________________

(١) السقيفة: التي أرادها دعبل هي سقيفة بني ساعدة التي تآمروا فيها على الخلافة، والنبي مسجّى لم يدفن، وقد أسفر هذا المؤتمر عن إقصاء الإمام أمير المؤمنين عن مركز الخلافة الأمر الذي جرّ للمسلمين الويلات والدمار.

(٢) الوصي: هو الإمام أمير المؤمنين وصي رسول الله وباب مدينة علمه، ولو تقلّد الخلافة لصان المسلمين من العثرات.

أخو خاتم الرسل: وهو الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد قال له النبي: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة.

(٤) الغدير: هو الموضع المعروف الذي عقد فيه النبي (ص) البيعة للإمام أمير المؤمنين، وبيعة الغدير جزء من الإسلام فمَن أنكرها فقد أنكر الإسلام كما يقول بعض أعلام العصر.

(٥) الآيات الواردة في الإمام علي منها: آية المباهلة، وآية المودّة، وآية التطهير، وآية التصدّق بالخاتم، وغيرها من الآيات التي أشادت بعملاق الإسلام.

(٦) العزى ومناة: صنمان لقريش كانوا يعبدونهما من دون الله.

(٧) يشير إلى بيوت السادة أبناء النبي الذين حصدتهم سيوف الأمويين والعباسيين حتى أقفرت بيوتهم من تلك الكواكب المشرقة بنور الإيمان والتوحيد.

(٨) هذه المواضع المقدّسة التي ذكرها دعبل هي التي كان يقيمون فيها السادة العلويون فيحيون لياليهم فيها بالعبادة إلى الله وتلاوة كتابه.

(٩) ذو الثفنات: هو لقب لسيّد الساجدين والعابدين الإمام زين العابدين فقد كانت له ثفنات كثفنات البعير في مواضع سجوده من كثرة سجوده لله.

٣٠٨

٣٣ - ديار لعبد الله والفضل صنوه = نجي رسول الله في الخلواتِ

٣٤ - منازل وحي الله ينزل بينها = على أحمد المذكور في السوراتِ

٣٥ - منازل قوم يهتدي بهداهم = فتؤمن منهم زلّة العثراتِ

٣٦ - منازل كانت للصلاة وللتقى = وللصوم والتطهير والحسناتِ

٣٧ - منازل جبريل الأمين يحلّها = من الله بالتسليم والرحماتِ

٣٨ - منازل وحي الله معدن علمه = سبيل رشادٍ واضح الطرقاتِ

٣٩ - ديار عفاها جور كل منابذٍ = ولم تعف للأيام والسنواتِ

٤٠ - فيا وارثي علم النبي وآله = عليكم سلام دائم النفحاتِ

٤١ - قفا نسأل الدار التي خفّ أهلها = متى عهدها بالصوم والصلواتِ

٤٢ - وأين الألى شطّت بهم غربة النوى = أفانين في الآفاق مفترقاتِ

٤٣ - هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا = وهم خير ساداتٍ وخير حماةِ

٤٤ - مطاعيم في الإعسار في كل مشهدٍ = لقد شرفوا بالفضل والبركاتِ(١)

٤٥ - وما الناس إلاّ حاسدٌ ومكذِّبٌ = ومضطغنٌ ذو إحنةٍ وتراتِ

٤٦ - إذا ذكروا قتلى ببدرٍ وخيبرٍ = ويم حنينٍ أسبلوا العبرات(٢)

٤٧ - فكيف يحبون النبي ورهطه = وهم تركوا أحشاءهم وغراتِ(٣)

٤٨ - لقد لاينوه في المقال وأضمروا = قلوباً على الأحقاد منطوياتِ(٤)

٤٩ - فإن لم تكن إلاّ بقربى محمّدٍ = فهاشم أولى من هن وهناتِ

٥٠ - سقى الله قبراً بالمدينة غيثه = فقد حلّ فيه الأمن بالبركاتِ

٥١ - نبي الهدى صلّى عليه مليكه = وبلّغ عنه روحه التحفاتِ

٥٢ - وصلّى عليه الله ما ذرّ شارق = ولاحت نجوم الليل مبتدراتِ

٥٣ - أفاطم لو خلت الحسين مجدّلاً = وقد مات عطشاناً بشطّ فراتِ

٥٤ - إذن للطمت الخدّ فاطم عنده = وأجريت دمع العين في الوجناتِ

____________________

(١) يشير دعبل إلى كرم أهل البيت، وأنّهم مطاعيم في الإعسار للفقراء والمحرومين.

(٢) يشير دعبل إلى القوى المعادية لأهل البيت الذين وترهم سيف علي وسيوف المؤمنين، فإنّهم إذا ذكروا قتلاهم بكوا عليهم أحرّ البكاء.

(٥) إنّ القوى المنحرفة عن أهل البيت كيف يحبون النبي وأهله.

(٤) أراد دعبل أنّ المعادين للإسلام لاينوا النبي بكلامهم ولكنّ قلوبهم قد انطوت على عدائه.

٣٠٩

٥٥ - أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي = نجوم سماواتٍ بأرض فلاةِ

٥٦ - قبورٌ بكوفانٍ وأخرى بطيبةٍ = وأخرى بفخٍّ نالها صلواتِ(١)

٥٧ - وأخرى بأرض الجوزجان محلّها = وقبر بباخمرى لدى الغرباتِ(٢)

٥٨ - وقبرٌ ببغدادٍ لنفسٍ زكيّةٍ = تضمّنها الرحمن في الغرفاتِ(٣)

٥٩ - فأما الممضات التي لست بالغا = مبالغها مني بكنه صفات

٦٠ - قبورٌ لدى النهر من أرض كربلا = معرّسهم فيها بشطِّ فراتِ

٦١ - توفّوا عطاشا بالفرات فليتني = توفّيت فيهم قبل حين وفاتي

٦٢ - إلى الله أشكوا لوعةً عند ذكرهم = سقتني بكأس الذلِّ والفظعاتِ

٦٣ - أخاف بأن أزدارهم فيشوقني = مصارعهم بالجزع فالنخلاتِ

٦٤ - تقسّمهم ريب الزمان كما ترى = لهم عفرة مغشية الحجراتِ

٦٥ - سوى أنّ منهم بالمدينة عصبة = - مدى الدهر - أنضاءً من الأزماتِ

٦٦ - قليلة زوار سوى بعض زور = من الضبع والعقبان والرخمات

٦٧ - لهم كل حين نومة بمضاجعٍ = ثوت في نواحي الأرض مختلفاتِ

٦٨ - وقد كان منهم بالحجاز وأهلها = مغاوير يختارون في السرواتِ

٦٩ - تنكّب لأواء السنين جوارهم = فلا تصطليهم جمرة الجمراتِ(٤)

٧٠ - حمى لم تزره المذنبات وأوجه = تضئ لدى الأستار في الظلماتِ

____________________

(١) أشار دعبل إلى مراقد السادة العلويين، وأوّل مرقد لهم قبر الإمام علىعليه‌السلام في النجف التي هي في ظهر الكوفة، وقبر الشهيد مسلم بن عقيل، وفي طيبة قبور أئمّة البقيععليهم‌السلام ، وفي فخ قبر الحسين بن علي بن الحسن وغيره من العلويين.

(٢) الجوزجان: فيها قبر الشهيد العظيم يحيى بن زيد الذي استشهد أيام الوليد الأموي، وباخمرى: هي موضع بين الكوفة وواسط فيها استشهد إبراهيم بن عبد الله بن الحسن في أيام الطاغية الدوانيقي.

(٣) أمّا القبر الذي ببغداد فهو قبر باب الحوائج الإمام الكاظم وقبر حفيده الإمام الجواد، ونعت كثير من المصادر أنّ دعبل لـمّا انتهى إلى هذا البيت قال له الإمام الرضا أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين، فقال: بلى يا بن رسول الله فقالعليه‌السلام .

وقبر بطوس يا لها من مصيبة

ألحّت على الأحشاء بالزفراتِ

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً

يفرّج عنّا الغمِّ والكرباتِ

فقال دعبل: هذا القبر الذي بطوس قبر مَن؟ قال الإمامعليه‌السلام : هو قبري. جاء ذلك في المناقب ٣ / ٤٥٠ وغيره.

(٤) اللأواء: الشدّة.

٣١٠

٧١ - إذا أوردوا خيلاً تسعّر بالقنا = مساعر جمر الموت والغمراتِ

٧٢ - وإن فخروا يوماً أتوا بمحمّدٍ = وجبريل والفرقان والسوراتِ

٧٣ - وعدوا عليّاً ذا المناقب والعلا = وفاطمة الزهراء خير بناتِ

٧٤ - وحمزة والعبّاس ذا الهدي والتقى = وجعفر الطيّار في الحجباتِ

٧٥ - أولئك لا منتوج هند وحزبها = سمية من نوكى ومن قذراتِ(١)

٧٦ - ستسأل تيم عنهم وعديّها = وبيعتهم من أفخر الفجراتِ(٢)

٧٧ - هم منعوا الآباء من أخذ حقّهم = وهم تركوا الأبناء رهن شتاتِ(٣)

٧٨ - وهم عدلوها عن وصي محمّدٍ = فبيعتهم جاءت على الغدراتِ(٤)

٧٩ - ملامك في أهل النبي فإنّهم = أحباي ما عاشوا وأهل ثقاتي

٨٠ - تخيّرتهم رشداً لأمري فإنّهم = على كل حالٍ خيرة الخيراتِ

٨١ - نبذت إليهم بالمودّة صادقاً = وسلّمت نفسي طائعاً لولاتي

٨٢ - فيا ربّ زدني من يقيني بصيرةً = وزد حبّهم يا ربّ في حسناتي

٨٣ - سأبكيهم ما حجّ لله راكب = وما ناح قُمْريٌّ على الشجراتِ

٨٤ - بنفسي أنتم من كهولٍ وفتيةٍ = لفك عناةٍ أو لحمل دياتِ

٨٥ - وللخيل لـمّا قيّد الموت خطوها = فأطلقتم منهن بالذرباتِ(٥)

٨٦ - أحبّ قصيّ الرحم من أجل حبكم = وأهجر فيكم أسرتي وبناتي(٦)

٨٧ - وأكتم حبيكم مخافة كاشحٍ = عنيدٍ لأهل الحق غير مواتِ

٨٨ - فيا عين بكّيهم وجودي بعبرة = فقد آن للتسكاب والهملاتِ(٧)

____________________

(١) النوكي: الحمق.

(٢) أراد بتيم: أبو بكر، وأراد بعدي عمر بن الخطاب، ويرى دعبل أنّهما مسؤولان عمّا لحق بأهل البيت من المآسي والنكبات فهما اللذان أقصيا الإمام أمير المؤمنين عن الخلافة وسببا للعترة الطاهرة ألوانا مريرة من المصائب.

(٣) أشار دعبل إلى أنّ الملوك السابقين هم الذي منعوا السادة العلويين من أخذ حقهم، وتركوا السادة من أبنائهم رهن شتات.

(٤) الوصي هو الإمام أمير المؤمنين وصي رسول الله وباب مدينة علمه وقد شجب دعبل تحوّل الخلافة عنه، وتقليدها لغيره.

(٥) الذربات: الداهيات.

(٦) يريد دعبل أنّه يحب ويخلص لـمَن أحب وأخلص لأهل البيت عليهم، وإن كانوا بعاداً عنه في النسب، ويعادي مَن عاداهم، وإن كانوا أُسرته وبناته.

(٧) الهملات: هي الدموع.

٣١١

٨٩ - لقد حفّت الأيام حولي بشرّها = وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي(١)

٩٠ - ألم تر أنّي من ثلاثين حجّة = أروح وأغدو دائم الحسراتِ

٩١ - أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً = وأيديهم من فيئهم صفراتِ(٢)

٩٢ - فكيف أداوي من جوى بي والجوى = أميّة أهل الفسق والتبعاتِ

٩٣ - فآل رسول الله نحف جسومهم = وآل زياد حفل القصراتِ(٣)

٩٤ بنات زيادٍ في القصور مصونةٌ = وآل رسول الله في الفلواتِ

٩٥ - سأبكيهم ما ذرّ في الأرض شارقٌ = ونادى منادى الخير بالصلواتِ

٩٦ - وما طلعت شمسٌ وحان غروبها = وبالليل أبكيهم وبالغدواتِ

٩٧ - ديار رسول الله أصبحن بلقعاً = وآل زيادٍ تسكن الحجراتِ

٩٨ - وآل رسول الله تدمى نحورهم = وآل زيادٍ آمنوا السرباتِ

٩٩ - وآل رسول الله تُسبى حريمهم = وآل زيادٍ ربّة الحجلاتِ

١٠٠ - إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم = أكفّاً عن الأوتار منقضبات(٤)

١٠١ - فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غدٍ = تقطّع نفسي إثرهم حسراتِ

١٠٢ - خروج إمام لا محالة خارجٌ = يقوم على اسم الله والبركات(٥)

١٠٣ - يميّز فينا كلَّ حقٍ وباطلٍ = ويجزي على النعماء والنقمات

١٠٤ - سأقصر نفسي جاهداً عن جدالهم = كفاني ما ألقى من العبراتِ

١٠٥ - فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري = فغير بعيدٍ كل ما هو آتٍ

١٠٦ - ولا تجزعي من مدّة الجور إنّني = أرى قوّتي قد آذنت بشتاتِ

١٠٧ - فإن قرّب الرحمن من تلك مدّتي = وأخّر من عمري لطول حياتي

١٠٨ - شفيت ولم أترك لنفسي رزيّة = وروّيت منهم منصلي وقناتي(٦)

____________________

(١) في رواية: لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها، وفي رواية أنّ دعبل لـمّا أنشد هذا البيت رفع الإمامعليه‌السلام يديه بالدعاء، وقال له: آمنك الله يا خزاعي يوم الفزع الأكبر.

(٢) في رواية أنّ دعبل لـمّا بلغ إلى هذا البيت جعل الإمام الرضا يقلب كفّه ويقول: (أجل والله منقبضات).

(٣) القصرات: جمع مفرده قصرة، وهي أصل العنق.

(٤) في رواية أنّ دعبل لـمّا فرغ من إنشاد هذا البيت جعل الإمام الرضاعليه‌السلام يقلب كفّيه ويقول: أجل والله منقبضات.

(٥) عندما انتهى دعبل من إنشاد هذا البيت، والبيت الذي بعده قال له الإمام: (يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك) المناقب ٣ / ٤٥٠.

(٦) المنصل: حديدة السهم والرمح والسكّين.

٣١٢

١٠٩ - فإنّي من الرحمن أرجوا بحبّهم = حياةً لدى الفردوس غير بتاتِ(١)

١١٠ - عسى الله أن يأوي لذا الخلق إنّه = إلى كل قومٍ دائم اللحظاتِ

١١١ - فإن قلت عرفاً أنكروه بمنكرٍ = وغطّوا على التحقيق بالشبهاتِ

١١٢ - أحاول نقل الشمس عن مستقرّها = وأسمع أحجاراً من الصلداتِ

١١٣ - فمن عارفٍ لم ينتفع ومعاندٍ = يميل مع الأهواء والشهواتِ

١١٤ - قصارى منهم أن أموت بغصّةٍ = تردّد في صدري وفي اللهواتِ

١١٥ - كأنّك بالأضلاع قد ضاق رحبها = لِمَا ضُمّنت من شدّة الزفراتِ(٢)

وانتهت هذه القصيدة العصماء التي نالت رضا الإمام ودعاءه لدعبل بالفوز يوم الفزع الأكبر.

وقد تأثّر الإمام كأشدّ ما يكون التأثّر في الأبيات التي رثى بها دعبل الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقد بكى الإمام أمرّ البكاء، وأغمي عليه غير مرة، فقد نخبت قلبه فاجعة كربلاء، وكان يقول: إنّ أمر الحسين أسهر جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، يا أرض كرب وبلاء أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحط الذنوب والعظام(٣) .

ويشتد حزن الإمام ويتضاعف أساه إذا حلّ شهر المحرم، وقد قال: كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل شهر محرّم لا يرى ضاحكاً، وكانت الكارثة تغلبه حتى تمضي منه عشرة أيام، فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، وكان يقول: (هذا اليوم الذي قتل فيه الحسين)(٤) .

وقالعليه‌السلام : إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلة يحرّمون فيه القتال، فاستحلّت فيه دماؤنا، وانتهكت فيه حرمتنا، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهبت ما فيه من ثقلنا، ولم يرعوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حرمة في أمرنا(٥) .

____________________

(١) غير بتات: أي غير منقطعة، وإنّما هي حياة خالدة ودائمة.

(٢) ديوان دعبل.

(٣) الأنوار النعمانية ٣ / ٢٣٨.

(٤) الأنوار النعمانية ٣ / ٢٣٨.

(٥) الأنوار النعمانية ٣ / ٢٣٨.

٣١٣

وروى الريان بن شبيب قال: دخلت على الرضا في أول يوم من المحرم فقال لي:

(يا بن شبيب أصائم أنت؟).

(لا...).

وأخذ الإمام يعرفه حرمة ذلك اليوم قائلاً:

(هذه اليوم الذي دعا فيه زكريا ربّه عزّ وجل، فقال: يا رب هب لي من لدنك ذرية طيبة، إنّك سميع الدعاء، فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلّي في المحراب: إنّ الله يبشرك بيحيى، فمَن صام هذا اليوم، ثم دعا الله عزّ وجل استجاب له، كما استجاب لزكريا.

يا بن شبيب إنّ المحرّم هو الشهر الذي كان فيه أهل الجاهلية - فيما مضى - يحرّمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها، ولا حرمة نبيّها، لقد قتلوا في هذا الشهر ذرّيته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، فلا غفر الله ذلك لهم أبداً.

يا بن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابك الحسين بن علي بن أبي طالب، فإنّه ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه، ولقد بكت السماوات السبع، والأرضون لقتله، ولقد نزلت إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصرته فوجدوه قد قتل، فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائمعليه‌السلام فيكونون معه من أنصاره وشيعته، وشعارهم: (يا لثارات

الحسين)(١) .

لقد أخلدت كارثة كربلاء الحزن والأسى لأهل البيتعليهم‌السلام فهم وشيعتهم في حزن مستمر لا ينسون ما حلّ بسبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من عظيم المحن والرزايا، فقد انتهكت في يوم عاشوراء حرمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يرع في ذلك اليوم الخالد في دنيا الأحزان أيّ حرمة لله، ولا لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد عمد جيش ابن مرجانة إلى قتل سبط رسول الله (ص) بتلك القتلة المروعة...

ولنعد بعد هذا إلى متابعة شؤون الإمام في (خراسان).

____________________

(١) الأنوار النعمانية ٣ / ٢٣٩.

٣١٤

إنفاق جميع ما عنده:

وأنفق الإمامعليه‌السلام جميع ما يملك (بخراسان) على الفقراء والبؤساء فأنكر عليه الفضل بن سهل، وقال له:

(إنّ هذا المغرم...).

فرد عليه الإمام ببالغ الحجّة قائلاً:

(بل هو المغنم، لا تعدن مغرماً ما اتبعت به أجراً وكرماً)(١) .

إنّه ليس من المغرم في شيء إنفاق الإمام جميع ما عنده على الفقراء والمحرومين، وإنقاذهم من غائلة الفقر وويلات البؤس، وإنّما المغرم ما كان ينفقه ملوك العبّاسيين وإخوانهم الأمويون من الأموال الطائلة على شهواتهم ولياليهم الحمراء، ولم ينفقوا أي شيء على فقراء المسلمين.

خطبة الإمام في التوحيد:

وتعتبر هذه الخطبة من غرر خطب أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن روائع ما أثر عنهم في قضايا التوحيد، ولو ولم يكن للإمام الرضاعليه‌السلام من تراث إلاّ هذه الخطبة لكفى بها للتدليل على إمامته، وبلوغه مرتبة سامية من العلم والفضل لم يبلغها إلاّ الأئمّة المعصومون سلام الله عليهم... ونظراً لأهميتها البالغة فقد تصدى سماحة المغفور له يحيى بن محمد علي إلى شرحها، وقد جاء في مقدمتها:

(إنّ الخطبة المعروفة الواردة في التوحيد إلى جناب الحضرة المقدّسة والساحة المطهّرة... ثامن أئمّة الدين إمام الورى علي بن موسى الرضا عليه التحيّة والثناء، لما كانت بحراً عميقاً، محتوياً على فوائد ومعارف... جامعة من فنون العلم وصنوف المعروفة ما لا يجمعه سواها الخ...)(٢) .

أمّا سبب إنشاء الإمام لهذه الخطبة فهو أنّ المأمون لـمّا أراد أن يولّي الإمام ولاية العهد حسده بنو هاشم - وهم بنو العباس - وقالوا له:

أتولّي رجلاً جاهلاً ليس له بصر(٣) بتدبير الخلافة؟ فابعث إليه رجلاً يأتينا به

____________________

(١) بحار الأنوار ١٢ / ٢٩.

(٢) شرح خطبة الإمام الرضا في التوحيد مخطوطة في مكتبة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام تسلسل (١٧٢٨).

(٣) في نسخة ليس له بصيرة.

٣١٥

فترى من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن اصعد المنبر، وانصب لنا علماً نعبد الله عليه، فصعد المنبر، فقعد مليّاً لا يتكلّم، ثم انتفض واستوى قائماً، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي وأهل بيته، ثم قال: (أوّل عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أنّ كل صفة وموصوف مخلوق(١) وشهادة كل مخلوق أنّ له خالقاً ليس بصفة، ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف، من عرف بالتشبيه ذاته(٢) ولا إيّاه وحده من اكتنهه(٣) ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا به صدق مَن نهاه(٤) ، ولا صمد صمده مَن أشار إليه(٥) ولا إيّاه عنى من شبهه، ولا له تذلّل من بعضه، ولا إيّاه أراد من توهمه. كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول يعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجّته(٦) ، خلق الله الخلق حجاباً بينه وبينهم، ومباينته إيّاهم مفارقته إنّيتهم، وابتداؤه إيّاهم دليلهم على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدئ عن ابتداء غيره، وأدوات إيّاهم دليل على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المتأدين.

وأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه، فقد جهل الله مَن استوصفه، وقد تعدّاه مَن اشتمله(٧) وقد أخطأه مَن اكتنهه، ومَن قال: كيف فقد شبّهه، ومَن قال: لم؟ فقد علّله، ومَن قال:

____________________

(١) أراد كل صفة وموصوف متعددان ذاتاً أو اعتباراً فإنّهما من صفات الممكن، أمّا الواجب تعالى فإنّ صفاته عين ذاته، ولا تعدّد بينه وبين صفاته.

(٢) يريد أنّه لا يعرف الله، مَن يشبه ذات الله تعالى.

(٣) يريد: أنّ مَن يطلب كنهه تعالى وحقيقته فهو ليس من الموحّدين؛ لأنّه قد جعله من الممكنات التي يمكن معرفتها.

(٤) أراد أنّه لم يصدق بالله تعالى مَن جعل له نهاية.

(٥) يعنى أنّ مَن أشار إلى الله تعالى فقد ضلّ عن الطريق؛ لأنّ الله ليس له جهة خاصة حتى يشار؛ لأنّه أينما تولّوا فثمّ وجه الله تعالى.

(٦) أراد أن الله معروف ومعلوم بالفطرة الأصيلة وبالعقول النيّرة المستقيمة، فإنّ جميع الوجود تدلّل عليه.

(٧) المعنى: إنّه قد توهّم، وبعد عن الصواب مَن تصوّر أنّه أحاط بمعرفة الخالق العظيم.

٣١٦

متى؟ فقد وقّته، ومَن قال: فيم؟ فقد ضمّنه، ومَن قال: إلام؟ فقد نهاه، ومَن قال: حتام فقد غيّاه(١) ، ومَن غيّاه فقد غاياه، ومَن غاياه فقد جزّأه ومَن جزّأه وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا يتغيّر الله بانغيار المخلوق، كما لا يتحدّد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجلٍّ لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مبائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسّم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدّر لا بحول فكرة(٢) ، مدبِّر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمجسّة(٣) ، سميع لا بآلة، بصير لا بأداة.

لا تصحبه الأوقات، ولا تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السنات(٤) ، ولا تحدّه الصفات، ولا تقيّده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده(٥) والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له(٦) ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضدّ له، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والجلاية بالبهم، والجسو(٧) بالبلل، والصرد(٨) بالحرور، مؤلّف بين متعادياتها، مفرّق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها، وبتأليفها على مؤلفها، ذلك قوله عزّ وجل:( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٩) ففرّق بها بين قبل وبعد، ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها.

____________________

(١) المعنى: إنّه من سأل عن حد أو نهاية أو غاية ذلك فيما يتعلق بذات الخالق العظيم، فإنّه قد ضل ضلالاً بعيداً، وانحرف عن الحق إذ كيف يصل الإنسان المحدود فكره إلى معرفة الله تعالى.

(٢) لا بحول فكرة: أي لا بقوّة الفكر.

(٣) المجسّة: آلة الحس.

(٤) السنة: النعاس.

(٥) أي سبق وجوده العدم.

(٦) عرف أنّ لا مشعر له: يعني أنّه تعالى لعلوّه عن مرتبة المصنوع عرف أن لا مشعر له.

(٧) الجسو: المس.

(٨) الصرد: بفتح الصاد، وكسر الراء من يجد البرد سريعاً، ومنه رجل مصراد لـمَن يشتد عليه البرد ولا يطيقه، مجمع البحرين.

(٩) سورة الذاريات: آية ٤٩ والآية استشهاد للمضادة، والمعنى من كل شيء خلقنا ضدين كالأمثلة المذكورة بخلافة تعالى فإنّه لا ضدّ له.

٣١٧

له معنى الربوبية إذ لا مربوب(١) ، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه(٢) ، ومعنى العالم ولا معلوم، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق، ولا بإحداثه البرايا استفاد معنى البارئية، كيف ولا تغيبه من، ولا تدنيه قد، ولا تحجبه لعل، ولا توقّته متى، ولا تشمله حين، ولا تقارنه مع(٣) ، إنّما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الآلة إلى نظائرها(٤) ، وفي الأشياء يوجد أفعالها(٥) ، منعتها قد الأزلية(٦) وجنبتها لولا التكملة افترقت فدلّت على مفرقها، وتباينت فأعربت عن مباينها لما تجلّى صانعها للعقول، وبها احتجب عن الرؤية، وإليها تحاكم الأوهام،

وفيها أثبتت غيره(٧) ، ومنها أنيط الدليل، وبها عرفها الإقرار، وبالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالإقرار يكمل الإيمان به، ولا ديانة إلاّ بعد المعرفة، ولا معرفة إلاّ بالإخلاص، ولا إخلاص مع التشبيه، ولا نفي مع أثبات الصفات للتشبيه (٨) ، فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه من صانعه لا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتدأه إذا لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه.

____________________

(١) المراد أنّ كل صفة كمالية في الوجود ثابته له تعالى بذاته إذ أنها حاصلة له من غيره وهذا مفاد (أنّ الواجب الوجود لذاته واجب لذاته من جميع الوجوه).

(٢) المراد أنّه تعالى هو المالك للتصرّف، والعبد مألوه له تعالى يتصرّف في شؤونه.

(٣) المراد أنّه كيف لا يستحق الخالق أن يكون قبل الخلق والحال أنّه تغيبه من التي هي لابتداء الزمان عن فعله أي يكون فعله متوقفاً على زمان حتى يكون غالياً عن فعله بسبب عدم الوصول بذلك الزمان، منتظراً لحضور ابتدائه، كما لا تقربه التي هي لتقريب زمان الفعل فلا يقال: قد قرب وقت فعله، لأنّه لا ينتظر وقتاً ليفعل فيه، بل كل الأوقات سواء بالنسبة إليه، ولعلّ لا تحجبه عن مراده، لعلّ التي هي للترجّي لأنّه إذ يترجّى شيئاً، وإنّما أمر إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، كما لا توقّته في مبادئ أفعاله متى، فلا يقال: متى علم متى قدر لان صفاته الكمالية ومبادئ أفعاله، أزلية كوجوده كما لا تشمله ولا تحدّده ذاتاً وصفة وفعلاً (حين) لأنّه فاعل الزمان، كما لا تقارنه بشيء (مع) إذ ليس معه شيء ولا في مرتبته شيء، ومَن كان كذلك فهو خالق بارئ قبل الخلق.

(٤) المراد إنّما يتقيد في الفعل والتأثير بالأدوات أمثالها في المحدودية والجسمانية.

(٥) الأمور الممكنة هي التي تتأثّر وتؤثّر بالآلات وأمّا الحق فمنزّه عن ذلك.

(٦) المراد أنّ أنصاف الأشياء بمعاني منذ وقد ولولا وتقييدها بها يمنعها من الاتصاف بالقِدم والأزلية.

(٧) أي في الأشياء أثبت الله التغيير والاختلاف وذلك بحسب حدودها الإمكانية.

(٨) أي لا نفي لتشبيهه تعالى بالمخلوق مع إثبات الصفات الزائدة له. أخذنا هذه التعاليق من هامش الكتاب وهي للسيد هاشم الحسيني الطهراني.

٣١٨

ولـمّا كان للباري معنى غير المبروء، ولو حد له وراء إذاً حد له أمام، ولو التمس له التمام إذاً لزمه النقصان، كيف يستحق الأزل مَن لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشيء الأشياء من لا يمتنع من الإنشاء إذاً لقامت فيه آية المصنوع، ولتحوّل دليلاً بعد ما كان مدلولاً عليه، ليس في محال القول حجّة، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إباءته عن الخلق ضيم إلاّ بامتناع الأزلي أن يثني، وما لا بدء له أن يبدأ، لا إله إلاّ الله العلي العظيم، كذب العادلون بالله، وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً، وصلّى الله على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين)(١) .

وحوت هذه الخطبة العظيمة غوامض البحوث الفلسفية والكلامية، وقد ظهرت فيها القدرات العلمية الهائلة للإمام الرضاعليه‌السلام ، وانكشف للعباسيين زيغ ما ذهبوا إليه من عجز الإمام وعدم قدرته على الخوض في البحوث العلمية، ومن المؤكّد أنّ معظم المستمعين لخطاب الإمام لم يفقهوا هذه المسائل الفلسفية التي عرضها الإمامعليه‌السلام ، والتي تناولت أهم قضايا التوحيد.

الخطبة التي كتبها الإمام للمأمون:

وطلب المأمون من الإمام الرضاعليه‌السلام أن يكتب له خطبة ليقرأها على الناس حينما يصلّي بهم، فكتبعليه‌السلام له هذه الخطبة الجليلة وقد جاء فيها بعد البسملة:

(الحمد لله الذي لا من شيء كان، ولا على صنع شيء استعان، ولا من شيء خلق، كما كون منه الأشياء، بل قال له: كن فيكون.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، الجليل عن منابذة الأنداد،

ومكابدة الأضداد، واتخاذ الصواحب والأولاد، وأشهد أنّ محمداً عبده المصطفى، وأمينه المجتبى، أرسله بالقرآن المفصّل، ووحيه، الموصل، وفرقانه المحصل، فبشّر بثوابه، وحذّر من عقابه،صلى‌الله‌عليه‌وآله .

أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكتمون، فإنّ الله لم يتركم سدى، ولم يخلقكم عبثاً، ولم يمكنكم هدى... الحذر، والحذر عباد الله فقد حذركم الله نفسه، فلا تعرضوا للندم، واستجلاب النقم، والمصير إلى

____________________

(١) التوحيد (ص ٣٤ - ٤١).

٣١٩

عذاب جهنّم، إنّ عذابها كان غراماً، إنّها ساءت مستقراً ومقاماً، لا تطفى، وعيون لا ترقى، ونفوس لا تموت، ولا تحيى في السلاسل والأغلال، والمثلات والنكال، كلمّا نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب، إنّ الله كان عزيزاً حكيماً، نار أحاط بها سرادقها، فلا يسمع لهم نداء، ولا يجاب لهم دعاء ولا يرحم لهم بكاء، ففروا عباد الله إلى الله بهذه الأنفس الفانية، في الصيحة المتوالية، في الأيام الخالية، من قبل أن ينزل بكم الموت، فيغصبكم أنفسكم، ويفجعكم بمهجكم، ويحول بينكم وبين الرجعة هيهات حضرت آجالكم، وختمت أعمالكم، وجفّت أقلامكم، فلا للرجعة من سبيل، ولا إلى الإقامة من وصول عصمنا الله وإيّاكم بما عصم به أولياءه الأبرار، وأرشدنا وإياكم لما أرشد له عباده الأخيار...)(١) .

وحفلت هذه الخطبة بالدعوة إلى فعل الخير، واجتناب الحرام والزهد في الدنيا، والتحذير من عذاب الله وعقابه.

المأمون يطلب من الإمام محاسن الشعر:

وطلب المأمون من الإمامعليه‌السلام أن ينشده أحسن ما رواه في الحلم، فقالعليه‌السلام أحسن ما رويته هذه الأبيات:

إن كان دوني من بليت بجهله

أبيت لنفسي أن أقابل بالجهلِ

وإن كان مثلي في محلّي من النهى

هربت لحلمي كي أجل عن المثلِ

وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى

عرفت له حق التقدّم والفضلِ

وأعجب المأمون بهذه الأبيات وانبرى يقول:

(مَن قائله؟...).

(بعض فتياننا...).

وقال المأمون: أنشدني أحسن ما رويته في السكوت عن الجاهل، فقالعليه‌السلام هذه الأبيات:

إنّي ليهجرني الصديق تجنّباً

فأريه أنّ لهجره أسبابا

وأراه إن عاتبته أغريته

فأرى له ترك العتاب عتابا

وإذا ابتُليت بجاهلٍ متغافلٍ

يجد المحال من الأمور صوابا

أوليته منّي السكوت وربّما

كان السكوت عن الجواب جوابا

____________________

(١) الدر النظيم ورقة ٢١٥.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375